قراءة معاصرة للنصِّ المهدوي
قراءة معاصرة للنصِّ المهدوي
حسن هادي سلمان النجفي
مقدَّمة:
من المعروف أنَّ النصوص المقدَّسة - سواء أكانت نصّاً إلهياً أو نبوياً أو إمامياً - تمتاز بوفرة دلالية وقوَّة تفسيرية من شأنها الإحالة إلى كثرة (مفتوحة) من القراءات، وبالرغم من ذلك فقد دعت بعض المذاهب والتيّارات عبر التاريخ وخاصَّة في الإسلام إلى الجمود على حرفية النصِّ ومحاولة فهمه على منوال فهم المتقدِّمين.
وفي هذا الصدد يمكننا الإشارة إلى وجود تيّارين أو اتِّجاهين: الأوَّل تقليدي يتبنّى أُطروحة (العود إلى الأُصول) ويطالب بتطبيق حرفي للنصِّ، والاتِّجاه الآخر (حداثوي) يطمح إلى التوفيق بين النصِّ التراثي والحضارة الراهنة طبقاً لمناهج جديدة ظهرت خلال القرنين المنصرمين وخاصَّة في النصف الأخير من القرن العشرين. وتهدف تلك المناهج إلى إعادة قراءة النصوص التأسيسية للحضارات الراقية - وخاصَّة النصوص الأدبية والفلسفية - وبنحو أقلّ الدينية. وقد دشَّن المستشرقون - عبر دراساتهم الفيلولوجية للقرآن الكريم والحديث الشريف - هذا الاتِّجاه إسلاميّاً، ولكن بدا جليّاً لنقّاد الاستشراق أنَّ وراء تلك الدراسات أغراضاً إيديولوجية، غايتها جعل الحضارة الإسلاميَّة - بجميع تمثّلاتها ومفاصلها - تابعاً من توابع الحضارة الغربية(1).
وبعد انحسار هذه الظاهرة - الاستشراق - بوفاة كبار مستشرقي القرن العشرين - وخاصَّة الفرنسي لويس ماسينيون(2) والألماني كارل بروكلمان(3) - وانبثاق عصر البنيوية مع عالم الألسنيات السويسري فردينان دي سوسير(4)، قلَّ الاهتمام بالتراث وإعادة قراءته عقوداً من الزمن، وتبنّى كثير من المفكّرين دعوة عالم الأبستيمولوجيا الفرنسي غاستون باشلار(5) للقطيعة مع التراث(6). ثمّ ما فتئت أن لفظت البنيوية آخر أنفاسها مع صعود نجم مفكّرين وألسنيين كبار جعلوا منها موضوعاً للنقد والتحليل مثل ميشيل فوكو(7) وجاك دريدا(8) وظهور المدرسة التفكيكية(9)، وأقبل بعض المفكّرين العرب والمسلمين على تبنّي المنهج التفكيكي وأدخلوه في عدد من بحوثهم النقدية، وخطا بعضهم فيه شوطاً مبالغاً فيه، فطغت عليه نزعة (التفكيك لأجل التفكيك)، وتمَّت التضحية بالحقيقة لصالح نوع من العبث اللغوي والتلاعب بالألفاظ.
إنَّ الاتِّجاه الثاني يدعو إلى إعادة قراءة النصِّ وتوظيف مبدأ الاجتهاد (استفراغ الوسع في الفهم والاستنباط) في تحقيق التوفيق والمصالحة بين القديم والجديد، ما يتيح للمسلم المعاصر الخروج من المأزق الذي وُضِعَ فيه نتيجة لبعده عن عصر النصِّ أو عن زمن التشريع.
غير أنَّ الدعوة إلى قراءة جديدة للنصِّ الديني ربَّما تتسبَّب في انبثاق إشكالية كبرى يمكن إيجازها بالسؤال التالي: ما هي الآليات والأساليب الكفيلة بجعل النصِّ مطواعاً لفهم أوسع بحيث يستوعب الأزمنة الثلاثة من دون أن يترتَّب على قراءاته التالية تعارض مع القراءة الأُولى التي كانت سائدة في زمان صدوره؟
وبعبارة أُخرى: ما هي الوسائل المنهجية أو الموضوعية التي ينبغي اتِّباعها واستعمالها لتحقيق قراءة جديدة تستبقي روح النصِّ وقداسته من جهة، وتكون ملائمة للعصر الراهن ومتطلّباته من جهة أُخرى؟
ربَّما لا نعثر في المناهج المتداولة اليوم والمعتمدة في فهم النصِّ الديني منهجاً يقوم بمعالجة الإشكالية المشار إليها بشكل نهائي، فالمناهج المطبَّقة من قِبَل أنصار الاتِّجاه الثاني الداعي إلى فهم النصِّ في ضوء التغيّرات المعاصرة لا ترقى إلى مستوى الحدِّ من الحضور الواسع للاتِّجاه الأوَّل (العود إلى حرفية النصِّ) في الأوساط الاجتماعية الإسلاميَّة، بل الكفَّة ربَّما تميل لصالح هذا الاتِّجاه، لاسيّما في ظلِّ ركاكة بعض المناهج المستعملة من قِبَل أصحاب الاتِّجاه الآخر (إعادة القراءة). ولعلَّ هذا بالتحديد هو السبب الذي يُفسِّر لنا انتشار الحركات السلفية والمتطرِّفة وازدهارها بين العامَّة في العصر الحاضر. ولعلَّه أيضاً السبب في حصول الاستقطاب بين معسكرين متصارعين في العالم الإسلامي الراهن، يميل أحدهما إلى تطبيق حرفية النصوص واعتبار الجديد بدعة تستدعي الخروج عن الدين، ويميل الآخر إلى محاولة فهم النصِّ بعقلية متفتِّحة تستوعب الجديد وتربطه بالنصِّ ولو من خلال التفسير والتأويل أو التفكيك والتحليل.
سوف نحاول في هذا البحث اقتراح منهج جديد لقراءة النصوص أو إعادة قراءتها في ضوء علم الاستعمال (10) (praxématique) الذي وضعه المفكّر وعالم اللغة الفرنسي روبير لافونت (11) (Robert Layont)، وهي المحاولة الأُولى في حدود اطِّلاعي لتطبيق هذا المنهج على الحديث الشريف. فالبراكسيماتيك هو أحد فروع تحليل الخطاب في علم الألسنيات المعاصر، وتعريفه باختصار: علم الاستعمال - لا يخفى أنَّ الدراسات المتقدِّمة من علماء الشيعة الأُصوليين اهتمَّت بهذا العلم أيّما اهتمام وأفردته تحت عنوان مستقلٍّ، وهو ما يُعرَف في زماننا بعلم أُصول الفقه وضع القوانين المتكفِّلة بضبط قراءة النصِّ الديني ضمن آليات محدَّدة مستدلٌّ عليها - وإنتاج المعنى انطلاقاً من النصوص. وعلى ضوئه يُعتَبر النصّ الأصلي مجالاً رحباً لقراءات متعدِّدة تتناسب مع تفاوت الأفهام والقابليات واختلاف العصور، فالمعنى في النصِّ ليس معطىً ثابتاً أو جامداً أو نهائياً، بل هو معطى مرن قابل للتطويع والحركة.
ولكون ميدان (النصّ الديني) واسعاً وله مصاديق كثيرة متداخلة فسوف نقتصر في تطبيق المنهج المقترح على النصِّ المهدوي، ونعده أُنموذجاً معاصراً لدراسة النصِّ الديني بشكل عامّ، والغرض من البحث هو إيجاد إمكانات جديدة وغير مطروقة لدراسة هذا النصّ وبيان خصائصه ومميِّزاته. وهذا البحث جزء من مشروع شامل اشتغلنا عليه قبل بضعة سنوات وتمَّ تتويجه بنيل شهادة الماجستير(12) في علم تحليل الخطاب.
النصّ الديني متعدّد الطبقات والوجوه:
انطلاقاً من الأحاديث المرويَّة عن بعض أئمَّة أهل البيت عليهم السلام، والتي تُعطي للحديث المروي عنهم نفس السلطات والخصوصيات الثابتة للنصِّ القرآني(13)، فإنَّ دراسة الحديث تقترب كثيراً من دراسة القرآن الكريم، وقد أثبتنا - في رسالتنا للماجستير - أنَّ أفضل المناهج لدراسة النصِّ القرآني منهجٌ يأخذ بعين الاعتبار العمق الدلالي المختبئ وراء العبارة (الباطن)، ولا يغفل أيضاً عن الاحتمالات والوجوه التي تُفهَم من الظاهر. وأكَّدنا بالخصوص على منهجين معاصرين: الأوَّل هو منهج تأويل النصوص (الهيرومنطيقا)(14)، والثاني هو علم الاستعمال (البراكسيماتيك)، فإنَّهما بحسب رأينا من أفضل المناهج لدراسة القرآن الكريم، ويمتاز البراكسيماتيك عن الهيرومنطيقا بمرونة على صعيد فهم النصوص وإنتاج معانيها في ضوء تحليل عناصر النصِّ الداخلية وظروف إنتاجه الخارجية، ما يجعله مؤهَّلاً ربَّما أكثر من سائر المناهج المعاصرة للاصطفاف إلى جانب نظائره التراثية المستعملة حتَّى الآن في فهم ومعالجة النصِّ القرآني خاصَّة، والنصِّ الديني عامَّة. ولمَّا كان الحديث يجري مجرى القرآن، وكان القرآن فيه ظاهر وباطن وخاصّ وعامّ ومجمل ومبيَّن ومحكم ومتشابه، فالحديث ينبغي أن يكون كذلك، وهذا ما تشير إليه طائفة من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام.
إنَّ مرونة النصِّ المهدوي وقابليته للقراءة المتعدِّدة أمر يمكن إثباته من خلال دراسة مستفيضة للأخبار، فالمحتوى الحَدَثي للروايات المهدوية يحيل إلى نمط من الفهم يأخذ في الحسبان ربط النصِّ بالواقع، فذِكْرُ الحوادث المستقبلية وملابساتها إن لم يكن بداع ربطها بالواقع لأجل الاستدلال بها على قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام، فلن تكون أكثر من مجرَّد تنبّؤات وتكهّنات. فعلامات الظهور مثلاً إن لم تكن مجعولة لإعلام الناس بحصول ذيها وهو ظهور المهدي عليه السلام بعد عصر الغيبة، فلن تختلف من حيث الشكل عن حال سائر ما وصل إلينا من التنبّؤات. ولكن لمَّا كانت تلك الأخبار من جهة المضمون مؤسَّسة على عصمة قائليها، ودائرة حول موضوع مركزي (محوري) هو ظهور الإمام المهدي عليه السلام، لا جرم أنَّها ابتعدت عن التنبّؤ والكهانة، وأضحتْ بجملتها وتفصيلها بمثابة مخطَّط استراتيجي لتحقيق وعد إلهي له ثمرة واقعية ونتيجة حتمية وهي: سيادة العدل ووراثة الصالحين، واندحار الجور والقصاص من الظالمين(15). ولولا هذا الوعد فإنَّ علامات الظهور، كما ألمحنا، لن تكون مختلفة في منطوقها ومفهومها عن تنبّؤات الكهنة كسطيح(16) ونوستراداموس(17). فما يجعل العلامات تمتاز عن سائر التنبّؤات أمران: أحدهما يُؤسِّس الخبر من حيث الصدق وهو عصمة المتكلِّم، والثاني يُحدِّد الغاية من جهة الواقع وهو تحقّق الوعد الإلهي المشار إليه في جملة من الآيات، كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105)، وكقوله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ (القصص: 5).
