(٧٣) الدروس والعبر بالمشي إلى كربلاء في زيارة الأربعين
الدروس والعبر بالمشي إلى كربلاء في زيارة الأربعين
شاكر محمود الكرخي
لم اكن ممن يعتقد بالمشي إلى كربلاء في زيارة الأربعين وكنت اعتبر من يقدم على هذا العمل اما للرياضة أو النزهة أو ممن يؤمنون بالغيبيات ولديه حاجة يريد قضائها, وفي السنة الماضية راودني احساس كبير بالرغبة للذهاب إلى زيارة الأربعين من المحافظة التي اسكن فيها بغداد والهدف هو دراسة الجدوى من الزيارة لكي اتعايش مع الزوار (المشاية) عن كثب وهنا حصل ما لم اكن اتوقعه...؟ شددت رحالي وتهيأت للسفر وبعد خروجي إلى الشارع وجد الالاف من الناس يسيرون افواجاً افواجا وهم متنوعون لايوجد بينهم فرق بين الأسود والأبيض الا في قدرته على المشي وكأنهم يطوفون حول الكعبة, وانا احث الخطى إلى كربلاء كنت بين فترة واخرى اتوقف للراحة وهناك التقي بمجموعة هم مثلي انهكهم المشي ووقفوا يستريحون, وبدأت دراستي من جدوى زيارة الأربعين بسؤال احد الزوار, لماذا تسير مشياً إلى كربلاء؟ نظر إلى بأزدراء واستغراب, واعاد عليّ سؤالي, لماذا اسير إلى كربلاء الجواب بديهي ياأخي, الايمان بصاحب الذكرى, ان المبادئ والاهداف التي ضحى من اجلها الامام الحسين (عليه السلام) لنصرة الحق والدفاع عن الإسلام من زيف المتزلفين من بني امية الذين حاولوا ان يوظفوا الدين لخدمة السلطة وهذا ما نعيشه هذه الايام من تصرفات بعض الاحزاب الاسلامية, ان المشي إلى كربلاء يعني بالنسبة لي ارتباط وثيق ووفاء لصاحب الذكرى واعتقاد بما مضى له الإمام الحسين (عليه السلام), واصلت المسير وكان يسير إلى جانبي أحد (المشّاية) سألته, لماذا تسير مشياً إلى كربلاء؟ فأجابني وانفاسه ترتفع وتنخفض, اريد ان اواسي الحسين في صبره على تحمل حرارة الصيف وحد السيوف من أجل اعلاء كلمة الله في الأرض.
وواصلت المسير وكنت أتأمل في وجوه هؤلاء الناس الذين يتحملون عناء كبير ويحثون الخطى إلى كربلاء وقد تعلمت من هذه التجربة دروس وعبر, تعلمت كيف يكون الوفاء للذين يضحون من اجلنا, وتعلمت الصبر والتحمل من أجل بلوغ الهدف, وتعلمت وأنا انظر إلى اولئك الذين يقدمون الخدمة (للمشاية) جهود مضنية وبذل الأموال من أجل مواساة صاحب الذكرى وبغية الحصول على الأجر والثواب, ولاحظت ان هذه المناسبة هي من أفضل المناسبات التي يتواصل بها العراقيين فيما بينهم ويعتبر هذا التواصل من العوامل المساعدة في ايجاد مناخات مناسبة في علاقة العراقيين فيما بينهم, وايقنت ان المسير إلى كربلاء يعني التحدي الكبير للإرهاب وللعقائد المنحرفة للذين يدّعون انهم يعملون وفق تعاليم الاسلام, ومن اهم الدروس التي تعلمتها, حكمة الباري عزّ وجل ومصداق الآية الكريمة ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ هو الذي دفع هذه الملايين تحمل الصعاب من أجل الوصول إلى كربلاء, ان تفاعل الناس مع هذه المناسبة دليل واضح على قيمة العمل الكبير الذي قام به الحسين(عليه السلام) وأصحابه وايقنت ان على كل مسلم الحفاظ على هذا الارث العظيم لان فيه معانٍ كثيرة تجعلنا امام مسؤولياتنا في الحفاظ على بيضة الإسلام في العراق.
على القادة السياسيين ان يتعظوا من معالم الثورة الحسينية وان يعلموا ان الرجال يخلدون بمواقفهم وتفانيهم وتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجل تحقيق اهدافهم وان من يحاول ان يبني مجده على حساب مظلومية الاخرين مصيره مصير معاوية ويزيد وعمر ابن سعد وعبيد الله بن زيادة لايذكرهم التأريخ الا باللعنة وصاروا مثالاً لعاقبة السوء للذين يصادرون حقوق الاخرين.. لقد تعلمت من المشي إلى كربلاء الكثير وادعو كل المؤمنين تجربة ماجربته.
السلام عليك يا أبا عبد الله, وعلى الارواح التي حلت بفنائك, عليك مني سلام الله ابداً ما بقيت وبقي الليل والنهار, ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم, السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أصحاب الحسين, السلام على أم المصائب العقيلة زينب ورحمة الله وبركاته.