التعدّدية الدينية وعصر الظهور
التعدّدية الدينية وعصر الظهور
بقلم: حسن پناهي آزاد
تعريب: حسن مطر
ماهيَّة التعدّدية الدينية:
إنَّ مفهوم (التعدّدية الدينية) ترجمة لمصطلح (البلوراليزم) في اللغة الإنجليزية، حيث تعني مفردة الـ (بلورال)(1): الجمع والجمعي أو التعدّدي، وتحكي عن الوجودات المتعدِّدة والمتكثِّرة. وأمَّا مصطلح (البلوراليزم) فيُطلَق على المذهب الذي يرى أنَّ ثَمَّة أكثر من حقيقة مطلقة واحدة. وقد تمَّ استعمال هذا المصطلح للمرَّة الأُولى في الدائرة الكنسية التقليدية، حيث كان يُطلَق على الشخص الذي يتولّى أكثر من مسؤولية أو منصب واحد في الكنيسة تسمية الـ (بلوراليست)(2). ثمّ تمَّ التوسّع في استعمال هذا المصطلح في مختلف الحقول الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والأخلاقية، والمعرفية، والدينية. من هنا، يمكن تقسيم البلوراليزم أو التعدّدية إلى مختلف الدوائر والحقول والمجالات(3).
إنَّ نظرية التعدّدية الدينية(4) التي تحظى بتفسيرات متنوِّعة، بالإضافة إلى القبول بتكثّر الأديان وتنوّعها - سواءً أكانت سماوية أو بشـرية - ترى صدق كافَّة الأديان بأجمعها، وتقول بأنَّها مطابقة للواقع، وتوجب السعادة والفلاح في عالم الآخرة. وعلى هذا الأساس، فإنَّ التعدّدية في امتلاك الصدق والفلاح تُعَدُّ من العناصر الأساسية للتعدّدية الدينية. إنَّ جميع الأديان الموجودة حالياً تُعتَبر من وجهة نظر التعدّدية الدينية صادقة ومحقَّة، وأنَّ تعاليمها مطابقة للواقع، وأنَّ أتباع جميع هذه الأديان سيحصلون على السعادة في عالم الآخرة.
إنَّ التعدّدية الدينية تعني أنَّ الأديان الكبرى في العالم تُشكِّل الأفهام المتغيِّرة، والمدرَكات، وردود الأفعال المتنوِّعة عن الحقيقة اللاهوتية. يمكن النظر إلى هذه النظرية من خلال مقابلتها بالنظريتين المنافستين لها، أعني: نظرية المذهب الانحصاري(5)، ونظرية المذهب الشمولي(6) (7). وهناك من اختار طريقاً وسطاً بين الانحصارية والشمولية، وذهب إلى احتمال إمكانية التخلّي عن المدَّعيات الانحصارية، والقول بأنَّ الأديان المتنوِّعة والمختلفة، حتَّى إذا اختلفت في إجاباتها وردود أفعالها المتنوِّعة بشأن الحقيقة الإلهيَّة، إلَّا أنَّها بأجمعها تؤدّي إلى السعادة والخلاص، أو ضمان كمال النفس لأتباعها. وهذا ما اختاره الفيلسوف (جون هيك)، وأطلق عليه مصطلح التعدّدية الدينية(8) (9).
الجذور التاريخية للتعدّدية الدينية:
هناك من يرى أنَّ (يانس مسكينوس) الأُسقف الأعظم في الكنيسة الأُرثودوكسية، هو أوَّل من تحدَّث عن التعدّدية الدينية، ودعا إلى مسألة الحوار بين مختلف الأديان. وهناك من يرى أنَّ (يوحنّا الدمشقي) - الذي كتب رسالة في هذا الموضوع - هو أوَّل من أثار هذا البحث(10).
يمكن بيان تبلور التعدّدية الدينية بصيغتها الراهنة على النحو التالي: لقد أحدثت حركة الإصلاح الديني بزعامة (مارتن لوثر) و(جون كالفين) موجة من إعادة النظر في موقع الكنيسة، أُطلق عليها عنوان (الإصلاح الديني)(11)، لينتهي الأمر بظهور (شلايرماخر)(12)، وتدوين اللاهوت الليبرالي. حيث عمد هذا المنهج الفكري إلى تقديم تفسير جديد لجوهر المسيحية. وفي القرن التاسع عشـر للميلاد، تمَّ طرح الليبرالية الكلامية(13) من قِبَل (شلايرماخر)، بوصفها حدّاً وسطاً بين النزعة التقليدية والنزعة التجديدية، تحت عنوان (الإلهيات المعتدلة)(14). وقد عمد (شلايرماخر) - ضمن قبوله بفكرة (علمية التكامل) بدلاً من (اللاهوت الطبيعي والوحياني) - إلى اعتناق التجربة الدينية والعرفانية.
كان (شلايرماخر) يذهب إلى الاعتقاد بوجوب عدم إعطاء عيسى عليه السلام شأناً ومنزلةً أكبر ممَّا توحي به أعماله، أو أن ننسب له سلوكاً وتصـرّفاً لا يتناسب مع شأنه ومنزلته(15). يصل منطلق التعدّدية الدينية إلى (شلايرماخر) واللاهوت الليبرالي.
لقد كانت التعدّدية الدينية في العالم المسيحي ردَّة فعل على النزعة الانحصارية في الصدق والنجاة في الكلام المسيحي. وهناك نظريات أُخرى مطروحة في باب منشأ التعدّدية الدينية(16).
وقد عمد (جون هيك)(17) إلى طرح التعدّدية الدينية في قبال نظرية المذهب الانحصاري، ونظرية المذهب الشمولي. وعليه، لا بدَّ للتعرّف على التعدّدية الدينية من التعرّف على هاتين النظريتين:
النظرية الأولى: نظرية المذهب الانحصاري:
يذهب أتباع المذهب الانحصاري إلى الاعتقاد بأنَّ السعادة والخلاص والكمال، أو أيّ شيء آخر يكون هو الهدف النهائي من الدين، إنَّما ينحصـر وجوده في دين واحد بعينه، وإنَّ هذا الدين هو الذي يضع أمامنا الطريق الوحيد للسعادة والخلاص، وإنَّ أتباع الأديان الأُخرى - مهما تأصّلوا في تديّنهم - لن يتمكَّنوا من بلوغ السعادة والفلاح من طريق دينهم أبداً(18).