ويمكننا التدليل على هذه الحقيقة بافتراض التفصيل بين واقعة الظهور والوعد الإلهي، فعلامات ظهور المهدي عليه السلام لن تكون حينئذٍ مختلفة عن التنبّؤ بأحداث ستأتي وبظهور أشخاص مهمّين في المستقبل تماماً مثلما يرويه لنا أرباب التنبّؤات.
ولعلَّنا نلمح في وصف المهدي عليه السلام بالموعود ما يشير إلى تضمين الوعد الإلهي في هويَّة المهدي عليه السلام وحقيقته، بحيث لا يكون المهدي عليه السلام هو (الموعود) لولا الوعد الإلهي المشار إليه، ونعثر في الأخبار على تضمين معنى آخر في هويَّة المهدي عليه السلام وهو (الزمان)، فالمهدي عليه السلام هو صاحب الزمان لا بل هو الساعة كما تشير إلى ذلك الأخبار(18)، أي إنَّ الزمان يدخل في هويَّة المهدي عليه السلام كما تدخل الحياة في هويَّة الخضر عليه السلام، ولو رجعنا إلى بعض الأدعية التي تصف المهدي عليه السلام بأنَّه (عين الحياة)(19) لأدركنا العلَّة التي لأجلها صار المهدي عليه السلام صاحباً للزمان، ولأدركنا المبرِّر الواقعي للانتظار، فالأمر المنتظر هو الأمر المتوقَّع حصوله، لارتباطه بسبب يُرجِّح حدوثه أو وقوعه في المستقبل كوعد ممَّن ليس من شأنه خُلف وعده، وككون صاحب الأمر حيّاً حتَّى يُحقِّق غايةً أو مهمّةً لا بدَّ له من انجازها. وبملاحظة هذه المعاني ودخالتها في تحديد (هويَّة المهدي عليه السلام) يمكننا - من دون كبير مشقَّة - أن نُميِّز بين المهدي عليه السلام الحقيقي وغيره من دعاة المهدوية الذين ظهروا عبر التاريخ، بل يسعنا في وثوق تامٍّ أن نُميِّز بين الإمام المهدي عليه السلام وبين غيره ممَّن يصحُّ أن يُسمّى مهدياً كذلك، فالأئمَّة عليهم السلام كلّهم مهديّون، مع أنَّه لا يُطلَق على أحدهم وصف الموعود ولا المنتظر ولا صاحب الزمان، ما خلا الإمام الثاني عشر عليه السلام.
ويمكننا في هذا الصدد تحليل بعض المفاهيم في سياق المهدوية، كالانتظار والوراثة. أمَّا الانتظار فإنَّه في غير هذا السياق يدلُّ على ترقّب حصول أمر محبوب أو مرغوب فيه، لكن فهم الانتظار في سياق ظهور الإمام المهدي عليه السلام يتضمَّن معنى آخر، فالمنتظِر للمهدي عليه السلام لا يطلب بانتظاره تحصيل منفعة شخصية أو نيل حظّ من الحظوظ الدنيوية، بل ينتظره لأجل غاية أُخرى يمكننا حصرها في أمرين:
الأمر الأوَّل: نشر الإسلام في أصقاع المعمورة مع ما يترتَّب عليه من لازم إقامة العدل وإزالة الجور.
والأمر الثاني: نصرة المهدي عليه السلام من قواعده الجماهيرية وهم عامَّة المظلومين والمستضعفين وخاصَّة المنتظرين منهم، فلا معنى لانتظار المهدي عليه السلام من منتظره ما لم يكن هذا الأخير مستعدّاً لنصرته، أي إنَّ انتظار المهدي عليه السلام فيه اقتضاءان: اقتضاء نصرته، واقتضاء تحقّق الوعد الإلهي بظهوره، وإلَّا لصار انتظاره عبثاً، فالمرتقب لأمر محتمل وليس حتمي الوقوع (في مدَّة أقصاها فترة عمره) لا يقال له: منتظِراً إلَّا على سبيل المسامحة، والأقرب إلى وصفه في مثل هذه الحالة بالراجي والآمل، وليس المنتظِر.
ومن هنا صار اقتضاء النصرة في مفهوم الانتظار سبيلاً إلى استئناف العمر الفعلي الدنيوي بعمر آخر مدَّخر وردت الإشارة إليه في عدد من الأخبار كقوله في دعاء العهد: «اللّهمّ إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضياً، فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني، شاهراً سيفي، مجرِّداً قناتي، ملبّياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي...»(20).
وبعبارة أُخرى: إنَّ الانتظار في الدنيا لظهور المهدي عليه السلام يوجب على المنتظرين الاستعداد لنصرته، وبمجرَّد أن تنعقد النيَّة في قلب المؤمن ويحصل العزم في نفسه على نصرة إمامه المنتظر عليه السلام يكون داخلاً في سلك المنتظرين، فإن حال بينه وبين إمامه الموت فإنَّ تلك النيَّة وذلك العزم سيكون بمثابة بذرة لحياة أُخرى تُستَأنف له في زمان ظهور المهدي عليه السلام.
وأمَّا وراثة الأرض المشار إليها في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105)، فهي وراثة يأمن معها الوارث على الموروث من الضياع أو الانتقال، وذلك لسببين:
الأوَّل: ورود لفظ الوراثة في سياق قضاء حتمي مبرم من قِبَل الله تعالى.
وثانيهما: وضع اليد على جملة الأرض وليس على قطعة منها، مع القدرة على التصرّف بجميع ما فيها من الخيرات والموارد، وليس مجرَّد الانتفاع ببعض متاعها والاستحواذ على بقعة أو أكثر من بقاعها، وفي ذلك إشارة إلى ما يُسمّى بالتمكين، وهو عموم القدرة على التصرّف، ولازمه القوَّة على فعل أشياء والإتيان بها بنحو يُحقِّق الغاية المبتغاة من ورائه، فإذا انفصمت عرى هذه القوَّة فلا يعود للتمكين من معنى.
إنَّ الخطابات الواردة عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمَّة عليهم السلام فيما يتعلَّق بالإمام المهدي عليه السلام ليست خطابات آنية، ولا ذات مضامين أُحادية، إنَّ المعنى في الخطاب المهدوي ينبثق من كمون دلالي يحيل إلى قراءات عديدة. وبعبارة أُخرى: إنَّ المعنى المراد فهمه من النصِّ تتحكَّم فيه عدَّة عناصر ينبغي أخذها بنظر الاعتبار، ومن جملتها الظروف والملابسات المحيطة بصدوره، كوقت الخطاب وخصوصية المجلس الذي قيل فيه، وموقف المتكلِّم والمخاطب من سلطان العصر أو الوضع السياسي القائم، وخصائص شخصية المخاطب النفسية وقدراته الذهنية المؤثِّرة في نوعية الخطاب أو طبيعته بالإضافة إلى انتمائه العقدي والاجتماعي والسياسي(21)...، فكلُّ هذه العناصر تتحكَّم في معنى النصِّ وتُشكِّل كموناً دلالياً يمكن للقارئ أن يستنبط منه بعض الوجوه والمعاني. يضاف إلى كلِّ ذلك: أنَّ النصَّ المهدوي ينطوي على عنصر لا يتوفَّر في غيره من النصوص الدينية، وهو: الحوالة على مخاطب مقدَّر الوجود، أي إنَّ الخطاب وإن كان موجَّهاً في ظرف صدوره إلى مخاطب بعينه حاضر في مجلس الخطاب أو إلى عدَّة مخاطبين، بيد أنَّه في الغالب يدور حول حدث أو عدَّة أحداث لم يحن وقت تحقّقها بعد، فثَمَّة دلالة يتضمَّنها بهيئة رسالة عابرة للزمن، لن تكون مفهومة إلَّا إذا تمَّ استلامها من متلقٍّ خاصٍّ وفي وقت مناسب من الزمان المستقبل.
وليس كلُّ قارئ للنصِّ مؤهَّلاً ليكون مخاطباً به إلَّا أن يفهم وجهاً من وجوهه، فقد يفهم المخاطب المستقبلي من النصِّ معنىً من غير المتوقَّع أن يهتدي إلى فهمه المخاطب الحاضر حال الخطاب، وذلك لعدم توفّر شرط أو لوجود مانع. على سبيل المثال: أن يشير الإمام إلى معنى من المعاني المفهومة عند المخاطب الحاضر، ولكن لا مصداق لها في محيط الخطاب، بل يتحقَّق مصداقها في وقت لاحق سيأتي. وهنا أودُّ الإشارة إلى أنَّ الخطاب المهدوي مهما كان عميقاً من جهة دلالته ومهما تضمَّن من إشارات أو رموز في عبارته، فمن الخطأ أن يتمَّ تصنيفه في خانة الألغاز بالنسبة إلى المخاطب الحاضر، فكلام الإمام لا بدَّ أن يكون مفهوماً عند المخاطب وإلَّا لم يتحقَّق الخطاب، إذ من شروط تحقّقه أن يكون المخاطب مدرِكاً لما يقوله المتكلِّم. نعم، قد يعجز المخاطب عن إدراك الرسالة الضمنية التي قد ينطوي عليها الخطاب إلَّا أنَّ ذلك لا يحول دون فهم منطوقه، فالتواصل بين المتكلِّم والمخاطب لا يفتقر إلى فهم جميع أوجه دلالته، ويكفي في المقام أن يفهم المخاطب وجهاً واحداً حتَّى يصير طرفاً للتواصل مع المتكلِّم. وهذا بالضبط هو الذي يجعل مشروع إعادة القراءة للنصوص ممكناً، فإنَّ تفاوت الأفهام واختلاف المدارك وتنوّع الثقافات وتعدّد الانتماءات من أولويات تعدّد المعنى واختلاف القراءة.
ومن الواضح أنَّ المخاطب مهما كان واسع الاطِّلاع ودقيق الملاحظة فإنَّه لن يحيط بجميع عناصر الدلالة التي يتضمَّنها كلام المعصوم عليه السلام، وحينئذٍ فالخطاب يصدر عن إمكانات ذهنية عالية لا يوجد لها نظير لدى المخاطب، ومع ذلك يكون للمدلول عليه في عبارة الخطاب وجوه من المعنى ينصرف إليها الكلام، فيتفاوت في فهمها المخاطبون (الفعليون أو المقدَّرون) تبعاً لاختلاف قابلياتهم الذهنية أو الثقافية أو مقدار انتباههم وملاحظتهم. وحين يتحوَّل الخطاب إلى نصٍّ مكتوب فإنَّه يصير في متناول آخرين لم يوجدوا في مجلس الخطاب ولا في زمانه، ويصبح قارئ النصِّ مخاطَباً به مفترضاً إذا تمكَّن من فهم وجه واحد على الأقلّ من وجوه معناه(22)، حتَّى وإن لم يكن ذلك الوجه معبِّراً عن إرادة الإمام الجدّية، حيث تكفي في مقام إفادة المخاطب لبعض تلك الوجوه إرادته الاستعمالية(23).
