(٥٥) زيارة الأربعين المليونية مؤشرات ومعطيات من عبق المرجعية
زيارة الأربعين المليونية مؤشرات ومعطيات من عبق المرجعية
السيد ابراهيم سرور العاملي
ان لزيارة الأربعين دور مهم في تحريك الجماهير للأهداف السامية التي مثلها الامام الحسين (عليه السلام) وثار من أجلها وهي قيم الايمان والحرية والعدالة والانسانية.. لذلك نحتاج الى أن تكون الزيارة عملاً ثقافياً توجيهياً وتوعوياً لإرشاد الناس واستثمار العواطف الجياشة لتعريفهم بكل تلك القيم. فماهي الأدوار والمسؤوليات التي تقوم بها أصناف متعددة من المجتمع في مثل هذه الزيارات، وخصوصاً زيارة الأربعين.
ولذا جاءت توجيهات سماحة المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام الله ظله الوارف) كلها تدعوا إلى المحبة والتسامح والتي نقتبس جزءً منها حيث أكد سماحته:
وعليه فإنّ من مقتضيات هذه الزيارة: ـــ مضافاً إلى استذكار تضحيات الإمام الحسين (عليه السلام) في سبيل الله تعالى ـــ هو الاهتمام بمراعاة تعاليم الدين الحنيف من الصلاة والحجاب والإصلاح والعفو والحلم والأدب وحرمات الطريق وسائر المعاني الفاضلة لتكون هذه الزيارة بفضل الله تعالى خطوة في سبيل تربية النفس على هذه المعاني تستمر آثارها حتى الزيارات اللاحقة وما بعدها فيكون الحضور فيها بمثابة الحضور في مجالس التعليم والتربية على الإمام (عليه السلام).
ووصف آية الله السيد علي الخامنئي، مسيرة اربعين الامام الحسين (عليه السلام) العظيمة والمفعمة بالمفاهيم بأنها ظاهرة فريدة من نوعها ومزيج من (الحب والايمان) و(العقل والعاطفة).
واعتبر سماحته، فرصة التواصل المعنوي والمبني على الحب لأهل البيت (عليهم السلام) وزيارة هذه الشخصيات المتميزة والبارزة والنورانية والربانية، أهم ما يتميز به الفكر الشيعي عن سائر المذاهب الاسلامية وقال، ان حركة الجماهير العظيمة في ايران وسائر بلدان العالم للمشاركة في مسيرة الأربعين تجسيد للخصائص البارزة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) والتي يموج فيها (الايمان والاعتقاد القلبي والمعتقدات الصادقة) وكذلك (الحب والود).
وهذا التجمع المليوني إنما يحصل نتيجة الاندفاع الذاتي والشعور العميق بعظمة الثورة الحسينية وأهمية المحافظة على ثوابتها في نصرة الحق والدفاع عن المظلومين والتصدي للباطل والطغيان في كل زمان ومكان، وهو بلا أدنى شك مدعاة للتأمل والبحث عن أسرار هذا الاندفاع الذي يرى فيه الكثير من المراقبين بأنه يمثل قوة حقيقية وعظيمة لدعم الأمن والسلم المجتمعي على المستوى الإقليمي والدولي.
ويعتقد الكثير من المحللين أيضاً بأن زيارة الأربعين باتت تمثل مظهراً وحدوياً لا نظير له، حيث تشارك فيها كافة الطوائف والملل والقوميات من شتى أنحاء الأرض، وتستبطن مقومات رائعة لمواجهة الفكر التكفيري المتطرف الذي يستهدف جميع شعوب الأرض من خلال الجماعات الإرهابية التي تتبنى هذا الفكر المخرب والهدّام.
فزيارة الأربعين تمكنت من إذابة جميع الفوارق العنصرية بين الحشود المليونية الزاحفة إلى كربلاء، إذ تجد فيهم شتى الجنسيات والقوميات والأديان والاتجاهات الفكرية وهم يسيرون في أجواء مشحونة بالأخوة حتى يبلغ ذلك ذروته عندما تجد هذه القوميات والأعراق والألوان يفتخر كل منها بأن يكون خادماً للآخر بروح ملؤها المحبة والعطاء.
ولايخفى أن زيارة الأربعين تكتنز قيماً ومبادئ اجتماعية ودينية وثقافية وسياسية أخرى، ولكن يجب التأكيد هنا على أن الحشود المليونية التي تتدفق بشكل تلقائي نحو كربلاء المقدسة وفيهم الطفل والمرأة والمعوّق لإحياء هذه الزيارة متجشمين عناء الطريق ومخاطره بعفوية العواطف والحماس المنقطع النظير تمثل بحق ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمل بعد أن أضحت حدثاً عالمياً ذو أبعاد متعددة في كافة جوانبه سواء التي ذكرتها أو التي لم أذكرها حيث لا يتسع المقام لذلك. وما أحوج البشرية إلى هذا النموذج المتكامل لمعالجة جميع ما يختلج في نفوس أبنائها في كافة الأبعاد. وتعد هذه الزيارة في الحقيقة محطة تعبوية تنهل من معينها الأجيال عبراً ودروساً للتحرر من ربقة قيود الحضارة المزيفة ذات الطابع المادي والمصالح الضيقة بما تحمله من مبادئ إنسانية وقيم تخدم المسيرة البشرية التي تنشد السلام والأخوة في ربوع المعمورة بغض النظر عن الطابع الجغرافي والقومي وحتى الديني.
وفيما يتعلق بمعطيات زيارة الأربعين السياسية وما يترتب عليها من أبعاد وسياقات استراتيجية وجيوسياسة في منطقة ملتهبة بالأزمات، لابدّ أن تؤخذ هذه المعطيات بالحسبان من قبل أصحاب القرار الدولي ومراكز الدراسات والبحوث العالمية التي تتطلع إلى هدف سامي بتحقيق العدالة للبشرية المعذبة، وهذا البعد يكشف لنا حقيقة عالمية النهضة الحسينية التي عرفها الشرق والغرب بفضل التقدم في تقنية الاتصالات ووسائل الأعلام، كما حدث تماماً بالنسبة للدين الإسلامي الذي وصل إلى كافة المجتمعات.
لقد بقيت (فاجعة كربلاء)، وستبقى خالدة إلى يوم القيامة عند كلّ مجتمع يمتاز بالوعي والإدراك، وفهم المفاهيم والقيم الإنسانية، و كلّما ازدادت البشر نُضجاً وفَهماً أقبلت على دراسة وتحليل هذه الفاجعة بصورة أوسع، والتفكير حولها بشكل أشمل، والكتابة عنها بتفصيل أكثر. وقد شاء الله تعالى أن يبقى هذا الملفّ مفتوحاً ، ويتجدّد فتحه في كل عام!!