نحو إستراتيجية إدارة زيارة الأربعين
حيدر الجد
لم يسجل لنا التاريخ زيارة تحمل بعداً عالمياً مثل زيارة الإمام الحسين عليه السلام في ذكرى زيارة الأربعين السنوية يوم العشرين من شهر صفر، حيث بدأت نواتها الأولى منذ زيارة جابر بن عبد الله الأنصاري في السنة التي قتل بها الحسين في كربلاء عام ٦١ هـ ثم توالى إحياء هذه المناسبة على مدى السنين الممتدة من ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.
تراوحت أعداد الزائرين المشاة حسب الفترات التي تقع في أزمنة حكم متنوعة المذاهب والآراء، فعندما تتخذ السلطة إجراءات صارمة وتقف اتجاه نهضة الحسين موقفاً سلبياً نلاحظ انخفاض الأعداد عدا من يسيرون رغم الأخطار وعندما يكون موقف السلطة من تلك النهضة موقفا ايجابياً تزداد الأعداد وتبدو معالم الزيارة واضحة.
بعد زوال النظام البائد سنة ٢٠٠٣م بدأت تتشكل معالم جديدة لهذه الزيارة حيث لم تعد هناك مخاوف من السلطة وما سوف ينجم من تبعات، فكانت هذه المعالم بما فيها من خدمات ودعم مالي ومعنوي تتهيأ تلقائياً لدى جمهور أتباع أهل البيت دون ترتيب رسمي يضمن سلامة الزائرين خصوصاً وإن العراق دخل فترة انعدمت فيها سبل الأمن والاطمئنان ومع ذلك لم تنقع الزيارة والوصول إلى مرقد سيد الشهداء، وخلال هذه السنوات ظهرت عدة سلبيات جراء عدم التخطيط والإدارة لهذه التظاهرة الكبرى التي سجلت أرقاماً ضخمة من حيث أعداد الزائرين حتى تخطت العشرين مليون زائر وعلى مدى عشرة أيام بدأً من يوم العاشر من صفر ولغاية العشرين منه وهو اليوم الذي تبلغ في الزيارة ذروتها حيث تستمر المواكب بتقديم العزاء مشياً من مواقع انطلاقها من محيط المدينة القديمة في كربلاء وانتهاءاً بمرقد أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
تحتاج هذه التظاهرة إلى دراسات واسعة شاملة لضمان تطوير واقعها وتحسين نوع الخدمة المقدمة فيها بما يضمن انسيابية وصول الزائر إلى الروضة الحسينية بسهولة لأداء الزيارة والعودة إلى دياره، وهنا سنبين ملامح لإستراتيجية إدارة هذه المناسبة المهمة لأن الخوض في تفاصيلها يتطلب بحثاً مطولاً.
ليس لكلمة الإستراتيجية مرادف في اللغة العربية وهي منقولة بلفظها الأصلي من اللغة اليونانية (strategos) المشتقة من كلمتين (stratos) التي تعني العسكري وكلمة (ago) التي تعني القيادة ومجملها يعني (خطة عمل طويلة الأمد ترمي إلى تحقيق هدف مستقبلي ترغب أن تصل إليه المنظمة فتحشد طاقاتها لغرض الاستعداد لتحقيقه).
قبل البدء بإعداد الإستراتيجية لابد أن نقيم الوضع الحالي للمنظمة (المقصود بالمنظمة في هذا المقال هو تظاهرة زيارة الأربعين بأكملها)، فيجب أن نقيم أين نحن الآن؟ وإلى أين نريد الوصول؟ وهذا بعينه هو المقصود بالإستراتيجية.
تمر الإستراتيجية بثلاثة مراحل: وهي مرحلة التخطيط ومرحلة التنفيذ ومرحلة المراقبة، مرحلة التخطيط تتضمن جمع البيانات، وتحليلها، وصياغتها على شكل خطة عمل مكتوبة على ورق، أما مرحلة التنفيذ فهي أصعب المراحل لأنها ستواجه الكثير من الصعوبات لأن التنفيذ يستلزم توفير كافة الإجراءات لتنفيذ الإستراتيجية وبعدها مرحلة المراقبة التي تقيم عمل الإستراتيجية ومدى نجاحها في الغرض الموضوعة من أجله.
