(٧٠) زيارة الأربعين والطابع العالمي
زيارة الأربعين والطابع العالمي
علي محسن راضي
حظيت زيارة الأربعين في الواقع الشيعي باهتمام منقطع النظير منذ الأيام الاولى لنشوء مثل هذا العمل بعد معركة كربلاء, وقد كانت على مر الاجيال ملحمة انسانية وليست زيارة عادية. وقد بدأت الانظار تتجه نحو منع الناس من القيام بهذه الزيارة منذ ظهورها الاول على شكل مبسط الا ان الأمر لم يتم بالمطلق للمانعين ابدا حتى صار امرها عصيا بدرجة تقرب من المستحيل.
ومثل حجم المشاركة الواسعة في هذه الزيارة امرا مفزعا لكل الظالمين وبالخصوص حكام العراق لانهم اول الناظرين لمن يشارك في هذه الزيارة.
وقد حاول عدد من الحكام الظلمة التقليل من حجم المشاركين بكل وسيلة حتى الحديد والنار ولم يفلحوا في ذلك ابدا حتى صارت هذه الزيارة من أكثر الزيارات المؤثرة على اوضاع الحكام الظالمين.
ومن المعروف معاداة البعثيين لهذه الزيارة وغيرها من الزيارات الا ان هذه الزيارة كانت الأكثر منعا لانها تتم مشياً على الأقدام وبأعداد كبيرة جداً وبعد موسم حزن محرم ولهذا كان الاهتمام بمنعها أكثر مطلوبية من قبل الحكام الظلمة...
وسقط على مدى الأعوام الثلاثين الماضية مئات الضحايا في طريق كربلاء بسبب المشاركة في هذه الزيارة العظيمة وكان الاهتمام شديداً بالمشيء إلى كربلاء بدل الذهاب في سيارة رغم بعد المسافة بين المدينتين (النجف وكربلاء).
وارتبط ايضاً اسم هذه الزيارة ببعض التحركات السياسية في العراق في زمن السبعينات في اوجه الصراع الدامي مع السلطة البعثية.
ومن المعلوم ان هذه الزيارة يشارك فيها الملايين من دون وجود منسق أو منظم لهذه الأعداد الغفيرة من الناس لكن العدد لم يقف عند حد معين وهو في حالة ازدياد مستمرة.
وكانت المشاركة في هذه الزيارة تقتصر على أبناء البلد من العراقيين أو المقيمين في النجف من غير العراقيين وبقي الحال هكذا حتى سقوط النظام البعثي فدخل عدد من الزوار القادمين من الخارج في عداد المشاركين فيها ولكن بقي الأمر بشكل محدود حتى ظهرت الفضائيات التي تنقل مراسيم هذه الزيارة مباشرة وهي الحالة التي اصبحت عليها الأوضاع في العراق في السنوات الخمس الأخيرة.
وكان هذا التطور في النقل دافعاً كبيراً لبقية الشيعة ومن كل البلاد الاسلامية للمشاركة في هذه الزيارة وقد بدا الأمر بافراد معدودين وصار الآن العدد يتجاوز عشرات الآلاف.
ومن الطبيعي ان يكون البلد الأقرب للعراق هو الأقدر على المشاركة بحجم أكبر الا وهو ايران والايرانييون قد شاهدوا خلال سنوات فتح الحدود لهم في زمن النظام وكذلك بعد سقوطه الأعداد الغفيرة جدا من المشاركين في هذه المظاهرة المليونية.
وخلال السنتين الاخيرتين انتشرت ظاهرة المشاركة من قبل الزوار في زيارة الأربعين بشكل كبير وكان الحجم الأكبر للزوار الايرانيين خصوصاً الزوار الذين ينحدرون من اصول قريبة من المدن العراقية كالبصرة وميسان وذي قار وهم سكان مدن الأهواز والمناطق القريبة منها وذلك لتشابه طبيعة المدن المذكورة مع طبيعة المدن العراقية المشاركة بشكل اكبر وهي المدن الثلاث المذكورة...
وكان الكرم والضيافة التي تبذل خلال هذه الزيارة مدعاة فخر واعتزاز من قبل الشيعة في بقية البلدان وقد اشاد العديد من مراجع التقليد بالشعب العراقي المؤمن من جهة تقديمه الغالي والنفيس في طريق كربلاء وعلى مدى السنوات التي مرت وصارت الآن اماكن البذل والعطاء في طريق الزوار محلات للتضحية من أجل الزوار القادمين من الخارج والداخل ويشارك في هذا العمل جميع صنوف المجتمع العراقي دون تمييز ومن المتوقع ان تزداد ظاهرة المشاركة المذكورة لتكون حالة ثابتة في السنوات القادمة لتشمل الزوار الاخرين من بقية البلدان والذين يشاركون ولكن بنسبة اقل وهذا هو ما يتوقع لهذه الزيارة في السنوات القريبة القادمة..