(٥٣) زيارة الأربعين في معجم الرموز الشيعية
زيارة الأربعين في معجم الرموز الشيعية
حيدر الجراح
بزيارة الأربعين يختتم الشيعة شعائرهم العاشورائية التي تجري كل عام، لتكون تلك الزيارة هي ذروة الحدث الكربلائي. حيث يتوجه الملايين من الزائرين الى رحاب كربلاء وضريح الحسين (عليه السلام) فيها متوجين استذكارهم لمناسبة استشهاده بهذا التجمع المليوني الهاتف بصوت واحد (لبيك يا حسين).
وهي صيحة ترتج لها الأرض، وهو السبب الذي برأينا جعل الطغاة وعلى مر التاريخ الاسلامي والحديث والمعاصر يحاربون تلك الطقوس والشعائر خوفا من تأثيرها السياسي والاجتماعي الذي تختزنه تلك الصيحة (لبيك يا حسين).
لم تبدأ زيارة الأربعين كما انتهت اليه بعد تلك القرون الطويلة بدأها جابر الانصاري خائفا متخفيا يتلمس طريقه بصعوبة تحت ضوء النجوم الساهرة او تحت أشعة الشمس الحارقة قاطعاً تلك المسافات المترامية من المدينة الى كربلاء وكانه يرسم معالم طريق للحجيج القادمين من شتى بقاع الارض الى تلك البقعة الطاهرة التي احتضنت جسد الشهيد الطهور.
وربما سار جابر الانصاري تقوده ما تحدس به فراسته البدوية في معرفة جغرافية الطرق على تشعبها ومتاهاتها.
استمر تاريخ الزيارة في معظمه ينطبع بطابع الخوف والتخفي واحيانا قليلة جدا بطابع الامن والاطمئنان كيف لا؟ والحاكم المسلم وخليفة جد الشهيد يخشى على حكمه من الاموات، فما بالك بالشهيد الحي الحسين بن علي (عليه السلام)؟
هل دار في خلد جابر يوما ان خطاه الخائفة والمتعثرة في حصى الطريق سترسم خارطة المسير لملايين بعد قرون طويلة؟
وهل دار في خلده في تلك اللحظات انه يؤسس بخطواته المتعثرة تلك ولكن الواثقة الى نهايتها طقسا دينيا تختتم به طقوس تلك الواقعة التي كان بعيدا عن فصولها المدماة؟
جابر في مسيرته تلك جبر ما ثلم من لوحة الفداء عبر سنّه لتلك السنّة التي توجت تلك اللوحة الباهرة من مسيرة الشهادة والفداء إلى مسيرات الاستذكار لفصولها.
زيارة الأربعين كانت على الدوام عنوانا لتحدي الطغيان والاستبداد ولا زالت حتى اللحظة.. وقد اجتهد الطغاة على مر تلك القرون الحافلة بالتنكيل بالشيعة على منع جميع ما يبدأ بها ويقود اليها.. وهي عنوان لتجمع جماهيري لا يملك اي حاكم او سلطان ان يحشد مثله بكل وسائل ترهيبه وترغيبه في مكان وزمان واحد.
في اجتماعيات الشعائر الحسينية تبرز زيارة الأربعين بروزها الادق والاوضح وتتشكل تحتها ابرز العناوين من الايثار والتضحية.
ايثار يتمرد على القواعد التي يمكن ان تحدد ملامح الايثار وان تصفه وتعرفّه فهو ايثار بلا حدود يعيد من خلال تلك الزيارة تعريف نفسه.
ماهي زيارة الأربعين؟
قال الكفعمي (رحمه الله): إنما سميت بزيارة الأربعين لأن وقتها يوم العشرين من صفر فيكون أربعين يوما من مقتل الحسين (عليه السلام) في العاشر من المحرم وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) فكان أول من زاره من الناس وفي هذا اليوم أيضاً كان رجوع حرم الحسين (عليه السلام) من الشام إلى كربلاء مرة أخرى بقيادة الإمام زين العابدين عليه السلام فالتقى بجابر (عليه السلام).
من هنا بدأت زيارة الأربعين الإمام الحسين (عليه السلام) حيث إنه اليوم الذي رجعت فيه رؤوس أهل البيت (عليهم السلام) إلى أبدانهم في كربلاء.
ماهي الاسرار والرمزيات التي يحتوي عليها الرقم أربعين؟
في القران الكريم يرد هذا الرقم في الآيات التالية:
- قال تعالى: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ البقرة /51.
- وقال بشأن قوم موسى (عليه السلام) ﴿قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين﴾ المائدة /26.
- وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾.
وفي الأحاديث الشريفة يتم ذكر عدد الأربعين حيث قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من حفظ من شيعتنا 40 حديثاً بعث الله يوم القيامة فقيهاً عالماً فلم يعذبه).
وفي مورد اخر من حديث الإمام الصادق (عليه السلام) (إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلاً من المؤمنين فقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا قال الله تبارك وتعالى قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون), وقال (عليه السلام) (من قدّم في دعائه أربعين من المؤمنين ثم دعا بنفسه أستجيب له).
وقد ورد عن أبي ذر الغفاري وابن عباس (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): (إنَ الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً).
والأربعون لم تقتصر رمزيتها على المسلمين فقط، بل تعدتها الى الكتاب المقدس لليهود والنصارى (العهد القديم – العهد الجديد).
فقصة الفيضان التوراتية تدوم 40 يوماً.
والشعب العبراني يبقى في الصحراء 40 سنه.
ويونان النبي يخبر أهل نينوى بالدمار مالم يرجعوا ويتوبوا خلال فترة 40 يوم.
واليا النبي يسير 40 يوماً قبل بدء رسالته.
والسيد المسيح يصوم في البرية 40 يوماً.
ولشرح الكتاب المقدس ما يلقون به الأضواء على دلالات هذا الرقم:
ففي قصه الفيضان التي تدوم 40 يوماً، نجد بأن البشرية قد تغيرت من تلك التي عصت الله الى تلك الجديدة التي آمنت بالله وجعلته فوق كل شيء بعد فيضان دام 40 يوما.
والشعب العبراني، تتغير حالته من العبودية الى حالة التحرر بعد مروره 40 سنه بالصحراء.
وأهل نينوى تتحول من حالة الفجور والكفر الى حاله الاهتداء خلال 40 يوماً.
واليا النبي يتحول من شخص عادي الى واحد من أعظم الأنبياء بعد قضاء رحلته مدة 40 يوماً.
اما السيد المسيح فينتقل من الحياة السرية الى الحياة العلنية بعد مروره بالصحراء مدة 40 يوماً.