فما يستوعبه المخاطب من كلام الإمام في النصِّ تسهم في تحصيله قرائن مقامية وتاريخية، وأُخرى لفظية وسياقية، وثالثة إشارات حسّية وعقلية...، وفي الأعمّ الأغلب يتعذَّر الإحاطة بها جميعاً أو دفعةً واحدةً.
إنَّ الفهم العامّي البسيط للأحاديث يمكن عدّه وجهاً من وجوه المعنى، ولكن صبّ هذا الوجه المعنوي في قالب يجمُدُ عليه يتنافى مع كمونه الدلالي أو المعنوي. والتنبه إلى وجود إشارات وتلميحات في جملة الخطاب أو في بعض فقراته يضيف بعداً جديداً للفهم يسهم في إثراء المعنى وحصول وجه جديد من وجوهه، أي إنَّ بعض وجوه المعنى تفتقر في فهمها إلى انتباه وإحاطة بما يحفُّ بالنصِّ من قرائن. فالنصُّ مشحون بدلالات ووجوه واحتمالات قد لا يتسنّى للقارئ ملاحظتها واعتبارها بمجرَّد سماع منطوق النصِّ أو مطالعته، ومن هنا فمن يجمد في قراءة النصِّ على وجه واحد فلن يحظى بفهم صحيح أو تامّ. وأمَّا القراءة الواعية المتأنّية فيصاحبها في العادة التفات القارئ إلى ما يتضمَّنه النصُّ من دلائل كامنة، فالقارئ الجيِّد يجعل في حسبانه حال القراءة محاولة الكشف عن كمونات النصِّ وإمكاناته بحسب وسعه وطاقته، وكلَّما كان القارئ أقدر على استنطاق الإشارات والتلميحات والرموز (إن وُجِدَت) وفهم القرائن التي تحفُّ بالنصِّ من داخله وخارجه... كلَّما أمكنه سبر أغواره ومعرفة أسراره.
البراكسيماتيك أو علم الاستعمال:
القراءة التي نقترحها هاهنا تستند إلى جملة من الأدوات المنهجية والنصّية التي سنعمل على تعريبها عن الأصل الفرنسي. وغرضنا هو تحقيق قراءة واعية للنصِّ المهدوي - من دون استبعاد القراءات الأُخرى أو التقليل من شأنها -، ونقصد بالقراءة الواعية: الانفتاح على إمكانات النصِّ وكمونه الدلالي بملاحظة القرائن والأحوال والمناسبات التي أدَّت إلى إنتاجه، فالانغلاق والجمود على معنى وحيد للنصِّ، أشبه ما يكون بفرض سلطة عليه من خارجه، إذ الانغلاق ليس سوى تكبيل النصِّ وتقييده بمقولات زمانية ومكانية ومفهومية، تُخرجه عن إطار الخطاب إلى أُطر أُخرى كاللغة نحواً وصرفاً واصطلاحاً. ولذلك فإنَّ علم الاستعمال يسعى إلى استنطاق ما يسكت عنه النصُّ في مفرداته وعبارته ولحاظ ما يحفُّ به كسياقه وقرائنه الخارجية وإشاراته وتلميحاته وظروف إنتاجه.
وعليه، فإنَّ مهمَّة محلِّل النصِّ عند إعادة قراءته لن تكون مهمَّة سهلة، بل تفتقر إلى دراسة متأنّية لكلِّ تلك العناصر المشار إليها، ففي داخل النصِّ ينبغي الالتفات جيِّداً إلى أنواع القرائن اللفظية والمجازات والاستعارات والكنايات، وكذلك إلى موضوع النصِّ وغايته أو غرضه واستكشاف ما يسعى النصُّ إلى إبرازه وبيانه أو طمسه وتَعْميته، فما يُراد له البروز في النصِّ مثلاً يُستَكشف بملاحظة التكرار اللفظي والمعنوي واستعمال المترادفات وأُسلوب الإسهاب، وما يُراد له الطمس والتَّعْمية يُستَكشف من خلال إجمال ما حقّه البيان والكناية عمَّا شأنه التصريح والإعلان، واللواذ خلف الكلمات الصعبة أو المهجورة، ولذلك فإنَّ الخطاب وتأكيداته وتبريراته ووضوحه وإبهامه وتعميته... أُمور يسعنا الوقوف عليها بملاحظة تلك العناصر. وفي خارج النصِّ ينبغي استكشاف ظروف إنتاجه كحال المتكلِّم وحال المخاطب ومبانيهما الفكرية ومنطلقاتهما الإيديولوجية، ونفتقر أثناء التحليل أحياناً إلى تبيّن أُصولهما الثقافية والقومية واختلافهما أو اشتراكهما في فكرة أو مذهب أو انتماء سياسي...
إنَّ الخطاب مساحة دلالية مفتوحة على إمكانات واسعة، ومن الإجحاف بمكان الاقتصار في فهمه على منطوقه التعبيري المتبادر من مداليل ألفاظه، فإنَّ هذا الفهم ليس سوى فهماً سطحياً وقراءةً معجميةً، وهو يناسب ميدان اللغة وتعليمها أكثر ممَّا يناسب ميدان الخطاب، وقد أشرنا إلى أنَّ الخطاب قد يتضمَّن كموناً معنوياً واسعاً وبعداً دلالياً عميقاً، يقبع تحت سطحه اللفظي أو منطوقه اللغوي، فهو يتجاوز حرفية اللغة وثباتها الدلالي إلى تعدّد المعنى واختلاف مستويات الفهم، فالمعنى في الخطاب ليس معطىً نهائياً وإلى الأبد، نعم في المجال اللغوي ينبغي أن تكون القواعد النحوية والصرفية والمعاني المعجمية بمنأى عن التغيير، وثباتها أمر لا بدَّ منه حتَّى يكون للغة هويَّة مستقلَّة، فكلُّ لفظ وُضِعَ بإزاء معنى خاصّ يختلف عن معاني سائر الألفاظ، والقواعد النحوية والصرفية والبلاغية ينبغي أن تكون مرعيَّة ليأتِ الكلام صحيحاً من حيث الشكل ومتماسكاً من حيث المضمون، فما يُميِّز لسان قوم عن قوم هو خصوصيات ألفاظ اللغة التي يتحدَّثون بها وقواعدها الخاصَّة، فاللغة أشبه ما تكون بسجلّ أو مدوَّنة وثائقية غايتها حفظ هويَّة الأُمَّة من الضياع. بيد أنَّ الخطاب لا يخضع إلى تلك الصرامة ولا يتقيَّد بذلك الثبات، فهو في الأصل حوار حيّ بين طرفين تتدخَّل في صياغة معناه عوامل كثيرة (إدراكية ومعرفية ونفسية وثقافية واجتماعية وسياسية... الخ)، وسعة مضمون الخطاب ومرونة معناه يجعله في معرض القراءة المتعدِّدة، لاسيّما بعد الأخذ بنظر الاعتبار القرائن الحافَّة به، وأيضاً بملاحظة الظروف والملابسات التي أحاطت بإنتاجه.
يهدف المنهج الذي نتطرَّق إليه في هذا البحث إلى استعراض مقتضب وتعريف موجز بأبرز أدوات تحليل النصِّ وإنتاج المعنى، ومن ثَمَّ محاولة تطبيقه على أُنموذج مختار من النصِّ المهدوي في مشروع جديد لإعادة قراءته، ومن بين ما يسعى إلى تحقيقه هو تشجيع القرّاء وخاصَّة في موضوع (المهدوية) على فهم أبعاد جديدة لقراءة النصوص المهدوية والمعصومية وآليات ميسَّرة لفهم المعنى وإنتاجه. وينتمي المنهج الذي نعمل عليه إلى حقل (تحليل الخطاب وتفكيك النصِّ) في علم الألسنيات المعاصر. فقد ظهر علم تحليل الخطاب في ستّينيات القرن المنصرم وازدهر في السبعينيات كردِّ فعل على النظرية البنيوية في الألسنيات التي وضع أُسسها العالم السويسري فردينان دي سوسير، وقد خطى هذا العلم خطى واثقة وشاسعة في طريق تقويض الصرح البنيوي الذي كان قائماً آنذاك، حيث شهد علم الألسنيات تطوّراً غير مسبوق بفضل تطبيق منهج تحليل النصوص وتفكيكها، ما أدّى في المحصَّلة إلى التحرّر من البُنى والقوالب الجاهزة الموروثة عن المدرسة البنيوية، ثمّ انبثق من رحمه في بضعة سنين علم الاستعمال (البراكسيماتيك) ليدفع بعجلة التحليل والتفكيك والمعالجة والتأويل خطوات أوسع، ولاسيّما في موضوعه (إعادة قراءة النصوص)، وكانت نقطة الانطلاق الأُولى هي نقد (الدلالة الوضعية اللفظية) عند دي سوسير، وبيان زيف الأُطروحة البنيوية القاضية بجعل العلاقة بين (الدالِّ والمدلول) علاقة راسخة وثابتة، بالرغم من دعوى نشوئها عن اعتباط(24) صرف ومواضعة محضة.
إنَّ الأصل الذي ينطلق منه التحليل البراكسيماتيكي هو الاستعمال (praxis)، إذ أنَّ الاستعمال للكلمات والعبارات في محيط من السياقات المتغيِّرة والقرائن المختلفة يفيد في إنتاج معانٍ قد لا يكون مدلولاً عليها بحسب ثنائية (الدالّ - المدلول) الوضعية. فليس من شأن علم الاستعمال (Praxématique) الاعتناء بالمعنى اللغوي المفهوم أو المتبادر من النصِّ، بل يهدف إلى تحليل الأساليب والطرق التي تعتمدها النصوص والخطابات المختلفة في إنتاج معانيها. وذلك من خلال ربط النصوص بظروف إنتاجها واستقبالها، أي إنَّ التحليل الاستعمالي يسعى من جهة إلى إزالة (وهم) المعنى الوحيد والنهائي للنصِّ أو الخطاب، مع التنبيه إلى احتمال بروز ذلك الوهم عند القراءة أو إعادة القراءة، ومن جهة أُخرى إلى نقد وتفكيك القوالب اللغوية الجاهزة التي يحشر فيها المعنى ليبدو وحيداً ونهائياً.
