المسار
مسيرة الأربعين » البحوث والمقالات
الفهرس
البحوث والمقالات

(١١٧) مواقف الإباء في خطبة الحوراء

مواقف الإباء في خطبة الحوراء

د. الشيخ عماد الكاظمي

إنَّ خطبة الحوراء زينب (عليها السلام) في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية كانت مليئة بالمواقف العظيمة التي تحتاج إلى تذكير الأجيال بها؛ لما فيها من دروس الإباء، والبطولة، والفداء من أجل الحق ومبادئه، ونحاول بيان مقاطع تلك الخطبة الخالدة بمناسبة عودتها منتصرة نصرها العظيم من الشام بعزٍّ وكرامة لتروي لأخيها سيد الإباء ملامح نصرها الخالد على كُلِّ الطواغيت..
فمن خطبتها (عليها السلام):
((الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلىَ مُحَمّدَ وآلِهِ أَجْمَعِيَن، صَدَقَ اللهُ كَذَلكَ يَقُولُ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾، أَظَنَنْتَ - يَا يَزِيدُ- حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الأَرْضِ وَآفَاقَ السَّمَاءِ فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الإِمَاءِ - أَنَّ بِنَا عَلَى اللهِ هَوَاناً، وَبِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةٍ! وَأَنَّ ذَلِكَ لِعَظِيمَ خَطَرِكَ عِنْدَهُ! فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ في عَطْفِكَ، جَذْلانَ مَسْرُوراً، حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً، وَالأُمُورَ مُتَّسِقَةً، وَحِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وسُلْطَاننَا، فَمَهلاً، أَنَسِيتَ قَوْلَ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ): ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.
1- إنَّ زينب الإباء (عليها السلام) على الرغم مما هي فيه من تعب وأذى الأسر، والمصاب العظيم إلا أنَّها كانت صامدة فصرخت بوجه الطاغية بهذه الصرخة العظيمة لنصرة الحق، والشريعة المقدسة، التي كانت علامتهما، هو سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام)، فنطقت سليلة القرآن الناطق بآيات من القرآن الصامت ليكون كلاهما شاهدين على أولئك الطغاة، ولتؤكِّد وحدة المنهج بين (القرآن والعترة) اللذين أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بهما.
2- أرادت أنْ تؤكِّد لكُلِّ طاغية أنَّ أي غنيمة لأعداء الله تعالى على أوليائه هي ليست نصرًا وفوزًا كما يزيِّن له الشيطان، بل هو إمهال من الله تعالى، واختبار عباده في معرفة صدق ولائهم لأوليائه، وهذه هي سيرة الأنبياء مع أقوامهم، فهل كان قتل نبي الله يحيى هو نصر لقاتله، أو كان رمي إبراهيم في النار نصر لنمرود، أو خروج موسى خائفًا يترقب نصر لفرعون، بل هي الدنيا قائمة على البلاء والاختبار، وهذا هو واقع الحال لحسين الطهر مع يزيد العهر.
3- لقد أكَّدت زينب الإباء أنَّ الظروف مهما كانت ممكنة للطواغيت في قتل المصلحين وتشريدهم فهي لا تدوم لهم، بل زوال ذلك بذلٍّ وهوان لا محالة له، فالله يمهل ولا يهمل، وهو غير غافلٍ عن كُلِّ ظلم واعتداء، ولو رجعنا إلى المسيرة الخالدة للمصلحين لرأينا ذلك الخلود العظيم لهم، وإنْ كان ظاهره انكسار وهوان، ولكنه في الحقيقة خلود وإباء.
4- إنها لم تتنازل عن الحق الذي له أهل اختارهم الله لذلك، على الرغم مما جرى من القتل والسبي والأسر، فيبقى أهل البيت (عليهم السلام) أولى بخلافة الله ورسوله في عباده، إذ قالت لذلك الطاغية: ((وَحِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وسُلْطَاننَا))، وهي بذلك تريد أنْ تعبِّر له بما يفهم الخلافة أنها إنْ كانت ملكًا وسلطانًا فنحن أَوْلى بها وليس بني أمية، وأبناء معاوية بن أبي سفيان وهند، وفي ذلك نصر للعقيدة التي أمرنا الله بالتمسك بها وأتباعها.
وفي كل ذلك درس عظيم للبشرية كلها، وما هذه المسيرة التاريخية الخالدة إنما هي شاهد على ذلك.
أيُّهما المنتصر زينب أم يزيد!
إنَّ خطبة الحوراء زينب (عليها السلام) في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية كانت مليئة بالمواقف العظيمة التي تحتاج إلى تذكير الأجيال بها؛ لما فيها من دروس الإباء، والبطولة، والفداء من أجل الحق ومبادئه، ونحاول بيان مقاطع تلك الخطبة الخالدة بمناسبة عودتها منتصرة على آل أمية.
فمن خطبتها (عليها السلام):
((فَكِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَ اللهِ لاَ تَمْحُوَنَّ ذِكْرَنَا، ولاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا. وَهَلْ رَأْيُكَ إِلاَّ فَنَداً، وَأَيَّامُكَ إِلاَ عَدَداً، وَجَمْعُكَ إِلا بَدَداً، يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِ: أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)).
1- لقد تحدثت ربيبة القرآن الناطق بوعد القرآن لعباده المؤمنين بالنصر والتأييد حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ وأكَّدت على نصر الله تعالى لشهداء الطف الخالدين مهما فعل الطغاة من أجل إسكات الحق، والقضاء على مبادئه.
2- لقد أكَّدت ربيبة القرآن الناطق بوعد القرآن بأنَّ نور الله لا تطفأها أفعال وأفواه الطغاة، حيث قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾، والأئمة (عليهم السلام) هم نور الله في الأرض، فهل استطاع يزيد وأعوانه إطفاء تلك الأنوار الإلهية، وهذا وعد الله الصادق لأوليائه.
3- لقد وقفت ربيبة القرآنين لتصرخ بوجه طغاة العصور الذين يريدون أنْ يقتلوا الحق من خلال أهله وأوليائه بأنَّ سعيهم سيخيب، وكيدهم سيعود عليهم، وملكهم سيزول ويكون وبالًا عليهم، وأعوانهم سيصيبهم الذل والعار مهما بلغ عددهم وعدتهم.
فأيُّهما كان المنتصر مَنْ صرخ يوم عاشوراء: لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية؟
أم مَنْ صرخت بكل عزيمة وإباء وشجاعة: فو الله لا تمحو ذكرنا؟
فإذا أردنا الجواب فلننظر ببصرنا فهو يغني عن البصيرة والتأمل والتفكُّر.

البحوث والمقالات : ٢٠١٩/٠٣/٢٦ : ١.٧ K : ٠
: الشيخ عماد الكاظمي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.