(١٤) مسيرة الأربعين وأدراك الفتح
مسيرة الأربعين وأدراك الفتح
عمار العامري
لابد إن يعي العراقيون والشيعة عامة، إن إحياء مراسيم الأربعينية ليس إقامة طقوس فحسب، من قبيل تحفيز المشاعر للبكاء، وبذل الأموال مع أهميتها، ولا الغاية السير مشياً، إنما الأهمية بإبراز أهداف رسالة الأربعين، وتعريفها للأجيال كونها الامتداد الثوري والإعلامي لواقعة كربلاء، والاستفادة مما تعرضت له المسيرة الحسينية، إبان العصور الماضية.
ذكرت المصادر التاريخية، العديد من وقائع تعرض الشيعة للمضايقات والمنع، ومحاولات طمس هوية التشييع، فقطعت الأكف، وفرضت الإتاوات، وخربت معالم القبر، لان زيارة الأربعينية تعد مظاهرة ثورية، ورسالة إعلامية، قل عدد المشاركين أو كثر، فأن تأثيرها على الرأي العام يعد فصل الخطاب، الذي تتجنبه السلطات على مختلف أيدلوجياتها، لما للمطالبة بالحقوق من تأثير على إسقاطها، وزلزلت عروشها، وفضح نواياها الخبيثة.
فالتعرض للمسيرة الحسينية، طيلة تلك القرون الغابرة، ربما تشتد المضايقات فيه، وتخف أحياناً أخرى، وفقاً للظروف السياسية والاجتماعية التي يمر فيها العراق، فرسالة الأربعين يعني وجود قوة مناصرة للحق، مستمرة بالمطالبة فيه ممن اغتصبه، وعدم الانفضاح في اغلب الحقب عن المسميات، لا يعني إنكار دورها، إنما مجرد رفض الظلم عبر شعار (هيهات منا الذلة) دليل وعي الأمة للمطالب بحقوقها المسلوبة.
دائماً تجد الظالم متوجس خيفة من كل شيء اسمه حق، وذكر الإمام الحسين؛ يعني إن أنصاره على استعداد لقلب الموازين، وتغيير المعادلة، لذا كل محاولات تغييب هذه المسيرة، تأتي ضمن فصول حكاية إتباع بني سفيان، ومحاربتهم لشيعة آل محمد، فالقهر الذي تعرض له الأئمة عليهم السلام من بني أمية وبني العباس، هو اشد مراحل الصراع أزلي بين عقيدين متقاطعتين تماماً.
العقيدة الأولى؛ هدفها إرساء دعائم دولة العدل، وأقام الحكم الإلهي، والثانية؛ غاياتها فرض منهجها بالقوة، وأساليب القمع مع علمها ببطلان أدلتها، وضعف حجيتها، وهذا ما نجده في انتصار المطارحات الفكرية للائمة عليهم السلام على كل من يناظرهم، لذا فأن امتلاك قوة الحجة، ومتانة البيان أهم أسلحة استمرار مسيرة الأربعين، بتعريف أهدافها للأجيال، وجعلها مادة تعليمية وتربوية في المراحل الدراسية كافة.
دراسة أسباب المنع، والتضييق على محيي هذه المسيرة، والوقوف على تداعياتها، يرافقها تذليل العقبات إن وجدت؛ يعد منهاج حقيقي لاستمرارها، وإبلاغ أهداف رسالة الإمام الحسين الإصلاحية، وهذا يدعم الرأي السائد بعدم وجود إمكانية لمنعها مستقبلاً، ولكن أصحاب هذا الرأي يتوقفون عند نقطة مهمة، ما مدى الوعي الذي تمتلكه تلك الجموع المليونية؟؟ وهل قادرة على النجاح في نصرة مشروع العدل الإلهي؟؟.
الحقيقة أن مسيرة الأربعينية؛ تجسيداً لمقولة الإمام الحسين (أمّا بعد فإنّ من لحق بنا استشهد، ومن لم يلحق بنا لم يدرك الفتح) وغاية هذا السفر التاريخي الذي مررنا فيه، مدى تحقيق أهدافها، ونيل طموح المضحين من اجل بقاءها، فمن خلالها يُدرك الفتح، أو لا يُدرك، والفتح الأمل الموعود بإحقاق الحق.