الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله الحكيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٨].
عن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ يعني خروج القائم المنتظر منا، ثم قال (عليه السلام): يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٣٥٧]
هل ترتفع التوبة زمن ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أم لا؟
قيل بأن التوبة ترتفع زمن الظهور، ولكن هل فعلاً ترتفع التوبة زمن الظهور؟
الجواب:
هناك قانون عام أكد عليه الإسلام، يأبى لسانه عن التخصيص، وهو أن باب التوبة مفتوح ما دام الإنسان في الدنيا وعلى قيد الحياة. وهناك عشرات الآيات ومئات الروايات الدالة على فتح الباب للتوبة على مصراعيه لكل منحرف عن الطريق الحق. ومن ذلك الآيات التالية:
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ﴾ [التوبة: ١٠٤]
﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود: ٩٠]
﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: ٢٥]
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التحريم: ٨].
وهذه الآيات عامة تشمل حتى زمن الظهور المقدس، فما لم يرد دليل خاص يخصص زمن الظهور وأنه زمن ترتفع فيه التوبة، فنبقى آنذاك نحن وذلك العموم القرآني، ونلتزم بأن باب التوبة يبقى مفتوحا زمن الظهور.
المخصص المدعى:
قد تذكر رواية كمخصص لعموم فتح باب التوبة، وهي ما ورد عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: لو قد خرج قائم آل محمد (عليهم السلام) لينصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبين... لا يستتيب أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم... . [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص٢١٣]
فمن قوله (لا يستتيب أحداً) ربما يظن البعض أن باب التوبة ينغلق زمن الظهور.
المناقشة في المخصص:
ولكن في قبال هذا اللفظ من الرواية هناك لفظ آخر جاء فيه أنه لا يستنيب أحداً، من الاستنابة في الأعمال، وقد ذكر هذا صاحب بحار الأنوار حيث أورد تلك الرواية وجاء فيها: ...ولا يستنيب أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم.
ثم قال: بيان: (لا يستنيب أحداً) أي يتولى الأمور العظام بنفسه... [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٢، ص٣٤٩]
بل ورد في نسخة ثالثة أنه لا يستبقي أحداً، أي من الكفار، كما ورد ذلك في غيبة النعماني: ...لا يستبقي أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم. [الغيبة للنعماني: ص٢٦٣ - ٢٦٤]
وهذا أمر لا مانع منه، بل هو ما تدل عليه الآيات والروايات، مثل ما ورد عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣ - الصف: ٩]، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام) فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٧٠]
ومع هذا التعدد في اللفظ تكون الرواية في أحسن احتمالاتها مجملة، فلا يستدل بها على مطلب بعينه، فلا تصلح لتخصيص عموم فتح باب التوبة لكل إنسان وفي كل زمان.
مؤشرات قبول التوبة زمن الظهور:
فضلاً عما تقدم، فإنه يمكن القول بأن هناك مؤشرات عديدة تدل على أنه (عجّل الله فرجه) سيقبل التوبة من الكثير من الناس، نذكر منها التالي:
١- ما ورد من أنه يرسل النفس الزكية للتعريف به وبحركته في محاولة للإقناع من دون قتال، ولو كان لا يقبل توبة أحد فلماذا يرسل لهم رسولاً منه محاولاً هدايتهم للطريق الحق.
٢- ما ورد من أنه سيناقش أهل الديانات ويثبت لهم بالدليل أنه المنقذ والمخلص والمهدي.
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ... فإنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان... . [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج١، ص١٦١]
٣- ما ورد من أن الحسني سيطالبه بالدليل على أحقانيته فيثبت له ذلك.
ففي رواية طويلة جاءت في بحار الأنوار عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: فيتصل به [أي بالحسني] وبأصحابه خبر المهدي (عليه السلام)، ويقولون: يا بن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا، فيقول: أخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو؟ وما يريد؟
وهو والله يعلم أنه المهدي، وأنه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلّا ليعرف أصحابه من هو.
فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربوع وناقته العضباء، وبغلته الدلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
فيخرج له ذلك ثم يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق، ولم يرد ذلك إلّا أن يري أصحابه فضل المهدي (عليه السلام) حتى يبايعوه.
فيقول الحسني: الله أكبر، مد يدك يا بن رسول الله، حتى نبايعك، فيمد يده، فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني... . [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٣، ص١٥]
فقبول الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بيعة جيش الحسني مؤشر واضح على قبول توبتهم وأوبتهم إليه، فضلاً عن أن نفس مطالبة الحسني إياه بإثبات أنه المهدي الحق يكشف عن أنه (عجّل الله فرجه) سوف يفتح الباب لكل من يشك فيه ويطلب الحق أن يسأله ما يشاء مما يثبت به أحقانيته.
