الهزات الفكرية في زمان الغيبة (أسباب وعلاج)
الهزات الفكرية في زمان الغيبة
(أسباب وعلاج)
الشيخ ماهر الحجّاج
المقدمة:
إنَّ الإنسان على مَرِّ العصور كان محفوفاً بحجج الله تعالى يدعونه إلى الرشاد والصـراط المستقيم، وما زال يعارضهم ويخالفهم ويسلك غير سبيلهم، ويمشـي في سبل متفرِّقة، بل في بعض الأحيان يرتكب ما يخالفهم عناداً وتعدّياً، كما يُحدِّثنا القرآن عن الأقوام السالفة، والقرى التي حلَّ عليها غضب الله تعالى، إلَّا أنَّ فعلهم هذا لم يقف أمام فيض الكريم لينقطع، ولا أمام حجَّة الله ليدحضها، بل ما زالت حجج الله قائمة على البشـر، وبراهينه تترا عليهم آناء الليل وأطراف النهار، كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: (ما خلت الدنيا - منذ خلق الله السماوات والأرض - من إمام عدل، إلى أن تقوم الساعة حجَّة لله فيها على خلقه)(1)، وورد أيضاً عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنَّه قال: (لـمَّا انقضت نبوَّة آدم عليه السلام وانقطع أجله، أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه: أن يا آدم قد انقضت نبوَّتك، وانقطع أجلك، فانظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوَّة وأثرة العلم والاسم الأعظم، فاجعله في العقب من ذرّيتك، عند هبة الله، فإنّي لن أدع الأرض بغير عالم يُعرَف به طاعتي وديني، ويكون نجاة لمن أطاعه)(2).
وهذا هو الحقُّ الثابت باليقين الذي لا يعتريه الريب، لما تظافرت عليه من الروايات الكثيرة الفائقة حدَّ التواتر، الدالّة على استمرارية حجَّة الله على البشـر إلى القيامة، وهو ما تؤكِّده روايات الأئمَّة الاثني عشـر، الواردة عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث الثقلين: (لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض)(3)، وهذا الحديث المتواتر هو من النصوص الواضحة في إثبات استمرارية حجَّة الله تعالى على عباده إلى القيامة، ولا يستقيم إلَّا على ما تتبنّاه الإماميَّة من الاعتقاد بإمامة أهل البيت عليهم السلام تبعاً لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضاً نصوص وروايات الغيبة وتفاصيلها وما يجري في آخر الزمان قبل القيامة يدلُّ على ذلك.
إلَّا أنَّنا لسنا بصدد بيان ذلك، بعد اعتقادنا بإمامة أهل البيت عليهم السلام وحجّيتهم، ووضوح هذه القضيَّة في النصوص الصادرة عنهم عليهم السلام في ذلك، إلَّا أنَّنا نأسف لما حلَّ بنا من الحيلولة دون إمامنا عليه السلام، فقد ابتلانا الله (عزَّ وجلَّ) بغيبة إمامنا عليه السلام اختبارا لإيماننا بالغيب.
وهذا الابتلاء في عقيدة الإنسان له دخل واضح في تحديد مصيره، بل وفي تحديد سلوكياته الاجتماعية أيضاً، وهو بلاء مبين عظيم الوقعة شديد المحنة، ولذا ورد في الزيارة الجامعة قوله عليه السلام: (والباب المبتلى به الناس)(4)، فهم عليهم السلام في حياتهم وحضورهم قد اختبر اللهُ الناسَ بقبول إمامتهم، فقبلها من قبلها ورفضها الأكثر لإعراضهم عن الحقِّ وكرههم له، ثمّ تطوَّر الاختبار وصار بنحو أشدّ، وهو أنَّ الناس مخاطبون بإمامتهم حتَّى في صورة غيبتهم عليهم السلام، فمن يقبلهم ويقرُّ بهم في غيبتهم يكون من السعداء وممَّن يفوز بأُخوَّة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كما روى النسائي بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (... وددت أنّي قد رأيت إخواننا)، قالوا: يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ قال: (بل أنتم أصحابي، إخواني الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض)(6).
وقد تنفتح أسارير النفس عندما تمرُّ عليها مثل هذه الروايات الشـريفة، وأنَّنا في آخر الزمان ونؤمن بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمَّة عليهم السلام ولم نرَهم، فنحن من الفائزين بأُخوَّته، نعم يتمُّ هذا السرور لمن استقام على الطريقة وآمن، وختم عاقبته بالحسنى وولاية آل محمّد عليهم السلام، ولكن من بقي ولا يعلم إلى أين المصير، وغربيل الزمان ما زال يهزُّ الناس ويغربلهم حتَّى لا يبقى (إلَّا الأندر فالأندر)(7)، فالابتلاء ما زال قائماً، والامتحان ما زال نصب عيون الناس.
وكما أنَّ طبقات الأرض إذا تحرَّكت واصطدمت بعضها ببعض أحدثت هزَّة أرضية قد تؤدّي بحياة آلاف البشـر، فكذلك الأفكار والاعتقادات إذا تزلزلت أمكن أن تحدث انقلاباً سلبياً، وتؤدّي إلى نتائج وخيمة العاقبة.
وباعتبارنا في دائرة الاختبار التي أشار إليها أهل البيت عليهم السلام بقولهم عنها: (كالقابض على الجمر)(8)، بل وأشاروا إلى بعض جوانب الهزّات التي سيتعرض لها أتباعهم خلال مسيرتهم، فلأجل ذلك سنحاول في هذا البحث وبنحو مختصـر أن نشير إلى بعض من هذه الهزّات، وما هي أسبابها، ثمّ بيان علاجها، ثمّ نخلص إلى النتيجة المهمَّة المترتِّبة على ذلك، فكلامنا يقع في أربعة مباحث رئيسية هي:
1 - الهزّات الفكرية.
2 - أسباب الهزّات الفكرية.
3 - علاج النتائج السلبية للهزّات الفكرية.
4 - النتيجة.
المبحث الأوّل
الهزّات الفكرية
المؤمن عرضة للخطر من جوانب مختلفة، الدنيا من جهة ونفسه من جهة أُخرى وإبليس وجنوده من جهة ثالثة وهكذا، وأهمّ سلاح يمتلكه المؤمن في هذه المعركة هو الفكر المستقيم، والذهن اليقظ النبه، فإذا استطاع الإنسان أن يسيطر على ذهنه وفكره، بحيث يحفظ توازنه في كلِّ ما يمرُّ عليه، استطاع أن ينجو من كلِّ تلك العقبات بسهولة، ولعلَّه إلى هذا يشير الإمام الصادق عليه السلام في قوله: (وقوراً عند الهزاهز)(9).
وهذا الكلام فيه بحث واسع ومترامي الأطراف، إلَّا أنَّنا نأخذ جانباً خاصّاً من جوانب الهزّات التي تعرض الفكر بخصوصه في عقيدته بالإمام المهدي عليه السلام كنموذج، فنقول:
لقد تعدَّدت جوانب التشكيك في قضيَّة الإمام المهدي عليه السلام واختلفت أبعاده، فأراد المشكِّكون من خلال ذلك تلويث الفكر الصحيح، لينتج ما يوافقهم من الفكر المنحرف الضالّ، وبالتالي تكون السطوة لإبليس وجنوده كما هم يُفكِّرون، ومن تلك الجوانب:
الجانب الأوَّل: التشكيك في أصل ولادة الإمام المهدي عليه السلام:
كما تذهب إليه أغلب العامَّة، فإنَّهم تبعاً لسياسات الدولة شكَّكوا في أصل ولادة الإمام الثاني عشـر، ويرون أنَّه سيُولَد في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَت ظلماً وجوراً، قال الشيخ السبحاني: (إنَّ الأكثرية من أهل السُّنَّة يقولون بأنَّه سيُولَد في آخر الزمان)(10).
ومن العامَّة الذين أنكروا ولادة الإمام المهدي عليه السلام ابن خلدون الذي ناقش في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام وحاول إبطالها(11)، ولازم إبطال الروايات وردّها هو إنكار الاعتقاد بالإمام المهدي من رأس فضلاً عن ولادته، مع أنَّ العامَّة أنفسهم قد اعترفوا بتواترها بل فاقت حدَّ التواتر، قال ابن حجر العسقلاني: (قال أبو الحسن الخسعي الآبدي في مناقب الشافعي: تواترت الأخبار بأنَّ المهدي من هذه الأُمَّة، وأنَّ عيسى يُصلّي خلفه...)(12)، بل تجاوز ابن خلدون أُطر البحث العلمي وعدَّ من قال بالمهدي مغالياً حيث قال: (... وقال مثله غلاة الإماميَّة وخصوصاً الاثنا عشـرية منهم يزعمون أنَّ الثاني عشـر من أئمَّتهم وهو محمّد بن الحسن العسكري ويُلقِّبونه المهدي دخل في سرداب بدارهم في الحلَّة وتغيَّب حين اعتُقِلَ مع أُمِّه وغاب هنالك، وهو يخرج آخر الزمان فيملؤ الأرض عدلاً)(13).
