زيارة الأربعين معجزة وكرامة
محمد علي
لقد عرّف علماؤنا المعجزة والكرامة أنها الأمر الصادر على أيدي الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) والخارق للعادة المعهودة والذي يختلف عن باقي الأمور الخارقة للعادة كالسحر والشعوذة بأنه لا يمكن قهره أبدا بل أن المعجزة والكرامة هي التي تقهر غيرها وهذا ما وجدناه من معاجز الأنبياء والأولياء عليهم السلام والتي مر ذكرها في القرآن الكريم وعن السنّة المطهرة وما رواه التاريخ الصحيح.
وإذا نظرنا إلى زيارة الأربعين ممعنين النظر ومدققين لوجدنا أن هذه التظاهرة العظيمة تحمل كل مقومات الإعجاز وأنها خير كرامة لأهل بيت النبوة حيث أن إعجازها يتمثل بهذا التحشيد المليوني الكبير الذي تعجز أقوى حكومات العالم أن تحشّد لمثله وتقف كل المؤسسات والمنظمات حائرة تنظر بعين الحسد تارة والغبطة تارة أخرى أمام هذا التجمع الذي أذهل العالم ولم يستطع أحد الإتيان بمثله إطلاقا.
وأعلنها من هنا صرخة تحدي للعالم أجمع: (من بإمكانه تنظيم مسيرة أو تظاهرة كزيارة الأربعين ولتكن ما تكون سياسية دينية عقائدية إجتماعية ولتحمل ما تحمل من المبادئ والطروحات والأفكار؟؟) ولكن هيهات ثم هيهات ثم هيهات.
فهذه الزيارة بعنوانها ومضمونها وأفكارها وديموميتها واستمرارها السنوي ما هي إلا كرامة لأهل بيت العصمة والنبوّة تقرع أسماع الظالمين في كل عام وتدكدك عروش الطغاة صارخة (هيهات من الذلة).
وليس هذا فحسب بل أن هذه الزيارة محاربة عبر التاريخ من أعتى الطغاة وبشتى الوسائل وبكل قوة ففي كل أربعين للحسين عليه صلوات جبار السماوات والأرض يستنفر الطغاة كل قواهم لتعطيل هذه المسيرة ولكبح هذه التظاهرة وكتم هذه الصرخة ولكن هيهات ثم هيهات ثم هيهات.وستبقى وستظل هذه الزيارة تستمد عطائها وروحها ممن أسسها وأرسى دعائمها وأقسم على ديمومتها (والله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا).
عدت بالأمس من زيارة الأربعين مذهولا متعجبا علما أنها ليست زيارتي الأولى لما رأيت هناك من المشاهد التي لم أجد لها تفسيرا أبدا والله.
فقد رأيت مختلف الأعمار والأجناس من الطفل الرضيع المحمول على الأكتاف إلى الشيخ الكبير الذي لم يعد يستطيع أن يحرك جسده والمرأة العجوز التي طوت ظهرها السنين وذلك ضعيف البصر وبمختلف المواقف فهذا على عكازه يسير مسافات طويلة وذلك أقسم أن يأتي زحفا على يديه ورجليه وذلك الذي مابرئ يظهر الجزع وذلك الذي جاء كجابر الأنصاري أو كعابس وهو يبكي الحسين بكاء الثكإلى فاقدا لوعيه صارخا بأعلى صوته كأنه فقد أمه وأباه وكل أحبابه في وقت واحد والكل يسير على قدميه تحت المطر وتحت حرارة الشمس قاطعا عشرات بل مئات الكيلو مترات سائرا في طرق وعرة أحيانا ووحلة أحيانا أخرى والله الأمر ليس عاديا أبدا أبدا!!.
وأمّا خَدَمَة الحسين (عليه صلوات الله) فو الله لن تجد مثلهم فهم يتوسلون بالزائر ليقدموا له الخدمة من مطعم ومشرب ومستراح وهذا الذي تبرع بعلاج الزائرين والآخر يقوم بالعلاج الطبيعي لمن تشنجت رجليه من المشي في هذه التظاهرة والآخر فاتحا بيته مضيفا لكل الزائرين والآخر يقف على قارعة الطريق يحمل مصباحا يضئ الطريق المظلم للزائرين وذلك يحمل سلة التمر وذلك الذي وقف يجمع التبرعات لصبي فقد هاتفه النقال والله لقد وقفت مستغربا لهذه الجموع ولهذه الأخلاق والتي ربما لا يحملها ذات الشخص في موقف آخر!!. من نظم هذه المسيرة؟ من الذي يرعاها؟ من الذي يضمن خدمات الزائرين؟؟ من أجبرهم على الخروج مع هذا العناء و التعب الشديدين؟ وما هي الفائدة الآنية المترتبة على هذا العناء؟ ومن....؟ ومن...؟ ومن..؟.
ولا أرى أن هناك تفسير آخر فلو أننا توجهنا بالسؤال إلى أي زائر من الزائرين أو المتطوعين للخدمة في هذه الزيارة لماذا تزور الحسين (عليه السلام) أو لماذا تخدم الحسين فسوف يجيبك بأحد الأجوبة التالية:
• الثواب والأجر العظيم من هذه الزيارة كما ورد عن أهل بيت العصمة.
• محبة الحسين والتي هي جزء من أجر الرسالة (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
• وفاءا لأهل البيت الكرام ومواساة لهم.
• ثأرا من أعداء أهل البيت.
وكل ذلك صحيح بوجه ولكن هناك أعمال كثيرة بإمكان الزائر أن يقوم بها ليحقق الأسباب أعلاه لكن الأمر أعمق فإن هناك دافع داخلي يزرعه العظيم الأعظم جل وعلا في قلوب الزائرين وحرارة تشتد مع قرب موعد الزيارة حتى ينفر الزائر ملبيا ذلك النداء الإلهي الذي يدفعه وبكل شدة لتحقيق هذه المعجزة ولتحقيق هذه الكرامة.
فلو لم تكن لمحمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وآله الطاهرين) معجزة ولو لم تكن لآله الأطهار كرامة لكانت زيارة الأربعين خير معجزة وخير كرامة فلينظر إليها كل من له نظر ورأى هذه الزيارة بعين العقل لا بعين الهوى وليذكر قوله تعالى ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾.