نفحات من انتفاضة صفر عام ١٩٧٧
صادق السيد جعفر الموسوي
عندما جاء البعثييون للسلطة كانت اول قضية تؤرقهم هي قضية الإمام الحسين (عليه السلام) والشعائر الحسينية التي يؤديها أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فلم تؤرقهم قضية الدروشة والطريقة الكسنزانية والرفاعية والقادرية وغيرها من الطرق التي لها علاقة بالتصوف والزهد واداء الطقوس الدينية فتركوهم يعملون مايحلو لهم بل وشجعهوم ودعموهم بالأموال وغيره الا انهم أي البعثيون صبوا جام غضبهم على الشعائر الحسينية فقط وقد بدأها عام ١٩٧٢ عندما حاولو منع المجالس الحسينية وحصرها في الحسينيات فقط وقد سمحوا لعدد قليل جداً من الحسينيات وازدادت حدة المواجهة عام ١٩٧٧ حينما منعت المواكب الحسينية من ممارسة طقوسها وعاداتها في المسيرات الراجلة إلى مرقد الامام الحسين (عليه السلام).
ففي يوم الخامس عشر من شهر صفر استدعى محافظ النجف جاسم الركابي أصحاب المواكب التي كانت متهيأه للمسير وابلغهم بعدم الخروج هذه السنة للزيارة لان هناك بعضاً من السلفيين والوهابين متربصين لكم في الطريق فلم يقتنع الجميع وقالو له: نحن سوف نذهب لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) حتى وان قطعنا إربا إربا. ثم قال المحافظ: وان منعتكم القيادة من ذلك. فقام له الشهيد عباس عجينة وقال له: سوف نذهب لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وان كلفنا الثمن أرواحنا. وخرجو من الاجتماع غاضبين فحس المحافظ بالاهانة واصرار الثوار على المسير وهم مستعدين للمواجهة.
وفي اليوم الثاني خرجت مسيرة راجلة لضريح الإمام علي (عليه السلام) حيث كان في طريقها بعد زيارة الضريح العلوي إلى كربلاء ووزعت قصاصات صغيرة مكتوب عليها (نصر من الله وفتح قريب) وبعد ان وزعت القصاصات اغلقت النجف الأشرف محلاتها ومدارسها والتحقت جميعها بالمسيرة وعندما شاهد الاخوة المنظمين للمسيرة حجم المسيرة والأعداد الهائلة التي لم يكونو يتوقعونها نتيجة تهديد ووعيد القوات الأمنية والمخابرات، قام الشباب المؤمن الثائر بحمل الشهيد عبد الصاحب دخيل على الأكتاف وأخذ يهتف بالشعارات الحسينية والثورية ومن تلك الشعارات كان هذا الشعار (يجاسم كل للبكر ذكر حسين مايندثر).
وبدأت المسيرة تزحف حتى كانت نهايتها مقبرة الغري وبدايتها دخلت الصحن العلوي الشريف وعندما وصل الخبر لقيادة البعث في بغداد أرسل البكر مبعوثاً خاصاً إلى مدينة النجف الأشرف ليوافيه بالأخبار التي حاول المحافظ التكتم عليها خوفاً من البكر وصدام بتنحيته من منصبه وعندما وصل المسؤول إلى المحافظة قال له الركابي: ان هؤلاء مجموعة من الأطفال وسوف نضربهم بالعصى وبعدها يتفرقون. ولكن عندما اطلع المسؤول على حجم المسيرة قال له: هؤلاء هم الأطفال الذين تضربهم بالعصى. فعاد مسرعاً إلى بغداد ليبلغ القيادة بأن هذه ليس مسيرة بل هي ثورة وانتفاضة ومن المحتمل ان تتحول إلى مواجهة عسكرية فقررت القيادة ان تنزل كل قواتها في النجف وامرت بقمع التظاهرة والمسيرة واصلت المسيرة طريقها إلى كربلاء المقدسة، وقد توقفت بعدة محطات تعرضت فيها للمواجهة مع قوات النظام العفلقي المجرم حتى وصلت أول محطة وهي منطقة خان المصلى الذي قضوا فيه ليلتهم وقد كانت هناك مجاميع خاصة لحراستهم من الزوار والثوار ثم خرجت من منطقة خان المصلى صباحا تتقدمها راية كتب عليها (يد الله فوق ايديهم) وهنا في الطريق حصل اشتباك بالايدي والحجارة بين الثوار والزوار من جهة وبين قوات النظام المقبور من جهة اخرى الذين انهزمو رغم تفوقهم بالعدة والسلاح وصلت المسيرة الحسينية إلى منطقة خان النص هنا قبل الوصول إلى منطقة خان النص حصل اشتباك مع معاون مدير امن النجف الذي تعرض للضرب بالحجارة من قبل الزوار وفر مرعوبا من صرخات الله اكبر، وابد والله ماننسى حسيناه وغيرها من الشعارات التي ترهب اعداء الله.