إلَّا أنَّ ابن خلدون لم يصمد أمام الفطرة الناطقة بالحقِّ، حتَّى نطق بها ونقض كلامه من الأساس إذ قال: (اعلم أنَّ في المشهور بين الكافَّة من أهل الإسلام على ممرِّ الأعصار أنَّه لا بدَّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيِّد الدين ويُظهِر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلاميَّة ويُسمّى بالمهدي)(14)، فبعد إقراره بأنَّ الجميع يقبلون عقيدة الإمام المهدي، النابعة من السُّنَّة النبويَّة والأحاديث الشـريفة التي أكَّد عليها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ببيانات مختلفة، فقد أقرَّ ضمناً بصحَّة تلك الروايات التي أبطلها.
والتشكيك في هذه القضيَّة ليس وليد الساعة، وإنَّما ابتدأ منذ زمان الغيبة الصغرى كما ينقل لنا ذلك الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه المسائل العشـر، حيث قال: (فما الذي ينكر خصوم الإماميَّة من قولهم في ستر الحسن عليه السلام ولادة ابنه المهدي عن أهله وبني عمّه وغيرهم من الناس؟)(15)، ويذكر لنا الشيخ المفيد رحمه الله بعض من انبرى للترويج وبقوَّة لقضيَّة إنكار ولادة الإمام المهدي عليه السلام بدافع دنيوي ودافع سياسي بعد أن غرَّته السلطات العبّاسية بذلك، فقال رحمه الله: (... وأمَّا المتعلّق بإنكار جعفر بن عليّ شهادة الإماميَّة بولد لأخيه الحسن بن عليّ عليهما السلام وُلِدَ في حياته بعده، والحوز لتركته بدعوى استحقاقها بميراثه مثلاً دون ولد له، وما كان منه من حمل أمير الوقت على حبس جواري الحسن عليه السلام واستبذالهنَّ بالاستبراء لهنَّ من الحمل ليتأكَّد بقيَّة لولد أخيه، إباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفاً من بعده كان أحقّ بمقامه من بعده من غيره وأولى بميراثه ممَّن حواه)(16).
وهذه النصوص تُبيِّن لنا المحنة التي كان يعيشها أهل ذلك الزمان، والاختبار ببلاء مبرم إبراماً، غياب شخص الإمام عليه السلام من جهة، وتشكيك الناس في أصل إمامته وولادته عليه السلام من جهة أُخرى، والسلطة العبّاسية ومحاربتها من قال بولادة الإمام عليه السلام، وعليه فمن الممكن أن يُؤثِّر ترويج مثل هذه الأفكار على الاعتقاد بالإمام المهدي عليه السلام ويحدث نوع اهتزاز فكري عند المتأثِّر بها، خصوصاً إذا عمَّق إبليس المشكلة وجذَّرها في نفسه.
والجواب عن هذه الشبهة من وجهين:
الأوَّل: من جهة فكرية اعتقادية، وما أفادته النصوص في هذا المعنى.
الثاني: من جهة تاريخية وواقع معاش من عصـر الإمام الحسن العسكري عليه السلام إلى أواخر زمان الغيبة الصغرى.
أمَّا الوجه الأوَّل:
فإنَّه توجد عندنا نصوص كثيرة دلَّت على أُمور اعتقادية عديدة يمكن الاستفادة منها في المقام، ومنها:
أ - النصُّ الذي قرن بين الكتاب وأهل البيت عليهم السلام وأنَّهما لن يفترقا، المعروف بـ (حديث الثقلين)، وهو نصٌّ متواترٌ لا غبار عليه، حيث يستفاد منه وجود الإمام عليه السلام دائماً مع القرآن إلى يوم القيامة، وهذا يعني أنَّ الإمام لا بدَّ أن يكون مولوداً وله تحقّق في الخارج حتَّى يكون مع القرآن، فلو فُرِضَ - كما تدَّعيه العامَّة - عدم ولادته عليه السلام لحصل الانفكاك، وحديث الثقلين يُبطِله.
ب - النصوص التي تعرَّضت لعدم خلوِّ الأرض من حجَّة - وتقدَّمت الإشارة إلى بعضها في المقدَّمة - أيضاً تُثبِت بطلان القول بعدم ولادته عليه السلام، حيث يلزم من القول بعدم الولادة خلوّ الأرض من حجَّة، وهذه الروايات تُبطِله.
ج - النصوص المهدوية ونصوص الأئمَّة الاثني عشـر الكثيرة الوفيرة المتواترة، الدالّة على أنَّ الإمام المهدي عليه السلام هو الإمام من بعد أبيه الحسن العسكري عليه السلام، تُثبِت لابدّية ولادته عليه السلام في زمان أبيه عليه السلام، ولا يُوجَد عاقل يتصوَّر أنَّ الإمام المهدي سوف يُولَد من أبوين قد ماتا وتجاوز الفاصل الزمني بينهم الألف سنة.
وأمَّا الوجه الثاني:
حيث أكَّدت القرائن والدلائل التي ظهرت في ذلك الوقت أنَّه عليه السلام مولود بالقطع واليقين ولا ريب في ذلك، ومن تلك الأُمور التي ثبتت في تلك الحقبة:
أ - رواية السيِّدة حكيمة، وما شاهدته ليلة ولادته عليه السلام وبعدها، وكيف شاهدت الإمام المهدي عليه السلام بيد أبيه العسكري عليه السلام(17).
ب - مشاهدة بعض الرواة ووكلاء الإمام العسكري عليه السلام للإمام المهدي عليه السلام من خلال عرض الإمام العسكري عليه السلام عليهم ذلك، ومشاهدتهم إيّاه(18).
ج - قضيَّة تجهيز والده العسكري عليه السلام بعد موته، والصلاة عليه، وتنحيته لعمِّه جعفر الكذّاب عن ذلك المقام، والوقوف به للصلاة على جنازة الإمام الحسن العسكري عليه السلام(19).
د - استقباله عليه السلام لبعض الوفود بعد وفاة أبيه عليه السلام، وإخباره بما في الهميان(20).
هـ - والأهمّ من هذا كلّه ما حصل في الغيبة الصغرى من نصبه للسفراء الأربعة، وخروج التوقيعات من ناحيته المقدَّسه لمدَّة زمنية قاربت الـ (70) عاماً.
الجانب الثاني: الشكّ في بقائه عليه السلام حيّاً:
إنَّ الإنسان الاعتيادي ليس له قابلية البقاء أكثر من السنِّ الطبيعي الذي أقصاه مائة سنة أو أكثر أو أقلّ، مع أنَّنا نجد عمر الإمام عليه السلام قد تجاوز اليوم الألف والمائة سنة، فقياساً بالإنسان الاعتيادي تكون مسألة بقاء الإمام عليه السلام على قيد الحياة أمراً غير معقول ممَّا يُسبِّب هزَّة فكرية سيقع فيها الناس، كما أشار إليه الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام إذ قال: (... ولتمحصنَّ حتَّى يقال: مات [قُتِلَ]، أو هلك بأيِّ وادٍ سلك؟ ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيَّده بروح منه)(21).
ولعلَّ هذا الأمر هو الذي دفع السائل أن يسأل من الشيخ الصدوق حيث قال له: (إنَّ الغيبة قد طالت، والحيرة قد اشتدَّت، وقد رجع الكثير عن القول بالإمامة لطول الأمد، فكيف هذا؟)(22)، وذكر السيِّد الميلاني: أنَّ هناك من العامَّة من قال بولادة الإمام المهدي عليه السلام ولم ينكرها، ولكنَّه أنكر بقاءه حيّاً، مثل التفتازاني، (فإنَّ التفتازاني لم يُكذِّب ولادة المهدي من الحسن العسكري عليه السلام، وإنَّما استبعد أن يكون الإمام باقياً هذه المدَّة من الزمان، ولذا نرى بعضهم يعترف بولادة الإمام عليه السلام ثمّ يقول: مات)(23).
وهذه الفكرة لعلَّها أخطر من سابقتها على العقيدة المهدوية، لقرب مأخذها، حيث إنَّ الناس مأنوسون بالحسِّ وعالم المادَّة، وغافلون عن الغيب وعالمه، فيتعاملون مع كثير من قضاياهم بخلفيتهم الحسّية، فلذا نجدهم عندما يأتون إلى قضيَّة بقاء الإمام المهدي عليه السلام حيّاً يُرزَق بعد اثني عشـر قرنا يجدونها صعبة التقبّل إن لم يرفضوها بناءً على ميزانهم الحسّـي، حيث لم يروا إلَّا الإنسان العادي الذي لا يُعمِّر أكثر من ثمانين سنة أو يزيد عليها بشـيء قليل، ولم يعهدوا حسّاً بأنَّ إنسانا عاش ثلاثة قرون، إلَّا أنَّ هؤلاء غاب عنهم أمر الله تعالى ومشيئته، فهو الذي (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (يس: 82).
والجواب عن ذلك من ثلاث جهات:
الأولى: وهي الجهة العقلية، فإنَّ العقل عندما تُعرَض عليه مسألة بقاء الإمام المهدي عليه السلام على قيد الحياة، يجدها قضيَّة ممكنة وليست مستحيلة ولا ممتنعة، وعليه فإنَّ العقل لا يعارض طول عمر الإمام ولا ينكره، بل يقول بإمكانه، فالذين يُشكِّكون في طول حياة الإمام عليه السلام لو رجعوا إلى عقولهم لوجدوا جوابهم فيها صريحاً(24).
