المسار
مسيرة الأربعين » البحوث والمقالات
الفهرس
البحوث والمقالات

(٦٧) زيارة أربعـين الإمام الحسين (عليه السلام) أدلتها.. أسرارها.. أهدافها

زيارة أربعـين الإمام الحسين (عليه السلام) أدلتها..أسرارها.. أهدافها

علي القطبي الحسيني

ما هي الدروس والعبر الروحية والعلمية والدينية؟
ما هي الأدلة على استحبابها؟
ما هي الردود على الشبهات التي تثار أمام هذه الزيارة وشعائرها؟
ماذا لو تقاطعت مع الواجب واداء الوظائف وخدمة الناس؟
************
التساؤل الأول: ما هي الدروس والعبر الروحية والعلمية والدينية؟
تجديد العهد وتذكير النفوس بالتعاليم الإلهية.
تجديد العهد مع الأخلاق السامية والقيم النبيلة.
تجديد العهد مع معاني التضحية والفداء.
تجديد العهد مع مبادئ الثوار الشرفاء.
إنها محطة مراجعة الحسابات لئلا تسرق الدنيا الإنسان وتنسيه نفسه.
ثورة الحسين تذكر الإنسان بالواجب والتكاليف الإلهية مقابل السهو والنسيان والطغيان.
نهضة الحسين تذكر الإنسان بمشاهد الآخرة لتقف أمام الدنيا في رغباتها وشهواتها المحرمة.
نهضة الحسين انتصار مبادئ العدل والاستقامة ونكسة للطغاة والعصاة.
نهضة الحسين الإصلاحية ثورة على النفاق.. ثورة على التملق للحكام الظالمين المتسترين باسم الدين.
*************
التساؤل الثاني: ما هي أدلتها؟
ورَدَ عن مولانا الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) أنَّهُ قال:[علاماتُ المؤمنِ خَمْس: صلاةُ إحدى وخمسين وزيارةُ الأربعين والجَهْرُ ببسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم والتَّختُّمُ باليمين وتعفيرُ الجبين].
الثَّابتُ عندَ الامامية بأنَّ المُرادَ مِنَ الفِقرةِ المذكورةِ في الحديث “زيارةُ الأربعين” هو زيارةُ الإمامِ الحسين(عليه السلام) في العشرينَ من صَفَر, ولكن هناك عالم دين يقول: إنَّ المُرادَ مِنَ الفقرة هو زيارةُ أربعينَ مؤمناً.
أنا أعالج هاتين المسألتين باختصار من خلال بعض استدلالاتي الخاصة ومن خلال رد أحد العلماء المنشور على أحد المواقع ولم يتسن لي معرفة اسم صاحب هذا الردود ولكنها ردود علمية واصولية محكمة وصحيحة بحسب مراجعتي لإسنادها ومصادرها الشرعية. رأيت من الفائدة أن استنسخ بعضها بحسب حاجتي في هذه المقالة المختصرة, وسأضع الردود المقتبسة ضمن قوسين :
الجواب الأول: الأحاديث النبوية والامامية المعصومة كثيرة في الحث على زيارة الإخوان وبدون تخصيص عدد, فليس هناك من حديث يقول: يكفي زيارة اربعين أخ في الله تعالى. ولا يطلب الله منك أن تزور الأخ عدد واحد وأربعين.
وكنت قد قرأت حديثا حول أحد أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام يقول:
إن صاحب الإمام الكاظم (عليه السلام) كان يزور أربعين مؤمنا من الأصدقاء في كل يوم يسلم عليهم ويتفقد أحوالهم يطلب القربى إلى الله تعالى. لاحظ أربعين مؤمناً وأخاً في الله يومياً.
يعني هذا المؤمن قد زار الآلاف من الاخوان في الله طيلة حياته.
الشاهد ليس هناك من قرينة تبين أن عدد أربعين هو المطلوب فقط في زيارة المؤمنين.
الجواب الثاني: الرد الآخر هو عدم وجود قرينة تبين المعنى الذي ينصرف إليه إلى أن الحديث يدل على زيارة أربعين مؤمن.
الجواب الثالث: ((إنّ دخول الألف واللام العهديةّ على كلمة “أربعين” إشارة للتنبيه على أنّ زيارة الأربعين من سنخ الأمثلة التي نصّ عليها الحديث بأنّها من علائم الإيمان والموالاة للأئمّة الاثني عشر.
واللام العهديّة تدخل على المسنَد إليه للإشارة إلى فرد معهودٍ خارجاً بين المتخاطبين, وهذا نظير قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا.. فالرّسول محلَّى باللام العهديّة التي دخلت على الاسم المسنَد إليه، فالرّسول في الآية كان معهوداً في زمن فرعون وهو موسى النبيّ، وفرعون الزنديق عصى موسى الرّسولَ المعهود يومذاك.
وهنا هكذا: فإنّ “الأربعين” اسمٌ أُسنِدَ إليه الألف واللام العهدية حيث إنّ زيارةَ الإمام يوم الأربعين من يوم شهادته أمرٌ معهودٌ بين الشيعة، لذا لم تقتضِ الضّرورةُ ذِكْرَ قيدٍ لفظيٍّ أو قرينةٍ لفظيّةٍ تحدِّدُ أو تقيِّدُ اللفظَ المذكور باليوم المعهود وهو العشرون من صفر، فثمة قرينة حالية أوجبت فهم العلماء الأعلام من هذا الجملة خصوص زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، والقرينة الحالية هي السيرة القائمة على زيارة الإمام (عليه السَّلام) في العشرين من صفر)).
