الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
ليتضح الجواب نقول:
أولاً: من المعلوم لدى الجميع أن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان قد استعمل كِلا الطريقين في نشر الإسلام ولم يقتصر على أسلوب الدعوة الحوارية لو صح التعبير كما قد يلوح من السؤال، ولذلك مؤشرات عديدة، فالقرآن الكريم يأمر المسلمين بإعداد القوة والسلاح ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٠]، والنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله. وغيرها كثير.
ثانياً: ليس هناك مقابلة تامة بين الفتوحات والرحمة، بل على العكس أن الفتوحات هي في حد ذاتها رحمة، فإن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُرسِل رحمة للعالمين في كل ما فعله في سبيل نشر الإسلام أي إن أسلوب القتال لا يتنافى مع الرحمة والسلام.
ثالثاً: صحيح أن القاعدة في دعوة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هي قاعدة السلم والحوار على حدّ ما أمره الله تعالى به في قضية المباهلة ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠-٦١] أو في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] أو قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥].
ولكن هذه القاعدة لم تسلم من الاستثناء، فإن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكما بيّنا قبل قليل استعمل أسلوب القتال في الظروف الحرجة أو التي لا سبيل فيها إلّا الحرب، ولذا ورد أن لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (٨٠) غزوة وهكذا هي سيرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فإن القاعدة في سيرته هي السلم لا الحرب، وهذا له مؤشرات عديدة نذكر منها:
١) ما ورد في فتح القسطنطينية، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها، قال: ويبعث جنداً إلى القسطنطينية فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون. [الغيبة للنعماني: ص٣٣٤، ب٢١، ح٨]
٢) إن مدة حكم الإمام (عجّل الله فرجه) هي (٣٠٩) سنة مدة نوم أصحاب الكهف كما في بعض الروايات، فقد ورد: يملك القائم ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً... . [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٢، ص٢٩٠]، فإذا عرفنا أن المدة التي يحمل الإمام (عجّل الله فرجه) فيها السيف (كناية عن القتال) لا تتجاوز (٨) أو (٩) أشهر فقط، عرفنا أن القاعدة هي السلم، وإن القتال استثناء.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)