الثانية: وهي الجهة الروائية، فإنَّ الروايات قد نصَّت على غيبة الإمام الثاني عشـر عليه السلام من جهة، وعلى طول عمره من جهة ثانية، وعلى أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة من جهة ثالثة، وكلُّ واحد منها كافٍ في إثبات طول عمره عليه السلام، إلَّا أنَّ أصرح النصوص دلالةً في المقام هي النصوص التي دلَّت على طول عمره الشـريف، ومنها ما رواه الشيخ الصدوق فقال: حدَّثنا محمّد بن عليّ بن بشّار القزويني، قال: حدَّثنا أبو الفرج المظفَّر بن أحمد، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الأسدي، قال: حدَّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمِّه الحسين بن يزيد، عن حمزة بن حمران، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال: سمعت سيِّد العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام يقول: (في القائم سُنَّة من نوح، وهو طول العمر)(25).
الثالثة: وهي الجهة التاريخية النصّية، حيث ورد في نصوص عديدة وجود نظائر لقضيَّة طول عمر الإمام المهدي عليه السلام، وليس هو الوحيد في العالم ممَّن مدَّ الله تعالى في عمره، ومن هؤلاء:
أ - العبد الصالح الخضـر، روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنَّه قال لسدير الصيرفي: (... وأمَّا العبد الصالح - أعني الخضـر عليه السلام - فإنَّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوَّة قدَّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشـريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يُلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى إنَّ الله تبارك وتعالى لـمَّا كان في سابق علمه أن يُقدِّر من عمر القائم عليه السلام في أيّام غيبته ما يُقدِّر، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح في غير سبب يوجب ذلك، إلَّا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم عليه السلام، وليقطع بذلك حجَّة المعاندين، لئلَّا يكون للناس على الله حجَّة)(26).
ب - عيسى بن مريم عليه السلام، فإنَّه عليه السلام بنصِّ القرآن عليه لم يمت ولم يحرقه اليهود إنَّما شُبِّه لهم ذلك، (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ) (النساء: 158)، وقد ورد النصُّ من طرق الخاصَّة والعامَّة على أنَّ عيسى عليه السلام سوف يظهر مع القائم المهدي عليه السلام ويأتمُّ به، وهذا ما لم يستطع ابن خلدون إنكاره مع أنَّه قد أنكر روايات المهدي عليه السلام فقال: (اعلم أنَّ في المشهور بين الكافَّة من أهل الإسلام على ممرِّ الأعصار أنَّه لا بدَّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيِّد الدين، ويُظهِر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلاميَّة، ويُسمّى بالمهدي، ويكون خروج الدجّال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأنَّ عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجّال أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتمُّ بالمهدي في صلاته، ويحتجّون في الشان بأحاديث خرَّجها الأئمَّة، وتكلَّم فيها المنكرون لذلك)(27).
ج - أبو الدنيا معمر المغربي، قال الشيخ الصدوق: (ومخالفونا رووا أنَّ أبا الدنيا المعروف بمعمر المغربي واسمه عليّ بن عثمان بن خطّاب بن مرَّة بن مؤيّد لـمَّا قُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم كان له قريباً من ثلاث مائة سنة، وأنَّه خدم بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأنَّ الملوك أشخصوه إليهم وسألوه عن علَّة طول عمره واستخبروه عمَّا شاهد، فأخبر أنَّه شرب من ماء الحيوان، فلذلك طال عمره، وأنَّه بقي إلى أيّام المقتدر، وأنَّه لم يصح لهم موته إلى وقتنا هذا، ولا ينكرون أمره، فكيف ينكرون أمر القائم عليه السلام لطول عمره؟)(28).
الجانب الثالث: الشكُّ في فائدة الإمام المهدي عليه السلام عند غيبته:
الإنسان الذي لم تتجاوز إدراكاته حدود الأُطر المادّية يحسب أنَّ الفائدة - من الأشياء بصورة عامَّة ومن البشر وأفعالهم بصورة خاصَّة - لا بدَّ أن تكون ملموسة ظاهرة، وذلك لأُنسه بالمادَّة وعالم الحسِّ، وهذا ما يبعثه على الوقوف أمام الأُمور غير المحسوسة موقفاً سلبياً، كما يُحدِّثنا القرآن الكريم عن أهل الدنيا والدهريين الذين قالوا: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) (الأنعام: 29) وأنكروا الآخرة، ويُحدِّثنا أيضاً عن قوم موسى عليه السلام وكيف طلبوا من موسى أن يريهم الله تعالى جهرةً فقالوا: (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (النساء: 153)، ويُحدِّثنا القرآن الكريم عن كثير من أمثال هؤلاء الذين سحرت عيونهم الدنيا وخدعت قلوبهم المادَّة، وأركسهم الحسُّ في أعماق بحر الضلال.
وهذا الحسُّ والهاجس الذي بنى أغلب الناس عليه حياتهم جرّوه إلى قضيَّة الإمام المهدي عليه السلام، فإنَّهم بعد إقرارهم بولادته عليه السلام وحياته ضمناً، أنكروا وجود فائدة للإمام المهدي عليه السلام في غيبته، وكأنَّهم يقولون: طالما كان الإمام عليه السلام غائباً مستتراً لم نرَه ولم نباشره بالسؤال ولا يتدخَّل بصورة علنية في أُمورنا فلا فائدة منه(29).
والجواب عن هذا الإشكال بما يلي:
أوَّلاً: لا يوجد عندنا قانون عقلي ولا شرعي ينصُّ على أنَّ كلَّ أمر غير محسوس فهو لا فائدة فيه، بل العقل قاض بعكس هذه القضيَّة، ويؤمن بأنَّ الفائدة كما تترتَّب على المحسوس كذلك تترتَّب على غير المحسوس، وعدم المحسوسية ليست مانعةً من ذلك.
ثانياً: إنَّ أصل المشكلة نابعة من الحسِّ والتعبّد به، إلَّا أنَّ الحسَّ ليس هو مدركاً لكلِّ شيء، حتَّى نقف عنده مبجّلين، بل هناك أُمور كثيرة جدّاً لا يمكن للحسِّ نيلها أبداً، ولا يمكن لعاقل أن ينكرها مثل: مثل الكهرباء التي لا نرى لها شخصاً ولا ظلًّا مع أنَّ الكلَّ ينتفع بها، ومثل ذبذبات اللاسلكي التي تلتقطها الأجهزة النقّالة كالراديو والتلفزيون والهاتف المحمول وأجهزة الاتِّصال العسكرية والانترنت، وما شاكل ذلك.
ثالثاً: إنَّ أئمَّة أهل البيت عليهم السلام كانوا ملتفتين إلى هذا الإشكال وغيره، فأجابوا بأنَّ للإمام الغائب عليه السلام فائدة عظيمة إلَّا أنَّنا لا نُدركها، كما هو الحال في الشمس التي تحجبها الغيوم، فإنَّها وإن كانت مستترة إلَّا أنَّ نفعها يصل إلى البشر(30).
الجانب الرابع: التشكيك في التوسّع في بعض العناوين وانتحالها:
المتتبّع في القضيَّة المهدوية يجد في هذا الباب عناوين متعدِّدة ذكرتها الروايات الشـريفة، فقد ذكرت تفاصيل معالم الإمام الغائب عليه السلام، وتفاصيل زمان ظهوره، والعلامات السابقة عليه، وتفاصيل أنصاره وعددهم، كلُّ هذا من أجل بناء سدّ وحاجز لا يمكن خرقه من قِبَل بعض المموّهين للحقائق، ولكن ذلك مشـروط بالاطِّلاع والتصديق، إلَّا أنَّ المتصيّدين بالماء العكر حاولوا أن يخلطوا الأوراق بحيث يصعب على الناس تشخيص ما هو الصواب في ذلك.
ومن نماذج هذه الحقيقة (ابن گاطع) الذي انتحل لقب القائم وجعله لنفسه، مدَّعياً أنَّ هناك أكثر من قائم، وليس هذا اللقب للإمام وحده، وانتحل أيضاً لقب اليماني، وادَّعى أنَّ لقب اليماني ليس مختصّاً بشخص واحد، وهو الذي يخرج من صنعاء، بل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يماني، والإمام الحجَّة عليه السلام يماني، وأتباع الإمام وأنصاره يمانيون وهكذا، وادَّعى أيضاً أنَّه ابن الإمام ووصيّ الإمام وأنَّه معصوم وأوَّل الأنصار، وغيرها الكثير من الدعاوى(31).
وهذه المحاولة قد تبدو في بادئ الأمر لا قيمة لها ولا أثر، إلَّا أنَّ الأمر ليس كذلك، إذ من الممكن أن يُزلزل هذا التلاعبُ والادِّعاءتُ الاعتقادَ والفكرَ الحقَّ عمَّا كان عليه، فإنَّ المعتقد عندما يأتي إلى قضيَّة (القائم) وما تعرَّضت له من الانتحال والتلاعب لا يبقى له اعتماد بأيِّ شخص هو القائم، حيث يدخل عليه الشكُّ في التطبيق القائم على شخص معيَّن، وكذلك قضيَّة اليماني وأوَّل الأنصار، فتكون النتيجة هي خواء الاعتقاد وتزلزله لسـريان الشكِّ فيه ، ومن الإمكان بمكان أن ينتهي أمثال هؤلاء إلى ترك الاعتقاد والتنفّر منه.
والجواب عن هذه الدعاوى بالتالي:
أوَّلاً: أنَّ الحقائق الثابتة لا تُغيِّرها ادِّعاءت المنحرفين الضالّين وإن انتحل بعضهم شخصية معيَّنة، فإنَّ ذلك لا يُغيِّر من الواقع شيئاً، فبعد معرفة الحقِّ ومعرفة أهله نقطع بكذب هؤلاء المتحيّلين على الناس.
