آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
يقول الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين، والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
أما صلاة الإحدى والخمسين فتعني الصلوات اليومية الواجبة والمؤلفة من سبع عشرة ركعة إضافةً إلى النوافل المؤلفة من أربع وثلاثون ركعة والتي تعتبر بمثابة التعويض عن النقص أو الضعف الحاصل في أداء الصلوات الواجبة، وفي هذا المجال نذكّر بصلاة الليل التي تعتبر نافعة جداً في هذا المجال.
وصلاة الإحدى والخمسين كما جاء ذكرها، هي من خصوصيات الشيعة وهي ثمرة رحلة معراج الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وربما يكون سر التبجيل بصلاة الليل ووصفها بأنها معراج المؤمن من باب أن صفتها جاءت من المعراج، فهي إذا دليل المؤمن للعروج.
والأمور الأخرى التي ذكرت في رواية الإمام العسكري (عليه السلام)، كلها تخص الشيعة، لأنهم هم فقط من يسجدون على التربة (تعفير الجبين)، إضافةً أن الآخرين من غير الشيعة لا يبدأون صلاتهم ببسم الله الرحمن الرحيم أو يخفتون في قولها، والشيعة هم من يتختم باليمين وهم أيضاً من يؤمن باستحباب زيارة الأربعين.
المقصود من زيارة الأربعين هنا ليس زيارة أربعين مؤمن، ولا دخل للشيعة في تفسيره على هذا النحو، وذلك لأن أل التعريف التي جاءت في كلمة الأربعين في حديث الإمام العسكري (عليه السلام) توضح أن الأربعين كان معروفاً ومشهوراً عند الناس.
إن أهمية زيارة الأربعين لا تكمن في أنها من علامات المؤمن فحسب ، فالرواية هذه تجعلها موازية للصلوات اليومية الواجبة منها والمستحبة. وبحسب هذه الرواية فإن ذلك يعني أنه وكما أن الصلاة عامود الدين والشريعة، فإن زيارة الأربعين وما جرى في كربلاء، هما لبان عامود الولاية أيضاً.
وفي حديث آخر عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي). أي أن عصارة الرسالة النبوية الشريفة هي القرآن وعترة أهل البيت عليهم السلام، وعصارة الكتاب الإلهي الذي يمثل دين الله عز وجل يرتكز على عامود وهو الصلاة ، كذلك عصارة العترة النبوية ترتكز على عامودها وهو زيارة الأربعين، وقد ذكر هذين العامودين سوياً في حديث الإمام العسكري (عليه السلام)، وتكمن الأهمية في مدى تدين الإنسان أكثر فأكثر من خلال الصلاة وزيارة الأربعين.
أما بالنسبة للصلاة، فإن الذات الإلهية المقدسة قد أفاضت الكثير من المعارف حولها، فالله سبحانه وتعالى ذكر مثلا أن الإنسان موحد بالفطرة، ولكننا نراه عندما يتعرض للمرارة يجزع، وعندما ينعم عليه فإنه يمتنع عن عمل الخير، باستثناء المصلّين الذين يتمكنون من ضبط الحالة المزاجية لطبيعتهم المتمردة، وبالتالي يتملصون من حالة الجزع والهلع والمنع وبذلك يكونون ممن تشملهم الرحمة الإلهية الخاصة ﴿إنّ الإنسان خلق هلوعاً٭ إذا مسّه الشرّ جزوعاً ٭ وإذا مسّه الخير منوعاً ٭ إلّا المصلّين﴾.
زيارة الأربعين تنزع عن الإنسان ثوب الجزع والهلع والمنع، فضلا عن الهدف الرئيسي لسيد الشهداء كان تعليم الناس ولتحقيق ذلك عمل صلوات الله عليه من خلال القول والفعل، كما من خلال بذل الدماء الطاهرة، وقدرته على جمع كل ذلك جعل من ملامح الإمام عليه السلام ملامح متميزة.
باختصار، كانت رسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لتعليم الناس الكتاب والحكمة من جانب ولتزكية نفوسهم من جانب آخر، حتى يجعل من الجاهلين علماء ومن الضالين مهتدين، وبالنتيجة يزيل الجهل العلمي والجهالة العملية من المجتمع، وقد أدمج هذين المعنيين في نص زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام)، هذا لأن منشأ الهمجية لدى منكري الرسالة وأعداء النبوة كان حب الدنيا والتعلق بزبرجها. والسبب المهم لتوحش منكري ولاية أهل البيت عليهم السلام وأعداء الإمامة هو نفسه الغطرسة في الدنيا والانبهار بها، وهذا ما تمت الإشارة إليه في جزء من زيارة الأربعين بعبارة: (وتغطرس وتردّى في هواه.
25/ 11 /2015