هنا تكلم الله؛ في هذه البقعة المباركة!!
طاهر القزويني
ما يحدث في زيارة الاربعين شيء يصعب تصديقه لأنه اكبر من المعقولات البشرية وكلما اردنا تقريب الصورة الى الاذهان ابتعدنا اكثر واكثر واتهمنا من لا يعرفنا بالكذب او بالغلو، بالطبع لسنا بحاجة لان نبرر اعمالنا للآخرين ونفسر لهم ما يحدث في زيارة الاربعين ويكفي ان نعيش نحن في هذه الجنة وسنحاول قدر الامكان ان نشرح للآخرين ونصف لهم ما يجري في الاربعين، ولكن اسألكم بالله كيف للإنسان ان يصف الجنة لمن لم يرها فكلما استغرق في الوصف والتشبيه زادت الاسئلة وكبر الغموض، ومن لا يعرف الحسين لا يعرف الاربعين ولن يعرف قيمة الشعائر وبلا شك ليس كل الناس سيدخلون جنة الحسين عليه السلام.
انبهار العالم بهذا الشيء العظيم الذي يحصل في الاربعين مرده انهم لم يشهدوا حدثا بهذا الحجم على مستوى التاريخ البشري فزيارة الاربعين هي عظيمة وليس لها مثيل وهي تحمل مبادئ انسانية طمحت الى تحقيقها كافة الاديان السماوية والعقائد الوضعية، والتي سعت دوما الى رفع مستوى البشر من الانانية التي هم عليها الى مستوى راقي من البذل والعطاء، من اجل تحقيق العدالة والمساواة والسعادة لكل ابناء البشر من دون تمييز، وحاولت بعض العقائد الوضعية من خلال الغاء النزعات الفردية وتكريس الملكية العامة ان تصبح الاشياء مشاعة للبشر ولكل انسان الحق بان يحصل على الشيء الذي يحتاجه دون ان يدفع شيئا من المال بما يشبه صورة مصغرة عن الجنة التي يحصل فيها الناس على حاجاتهم دون ان يدفعوا قرشا من المال، وهكذا حاولت جميع الاديان والمذاهب ان توصل الانسان الى مستوى من الرقي والتكامل ويعيش بروح معنوية يتعالى فيها عن حاجاته الخاصة، من اجل سعادة البشرية عامة، هذا الشيء الذي عجزت عن تحقيقه جميع الاديان استطاع الامام الحسين عليه السلام ان يحققه في زيارة الاربعين.
والله سبحانه وتعالى يختبر الناس في عالم الدنيا بأنواع الاختبارات لكي يتساموا ويرتفعوا عن مستوى الحيوانية ويصلوا الى مرتبة يستحقوا فيها الدخول الى الجنة، والانسان الذي يفشل في الوصول الى مستوى تلك المرتبة من الخصال الانسانية لن يدخل الجنة لأنه ليس بوسعه ارتكاب الجرائم والمآثم في الجنة مثل القتل والفسوق والفجور والكذب والغش.
لكن اتباع الامام الحسين عليه السلام يصلون في زيارة الاربعين الى مستوى تلك الدرجة التي يتأهلون فيها للجنة لذلك قالوا ان طريق الحسين هو طريق الجنة ولا يقال مثل هذا الكلام اعتباطا لأنه نابع من حقيقة كون هؤلاء الاشخاص الذين يأتون الى هذه الزيارة يصلون الى مستوى عالي وراقي من الانسانية يصلون فيها الى نفس مستوى درجة من يستحقون الدخول الى الجنة.
هذا ليس كلام شاعري انما هو كلام واقعي نحس ونشعر به في كل لحظة من لحظات هذه الزيارة العظيمة وفي كل بقعة من بقاعها ونلمس الروح الملائكية في كل شخص نمر به فهذا المكان الذي حقق ماعجزت عن تحقيقه كافة الاديان والمذاهب عبر العصور والازمنة هو المكان الذي يرتقي فيه الانسان الى اعلى درجات السمو ولهذا السبب تقع كل عام الحوادث والفواجع في مكة المكرمة ولاتحدث في كربلاء.
