الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الإمام القائم (عجّل الله فرجه) هم تلك الفئة التي يعتمد عليها الإمام (عجّل الله فرجه) في إقامة دولة الحق ودحض الباطل ومحق الظلم، والذين يستعين بهم في عملية إرساء حكومة العدل الإلهي.
إنَّ أولى المهام والمسؤوليات المناطة بهم هي تطهير الأرض من الشرك والكفر وكل ما يتفرع عن ذلك من الظلم والجور والانحراف والفساد، فقد ورد في الحديث القدسي: فإنه يوم قضيت وحتمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي وأنتخب لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للإيمان. [سعد السعود للسيد ابن طاووس: ص٣٤]
ومن الواضح أن التعبير الوارد في الحديث عنهم بـ(الانتخاب) يؤشر إلى مرتبة خاصة من مراتب الاجتباء والاصطفاء تستدعي مزيد عناية وتوفيق إلهي لخطورة الوظيفة التي يضطلعون بها ليكونوا موكلين ومخصوصين في تنفيذ ذلك المشروع الإلهي الذي يحقق على أيديهم طموح وآمال جميع الأنبياء والأولياء الصالحين، وهو المعنى الذي دلت عليه الأخبار والروايات بشكل واضح لا لبس فيه، فقد جاء عن سليمان بن هارون العجلي، قال: قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن صاحب هذا الأمر محفوظ له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله (عزَّ وجل): ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾، وهم الذين قال الله فيهم: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ﴾ [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٣٠]
وعلى هذا الأساس يكون هؤلاء الأنصار هم أصحاب الألوية والأركان التي تقوم عليها الدولة المهدوية والحكام الذين يبعثهم الإمام (عجّل الله فرجه) في جميع أصقاع الأرض والعالم لإدارة شؤون الناس وتدبير أمورهم والقضاء بينهم، روى المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية وهم حكام الله في أرضه على خلقه. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٧٢]، ولا يخفى أن كل ذلك يتطلب وعياً وفهماً يمثل امتيازاً خاصاً لهم يتجاوز المعرفة الكسبية المعهودة عند الناس، وقد ورد في بعض الأخبار ما يمكن أن يُشكل تفسيراً لتلك الصفة التي يتصفون بها، فقد روى النعماني في غيبته عن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك واعمل بما فيها. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٣٤]
ومن الوظائف المهمة التي يكلفهم بها الإمام (عجّل الله فرجه) هو نشر العلم والعقيدة الصحيحة للناس ليكون كل ذلك المرحلة المتقدمة بعد الفراغ عن تطهير الأرض وتخليصها من كل العوائق والموانع التي كانت سبباً في ضلال وانحراف المجتمعات الإنسانية، فقد روى جابر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط لمن يعلّم القرآن على ما أنزل الله تعالى. [الإرشاد للشيخ المفيد: ج٢، ص٣٨٦]
وبالإسناد إلى حبة العرني، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، وقد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٣٣]، وعن جعفر بن يحيى عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم الفساطيط في مسجد كوفان. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٣٤]
ومن الواضح أن التعليم في هذه الروايات ليس للقراءة ومحض التلاوة، وإنما للتفسير وبيان معاني الآيات وتأويلها بقرينة قوله (كما أنزل)، لأن الاختلاف، ومظنة الخطأ والتحريف، ليس في القرآن من حيث كلماته وآياته وسوره، وإنما هو في تفسيره وتأويله، الذي لحقه بسبب التفاسير الباطلة والمحرفة والبعيدة عن إرادات السماء في مقاصدها وأهدافها، وهذه المهمة كما هو معلوم تقتضي أن يكون هؤلاء الأنصار على مستوى رفيع من العلم والمعرفة العميقة المستفادة من تعليم وإرشاد نفس الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، كذلك يمكن أن نتعرف على بعض وظائفهم ومسؤولياتهم من خلال الشروط والفروض التي يجعلها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عليهم في أول بيعتهم له، ليشكل ذلك المعالم الوظيفية البارزة التي لابد أن تتوفر فيهم، فقد روى صاحب عقد الدرر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الحوار الذي يجري بينه (عجّل الله فرجه) وبين أصحابه، قوله: إني لست قاطعاً أمراً حتى تبايعوني على ثلاثين خصلة تلزمكم لا تغيرون منها شيئاً، ولكم عليَّ ثمان خصال، قالوا: قد فعلنا ذلك، فاذكر ما أنت ذاكر يا بن رسول الله (صلىّ الله عليه وآله وسلم)، فيخرجون معه إلى الصفا، فيقول: أنا معكم على أن لا تولوا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا محرماً ولا تأتوا فاحشة ولا تضربوا أحداً إلّا بحقه ولا تكنزوا ذهباً ولا فضة ولا تبراً ولا شعيراً ولا تأكلوا مال اليتيم ولا تشهدوا بغير ما تعلمون ولا تخربوا مسجداً ولا تقبحوا مسلماً ولا تلعنوا مؤاجراً إلّا بحقه ولا تشربوا مسكراً ولا تلبسوا الذهب ولا الحرير ولا الديباج ولا تبيعوها رباً ولا تسفكوا دماً حراماً ولا تغدروا بمستأمن ولا تبقوا على كافر ولا منافق، وتلبسون الخشن من الثياب وتتوسدون التراب على الخدود وتجاهدون في الله حق جهاده ولا تشتمون، وتكرهون النجاسة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، فإذا فعلتم ذلك فعليَّ أن لا أتخذ حاجباً ولا ألبس إلّا كما تلبسون ولا أركب إلّا كما تركبون وأرضى بالقليل وأملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وأعبد الله (عزَّ وجل) حق عبادته وأفي لكم وتفوا لي. قالوا: رضينا واتبعناك على هذا فيصافحهم رجلاً رجلاً. [عقد الدرر للسلمي الشافعي: ص٩٦]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)