(١٥) من وحي زيارة الأربعين.. قلوب تمشي على الأرض
من وحي زيارة الأربعين.. قلوب تمشي على الأرض
عبد الرضا الساعدي
إلى الحسين عليه السلام.. من كل حدب وصوب.. في أكبر تجمع بشري في العالم ومن مختلف الجهات تتدافع الحشود لكي تصل أرض كربلاء حيث منارة الثوار والإصلاح والدين الشامخة أبي عبد الله وأخيه العباس عليهما السلام، وحيث الرجال الذين وقفوا بين يديه، في واقعة الطف العظيمة، فقدموا دماءهم في سبيل العقيدة والشرف والحق.
وأنت تمضي على طول الطريق من الجنوب إلى الشمال وبالعكس، ترى هذا المد العظيم من مختلف الأعمار والأديان والأطياف والدول، يوحدهم شعور واحد هو: حب الحسين، حشود مليوينة من النساء والأطفال في عربات تدفعها الأمهات -كمشهد لن تستطيع العين واليد أن توصفه بدقة أبدا-، ومن المعاقين أيضا وكبار السن وغيرهم مما يستحق الإعجاب والإعجاز في التعبير والوصف والشعور.
لسنا وحدنا من يشهد على عظمة ما يحدث فتعالوا معي لنقرأ آخر ما كتبته واحدة من أهم الصحف العالمية..
في المقال الذي نشر في صحيفة (هافينجتون بوست) وحمل عنوان (أعظم تجمهر ديني في العالم يحدث الآن نقرأ) إذا أردت أن تتعرف على الإسلام الحقيقي فعليك بزيارة الأربعين.
المقال أشار الى أن عدد الزائرين يفوق عدد الحجاج بأكثر من خمس مرات، كما وهو أهم من مهرجان (كوم ميلا) الهندوسي الكبير لأن الأخير يحدث مرة كل ثلاث سنوات. كما أن زيارة الأربعين تجري في أجواء أمنية خطيرة وفي خلفية التفجيرات، ما يمثّل تحدّيا للإرهاب ورسالة الى العالم كله.
ثم يذكر المقال قصة لرجل أسترالي أسلم وتخلى عن ديانته الكاثوليكية وقد بدأت رحلته الاستكشافية بعد مشاهدة تقرير عن زيارة الأربعين الأولى بعد سقوط الطاغية في العراق عام ٢٠٠٣. ومن خلال عرض مقارنات بين التجمهر الملويني في زيارة الأربعين ومشاريع دولية كبيرة مثل المساعدات التي قدمتها وزارة الدفاع الأمريكية لضحايا زلزال هايتي، حيث تم توزيع ٤ ملايين وجبة طعام، بينما يتم توزيع ما لا يقل عن ٢٠٠ مليون وجبة في العراق خلال فترة الزيارة، كل ذلك من نفقات الفقراء والخيّرين.
كاتب المقال طالب بدرج زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام في موسوعات الأرقام القياسية وفي عدة خانات، منها: أكبر تجمع بشري، أطول مائدة طعام في العالم، أكبر عدد للمتطوعين في حدث واحد، وغيرها.
كما وجه كاتب المقال انتقادا لاذعا للإعلام الغربي لتعاطيه المسيّس مع القضية الحسينية ويتساءل (كيف يتم تغطية مظاهرة صغيرة في لندن او مسيرة لبضع المئات في هونغ كونغ او تجمّع محدود في روسيا ويتم غض الطرف عن أعظم تجمهر بشري سلمي في العالم حيث السيل الجارف من النساء والرجال والأطفال؟)، لكنه يعزو التعتيم الإعلامي على زيارة الأربعين الى عدم اكتراث الإعلام الغربي بالقصص الإيجابية الملهمة خصوصا فيما يرتبط بمذهب أهل البيت عليهم السلام. كما يشير الى أن الزائر بإمكانه أن يجد في المسير الى الحسين عليه السلام قصصا من الفداء والصبر والتحمّل والعطاء وكل مفردات الخلق الرفيع ما يحتوي على مادة ثريّة لإنتاج أفلام ضخمة، إلا أن هوليوود مهتمة بالشخصيات الخرافية أكثر من الأبطال الحقيقيين الذين يرسمون من خلال ظاهرة الأربعين أعظم ملحمة إنسانية.
ويختم الكاتب مقاله بالقول (اذا أردت أن تتعرف على الإسلام الحقيقي فعليك بزيارة الأربعين، فإنها مهرجان المثل والقيم التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلافا لما يقوم به شرذمة التكفيريين الذين يمثلون أولئك الذين قتلوا الحسين في عاشوراء، وإذا أردت أن تتعرف على جذور (داعش) فعليك بمعرفة أعدائه).
كما يتحدث المقال مفصّلا عن قضية الإمام الحسين وآلامه التي ألهمت عشرات الملايين الى تبني قضيته والنظر الى مصيبته على أنها مصيبتهم.
هكذا تتضح يوميا الصور والأدلة التي جعلت من زيارة الأربعين أعظم وأكبر وأرقى تجمهر ديني في العالم، بينما لازالت بعض الدول العربية أو الإسلامية المحاذية للعراق تحارب هذا الحب والتجمهر الديني والطقسي بشتى الوسائل والأدوات الإجرامية والإرهابية كي يرعبوا الناس والأطفال والشيوخ الذين يزحفون على قلوبهم قبل أقدامهم نحو النور والرمز الإنساني والديني العظيم أبي عبد الله الحسين عليه السلام.