زيارة الأربعين زيارة المعشوق لعشاق
محمد كاظم خضير
لقد انطلق الإمام الحسين (عليه السلام)، ليؤكِّد أنّه يتحرّك من خلال الوفاء لرسالة جدّه وتحمّل مسؤوليتها من أجل الأمة، لقد تعلَّم من أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتحمّل مسؤولية الأمة، وأن يعيش المسؤولية في سلامة الأمة، وأن يصبر في تحمّل هذه المسؤولية، كما تحمَّلها أبوه.
وتعلّم (عليه السلام) أيضاً من أبيه كيف نصر الإسلام عندما خذله بعض المسلمين، وكان (عليه السلام) يقول: «لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلاّ عليَّ خاصة»، كما تعلّم منه أيضاً أن يتحمّل مسؤولية الأمة الإسلامية كلّها، على الرغم من كلِّ الآلام التي كان يعيشها في نفسه، وعلى الرّغم من كلِّ الظروف الصعبة القاسية التي أحاطت به، لأن الهدف هو نصرة الحق، وهو ما عبَّر عنه عليّ (عليه السلام) حين قال: «فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم الّتي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشَّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه».
وعلى هذا الخطِّ، كانت كلماتُ الحسين (عليه السلام) تنطلق لتغيير الواقع الفاسد: «أيّها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا بقول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله لأنَّ الساكت عن الحق شيطان أخرس وقد علمتم أنَّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرّحمن، وأظهروا الفساد، وعطلَّوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلُّوا حرام الله، وحرَّموا حلاله، وإني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»
لقد أراد (عليه السلام) للأمَّة أن تتحمَّل مسؤوليَّة تغيير الواقع الفاسد الذي يبتعد عن الخطِّ الإسلامي الأصيل، وقد تقدَّم الصفوف لمواجهة الحاكم الظالم، رافعاً صوته للتّغيير ولإصلاح الواقع الإسلامي، ولا يزال هذا الصوت يتردّد في مدى الزمن، ولا يزال يهيب بالأمة الإسلامية كلّها أن تحمل هذا الصوت الحسيني ليدوّي في كلِّ المدى، ولينتقل من جيل إلى جيل، ليكون المسلمون أمةً متحركةً متغيرةً مجاهدةً منفتحةً على الحق في قضايا الإسلام والمسلمين.
مسؤوليَّة الإصلاح
ومن هذا المنطلق، جاء قول الحسين (عليه السلام): «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً لم أخرج طلباً للسلطة أو الجاه «ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»، لإصلاح الواقع الإسلاميّ من هؤلاء الذين «اتخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً»، الذين يعملون على استعباد الناس.
لقد قال (عليه السلام) إنّي خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، لم أخرج لأدعوهم إلى الصلاة أو الصيام أو الحج، فهم يقومون بكلّ ذلك، ولكن لأجعلهم أمة العدل التي تتبنى الحاكم العادل لا الجائر، والّتي تركّز السلطة على أساس الشرعية ولا تسير وراء اللاشرعية، وتنفتح على قضايا الحرية والعزّة والكرامة، لتكون كما أرادها الله ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ (آل عمران/١١٠).
أريد أن أدعو الناس إلى الإصلاح، تحدِّياً لكلِّ الذين يتحركّون في خط الإفساد، «أريد أن آمر بالمعروف»، حتى يأخذ الناس بقيم المعروف «وأنهى عن المنكر»، وأعظم المنكر أن يتولّى أمور المسلمين من لا يعيشون معنى الإسلام، ممن هم من فروع هذه الشجرة الملعونة التي ذكرها القرآن، والذين كان آباؤهم ممن وقفوا ضدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضدّ الإسلام كلّه.
ثم يقول (عليه السلام) للناس: «فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق لأن الله هو الحق، وهو الذي أوحى بالحق، وأراد للناس أن يسيروا به ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين». لذلك خرج الحسين (عليه السلام) إماماً، وخرج يدعو الناس إلى السير معه، لا لأهداف شخصية بل على أساس حماية الأمّة
ان الشعب العراقي النبيل كما عودّنا قد كل ما بوسعه في سبيل انجاح هذه الزيارة فرغم كل معاناته وآلامه لكنه تناساها وتغافل عنها مسطراً بذلك تاريخاً مشرّفاً يضاف الى سجل تأريخه، فما أجوده وما أسخاه وما أصبره فهو شعب معطاء ومضياف ومجاهد..حيث يندر ان نجد شعباً يسعى كل ابناءه شيوخاً وشباباً ونساءاً في فترة زمنية قد تصل الى ٢٠ يوماً لخدمة بعضهم بعضاً وخدمة ضيوفه خارج العراق وبسخاء لا يوصف مع الدقّة في تنظيم هذه الامور التي قد يصعب تنظيمها حتى في الدول المتقدمة من هذه الجهة مع ملاحظة ان العبء كان ثقيلا ً جداً ولكن الجميع تحملوه برحابة صدر ولذلك لابد من ان نشكر كل من ساهم في انجاح الزيارة بصورة افضل مما كان من الاعوام الماضية ولاسيما عناصر الشرطة وسائر الاخوة الذين تكفلوا بحفظ الامن فقد ادوّا واجبهم على احسن وجه وكذلك الجهات الحكومية المختلفة..واما اصحاب مواكب الخدمة فكان دورهم هو الابرز في إنجاح الزيارة فجزاهم الله جميعاً أفضل جزاء المحسنين.
ان هذا الشعب هو أرفع وأسمى وأمنع من ان تناله إشاعة هنا او أكذوبة هناك فهو شعب اصيل وواثق من نفسه ومحافظ على هويته.. على ان الارهابيين لما لم يتسنى لهم استهداف الزوار في الزيارة الاربعينية ليقظة القوات الامنية وتعاون الزائرين معهم استهدفوا جمعاً منهم في محطة للوقود في الشوملي فيالبؤسهم وخستّهم ويقيناً ان ارهابهم لَيزيدُ عُشّاق الامام الحسين (عليه السلام) اصراراً على زيارته والتمسك بنهجه وأما هؤلاء المجرمون فسينالون جزائهم في ساحات القتال على ايدي مقاتلينا الابطال.
ان الاخوة الاعزاء الذين يقاتلون الان ويرابطون في سوح القتال كانوا قبل ذلك اكثرهم يشاركون اخوانهم في هذه الزيارة وهم الان في وضع آخر اذ يدافعون عن البلاد والعباد ضد الطغمة الارهابية المسماة بداعش وقد استفادوا من بركات هذه الزيارة الشيء الكثير فأفاضت عليهم هذه الزيارة روح الشجاعة والبسالة والاقدام فحماهم الله تعالى وسدد رميتهم ونصرهم على عدوهم..
فهم وان حُرموا من الزيارة بأبدانهم ولكن نالوا من الثواب ما هو اعظم من ذلك بالإضافة الى ان كثيراً من الزوار الكرام اشركوهم في ثواب زيارتهم فنالوا اجراً مضاعفاً فياليتنا كنا معهم..