(٩٣) مسيرة العشق الأربعيني إنسانية بإمتياز
مسيرة العشق الأربعيني إنسانية بإمتياز
ياسر سمير اللامي
منذ العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة، تغيرت عقارب ساعة العالم بأسرة وتبعه تغيير للروئ والأفكار والمبادئ.
وأصبح الحسين بن علي (عليه السلام) رمزا للثورة، والتضحية، والملهم والمعلم الأول لكل من أراد أن ينتفض بوجه الظلم والجبروت والطغيان.
كما أضحت كلماته ومواقفة تدوي بأذان العالم أجمع، وكونت تلك المفردات البلاغية شعار يقتدي ويسير على نهجه كل مصلح وثائر.
ومن زمن المعصومين عليهم السلام نجد المحبين للحسين (عليه السلام) يسيرون على الأقدام نحو ذلك القبر المقدس، المفعم بالإيجابيات المعنوية التي لايوجد لها مثيل في العالم في العشرين من صفر كل عام.
وهذه الشعيرة أسانيدها الفقهية متواترة، كما يطلق على ذلك علماء الرجال، من روايات صادرة عن أئمة أهل البيت تحث عليها وتشجع المسلمين وعلى وجه الخصوص الشيعة (الموالين لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)) على الإستمرار بإحياها على مر السنين.
إن تلك المسيرة العجيبة قد أرقت الطغاة دوما، وحاولوا بجهدهم أن يمنعوها ويضعوا الحواجز أمام الزائرين، إبتداء من بني أمية وبني العباس وصولا لطاغية العصر الساقط في 2003.
إن المسيرة الحسينية تتخللها العديد من المبادئ الإنسانية التي تعجز هذة السطور عن تدوينها، ويمكن تلمس معاني الأخلاق الإنسانية بكل تفاصيلها في ذلك المسير، بالفعل إنها عجيبة بكل أوصاف العجب.
ومن ذلك العجب، الصفح عن الخطأ الذي يسرع به كل زائر في تقديمه للأخر إذا ما حدث خطأ منه غير مقصود، كما تتجسد معاني الكرم العظيم بكافة صنوفه على امتداد ذلك المسير الرهيب حيث لا توجد دولة في العالم قد تقدم ذلك الكرم الذي يقف العقل حائرا في مقوماتة المالية والبشرية، إضافة إلى الشعور والتلمس لكافة صنوف المساعدة، والتعاون، والإيثار، وتقديم الخدمة بكل أشكالها للزائرين، ليس ذلك فقط بل إجبار الزائرين محبة فيهم في بعض الأحيان للقبول بأي خدمة يحتاجون لها ولو كان ذلك تدليك تلك الأرجل الساعية نحو جنة الأرض.
إن أخلاق الدنيا قد تجمعت بذلك الخط الممتد من أقصى جنوب العراق إلى أقصى شماله، ومن أراد أن ينظر إلى مدينة أفلاطون المثالية بالأخلاق بين ساكنيها، فليشهد مسير أربعينية الحسين (عليه السلام) لكي تجد أكثر ما تمناه أفلاطون في مدينتة الخيالية.
إن الكلمات قد تعجز عن وصف المسير الحسيني في زيارة الأربعين، وتجف الأقلام عن سرد معانيه التي تختبأ خلفها أسرار الدنيا، لكونه عشق دائم لا ينقطع من قبل المحبين للحسين بن علي (عليه السلام)، كما أنهم قد قدموا الروح والنفس للحسين بن علي (عليه السلام) قبل أن يقدموا الخدمة.
فمباركا لنا بتلك الأنفس العطرة، والأرواح النقية التي اثبتت أنهم رجال يعشقون المنية دون الدنيا، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.