ثانياً: أنَّ العناوين المذكورة في القضيَّة المهدوية مبيَّنة بشكل واضح، كعنوان اليماني الذي أكَّدت الروايات أنَّه من أهل اليمن ومن صنعاء على الخصوص، وعليه فليس للعقل أن يقبل أنَّ اليماني يخرج من قريةٍ من نواحي قضاء المدينة في محافظة البصـرة، فأين صنعاء وأين البصـرة؟ مضافاً إلى أنَّ خروج اليماني مقرون بخروج السفياني والخراساني.
وكذلك تقمّصه لشخصية أوَّل الأنصار الذي من البصـرة، فإنَّ الروايات ذكرت اسمه وهو (أحمد بن مليح)(32)، والمتقمّص هو أحمد بن گاطع، وهكذا باقي دعاواه الواهية التي حاول إضلال الناس بها.
وهذا وأمثاله قد تصدّى له الكثير ممَّن يهمّه أمر الدين من فضلاء الحوزة العلمية المباركة، وأوضحوا بالتفصيل زيف مدَّعياته الواهية.
وبعد أن عرضنا بعض الشبهات التي تطرأ على القضيَّة المهدوية، التي إذا تلوَّث الفكر بها أو بغيرها تزلزل كيانه، اتَّضح لنا أنَّ الهزَّة الفكرية التي قد تنوب البعض تترك خلفها آثاراً عظيمة إيجابية أو سلبية، فمن الممكن أن تقفز بالإنسان قفزات نوعية في سُلَّم الإيمان وقوس الصعود (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) (ص: 24)، ومن الممكن أن تُخرجه من دائرة المعتقِد إلى دائرة الشاكّ المتحيِّر، وعليه فإنَّ ردّات فعل الهزات الفكرية ليست بالضـرورة أن تكون سلبية دائماً، بل من الممكن أن تكون إيجابية وتفتح آفاقاً جديدة أمام الباحث، لترسيخ اعتقاداته بنحو متقن ورصين.
هذا وإنَّ ردّات الفعل تكون مساوية لشدَّة أو ضعف الهزَّة، فكلَّما كانت الهزات شديدة كلَّما كانت ردّات فعلها أعنف وأشدّ، والعكس بالعكس.
المبحث الثاني
أسباب الهزّات الفكرية
ما من شـيء في الوجود إلَّا وله سبب بعيد أو قريب، استطعنا إدراكه أو لم نستطع، فإنَّ نظام هذا العالم مبنيٌّ على أساس العلية والمعلولية ولم يُبنَ على أساس الصدفة والفجئة كما قيل، ونحن عندما نأتي للتأمّل في الأسباب الكامنة خلف الهزّات الفكرية نجدها تنقسم ابتداءً إلى قسمين رئيسين، هما: داخلية وخارجية، ثمّ إنَّ لكلٍّ منهما عوامله المساعدة عليه. وإليك بيان ذلك:
الأسباب الداخلية:
كلُّ من هو دون المعصوم فهو قابل للخطأ، ومتعرِّض لعواصف الفكر الخطرة، فليس لأحدٍ أن يدَّعي الكمال المطلق الفكري، ولو كنّا كاملين حقّاً فمن أين تصدر هذه الأخطاء التي نرتكبها في اليوم مرَّة أو مرّات؟ ومن هنا فعلينا أن نبحث ونتأمَّل جيّداً في منبع تلك الزلازل التي تدكُّ عروش الأفكار وما هو الباعث عليها؟ وهل لنفس الإنسان دخل ونصيب فيها أم لا؟
إنَّنا بعد التأمّل نجد أنَّ لنا قسطاً وافراً من التأثير في ذلك، وهذا ما نعنيه بالأسباب الداخلية، فإنَّ الإنسان ذاته له أثر في نفسه وفكره من دون دخالة أمر خارجي آخر، ومن العوامل المؤثِّرة في ذلك أُمور:
أوَّلاً: التعنجه الفكري، أي عدم الاعتراف بالنقص، بأن يرى الإنسان نفسه كاملاً، ولعلَّه بنحو مطلق ، وبعبارة أُخرى اتِّصاف الإنسان بالجهل المركَّب الذي يجرُّ الويلات على صاحبه، فهو يجهل ويجهل أنَّه يجهل، كما بُيِّنَ في محلِّه من المنطق(33)، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (من ترك قول: لا أدري، أُصيبت مقاتله)(34)، فإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة صرعته أبسط الأُمور، وهذا ما وقع فيه الكثير من مفكري العامَّة، فإنَّهم بعد اطِّلاعهم على الدين وعلى السُّنَّة الشـريفة وما نصَّه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على أئمَّة أهل البيت عليهم السلام وأنَّهم خلفاؤه والأئمَّة من بعده، بل واعترفوا بتواتر الأحاديث التي تناولت القضيَّة المهدوية، بعد ذلك كلّه نجدهم باقين على ما هم عليه من الاعتقاد الفاسد مكابرةً وتعنّتاً.
ثانياً: عدم رسوخ العقيدة من أوَّل المشوار، فإنَّ الاعتقاد لا بدَّ أن تتوفَّر فيه ثلاث خصال: أن يكون جازماً بحيث لا تردّد فيه، وأن يكون مطابقاً للواقع، وليس أوهاماً أو خيالات وخرافات لا واقع لها ولا أساس، وأن لا يكون الاعتقاد عن تقليد، فمن قلَّد المؤدّبين من الآباء والمعلِّمين في اعتقاده من دون تحقيق ولا تأمّل ارتطم بما لا تُحمَد عقباه، فإذا فقد الاعتقاد أحد هذه الأركان الثلاثة كان معرَّضاً للزوال، وهذا ما نجده عند أحمد الكاتب وأتباع ابن گاطع بشكل واضح.
ثالثاً: عدم الاطِّلاع على تفاصيل العقيدة المهدوية، فإنَّ بحث الإمامة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام قد أُشبِعَ بحثاً وتحقيقاً أكثر ممَّا هو في المدارس الأُخرى، وقد ورد التركيز على إمامة الإمام الثاني عشـر عليه السلام وتفاصيلها، لأنَّها الخاتمة والتي بها نجاة البشـر، ولأنَّها مشتملة على أُمور وعلامات كثيرة، فقد فصَّل أهل البيت عليهم السلام في قضيَّة الإمام المهدي عليه السلام تفاصيل مختلفة بالاطِّلاع عليها تزول كلُّ شبهة وتُحَلُّ كلُّ عقدة، والحال بالعكس إذا قلَّ الاطِّلاع على تفاصيل العقيدة المهدوية فمن الممكن آنذاك قبول أيّ شبهة، ومن خلال هذا الممرّ يدخل الكذّابون الذين يظهرون قبل قيام الإمام صاحب الزمان عليه السلام، ليُضلّوا الناس عن سواء الطريق، كما أنبأ أهل البيت عليهم السلام بذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتَّى يخرج نحو من ستّين كذّاباً كلّهم يقول: أنا نبيّ)(35).
رابعاً: الميل إلى الدنيا وأهلها، فإنَّ الركون إلى الدنيا وأهلها هو من أخطر ما يُبتلى به الإنسان، حيث إنَّه يجرّه إلى أُمور قد لا تخطر على باله، فإنَّ أهل الدنيا بعيدون عن الاعتقاد في الجملة، وهذا الابتعاد يُقرِّبهم من أهل الأفكار المنحرفة حتَّى تتلوَّث أفكارهم بهما، وبذلك يبدأ صرح الاعتقاد بالتثلّم والتزلزل، ومن هنا حذَّر أهل البيت عليهم السلام من حبِّ الدنيا والركون إليها، وبيَّنوا ما يترتَّب على ذلك، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أقبلوا على جيفة قد افتضحوا بأكلها، واصطلحوا على حبِّها، ومن عشق شيئاً أعشى بصـره، وأمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأُذُن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه، وولهت عليها نفسه، فهو عبد لها، ولمن في يده شيء منها، حيثما زالت زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل عليها)(36).
ومن الذين أرداهم حبُّ الدنيا في هوَّة الضلال مع التفاته إلى ما هو فيه، عمر بن سعد (لعنه الله) الذي قد غرَّته الدنيا ولم ينل شيئاً منها، إذ قال:
فو الله ما أدري وإني لواقف أُفكِّر في أمري على خطرينِ
أأترك ملك الريِّ والريُّ منيتي أم أرجع مأثوماً بقتل حسينِ
ففي مثله النار التي ليس دونها حجاب وملك الريِّ قرَّة عيني(37)
خامساً: التعامل مع قضيَّة الإمام المهدي عليه السلام بالعاطفة الزائدة بعيداً عن التعقل، بحيث عندما يسمع أحدٌ منهم باسم الإمام المهدي عليه السلام وذكره يطير فرحاً وينسى كلّ حساباته ممَّا جعله عرضةً للآكل، فالتقمته أفواه الدجّالين وصرفته عن الصـراط المستقيم، بحجَّة الدعوى للإمام الحجَّة عليه السلام، ودونك البابية والگاطعية وغيرهم، فإنَّ حبَّ أهل البيت عليهم السلام أمر واجب ولازم، ولكنَّه لا يعني أن نتَّبع كلَّ من ادَّعى صلة بأهل البيت عليهم السلام، أي إنَّ الحبَّ والاتِّباع والطاعة هي مفاهيم لازمة لأهل البيت عليهم السلام أنفسهم، لا لكلِّ من ادَّعى أنَّه متَّصل بهم ولو كذباً وزوراً.
