زيارة الأربعين الحسينية ولادة حياة وليس نهاية ممات... دلالات ومعاني
حميد الشاكر
تتجدد كل عام زيارة الاربعين الحسينية، لأبي عبد الله الحسين ابن علي بن ابي طالب عليهم السلام، في كربلاء العراق، ومعروف وشائع عند شيعة اهل البيت في العراق وفي غيره من مناطق العالم المتشرفة بحبها وولايتها وعشقها وودّها لأهل بيت النبوة والرسالة إن زيارة الاربعين تأتي لعدة دلالات ومعاني اسلامية واخلاقية وعاطفية هي التي تدفع وتجدّد من حرارة زيارة الاربعين الحسينية، ومنها على سبيل المثال:
اولاً: رضى الله سبحانه وتعالى الذي كان الحسين اشدّ حبّا وطلبا لرضاه سبحانه وتعالى.
ثانياً: نصرة المبادئ الاسلامية التي من اجلها استشهد الحسين عليه السلام في العدل والكرامة والحرّية وتطبيق الشريعة الاسلامية السمحة والالتزام بأوامرها ونواهيها في هذه الحياة.
ثالثاً: تجديد البيعة للإمام وخطه الاسلامي الثوري الجهادي.
رابعاً: مواساة لأهل البيت عليهم السلام بعد عودتهم من سبي طغاة وزنادقة ال امية لهم من الشام، وكذلك مواساة للرسول الاعظم محمد ص وبنته الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء وامير المؤمنين علي بن ابي طالب واخيه ريحانة النبوة وسيد شباب اهل الجنة الحسن المجتبى عليهم السلام جميعا.
خامساً: تحدّي الظالمين وطلبا للعدل، والحريّة منهم في كل زمان ومكان، والذي يرون في زيارة الحسين وحبه والهتاف باسمه تهديدا لظلمهم وطاغوتهم السياسي.
سادساً: طلبا للثواب الالهي العظيم بعد رضاه، حيث ورد عن الامام موسى الكاظم عليه السلام قوله ((من زار قبر الحسين عارفا بحقه غفر الله له ماتقدم من ذنبه وماتأخر)).
سابعاً: التأكيد على شرعية خروج الامام الحسين عليه السلام، وثورته ضد الحاكم المنحرف، والفاسد والظالم، في الوعي الاسلامي المحمدي الاصيل، والاطاحة باكذوبة حرمة الخروج على الحاكم الظالم والفاسد.
ثامناً: بناء المثل الاعلى للفرد المسلم، والممثل بالإمام الحسين، كي يكون ضميرا داخل اي مسلم تجرفه الاهواء والدنيا وحبها.....قليلا ليساهم النموذج الحسيني فيما بعد لارجاع التائهين من المسلمين الى طريق الاسلام النقي والمضحي والسامي والرفيع والكبير وصاحب المعنى والمشروع في هذا العالم !.
نعم وهكذا هناك الكثير من الدلالات، والمعاني التي استبطنتها زيارة الاربعين الحسينية آثرنا عدم ذكرها للاختصار والاكتفاء بما ذكر باعتباره اصبح من الواضحات الاسلامية والفكرية والعاطفية لشيعة ال البيت عليهم السلام في كل مكان من هذا العالم والذي تعتبر دوافع ومحركات ودلالات تستنهض همم الزائرين والطالبين الحسينيين في يوم الاربعين من استشهاد وزيارة ابي الاحرار الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام !!!.
لكنّ في خضم كل هذه الدلالات والمعاني يبقى هناك معاني اخرى متجددة مع الزمن تلدها ثورة الحسين في العاشر من محرم من كل سنة من جهة ،ومن جهة اخرى تصقلها زيارة الاربعين بصبغتها المختلفة لنكتشف معاني مختلفة ودلالات متنوعة، لم تكن لتبرز، للسطح الانساني الاسلامي الشيعي، لولا بركة زيارة الاربعين الحسينية السنوية هذه، والتي تعتبر بحق ثورة الثورة الحسينية في عملية احياء روح الثورة بالوعي بعدما ثبتت جذورها الاسلامية الحسينية بالدم في العاشر من محرم من سنة واحد وستين هجرية !.
إن طقس الزيارة الاربعينية، او ذكر المتوفى بعد اربعين يوما من انتقال روحه للعالم الاخر، وجسده لعالم ماتحت الارض طقس ضارب في القدم الزماني الانساني ،وطبعا ايضا مع دلالاته ومعانيه الفكرية والدينية والعاطفية وغير ذلك، ولكنّ ما يميز الاربعينية الحسينية عن اربعينية اي انسان عاش في هذه الحياة برهة من الزمن لتنتهي حياته فيها ولنذكره في الاربعين من انتقاله ولتطوى صفحته الى الابد فيما بعد ذلك إن الاربعينية الحسينية هي في الواقع ليست اربعينية موت انسانية عادية بقدر ماهي اربعينية حياة وبعث جديدة لهذا الامام العملاق والثائر الفذ الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام !!.
