زيارة الأربعين مفخرة الإنسانية
مهند آل كزار
إن الحضارات عندما تريد أن تقدم أفضل ما عندها فإنها لا تقدم عمرانها وما علا ولا علمها وما نما ولكن ستقدم إنسانها وما أرتقى, فالعمران والعلم ليس إلا نتاج الأنسان القادر على تذليل الصعاب من أجل مستقبل زاهر وجميل فالأصل في الحضارات الإنسانية الأنسان, لهذا نلاحظ جميع الحضارات المتطورة في عالمنا الحاضر من غرب وشرق أهتمت اهتمام كبير بالتقدم العلمي بكل نواحيه إن كان تكنلوجياً أو اقتصادياً أو..... ولكن أهملت الفرد بشكل عام والأسرة بشكل خاص, فتمزق المجتمع وأصبح عبارة عن أفراد لا يربطهم إلا المصالح ابتداءً من الأسرة إلى أعلى سلم بالمجتمع, فالشاب أو الشابة يترك عائلته وعمره ١٦ سنة أو أقل ومن ثم يتم اللقاء في السنة مرة أو مرتين أي في الكرسمس (ولادة السيد المسيح (عليه السلام)) أو الإيستر (صلب السيد المسيح (عليه السلام)) ويكونون سعداء وتكون هذه الأسرة مثالية لأنها التزمت بهذه اللقاءات لأن بعض الأسر لا تجتمع في عدت سنيين لمرة واحدة, وأصبح المجتمع الغربي متهالك من ناحية تسميته كمجتمع لما لهذه الكلمة من معنى, فبدأت الحكومات الغربية برصد ميزانيات كبيرة لدعم جميع المؤسسات التي تساعد على ترابط المجتمع ونشر الأخلاق فيه إن كانت دينية (جميع الديانات السماوية أو الوضعية) أو اجتماعية لكي تحاول إرجاع بناء الأسرة وتقوية ترابطها حتى يسيطروا على التدهور الأخلاقي الذي أصاب المجتمع هناك, فإذا كان تجمع أسرة واحدة خلال سنة بكاملها شيء جميل وعظيم ويمثل ترابط اجتماعي لا يستهان به في نظر أهل التقدم اليوم, فماذا نقول عن التجمعات المليونية التي تهز العالم بما تحويه من ترابط اجتماعي قل بل انعدم نظيره في العالم, فزيارة الأربعين التي انتهت قبل أيام حيث اجتمع في مكان واحد على أقل تقدير أكثر من ١٨ مليون إنسان في مدينة تعداد نفوسها أكثر من ثلاث أرباع المليون, وهي مدينة قديمة ولم يجري عليها أي تطور من قبل جميع الأنظمة التي حكمت العراق أي بعبارة أخرى مدينة من القرون الوسطى ولكن تمتاز عن تلك الحقبة بكهرباء ولكنه متقطع ولا يفي بـ٣٠% من احتياج المدينة الاعتيادي ومجاري متهالكة يعاني منها أهل المدينة باستمرار, ولكن اجتمع فيها هذا العدد الهائل والعظيم من شتى بقاع الأرض والعراق بشكل خاص وقد قدموا إليها مشياً على الأقدام مع توفر جميع مستلزمات الراحة من مأكل ومنام بالإضافة إلى جميع الخدمات التي يحتاج إليها الزائر خلال المسير حتى طرق الإتصال كانت تقدم لهم بالمجان لكي يتواصلوا مع أفراد عوائلهم وبطريقة أذهلت حتى القائمين بها لسلاستها وتنظيمها وتواصلها خلال الـ ٢٤ ساعة, ولم يشهد العالم تجمع في جميع بقاعه بهذه المواصفات والتحدي إذ زرع الموت في طرقهم ولكنهم ساروا عليه وهزموه بالرغم التضحيات التي قدموها فالتاريخ العظيم لا يكتب إلا بالدماء والتضحيات, أما بعض السلبيات التي يحاول البعض أن يشهرها لكي يقلل من أهمية هذا التجمع أو يحاول زرع العراقيل من أجل إضعافه وإبعاد الناس عنه, فهذا التفكير سطحي للغاية ولم يبذل صاحبه أي وقت من أجل التفكير بعمق بهذا التجمع العظيم بكل ما للكلمة من معنى, فالسلبيات التي يذكرونها هذه تحصيل حاصل لمثل هكذا تجمعات بل كانت لوعي المشاركين أقل مما تذكر لضخامة المناسبة, فقط لننظر من الناحية الاقتصادية الأرباح التي جلبتها هذه الزيارة العظيمة لسكان العراق بشكل عام وسكان كربلاء بشكل خاص والحكومة هي المستفيد الأكبر من هذه الفائدة, لأن السياحة تعتبر من أهم المصادر الاقتصادية لكثير من بلدان العالم وتصرف حكوماتها ملايين الدولارات من أجل الدعاية لكي تجلب السواح إلى بلادها ولكن المولى أبا عبد الله (عليه السلام) يجلب السواح إلى العراق بدون دعاية تذكر تقدمها الحكومة بل كالمغناطيس الذي يجلب القلوب بشكل قوي لا يستطيع المحب مقاومته رغم الصعوبات التي تعترضه فلو كان جزء يسير من هذه الصعوبات في أي بلد من بلدان العالم لتوقف القطاع السياحي فيه بل أنعدم ولكن في العراق العدد يتضاعف في كل عام, فإذا صرف كل زائر قادم من الخارج حوالي ١٠٠٠ دولار لكان مدخول العراق من زيارة الأربعين فقط حوالي نصف مليار دولار وأن صرف كل زائر دخل كربلاء ١٠ دولار لكان مدخول حكومة كربلاء من هذه الزيارة ١٨٠ مليون دولار, فإذا إدّعى محافظ كربلاء إن الزيارة سببت خسائر ١٠٠ مليون دولار فلماذا لم ينظر كم أدخلت الزيارة من أرباح للاقتصاد العراقي, فهذا مثال صغير على بركات زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام), أما الذي يدعي بأنها ليست من الإسلام نقول نأتي معك على هذا الإفتراض البعيد عن الحقيقة بعد السماء عن الأرض, نقول لا تعتبرها من الإسلام وأعتبرها سفرة سياحية تربط المجتمع بروابط قل نظيرها في العالم وفي السفر خمسة فوائد (وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآدب وصحبة ماجد) فليقتنص هذا الشعب من هذا الفوائد الخمس, فأين تجد سفرة بهذه العظمة وبهذا الحجم ألا تستحق منا الاهتمام والرعاية في عالم غلبت عليه الماديات حتى النخاع, علماً إن هذه السفرة المقدسة التي تحمل أسمى وأعظم المبادئ الانسانية والمؤيدة بالمئات بل بالآلاف من الروايات والنصوص التي تؤكد على إستحبابها وممدوحتها في الإسلام, وبدون أن تكلف الحكومة أي شيء فقط الحماية والنقل وهذه المؤسسة الحسينية العظيمة تنشر الأخلاق وكل المبادئ الانسانية الرفيعة في المجتمع, الا تستحق زيارة بهذا الحجم وشعب بهذه الروحية أن نقدم لهما التقدير والإحترام اللائقين بهما وما يقدماه من إنجاز إنساني عظيم, فلندع الأهواء والميول والأنا وندرس هذه الزيارة بشكل دقيق وعلمي سنصل عندها إلى الفوائد الجمة التي سيحصد ها هذا الشعب العظيم الذي قدم الحدث الأكبر للعالم لما للكلمة من معنى والذي هو بحق مفخرة الإنسانية جمعاء.