وقد شرع لافونت (LaLont) مؤسِّس البراكسيماتيك قبل كلِّ شيء إلى إعادة تعريف الإنسان، فرسمه بأنَّه: (كائن يعمل)، ثمّ أوضح هذا التعريف بما حاصله: لمَّا كان العمل نشاطاً وفعاليةً إنسانيةً سواء أكانت اجتماعية أم ثقافية، فسوف نستخدم هذه الخاصَّة (العمل) في تعريف الإنسان، من دون ارتكاب أيَّة مخالفة منطقية، ومن المعلوم الذي لا يختلف فيه اثنان أنَّ اللغة هي ثمرة من ثمرات العمل الإنساني(25). فإنَّ الجهد الثقافي والتواصل الاجتماعي هما نوع من العمل الذي يمارسه الإنسان في تخاطبه اليومي، وهو من الأسباب الرئيسة المؤثِّرة في تكوين النظام اللغوي لأيَّة أُمَّة من الأُمم، وذلك عبر مراحل زمنية متعاقبة، فاللغة لم تُولَد مكتملة، وللخطاب دور لا يمكن إنكاره في تأسيس اللغة وتقعيدها وتطويرها تدريجياً.
يُميِّز لافونت بين ثلاثة نماذج من الاستعمال:
١- الاستعمال التنظيمي الاجتماعي.
٢- الاستعمال الإجرائي - التغييري.
٣- الاستعمال اللغوي.
ويُعطي لافونت للاستعمال الأخير أهمّية خاصَّة، وذلك لدوره الفاعل في تحليل الوقائع الاجتماعية والتاريخية ونقدها، وهذا ما يجعله متضمِّناً للاستعمالين (الاجتماعي والإجرائي) معاً، باعتبار أنَّ متعلّقهما هو الواقع.
ويُشبِّه لافونت الاستعمال بعملية برمجة واعية للمعنى، تساعدنا في فهم الأحداث فهماً موضوعياً وذلك من خلال تحليل معطيات الخطاب وإحالاته على الواقع. ففي كلِّ تحليل باراكسيماتيكي ثَمَّة وسائل لإنتاج المعنى تتفاعل مع بعضها في عملية صيرورة أو خروج من القوَّة إلى الفعل ومن الكمون إلى التحقّق.
العُملات (praxèmes):
يمكننا ترجمة الكلمة الفرنسية (praxème) المشتقَّة عن الأصل اليوناني (praxis = العمل) إلى (عُملة). فالعُملة بحسب هذا الاصطلاح: كلمة استعمالية أو مفردة نصّية لا يتحدَّد معناها إلَّا من خلال استعمالاتها في الخطابات والنصوص، فالعُملة هي العنصر الأوَّل الذي يقوم عليه مشروع إعادة قراءة النصوص وإعادة إنتاج ما تتضمَّنه من وجوه المعنى، فهي فضاء دلالي متوتِّر ومساحة لفظية حبلى بالمعاني الكامنة. والعُملات تشمل ثلاثة أصناف من الكلمات: (الأسماء، والصفات، والأفعال)، لكن لا من جهة كونها ذات مداليل لغوية أو معجمية ثابتة، بل من جهة ما تتضمَّنه من معانٍ كامنة تتجلّى في النصوص والخطابات بحسب القرائن اللفظية والخارجية.
والعملات على قسمين:
الأوَّل: عملات حَدَثية (chronogénèses) تتمثَّل في جميع الأفعال بما تتضمَّنه من الهيأة الدالّة على أحد الأزمنة الثلاثة، وورود هذه العملات في النصوص والخطابات يكشف عن وجود عملية ذهنية انعكاسية لحركة خارجية (حَدَث)، والقيمة التي تؤسِّس هذه العملية الإدراكية هي هيأة العملة الدالّة على الزمان ضمناً، فمن الضروري لترقية اللغة الجامدة إلى خطاب حيٍّ الأخذ بنظر الاعتبار حصول هذه العملية في ذهن المتكلِّم (فاعل الخطاب) خاصَّة.
والثاني: عملات موضوعية (topogénèses) تتمثَّل في جميع الأسماء والصفات، وورودها في النصوص يشير إلى توفّر مشخَّص مكاني، يتحدَّد بواسطة محدَّدات خاصَّة كالعدد وأدوات التعريف، وبغياب المحدِّدات نكون بإزاء معنى لغوي (وليس معنىً خطابياً) للاسم والصفة.
الروابط أو العوامل (parapraxémes):
وهي أيضاً من جملة أدوات التحليل البراكسيماتيكي وتشمل كافَّة الوحدات النحوية والصرفية التي تُوجِد علاقة بين الخطاب والواقع، وهي تدور حول ثلاثة محاور رئيسية:
1) فاعل الخطاب [المتكلِّم والمخاطب].
2) المكان.
3) الزمان.
وللعوامل أهمّية بالغة في ترقية اللغة الجامدة إلى خطاب أو نصٍّ حيٍّ.
المحور الأوَّل: وتدور حوله العوامل التالية: (أنا، أنت، نحن، أنتم)، فالمتكلِّم والمخاطب يُعبِّران عن نفسيهما في أثناء الخطاب ببعض هذه الأدوات.
وهي نقاط الاستناد لكلٍّ من العملات الموضوعية والحدثية، فالمتكلِّم يُوصَف بأنَّه عامل له القدرة على تحويل المحتوى اللغوي إلى شهادة حاكية عن الواقع.
المحور الثاني: وتدور حوله العوامل المكانية التالية: (هنا، هناك، قريباً من، بعيداً عن...)، وهذه العوامل تشير إلى المحيط الخارجي الذي يتمُّ فيه التواصل بين المتخاطبين.
المحور الثالث: وتدور حوله العوامل الزمانية التالية: (الآن، اليوم، غداً، بالأمس...)، وهذه العوامل تُعيِّن حصول الخطاب في زمن محدَّد دقيق أو تقريبي من الأزمنة الثلاثة.
ويلحق بالعوامل المعرِّفات أو المحدِّدات التي تقدَّم ذكرها، وبعض الضمائر التي يتشكَّل بها المضمون الخطابي أو فحوى الرسالة (message) وأهمّها: أدوات التعريف، والضمائر المتَّصلة والمنفصلة، وأسماء الإشارة.
القرائن النصّية، أو الأدوات السياقية (metapraxémes):
وهي الوحدات اللغوية التي تقوم بربط المفردات فيما بينها في نسيج متجانس وفي سياق مفيد ومحكم، كأدوات العطف وحروف الجرِّ والأسماء الموصولة وأدوات التوكيد وأدوات الشرط والمفعول المطلق. ولهذه الأدوات أهمّية بالغة في تحقيق وحدة النصِّ وتماسكه الشكلي وترابط أجزائه وفقراته.
أُنموذج لإعادة القراءة طبقاً للمنهج البراكسيماتيكي:
وبعد هذا الاستعراض الموجز لعدد من أدوات التحليل الاستعمالي للخطاب نشرع في اختيار مثال واحد من النصوص المهدوية ونقوم بتحليله:
روى الشيخ النعماني في الغيبة: عن الحسن بن الجهم، قال: قلت للرضا عليه السلام: أصلحك الله إنَّهم يتحدَّثون أنَّ السفياني يقوم وقد ذهب سلطان بني العبّاس، فقال: «كذبوا إنَّه ليقوم وإنَّ سلطانهم لقائم»(26).
الحديث بصدد ذكر حوار بين الإمام عليِّ بن موسى الرضا عليه السلام والحسن بن الجهم بن بكير بن أعين(27)، وهو من خواصّ وثقات أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليهما السلام، يُخبره الأخير بشائعة مفادها: أنَّ الناس يتحدَّثون عن القرب الوشيك لظهور السفياني وزوال سلطان بني العبّاس. ويظهر أنَّ هذه الشائعة قد انتشرت لسببين - ولا يمكن استكشافهما بطبيعة الحال من ملاحظة منطوق الرواية -:
السبب الأوَّل: الحدث التاريخي لتسنّم الإمام الرضا عليه السلام ولاية عهد المأمون العبّاسي في محرَّم سنة (٢٠2) هجرية، حيث استمرَّت ولاية عهده زهاء عام وثمانية أشهر(28)، فإنَّ إجمال هذه الرواية لا يتبيَّن إلَّا في سياق معرفة مجريات وملابسات ذلك الحدث. فقد ربط جماعة من الشيعة في ذلك الوقت بين ولاية عهد الإمام الرضا عليه السلام وبين زوال سلطان بني العبّاس، فظنّوا أنَّ الخلافة سوف تنتقل من العبّاسيين إلى العلويين بمجرَّد هلاك المأمون.
والسبب الآخر: اشتهار أخبار ظهور المهدي عليه السلام بعد اختلاف بني العبّاس في الملك(29)، ولعلَّ اختلاف المأمون والأمين وتنازعهما على الخلافة بعد وفاة هارون العبّاسي قد أدّى إلى أن تجد تلك الأخبار في الواقع التاريخي شاهداً قويّاً على قرب الظهور.
ونتيجة هاتين المقدَّمتين أنَّ الناس صاروا يتحدَّثون عن قرب قيام السفياني على تقدير موت المأمون وانتقال الخلافة إلى الإمام الرضا عليه السلام، ولعلَّ بعضهم قد تصوَّر أنَّ الإمام الرضا عليه السلام هو المهدي المنتظر عليه السلام، كما أشار إلى ذلك الشيخ محمّد جواد مغنية(30)، أو أنَّه خليفة المهدي، بناءً على ما ذكره السيِّد المرتضى من اختلاف الواقفة بعد الإمام الكاظم عليه السلام فيمن يأتي بعده وأنَّه بمنزلة خليفته(31). ويظهر أنَّ الذين زعموا مهدوية الإمام الرضا عليه السلام نُسبوا كذلك إلى الوقف، ولعلَّهم قد انبثقوا عن الواقفة السابقين. والوقوف على الإمام الكاظم عليه السلام أو على الإمام الرضا عليه السلام يدلُّ على جهل كبير بالأئمَّة عليهم السلام، وهذا ما يُفسِّر وصف الواقفة على لسان الإمام محمّد الجواد عليه السلام بحمير الشيعة(32)، ومنه يُفهَم أنَّ حدث تسنّم الرضا عليه السلام لولاية عهد المأمون قد كانت له تداعيات كثيرة على الساحتين الاجتماعية والسياسية، سرت بسببها تلك الشائعة سريان النار في الهشيم، حتَّى صار التحدّث بها في أوساط العامَّة ولاسيّما لدى تلك الجماعة الشغل الشاغل في ذلك الوقت، وهو ما استدعى أن يبادر الحسن بن الجهم (باعتباره أحد خواصّ الإمام الرضا عليه السلام والمقرَّبين من مجلسه) بالاستفسار عنها من الإمام شخصياً لمعرفة صدق أو كذب مضمونها.
