المسار
مسيرة الأربعين » البحوث والمقالات
الفهرس
البحوث والمقالات

(٨٦) زيارة الأربعين

زيارة الأربعين

هادي الدعمي

روى الشيخ في التهذيب والمصباح عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين بالسجود والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
لقد أكد أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) تأكيداً كبيراً على الاهتمام والمواظبة على زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) فلا تكاد تخلو مناسبة من المناسبات الدينية إلا ونجد أن من الأعمال المستحبة فيها بل من أفضل أعمالها هي زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) فمثلاً هي من أعمال ليلة القدر والعيدين ويوم عرفة والنصف من شعبان... إلخ لإن زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مطلوبة كل يوم. من هنا يرد إلينا سؤال هام: لماذا هذا التركيز على زيارة الإمام الحسين في كل وقت؟ ولماذا يوم الأربعين بالذات؟ في الجواب إن أهمية زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) تكمن فيما يلي: أولاً: تعظيم بتضحيته بقي الإسلام. 
لو تأملنا ما فعل بنو أمية ودرسنا تاريخهم الأسود أنهم حرفوا الإسلام ودسوا الروايات الموضوعة، وغيروا وبدلوا وعاثوا في الأرض فساداً، لقد أبلى الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) بلاءً حسناً في سبيل إرساء دعائم الإسلام، وكاد بنوا أمية أن يطمسوا معالمه، فانبرى سيد الشهداء لاستنقاذ دين جده المصطفى فقدم نفسه وأسرته وأصحابه فداءً للإسلام فبقي الإسلام، فقد ورد في الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (حسين مني وأنا من حسين). ماذا لو ذهب الإسلام؟، ماذا لو ذهبت القيم التي جاء بها رسول الله؟ أليس يضيع جهد رسول الله سدى؟ حاش الله ذلك. من هنا فإن الله سبحانه وتعالى أكرم وليه الحسين (صلوات الله عليه) بأن جعل زيارته أفضل من الحج والعمرة المستحبين، وأكرم زواره وجعل لهم الثواب العظيم كرامة له.
 ثانياً: زيارة الحسين (عليه السلام) تعظيم للمبادئ والقيم الإلهية إن زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) رمز لتقديس الإسلام وتقديس المبادئ والقيم التي ضحى من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) حيث أن من يزور سيد الشهداء يعظمه لكونه حامي الشريعة ومن جهة ثانية فهو يعظم دين لله والمبادئ والقيم الربانية التي جاء بها نبي الإسلام العظيم محمد لذا ورد أن الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، ولاشك أنه يتبين لذي لب أن أهمية بقاء وجود الإسلام كأهمية بقائه، فما الفائدة لو وجد الدين ثم اندرس كما حصل لبقية الأديان السماوية الأخرى. إننا نجد في هذا العصر أنهم ينصبون تمثالاً للجندي المجهول فيعظمونه تعظيماً لمبادئ والقيم، فكيف لا نزور الحسين (عليه السلام) وهو الإمام المعصوم الذي تمثلت فيه كل القيم الإلهية الإسلامية. نعم نحن عندما نزور سيد الشهداء فإننا نستلهم منه الدروس العظيمة، التضحية، الوفاء، إباء الضيم، المحافظة على الشرف والعرض، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الصلاة، الدعاء، قراءة القرآن، الذوبان في حب الله سبحانه، كل شيء يرخص في جنب الله،...إلخ كل ما جاء به الرسول الأعظم نستلهمه ونستقيه من زيارة الإمام الحسين (عليه السلام).
 سؤال آخر يطرح نفسه لماذا زيارة الأربعين من علامات المؤمنين؟

في الحقيقة لو تأملنا قليلاً في رقم (40) لوجدنا أن فيه سراً كامناً فلو نظرنا إلى هذه الآيات الشريفة: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِه وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ﴾ (51) سورة البقرة ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ (26) سورة المائدة ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (142) سورة الأعراف ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاه وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (15) سورة الأحقاف يستحب في صلاة الليل الدعاء لأربعين مؤمن، بعض الأدعية تقرأ أربعين صباحاً، إذا بلغ شخص سن الأربعين وهوغير صالح مسح الشيطان والعياذ بالله منه على وجهه وقال وجه لا يفلح...إلخ وهكذا نجد أن هذا الرقم له خصوصية وسراً لا نحيط به ومنها زيارة الأربعين. ولكن لو تأملنا قليلاً في أهمية زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) في هذا اليوم فإنها تكمن فيما يأتي:
1- هذا اليوم هو أول يوم تمت فيه زيارة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) بعد شهادته فهو حري بأن تكون له خاصية يتميز بها، مع كون الإقتراب من قبره الشريف ذلك الوقت يعد جريمة يعاقب عليها النظام الأموي، مع ذلك اتجه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه) لزيارة الحسين (عليه السلام). لاغرو فإن جابر وما أدراك ما جابر فإنه تلميذ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وعارف بفضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد حاز على الشرف العظيم وفاز بأن كان أول زائر لهذا القبر الشريف.
2- هذا اليوم يذكرنا بأمر عظيم ألا وهو عودة ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من السبي وأسر الذل لأرض كربلاء، وماجرى عليهم من المصائب العظيمة والرزء الجليل في الكوفة عند بن زياد عليه (لعنه الله) وفي الشام عند الطاغية يزيد بن معاوية لعنة الله عليه، الذين هتكوا حرمة الإسلام وحرمة نبي الإسلام بأن سبوا ذريته، وفعلوا بهم ما فعلوا.
 3- هذا اليوم يذكرنا بعودة الرأس الشريف لأبي الأحرار لسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) بعد أن مثل به بنوا أمية، وطافوا به البلدان وجعلوه فرجه للناس، فعلى بعض الروايات أن رأسه الشريف قد دفن مع الجسد المعظم في هذا اليوم.

من هنا اكتسب هذا اليوم أهمية كبرى.

البحوث والمقالات : ٢٠١٨/٠٥/٢٨ : ١.٧ K : ٠
: هادي الدعمي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.