وقد ذهب الانحصاريون في الدين المسيحي - بسبب تطرّفهم وجمودهم على ظواهر نصوص الكتاب المقدَّس - إلى القول بأنَّ أنبياء الأديان السابقة على المسيحية - من أمثال: النبيّ إبراهيم والنبيّ موسى عليهما السلام - ليسا من أهل الجنَّة، لعدم تعميدهما على يد النبيِّ عيسى عليه السلام. ولذلك فإنَّهم ينتظرون النبيَّ عيسى عليه السلام كي يُعمِّدهما، ليتمكّنا من الدخول إلى الجنَّة، والحصول على السعادة هناك.
وقد استند هذا التطرّف في الجمود على النصِّ إلى فقرة من الإنجيل، وهي الفقرة التي يقول فيها السيِّد المسيح عليه السلام: (أنا هو الطريق والحقّ والحياة، لا يجيء أحد إلى الأب إلَّا بي...) (19).
وأقصى ما تمَّ تحريكه في هذه الرؤية، هو القول بمعذورية أتباع الأديان الأُخرى، بعد توصيف المسيحية بأنَّها الدين الحقيقي الوحيد. ومن هذا المنطلق، عمد البابا في عام (1854) للميلاد، إلى الإعلان عن أنَّ الكنيسة الكاثوليكية تُمثِّل سفينة النجاة الوحيدة، إلَّا أنَّ تلك المجموعة من المتديِّنين المسيحيين، الذين لا يعرفون الدين الحقيقي، (وهم المسيحيون المجهولون أو المغمورون)، لا يُعتَبرون عند الله من المذنبين(20).
إنَّ هذا الاعتقاد القائل بنجاة المسيحيين المجهولين، يؤدّي إلى (تعدّدية النجاة) (21).
النظرية الثانية: نظرية المذهب الشمولي:
إنَّ النظرية الشمولية تُمثِّل الحدّ الفاصل بين الاتِّجاه الانحصاري، والاتِّجاه التكثّري. حيث يذهب كارل رانر (1904 - 1980م) - بوصفه ممثِّلاً لهذه النظرية - إلى الاعتقاد بأنَّ الناس إنَّما يتمكَّنون من السعادة، بسبب وقوع حادثة خاصَّة تؤّدي إلى سعادتهم. إنَّ المسيحية لم تُعرِّفنا على عيسى عليه السلام بوصفه كلمة الله الفذَّة، بل أعدَّت الأرضية الاجتماعية اللازمة لحضور عيسى عليه السلام بين الناس أيضاً. إنَّ الله تعالى يريد النجاة لجميع الناس. لقد دفع عيسى عليه السلام لتحقيق هذه السعادة والنجاة كفّارةً، وقد بسط الله تعالى بركات هذه التضحية من قِبَل عيسى عليه السلام، لتشمل جميع الناس، حتَّى أُولئك الذين لم يسمعوا شيئاً عن السيِّد المسيح عيسى عليه السلام، وموته وسلطانه أبداً. ونتيجةً لذلك، وفَّر الله تعالى إمكانية التصالح والتسالم بين جميع الناس، حتَّى أُولئك الذين لم يعيشوا ضمن نطاق المسيحية التاريخية أيضاً(22).
إنَّ أتباع النظرية الشمولية من جهةٍ - شأنهم شأن أتباع النظرية الانحصارية - يعتقدون بوجود مجرَّد طريقٍ واحدٍ للسعادة والنجاة، وأنَّ هذا الطريق لا يمكن التعرّف عليه إلَّا في دين واحد محدَّد، ويمكن للجميع أن يلج هذا الطريق. ومن جهة أُخرى، يعتقدون بأنَّ لطف الله وعنايته تتجلّى على عدَّة أنحاء، ويمكن لكلِّ شخص أن يبلغ السعادة والنجاة، حتَّى إذا كان جاهلاً بالأُصول العقائدية لذلك الدين الحقِّ(23). بمعنى: أنَّ الإيمان المسيحي يؤدّي إلى نجاة وسعادة جميع الناس، حتَّى أُولئك الذين لم يسمعوا باسم السيِّد المسيح عليه السلام (24).
التعدّدية:
عمد (جون هيك) من أجل حلِّ المشكلة الماثلة في النظرية الانحصارية والنظرية الشمولية، من خلال طرح نظرية التعدّدية(25)، حيث قال في معرض بيان نظريته:
(إنَّ التعدّدية عبارة عن قبول الرؤية القائلة بأنَّ تحوّل وتبديل الوجود الإنساني من حالة الأنانية ومحورية الذات إلى محورية الله (الحقيقة)، يحدث بطرق متنوِّعة في صلب جميع تقاليد الأديان الكبرى في العالم. وبعبارة أُخرى: ليس هناك طريق أو منهج واحد للسعادة والنجاة، وإنَّما هناك طرق متعدِّدة ومتكثِّرة في هذا المجال)(26).
وبعد دراسته للنظرية الانحصارية والنظرية الشمولية في المسيحية، قال:
(أرى أنَّ هناك طريقاً يمكن للمسيحيين - إذا أرادوا على المستوى الشخصـي - أن يسلكوه في إطار الإيمان بالتعدّدية الدينية. وإذا أردنا بيان هذا النوع من التعدّدية بلغة فلسفية وجب القول: إنَّ أنواع الإيمان والاعتقاد المنبثق من صُلب الأقسام الرئيسة لأساليب الإنسان الثقافية، المشتمل على المدرَكات أو التصوّرات المتنوِّعة والمتناظرة معها، تحتوي على ردود أفعال متفاوتة تجاه الحقيقة المطلقة أو الوجود الغائي. وكذلك، فإنَّ طريق حلّ كلّ واحد من هذه التقاليد الدينية يكمن في تبديل وتحوّل الناس من حالة الأنانية والتمحور حول الذات إلى التمحور حول الله تعالى بشكل واضح. وإنَّ هذا التحوّل في حدود سعة رؤية البشـر تبدو متشابهة إلى حدٍّ كبير. من هنا يمكن اعتبار الأديان الكبرى بوصفها مجموعة من الفضاءات البديلة لبعضها، وأنَّ هناك في صُلب هذه الفضاءات طرقاً يمكن لأفراد وآحاد الناس بلوغ النجاة والسعادة والحرّية الروحية والتنوير، أو التكامل المعنوي من خلالها)(27).
