(١١١) الأربعون... شُكوك وطموح!
الأربعون... شُكوك وطموح!
نزار حيدر
لا تشذُّ الأَربعين هذا العام عن سابقاتِها، فلقد تعرَّضت، كالعادةِ، إِلى حملةٍ من التَّشكيك والطَّعن والاستهزاءِ والاستهدافِ وصلت إِلى حدِّ الرَّفض من أَساسِها بحجَّة أَنَّهُ لم يرِد فيها نصٌّ ولم تذكرَها المصادر التَّاريخيَّة القديمةِ أَو ما أَشبه!
وكلُّ هَذِهِ الحَمَلات يقودها أَحد إِثنَين؛ عَمامةٌ فاسدةٌ وفاشلةٌ أَو أَنصافُ مثقَّفين لا يميِّزونَ بين النَّاقةِ والجَمل!
الملايينُ تسيرُ ولا يهمَّها تهريجٌ أَو صُراخٌ!
لا أُريدُ هنا أَن أَرُدَّ على هَذِهِ الحَملاتِ الظَّالمةِ والمشبوهةِ فلقد انبرى لذلكَ عُلماء وفُقهاء ومفكِّرون ومراكز بحثيَّة مُعتبرة ورصينة بإِنتاجها الفكري والمعرفي، رُبما يقف على رأسِها (مركز الأَبحاث العقائديَّة) التَّابع للمرجعِ الأَعلى والذي يديرهُ ويُشرفُ عليهِ العلَّامة الدُّكتور الشَّيخ مُحمَّد الحسُّون الذي أَعتبرهُ شخصيّاً الفارس المِقدام في الردِّ العلمي والمنطقي والتَّاريخي الهادئ بعيداً عن التَّهريج والضَّوضاء كما يفعل المُشكِّكون!
إِنَّما الذي أُريد قولهُ هُنا هُوَ ما يخصُّ إِدارة زيارة الأَربعين والتي تزداد عدداً ونوعاً عاماً بعدَ آخر، فالإِدارةُ مهمَّةٌ لتنظيمِ وتقنينِ الزِّيارة بما يحمي هيبتها ويمكِّنها من استيعابِ الملايين بكلِّ انسيابيَّة وسُهولةٍ ويُسرٍ.
لقد كنتُ في عاشوراء هذا العام في كربلاء المقدَّسة ولقد اطَّلعتُ على الجهودِ الإِداريَّةِ الحثيثةِ التي تبذلها العتبَتان المُقدَّستان الحُسينيَّة والعباسيَّة لتحسينِ أَداءِ المُناسبةِ، وهو أَمرٌ ليسَ بالهيِّن، وأَخصُّ بالذِّكر (قسم الشَّعائر والمواكِب والهيئات الحُسينيَّة في العراق والعالَم الإِسلامي) الذي يديرهُ حاليّاً الأُستاذ الحاج رياض نِعمة السَّلمان، وهو من أَبناء المدينة المقدَّسة الأَوفياء والحريصين، ووالدهُ، رحمهُ الله، واحدٌ من أَعلام كربلاء المقدَّسة والذي تشهد بروحهِ الحُسينيَّة الوثَّابة أَجيالٌ وأَجيالٌ مُتعاقبة.
ولا يختلفُ اثنان على أَنَّ الإِدارة والتَّنظيم هي واحدةٌ من أَهمِّ وأَعقدِ وأَخطرِ العُلومِ والأَدواتِ التي تدخل في كلِّ تفاصيل حياتِنا اليوميَّة، سلباً أَو إِيجاباً، من حيث نشعرُ أَو لا نشعرُ، نريدُ أَو لا نُريدُ! ولذلكَ فإِذا رأَيت مُجتمعاً ناجحاً أَو فرداً ناجحاً فتأَكَّد بأَنَّهُ أَخذ بالإِدارةِ والتَّنظيم بشَكلٍ صحيحٍ وسليمٍ، والعكسُ هُوَ الصَّحيح، فالإِدارةُ النَّاجحةُ تقصِّر المسافات إِلى الهدفِ وتقلِّل التَّضحيات كما تختزِل الزَّمن فضلاً عن أَنَّها تُنسِّق العَمل والأَدوار بينَ أَعضاءِ الفريقِ والمؤَسَّسات والأَطراف المُتبايِنة وتتجاوز الخِلافات والمشاكل بشَكلٍ سليمٍ وصحيحٍ.