تحليل النصّ:
إنَّ العامل (هم) أو ضمير الغائب الجمع بالمتَّصل ب (إنَّ) المؤكّدة يعود على جماعة من الناس معروفة لدى المخاطب والمتكلِّم، وفعل (يتحدَّثون) مضارع يعود فيه الضمير (واو الجماعة) على تلك الجماعة المعهودة بين طرفي الخطاب، واستعمال العُملة الفعلية أو الحَدثية (يتحدَّثون) بدلاً عن مرادفاتها الأُخرى مثل (يتكلَّمون) لا يخلو من مناسبة، لأنَّ معنى (يتحدَّث) هو (يتكلَّم عن حدث واقع)(33)، ومنه اشتقاقه، ومع أنَّ الفعل المضارع بحسب وضعه وهيأته يدلُّ على الحال أو الاستقبال، إلَّا أنَّه يدلُّ كذلك على الاستمرار والتجدّد، وهو ما نلمحه في عبارة النصِّ، إذ الراوي بصدد الاستفسار عن خبر الشائعة الحالي المستمرّ التداول بين تلك الجماعة.
والسفياني شخصية مهمَّة من شخصيات عصر الظهور، قد جُعِلَت علامة حتمية على ظهور المهدي عليه السلام في جمٍّ غفير من الأخبار المرويَّة عن أهل البيت عليهم السلام(34)، ومن الواضح أنَّ صدى تلك الأخبار كان لم يزل قويّاً في عصر الإمام الرضا عليه السلام، وبالخصوص لدى المتشيِّعين لأهل البيت عليهم السلام والمرتقبين لتحقّق الوعد الإلهي، بخلافتهم ووراثتهم للأرض عند ظهور مهديهم الموعود عليه السلام، والمشار إليه في ذلك العصر بالرضا من آل محمّد عليهم السلام، وقد كان المعني به إبّان الثورة على الأُمويين الإمام جعفر الصادق عليه السلام(35)، وقد كشف يحيى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنَّ ثورة أبيه زيد (رضي الله عنه) كانت تتضمَّن الدعوة إلى عمِّه جعفر بن محمّد عليه السلام(36)، فلمَّا وصلت الخلافة إلى بني العبّاس ويأس الناس من خيرهم بدأ الناس في البحث عن مصداق آخر ليكون هو (الرضا من آل محمّد) الموعود بالخلافة، فتهيَّأ (نتيجةً لذلك) العقل الجمعي الإسلامي (وخاصَّة في الوسط الشيعي) لقبول وتداول الأخبار المرتبطة بالظهور، بل وإسقاطها على الواقع أيضاً، لاسيّما مع وجود موضوع خارجي تستند إليه وهو شخص الإمام الرضا عليه السلام.
ليس ذلك فقط، بل عمد البعض إلى استباق حدث الظهور قبل أوانه، بمحاولتهم تغيير الواقع السياسي بالقوَّة المسلَّحة والتمرّد العسكري، فقامت نتيجة ذلك ثورات عارمة في أنحاء من الدولة العبّاسية، وقد كان لتلك الثورات صدى واضح على القرار السياسي العبّاسي في عصر المأمون، حيث اضطَرَّتْ ثورات العلويين بالإضافة إلى اللغط السياسي في بلاط العبّاسيين (بعد حادثة قتل الأمين) الخليفة المأمون إلى تدبير مكيدة غرضها إطفاء نائرة الثورات وإخماد أوار الانتفاضات من جهة، وتحييد المعارضين من بني العبّاس من جهة ثانية، فأرسل المأمون في إشخاص الإمام عليّ بن موسى بن جعفر عليه السلام من المدينة ثمّ أجبره تحت التهديد على قبول ولاية العهد(37).
ولعلَّ تلقيب الإمام من قِبَل أبيه عليه السلام ب (الرضا)(38) قد أسهم بشكل أو آخر في الإشارة إليه من قِبَل الناس بالبنان، فظنَّ بعضهم أنَّه هو المقصود بالرضا من آل محمّد في الدعوة التي سبقت قيام الدولة العبّاسية. وانطلقت بعد تمام بيعة الرضا بولاية العهد بشائر (ومنها شائعات) في الأوساط الاجتماعية بقرب ظهور القائم عليه السلام، متناسين بذلك وصيَّة الأئمَّة عليهم السلام بعدم الاستعجال أو وبعدم المبادرة إلى الخروج قبل الأوان(39)، وخاصَّة قبل تحقّق علامات خاصَّة وُصِفَت بالمحتومات ومنها قيام السفياني، كما تدلُّ على ذلك طائفة معتبرة من الروايات.
وذكر السفياني ب (لام العهد الذهني) إشارة إلى كونه شخصاً معهوداً أو معروفاً بين طرفي الخطاب، إمَّا من جهة حقيقته (بالنسبة إلى الإمام الرضا عليه السلام: الطرف الأوَّل للخطاب)، وإمَّا من جهة بعض أوصافه وعلائمه بالاستناد إلى ما ورد في شأنه من الأخبار عن الأئمَّة عليهم السلام (وذلك بالنسبة إلى الحسن بن الجهم: الطرف الثاني للخطاب). وعُملة (يقوم) دالّة على حدث قيامه الوشيك أو القريب بناءً على ما يتصوَّرونه من ذهاب سلطان بني العبّاس المترتِّب على ولاية عهد الإمام الرضا عليه السلام للخليفة العبّاسي المأمون.
وقد ردَّ الإمام الرضا عليه السلام خبر الشائعة التي نقلها الحسن إليه بتكذيب مروّجيها والمتحدِّثين بها فقال: (كذبوا) أي إنَّهم كذبوا بادِّعاء قيام السفياني وزوال سلطان العبّاسيين في الحاضر، ولكنَّه لم يُكذِّب أصل خبر قيام السفياني وهلاك العبّاسيين في المستقبل، بل أكَّده وشدَّد عليه، فالعُملة الحَدَثية (يقوم) المتَّصلة بالأداة السياقية (لام التوكيد) والمسندة بجملتها إلى (إنَّ) المفيدة للتوكيد في قوله: (إنَّه = أي السفياني) يشير إلى حتمية قيام السفياني في المستقبل، فالحتم كما يمكن استفادته من لفظه كذلك يستفاد من بعض الأدوات، وسنشير إلى أهمّها قريباً. ويمكن الاستظهار من إطلاق العبارة أنَّ قيام السفياني (المؤكَّد أو المحتوم) غير معلوم الوقت.
وأمَّا قوله عليه السلام: «وإنَّ سلطانهم لقائم» فيشير إلى حقيقة ماثلة في الخارج لا تطابقها دعوى ما ورد في الشائعة: (... وقد ذهب سلطان بني العبّاس)، فإنَّه في الواقع لم يذهب، لأنَّ سلطانهم كان مستمرّاً في زمن الخطاب، وبحسب الروايات فإنَّه لا ينقطع ما دام السفياني لم يقم. إنَّ عدول الإمام الرضا عليه السلام عن العُملة الحدثية (يقوم) مستعيضاً عنها بالعملة الموضوعية (قائم) لا يخلو من نكتة، لأنَّ اسم الفاعل يدلُّ على ثبوت المصدر في الفاعل ورسوخه فيه، فلمَّا كان الحكم أو الملك لم يزل في يد العبّاسيين فإنَّ استعمال اسم الفاعل الدالّ على الثبوت أدلّ على المراد من استعمال (الفعل المضارع) الدالّ على التغيّر أو التجدّد، فالمتَّصف بكونه (قائماً) هو السطان وهو ذات لم تزل متلبّسة بحدث (القيام)، وبالتالي فلا معنى للحديث عن (ذهاب) سلطان بني العبّاس كما تُروِّج له تلك الجماعة.
تمييز المحتوم من غير المحتوم:
إنَّ هنالك قرائن يمكن الاستدلال بها على تحديد المحتوم من غيره في عبارة الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام. وذلك من خلال معرفة الأدوات والصيغ الخاصَّة التي ترد في الخطابات والنصوص، التساؤل المطروح هاهنا هو: كيف يمكن التمييز بين العلامات المحتومة التي لم يشر إليها في الأخبار بلفظ (محتوم) وبين غيرها من العلامات؟
إنَّ قراءة النصِّ المهدوي طبقاً للتحليل البراكسيماتيكي يُخبرنا بوجود علامات محتومة غير مصرَّح بحتميتها ظاهراً (أي لم تُوصَف بقيد محتوم أو حتمي)، فإنَّ العلامات الموصوفة بالحتم في الأخبار قليلة وأهمّها المحتومات الخمس المشهورة: (السفياني، واليماني، والصيحة، والخسف في البيداء، وقتل النفس الزكيَّة)، يضاف إليها بضعة علامات محتومة غيرها، فالحديث الوارد عن الإمام الباقر عليه السلام الذي رواه عنه أبو حمزة الثمالي يشير فيه إلى علامتين محتومتين غير تلك الخمسة وهما: اختلاف بني العبّاس وطلوع الشمس من مغربها. قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: خروج السفياني من المحتوم؟ قال: «نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العبّاس من المحتوم، وقتل النفس الزكيَّة محتوم، وخروج القائم من آل محمّد عليهم السلام محتوم...» الحديث(40).
إنَّ الأدوات التي سنأتي على ذكر بعضها تُمكِّننا من تمييز المحتوم من غيره في سياقات النصوص المهدوية، فيمكن إعادة قراءة النصوص على ضوئها وإنتاج معنى (الحتم) الكامن فيها أو إبرازه وإن لم يُصرَّح فيه بلفظه: (محتوم، حتمي). فيما يلي سبعة من الأدوات التي إذا وردت في الأخبار قد يُستفاد منها حتمية مدخولها أو متعلّقها، وهي:
1 - القَسَم: ويمكننا أن نجزم بأنَّ القَسَم هو واحد من أوثق الأساليب الدالّة على إرادة الحتم، لاسيّما إذا ورد في كلام المعصوم عليه السلام، إنَّ عطف الواو على لفظ الجلالة هو من أساليب القسم في اللغة العربية، فالواو هنا أداة نصّية تفيد التوكيد، ويمكن أن تدخل على عملة موضوعية خاصَّة لها عند العرف قدسية كمكّة أو السماء أو نبيّ أو إمام...، وورودها مضافة إلى (لفظ الجلالة) أقوى دلالةً وأوكد في إرادة التحقّق والوقوع، والمثال عليه ما روي عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: «والله! لا يخرج واحد منا قبل خروج القائم عليه السلام إلَّا كان مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان فعبثوا به»(41).
2 - لا بدَّ: وهذه الأداة ظاهرة في إفادة معنى الحتم ولذلك فُسِّر (المحتوم) في بعض الأخبار بالذي لا بدَّ منه(42)، والمثال عليه الحديث الذي رواه أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بدَّ أن يكون قدّام القائم سنة يجوع فيها الناس، ويصيبهم خوفٌ شديد من القتل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. فإنَّ ذلك في كتاب الله لبيِّن». ثمّ تلا هذه الآية: «﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ﴾ [البقرة: 155]»(43).
3 - لام التوكيد: ودلالة هذه الأداة على الحتم واضحة، فكلُّ ما يفيد التوكيد يشير إلى الحتم ولو إجمالاً، ومثاله ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتَّى لو دخلوا جحر ضبٍّ لأتبعتموهم». قال (الراوي): قلتُ: يا رسول الله مَنْ اليهود والنصارى؟ قال: «فمن إلَّا اليهود والنصارى»(44).
