المسار
مسيرة الأربعين » البحوث والمقالات
الفهرس
البحوث والمقالات

(٧٧) زيارة الأربعين ودولة العدل المرتقبة

زيارة الأربعين ودولة العدل المرتقبة

محمد مكي آل عيسى

مما يؤكد لنا أن الشعائر زيارة الأربعين هي من تأسيس أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم هو أننا نرى إجتماعا غير معهود لمفاهيم يصعب إجتماعها وتجليها بمصاديقها الواقعية في هذه الزيارة.
فروح التحدي... الصبر... الشوق واللهفة... العطاء الكبير... نكران الذات, كلها تتجلى في تلك الزيارة
فالتحدي معلم مشهود كلما إشتدت الحرب على تلك الزيارة زادت روح التحدي لدى الزائرين.
ومع ذلك ترى الصبر العجيب على جميع المصاعب, التعب, المشي المتواصل, ربما وعورة الطريق, طول أيام السفر وغيرها.
يرافق كل ذلك الشوق الحار واللهفة المتزايدة لهذه الزيارة والتي تتأجج في صدور الموالين للحسين (عليه السلام) في كل موسم.
وتتجلى روح العطاء والتضحية والإيثار والتفاني لخدمة الزائرين من قبل أصحاب المواكب والهيئات الحسينية ليقدموا أفضل مالديهم في سبيل تحقيق راحة الزائر.
وكل فرد في ذلك يرى أنه واحد من ملايين الزائرين لا يمثل شيئا يعمل بروح ذابة فيها الأنا ناكرا لذاته
إنّ ترافق هذه العوامل جعل من زيارة الأربعين مظهرا عجيبا من مظاهر الإخلاص لشخصية الإمام القائد والذي تجسد بالحسين صلوات الله عليه.
ومع أن لهذه الزيارة من الأهداف والفوائد الشيء الكثير والتي أحصاها الباحثون منها السياسية والنفسية والدينية والتربوية والثقافية لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الزيارة تمثل الجانب الحسي الملموس في كل عام لفكرة دولة العدل الإلهي المنشودة والتي يتلهف الجميع للعيش فيها.
فالحشود المليونية الساعية لزيارة الأربعين تمثل الحشود المليونية التي ستتوجه لبيعة بقية الله الأعظم (عليه السلام) عندما ينادي (إلينا إلينا) داعياً اتباعه للتوجه نحوه.
وما يظهر به الزائرون من التحدي والصبر على جميع المصاعب التي تواجههم منها القتل والتفخيخ والتفجير يمثل صمودهم أمام أعداء تلك الدولة الفاضلة وما سيجابههم به أعداء الإسلام حينها عندما يريدون اللحوق بإمامهم.
أما الشوق واللهفة فهي نفسها تلك التي تحترق بها قلوب المنتظرين للطلعة الرشيدة والغرة الحميدة.
وأما العطاء ونكران الذات فذلك الذي نذكره في الدعاء (اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة) فنجد الكرم كل الكرم عند أتباع الحسين ع يتجلى في هذه الزيارة لتمتد سفرة الحسين ع على مدى كيلومترات لأيام وليالي والكل يصيح فيها (أنا خادم) بغض النظر عن المكانة والمنزلة فالكل يخدم المسؤول والعالم والطبيب والمهندس والعامل الفلاح وبسيط الحال الكل يتشرف بالخدمة وكذلك في دولة العدل المنشودة الكل فيها خدم لدين الله وللإنسانية.
أليس ذلك نموذجا لدولة العدل الإلهي المرتقبة.. ألم يؤسسه المعصومون عليهم السلام ليحاكي هذا الغرض؟؟.. أو ليري الناس صورة لهذه الدولة المرتقبة كي يسعوا لتأسيسها ويتلهفوا للعيش في كنفها.
أو أنها كما ذكرنا مظهرا لإغناء الجانب الحسي الذي يستأنس به الإنسان والذي يستبطن فكرة هذه الدولة الكريمة التي وعد الله بها الإنسانية والتي يكون فيها الإخلاص للقائد الذي هو من ولد الحسين (عليه السلام) كي تتوثق لديهم الفكرة النظرية بها.

البحوث والمقالات : ٢٠١٨/٠٣/٢٨ : ١.٧ K : ٠
: محمد مكي آل عيسى
التعليقات:
لا توجد تعليقات.