بعض الأدلَّة على التعدّدية الدينية:
لقد ذكر (جون هيك) وأتباع النظرية التعدّدية أدلَّة لإثبات نظريتهم، ومن بين تلك الأدلَّة(28):
أ - التفكيك والفصل بين الوجود والظهور:
ذهب (جون هيك) متأثِّراً بنظرية (كانت) - في الفصل والتفكيك بين وجود الشـيء في حدِّ ذاته (نومن)(29)، وبين الشـيء بحسب الظاهر وكما يبدو لنا (فينومينون)(30) - إلى القول بوجود واقعية في ذات الأمر، وأنَّه لا توجد لدينا - بحكم الضـرورة - معرفة وإدراك كامل لها، وأنَّ تصوّرنا قاصر عن بلوغها، بَيْدَ أنَّ الناحية الظاهرة من الواقعية تعدُّ واقعية أُخرى بأيدينا.
إنَّ هذه الواقعية عندنا لا تطابق الواقعية في حدِّ ذاتها، وإنَّ هذا التفاوت - سواء عند الإدراك والمعرفة أو عند التقرير والتفسير - سوف يظهر ويبرز على أشكال متنوِّعة. إنَّ الأديان إنَّما تكثَّرت وتعدَّدت نتيجةً لمواجهة الناس مع الأمر القدسي، وصبِّه في ظرف العصور والثقافات المختلفة عند إدراك وتقرير تجاربهم.
(يبدو أنَّ جميع هذه المفاهيم (تفاسير الأديان المختلفة لحقيقة واحدة) والاختلافات تشبه بعضها إلى حدٍّ ما، وإن لم تكن عين بعضها في الوقت نفسه. فلو أنَّنا افترضنا أنَّ الحقيقة المطلقة واحدة، وكان إدراكنا وفهمنا لهذه الحقيقة متعدِّداً ومتنوِّعاً، فإنَّ هذا سوف يُوفِّر لنا أرضية لفرضية أُخرى تقول: إنَّ مختلف التجارب الدينية تُعبِّر عن إدراكاتنا وأفهامنا المختلفة لحقيقة واحدة مطلقة ومتعالية، يتمُّ إدراكها من قِبَل الأذهان البشـرية - المتأثِّرة بالأزمنة المختلفة والثقافات المتنوِّعة - على شكل صور مختلفة، وفي المقابل تُؤثِّر فيها أيضاً(31).
وعلى هذا الأساس، فإنَّ الدين من وجهة نظر (جون هيك) نتيجة نوع من الانعكاسات الإنسانية التي تحصل إثر السعي الواعي للناس من أجل إدراك الأمر الغائي(32) (المتمثِّل بالله تعالى).
يستعين (جون هيك) لبيان نظريته بحكاية العميان الثلاثة والفيل(33)، ويقول: نحن لا نستطيع القول: إنَّ أيَّ واحد من الزاويا المتعدِّدة (للتفاسير المختلفة للفيل) هو الصحيح، إذ لا وجود لأيِّ زاوية وتفسير نهائي يمكن لنا من خلاله ملاحظة ذلك المشهد من زاوية جميع العميان وذلك الفيل. وفي الحقيقة، فإنَّنا بأجمعنا عميان مرتهنون لمفاهيمنا الشخصية والثقافية. هناك من يعتقد بأنَّ الإنسان - من خلال خلع أوصافه على الله تعالى -، يُبدِع المفاهيم الدينية. ويذهب جون هيك إلى القول بأنَّ هذا الكلام صحيح إلى حدٍّ ما(34).
ب - تنزيل الدين إلى مستوى التجربة الدينية:
إنَّ من بين أهمّ الأُسس التي تقوم عليها التعدّدية الدينية، هي نظرية التجربة الدينية، التي تُستَعمل في الكثير من الموارد. وقد ذهب (شلايرماخر) إلى اعتبار التجربة الدينية نوعاً من الشعور الباطني، وهو نوع من الشعور بالتبعيَّة المطلقة. أمَّا (ألستون) فقد أعطى بُعداً معرفياً للتجربة الدينية، معتبراً إيّاها نوعاً من الإدراك الحسّـي، الذي يُشكِّل أساساً ودعامةً للمعرفة الدينية. وطبقاً لرواية وتقرير آخر، تُعتَبر التجربة الدينية الوجه الذي يُميِّز المتديِّنين من غيرهم. وبالالتفات إلى أنَّ الوحي إنَّما يخصُّ عدداً محدَّداً من الأفراد، فإنَّ توصيف التجربة الدينية بأنَّها نوع من المعرفة الحضورية والشهودية للحقيقة المتعالية، يُعتَبر من بين الاستعمالات الأُخرى لهذا المصطلح(35).
إنَّ الذي يمكنه أن يكون قاعدةً لنظرية التعدّدية الدينية، هو الاستعمال الأوَّل للتجربة الدينية. وقد استند (جون هيك) في بيان أدلَّته إلى هذا التفسير للتجربة الدينية.
إنَّ الاهتمام بالتجربة الدينية - بوصفها قاعدةً لتوجيه وتبرير العقائد الدينية - يُمثِّل عنصـر ظهور الإلهيات المعتدلة بزعامة (شلايرماخر)(36). وقد عمد (جون هيك) في جميع أعماله إلى الاستفادة من هذه النظرية لتثبيت نظرية التعدّدية الدينية.
إنَّ التجربة الدينية - بمعنى مواجهة صاحب التجربة لأمر قدسي - تتعرَّض دائماً للتنوّع أثناء التقرير والتفسير بسبب تدخّل أُمور متنوّعة من قبيل: الافتراضات، والمتبنّيات المسبقة، والبيئة الثقافية والمعرفية.
إنَّ تنوّع الأديان يُمثِّل انعكاساً للتجارب الدينية المتحقّقة والمتعيّنة، ولا شيء منها يُمثِّل الحقَّ المطلق ولا الباطل المطلق، بل كلُّ واحد منها يُمثِّل حقائق قابلة للتكامل، ولكنَّها مشوبة بالتفاسير التاريخية(37).