لكي نحلل البيانات يجب اعتماد أداة لتحليلها وبناء إستراتيجية جديدة وسوف نعتمد أداة (swot) في تحليل هذه البيانات، حيث يعني الحرف (s) نقاط القوة(strength) في البيئة الداخلية و(w) نقاط الضعف(weakness) في البيئة الداخلية، و(o) الفرص(opportunities) الموجودة في البيئة الخارجية و(t) التهديدات (threats)الموجودة في البيئة الخارجية.
يمكن تقسيم الظاهرة إلى موقعين ونشاطين
الموقع الأول: محافظة كربلاء، مرقد الإمام الحسين(عليه السلام) ومرقد أخيه أبي الفضل العباس(عليه السلام)، وهو مركز التظاهرة الرئيسي
الموقع الثاني: كل الطرق المؤدية إلى محافظة كربلاء
أما الأنشطة فالنشاط الأول يتمثل في نشاط المشي إلى كربلاء والمستهدف بهذا النشاط الزائر الذي يتصل مسيره من بيته او موقع تجمع قافلته إلى كربلاء.
أما النشاط الثاني فيتمثل بالجهود المبذولة من قبل أصحاب المواكب لتسهيل وصول الزائر إلى كربلاء.
تمثل المنظمة وكما قدمنا التظاهرة بحد ذاتها وهذه التظاهرة تتضمن:
أولاً: نقاط القوة
١- موارد بشرية: تتوفر موارد بشرية ضخمة من حيث:
أ- كفاءات متميزة تتمثل بالقابليات العالية لمسئولي المواكب في إدارة الموكب.
ب- كفاءات شبابية لها القابلية على المحافظة على أمن الزائرين وتقديم الوجبات الغذائية لهم من خلال القيام بأعمال الطبخ والتوزيع وتوفير المكان الملائم للمبيت ومستلزماته ووسائل التنظيف.
٢- موارد مالية: تتوفر موارد مالية جيدة من قبل الداعمين لهذه التظاهرة حيث تعتمد الموارد المالية على:
أ- الإعانات الشخصية: حيث يقوم صاحب الموكب بوضع صندوق جمع الأموال يفتح سنوياً قبل هذه المناسبة وتعتمد هذه الإعانات على دعم صاحب الموكب بالدرجة الأولى وعلى ما يقدمه أهله وأقاربه وأصحابه من مال يصرف لتوفير مستلزمات الموكب.
ب- الإعانات الخارجية: تتمثل بالإعانات التي يقدمها المتبرعون دعماً للموكب وقد تقوم الدولة بصرف مبالغ دعماً لأصحاب المواكب.
٣- الدعم اللوجستي: ويتمثل بالدعم المقدم من قبل المرجعيات الدينية والدولة ومؤسسات المجتمع المدني من خلال توفير كوادر إرشادية وطبية وأمنية وخدمية ومواد عينية غذائية أو أدوية أو مستلزمات حياتية أخرى تدعم المواكب وتنشط عمل منتسبيها، وتقدم المساعدة لمحتاجيها من الزائرين.
٤- الوسائل التقنية: توفر خدمات الانترنت وخدمة الاتصالات لضمان تواصل الزائرين مع أهلهم ومحاولة تعيين مواقع التائهين وإرشادهم الى الطريق والتحاقهم بقوافلهم.
٥- الدوافع الذاتية: حيث تتطوع الآلاف من الناس في خدمة الزائرين دون أن يجبرهم أحد على ذلك ودون مقابل مالي أو أجر معين، بل الذي يدفعهم لهذه الخدمة المجانية والتي تكون في أغلب الأحيان مضنية تستوجب بذل جهود استثنائية من حيث السهر ليلاً لحماية ورعاية الزائرين المشاة، استغراق ساعات في إعداد الطعام، صرف مبالغ مالية ضخمة قد يكون الفرد في حاجتها إلا إن حبه لخدمة زائري سيد الشهداء يجعله غير آبهٍ بكل ما ذكرنا من جهود.
ثانياً: نقاط الضعف
١- عدم التخطيط المسبق للتظاهرة من خلال معرفة واقعها الحالي وما نصبو إليه مستقبلاً.
٢- عدم وجود جهة رسمية تختص بهذه التظاهرة كما هو الحال مع تظاهرة الحج حيث وضعت السعودية جهة اسمها المؤسسة العامة للحج تقوم بمتابعة شؤون الحجاج.