سادساً: انطلاء بعض المغالطات الواهية عليهم من قِبَل بعض المضلِّيِّن، فإنَّ المغالطة من أخطر ما يتعرَّض له الاستدلال في الأوساط البسيطة فكرياً وثقافياً، حيث لا يمكنهم تشخيص مكامن الخطأ في تلك الأدلَّة، فقد تكون منزلقاً لكثير من الأقدام حتَّى لو لم يكن أهلها من أهل الدنيا أو كان الشخص معتقداً بنحو تامٍّ، بل حتَّى لو كان مطَّلعاً على بعض التفاصيل ، فمع هذا كلّه من الممكن أن تنطلي عليه مغالطات المغرضين فتصـرعه، وإذا سلَّم لتلك المغالطات تزلزل عرش فكره وأصابته الهزّات.
وهذا اللون من الاستدلال نجده عند أحمد بن گاطع وأتباعه بنحو جليٍّ، حيث جعلوه أُسّ فكرتهم، بل واهتمّوا به إيّما اهتمام، بحيث تجد كبارهم لقَّنوا صغارهم ذلك فصاروا ينهشون الناس بأفكارهم المنحرفة، ومن ذلك: استدلال أحمد بن گاطع على أنَّه رسول آخر الزمان حيث انطلق من قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الجمعة: 2 و3)، فحاول أن يُفكِّك بين الآيتين ويُصوِّر للناس بأنَّ هناك بعثتين:
الأُولى: بعثة إلى الأُمّيين كما تُعبِّر الآية، وهم أهل مكّة التي هي أُمُّ القرى.
والثانية: بعثة إلى الآخرين الذين سيتلون هؤلاء المتقدِّمين ويأتون بعدهم بقرون.
ومن الطبيعي تكون نتيجة هذا الاستدلال هي: أنَّ أحمد بن گاطع هو نبيّ آخر الزمان بنصِّ الآية كما يدَّعيه(38).
وهذا الكلام واضح البطلان من جهات مختلفة:
أوَّلاً: من جهة أنَّ باب البعثة والرسالة قد ختمها الله تعالى بالنبيِّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب: 40)، فتكون دعوى أحمد بن گاطع باطلة من رأس.
ثانياً: ومن جهة أُخرى أنَّ العطف في الآية الثانية وهي قوله: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) راجع على الأُمّيين وليس راجعاً على البعث أبداً، فإنَّ الآية تُقرِّر سريان حجّية نبوَّة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم على كلِّ من تلاه إلى يوم القيامة، وأنَّها ليست مختصَّة بأهل زمانه فقط.
الأسباب الخارجية:
بعد تجاوز مرحلة الذات وما احتوته من عوامل مساعدة على تخلخل الأفكار، ننتقل إلى مرحلة الأسباب الخارجية التي تؤثِّر في ذلك، وفي المقام عدَّة أسباب، منها:
أوَّلاً: البيئة والمحيط:
وجود البيئة المساعدة على التشكيك ونقد العقيدة المهدوية، من قبيل المجتمع والأُسرة المحيطة، كما يشير إليه الحديث الشـريف الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (ما من مولود إلَّا يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّـرانه أو يُمجِّسانه)(39)، فإنَّ دلالة هذا الكلام على أوَّل ركائز التأثير البيئي على فكر الإنسان وهي الأُسرة، واضحة لا غبار عليها.
ومن الركائز البيئية المؤثِّرة في الفرد هم الأصدقاء والأقران، الذين يعثر عليهم من خلال اختلاطه بالمجتمع، من قبيل أبناء الجيران الذين يلعب معهم، أو أقرانه في المدرسة، أو أصدقائه في محلِّ العمل، وقد وردت الإشارة إلى هذه الركيزة كثيراً في الكتاب العزيز والسُّنَّة الشـريفة، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) (الفرقان: 27 - 29)، وقال تعالى: (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ * قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَـرِينَ) (الصافّات: 51 - 57).
وكذلك من المؤثِّرات البيئية التي تنعكس على الإنسان بإشعاعاتها السلبية هو ابتلاؤه ببعض المعلِّمين والأساتذة والمربّين المغرضين.
فإنَّ كلَّ هؤلاء لهم أثر - بنحو جمعي أو منفرد - على المعتقد إذا توجَّهت إلى عقيدته انتقادات لاذعة وهو لا يعرف المخرج منها، فمن الممكن آنذاك أن تُؤثِّر فيه خصوصاً إذا تكرَّرت عليه، وبالأخصّ إذا اختلف الطرح والجهة المروِّجة.
ثانياً: ظهور الكذّابين:
ظهور الكذّابين والدجّالين قديماً كالبابية والترويج لهم، وحديثاً كمدَّعي المهدوية المنحرفة (الهنبوشي السلمي) وأتباعه، الذين روَّجوا لأحمدهم بأنَّه ابن الإمام ووصيّه وخليفته واليماني الموعود وأنَّ الإمام الحجَّة عليه السلام هو الذي بعثه إلى الناس، وكفاضل المرسومي الذي يُلقَّب بـ (الإمام الرباني)(40)، وكحبيب الله (المختار) الماركسـي التوجّه، وكالگرعاوي صاحب (جند السماء) وغيرهم ممَّن ضلّوا وأضلّوا جميع من تبعهم من المغفَّلين بحجج واهية ومغالطات عظيمة، قد استهوتهم شعاراتهم البرّاقة.
وهؤلاء الكذّابون قد سبقهم جمع كثير ممَّن شاكلهم، وهو برهان واضح على صحَّة ما أخبر به أهل البيت عليهم السلام وحذَّروا شيعتهم من ظهور الكذّابين والدجّالين في زمان الغيبة الكبرى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتَّى يخرج نحو من ستّين كذّابا كلّهم يقول: أنا نبيّ)(41)، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (... ويخرج دجّال من دجلة البصـرة، وليس منّي، وهو مقدَّمة الدجّالين كلّهم)(42)، وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: (لا يخرج القائم حتَّى يخرج اثنا عشـر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه)(43).
ثالثاً: سياسات الدولة والترويج للمنحرفين:
الترويج من قِبَل الدولة والسياسة العامَّة، ففي بعض الأحيان تقتضـي سياسة الدول أن تلقي بين المجتمعات الإيمانية بعض الفتن لتصل إلى مآربها بسهولة، من قبيل تفتيت الوحدة الاجتماعية فيصبح لكلِّ شخصين أو أكثر حزب، وبالتالي يجتمعون تحت عنوان الكتل وما شاكل ذلك، بل حتَّى لو لم تروِّج الدولة له، ولكنَّها بمجرَّد فسح المجال وعدم الوقوف أمامه، تكون قد روَّجت له أو سمحت بالترويج له.
وهذا ما يلمسه المتصفّح لتاريخ جعفر الكذّاب وما لعبه من دورٍ مخزٍ في زمان الإمام العسكري عليه السلام، واشتدَّ دوره السلبي بعد رحيل الإمام العسكري عليه السلام، حيث دعمته الحكومة العبّاسية بقوَّة وروَّجت لإمامته، بل تعرَّضت الدولة بسوء لكلِّ من قال بإمامة الإمام المهدي عليه السلام وأنَّه حيٌّ(44).
رابعاً: انعدام الناصح:
انعدام الوجود الفاعل للناصح الشفيق في المجتمع.
فإنَّ المجتمع كما فيه الجاهل فيه أيضاً العالم المتفهِّم العارف بأهل زمانه(45)، فعندما تظهر البدع والخرافات في المجتمع، ويبدأ الهجوم على الدين من كلِّ جانب وبكلِّ وسيلة، والناس حيارى لا يقدرون على شـيء، والناصح الشفيق العالم لا يبدي أيّ وقفة جادَّة، لإرشاد من تسمَّمت أفكاره، أو هو في طريقه إلى الانجراف وراء الصيحات المقصودة، فإنَّ ذلك ممَّا يساعد على نموِّ التزلزل الفكري عند أبناء المجتمع، ومن هنا نجد أهل البيت عليهم السلام يُحرِّكون العلماء الناصحين للوقوف أمام البدع، كما ورد في رواية يونس بن عبد الرحمن الذي هو أحد أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام، وما حدث بعد رحيل الإمام الكاظم من الوقف وإنكار إمامة ابنه عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، قال يونس بن عبد الرحمن: (مات أبو الحسن عليه السلام وليس من قوّامه أحد إلَّا وعنده المال الكثير، فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند عليّ بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار)، قال: (فلمَّا رأيت ذلك وتبيَّن الحقُّ وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما علمت، تكلَّمت ودعوت الناس إليه)، قال: (فبعثا إليَّ وقالا لي: ما يدعوك إلى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك، وضمنا لي عشـرة الآف دينار، وقالا لي: كف، فأبيت وقلت لهم: إنّا روينا عن الصادقين عليهم السلام أنَّهم قالوا: (إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يُظهِر علمه، فإن لم يفعل سُلِبَ منه نور الإيمان)، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كلِّ حالٍ، فناصباني واضمرا لي العداوة)(46).