يقول (جون هيك): (يمكن لنا أن نُقيم هذه الفرضية القائلة بأنَّ الواقعية في نفسها تتمُّ تجربتها على أساس أحد مفهومين رئيسين من المفاهيم الدينية التي يخوضها الأفراد، وأحد هذين المفهومين هو: مفهوم الإله، أو مفهوم الواقعية المطلقة، وتجربة ذلك بوصفه وجوداً متشخِّصاً يكون هو الغالب على الصور التوحيدية للدين. أمَّا ثاني هذين المفهومين، فهو: المفهوم المطلق، أو الواقعية المطلقة، وتجربتها بوصفها ذاتاً غير متشخِّصة تغلب على أنواع الصور غير التوحيدية من الدين...، إنَّ هذه الصور المرتبطة بالله تعالى، قد وُجِدَت في صُلب التقاليد والسنن الدينية المختلفة. وعلى هذا الأساس، فإنَّ (يهوه) والكتاب المقدَّس للعبريين قد تبلور ضمن الارتباط المتبادل والمتقابل بين اليهود، فهو يُمثِّل جزءاً من تاريخهم، وهم يُمثِّلون جزءاً منه...، ومن ناحية أُخرى يُمثِّل (كريشنا) شخصية لاهوتية مختلفة تماماً، حيث توجد فيما يتعلَّق بمجتمع ديني متفاوت...
بالالتفات إلى هذه الفرضية الجوهرية، يمكن القول: إنَّ (يهوه) و(كريشا)، وكذلك (شيوا) و(الله) و(الأب) و(عيسى المسيح) ذوات متشخِّصة مختلفة تتمُّ تجربتها وتغدو موضوعاً للتفكير على أساس تلك الواقعية الإلهية الماثلة في صُلب التيّارات المختلفة في الحياة الدينية.
من هنا فإنَّ هذه الذوات المختلفة هي إلى حدٍّ ما تجلّيات للواقعية الإلهيَّة في الوعي والوجدان البشري، كما أنَّها إلى حدٍّ ما تُمثِّل انعكاسات للوعي الذاتي والذهن البشـري، كما تأمر بذلك الثقافات التاريخية الخاصَّة)(38).
وقال أيضاً: (إنَّ الأديان المختلفة عبارة عن تيّارات متفاوتة من التجارب الدينية، والتي بدأ كلُّ واحد منها في مقطع تاريخي مختلف من تاريخ الإنسانية، حيث وَجَد كلُّ واحد منها وعيه العقلي الذاتي في صُلب بيئة ثقافية مختلفة)(39).
ج - الفصل بين جواهر الدين وأصدافه:
إنَّ الأصالة في هذه الرؤية تُعطى لجوهر الدين ولبابه، أمَّا التعاليم - ولا سيّما التقاليد والمناسك الظاهرية للدين - فتُمثِّل الصدف والقشـرة الخارجية منه. وإنَّ جوهر الدين ولُبَّه شيء واحد، إلَّا أنَّه يُحاط - بما يتناسب والثقافة التي تحتضن الدين - بصَدَفة خاصَّة، وبذلك تنشأ ظاهرة تعدّد الأديان أيضاً. وإنَّ جميع الأديان المشتملة على هذا الجوهر، حقٌّ وتؤدّي إلى النجاة(40).
إنَّ التعاليم - طبقاً لرؤية (جون هيك) - لا تُمثِّل جوهر الدين، وإنَّما جوهر الدين يتمثَّل في تغيير الإنسان.
من هنا، فإنَّه يُحذِّر من التأكيد المفرط على التعاليم الدينية، التي هي من قبيل (تجسّد عيسى عليه السلام) (41)، ولا بدَّ من اعتبارها - مثل النظريات العلمية - قابلة للصدق والكذب.
إنَّ العقائد الدينية جهود تتكفَّل بالإجابة عن أسئلة الناس حول حياة الإنسان وتجربة الأمر الإلهي. وإنَّ هذه العقائد والتعاليم إنَّما تكون صادقة ما دامت تستطيع تغيير آرائنا ونماذجنا في مواصلة الحياة. وعلى هذا الأساس، لو اعتبرنا تعاليم الأديان المتنوِّعة - والمتناقضة بحسب الظاهر - معبِّرة عن تجربة الحياة، فإنَّ هذه التعاليم لن تبدو منسجمة ومتناغمة في الغالب(42).
إنَّ للتعدّدية الدينية أنحاءً ووجوهاً متعدِّدة، أشار لها بعض الكُتّاب المعاصرين، ومن بينها: التعدّدية المعيارية(43)، والتعدّدية التحقيقية(44)، والتعدّدية التكليفية أو الفقهية(45). ونحن في هذه الدراسة نتناول البحث في تعدّدية الحقيقة وتعدّدية النجاة(46) (47).
وحيث إنَّ هذه المقالة تسعى إلى بحث العلاقة بين التعدّدية الدينية والفكر المهدوي، وارتباط هذه النظرية بعصـر الظهور، وليست بصدد المواجهة مع التعدّدية الدينية ونقدها بشكل مستقلّ، فسنكتفي على نحو الإجمال ببيان عدم انسجام هذه النظرية مع المباني الكلامية للإسلام.
عدم انسجام التعدّدية الدينية مع الأسس الكلامية في الإسلام:
قبل الخوض في بحث عدم الانسجام بين التعدّدية الدينية وقواعد الكلام في الإسلام، لا بدَّ من التذكير ببعض الأُمور، على النحو التالي:
الأمر الأوَّل: إنَّ الإسلام يقوم على أساس التوحيد، وإنَّ جميع الأنبياء - طبقاً للنصِّ القرآني - هم من البشـر، وإنَّ الله تعالى مجرَّد ومنزَّه عن المادَّة والتجسيد. وبذلك، لا ينسجم الإسلام مع عقيدة المسيحيين في القول بتجسّم الله تعالى في ناسوت عيسى(48)، واعتقاد اليهود بتجسّد (يهوه) ومصارعته ليعقوب عليه السلام. وأمَّا طبقاً للتعدّدية الدينية، فيمكن القول بأنَّ الجميع على حقٍّ، وإنَّ كلا الدينين صادق. وهذا ليس سوى القول باجتماع النقيضين.
وبعبارة أُخرى: طبقاً لرؤية (جون هيك) القائلة: (إنَّ تحوّل وتبديل الوجود الإنساني من الأنانية ومحورية الذات إلى محورية الله (الحقيقة)، قائم بطرق مختلفة في جميع السنن والأعراف الدينية للأديان الكبرى في العالم)، و(إنَّ السنن الدينية فضاءات بديلة يمكن لجميع الناس أن يصلوا إلى الكمال بواسطة أيِّ واحد منها) يجب القبول بأنَّ ما تقوله المسيحية بشأن تأليه المسيح، وما يقوله الإسلام بشأن إنسانية المسيح، حقٌّ وصادقٌ.