اي بمعنى اربعيني حسيني اخر وواضح: إن زيارة الحسين الاربعينية لم تكن من دلالاتها، ومعانيها الاصيلة ،هي ذكر استشهاد، وموت الحسين والبكاء عليه ،والحنين لفقده بعد اربعين يوما لاغير كما هو متعارف في اربعينيات باقي البشر عندما يُفتقدون عاطفيا بعد مرور اربعين ليلة من فقدهم من هذه الحياة !!.
كلاّ بالطبع، بل الاربعينية الحسينية، ومن اعظم دلالاتها ومعانيها وايحائاتها الفكرية والعاطفية والروحية والدينية والفنية والعقلية....الخ انها اربعينية احياء وقيامة وبعث وليست اربعينية وفاة ونهاية او بمعنى اخر انها اربعينية ولادة وليست اربعينية ممات ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ !!!.
وهكذا هي كل اربعينية يكون فيها ((الفكر العقيدة التضحية الانسانية.....)) هي التي تُزار اكثر من زيارة المادة والجسد والمرئي والملموس....، فعند هذه الزيارة الاربعينية تصبح الزيارة للأحياء اكثر منها بكثير زيارة للتوديع ورسم ملامح النهاية والانقطاع، وهذه الفكرة بالضبط، هي ماينطبق على زيارة الاربعين الحسينية ،التي يمارسها الملايين من مسلمي شيعة اهل البيت في العراق اليوم، وخصوصا عندما يزحفون مشيّا على الاقدام، للتعبير عن واقعية اللقاء وحياته وقيامته وبعثه في زيارة الاربعين اكثر من التعبير عن الفناء والنهاية والاندثار!!!.
نعم إن مايميز بالفعل دلالات معاني الزيارة الاربعينية الحسينية ايضا عن غيرها من الزيارات انها الزيارة الوحيدة التي تنتج الثورة الحسينية، التي وقعت في العاشر من محرم، من جديد ولكنّ ليس بصورتها المأساوية الحزينة والمفجعة والكارثية في لحظات العاشر من محرم الكربلائي الكئيب والذي تغلب عليه لغة الثورة ولغة الانفعال ولغة البكاء ولغة الغضب ولغة الحرب ولغة المعركة ولغة السيف..... فحسب، بل انها الفرصة الزمانية الاخرى التي تكون فيها قعقعة الحرب قد انتهت، وبدأت للتو لغة العقل، ولغة التأمل، ولغة الفكر ولغة التدبير ولغة التدبّر ولغة الهدوء ولغة الحزن المصحوب مع التطلع للزمن القابل، ومابقى من هذه الثورة الحسينية وكيفية لملمتها وطرحها بثوب يهبها الحياة بدلا من الموت ويهبها الامل بدلا من اليأس، ويهبها التطلع بدلا من الحزن ويهبها الحركة بدلا من العجز، ويهبها حرارة الثأر بدلا من برودة الانكسار!!.
الاربعينية الحسينية من اعظم واخطر دلالاتها ومعانيها البشرية، انها تحاول احياء الحسين بن علي بكل كيانه لكن ليس بشكله الذي يوحي بالنهاية والوداع ومفترق الطرق بين العراق والحجاز لسبايا ال الحسين وال محمد عندما قدموا من الشام في العشرين من صفر ليصادفوا زيارة الاربعين الوداعية لشهداء الطفّ!!. لا وانما الزيارة الاربعينية تحاول اعادة انتاج الحياة لهذه الثورة واعادة حياة الحسين ليبقى حيّا بين الناس وداخلهم ولتبقى من ثمّ كل افكاره وكل حركة ثورته وكل اصحابه وكل معركته مستمرة ونابضة ومشتعلة مع حركة الانسان والحياة والعالم اليوم وغدا وهذا بالتمام مايقوم به اليوم المشاة الحفاة من شيعة اهل العراق عندما يحاولون بزيارة الاربعين اعطاء جرعة حياة للحسين عليه السلام ومبائه وثورته... الخ وهم يعانقون الموت ويسترخصون دمائهم المسفوحة على يد اعتى مجرمي العصر من الوهابية الاموية الجديدة التي تريد جعل الزيارة الأربعينية كنهاية بينما يحاول العراقيون ان يجعلونها بداية وحياة!!.