الجواب الخامس: إجماع فقهاء الاماميّة على استحباب زيارته يوم العشرين من صفر، ونقلنا قسماً من كلمات بعض فقهاء الاماميّة على ذلك، ولم يعترض أحدٌ على الاستحباب، وهذا الفرد أو ذاك لا يضرّ خروجه من الإجماع المنعقد في المسألة.
(( الجواب الخامس: بعض الروايات التي تدل على هذا المعنى))
عن محمد بن عبدالله الحمري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبدالله بن حماد البصري، عن عبدالله بن عبد الرحمان الاصم، عن أبي يعقوب، عن أبان بن عثمان، عن زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا زرارة إن السماء بكت على الحسين (عليه السلام) أربعين صباحاً بالدم، وإن الأرض بكت اربعين يوماً بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإن الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت، وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين (عليه السلام) الخ.. مستدرك الوسائل ج-10 ص313 ،بحار الانوار ج-ص14ص183 وج-45 ص206 -215، مناقب – ابن شهر آشوب ص212، العوالم ص 471، تفسير الصافي ج-4 ص407، تفسير الآصفي ج-2 ص1154، تفسير نور الثقلين ج-4 ص 628))
(الجواب الخامس نقلاً من موقع الميزان).
*************
التساؤل الثالث:
ما هي الردود على الشبهات التي تثار بخصوص زيارة الأربعين؟
هناك عالم دين قال إن أصل هذه الزيارة يهودية؟
ولكن هذا العالم لم يذكر مصدراً واحداً على هذا المدعى.. فقط ألقى الكلام بدون حجة ولا مصدر, رغم أن هذا ليس اعتراضاً علمياً, ولكن مع هذا أجاب الكثير من العلماء والفضلاء على هذه الدعوى.
الجدير بالذكر لا يوجد عند اليهود زيارة الأربعين, مع العلم إن كانت هناك سنة حسنة عند اليهود أو النصارى وعملها المسلمون فليس بالضرورة تحريمها, بل حتى عند الجاهلية الذين لا يملكون كتاباً ولا رسالة سماوية إن كانت سنة حسنة فليس بالضرورة تحريمها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله متحدثاً عن حلف الفضول في زمن الجاهلية: لو دعيت إلى مثله (حلف الفضول) لأجبت. وقصة هذا الفضول:
هذه الوثيقة في الجاهلية تطرح قضية الحقوق على الملأ قبل مئات السنين من صدور الوثيقة الانكليزية والفرنسية حول القانون وحقوق الإنسان، ورغم أنها وثيقة غير دينية فقد باركها وأثنى عليها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم). وحلف الفضول, و كما أجمعت كتب التراث الأدبي إثر التظلم الذي رفعه أحد التجار على أحد رجالات مكة الذي ماطله بثمن بضاعة قد اشتراها منه، فتداعى إثر ذلك نفر من فضلاء مكة وأعانوه على استعادة حقه.‏ بعد هذه الحادثة اجتمع بعض وجهاء قريش في دار (عبد الله بن جدعان) وتعاهدوا على أن لا يدعوا ببطن مكة مظلوماً من أهلها، أو ممن دخلها من الأغراب، إلا كانوا معه على ظالمه حتى تُردُّ إليه مظلمته.‏
وفوق هذا وذاك لا يوجد عند اليهود زيارة أربعين للميت أو للشهيد بحسب دينهم.
الدليل الثاني.
سيرة المتشرعة منذ ألف واربعمائة عام على وجود تشريع هذه الزيارة
الأحاديث العديدة التي تذكر هذا المعنى منها الحديث الذي مر ذكره: إن السماء بكت على الحسين (عليه السلام) أربعين صباحاً بالدم، وإن الأرض بكت اربعين يوماً بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإن الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت، وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين (عليه السلام)
((اتِّفاقُ سائِرِ علماءِ الاماميّة (مذ استشهدَ الإمامُ الحسين (عليه السلام) إلى يومنا هذا) وعدمُ تباعدِهِم عن فهْمِ زيارةِ الإمامِ الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر من هذا الحديثِ المبارَكِ، حيث فهموا منه زيارة الامام عليه السلام, وليس زيارة اربعين مؤمناً من هؤلاء المحققين :
الشَّيخ أبو جعفر الطّوسيّ في التَّهذيب ج6 ص47، فإنَّهُ_ رحِمَهُ الله_ بعدَ أن روى الأحاديثَ في فضلِ زيارتِهِ المُطلقة، ذكَرَ بعدَها الزِّياراتِ المُقيَّدةِ بأوقاتٍ خاصَّةٍ ومنها يومُ عاشوراء، وبعدهُ روى هذا الحديث (علاماتُ المؤمِن خمْس). وفي مصباح المتهجد ذكر_ رحمه الله تعالى_ شهرَ صفر وما فيهِ مِنَ الحوادِثِ ثمَّ قال: وفي يومِ العشرينِ منهُ رجوعُ حُرَمِ أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام) من الشَّامِ إلى المدينة، وورودُ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريّ (رضي الله تعالى عنه) إلى كربلاءَ لزيارةِ الإمامِ أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام)،فكانَ أوَّلَ مَن زارَهُ منَ النَّاسِ وهي زيارةُ الأربعين.