إنَّ هذا الاعتقاد لا يمكن القبول به بحال من الأحوال، لعدم تطابقه مع الأصل البديهي القائل بـ (امتناع اجتماع النقيضين)(49).
الأمر الثاني: فيما يتعلَّق بالسؤال المعرفي للتعدّدية الدينية القائل: (هل جميع الأديان والمذاهب على حقٍّ؟)، يمكن القول:
رغم أنَّ الأديان السماوية لا تخلو من بعض الحقِّ، إلَّا أنَّها ليست على قدر المساواة بأجمعها. فالإسلام متقدِّم على جميع الأديان في هذا الشأن. فالأديان إنَّما تشتمل على الحقِّ بمقدار ما تشترك فيه مع الدين الأسمى والأكمل. وعلى حدِّ تعبير (محيي الدين بن عربي)(50): إنَّ دين الإسلام بمنزلة الشمس، وسائر الأديان الأُخرى بمنزلة النجوم والكواكب، فعلى الرغم من أنَّ الجميع يُرسِل ضوءاً، إلَّا أنَّ طلوع الشمس يحجب النجوم الأُخرى، ومع ذلك في وقت غياب الشمس، يكفي ضوء النجم لمن يريد أن يهتدي الطريق. إنَّ الدين الأكمل هو متمِّم للأديان السابقة. وإنَّ الأديان السابقة كانت تُمهِّد الطريق للدخول إلى الدين الجديد، من قبيل الصفوف في المرحلة الابتدائية، إذ أنَّها تُمهِّد للدخول في الصفوف في المرحلة المتوسِّطة، فإنَّها رغم تمتّعها بنصيب من الحقيقة، وإعدادها للطلّاب كي يصلوا إلى المراحل العليا، إلَّا أنَّ الحقيقة التي يحصل عليها الإنسان في المرحلة الابتدائية لا تُعَدُّ شيئاً بالقياس إلى الحقائق والمعلومات التي يحصل عليها في مراحل الدراسات العليا.
وبعبارة أُخرى: إنَّ القول بوجود التعدّدية الطولية، هو غير الإذعان والاستسلام أمام وجود التعدّدية العرضية، والقول بأنَّها تحتوي على الحقِّ بشكل متساوٍ.
يقول الشهيد مرتضى المطهَّري بهذا الشأن:
(إنَّ الدين الحقَّ في كلِّ عصـر لا يعدو أن يكون ديناً واحداً، ويجب على كلِّ شخص أن يتَّبع ذلك الدين لا غير. وإنَّ القول بأنَّ جميع الأديان السماوية على درجة المساواة من حيث الاعتبار، ليس بالقول الصائب. نعم، لا شكَّ في عدم وجود خلاف أو نزاع بين جميع أنبياء الله تعالى... إلَّا أنَّ هذا لا يعني وجود العديد من الأديان في كلِّ زمان، وأنَّ بإمكان الإنسان في كلِّ عصـر أن يختار أيَّ دين يشاء)(51).
من هنا، فإنَّ التعدّدية الدينية لا تنسجم مع قواعد الكلام الإسلامي.
الفكر المهدوي والتعدّدية الدينية:
قبل الخوض في بحث إمكان أو عدم إمكان التعدّدية الدينية في عصـر الظهور، يجب أن نبحث في علاقة قواعد وأدلَّة التعدّدية الدينية من خلال بعض تعاليم المهدوية، على النحو التالي:
أوَّلاً: ورد في رواية طويلة عن النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه ذكر أوصاف وشرائط آخر الزمان والإمام المهدي عليه السلام لسلمان الفارسي قائلاً له: «...إنَّك مدركهم وأمثالك ومن تولّاهم بحقيقة المعرفة...»(52). وعليه فإنَّ الإيمان - طبقاً لهذه الرواية - ليس أمراً عارضاً أو غائباً، لأنَّ معيار إدراك الإمام المهدي عليه السلام يكمن في الطاعة الواعية. ولو كانت الطاعة أو مضمون الدين مجرَّد ظهور عابر، لما أمكن اعتباره معياراً لإدراك الحقائق الأُخرى (ومن بينها حضور الإمام المهدي عليه السلام).
كما وصف الإمام الصادق عليه السلام أساس الدين والإيمان بأنَّه أمر حضوري وشهودي، حيث قال:
«من زعم أنَّه يعرف الله بتوهّم القلوب فهو مشـرك...، ومن زعم أنَّه يعبد الاسم والمعنى فقد جعل مع الله شريكاً، ومن زعم أنَّه يعبد المعنى بالصفة لا بالإدراك فقد أحال على غائب، ومن زعم أنَّه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد لأنَّ الصفة غير الموصوف، ومن زعم أنَّه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغَّر الكبير، ﴿وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: 91]»(53).
إنَّ الاعتقاد بالفصل بين الوجود والظهور يُؤدّي بالتالي إلى المعرفة الغائبة المستندة إلى الوهم أو الخيال، في حين أنَّ الإمام الصادق عليه السلام يرى أنَّ الدين والعبادة أمر حاضر وقائم على أساس المعرفة والإدراك. يُضاف إلى ذلك أنَّ فصل الوجود عن الظهور نوع من التشكيك المنظَّم، وليس دليلاً منطقياً(54).
ومن جهة أُخرى، بناءً على القول بأنَّ لحقيقة الإيمان مراتب ودرجات مختلفة، يكون الإيمان أمراً وجودياً، وليس مجرَّد وهم أو خيال، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم:
- ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ﴾ (المجادلة: 11).
- ﴿هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ (آل عمران: 163).
- ﴿نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: 76).
وعلى هذا الأساس، فإنَّ الإيمان والمعرفة حقيقتان متَّصلتان، وتؤثِّران بشكل حاسم في تعالي البشر، ولا يمكن القبول أبداً بأنَّ الدين مجرَّد ظواهر وإفرازات منبثقة عن الذهن البشري.
