أسرار زيارة كربلاء/ بحث روائي حول زيارة الإمام الحسين عليه السلام
آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
أربعة في العالم هم أفضل من الإمام الحسين عليه السلام وهم: جدّه وأبوه وأمّه وأخوه سلام الله عليهم ، وقد ورد ذلك في الروايات الشريفة وصرّح به أيضاً الإمام الحسين عليه السلام نفسه عندما قال في كربلاء: (جدّي خير منّي، وأبي خير منّي، وأمّي خير منّي، وأخي خير منّي)(١).
وبالرغم من ذلك إلا أنّ ما يقام على الإمام الحسين عليه السلام من مجالس العزاء والبكاء والحزن والإطعام والشعائر وباقي الخدمات الأخرى في شهري محرم الحرام وصفر يفوق جميع المجالس التي تقام على باقي المعصومين سلام الله عليهم طيلة السنة كلّها؛ لأنّ الله تعالى شاء أن تكون قضية الإمام الحسين عليه السلام قضية استثنائية، وتعامل على هذا الأساس النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين ومولاتنا فاطمة الزهراء والإمام الحسن وباقي الأئمة سلام الله عليهم من بعد الإمام الحسين إلى الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فقد قال الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه بحقّ جدّه الإمام الحسين عليه السلام مالم يرد مثله بحقّ أي معصوم آخر من أجداده المعصومين سلام الله عليهم ، ومنها قوله عجل الله تعالى فرجه: (ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً)(٢). فمثل هذا القول لم يصدر من الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه بحقّ أيّ من أجداده الطاهرين حتى جدّته الزهراء عليه السلام.
وقد شاء الله أن تكون قضية الإمام الحسين عليه السلام استثنائية في كل جوانبها، ومن ذلك: شدّة الحزن والبكاء عليه وإقامة العزاء على مصابه، وشدّ الرحال لزيارته في كل مناسبة إسلامية مهمّة وفي كل ليلة جمعة، وغيرها. فإنّ ما ورد من الحثّ على ذلك من النبي الأعظم وسائر المعصومين سلام الله عليهم بشأن الإمام الحسين عليه السلام لم يرد في شأن أيّ معصوم منهم سلام الله عليهم. فقد تظافرت الروايات الواردة عنهم سلام الله عليهم أنّ لزائر الإمام الحسين عليه السلام ولمعظِّم شعائره والمقيم العزاء عليه أجراً لا مثيل له. ولذا فإنّ المقولة التي يردّدها بعض: (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء) غير صحيحة لأنها تعارض ما ورد عن المعصومين ذسلام الله عليهم وهو: لا أرض مثل كربلاء ولا يوم كعاشوراء(٣).
يقول الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ أرض الكعبة قالت: مَن مثلي وقد بنى الله بيته على ظهري ويأتينـي الناس من كلّ فج عميق وجُعلت حرم الله وأمنه! فأوحى الله إليها أن كفّي وقرّي، فوعزّتي وجلالي ما فضل ما فضِّلت به فيما أعطيتُ به أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر! ولولا تربة كربلاء ما فضّلتك، ولولا ما تضمّنته أرض كربلاء لما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به؛ فقرّي واستقري...)(٤).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: في حديث طويل (... كربلاء... وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة) (٥).
لذا يجدر بالمؤمنين أن يضاعفوا جهودهم في سبيل نشر معالم ملحمة عاشوراء الخالدة وإقامة الشعائر الحسينية وتحمّل الصعاب والأذى مهما زادت، كما تحمّل المؤمنون من قبل؛ لأنّ الله تعالى يعامل كل ما يتعلّق بالإمام الحسين عليه السلام معاملة استثنائية.
أرجو ببركة الإمام الحسين عليه السلام وهو الرحمة الإلهية الواسعة أن يكتب الأجر الجزيل لكل الذين يساهمون ويتحمّلون العناء المادي والنفسي في سبيل إحياء شعائر الإمام الحسين عليه السلام وتعظيمها، وأن يديمها تبارك وتعالى فينا وفي ذريّاتنا.
الهوامش:
(١) العوالم/ الإمام الحسين عليه السلام/ ص٢٤٦.
(٢) بحار الأنوار/ ج٩٨/ باب ١٨ زياراته عليه السلام/ زيارة الناحية المقدسة/ ص٢٣٧.
(٣) الأمالي للصدوق/ المجلس الرابع والعشرون/ ص١١٥/ ح٣.
(٤) كامل الزيارات/ الباب٨٨/ فضل كربلاء/ ص٤٥٠.
(٥) المصدر نفسه/ ص٤٤٧.