٤- ما ورد من أنه يبعث بعض أصحابه إلى المدن (مثل القسطنطينية) فيفتح الناس لهم أبوابها سِلماً عندما يرونهم يمشون على الماء.
عن محمد بن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليه السلام)، قال: إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها، قال: ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون. [الغيبة للنعماني: ص٣٣٤ – ٣٣٥]
إن هذه الرواية واضحة في أن الإمام (عجّل الله فرجه) كان قد أرسل جنوده للقتال، لذلك لم تقل إنه أرسل علماء أو رسل سلام، بل قالت إنه يبعث جنداً، وهذا واضح الدلالة على إرادة الحرب، ولكن أولئك الروم وبعد أن يروا كرامات جنده يفتحون أبواب مدينتهم سِلماً، فجند الإمام (عجّل الله فرجه) آنذاك يدخلون المدينة من دون أن يهريقوا محجمة دم، مما يعني قبول الإمام (عجّل الله فرجه) لتوبة أولئك الروم.
وغيرها من النصوص الصريحة في كونه سيفتح باب النقاش على مصراعيه لكل طالب حقيقة.
نعم قد جعل آخر الدواء الكي.
ولذا سيستخدم الإمام (عجّل الله فرجه) عنصر القتل إذا اقتضت الظروف ذلك، كما كان يفعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكما أمر الإسلام بذلك عندما أمر بجهاد الكفار وقتلهم، أو برجم الزناة وقطع أيدي السارقين وقطع أيدي وأرجل الذين يفسدون في الأرض...
ولكن هل من توبة غير مقبولة زمن الظهور؟
بمعنى أنه هل يمكن أن نقول إن كل من ادّعى التوبة زمن الظهور فإن الإمام ملزم بقبول توبته؟ أم أن هناك أنواعاً من التوبة يمكن للإمام (عجّل الله فرجه) أن لا يقبلها، ورغم ذلك لا يخرج (عجّل الله فرجه) عن عموم فتح باب التوبة؟
الجواب: نعم، وهذا ما يتبين من النقاط التالية:
١- عدم قبول التوبة غير المسقطة للعقوبة، بمعنى أنه يمكن القول إن التوبة على أنواع، فمنها ما يؤدي إلى محو السيئات وكأنها لم تقع، وكذلك هي تسقط العقوبة المترتبة على الذنب، ومنها ما يؤدي إلى محو السيئات لكن بعد أن يأخذ المذنب جزاء عمله، فيعاقب، ثم تدركه الرحمة الإلهية، وهذه التوبة يمكن أن لا يقبلها الإمام (عجّل الله فرجه)، بمعنى أنه يعاقب المذنب ويقيم الحد عليه رغم أنه تائب.
وهذا نظير دخول بعض في النار وبعد أن يقضي فترة حكمه وتطهيره يخرج ليدخل الجنة.
ونظير ما لو أقر أحدهم على نفسه بالسرقة أو الزنا، فإنه اعترافه وإقراره هذا لا يرفع عنه الحد والعقوبة الشرعية، رغم أن إقراره بالذنب يكشف عن ندمه وتوبته وأنه يريد من إمامه أن يطهره.
٢- إن المقصود من التوبة المنفية هي التوبة الصورية لا الحقيقية، وكما يقولون في علم المنطق هي من باب السالبة بانتفاء الموضوع، فإنه قد يظهر الإنسان التوبة عن ذنب، ونحن لا نعلم حقيقة الواقع عنده في داخل نفسه، ولكن زمن الظهور لا تقبل دعوى التوبة من دون أن تكون نصوحة وخالصة وحقيقية، فالتوبة المنفية هي التوبة الصورية لا الحقيقية.