وثانياً: إنَّ القائلين بالتعدّدية الدينية، من خلال تنزيلهم مرتبة الدين إلى مستوى التجارب الفردية، جعلوه دليلاً على مدَّعاهم، في حين أنَّ هذا المدَّعى قابل للردِّ أيضاً، لأنَّ حقيقة الإسلام ثابتة، إلَّا أنَّ الإنسان المحدود يعجز أحياناً عن إدراك ذلك. وفي هذا الشأن روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: «كأنَّني بدينكم هذا لا يزال متخضخضاً يفحص بدمه ثمّ لا يردّه عليكم إلَّا رجل منّا أهل البيت...، وتؤتون الحكمة في زمانه حتَّى أنَّ المرأة لتقضـي في بيتها بكتاب الله تعالى وسُنَّة رسول الله»(55).
وطبقاً لذلك، يكون الإسلام حقيقة ثابتة، سوف تتجاوز أحداثاً مريرة، ليبلغ مكانته اللائقة به في نهاية المطاف على يد الإمام المهدي عليه السلام. إلَّا أنَّ معرفة الدين - بناءً على عقيدة أنصار التجربة الدينية - غير ممكنة، لأنَّ فهم كلّ شخص في كلِّ لحظة يختلف عن فهمه في اللحظة الأُخرى.
إنَّ الاستناد إلى الظاهرة الذهنية (فينومينون)، وعدم ربطها بالناحية الوجودية من الدين (نومن)، يترك الفرد وحيداً أمام تصوّراته الذهنية. إنَّ هذه الرؤية لم تأتِ بمعيار لتشخيص صحَّة وسقم (مطابقة أو عدم مطابقة) تصوّراته الذهنية مع حقيقة الدين. إنَّ مذهب إنكار معيار المعرفة أو النسبية المعرفية(56)، هو الذي يخدم التعدّدية الدينية(57).
لو أصبح الدين المعرفي محدوداً بتجربة الأشخاص، لأمكن عرض كلّ عقيدة جديدة (غير ما جاء به النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم) بوصفها من صميم الدين الإسلامي، وهذا هو التحريف الذي على إثره تمَّ تشبيه الإسلام بالطائر الذي يفحص بدمه، أو يخالف ويعارض جميع تعاليم الإسلام وموضوع المهدوية.
وثالثاً: إنَّ الفصل بين جوهر الدين وبين صدفه - الذي كان من أدلَّة القائلين بالتعدّدية الدينية - غير مقبول من زاوية التعاليم الإسلاميَّة. فقد جاء في كتاب (عيون أخبار الرضا) للشيخ الصدوق أنَّ المأمون سأل الإمام الرضا عليه السلام أن يُبيِّن له الإسلام المحض والخالص في كتاب، فأعطاه الإمام جواباً مفصَّلاً عن سؤال، وممَّا جاء فيه أنَّه قال:
«إنَّ محض الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إلهاً واحداً...، وأنَّ محمّداً عبده ورسوله، وأمينه وصفيّه...، وأنَّ جميع ما جاء به محمّد بن عبد الله هو الحقُّ المبين، والتصديق به وبجميع من مضـى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه، والتصديق بكتابه الصادق العزيز...، وأنَّ الدليل بعده والحجَّة على المؤمنين والقائم بأمر المسلمين... عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين...، وبعده الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة، ثمّ عليّ بن الحسين زين العابدين، ثمّ محمّد بن عليّ باقر علم الأوَّلين، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق وارث علم الوصيّين، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم، ثمّ علي بن موسى الرضا، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ الحجَّة القائم المنتظر ولده (صلوات الله عليهم أجمعين)، أشهد لهم بالوصيَّة والإمامة، وأنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله تعالى على خلقه كلّ عصـر وأوان...، وأنَّهم المعبِّرون عن القرآن، والناطقون عن الرسول بالبيان، ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية»(58).
وهكذا، فإنَّ الإمام الرضا عليه السلام قد جمع فروع الدين بقوله: «جميع ما جاء به محمّد بن عبد الله»، كما هو الحال بالنسبة إلى أُصول الدين، ضمن دائرة عناصر الإسلام المحض، ولم يقم بأيِّ تفكيك وفصل بين أيِّ واحد من هذه المضامين. من هنا، لا شكَّ في أنَّ الإمام المهدي عليه السلام سوف يُطبِّق الإسلام الخالص والمحض (على ما هو مضمون الحديث المروي عن الإمام الرضا عليه السلام)، ولن يُفكِّك بين التعاليم الدينية الخالصة أو يُقسِّمها إلى جواهر وأصداف، لأنَّ جميع أركان الإسلام تُمثِّل حقيقة واحدة.
إنَّ الإمام المهدي عليه السلام - بناءً على رواية - سيعمل على طبق سيرة النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام. وفيما يلي سنذكر ثلاث روايات على النحو التالي:
- عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن القائم عليه السلام إذا قام بأيِّ سيرة يسير في الناس؟ فقال: «بسيرة ما سار به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى يظهر الإسلام». قلت: وما كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: «أبطل ما كان في الجاهلية، واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم عليه السلام إذا قام يُبطِل ما كان في الهدنة ممَّا كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل»(59).
- عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دُثِرَ وضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سُمّي القائم مهدياً لأنَّه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسُمّي القائم لقيامه بالحقِّ»(60).
- عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن قول أمير المؤمنين عليه السلام: «إنَّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء»؟ فقال: «يا أبا محمّد، إذا قام القائم استأنف دعاءً جديداً كما دعا رسول الله»(61).
وعلى هذا الأساس، فإنَّ المهدوية لا تتناسب مع القول بالتعدّدية الدينية، لأنَّ سيرة النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام في إبطال العقائد الجاهلية والتحريفات، وتطبيق الأحكام الإسلاميَّة المهجورة، وبسط العدل، والدعوة إلى الإسلام بأُسلوب جديد، وإنقاذ الإسلام وانتشاله من الغربة والعزلة، لا ينسجم أبداً مع القول بصحَّة جميع الأديان وآدابها وتقاليدها وطقوسها المتعدِّدة.