4 - (إنَّ) المؤكّدة: وهي أداة تتفرَّد بها اللغة العربية، وترجمتها في اللغات الأُخرى (أكيداً)(45)، ومن أمثلة ما يُستَدلُّ به على إفادة (إنَّ) للحتم الرواية المنقولة عن الصادق عليه السلام: «وإنَّ من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شابّاً موفَّقاً، وهم يحسبونه شيخاً كبيراً»(46).
5 - التوكيد بالتكرار: وهو من الأساليب المعروفة في الدلالة على حتمية وقوع المعنى الذي يُكرّر لفظه، ومثاله ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: «هيهاتَ هيهاتَ، لا يكون فرجنا حتَّى تُغربَلوا ثمّ تُغربَلوا ثمّ تُغربَلوا (يقولها ثلاثاً) حتَّى يُذهِب الله تعالى الكدر ويبقى الصفو»(47).
6 - (إذا) الشرطية: واستعمال هذه الأداة الشرطية يدلُّ على وقوع الشرط في المستقبل. ذكر السيِّد أحمد الهاشمي في كتاب (جواهر البلاغة) في معرض كلامه عن الفرق بين (إذا) و(إنْ) ما هذا نصّه: (الأصل عدم جزم وقطع المتكلّم بوقوع الشرط في المستقبل مع (إنْ)...، بخلاف (إذا) فتُستَعمل بحسب أصلها في كلِّ ما يقطع المتكلِّم بوقوعه في المستقبل)(48). والأمثلة على هذه الصيغة كثيرة جدّاً في الأخبار، نكتفي منها بذكر أحدها، عن معاوية بن سعيد، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام، قال: «قال عليُّ بن أبي طالب: إذا اختلف رمحان بالشام فهو آية من آيات الله تعالى. قيل: ثمّ مَه؟ قال: «ثمّ رجفة تكون بالشام يهلك فيها مائة ألف يجعلها الله رحمةً للمؤمنين وعذاباً على الكافرين»(49).
7 - السين وسوف: وهما يدلّان على حدوث شيء في المستقبل بغضِّ النظر عن كونه محتوماً، إلَّا أنَّ وقوعهما في سياق كلام المعصوم عليه السلام يضيف إلى معناهما - ولو احتمالاً - معنى آخر يتضمَّن (الوعد) بحصول متعلّقهما، ومن أمثلته ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سيأتي زمانٌ على أُمَّتي لا يعرفون العلماء إلَّا بثوب حسن، ولا يعرفون القرآن إلَّا بصوتٍ حسن، ولا يعبدون الله إلَّا شهر رمضان، فإذا كان كذلك سلَّط الله عليهم سلطاناً لا علم له ولا حلم له ولا رحم له»(50).
الهوامش:
(1) درس المستشرقون لغة القرآن ليصلوا منها إلى الطعن في أصالته، وفي إعجازه البياني، ودرسوا كذلك القصص والأمثال والأقسام في القرآن، ليُعزِّزوا نتائجهم المسبقة وأحكامهم المعَدَّة سلفاً، بأنَّ القرآن من وضع محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّه منتحل من النصرانية واليهودية وبعض القصص القديمة التي تلقّاها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم شفاهاً، ثمّ نسج منها هذا القرآن الذي عزّاه فيما بعد إلى الله (عزَّ وجلَّ). لم يغب عن أذهان المستشرقين في جميع دراساتهم القرآنية: أنَّ القرآن نتاج إنساني وليس وحياً إلهياً.
(2) لويس ماسينيو (1883- 1962 م) (Louis Massignon) من أكبر مستشرقي فرنسا وأشهرهم، وقد شغل عدَّة مناصب مهمَّة كمستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال أفريقيا، وكذلك الراعي الروحي للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر. تعلَّم لويس العربية والتركية والفارسية والألمانية والإنكليزية وعنى بالآثار القديمة، وشارك في التنقيب عنها في العراق (1907 - 1908م) حيث أدّى ذلك إلى اكتشاف قصر الأخيضر. درس في الجامعة المصرية القديمة (1913م) وخدم في الجيش الفرنسي خمس سنوات خلال الحرب العالمية الأُولى. استهواه التصوّف الإسلامي فدرس الحلّاج دراسة مستفيضة ونشر (ديوان الحلّاج) مع ترجمته إلى الفرنسية، وكذلك (مصطلحات الصوفية) و(أخبار الحلّاج) و(الطواسين)، كما كتب عن ابن سبعين الصوفي الأندلسي، وعن سلمان الفارسي. تولّى لويس تحرير (مجلَّة الدراسات الإسلاميَّة)، وأصدر بالفرنسية (حوليات العالم الإسلامي) حتَّى عام (1954م).
(3) كارل بروكلمان (1956- 1868م) (Carl Brockelmann) مستشرق ألماني، بدأ دراسة اللغة العربية وهو في المرحلة الثانوية، كانت أشدّ أمانيه العيش فيما وراء البحار، وذلك بسبب انحدار حياة الأعمال في روستوك، وتطلّع العديد من التجّار إلى العمل فيما وراء البحار وهو لا يزال في الثانوية، بدأ يدرس السريانية، والآرامية الكتابية، وأتقن العربية. درس في الجامعة بالإضافة إلى اللغات الشرقية اللغات الكلاسيكية (اليونانية واللاتينية)، ودرس على يدي المستشرق ثيودور نولدكه، ويُعتَبر أهمّ المستشرقين الألمان بسبب عمله العظيم (تاريخ الأدب العربي)، وهو تاريخ للكتابة العربية عبر العصور، وفي شتّى الفنون، ومن القرن الثالث وحتَّى الثالث عشر هجري.
(4) فردينان دي سوسير (1857- 1913م) (Ferdinand de Saussure) عالم لغويات سويسري، يُعتَبر الأب والمؤسِّس لمدرسة البنيوية في اللسانيات في القرن العشرين. اتَّجه بتفكيره نحو دراسة اللغات دراسة وصفية باعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية، وكانت اللغات تُدرَس دراسة تاريخية، وكان السبب في هذا التحوّل الخطير في دراسة اللغة هو اكتشاف اللغة السنسكريتية. ولد دي سوسير في جنيف، وكان مساهماً كبيراً في تطوير العديد من نواحي اللسانيات في القرن العشرين. كان أوَّل من اعتبر اللسانيات كفرع من علم أشمل يدرس الإشارات الصوتية، اقترح دي سوسير تسميته (semiology) ويُعرَف حالياً بالسيميوتيك أو علم الإشارات.
(5) يُعَدُّ غاستون باشلار (1882- 1962م) (Gasto Bachelard) واحداً من أهمّ الفلاسفة الفرنسيين، وهناك من يقول: إنَّه أعظم فيلسوف ظاهري، وربَّما أكثرهم عصريةً أيضاً. فقد كرَّس جزءاً كبيراً من حياته وعمله لفلسفة العلوم، وقدَّم أفكاراً متميِّزة في مجال الابستملوجيا، حيث تُمثِّل مفاهيمه في العقبة المعرفية والقطيعة المعرفية والجدلية المعرفية والتاريخ التراجعي، مساهمات لا يمكن تجاوزها، بل تركت آثارها واضحة في فلسفة معاصريه ومن جاء بعده.
(6) لا بدَّ من الإشارة إلى ارتباط مفهوم (القطيعة الابستمولوجية) عند باشلار بتلك الطفرة الهائلة التي أحدثتها التطوّرات العلمية في فترة وجيزة، وهو ما لم يتأتَّ للإنسان منذ قرون طويلة، إنَّ عقداً من زماننا في هذا المجال يساوي قروناً بأكملها من الأزمنة الماضية كما يرى باشلار نفسه، ففي ظرف نصف قرن تقريباً استطاع الغرب أن يُطوِّر من إمكانياته العلمية، فمنح العالم فتوحات علمية ومعرفية في مختلف العلوم، ما لم يشهده العالم منذ أزمنة بعيدة.
(7) ميشال فوكو (1926- 1984م) (Michel youcault) فيلسوف فرنسي، يُعتَبر من أهمّ فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، تأثّر بالبنيويين ودرس وحلَّل تاريخ الجنون في كتابه (تاريخ الجنون)، وعالج مواضيع مثل الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون. ابتكر مصطلح (أركيولوجية المعرفة). أرَّخ للجنس أيضاً من (حبّ الغلمان عند اليونان) وصولاً إلى معالجاته الجدلية المعاصرة كما في (تاريخ الجنسانية). تُوصَف أعمال فوكو من قِبَل المعلِّقين والنقّاد بأنَّها تنتمي إلى (ما بعد الحداثة) أو (ما بعد البنيوية)، على أنَّه في الستّينيات من القرن الماضي كان اسمه غالباً ما يرتبط بالحركة البنيوية. وبالرغم من سعادته بهذا الوصف إلَّا أنَّه أكَّد فيما بعد بُعده عن البنيوية أو الاتِّجاه البنيوي في التفكير. إضافةً إلى أنَّه رفض في مقابلة مع جيرار راول تصنيفه بين (ما بعد البنيويين) و(ما بعد الحداثويين).
(8) وُلِدَ الفيلسوف الفرنسي جاك دريد (Jacques Derrida) في البيار قرب مدينة الجزائر في (15/ يوليو (تموز)/ 1930م). تنازعته الأعمال الأدبية والفلسفية منذ المرحلة الثانوية، حيث درس مبكّراً نصوص برغسون وسارتر في الأعوام (1947 و1948م). وفي منتصف الستّينات من القرن العشرين طرح ورقة (البنية، العلامة، واللعب في خطاب العلوم الإنسانية)، حينها بات اسمه متداولاً بشكل جدّي في الأوساط الفلسفية والنقدية، لتتكوَّن أدوات دريداً في التفكيك والاختلاف من خلال كتبه التي توالت: (الصوت والظاهرة)، الذي يعدّه أحبّ أعماله إليه، و(الكتابة والاختلاف)، وفي السبعينات أصدر كتباً منها: (مواقع)، و(هوامش الفلسفة)، و(التشتيت).
(9) التفكيكية منهج أدبي نقدي ومذهب فلسفي معاصر ينحو إلى القول باستحالة الوصول إلى فهم متكامل، أو على الأقلّ متماسك للنصِّ أيّاً كان، فعملية القراءة والتفسير هي عملية اصطناعية محضة يؤدّيها ويقوم بها القارئ الذي يقوم بالتفسير. بالتالي يستحيل وجود نصّ رسالة واحدة متماسكة ومتجانسة.
ويُستَخدم التفكيك (déconstruction) (للدلالة على نمط من قراءة النصوص بنسف ادِّعاءها المتضمّن أنَّها تمتلك أساساً كافياً في النظام اللغوي الذي نستعمله، كي تُثبت بنيتها ووحدتها ومعانيها المحدَّدة). وأيُّ مناقشة للتفكيك لا بدَّ أن تبدأ بالقارئ، وتجربته التي لا يوجد قبلها شيء. فهو يُفكِّك النصَّ ويعيد بناءه وفقاً لآليات تفكيره. أي يعتمد على آليات الهدم والبناء من خلال القراءة.
