شبهات حول المشي وزيارة الأربعين
مصطفى الهادي
الشبهات كثيرة لا حصر لها وتشمل الاسلام كله ، منها ما يتعلق بالتشريع ومنها ما يتعلق بالقرآن او النبي.. وهكذا. وأما قضية الإمام الحسين (عليه السلام) فمن الشبهات التي يُثيرها البعض ضد زيارة الأربعين أنهم يقولون: لماذا لا توجد أربعين خاصة بوفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام علي (عليه السلام) ولماذا اختص الإمام الحسين بذلك من دون سائر الأئمة؟
واقول: اربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) ليست كالاربعينيات العادية التي يُقيمها الناس لموتاهم بعد مرور أربعين يوماً على وفاتهم ثم تنتهي ولا تتكرر كل عام، وذلك أن زيارة الأربعين لا تتعلق بموت الحسين (عليه السلام) وإن كانت كذلك في أول سنة الوفاة وإنما تتعلق بزيارته التي أقرها المعصوم، ولكن المقصود بالأربعين هي الفترة الزمنية التي قضاها الركب الحسيني في ذهابه وإيابه من كربلاء إلى دمشق وبالعكس.
في الحقيقة لا علاقة لي بحسابات الآخرين، لأني حسبت المسافة وعدد الأيام من خلال الأحاديث التي دارت حول المسيرة ومنها: أن محقر ابن ثعلبة العايد، وشمر بن ذي الجوشن وهم ممن قاد السبي إلى الشام كانوا يسرعون في مسيرهم كما تقول المصادر: (وجعلوا يجدون السير ورحلوا عن غير الجادة متنكبين طريق العام خوفاً من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا السبايا والرؤوس منهم). أي انهم كانوا يجمعون بين الليل والنهار في المسير، فلم يتوقفوا إلا في قرية (لينا). (١) اي بعد اجتيازهم العراق.
ومما يدل على سرعتهم في المسير ووصل الليل بالنهار أنهم ما مروا بقرية من القرى إلا وطردهم اهلها وصاحوا بهم (انتم قتلة اولاد الانبياء).
ومن هذا نستدل أن المسيرة لم تستغرق إلا أياما قليلة. وحسب الروايات فإن مسيرة السبايا من الكوفة إلى الشام ثم العودة بالرؤوس إلى كربلاء استغرقت أربعين يوماً ولذلك قيل لها زيارة الأربعين.
وأما اربعينية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واربعينية الإمام علي والحسن فقد تمت وانقضت لأنها أربعين يوم بعد وفاتهم ثم انتهت ولا يتم اعادتها كل سنة إنما يتم الاحتفال بالذكرى السنوية لوفاتهم أو ولادتهم. ولكن الأربعينية الحالية للإمام الحسين (عليه السلام) فهي ما استغرقته مسيرة السبايا وقد حسبها بعض الخبراء فكانت أربعين يوماً بالتمام والكمال. وبما أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) وبقية آل البيت هم من زار هذه الزيارة وأن قول المعصوم او فعله او تقريره واجب الاتباع، يقوم الشيعة الموالين بالمسير يوم الأربعين إلى قبر الإمام الحسين (عليه السلام) تأسيا بالمسيرة الهاشمية من الكوفة إلى الشام وبالعكس يُضاف إلى ذلك وهو وجود نص من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يحث فيه على زيارة الأربعين ويعتبرها علامة من علامات المؤمن الظاهرية حيث قال:
(علاماتُ المؤمنِ خَمْس: صلاةُ إحدى وخمسين وزيارةُ الأربعين والجَهْرُ ببسْمِ اللهِ الرَّحمانِ الرَّحيم والتَّختُّمُ باليمين وتعفيرُ الجبين). وقد اجمع الكثير من علمائنا أن المقصود بزيارة الأربعين هي زيارة الإمام الحسين. (٢) انظر الهامش. اضافة إلى ذلك لم يصدر من الناحية المقدسة اي امر بهذه المناسبة.
ولعل اشهر الاقوال هو ما كتبه السيّد ابن طاووس حول هذا الأمر قائلا : (وجدت في غير المصباح أنّ أهل البيت عليهم السلام وصلوا إلى كربلاء في عودتهم من الشام يوم العشرين من صفر).(٣)
وأما المشي إلى القبر الطاهر فإن المؤمن يُحاول ان يُطيل المسافة لما في ذلك من الثواب العظيم كما ورد في الحديث ان نفس المشي الى الامام الحسين (عليه السلام) له ثواب خاص يختلف عن الركوب، وهذا يشمل جميع الاوقات وكل المناسبات الخاصه بزيارة الحسين (عليه السلام). فعن أبي الصامت قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يقول : (من أتى قبر الحسين عليه السلام ما شياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحى عنه ألف سيئة ورفع له الف درجة . ( وفي رواية اخرى عن أبي سعيد القاضي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) في غريفة له وعنده مرازم فسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (من أتى قبر الحسين عليه السلام ما شياً كتب الله له بكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبه من ولد اسماعيل).(٤)
الهوامش:
(١) قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: (لينا): أكبر قرية من كورة بين النهرين التي بين الموصل ونصيبين.
(٢) الشَّيخ أبو جعفر الطّوسيّ التَّهذيب ج٦ ص٤٧. وقال ابن شهر آشوب : ذكر المرتضي في بعض مسائله ان رأس الحسين رد الي بدنه بكربلاء من الشام وضم اليه. وقال الطوسي في المناقب ج ٤ / ٧٧: ومنه زيارة الاربعين. وفي تاريخ حبيب السير: ان يزيد بن معاوية سلم رؤوس الشهداء الي علي بن الحسين (عليه السلام) فالحقها بالابدان الطاهرة يوم العشرين من صفر ثم توجه الي المدينة الطيبة وقال: هذا أصح الروايات في مدفن الرأس المكرم. روى الشيخ المفيد، والشيخ الطوسيّ والعلّامة الحلّي حول هذا الموضوع: يوم العشرين من صفر هو اليوم الذي رجع فيه حرم الإمام الحسين (عليه السلام) من الشام إلى المدينة. وفي هذا اليوم أيضاً، قدم جابر ابن عبد الله الأنصاريّ صاحب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من المدينة إلى كربلاء، من أجل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد كان هو أوّل من زار قبر سيّد الشهداء (عليه السلام). الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة في المجلّد السابع، ص ٤٦ الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص ٧٨٧ رضيّ الدّين المطهّر الحلّي، العدد القويّة، ص ٢١٩.
(٣) ابن طاووس: إقبال الأعمال ج ٣ ص ١٠٠. وسند رواية زيارة الأربعين رواية صفوان في زيارة الاربعين رواها الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد عن جماعة عن هارون التلعكبري بسند رجاله ثقات
(٤) انظر كامل الزيارات ص٢٥٥ ٢٥٧.