٣- عدم وجود تنسيق ملحوظ بين المواكب المنتشرة بحيث يمكن استعانة موكب بموكب آخر عدا بعض المواكب التي تتبادل مع المواكب الأخرى في بعض احتياجاتها مما يؤدي إلى تكدس موارد غذائية وطاقات في موكب وانعدامها آنياً في موكب آخر.
٤- عدد العناصر الأمنية المتوفرة لا يكفي هذه الحشود المليونية المتوافدة على كربلاء.
ثالثاً: الفرص
١- وجود وضع سياسي يسمح بتوسع هذه الظاهرة
٢- وجود جهات دعم خارجية متمكنة يمكن الاستفادة منها في تقديم الأفضل والأكثر.
٣- توفر وسائل نقل حديثة يمكن اعتمادها مثل القاطرات الكهربائية وغيرها
٤- توفر مساحات من الأرض مفتوحة يمكن استثمارها لإيصال الزائر بسهولة إلى مركز كربلاء وتجنب المعاناة عند رجوعه إلى دياره على مستوى توفير الكراجات بالنسبة للنقل الوطني والمطارات بالنسبة للنقل الدولي.
٥- وجود كفاءات عراقية متمكنة في التخطيط الاستراتيجي يمكن الاستعانة بها لرسم ملامح جديدة لإستراتيجية إدارة الزيارة.
٦- استخدام الجانب الإعلامي لتعريف العالم بأسره أهمية هذه التظاهرة وما ترمي إليه من تعريف بنهضة سيد الشهداء ومدى تواصل والتحام الجماهير بقضيته ونهضته(عليه السلام).
رابعاً: التهديدات:
١- ظهور أصوات ناشزة قد تكون ذات تأثير ونفوذ تطالب بتحجيم هذه التظاهرة أو إلغاءها.
٢- محاولة اختراق هذه التظاهرة أمنياً عن طريق إدخال عناصر إرهابية لتقويض الأمن واستهداف الزائرين.
٣- تأثير الوضع السياسي القائم والتخوف من وجود نظام جديد لا يؤمن بهذه التظاهرة كممارسة شعائرية مكفولة لطائفة تمثل الجزء الأكبر من الشعب.
٤- إدخال ممارسات خارجية أخرى طارئة على التظاهرة تحاول تشويه الطابع الأصلي الذي اتسمت به التظاهرة منذ نشوءها وانطلاقها.
الإستراتيجية المقترحة
على ضوء ما تقدم من تشخيص لنقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات يمكن اقتراح إستراتيجية إدارة هذه الزيارة المهمة حسب النقاط التالية:
١) الرؤية: السعي نحو تقديم أفضل الخدمات بالنسبة للمواكب المنتشرة على الطريق، وتسهيل انسيابية حركة الزائرين المشاة من وإلى كربلاء وضمان سلامتهم.
٢) الرسالة: تعريف العالم بأهداف المسير إلى كربلاء وهي مناهضة الإرهاب والعنف والذل وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في الحرية والكرامة والأمان.
٣) الأهداف: التزود من مبادئ سيد الشهداء في الإصلاح والسير على نهجه في رفض الظلم، نبذ مظاهر التفرقة والعنف، التواصل الاجتماعي بين الزائرين عن طريق التعارف والتوادد والمحبة، ترسيخ قواعد التعايش السلمي بين الأديان تحت قاعدة (الحسين شعار تعايش الأديان).
٤) الخيار الاستراتيجي: يتم اختيار الاستراتيجية على ضوء زيادة نقاط القوة وترسيخها، وتحجيم نقاط الضعف وتقليص آثارها، واستغلال الفرص الموجودة لكي نضمن استمرار هذه التظاهرة، والابتعاد –قدر الامكان- عن التهديدات وتخفيض درجة خطورتها على التظاهرة لأن التهديدات ليس بالسهل القضاء عليها أو تحجيمها، فهي نتاج البيئة الخارجية التي تعيش هذه التظاهرة ضمن مكوناتها.
على ضوء ما تقدم يمكن اعتماد استراتيجية النشاط الفعال حيث تتطلب هذه الإستراتيجية جهد جماعي منظم ضمن هيئة (هيئة دعم الزيارة الاربعينية) تسعى في كل سنة لإعداد خطة عمل على ضوء معطيات وظروف السنة السابقة وما يمكن تخمينه من زيادة في أعداد الزائرين مع رصد المتغيرات المتوقعة الجوية والسياسية والاقتصادية.
المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية