المسار
مسيرة الأربعين » البحوث والمقالات
الفهرس
البحوث والمقالات

(٣٧) هذه دولة الامام الحسين عليه السلام؟

هذه دولة الامام الحسين عليه السلام؟

طاهر القزويني

الدولة الوحيدة التي فتحت قلبها لكل العالم وحدودها لكل ابناء البشر ولايحتاج من يريد الدخول اليها الى فيزا او تأشيرة دخول هي دولة الامام الحسين عليه السلام، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تطعم شعبها وزوارها بشكل مجاني وتوفر لهم المبيت من دون ان تطلب منهم درهما واحدا وتقدم لهم الخدمات المختلفة التي لانجد لها مثيلا في العالم؛ وهناك المزيد من الغرائب والعجائب في زيارة الاربعين التي يتوقف العقل البشري عن ادراكها بالحسابات المادية.
وليس رقم الخمس والعشرين مليون الذين يحضرون الزيارة هو العجيب وانما العجيب ان جميعهم يعرفون بانهم معرضون للأخطار أبسطها ان يكونوا اهدافا مشروعة للارهابيين الذين يزرعون الطرقات بالعبوات الناسفة، فكل واحد من هؤلاء الزائرين يدرك انه قد يتحول الى اشلاء مقطعة اذا انفجرت به واحدة من تلك العبوات، لكنه وضع روحه على كفه ومضى في مسيرة محدودة في الزمن وعميقة في الوجود.
هنا المكان الوحيد الذي تشعر فيه الأرواح بالسكينة، ولايعرف فيه الاسود والاحمر والاصفر معنى الشعور بالغربة لان دولة الامام الحسين عليه السلام تضم جميع القوميات في العالم ويأتون اليها من جميع الاقطار ويجتمعون بجوار الامام الحسين عليه السلام من دون حزازيات او نزاع بينهم وهم يتحدثون بكل اللغات لتتمثل بهم بصدق الآية القرآنية
الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات -13-.
جميع الخدمات التي تقدمها دولة الامام الحسين عليه السلام للأفراد الذين يأتون اليها تقدمها من دون تمييز، فهذا هو المكان الوحيد الذي يقدم مختلف الخدمات دون ان يطلب من الشخص هويته او يسال عن دينه او مذهبه فكل الافراد الذين يقدمون لزيارة الاربعين يعاملون بشكل متساوي كأسنان المشط لاتفرقهم الالقاب ولاتغيرهم المراتب ولاترفعهم المسؤوليات الحكومية وحتى الوزراء والرؤساء الذين يحضرون للزيارة الاربعين لايستطيع احد ان يميزهم عن بقية الناس من فراشين وكناسين فهم في هذه الدولة لايحصلون على امتيازات دنيوية.
والاكثر غرابة من هذا كله انه قد تصادف في هذه الدولة من يقدم لك خدمة وهو برتبة وزير او مسؤول كبير في الحكومة دون ان تعرفه على حقيقته ولن يكشف هو عن هويته الحقيقية لأنه من اهم مميزات الذين يشاركون في هذه الزيارة المليونية هو التواضع وتقديم الخدمة الطوعية للآخرين، حتى اصبحت زيارة الاربعين محلا لتنقية المسؤولين انفسهم من الخيلاء والتكبر من خلال التنازل عن القابهم والمشاركة في الخدمة الطوعية للزائرين.
من اغرب الغرائب في هذه الدولة الحسينية التي لا نرى لها مثيلاً في التاريخ هي انها مجانية، فأنت تحصل على الطعام بكل انواعه والوانه وبكل مذاقاته من دون ان تدفع قرشا واحدا، يعني ماعليك هو ان تختار بين الاطعمة الموجودة والمتوفرة؛ الطعام الذي ترغب فيه وتطلبه من دون ان تدفع المقابل المادي لذلك الطعام وبطبيعة الحال فإن الذين يقدمون لمثل هذا المكان المقدس هم لايابهون كثيراً لهذه المسالة وسيرجح بعضهم الطعام البسيط ليعايشوا بصدق وواقعية الاجواء الروحانية لهذه المناسبة العظيمة.