المبحث الثالث
علاج النتائج السلبية للهزّات الفكرية
تقدَّمت الإشارة إلى أنَّ الهزّات الفكرية تُخلِّف وراءها ارتجاجات فكرية، وهذه الارتجاجات تارةً تكون إيجابية نافعة، فتكون الهزَّة كناقوس خطر قد أيقظ العقل من رقدته، فيبعثه ويُحرِّكه نحو البحث والتحقيق عن حلٍّ لما يطرأ عليه من الشبهات، وبعد مدَّة تجده يحلُّ كلَّ تلك الشبهات ويكتشف مكامن الخطأ فيها، فيقوى اعتقاده أكثر بالقضيَّة المهدوية ويشتدّ، فيكون مصداقاً لما يقال: (رُبَّ ضارَّة نافعة).
ومثل هذا المورد خارج عن إطار هذا المبحث، إذ من كان حاله كذلك لا يحتاج إلى علاج أبداً، بل لعلَّه حكيم نلجأ إليه في علاج بعض الأُمور.
وأُخرى تكون سلبية قد تؤدّي إلى الانحراف التامّ والتراجع عن العقيدة من الأساس، كما حصل لأحمد الكاتب والشيخ المؤيَّد الذي وصلت به الحال أن يترك الحقَّ الصـريح ويلجأ إلى مذهب اصطنعته يد الاستعمار لا يمتُّ إلى دين الله بصلة، وقد تؤدّي إلى انحراف جزئي لبعض الأُمور، وقد تؤدّي إلى قبوله بدعة من البدع، وغير ذلك، فعلينا أن نقف أمام كلَّ النتائج السلبية التي تفرزها الزلازل الفكرية، وأن نجعل لها حلولاً يُنتَفع بها، حتَّى نكون قد أسهمنا في إنقاذ من ضعف عن مقارعة تلك الهجمة التي أردته صريعاً، وهذا هو محلُّ بحثنا هنا.
وعليه نقول: إنَّ العلاج لمن ابتلي بالفيروس الفكري يتمُّ على مرحلتين:
الأُولى: اكتشافية تشخيصية.
والثانية: ترخيصه باستعمال ما يناسبه من العلاج.
المرحلة الأولى:
إنَّ العقل البشـري فيه نوع أوامر يمكن أن نطلق عليها أوامر فطرية.
مثلاً إذا جاع الإنسان فإنَّ عقله واحساسه يُحرِّكه نحو طلب الطعام، وليس المحرِّك هو الجوع وحده، وإلَّا لتحرَّك النائم الجائع لطلب الطعام أيضاً، أو لأكل كلّ ما يجده أمامه ولو كان من علف الحيوان، لعدم تمييز الجوع، إذن للعقل دخل في طلب الحاجة الملائمة له، وكذلك في العطشان وطلبه للماء، وكذلك في تحريك الإنسان نحو مأواه بعد الخروج عنه، والمرض كذلك يُحتِّم على الإنسان مراجعة من هو عارف به، ومن هذا الباب فإنَّ العقل يُحتِّم على من أُصيب بسهام التشكيك أن يراجع المتخصِّص بذلك، وهذه أوَّل خطوة يجب عليه القيام بها.
والمراد بالمتخصِّص هنا هو: العالم العامل المتخصِّص في العقيدة وأُصول الدين بنحو عامٍّ، أو المتخصِّص بالقضيَّة المهدوية بنحو خاصٍّ، ذو الصدر الرحب الذي له قابلية استيعاب المصابين بالهزَّة دون ملل ولا كلل، والذي يؤمن بقول أهل البيت عليهم السلام: (زكاة العلم أن تُعلِّمه عباد الله)(47)، وقول الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: (قرأت في كتاب عليّ عليه السلام: إنَّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم حتَّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال، لأنَّ العلم كان قبل الجهل)(48).
وعليه فالمتخصِّص الذي نريده في المقام ليس طالباً مبتدءاً في الدراسة الحوزوية، بل هو من يكون على أقلّ التقادير قد أنهى دراسة السطوح العليا من سُلَّم دروس الحوزة العلمية المباركة وتخصَّص بالقضيَّة المهدوية، وإذا كان مجتهداً عالماً فاضلاً ومتخصِّصاً كانت النتائج أدقّ والعلاج أنجع.
فالعقل إذن يُحتِّم على الإنسان أن يرجع إلى متخصِّص ليعالجه ويُخلِّصه ممَّا هو فيه، ومن الواضح أنَّ هذا يكون في حالة توجّه الإنسان لما حلَّ به بعد تلك الهزَّة فيراجع ليعالج نفسه، وأمَّا من لم يتوجَّه إلى تلك الآثار فلم يراجع، أو توجَّه إليها ولكنَّه حسبها أُموراً صحيحة لا ضير فيها فلم يراجع، أو غير ذلك من الأسباب التي منعته، فلا نتصوَّر منه حركة نحو العلاج، وعلى كلِّ حالٍ فلا بدَّ على المتخصِّصين(49) من إبراز المشكلة وتشخيص الحالة وطرح العلاج، من خلال الطرق التالية:
أوَّلاً: عقد الندوات العامَّة، وبيان الموضوع بشكله الجليّ، ومن جميع اتِّجاهاته وأبعاده، وفسح المجال للسؤال والجواب بشكل واسع، ولا بدَّ من تكرار تلك الندوات وفي مناطق مختلفة وخصوصاً في المناطق التي شُخِّصت فيها الإصابة أو المناطق المشكوك بإصابتها، ومحاولة استقطاب أكبر عدد ممكن من سكّان تلك المناطق، وعلى الخصوص الطبقة المثقَّفة منهم وعلى الأخصّ طلّاب الحوزة في تلك المناطق إن وُجدوا، وتشويقهم لحضور مثل هذه الندوات وبذل بعض المرغّبات، مثل إكرام الحاضرين بمنتهى الأخلاق الحسنة، وبذل الطعام، وحسن ضيافة الحضور، وإعطاء بعض الهدايا، وتوزيع بعض الكتب المتعلّقة بالموضوع، وغير ذلك.
ثانياً: إجراء المسابقات العامَّة حول القضيَّة التي نريد علاجها على مستويات مختلفة ولطبقات مختلفة، وفي مناسبات مختلفة كليالي شهر رمضان، أو أيّام المناسبات الدينية، ولا يُشتَرط في المسابقة لابدّية الحضور أو الكون في مكانٍ خاصٍّ الأمر الذي يؤدّي إلى قلَّة عدد المشاركين أو يتحدَّد بهم ، بل من الممكن إجراؤها عبر كتابة أسئلة المسابقة وعناوينها في أوراق وتكثيرها ونشـرها بين الناس، وأيضاً يمكن استخدام الانترنت وكذلك يمكن استخدام الراديو والتلفزيون، فضلاً عن إعطاء جوائز للفائزين ترغيباً لهم وشحذاً لهممهم.
ولا يفوتني ذكر ما للندوة والمسابقة من فوائد عظيمة جدّاً، كالاحتكاك المباشر مع مشاكل الناس، ومحاولة النفوذ إلى قلوبهم، والأهمّ من ذلك الذي يعنينا في المقام هو: تشخيص المصابين بمرض الهزَّة المراد علاجها، وتشخيص ذوي الخبرة المنتشـرين في المناطق المختلفة والاستفادة منهم بنحو من الأنحاء، وهذا أمر مهمّ للغاية.
ثالثاً: التثقيف لبيان الهزّات التي يتعرَّض لها الناس، وبيانها وما يتعلَّق بها من حلول عبر قناة المنبر الحسيني المبارك، الذي ما زال يُربّي الأجيال ويُغذّيهم ببركة علم آل محمّد عليهم السلام، ولا يخفى ما للمنبر والخطابة من أثر سريع وواسع بين الأوساط الإيمانية، فمن الممكن اختصار الزمن والكلفة من خلال إقامة المجالس وطرح مقتضيات الساعة فيها.
رابعاً: الكتابة في الصحف والمجلّات، فإنَّ من الطرق المهمَّة جدّاً في التوعية هي المكتوبات الصحفية والمجلّاتية، فمن الممكن أن يُستَخدم هذا الطريق في الكشف عن مشكلات الهزّات والمبتلين بها كي يتسنّى لهم المراجعة والعلاج.
* * *
ثمّ إنَّ أوَّل مهمَّة يقوم بها المتخصِّص هي: تشخيص الشبهة والسبب الذي أدّى بمن يعالج إلى هذه النتيجة، وهذه المهمَّة قد تكون صعبة شيئاً ما إلَّا أنَّها تسهم في اختصار وقت العلاج ونوعه، وقد بيَّنا جملة من الشبهات وعدَّة من الأسباب الداخلية والخارجية التي تُؤثِّر سلباً على بعض الناس.
والمهمَّة الثانية أن يكتشف هذا الحكيم أهمّ الثوابت الاعتقادية عند المصاب الذي يراجع أو من ابتلى بالهزة، وبعد أن يُشخِّص ذلك يُفهِم مريضه تلك الثوابت بشكل هادئ وسلس ليصل معه من خلالها إلى العلاج التامّ.
المرحلة الثانية:
ثمّ بعد تشخيص أساس المشكلة التي وقع فيها المصاب، وفي أيِّ الشبهات أو الأسباب المتقدِّمة أو غيرها ارتطم حتَّى وصل إلى التشكيك، فإنَّه يمكن طرح علاج خاصّ لكلِّ سبب وشبهة على حدة، وهو كالتالي:
أوَّلاً: فإن كانت مشكلته في أصل الشبهات والتشكيكات المتقدِّمة في المبحث الأوَّل، فقد أجبنا عنها، فعند المراجعة يتَّضح حال تلك الشبهات وترتفع بأدنى تأمّل.
