المسار
مسيرة الأربعين » البحوث والمقالات
الفهرس
البحوث والمقالات

(٦٠) كنوز الأربعين

كنوز الأربعين

كريم الأنصاري

من سنيّ الخوف والرعب والتلثّم بجلباب الديجور والسير على حافّات المياه بقصد حرم الإمام، إلى الملايين الزاحفة ليلَ نهار باندفاعٍ ذاتيٍّ وعشقٍ ولائي صوب ايقونة الغرام، بطيّ عشرات بل مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام، روماً لمرقد الحسين في كربلاء المرام.
“ملائكية العراقيين الأربعينية” حقيقةٌ وضّاءةٌ فاقت تصوّرات المخيال البشري ومفردات التوثيق السردي حتى ألِقت شامخةً في الواقع الإنسانيّ النقي.
لا فرق بين عربي وأعجمي؛ حيث مقصد الكلّ سبط النبي. و لشدّة الزحام يؤدّي الكثير آداب التحية والزيارة ثم يكرّ راجعاً للديار دون الوصول لمضجع الحبيب، فقد نال ما يريد.
ياللعجب، ترنو الملايين بلهفةٍ وولَهٍ إلى مثوى رجلٍ قُتل قبل أربعة عشر قرناً، بلامنفعة دنيوية ولاعوائد مادّية ولامطامح سياسية، بل تسترخص الغالي والنفيس بفخرٍ واعتزازٍ مثير.
فما هذا الدافع الذي يشدّ المسلمين حتى يزدادون حرارةً وحضوراً عاماً بعد عام لإحياء أربعينية ذبيح خليفة المسلمين !! هل من تفسير لهذا اللغز وهذا الهيام في قلوب المحبّين؟
لِمَ لا تبادر مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية لتقييم هذه الشعيرة طبق الأُسس العلمية والمناهج المعرفية؟ أم أنّها تخشى النتائج التي تقود إلى تغيير أساسي في نوع التصوّر الحاكم على عقل وشعور الآخر المغلوب على أمره إثر التضليل الثقافي والتعتيم الإعلامي الملمّع بطلاء حرّية القلم والبيان، العاملة هنا والمعطّلة هناك بفعل المصالح الراجحة على أصل البنيان.
إنّ البحوث المختصّة إن جرت على النسق السليم فإنّها قد تُحدِث الهزّات العقائدية والأخلاقية المعاكسة، وقد تحاكم القيم السائدة والمبادىء المعتمدة في المجتمعات المضلَّلة، ممّا يؤدّي إلى صدمة هائلة تعيد جدولة الأفكار التائهة.
ولعل النهج الإعلامي المدروس خير شاهدٍ على صحّة المدّعى، فلاشكّ أنّهم إن واكبوا الحدث المذكور بحرفيةٍ ومهنية أُسوةً بسائر الأحداث الأقلّ شأناً واستقطاباً وحضوراً، فلن يجدوا سوى الاعتراف بعظمة هذا الحدث المنقطع النظير، ممّا سيترك أخطر الأثر على كيفية تفكير الفرد الغربي والشرقي على السواء، فيسعى فاحصاً مستفهماً عن أسباب مليونية هذا الحدث النابض بالمعايير الإنسانية والفضائل الأخلاقية العالية.
ولاغرو أنّ الإنسان ميّالٌ بطبعه للخروج من التكرار المملّ، وهل مثل أربعينية الحسين أكثر حركةً وتغييراً وخلاصاً من الروتين الحاكم على الوجود الإنساني؟
نحن أيضاً نتحمّل قسطاً وافراً من اللوم والتقصير؛ حيث لم نعمل بعزمٍ وحزم كافيين على تنشيط الفضاءات العلمية بأدوات الاستقطاب المناسبة للتعريف بها تعريفاً شافياً وافياً، بل تجدنا ندور غالباً في فلك العواطف والأحاسيس المقطعية دون التنقيب المعرفي والضخّ القيَمي الأخلاقي النابض بالحركة التواصلية.
إنّ أربعينية الحسين كنزٌ ألماسي ولا أغلى، كبريتٌ أحمر ولا أشبه، كيمياءُ حياةٍ وإكسيرُ خلاصٍ ولا أنقى؛ حيث نفحات الخير ونسائم الإيمان ورشفات الفلاح التي لاتجفّ ولا تُبلى.
المؤسّسة الدينية والمراكز العلمية والمعاهد الثقافية والمعاقل المختصّة برموزها ونخبها ومحاورها، عليها المعوّل وعليها يقع العبء الأكبر والمسؤولية الأهمّ في هداية الأحاسيس والمشاعر الجيّاشة نحو السمت الأسلم والخير الأدوم، من خلال بوصلة القيم والمبادىء السامقة ، تلك التي بذل المولى دونها مهجته الطاهرة.
لسنا أبداً في وارد البحث بالمنافع والمضارّ الاقتصادية والسياسية الناتجة من مليونية الوفاء، حتى غاص البعض في قاع الحسابات الرقمية محلّلاً ومنتقداً ومقترحاً..إنّما ندعو إلى استثمار المشاعر الإنسانية الصادقة عبر تشييد المشاريع الأخلاقية والمؤسّسات الإنسانية الفاعلة، والعمل على تثبيتها وتنمية نتاجاتها، ولا يُنجَز ذلك إلّا بالمناهج الصحيحة والآليات الرشيقة والحُلل القشيبة.

البحوث والمقالات : ٢٠١٧/١٢/١٣ : ١.٧ K : ٠
: كريم الأنصاري
التعليقات:
لا توجد تعليقات.