المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المظلومين، ولعنة الله على أعدائهم وظالميهم أجمعين إلى يوم الدين.
السلام على أنصار الحسين وزواره ورحمة الله وبركاته.
لأول مرة تسنَّى لنا أن نخاطبكم علناً في مسيرتكم الأولى، بعد زوال نظام البغي والطغيان، الذي كان يلاحقكم في عهده المظلم الطويل، قتلاً، وسجناً، وتشريداً، وتنكيلاً، أملاً منه في أن يقضي على مسيرتكم هذه، وسائر عوائدكم التي هي صورة حية لولائكم لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، وارتباطكم بهم، ودعوة لمبادئهم الشريفة وتعاليمهم السامية، وصرخة مدويَّة في وجه الطغاة والظالمين، أقضَّت مضاجعهم، وأفقدتهم رشدهم.
وقد بدأت القافلة الأولى لشهدائكم الأبرار قبل ما يقرب من ثلاثين عاماً، وتبعها الشهداء منكم زرافات ووحداناً، في عزم وتصميم مذهل، فرحم الله تلك النفوس المؤمنة التي جاهدت في سبيل حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) وإعلان دعوتهم، ورَفَعَ درجاتهم، وألحقهم بأوليائهم الطاهرين، وحشرهم في زمرتهم إنه أرحم الراحمين.
وأخيراً زال ذلك الكابوس المظلم، مهما طالت أيامه، وبقيت اللَّعنة تلاحقه، كما قالت العقيلة الكبرى (عليها السلام) في خطابها ليزيد: (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أيامنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المنادي ألا لعنة الله على الظالمين).
وخاب أمله في القضاء على مسيرتكم هذه وأمثالها، كما خاب من قبله من الطغاة والظالمين في العهود الطويلة ممن تصدى لهذه الشعائر وأمثالها، أملاً في القضاء على روح الإيمان المتوثِّبة التي غرسها سيد الشهداء الحسين (صلوات الله عليه) بنهضته المباركة، وإخماد صوتها المدوِّي في وجه الظالمين تصديقاً للعقيلة (صلوات الله عليها) مع الإمام زين العابدين(صلوات الله عليه) حينما مرّوا على تلك الأجساد الموزَّعة على وجه الأرض، وهي بحالة تذيب الصخر الأصم، حينما قالت: (وينصبون بهذا الطف علماً لسيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدَّن أئمة الكفر، وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً، وأمره إلا علواً).
فالحمد لله تعالى وله الشكر على نصره لعباده، وإنجازه وعده لهم، وهنيئاً لكم على إطلاق حريتكم في مسيرتكم نحو سيد الشهداء (صلوات الله عليه)، وزيارتكم له، مجددين العهد به، ومؤدِّين حق ولائه.
وكم كان بودِّنا أن نشارككم في شيء من ذلك، لولا الظروف القاهرة التي حالت بيننا وبين ما نريد، إلا انها لا تحول دون أن نلفت نظركم لأمور هامة:
أولاً: أن تجدّوا في شكر الله تعالى على نعمته هذه وسائر نعمه، فإنه مسبب الأسباب، وهازم الأحزاب، وليكن شكركم له عملياً في الحفاظ على قدسية هذه الشعائر، بالتزام أوامر الله تعالى ومجانبة معاصيه، والتورع في الأمور، والتثبت فيها، والحفاظ على تعاليم أئمتكم (صلوات الله عليهم) في حسن المخالطة، وجميل المعاشرة، ونزاهة السيرة، وصدق الحديث، وأداء الأمانة.
ثانياً: أن تكون مسيرتكم وزيارتكم حسينية خالصة، ومظهراً للتفجع لمصيبة سيد الشهداء(عليه السلام) واللعنة لقاتليه، والولاء لأهل البيت (صلوات الله عليهم) وتأكيد ظلامتهم والتذكير بمقامهم، وعظيم منزلتهم، والبراءة من أعدائهم وغاصبي حقوقهم، والتأكيد على جرائم أولئك الظالمين وطغيانهم وسوء عاقبتهم.
ولا تخرجوا بها عن ذلك إلى ما هو أجنبي عنها، بحيث تكون مسرحاً لترويج الاتجاهات المختلفة، والشعارات المتضاربة، ويستغلها ذووا المصالح والأهواء، فإن ذلك يخرجها عن حقيقتها التي أرادها لها أئمتنا (صلوات الله عليهم)، ويشوه صورتها، بل قد يسير بها ذلك للتناحر والمصادمات التي قد تكون مبرراً لمنعها، أو سبباً للتنفر منها وتحجيمها، أو القضاء عليها، كما رأيناه في العصور السابقة في بعض فترات الصراع الداخلي.
ثالثاً: عليكم أن تلتزموا خط أهل البيت عليهم السلام في التزام الحق، والإخلاص في العمل، وصدق النية، والحفاظ على الواقعية، والتثبت في الأمور، والتعاون مع أهل الحق والدين والاستقامة، ممن لا تنالهم الظنون، ولم يتورطوا في الشبهات، ولا تخرجوا عن ذلك وتمل بكم الأهواء، وتنخدعوا بالشعارات البراقة والدعوات الجوفاء التي هي(كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ). وقد أقام الله تعالى الحجة، وأوضح الحق لطالبه، ولم يدع عباده في جهالة.
رابعاً: عليكم بالتوادد، والتحابب، والتآلف، والتعاطف، وتثبيت أواصر الأخوة بينكم، تبعاً لوحدة هدفكم، وشرف غايتكم، وقدسية دعوتكم، ولو فرض اختلاف بعض وجهات النظر فلتكن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبكمال الهدوء والتروّي، والحذر الحذر من العنف والتطرف الذي قد يجر للعداء والصدام بما لا تحمد عقباه ولا نجني منه غير الضرر والمآسي التي أجهدتنا وأنهكتنا.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينكم بأفضل عونه، ويسددكم، ويتقبل منكم، ويعظم أجركم، ويستجيب دعاءكم، ويشركنا في عملكم وصالح أدعيتكم، وأن يدفع عنكم السوء والبلاء، ويكفيكم شر الأعداء، ويصلح أمر دينكم ودنياكم، إنه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
١٦ / صفر المظفر / ١٤٢٤