ثانياً: وإن كانت مشكلته في الأسباب الداخلية، فعلاجها كالتالي:
1 - إن كان مبتلى بالتعنجه الفكري والجهل المركَّب، فإنَّه يُرشَد إلى قضيَّة لا شكَّ فيها، وهي أنَّه (ليس لأحدٍ أن يدَّعي العلم والفكر الصائب دائماً إلَّا المعصوم)، وكما ورد في قوله تعالى: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (يوسف: 76)، ثمّ يُنبَّه على قضايا مهمَّة جدّاً من الممكن أن تسهم في تهشيم أساس العنجهية المهلكة، ومنها:
أ - التواضع، وكفى بالتواضع منقبة تقود صاحبها إلى جنان الخلد، قال الله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرضِ وَلا فَساداً) (القصص: 83)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (التواضع لا يزيد العبد إلَّا رفعةً، فتواضعوا يرفعكم الله)(50).
وقد يتصوَّر القارئ في بادئ الأمر أنَّ التواضع لا يقع إلَّا في المعاملة مع الناس فقط، ولكن هذا التصوّر غير تامٍّ، إذ نجد مواضع عديدة يلزم فيها التواضع وهي ليست من المعاملة، مثل التواضع في المشـي(51)، والتواضع في الأكل(52) فباب التواضع واسع لا تحدّه المعاملة، فهو شامل للفكر أيضاً، فعلى الإنسان أن يُدرك قدره وأنَّه فقير إلى الله أوَّلاً وبالذات، وفقير لما حوله ثانياً وبالعرض، فعلينا أن نعترف بالنقص حتَّى في أفكارنا، لأنَّ الكمال المطلق هو لله تعالى وحده.
ب - قبول النقد، فإنَّ الاستبداد بالرأي هو أحد عوامل الهلاك والاصطدام بما لا تُحمَد عقباه، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (من استبدَّ برأيه هلك)(53)، فواحدة من الأُمور التي تبني كيان التعنجه هو الاستبداد والتفرّد بالرأي ولو كان خاطئاً، فعلى الإنسان أن لا يستبدَّ برأيه، بل عليه أن يقبل النصيحة والمشورة، وما من فكرة تجول في خاطر الإنسان إلَّا وهي معرَّضة للنقد، فقد تكون الفكرة صائبة والنقد خطأً، وقد تكون الفكرة خطأً والنقد صواباً.
ج - عرض قضايا خاطئة تشابه ما وقع به من الخطأ وإقراره بها، ثمّ يبدأ معه بصورة غير مباشرة لإيقافه على أخطائه، ثمّ اعترافه بها، ثمّ تصحيح أفكاره الخاطئة.
ومثل هذا الشخص لا يُترَك من خلال جلسة واحدة، بل لا بدَّ من التركيز عليه والارتباط به كصديق، حتَّى يخرج من تلك الحالة وإرجاع حالة الثبات إلى فكره.
ثالثاً: وإن كانت المشكلة تكمن في عدم رسوخ العقيدة من أوَّل المشوار، فلابدَّ أن نقف عند العقيدة المتزلزلة، لنرى أنَّ المشكلة هل هي في أصل الإمامة بحيث لم تثبت عنده بنحو قطعي وثابت، أم هي في إمامة الإمام المهدي عليه السلام فقط، أم لا في هذا ولا في ذلك وإنَّما في شيء ثالث وهو أحد تفاصيل القضيَّة المهدوية وأخذ يسرّيه على البقيَّة، فلكلِّ واحدٍ من هذه الأُمور جوابه الخاصّ به:
أ - إن كان أصل الإمامة غير ثابت بنحو الرسوخ القطعي الجازم، فنقول له: إنَّ الأدلَّة على الإمامة كثيرة جدّاً عقلية ونقلية، فهي لطف كالنبوَّة، وقد نصَّ عليها الكتاب في عدَّة آيات، منها: (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (البقرة: 124)، ومنها: (يا أَيـُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (المائدة: 67)، ومنها: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (المائدة: 55)، ونصَّت السُّنَّة على ذلك بروايات كثيرة وفيرة متواترة بألسنةٍ مختلفة وفي مواقف متفرِّقة ذكرها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ونقلها الصحابة وأهل البيت عليهم السلام، مثل حديث الدار، وحديث الثقلين، وحديث الغدير، بل والتصـريح في النصِّ على أنَّ الأئمَّة اثنا عشـر وذكرهم النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم، وهذه النصوص لا توجد إلَّا على أئمَّة أهل البيت عليهم السلام.
ب - وإن كان اعتقاده بالإمام المهدي عليه السلام غير ثابت، فإنَّ الجواب المتقدِّم كافٍ للجواب هنا، بالإضافة إلى ما ورد في الإمام المهدي عليه السلام عن الخاصَّة والعامَّة من النصوص التي فاقت وتجاوزت حدَّ التواتر، ثمّ إنَّ ما أُلِّفَ وكُتِبَ في الإمام المهدي عليه السلام من الكتب التي تناولت قضيَّة الإمام المهدي عليه السلام من جهات متعدِّدة، فإنَّها كافية في إرشاد القارئ إلى ما يحصل له منه القطع باعتقاده بالإمام المهدي عليه السلام.
ج - وإن كان سرُّه كامناً في القضايا الأُخرى ومتعلّقات وتفاصيل القضيَّة المهدوية، من قبيل الدجّال، أو السفياني، أو الصيحة، أو بعض علامات الظهور الأُخرى، أو ما يتعلَّق بأنصار الإمام عليه السلام، أو غير ذلك، فإنَّ علاجه يكون في فهم القضيَّة التالية: وهي أنَّ قضيَّة الإمام المهدي عليه السلام وما يتعلَّق بها هي من الإيمان بالغيب، وليس لنا رفض كلَّ النصوص الكثيرة جدّاً الواردة في ذكر تلك التفاصيل، لأنَّ الطريق الوحيد لنا في قراءة الماضي والمستقبل هو من خلال هذه النصوص، ومن خلال البحث والتنقيب عن تفصيلات القضيَّة المهدوية يرتفع كلُّ ريب.
رابعاً: وإن كانت مشكلته في عدم الاطِّلاع على التفاصيل المهدوية، فيكفيه التوجّه إلى الجواب المتقدِّم في النقطة الثالثة، والتي تحدَّثنا فيها عن آلية إزالة عدم رسوخ العقيدة أو بعض تفاصيلها.
خامساً: وإن كان هو الميل إلى الدنيا وأهلها، فعلاجه أن يُرشَد إلى أنَّ القرآن ذمَّ الدنيا في آيات كثيرة، وأنَّها (مَتاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران: 185)، وفي الروايات: (حبُّ الدنيا رأس كلّ خطيئة)(54)، ثمّ يُستَدرج شيئاً فشيئاً بجلسات متعدِّدة حتَّى يتمكَّن من خلع ربقة عبوديته للدنيا والرجوع إلى الله تعالى، وعليه بزيارة القبور والاتِّعاض بالموت وكفى به زاجراً.
سادساً: وإن كان هو انطلاء بعض المغالطات الواهية عليه ممَّا لم يستطع الوقوف أمامها، فعليه بالرجوع إلى أصحاب الاختصاص، فإنَّ أهل مكّة أدرى بشعابها، وليكثر السؤال عنها حتَّى يصل إلى نتائج قطعية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حسن السؤال نصف العلم)(55).
سابعاً: وإن كانت مشكلته في الأسباب الخارجية فإنَّ أهمّ ما يمكن أن يُعالَج به الواقع الخارجي هو: العالم والناصح الشفيق، المتمثِّل بمقام مبلغ الإسلام وعلمائه، والتأكيد على نشـر الناصح الشفيق، الذي يعكس صورة ناصعة عن الإسلام وعن حوزة أهل البيت عليهم السلام، بين الناس بإقامة المجالس والندوات والمحاضرات الخاصَّة، وتحريك الشباب بالسؤال والجواب وما شاكل ذلك، فإنَّنا لو وفقنا في نشـر المخلصين في بيئات مختلفة لاستطعنا ضـرب عدَّة أهداف بسهم واحد، فمن خلالهم نستطيع أن نوقف المبتدعين عند حدِّهم، بل ويمكننا قلع العثَّة التي تريد نخر العقيدة، وهم المغرضون والمنحرفون أمثال الهنبوشي، ومن خلالهم يمكننا بيان زيف كثير من السياسات الباطلة، وهكذا.
ولا بدَّ أن نلتفت إلى أنَّ هذا الأمر وهو الحفاظ على أبناء المجتمع والتصدّي للمبتدعين والوقوف أمام الهزّات الفكرية وظيفة إلهية مقدَّسة ومهمَّة جدّاً وخطرة في نفس الوقت، لا بدَّ فيها من تظافر الجهود ومن الأخلاص في العمل وجعل الهدف هو الله تعالى، ولا بدَّ أن يُدار من خلال مؤسَّسة نزيهة تُدار من خلال أشخاص نزيهين، وأن نؤسِّس مؤسَّسة متحرِّكة متنقّلة نبعثها في المناطق الساخنة فكرياً، ولا بدَّ أن تكون مسندة بالمال والحصانة الأمنية، تعمل على إرجاع الناس إلى الله تعالى وربطهم بمدبِّر الأُمور، واللجوء إليه بالدعاء الخاصّ في الغيبة الكبرى كما علَّمنا الأئمَّة عليهم السلام، وتعزيز الارتباط بالإمام صاحب الزمان عليه السلام، بنشـر الثقافة المهدوية بين أفراد المجتمع، من قبيل نشـر الكتب المتعلّقة بحياة الإمام الحجَّة عليه السلام وتفاصيل نهضته المباركة، وإقامة الأدعية والتوسّلات به عليه السلام إلى الله تعالى، وما شاكل ذلك.