مكة المكرمة يأتي اليها مليونا حاج سنويا وتحدث فيها الكثير من الكوارث بينما كربلاء يدخلها خمس وعشرون مليون زائر غير انه لاتحدث لهم فاجعة او كارثة ففي الحسابات المادية والجغرافية يجب ان تحدث المزيد من الحوادث والمآسي في كربلاء لكن لايحدث مثل هذا الشيء لماذا؟ لان الناس الذين يأتون الى كربلاء يرتقون بفضل الامام الحسين عليه السلام الى اعلى درجات السمو والعطاء ومن يكون بمثل هذا السمو لا يمكن ان يتسبب بأذى لأي احد!
والذي يحرك البشر في هذه البقعة هي قوة غير طبيعية ولو سالت اي شخص من الذي حثك على زيارة او خدمة الامام الحسين عليه السلام سيقول لا أحد؟ كل انسان يأتي الى زيارة الاربعين يقول ان هناك جاذبية تجذبه الى هذه الزيارة وهو لايستطيع ان يفك نفسه منها فماهي هذه القوة المغناطيسية الموجودة في كربلاء لتسحب الناس اليها؟
وعندما نريد تنظيم مسيرة للتعبير عن الراي او من اجل الترويج لقضية معينة فإننا نخطط لأسابيع من اجل انجاح هذه المسيرة وتوحيد خطابها وهتافاتها واللافتات التي يرفعونها وان لايحدث اختلاف بين تلك الشعارات ولابين الذين يسيرون في تلك المسيرة ومع كل الاحتياطات تحدث عادة بعض المخالفات والاشكالات في تلك المسيرة لكن السؤال المحير هو من يقود مسيرة الاربعين لكي تظهر بهذا الشكل من الاتزان والحكمة والمبدئية التي لانظير لها؟
الشعارات التي يطلقها السائرون الى الحسين عليه السلام في اربعينية شهادته كلها شعارات عالية المضمون والمستوى وفي زمن ترتفع فيها الشعارات العنصرية نسمع من افواه السائرين الى الحسين شعارات انسانية المضمون والمحتوى ، واللافتات التي ترفعها والرايات التي يحملها الزائرون تشتمل على معاني كبيرة اذا تمسكت بها البشرية كانت السبيل لها في تحقيق الكرامة الانسانية.
فشعار مثل هيهات منا الذلة هو شعار عظيم لو بحثت في ارجاء العالم كله لن تجد شعارا رفعته البشرية بمثل مستوى مضمون وقيمة هذا الشعار وقد اصبح شعارا لثورات كثيرة لأنه اضافة الى مايلقيه من الحماسة في نفوس رافعيه هو يجعل الكرامة القيمة الاساسية لحياة الانسان على الكرة الارضية.
هذا الشعار هو الذي يميز بين اتباع اهل بيت النبوة في كل شؤون الحياة بما في ذلك في ميدان القتال نجد ان اتباع الحسين عليه السلام يقاتلون الى آخر قطرة من دمائهم في سبيل الدفاع عن وطنهم وكرامتهم وشرفهم بينما يستسلم الآخرون بكل سهولة للعدو ويسلمون اراضيهم ووطنهم للمعتدين.
الحسين هو الذي علم شيعته كيفية الدفاع عن الكرامة، وهو الذي علمهم كيف يحققون الانتصارات في جبهات القتال، فتلك الكلمات التي اطلقها يوم عاشوراء هي مبادئ عليا ولم تعرف الامة العربية والاسلامية الهزائم الواحدة بعد الاخرى الا بعد ان ابتعدت عن الحسين وهكذا عادت الانتصارات الى الامة عندما عادت الى الحسين!
كل هذا الغموض الذي يحيط بالقضية الحسينية والسر الكامن في هذه المسالة العجيبة تكشفه الاحاديث الشريفة لأهل بيت النبوة عليهم السلام فكربلاء هي البقعة المباركة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه المبين وهي التي كلم فيها سبحانه وتعالى نبيه الكليم موسى بن عمران عليه السلام وهي نفس البقعة التي آوت اليها السيدة مريم عليها السلام واولدت فيها روح الله عيسى عليه السلام وفي فراتها اغتسلت ومن يأتي اليها يقبل على الله وعلى رحمته الواسعة وهذا هو سر المغناطيس في هذه الارض ويقول الامام الصادق عليه السلام (يا بشير من زار قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه كان كمن زار الله في عرشه) فمن يزور الحسين هو كمن يزور الله في عرشه من الثواب الجزيل والعطاء الكبير والرحمة الواسعة ولاعجب من هذا الزائر الذي تغمره اوسع الرحمات.