من غرائب هذه الدولة التي يقطنها اكثر من خمسة وعشرين مليون انسان هي انهم ليسوا بحاجة الى شرطي ينظم لهم السير ويمنع سرقة اموالهم ويحافظ عليهم من اعتداء الآخرين عليهم او يقوم بالفصل بين نزاعاتهم او يساعدهم في حل خلافاتهم الاسرية وهو ما يحصل في كل بلاد العالم ، فليس هناك دولة يتشكل سكانها من مليون نسمة الا احتاجت الى اعداد هائلة من افراد الشرطة لتنظيم الحياة فيها بما في ذلك تنظيم المرور والفصل في المنازعات والقبض على اللصوص ومنع وقوع الجريمة والكثير الكثير مما تعمله اجهزة الشرطة في كل بلاد العالم فلماذا لاتحتاج دولة الامام الحسين عليه السلام في زيارة الاربعين للشرطة؟
معظم دول العالم تقيم مهرجانات كبيرة وقد لا تطول تلك المهرجات اكثر من ساعات معدودة وبتعداد افراد لايتجاوز عشرات الآلاف وقد تحتاج المئات من افراد الشرطة لحماية مهرجانها من اعتداءات قد تحصل فيما بينهم، ولايخلو اي مهرجان في العالم من حوادث لكن على طول فترة اقامتها لم تشهد الزيارة المليونية في الأربعين حادثأ واحداً من نوع التدافع والاعتداء على حقوق الآخرين او جريمة تستدعي تدخل الشرطة.
وحتى الدول الكبرى لو عزمت على اقامة مهرجان مليوني فإنها تستعد لهذا الحدث لعام كامل مع ان هذا المهرجان لايستمر الا لساعات معدودة وليوم واحد وهي لاتقدم خلال هذا المهرجان اي نوع من الخدمات المجانية من نظير الغذاء او الشراب او حتى المبيت وبالعكس نجد ان تلك المدينة التي تستضيف ذلك المهرجان سترتفع فيها اسعار الخدمات من النقل واماكن الايواء وحتى الطعام، وسيعاني اهالي تلك المدينة من ارتفاع الاسعار فيها كنتيجة لتنظيم مهرجان سنوي في مدينتهم.
بينما يحضر لزيارة الاربعين في كربلاء المقدسة اكثر من خمسة وعشرين مليون زائر بحسب اقل الاحصاءات وهؤلاء يقضون اياما معدودة في الطريق الى كربلاء المقدسة وبعضهم اسابيع وفي الطريق تقدم لهم جميع الخدمات المجانية من المأكل والمشرب والمبيت، وهنا نتحدى الدول العظمى ان تستطيع تنظيم مثل هذه الزيارة (وهذا التحدي يعني بالضبط ان دولة الامام الحسين عليه السلام هي اقوى من جميع الدول الكبرى في العالم).
وعندما نتحدى القوى الكبرى ان تكون عاجزة عن تنظيم مهرجان مشابه لزيارة الاربعين فلعظمة تكاليف هذه الزيارة التي لاتقدر عليها اية دولة في العالم لانها بحاجة الى توظيف عشرات الآلاف من الاشخاص الذين يعملون في مختلف القطاعات لتوفير الخدمة لزوار يبلغ تعدادهم خمسة وعشرون مليون انسان وهي ستحتاج الى الآلاف من عمال البناء وفنيو الكهرباء وعمال النظافة وستحتاج الى ملايين الاطنان من المواد الغذائية لاشباع هذا العدد الهائل من الناس على مدى اسبوع من الزمان والى آلاف الطباخين لتحضير موائد الطعام المختلفة والى الملايين من عبوات وقناني المياه الصالحة للشرب لارواء عطش هؤلاء الناس، وستكون بحاجة الى آلاف الفنادق لاسكان هؤلاء الزائرين وتوفير محل لائق بمبيتهم، والى آلاف السيارات والحافلات لنقلهم بين المدن والمحافظات!
وتتنافس الدول فيما بينها على تقديم اطول مائدة طعام في العالم وكانت الكويت قد اعلنت انها حطمت رقم دولة فلسطين المسجل في موسوعة (غينيس) العالمية للأرقام القياسية بأطول مائدة في العالم حيث بلغ طولها 210 أمتار، بينما كان الرقم السابق والذي سجل باسم فلسطين كان أقل بــ 8 أمتار كان ذلك في عام 2012 بينما نظمت محافظة (الأسكندرية) بمصر مائدة إفطار في عام 2015 وقالت انها الاطول في العالم وقد بلغ طول المائدة أربعة كيلومترات، و 303 متراً، وقالت انها تجاوزت بهذا الرقم الذي قد حققته إيطاليا لأطول مائدة طعام.