النتيجة:
إنَّ الله تعالى قد ابتلانا بغيبة إمامنا الذي حُرِمنا من الاستفادة منه جهاراً كما تمتَّع الذين سبقونا بحضور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وباقي الأئمَّة عليهم السلام، وبعد هذا كلّه أمامنا أعداء يتربَّصون بنا الدوائر، ويحوكون لنا المصائد، ليصدّونا عمَّا نحن عليه، محاولين إلقاء الشبهات حول القضيَّة المهدوية من قبيل التشكيك في ولادته أصلاً، أو عدم بقائه على قيد الحياة، أو صنعهم لبعض الكذّابين ودعمهم بالمال، وغير ذلك، فلا بدَّ أن نكون واعين، وأن ننظر في أنفسنا فترة بعد أُخرى لئلَّا ننزلق في مزالق المبطلين، ونبتلي بالهزّات الفكرية التي لها مناشئ داخلية كـ (التعنجه الفكري، أو عدم رسوخ العقيدة، أو عدم الاطِّلاع على تفاصيلها، أو بساطة الشخصية وسذاجتها، أو الميل إلى الدنيا وأهلها)، ولها مناشئ خارجية كـ (وجود البيئة الملوَّثة، أو ظهور الكذّابين، أو سياسة تقتضـي ذلك، بالإضافة إلى انعدام الناصح)، فعلينا أن نُحوِّل هذه الأُمور من خلال علاجها إلى نتائج إيجابية ونصـرعها قبل أن تصـرعنا وتتحوَّل إلى نتائج سلبية، ولو صرعتنا فنحاول جهد الإمكان أن لا نستسلم لها، بمراجعة أهل الاختصاص والدين لحلِّ ما ألمَّ بنا من الشكوك.
مصادر البحث:
1 - القرآن الكريم.
2 - الإمامة والتبصـرة: ابن بابويه القمّي/ ت مدرسة الإمام المهدي عليه السلام/ قم المقدَّسة.
3 - الأمالي: الشيخ المفيد/ ت حسين استادولي، وعليّ أكبر الغفاري/ مط إسلاميَّة/ جامعة المدرِّسين في الحوزة العلمية بقم المقدَّسة.
4 - الأمالي: الشيخ الطوسي/ ت مؤسَّسة البعثة/ ط 1/ 1414هـ/ دار الثاقفة/ قم المقدَّسة.
5 - بصائر الدرجات: محمّد بن الحسن الصفّار/ ت ميرزا محسن كوجه باغي/ ط 1404هـ/ مط الأحمدي/ مؤسَّسة الأعلمي/ طهران.
6 - بحار الأنوار: محمّد باقر المجلسـي/ ط 2/ 1403هـ/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.
7 - الخرائج والجرائح: قطب الدين الراوندي/ ت مدرسة الإمام المهدي عليه السلام/ قم المقدَّسة.
8 - دلائل الإمامة: الطبري (الشيعي)/ ط1/ 1413هـ/ مؤسَّسة البعثة/ قم.
9 - روضة الواعظين: محمّد بن الفتال النيسابوري/ ت محمّد مهدي الخرسان/ منشورات الشريف الرضي/ قم المقدَّسة.
10 - سنن النسائي: أحمد بن شعبة النسائي/ ط 1/ 1348هـ/نشر دار الفكر/ بيروت.
11 - علل الشـرائع: الشيخ الصدوق/ ط 1386هـ/ المطبعة الحيدرية في النجف.
12 - الغيبة: النعماني/ تحقيق عليّ أكبر الغفاري/ طبع ونشر مكتبة الصدوق/ طهران.
14 - كنز العمّال: المتَّقي الهندي/ ت بكري حيّاني والشيخ صفوة السقّا/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت لبنان.
15 - الكافي: الكليني/ ت عليّ أكبر الغفاري/ ط 3/ 1388هـ/ مط حيدري/ دار الكتب الإسلاميَّة.
16 - المسائل العشـر في الغيبة: الشيخ المفيد/ ت فارس الحسّون/ مركز الأبحاث العقائدية/ قم.
17 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ طبع ونشر دار صادر/ بيروت.
18 - من لا يحضـره الفقيه: الشيخ الصدوق/ ت عليّ أكبر الغفاري/ ط 2/ 1404هـ/ جامعة المدرِّسين بقم المقدَّسة.
19 - مجمع الزوائد: الهيثمي/ ط 1408هـ/ نشر دار الكتب العلمية/ بيروت.
20 - المنطق: محمّد رضا المظفَّر/ ط 1400هـ/ نشر دار التعارف/ بيروت.
21 - نهج البلاغة: الشـريف الرضي/ نسخة المعجم المفهرس/ مؤسَّسة النشـر الإسلامي التابعة لجامعة المدرِّسين بقم المقدَّسة.
الهوامش:
(1) الإمامة والتبصرة: 25/ ح 2.
(2) الإمامة والتبصرة: 25/ ح 3.
(3) بصائر الدرجات: 433/ ح 3؛ مسند أحمد 3: 14؛ كنز العمّال 1: 172/ ح 872.
(4) من لا يحضره الفقيه 2: 609 - 613/ ح 3213.
(6) سنن النسائي 1: 93؛ وروى قريباً منه الهيثمي في مجمع الزوائد 10: 66، عن أنس.
(7) الغيبة للنعماني: 208/ ح 15.
(8) أمالي الطوسي: 484 و485/ ح (1060/29).
(9) الكافي 2: 47/ ح 1.
(10) محاضرات في الإلهيات (المختصر): 565؛ وأشار إليه المازندراني في شرح أُصول الكافي 1: 306.
(11) محاضرات في الإلهيات (المختصر): 565؛ مقدَّمة ابن خلدون: 311.
(12) فتح الباري 6: 358، وذكر المازندراني في شرح أُصول الكافي (ج 1/ ص 306) أنَّ الروايات في الإمام المهدي عليه السلام متواترة من طريق العامَّة والخاصَّة.
(13) مقدَّمة ابن خلدون: 199.
(14) مقدَّمة ابن خلدون: 311.
(15) المسائل العشر في الغيبة: 58.
(16) المسائل العشر في الغيبة: 61.
(17) منتهى الآمال 2: 559 - 561؛ إلزام الناصب 1: 286؛ منتخب الأنوار المضيئة: 31/ ح 258.
(18) الفصول العشر: 9 و10؛ الكافي 1: 330 و331/ ح 3.
(19) منتهى الآمال 2: 543.
(20) منتهى الآمال 2: 542.
(21) الكافي 1: 336/ ح 3؛ الإمامة والتبصرة: 125/ ح 125.
(22) كمال الدين وتمام النعمة: 28.
(23) الإمام المهدي: 29.
(24) الباب الحادي عشر: 52.
(25) كمال الدين وتمام النعمة: 322/ ح 4؛ الخرائج والجرائح 2: 965.
(26) كمال الدين وتمام النعمة: 357.
(27) مقدَّمة ابن خلدون: 311.
(28) كمال الدين وتمام النعمة: 537.
(29) أشار الشيخ المفيد رحمه الله إلى هذا الإشكال نقلاً عن العامَّة في كتابه (المسائل العشر: 105).
(30) الخرائج والجرائح 3: 1113 - 1115/ ح 30.
(31) راجع: الردّ القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم: 55.
(32) دلائل الإمامة: 574/ ح (528/132).
(33) المنطق للمظفر 1: 19.
(34) نهج البلاغة: 157/ الحكمة 85.
(35) الغيبة للطوسي: 434/ ح 424.
(36) نهج البلاغة: 48 و49/ الخطبة 109.
(37) مناقب آل أبي طالب 3: 248؛ كشف الغمّضة 2: 259؛ معجم البلدان 3: 118.
(38) رسول الإمام في التوراة : 10.
(39) الكافي 2: 13؛ أمالي المرتضـى 4: 2؛ شرح الأخبار 1: 190؛ صحيح البخاري 6: 20.
(40) التوظيف السياسي: 153 - 212.
(41) الغيبة للطوسي: 434/ ح 424.
(42) الملاحم والفتن: 122 و123.
(43) الغيبة للطوسي: 437/ ح 428.
(44) المسائل العشر: 61.
(45) أقول: هذا البند لم أقصد به أحداً ولم أُوجِّه كلامي لأحد أبداً، وإنَّما هو مجرَّد طرح لأحد أسباب التزلزل الفكري الخارجية فحسب.
(46) علل الشرائع 1: 235/ ح 1.
(47) الكافي 1: 41/ ح 3.
(48) الكافي 1: 41/ ح 1.
(49) انطلاقاً من وجوب تعليم الجاهل، ومن وجوب الأمر بالمعروف، ومن وجوب الدفاع عن الدين وأهله والوقوف أمام البدع.
(50) الأُصول الستَّة عشر: 76 و77.
(51) نهج البلاغة: 95/ الخطبة 193.
(52) المحاسن 2: 409/ ح 133.
(53) نهج البلاغة: 166/ الحكمة 161.
(54) الكافي 2: 130 و131/ ح 11.
(55) بحار الأنوار 1: 224/ ح 14.