التعدّدية الدينية وتعدّد الأديان في عصر الظهور:
طبقاً لبعض الروايات التي تقول: إنَّ أتباع الديانات الأُخرى سيبقون على معتقداتهم بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام، يبرز هذا التوهّم القائل: ستكون إذن هناك تعدّدية دينية في عصـر الظهور. ولكنَّنا من خلال توظيف الآيات والروايات، سنعمل على البحث في فرضيتين قائمتين حول تعدّد الأديان في عصر الظهور:
أ - فرضية اعتناق جميع الناس للدين الإسلامي الحنيف:
طبقاً لمجموعة من الروايات، فإنَّ جميع سكّان المعمورة في عصـر الظهور سيعتنقون الدين الإسلامي الحنيف، ويكون الجميع من أتباع الإمام المهدي المنتظر عليه السلام. وقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْـرِكُونَ﴾ (التوبة: 33)، قال: «أظَهَرَ ذلك بعد؟!»، [فقال الإمام عليه السلام]: «كلَّا والذي نفسـي بيده، حتَّى لا تبقى قرية إلَّا ونودي فيها بشهادة ألَّا إله إلَّا الله، وأنَّ محمّداً رسول الله، بكرةً وعشياً»(62).
ب - فرضية إسلام الغالبية العظمى من سكّان الكرة الأرضية:
عن ابن عبّاس، قال: (حتَّى لا يبقى يهودي ولا نصـراني ولا صاحب ملَّة إلَّا دخل إلى الإسلام)(63).
وفي بعض الروايات: إنَّ أكثر الناس في عصـر الظهور سيعتنقون الإسلام، وأنَّ الجزية سوف ترتفع عن أهل الكتاب، ومعنى رفع الجزية أنَّه لا يقبل من أهل الكتاب إلَّا الإسلام(64). وفي رواية أُخرى: «إذا خرج القائم لم يبقَ كافر بالله العظيم ولا مشـرك بالإمام إلَّا كره خروجه، حتَّى أن لو كان كافر أو مشـرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن، في بطني كافر فاكسرني واقتله»(65).
وهناك آيات تدلُّ على تواجد وحضور لأهل الكتاب إلى يوم القيامة، وهي قوله تعالى:
﴿إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَـى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (آل عمران: 55).
هذا، وقد تمَّ تفسير كلمة (القيامة) في هذه الآية بمعنى ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام أيضاً. وعليه، لا يمكن الاستناد إلى هذه الآية لإثبات بقاء الأديان المتعدِّدة في عصـر الظهور. وأمَّا إذا كان المراد من (القيامة) معنى آخر، وهو يوم في الدنيا، ويوم بعث الناس في العالم الآخر، فيمكن القول: إنَّ بعض الناس سيبقون على دينهم ولا يعتنقون الإسلام حتَّى في عصـر ظهور الإمام المهدي عليه السلام.
ثمّ إنَّه لو آمن جميع الناس بالإسلام، فلا تعود هناك من حاجة إلى خوض الحروب في مواجهة المخالفين [لعدم وجود المخالفين أصلاً](66)، في حين إنَّه طبقاً لصـريح بعض الروايات ستكون هناك حروب لتوسيع رقعة الإسلام ونشره على جميع ربوع الكرة الأرضية.
ولكن هناك مع ذلك قرائن ومؤيِّدات على نزوع أكثر الناس إلى الإسلام، ويمكن إجمال هذه القرائن والمؤيِّدات على النحو التالي:
الأوَّل: إنَّ جميع وسائل التواصل الاجتماعي في عصـر حكومة الإمام المهدي عليه السلام ستكون طوع أمره، الأمر الذي يكون سبباً في انتشار الإسلام في العالم. يُضاف إلى ذلك أنَّ الإمام المهدي عليه السلام سيعمل على تبليغ الإسلام بشكل منطقي وعلى نطاق واسع، وبذلك سيُقبِل الناس على الإسلام أفواجاً أفواجاً(67).
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال [ما معناه]: «لا يواجه المهدي وأصحابه أهل ملَّة إلَّا ودعاهم إلى الله والإسلام والإقرار بنبوَّة محمّد»(68).
الثاني: إنَّ الخصائص الشخصية للإمام المهدي عليه السلام، سوف تكون من عوامل وأسباب انجذاب الناس إليه وإعجابهم به، وبذلك يكون الإمام المهدي المنتظر عليه السلام مصداقاً لقوله تعالى: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159)، حيث يتمتَّع الإمام المهدي عليه السلام بجميع كمالات الأنبياء عليهم السلام.
الثالث: إنَّ أوصاف وخصائص أصحاب حجج الله على الأرض من أسباب انجذاب الناس إليهم وإقبالهم عليهم. وقد ذكر الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أوصاف أصحاب الحجج الإلهية - ضمن بيان له بشأن عدم خلوِّ الأرض من حجَّة إلهيَّة (ظاهرة أو غائبة) - على النحو التالي:
«اللَّهُمَّ بَلَى، لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لله بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَإَمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ. وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ - وَاللهِ - الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللهِ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ المُتْرَفُونَ وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الْأَعْلَى، أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ»(69).
الرابع: إنَّ الدولة المصغَّرة التي سيقيمها الإمام المهدي عليه السلام في الكوفة، قبل قيام حكومته العالمية، ستكون مثالاً لدولته العالمية في تطبيق العدل والازدهار والمعنوية والأمن. ولا شكَّ في أنَّ هذه الحكومة ستُبهِر أنظار المستضعفين والممتحنين في العالم من الذين ضاقوا ذرعاً بالطغاة والحكومات الجائرة(70).
الخامس: إنَّ الإمام المهدي عليه السلام في سياق بسط الإسلام وتبليغ الدعوة للناس سوف يُتِمُّ الحجَّة عليهم من خلال إظهار معجزات الأنبياء، الأمر الذي سيؤدّي إلى اعتناق الإسلام من قِبَل أتباع الديانات الأُخرى(71).
السادس: إنَّ خصائص الدين الإسلامي تُعتَبر من المؤيدات الأُخرى التي ستدفع بأكثر سكّان العالم إلى اعتناقه. بالالتفات إلى التبليغ الدقيق والصحيح والمنطقي الذي سوف يتَّبعه الإمام المهدي عليه السلام، فإنَّ ذلك سيُظهِر مختلف الجوانب الساطعة من الدين الإسلامي لجميع سكّان الأرض، وبذلك سيُقبِل الناس على الإسلام. وإنَّ القرآن الكريم وخصائصه المذهلة، وفطرية الدين الإسلامي، وانطباقه على ما يحتاج إليه الإنسان من الناحية المعنوية والفطرية، وعالمية الإسلام، وشمولية وخلود قوانين الإسلام، والخطاب الإسلامي العامّ والعالمي، وكون دولة العدل العالمية تُمثِّل ضالَّة الإنسان، هي من بين الأسباب التي ستدعو جميع سكّان الأرض إلى اعتناق الإسلام في عصـر ظهور الإمام المهدي عليه السلام دون شكٍّ(72).