في منطقة خان النص استشهد اول شهيد في تلك الانتفاضة وهو الشهيد السيد محمد الميالي وقد كان شابا صغيرا لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره وفي تلك الاثناء وصل مبعوث الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر وهو الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله تعالى عليه إلى منطقة خان النص عندما ابلغهم السيد بانه مبعوث المرجعية لمساندتهم والوقوف إلى جنبهم ارتفعت همة الابطال والثوار وقال له الشهيد عبد الصاحب دخيل سيدنا نحن قررنا ان نصل إلى الحسين او نموت في الطريق فقال له السيد الحكيم وانا معكم ايضا واستمر السيد بالسير معهم فقامت قوات الطاغية باستخدام اساليب الترويع والترهيب التي كانت تصدرها اصوات طائرات الميغ البعثية وزناجير دباباتهم ضد العزل من ابناء الشعب فاتخذت المسيرة ظريقا ترابيا ومروا ببعض القرى وسكان المزارع والتحقت بهم اعدادا اكبيرة من ابناء تلك القرى بالمسيرة الحسينية حتى وصلوا كربلاء الشهادة وهم يرددون شعارا خالدا (لو قطعوا ارجلنا واليدين ناتيك زحفا سيدي ياحسين) وقبل الوصول إلى مرقد الامام الحسين (عليه السلام) وعلى مشارف كربلاء كانت القوات البعثية متهيأة لضرب الزوار وحاولو منعهم من الدخول إلى داخل المدينة المقدسة فتقدم لهم الشهيد يوسف الاسدي وقال لهم سوف نذهب للامام الحسين (عليه السلام) رغما على انوفكم فالقوا القبض عليه واعتقلوه واخذوه إلى بغداد واعدم هناك ولكن المسيرة لم تتوقف ووصلت إلى ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) وهم يبكون لمالاقوه من اعدائهم واعداء الامام من عذاب وضيم واضطهاد وقتل وترويع على ايدي اعداء الله ورسوله.
وعندما وصلت المسيرة إلى داخل الصحن الشريف قامت مخابرات النظام باغلاق جميع ابواب الصحن حتى تستطيع ان تعتقل اكبر عدد ممكن من الثوار وكانت الذريعة من اغلاق الابواب هو ان احد المجرمين زرع قنبلة في داخل الصحن الشريف وهم يخافون على الزوار ان تتعرض للاذى ثم قامو باعتقال اكبر عدد من قادة تلك الانتفاضة ورموزها وقد تم اعدام الشهداء السيد محمد الطالقاني والشهيد عباس عجينة والشهيد صاحب ابو كلل والشهيد كامل ناجي مالو والشهيد محمد سعيد البلاغي الشهيد ناجح محمد كريم .نعم كانت انتفاضة صفر البذرة الاولى والشرارة الاولى لكل الانتفاضات ضد نظام البعث المقبور وكان محورها الحسين عليه السلام فهم يريدون منع اقامة شعائر الامام الحسين اما الطرف الاخر فقد كان يريد احياؤها ولو كان الثمن الدم فلم يبخل احباب الحسين بدمائهم مقابل احياء شعائره وذكراه العطرة بقي الحسين خالدا ورحل اعداءه إلى مزابل التاريخ ورحم الشاعر حيث قال :كذب الموت فالحسين مخلد .....كلما مر الزمان ذكراه تتجدد.نعم يبقى الحسين خالدا على مر الازمنة والعصور ويبقى معه يعيش الخلود كل من مات في دربه. فهينئا لمن مات في ريق الحسين (عليه السلام).
ورحم الله شهداء الدرب الحسين العظيم واللعنة الدائمة على اعدائهم من الان إلى قيام يوم الدين.