٣- إن المقصود هو عدم قبول توبة من يظهر التوبة للتخلص من العقوبة، كما هو الحال في قضية فرعون، فقد ورد عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): لأي علة أغرق الله (عزَّ وجلَّ) فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده؟
قال: إنه آمن عند رؤية البأس وهو غير مقبول، وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا﴾ [غافر: ٨٤-٨٥] وقال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ (الأنعام: ١٥٨) وهكذا فرعون لما: ﴿أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠]، فقيل له ﴿الْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً...﴾ [يونس: ٩١-٩٢] [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج١، ص٥٩]
وكذلك ما وردعن جعفر بن رزق الله قال:
قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم فقال: يحيى بن أكثم قد هدم إيمانه شركه وفعله وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود وقال بعضهم: يفعل به كذا وكذا فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) وسؤاله عن ذلك فلما قرأ الكتاب كتب: يضرب حتى يموت فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك وقالوا: يا أمير المؤمنين سل عن هذا فإنه شيء لم ينطق به كتاب ولم تجئ به سُنة فكتب إليه أن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا: لم يجئ به سُنة ولم ينطق به كتاب فبين لنا لم أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟ فكتب بسم الله الرحمن الرحيم ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتي قَدْ خَلَتْ في عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ﴾ [غافر: ٨٤-٨٥] قال: فأمر به المتوكل فضرب حتى مات. [الكافي للشيخ الكليني: ج٧، ص٢٣٨ – ٢٣٩]
٤- أن يكون عدم قبولها بسبب سلب التوفيق من المذنب لأن يتوب توبة نصوحة، وذلك لأنه من المقرر والثابت أن أعمال الإنسان لها تأثير مباشر على سلوك الإنسان المستقبلي، والمذنب إذا انغمس في الذنوب وأصر عليها، فإنه يمكن أن يصل إلى مرحلة لا تنفعه معها المواعظ، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً.
الإمام الباقر (عليه السلام): ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب تلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض، فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: ١٤].
فعدم قبول التوبة زمن الظهور هو بمعنى سلب التوفيق عن أولئك الذي طغت الذنوب على قلوبهم فسلبوا التوفيق عنها.
ويؤيد هذا المعنى ما ورد عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [يعني في الميثاق] أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ [الأنعام: ١٥٨] قال: الإقرار بالأنبياء والأوصياء وأمير المؤمنين (عليه السلام) خاصة، قال: لا ينفع إيمانها لأنها سلبت. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٤٢٨]
٥- إن التوبة غير المقبولة هي توبة المذنب المصر، لا المذنب غير المصر، ولا المذنب الجاهل، ولا المذنب المستضعف.
عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها﴾ [الأنعام: ١٥٨] قال: طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة، والدخان، والرجل يكون مصراً ولم يعمل على الإيمان ثم تجيء الآيات فلا ينفعه إيمانه. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٦، ص٣١٢]
٦- أن يكون المراد هو غلق باب التوبة على خصوص أولئك الظالمين الذي صدرت منهم معاصي لابد من أن ينالوا عقابهم عليها لأنهم لم يتداركوها في الوقت المقرر، أو الذين صدرت منهم ذنوب لا علاج لها سوى العقوبة، كالظلمة الذين يقتلون الناس ظلماً، فالإمام (عجّل الله فرجه) سوف لن يمهلهم، بل سيعاقبهم، وهذا هو معنى كون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يبعث نقمة كما في بعض الروايات، فإن معناه هو أنه نقمة على الظالمين، فإنه يعاقبهم ولا يمهلهم.
عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول في كتابه: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً﴾ [الإسراء: ٣٣] فما هذا الإسراف الذي نهى الله (عزَّ وجلَّ) عنه؟
قال: نهى أن يقتل غير قاتله أو يمثل بالقاتل قلت: فما معنى قوله: ﴿إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً﴾؟
قال: وأي نصرة أعظم من أن يدفع القاتل إلى أولياء المقتول فيقتله ولا تبعة تلزمه من قتله في دين ولا دنيا. [الكافي للشيخ الكليني: ج٧، ص٣٧٠ – ٣٧١]
ولمزيد إيضاح وتفاصيل حول هذا الموضوع يمكن مراجعة كتاب الرجعة لآية الله الشيخ محمد السند دام توفيقه...
ملاحظة:
لا يعني ما ذكرناه من أن باب التوبة مفتوح زمن الظهور هو أن يبقى المذنب زمن الغيبة منغمساً في ذنوبه بحجة أنه سيتوب عند ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، فإن هذا في الوقت الذي هو أمر محرم كما هو واضح، فإنه يواجه مشكلة، وهي أنه من قال للمذنب إنه سيوفق للتوبة عند الظهور؟ من قال إن ذنوبه سوف لا تطغى على قلبه بحيث يسلب التوفيق عن التوبة، من قال إنه لا يموت قبل أن يظهر التوبة...
لذلك فإن الروايات الشريفة أكدت على أن يعجل المذنب بالتوبة.
يقول الإمام الجواد (عليه السلام): تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة.
ويقول الإمام علي (عليه السلام): لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل، ويرجي التوبة بطول الأمل... إن عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوف التوبة.
وعنه (عليه السلام): إن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة.
وعنه (عليه السلام): مسوف نفسه بالتوبة، من هجوم الأجل على أعظم الخطر.
وفي وصيته (عليه السلام) لولده الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): واعلم أنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولابد أنه مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك... .
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)