(10) يسعى البراكسيماتيك إلى فهم المعنى الدينامي - الحركي في النصوص والخطابات ويرفض فكرة الجمود المعنوي، فالمعنى في النصِّ عبارة عن كمون دلالي تتحكَّم في إنتاج وجوهه المعنوية عوامل شتّى كالقرائن والثقافة (الفردية والاجتماعية) والظروف الموضوعية، وضع هذا العلم أولى أُسسه في مدينة مونبيليه الفرنسية في سبعينيات القرن العشرين على يد المفكّر الفرنسي روبير لافونت.
(11) مفكّر وعالم ألسنيات فرنسي (1923 - 2009م) درس علم اللغة في جامعة بول فلاري في مدينة مونبيلية الفرنسية وذاع صيته بسبب بحوثه في اللغة الأُوكسيتانية (إحدى اللغات الفرنسية القديمة)، وقام بتأسيس علم البراكسيماتيك بعد دراساته المستفيضة للنظريات الألسنية، وخلص فيها إلى أنَّ التطابق بين اللغة والخطاب كما يزعم أنصار البنيوية وهم لا أساس له، فإنَّ اللغة والخطاب مختلفان، إذ الخطاب هو ترقية اللغة الجامدة إلى تواصل حيّ، وأكَّد بالخصوص على أنَّ المعنى المتضمّن في الخطاب ليس معطى ثابتاً ونهائياً، ومن الخطأ التعامل مع المعنى بحسب قوالب لغوية جاهزة، فإنَّ المعنى في الخطاب له آفاق ومستويات دلالية تتجاوز بكثير منطوقه، وتسهم في بلورة تلك المستويات جملة عناصر أهمّها: الصفات الشخصية، والقابليات الذهنية، والمقاصد والنوايا، والأرصدة المعرفية والثقافية، والمنطلقات النفسية والعقائدية والإيديولوجية لأطراف الخطاب، وأيضاً الظروف الآنية والمرحلية، والاستشرافات المستقبلية والغيبية، والقرائن المقامية والسياقات النصّية...، فإنَّها جميعاً مؤثِّرة في توجيه المعنى بالوجوه المتعدِّدة، وبالتالي فإنَّ فهم النصِّ وقراءته يتغيَّران طبقاً لمراعاة بعض تلك العناصر أو جميعها.
(12) عنوان الرسالة: الكلمات الخلافية في القرآن الكريم (دراسة براكسيماتيكية) (Praxématique Coraniques Conflictuels Etude Les Mots) تمَّت مناقشتها عام (2015م) في جامعة إيليا، في جورجيا.
(13) منها: ما روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنَّه قال: «من ردَّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم»، ثمّ قال عليه السلام: «إنَّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن، فردّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتَّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا». (عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق 2: 290).
وروي عن محمّد بن مسلم أنَّه قال: قلت له (للصادق) عليه السلام: ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يُتَّهمون بالكذب، فيجيء منكم خلافه؟ قال: «إنَّ الحديث يُنسَخ كما يُنسَخ القرآن». (الكافي 1: 65).
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل أنَّه قال: «... قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام له وجهان: كلام عام، وكلام خاصّ، مثل القرآن. وقال الله تبارك وتعالى في كتابه: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وليس كلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسأله عن الشيء فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه، حتَّى كانوا ليُحبّون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى يسمعوا...». (الكافي 2: 63).
(14) مصطلح الهرمينوطيقا (Herméneutique) مشتقٌّ من (Hermé) وتعني: القول والتعبير والتأويل والتفسير، وكلّها دلالات متقاربة، من حيث الاتِّجاه نحو الإيضاح والكشف والبيان.
(15) عن عبد الله بن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ خلفائي وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر: أوَّلهم أخي وآخرهم ولدي»، قيل: يا رسول الله، ومن أخوك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «عليُّ بن أبي طالب عليه السلام»، قيل: فمن ولدك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «المهدي عليه السلام الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقِّ نبيّاً لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يخرج فيه ولدي المهدي عليه السلام، فينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيُصلي خلفه، وتشرق الأرض بنوره ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب». (كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 280).
(16) سطيح: ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب، توفّي سنة (52 قبل الهجرة/ 572 م)، من بني مازن، من الأزد: كاهن جاهلي غسّاني. من المعمِّرين، يُعرَف بسطيح. كان العرب يحتكَّمون إليه ويرضون بقضائه، حتَّى أنَّ عبد المطَّلب بن هاشم - على جلالة قدره في أيّامه - رضي به حكماً بينه وبين جماعة من قيس عيلان، في خلاف على ماء بالطائف، كانوا يقولون: إنَّه لهم. وكان يضرب المثل بجودة رأيه، قال ابن الرومي:
تبدي له سرّ العيون كهانة يوحي بها رأيٌ كرأي سطيح
وقال الفيروز آبادي: سطيح، كاهن بني ذئب، ما كان فيه عظم سوى رأسه. وزاد الزبيدي: كان أبداً منبسطاً منسطحاً على الأرض لا يقدر على قيام ولا قعود، ويقال: كان يُطوى كما تُطوى الحصيرة ويتكلَّم بكلِّ أُعجوبة. وهو من أهل الجابية، من مشارف الشام. مات فيها بعد مولد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بقليل. وكان الناس يأتونه فيقولون: جئناك بأمر؟ فما هو؟ فيجيبهم على ما في أنفسهم. (الأعلام للزركلي 3: 14).
(17) نوستراداموس أو ميشيل دي نوسترادام (Michel de nostredame) توفّي (2/ يوليو/ 1566م)، وعادةً ما يُسمّى باسمه اللاتيني نوستراداموس (nostradamus)، وكان صيدلانيا ومنجِّماً فرنسياً، وقد نشر مجموعات من التنبّوءات في كتابه (النبوءات)، وقد ظهرت الطبعة الأُولى في عام (1555م)، وأصبحت منذ ذلك الحين مشهورة في جميع أنحاء العالم. يحتوي الكتاب تنبّؤات بالأحداث التي اعتقد أنَّها سوف تحدث في زمانه وإلى نهاية العالم الذي توقَّع أن يكون في عام (3797م). وكان يقوم بكتابة الأحداث على شكل رباعيات غير مفهومة. (ويكيبيديا الموسوعة الحرَّة).
(18) روى الحسن بن سليمان الحلّي بإسناده عن المفضَّل بن عمر، قال: سألتُ سيِّدي الصادق. عليه السلام: هل للمأمول المهدي عليه السلام من وقت موقَّت يعلمه الناس؟ فقال: «حاشَ الله أو يُوقِّت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا». قلت: يا سيِّدي، ولِمَ ذاك؟ قال: «لأنَّه هو الساعة، التي قال الله: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأعراف: 187]...» الحديث. (مختصر بصائر الدرجات: 179).
(19) ورد ذلك في بعض زياراته عليه السلام، كزيارته في يوم الجمعة التي رواها السيِّد ابن طاووس في جمال الأُسبوع: «...السلام عليك يا سفينة النجاة، السلام عليك يا عين الحياة...» (جمال الأُسبوع: 41).
(20) المصباح للكفعمي (جنَّة الأمان الواقية وجنَّة الإيمان الباقية)/ ط الأعلمي/ 1403ه/ بيروت.
(21) لا يخفى الدور الكبير لعلماء الشيعة في ضبط عدَّة من العلوم والفنون كانت الساهم الأساس في قراءة النصِّ الديني، وقد تكون هي اللبنة الأساسية لما انبثق من علوم حديثة، ودوّنت هذه المسائل والقضايا في علوم عدَّة منها: أُصول الفقه، المنطق، أُصول التفسير، بعض المباحث العقائدية كالتقيَّة وغيرها.
(22) روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: «إنّي لأتكلَّم على سبعين وجهاً لي من كلّها المخرج». [بصائر الدرجات 7: 328].
وروي عنه عليه السلام في حديث له مع محمّد بن النعمان الملقَّب بمؤمن الطاق: «أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا، إنَّ كلامنا ينصرف على سبعين وجهاً». (الاختصاص للمفيد: 282).
(23) ينبغي الإشارة إلى أنَّ الإرادة الجدّية هنا لا يقابلها الهزل (كما عند علماء الأُصول)، فهي هنا تعني القصد الأوَّل والنيَّة الحقيقية عند المتكلِّم من إنشاء الخطاب، ولذلك قد لا تكون مطابقة لفهم المخاطَب الفعلي أو الحاضر، فلربَّما أدركها وربَّما غفل عنها، من دون أن يُؤثِّر ذلك في فهمه لعبارة الخطاب، فالفهم منوط بمعرفة إرادة المتكلِّم الاستعمالية وليس إرادته الجدّية (الجوانية) أي نيَّته وقصده.
(24) الاعتباط: هو عدم وجود سبب ومناسبة في العلاقة بين أمرين، وهو هنا بمعنى المصادفة أو الارتجال. وفي أصل اللغة الاعتباط: هو النحر من دون علَّة.
(25) روبير لافونت وفرانسواز كارد - مداري/ المدخل إلى التحليل النصّي/ المجلَّد السادس من مجموعة (اللغة واللسان):
Robert Lafont et Françoise Gardes - Madray، Introduction à l›analyse textuelle، Larousse Université، Collection «Langue et Langage» 1976، VI. 5، La Production dynamique du sens: Praxème et Signifiance، p. 98
(26) الغيبة للنعماني/تحقيق فارس حسّون كريم/ منشورات أنوار الهدى/ 1422ه/ إيران/ قم.
(27) الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين، أبو محمّد الشيباني، ثقة، روى عن أبي الحسن موسى والرضا عليهما السلام. (رجال النجاشي: 50).
(28) ... لم يكن بين تأريخ ولاية العهد في محرَّم سنة (202هـ) وبين شهادة الإمام عليه السلام بالسُّمِّ في (21) رمضان سنة (203هـ) إلَّا عام وثمانية أشهر... (مسند الرضا عليه السلام لداود بن سليمان الغازي: 26).
(29) منها: عن يعقوب السرّاج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال: «إذا اختلف ولد العبّاس، ووهى سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنَّتها، ورفع كلُّ ذي صيصية صيصيته، وظهر الشامي، وأقبل اليماني، وتحرَّك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكّة بتراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم». (الكافي للكليني 8: 224 و225).
وعن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «... إذا اختلف بنو أُميَّة وذهب ملكهم، ثمّ يملك بنو العبّاس، فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من العيش حتَّى يختلفوا فيما بينهم، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم...». (الغيبة للنعماني: 270).
(30) الواقفية: وهم الذين قالوا بثمانية أئمَّة: عليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعليّ الرضا عليهم السلام، ووقفوا عنده، ولم يتجاوزوا إلى غيره، وزعموا أنَّ الرضا هو المهدي المنتظر عليه السلام وهم من الفِرَق البائدة. (الشيعة في الميزان لمحمّد جواد مغنية: 34/ دار الشروق/ بيروت).