المائدة التي تقدمها دولة الامام الحسين عليه السلام لزوارها يبلغ طولها مئات الكيلو مترات وهي لاتقتصر على وجبة واحدة ولايوم واحد بل هي تمتد لأسابيع وتمتد احداها من الفاو جنوب العراق الى كربلاء المقدسة وتبلغ 602 كم وهناك مائدة اخرى ممتدة من مدينة بدرة الى كربلاء وهي على طول 254 كم ومائدة ثالثة من بعقوبة الى كربلاء وهي تبلغ 159 كم.
نتحدى العالم كله وجميع الحضارات والاديان والمذاهب ان يقدموا نموذجا مثاليا لما يحصل في العراق، فالذي يجري في العراق هو ليس فقط دليل على كرم وطيب نفس اهل العراق فقط بل يدل على عمق الحضارة المتأصلة في هذا الشعب، فالعطاء الذي يسيل كالنهر الجارف في هذا البلد انما هو نتيجة الحضارة والثقافة الحسينية التي يتبناها هذا الشعب والتي تسمح بتسجيل كل هذه الارقام القياسية على مستوى العالم كله.
فالأخلاق والمبادئ الانسانية التي تنشرها زيارة الاربعين لامثيل لها في كافة انحاء العالم، اننا نلاحظ ملايين البشر وهم يتحركون ضمن مسيرة حسينية سلمية هدفها تسامي الانسان وتحقيق رفعته فلا تجد في اية منطقة في العالم يقدمون لك الطعام المجاني وهم يترجونك بأن تدخل الى ضيافتهم
الفنادق واماكن مبيت الزائرين نحو كربلاء كلها مجانية وانت الذي ستختار مستوى الفندق او الحسينية او حتى الخيمة التي سترقد فيها للصباح وربما تفضل خيمة متواضعة على حسينية ضخمة تتمتع بكل الامكانيات والخدمات وهذا لانك ترى بان هذه الرحلة هي رحلة لتطهير النفس وتأديبها بالآداب العظيمة وتخليصها من متعلقاتها الدنيوية.
والانسان هنا بحاجة الى ان يرتقي بروحه وجسمه؛ والامام الحسين عليه السلام يقدم لك مدرسة مجانية لكي تتدرب على الزهد في الدنيا وترقد في مكان قد يرتجف بدنك حتى الصباح من شدة البرد ليس لعدم وجود مكان دافئ في الجوار بل لأنك اخترت ان تنام وتشعر بالقليل من الالم الذي عايشته اسرة سيد الشهداء فنحن هنا اضافة الى كل ماقلناه نواسي العترة الطاهرة بما لاقته من الصعوبات والمآسي والآلام .
هنا يبرز تساؤل عريض، من الذي يقود زيارة بمثل هذا الحجم الضخم؟
لو تحدثنا لأي سياسي في العالم عن معطيات زيارة الاربعين وخصائصها وما يجري فيها من الغرائب ونقول له بان هذه المسيرة عفوية وليست هناك دولة تتحكم بها او حكومة تقودها وليس هناك قائد يدبر امورها ..هو لن يصدقنا وسيتهمنا بالجنون!
نعم هناك من يقود هذه الزيارة العجائبية العظيمة انه رجل تمتد قامته عبر الزمن والتاريخ وقد ابهر العالم بعطائه العظيم واخترق بشهامته الفكر البشري وبرغم راسه المقطوع لكنه يعايش البشر في كل لحظاتهم التاريخية انه الامام الحسين عليه السلام هو قائد هذه المسيرة وهو الذي يدبر امورها، وكل العلامات الموجودة والشواهد القائمة في كل بقعة من بقاع هذه الزيارة المليونية تؤكد وجده فاسم الامام موجود على اللافتات وعلى الرايات وعلى ألسنة الناس وعلى السنة الخطباء، وكل شيء في هذه الزيارة العجائبية يلهج باسم الحسين.
ولو كانت لديك القدرة في البحث في الاصوات التي يطلقها الناس والكلمات التي يدلون بها ستجد ان كلمة الحسين هي اكثر كلمة تنطلق من افواه الناس في هذه الزيارة العجائبية وهذا يعني ان الحسين موجود في عقولنا وهو راقد الى الممات في قلوبنا وشخص بهذا الوصف لايكون ميتا انه حي ابد الدهر.
لو سألنا اي واحد من علماء التاريخ عن الدولة التي تحدثنا عنها بهذه المواصفات اين تتوقع وجودها سيقول بلا شك انها في الجنة (أو ليست كربلاء هي بقعة من الجنة؟).

البحوث والمقالات : ٢٠١٧/٠٤/١٣ : ١.٩ K : ٠
: طاهر القزويني
التعليقات:
لا توجد تعليقات.