أقول: إنَّ جابر زارَ الإمامَ يومَ الاربعين، والإمامُ السَّجّادُ (عليه السلام) وعقيلةُ الهاشميّينَ والسّبايا زاروا الإمامَ المظلومَ يومَ الأربعين، فزيارةُ الإمامِ السَّجّادِ (عليه السلام) يومَ الأربعينِ دليلٌ على الاستحباب، لأنّ الإمامَ معصوم عن الخطأ فكل تصرفاته وما يصدر عنه حكمة وصواب، ففِعْلُهُ وقولُهُ وتقريرُهُ حُجَّةٌ، ولو لم يكُن يومُ الأربعينِ مُستَحَبّاً لما فَعَلَهُ الإمامُ السَّجَّادُ وعقائِلُ الوحيِ والطَّهارةِ صلوات الله عليهم أجمعين ؟!.
وقال العلاّمة الحلّي في المنتهى كتاب الزيارات بعد الحجّ: يستحب زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) في العشرين من صفر.. ثمّ قال: روى الشيخ عن الإمام أبي محمَّد العسكري (عليه السَّلام) أنّه قال: علامات المؤمن خمس..
ونقل العلاّمة المجلسي في مزار البحار هذا الحديث عن ذكر فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) يوم الأربعين، ووافقهم صاحب الحدائق في باب الزّيارات بعد الحجّ فقال: وزيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) في العشرين من صفر من علامات المؤمن.
وحكى الشيخ القمي في المفاتيح هذه الرواية عن التهذيب ومصباح المتهجد في الدّليل على رجحان الزيارة في الأربعين من دون تعقيب باحتمال إرادة أربعين مؤمناً.
والشيخ المفيد قال باستحباب الزيارة في العشرين من صفر في كتابه مسار الشيعة، والعلاّمة الحلّي في التذكرة والتحرير، وملا محسن الفيض في تقويم المحسنين)) نقلاً عن مواقع أحد العلماء على الأنترنيت.
************
التساؤل الرابع: ماذا لو تقاطعت مع الواجب واداء الوظائف وخدمة الناس؟
من يؤخر حوائج الناس لأجل زيارة الأربعين أو أي زيارة أخرى فهو ممن لم يعرف حقيقة الإيمان.
جاء في مسألة للسيد المرجع الراحل ابو القاسم الخوئي
مسألة 18: لا يجوز قطع الصلاة اختياراً، ولكن لا مانع في قطع الصلاة لحفظ مال أو دفع ضرر مالي أو بدني.
من يؤخر حوائج الناس لأجل زيارة الأربعين أو أي زيارة مشروعة لم يعرف حقيقة الإيمان.
إنما شرعت هذه الزيارات لإقامة العدل ونشر القيم والمبادئ الإسلامية والإنسانية النبيلة.
يوجد عندنا في الصلاة ((والصلاة عبادة واجبة)) وجوب قطعها إذا رأيت إنساناً معرض للخطر.
لا يوجد فرض له من الأهمية كفرض الصلاة. في الدين الإسلامي.
وفي الروايات ان الأمام جعفر الصادق قطع طوافه لأجل النظر في حاجة مؤمن سأله.
والحديث النبوي المشهور قال فيه صلى الله عليه وآله: (خير الناس من نفع الناس) وهذا لا يؤثر في عظمة ثواب هذه الزيارة واستحبابها وأجرها عظيم إنما تؤجل إذا أدت إلى ضرر كبير بدني أو مالي.
**********************
معاوية بن وهب (رض) ينقل هذا الدعاء عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
يامن خصنا بالكرامة، وخصنا بالوصية، ووعدنا الشفاعة. وأعطانا علم ما مضى وما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي الينا، اغفر لي ولإخواني ولزوار قبر أبي الحسين صلوات الله عليه، الذين انفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا, وسرورا أدخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله, واجابة منهم لأمرنا، وغيضا أدخلوه على عدونا, أرادوا بذلك رضاك, فكافهم عنا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك او شديد، وشر شياطين الجن والانس ,وأعطهم افضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللهم ان أعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص الينا, وخلافا منهم على من خالفنا.
اللهم فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة ابي عبدالله عليه السلام, وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا, وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا, وارحم الصرخة التي كانت لنا.
اللهم اني استودعك تلك الأنفس, وتلك الأبدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش.

البحوث والمقالات : ٢٠١٨/٠١/٣٠ : ١.٧ K : ٠
: علي القطبي الحسيني
التعليقات:
لا توجد تعليقات.