المسار
مسيرة الأربعين » البحوث والمقالات
الفهرس
البحوث والمقالات

(١٠٨) مسيرة الحزن السعيدة

مسيرة الحزن السعيدة

حيدر السراي

شاء الله أن يراهن سبايا؟! مشيئة الله ليست عبثية، لا شك أن وراء هذه المشيئة حدثاً خطيراً وأمراً جللا، فالله سبحانه وتعالى لا يسره أن يرى بنات حبيبه محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وهنَّ يسرنَّ على أقتاب الجمال، إلا إذا كان لهذا المسير ثمرة عظيمة ستتجاوز عام 61 للهجرة بقرون طويلة، ولم يتوقع هذا الأمر أو يتخيله كل الذين عاشوا تلك الأحداث، نعم هناك حيث أعلنت السيدة زينب (عليها السلام) وهي تغادر كربلاء أن الشعب العراقي سينصب لهذا الطف علماً لقبر سيد الشهداء لا يمحى أثره، وسيجتهد طواغيت كل العصور على اطفاء نوره فلا يزداد نوره إلا ظهورا.
تحولت زيارة الأربعين من حدث محلي يمارسه العراقيون كشعائر دينية إلى حدث اقليمي وعالمي فاق التصور، وفي كل عام نرى أن صورة الحدث تتضاعف في حجمها وعمقها ودلالاتها وتأثيرها، وسيصعب جداً لأكثر الباحثين حذاقة أن يتنبأ بتداعيات وتطورات هذا الحدث في السنة القادمة، وإنني لأستشرف ان هناك سراً عظيماً لزيارة الأربعين سينكشف عندما يحين حينه وهو ليس ببعيد ان شاء الله تعالى.
أحد جوانب بركة زيارة الأربعين هو القدرة العجيبة على إذابة ترسبات الحواجز النفسية بين الشعوب والقوميات المختلفة، فطبيعة الشعب العراقي أنه يترك كل المعايير الأخرى جانباً عندما يتعلق الأمر بزوار الحسين (عليه السلام)، فلو أن خادم الحسين (عليه السلام) في أحد المواكب رأى عدوه وهو يسير إلى زيارة الحسين (عليه السلام) لما تجرأ أن يمسه بسوء بل تراه يترك كل ذلك ويسارع لخدمته رغبة في الحصول على رضا سيد الشهداء (عليه السلام)، ورغم كل الترسبات النفسية التي تركتها السياسة بين الشعب العراقي وبقية الشعوب الأخرى كالكويت وايران، إلا أنها سرعان ما ذابت ببركة هذه المسيرة المباركة، الحرب العراقية الايرانية التي فرضت على الشعبين الكريمين، وذهب بسببها مئات الالاف من الأبرياء كان لا بد أن تترك حاجزاً نفسياً كبيراً بين الشعبين وكان يفترض أن يبقى هذا الحاجز لعدة عقود حتى يزول أثره، إلا أن زيارة الأربعين وعلى غير المتوقع أبرزت ألفة عجيبة بين الشعبين المسلمين، نحن هنا لا نتحدث عن زوال الحواجز النفسية فقط وانما حدوث تأثير ايجابي وارتباط عكسي مع الشعب الايراني وهذا ما تعجز عنه كل المؤسسات السياسية التي يمكن أن تعمل بهذا الاتجاه، وأمامكم مجلس التعاون الخليجي الذي من المفترض أن يجمع ما بين دول تربطها جغرافية وقومية وتشكيلة مذهبية متجانسة، إلا أن أبسط توتر سياسي يظهر بوضوح مدى التنافر بين شعوب هذه المنطقة وقصة حصار قطر ليست بعيدة عن الذاكرة.
ما نتوقعه أن زيارة الأربعين ستشكل محور متغيرات كبرى في الشرق الأوسط وهذه المتغيرات ما زالت تنضج على نار هادئة، أقول ذلك بثقة مطلقة، ولذلك أيضاً فإن مسيرة الحزن الزينبي ستكون نهايتها سعيدة ان شاء الله تعالى.

البحوث والمقالات : ٢٠١٩/٠١/٠٥ : ١.٥ K : ٠
: حيدر السراي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.