ولذلكَ فليسَ غريباً أَو صُدفةً أَن يقرنَ أَميرُ المُؤمنينَ (عليه السلام) التَّنظيم بالتَّقوى في آخرِ وصيَّةٍ لهُ بالقَولِ (أُوصِيكُمَا، وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي، بِتَقْوَى اللهِ، وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ، وَصَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ).
فـ(التَّقوى والتَّنظيم والإِصلاح) هي سرِّ المِهنة، كما يقولُونَ، والذي تقومُ عليهِ المدنيَّات والحضارات، لا يمكنُ الاستغناء عنها!
ولنجاحِ خُطط الإِدارة والتَّنظيم في الأَربعين يلزم أَن ننتبهَ أَوَّلاً وقبلَ كلِّ شَيْءٍ إِلى أَنَّ هذا النَّجاح لا يقومُ على طرفٍ واحدٍ، وإِنَّما يلزم التَّعاون عليهِ مِن قِبل المُشرفين على التَّنظيم في العتَبتَين إِلى جانبِ أَصحابِ الهيئاتِ والمواكبِ على وجهِ التَّحديد، فالمُعادلةُ فيها طَرفَين وليسَ طرفٌ واحدٌ، إِذا لم يتعاونانِ فلا يُمكنُ أَن نتصوَّر نجاحٌ أَو تطويرٌ.
وإِنَّ من أَعظمِ المشاكلِ التي تُعرقِل النَّجاح الإِداري والتَّنظيمي هي مُشكلة الحساسيَّة المُفرَطة التي نعيشها من شَيْءٍ اسمهُ (القانون) فلقد تربَّينا وكبرنا ونحنُ نفهم القانُون على أَنَّهُ سلاسِلَ وأَغلال يُرادُ منها تكبيلَنا حتَّى لا ننطلق! فتعوَّدنا على التمرُّد على القانُونِ مهما كان شكلهُ.
حتَّى إِشارات المُرور نتمرَّد عليها لأَنَّها بنظرِنا تُعرقلُ مسيرَنا وتحدُّ مِن حركتِنا.
إِذا أَردنا أَن ننجحَ في تطويرِ إِدارةِ وتنظيمِ الأَربعين ونحقِّق طموحَنا في استيعابِ (٢٠٠) مليون زائر ينبغي علينا أَن نحترمَ القانون الذي يشرِّعهُ المسؤُولونَ في العتبَتَين.
لا أَقولُ أَنَّ قانونَهم آية، أَبداً، فقد تَكُونُ فِيهِ ثغَرات وإِشكالات ونواقِص، إِلَّا أَنَّ القانون على أَيِّ حالٍ أَفضل من اللَّاقانون، فالقانُونُ على عِلَّاتهِ بدايةٌ لحُسن الإِدارةِ والتَّنظيمِ وبالتَّالي الأَداء! أَمَّا اللَّاقانون فالفوضى بعينِها والصِّدامُ والخَسارة!
وإِلى هذا يُشيرُ أَميرُ المُؤمنينَ (عليه السلام) وهو يردُّ على الخَوارجِ عندما سمِعَ اعتِراضَهُم على التَّحكيمِ بقولِهِم (لا حُكْمَ إِلَّا لله) (إِنَّهُ لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِير بَرّ أَوْ فَاجِر، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الاَجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِر).
ومن أَجلِ أَن نرتقي بالقَوانين الإِداريَّة والمُنظِّمة للمُناسبةِ يلزم أَن يتمَّ مُناقشتها مع أَصحابِ الشَّأن كذلكَ من معنيِّين ومسؤُولين في الهَيئات والمَواكِب، داخل العراق وخارجهُ.
إِنَّ احترام القانون هُوَ السَّبيل الوحيد للارتقاء بالمُناسبةِ المليونيَّةِ العَظيمةِ، إِداريّاً وتنظيميّاً واستيعابيّاً.