(31) قال السيِّد المرتضى رحمه الله: واختلفت الواقفة في الرضا عليه السلام ومن قام من آل محمّد بعد أبي الحسن موسى عليه السلام فقال بعضهم: هؤلاء خلفاء أبي الحسن عليه السلام وأُمراؤه وقضاته إلى أوان خروجه، وإنَّهم ليسوا بأئمَّة وما ادَّعوا الإمامة قطّ، وقال الباقون: إنَّهم ضالّون مخطئون ظالمون، وقالوا في الرضا عليه السلام خاصَّة قولاً عظيماً وأطلقوا تكفيره وتكفير من قام بعده من ولده. (الفصول المختارة للمرتضى: 313).
(32) نقل العلَّامة المجلسي في بحار الأنوار (ج 48/ ص 267) عن البراثي، عن أبي عليّ، عن محمّد بن رجاء الحنّاط، عن محمّد بن عليّ (الجواد عليه السلام) أنَّه قال: «الواقفة هم حمير الشيعة»، ثمّ تلا هذه الآية: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: 44].
(33) في قاموس المعاني: تحدَّث الشَّخصُ: تحدَّث بالواقعة، تحدَّث عن الواقعة، تكلَّم عنها وأخبر بها.
(34) منها: عن المعلّى بن خنيس، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «من الأمر محتوم، ومنه ما ليس بمحتوم، ومن المحتوم خروج السفياني في رجب». (الغيبة للنعماني: 310 و311).
وعن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: «من المحتوم الذي لا بدَّ أن يكون من قبل قيام القائم: خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكيَّة، والمنادي من السماء». (الغيبة للنعماني: 272).
وعن الفضل الكاتب في حديث عن الصادق عليه السلام...، قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك جُعلت فداك؟ قال: «لا تبرح الأرض يا فضل حتَّى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثاً -، وهو من المحتوم». [الكافي للكليني 8: 274).
(35) عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «رحم الله عمي زيداً لو ظفر لوفى، إنَّما دعا إلى الرضا من آل محمّد وأنا الرضا». (كفاية الأثر للخزّاز القمّي: 306).
(36) عن المتوكّل بن هارون، قال: لقيت يحيى بن زيد بعد قتل أبيه وهو متوجّه إلى خراسان، فما رأيت رجلاً في عقله وفضله، فسألته عن أبيه عليه السلام فقال: إنَّه قُتِلَ وصُلِبَ بالكناسة، ثمّ بكى وبكيت حتَّى غشي عليه، فلمَّا سكن قلت له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما الذي أخرجه إلى قتال هذا الطاغي وقد علم من أهل الكوفة ما علم؟ فقال: نعم لقد سألته عن ذلك فقال: سألت أبي عليه السلام يُحدِّث عن أبيه الحسين بن عليّ عليهما السلام، قال: «وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على صلبي فقال: يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له: زيد يُقتَل شهيداً إذا كان يوم القيامة يتخطّى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخل الجنَّة»، فأحببت أن أكون كما وصفني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: رحم الله أبي زيداً، كان والله أحد المتعبِّدين، قائم ليله صائم نهاره، يجاهد في سبيل الله (عزَّ وجلَّ) حقَّ جهاده. فقلت: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هكذا يكون الإمام بهذه الصفة؟ فقال: يا أبا عبد الله، إنَّ أبي لم يكن بإمام ولكن كان من سادات الكرام وزهّادهم، وكان من المجاهدين في سبيل الله، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيمن ادَّعى الإمامة كاذباً، فقال: مَهْ يا أبا عبد الله إنَّ أبي عليه السلام كان أعقل من أن يدَّعي ما ليس له بحقٍّ، وإنَّما قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمّد. عنى بذلك عمّي جعفر. (كفاية الأثر للخزّاز القمّي: 307 و308).
(37) في سنة إحدى ومائتين بعث المأمون رجاء بن أبي الضحّاك وفرناس الخادم إلى المدينة المنوَّرة لإشخاص الرضا عليه السلام إلى المأمون وهو بخراسان، وذلك بعد قتل الأمين واضطراب الأُمور عليه، وبيان ذلك: أنَّ المأمون لمَّا قتل أخيه وصلب رأسه وأمر الناس أن يلعنوه خالفه بنو العبّاس وأظهروا الخلاف والنزاع، واضطربت بغداد والعراق والشام والحجاز، وانفصل أمر بني العبّاس وثارت الفتن عليهم، وظهر نصر بن سيار بن شبث بالشام، ومحمّد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا في الكوفة، وإبراهيم بن موسى بن جعفر عليهما السلام في الحجاز، وزيد بن موسى في البصرة. أمَّا محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فظهر بالكوفة، ويدعو إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام، والعمل بالكتاب والسُّنَّة، وكان القيّم بأمره في الحرب أبو السرايا السري بن منصور، وجرت بينه وبين الحسن بن سهل حروب كثيرة، ووجَّه الحسن بن سهل عبدوس بن محمّد المروزي في أربعة آلاف فارس، فخرج إليه أبو السرايا فلقيه بالجامع لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب، فقتل عبدوساً ولم يفلت من أصحابه أحد، وانتشر الطالبيون في البلاد وضرب الدراهم بالكوفة، ووثب من معه من الطالبيين على دور بنى العبّاس ومواليهم وأتباعهم فهدموها ونهبوها وخرَّبوا ضياعهم وأخرجوهم من الكوفة. ثمّ سيَّر جيشه إلى البصرة وواسط ونواحيها، فولّى البصرة العبّاس بن محمّد الجعفري، وولّى مكّة الحسين بن الحسن، وولّى فارس إسماعيل بن موسى بن جعفر، وولّى الأهواز زيد بن موسى بن جعفر، وولّى اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر، وبعث محمّد بن سليمان بن داود العلوي إلى المدائن وأمره أن يأتي بغداد من الجانب الشرقي. وأمَّا إبراهيم بن موسى بن جعفر فظهر باليمن، وبها إسحاق بن موسى بن عيسى العبّاسي وكان عاملاً للمأمون، فلمَّا بلغه قرب إبراهيم من صنعاء سار منها نحو مكّة فأتى المشاش فعسكر بها واجتمع بها إليه جماعة من أهل مكّة هربوا من العلويين، واستولى إبراهيم على اليمن، وكان يُسمّى الجزّار لكثرة من قتل باليمن وسبى و أخذ الأموال. وأمَّا زيد بن موسى بن جعفر عليهما السلام فإنَّه ظهر في البصرة وأحرق دور بني العبّاس وأتباعهم، وكان إذا أُتي برجل من المسودة أحرقه، وأخذ أموالاً كثيرة من مال التجّار سوى أموال بني العبّاس. وأمَّا نصر بن سيار بن شبث العقيلي فإنَّه أظهر الخلاف على المأمون، وكان نصر من بني عقيل يسكن كيسوم ناحية شمالي حلب، وكان في عنقه بيعة للأمين وله فيه هوى، فلمَّا قُتِلَ الأمين أظهر نصر الغضب لذلك وتغلَّب على ما جاوره من البلاد وملك سيمساط واجتمع عليه خلق كثير من الأعراب وأهل الطمع وقويت نفسه وعبر الفرات إلى الجانب الشرقي، وحدَّث نفسه بالتغلّب عليه، فلمَّا رأى الناس ذلك منه كثرت جموعه وزادت عمَّا كانت.
فهذه الثورات اضطربت المأمون وأخرجت البلاد من يده وهو مقيم بمرو خراسان ومتفكّر في أمره، ويشاور مع خواصّه ووزرائه، والمأمون كان من أفضل رجال بني العبّاس علماً، ورأياً، ودهاءً وهيبةً، فأراد أن يخلع نفسه عن الخلافة ويجعلها في (الرضا) من آل محمّد، ويريد بذلك كسر شوكة ابن طباطبا وسائر العلويين الذين يدعون الناس بهذا العنوان، وكان ذلك مكر وخديعة منه. (مسند الإمام الرضا عليه السلام للشيخ عزيز الله عطاردي 1: 50 - 52).
(38) حياة الإمام الرضا عليه السلام للقرشي 1: 24: روى سليمان بن حفص، قال: كان موسى بن جعفر سمّى ولده عليّاً الرضا، وكان يقول: «اُدعو لي ولدي الرضا»، و«قلت لولدي الرضا»، و«قال لي ولدي الرضا»، وإذا خاطبه قال: «يا أبا الحسن».
(39) روى النعماني في كتابه الغيبة عن عبد الرحمن بن كثير، قال: كنتُ عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم، فقال له: جُعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر ننتظره متى هو؟ فقال: «يا مهزم، كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون». (الغيبة للنعماني: 158).
وعن أبي المرهف، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «هلكت المحاضير». قلتُ: وما المحاضير؟ قال: «المستعجلون. ونجا المقرِّبون، وثبت الحصن على أوتادها. كونوا أحلاس بيوتكم، فإنَّ الغبرة على من أثارها. وإنَّهم لا يريدونكم بجائحة إلَّا أتاهم الله بشاغل، إلَّا من تعرَّض لهم». (الغيبة للنعماني: 169).
وعن إبراهيم بن هليل، قال: قلتُ لأبي الحسن (الكاظم): جُعلت فداك مات أبي على هذا الأمر، وقد بلغت من السنين ما قد ترى. فقال: «يا أبا اسحاق، إنَّك تعجل». فقلتُ: إي والله أعجل! وما لي لا أعجل ولقد بلغتُ من السنين ما قد ترى؟ فقال: «أمَا والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتَّى تُميَّزوا وتُمحَّصوا، وحتَّى لا يبقى منكم إلَّا الأقلّ»، ثم صَفِرَ كفَّه. (الغيبة للنعماني: 110).
وروى الكليني في الكافي (ج 8/ ص 274) عن الفضل الكاتب، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه كتاب أبي مسلم فقال: «ليس لكتابك جواب، اُخرج عنّا»، فجعلنا يسار بعضنا بعضاً، فقال: «أيُّ شيء تسارون يا فضل؟ إنَّ الله (عزَّ وجلَّ ذكره) لا يعجل لعجلة العباد، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقص أجله...» (الكافي للكليني 8: 274).
(40) الإرشاد للمفيد: 405.
(41) الكافي للكليني 8: 22.
(42) بحار الأنوار للمجلسي 52: 215.
(43) بحار الأنوار للمجلسي 52: 251.
(44) الملاحم والفتن لابن طاووس: 107.
(45) تُترجَم (إنَّ) المؤكّدة في اللغة الانكليزية بكلمة (certainly) وفي الفرنسية بكلمة (certes).
(46) بحار الأنوار للمجلسي 52: 287.
(47) الغيبة للطوسي: 206.
(48) جواهر البلاغة لأحمد الهاشمي: 162.
(49) الغيبة للطوسي: 461.
(50) بحار الأنوار للمجلسي 22: 454.