السابع: إنَّ التعاطي التربوي الذي سيقوم به الإمام المهدي عليه السلام تجاه الناس - الذين سبق لهم قبل ظهور الإمام عليه السلام أن عانوا من مختلف أنواع الانحرافات الفكرية والثقافية والعقائدية - سيكون بحيث يؤدّي إلى البلوغ الفكري والعقلاني لدى الناس، ومن خلال كشف الانحرافات وإفشاء بطلان الاتِّجاهات المنحرفة، سوف يتَّضح طريق الحقِّ لاحباً. وإنَّ عباد الله والباحثين عن الحقِّ سينتظمون تحت لواء التوحيد والحقيقة بقيادة الإمام المهدي عليه السلام. وقد ورد في الأثر عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: «إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم وكملت بها أحلامهم»(73).
الثامن: يُمثِّل نزول عيسى بن مريم عليه السلام - والذي تمَّ التأكيد عليه في الكثير من الروايات(74) - أهم أسباب اتِّباع الكثير من أهل الكتاب (من اليهود والنصارى) الإمام المهدي عليه السلام. وإنَّ صلاة النبيِّ عيسى عليه السلام خلف الإمام المهدي عليه السلام(75)، تأتي كإشارة من النبيِّ عيسى عليه السلام إلى أحقّية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ودعوته لأتباعه من المسيحيين إلى الالتحاق بالإمام المهدي عليه السلام.
التاسع: طبقاً لبعض الروايات، فإنَّ الإمام المهدي عليه السلام سوف يعمل في مستهلِّ ظهوره على محاججة أتباع كلّ دين بكتابهم، وفيما يلي نكتفي من تلك الروايات بذكر الروايتين التاليتين:
- «... ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عزَّ وجلَّ) من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل...»(76).
- «... إنَّ المهدي يستخرج تابوت السكينة من غار أنطاكية، وأسفار التوراة من جبل بالشام، يُحاجّ بها اليهود، فيسلم كثير منهم...»(77).
العاشر: إنَّ استخراج العلامات والرموز المقدَّسة والمحترمة لدى الأديان السماوية، من بين الأُمور التي سيقوم بها الإمام المهدي عليه السلام. وبذلك سيُثبِت أحقّيته وصدقه، ويستميل أفئدة أتباع الديانات الأُخرى إلى صفِّه، ومن ذلك الرواية القائلة:
«... إذا ظهر القائم عليه السلام ظهر براية رسول الله، وخاتم سليمان، وحجر موسى وعصاه...»(78).
وهنا سؤال: ألَا يدلُّ احتجاج الإمام المهدي عليه السلام على أهل الكتاب بكتبهم السماوية، على إمضاء التعدّدية الدينية؟ فهل إذا لم تكن كتب الأديان الأُخرى على حقٍّ، سيكون هناك لاحتجاجه عليهم من دليل آخر؟
والجواب: لقد وصف القرآنُ الكريم الإنجيلَ والتوراةَ بأنَّهما على نصيب من النور والهداية، ومن ذلك قوله تعالى:
- ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدى وَنُورٌ﴾ (المائدة: 44).
- ﴿وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدى وَنُورٌ﴾ (المائدة: 46).
وعليه، فلو أنَّ الإمام المهدي عليه السلام يحتجُّ على أهل الكتاب بالإنجيل والتوراة، فإنَّما ذلك لما تشتمل عليه هذه الكتب من النور والهداية، لأنَّ الإمام المهدي عليه السلام يُعَدُّ مصداقاً للهداية والإرشاد الإلهي. ومن جهة أُخرى، فإنَّ هذين الكتابين السماويين، كانا في ظرفيهما الزمانيين مرجعين للهداية والحقيقة، وكان من اللازم إطاعة التعاليم الواردة فيهما، إلَّا أنَّه وبعد نزول القرآن ينتقل وجوب الطاعة منهما إلى القرآن الكريم، والقرآن إنَّما يُؤيِّدهما بوصفهما كتابين سماويين فقط. يُضاف إلى ذلك أنَّ احتجاج الإمام المهدي عليه السلام على أهل الكتاب بكتابهم يحتوي على جنبة تمهيدية لا غائية، إذ يتَّضح من سياق الرواية أنَّ الإمام المهدي عليه السلام إنَّما يسلك هذا الطريق بوصفه مقدَّمةً لتشرّف أهل الكتاب بالدخول في الإسلام، وهذا يعني أنَّ الإمام المهدي عليه السلام يرى أنَّ الحقَّ يكمن في القرآن، وليس في الأديان الأُخرى، ولو أنَّ المؤمنين بالأديان الأُخرى والكتب السماوية كانوا من المؤمنين حقّاً، لوجب عليهم الدخول في الإسلام استجابةً لما هو وارد في كتبهم(79).
لقد اتَّضحت كيفية تعامل الإمام المهدي عليه السلام مع أتباع الديانات الأُخرى في مستهلِّ عصر الظهور من المطالب السابقة.
إنَّ السلوك الذي سيسلكه الإمام المهدي عليه السلام شبيه بسلوك النبيِّ الأكرم.صلى الله عليه وآله وسلم،(80) فكما قام النبيُّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في مستهلِّ دعوته بإيجاد الرغبة لدى الناس في الإسلام، ثمّ أخذ بعد ذلك يعمل على ترسيخ وتثبيت دعائم الإسلام، كذلك سيفعل الإمام المهدي المنتظر عليه السلام أيضاً.
يقوم أُسلوب الإمام المهدي عليه السلام في بسط الإسلام على سلب القدرة عن المخالفين في معارضتهم الفكرية والاعتقادية له، الأمر الذي سيرفع من أعداد المقبلين عليه لاعتناق الإسلام، وطبقاً لبعض الروايات فإنَّ الإمدادات الغيبية سوف تساعد الإمام المهدي عليه السلام في توسيع دائرة الإسلام(81).
مصير أهل الكتاب:
إنَّ أكثر سكّان الكرة الأرضية في عصـر ظهور الإسلام سوف يعتنقون الإسلام. وفيما يتعلَّق بمصير تلك المجموعة من أهل الكتاب الذين لا يعتنقون الإسلام هناك ثلاث نظريات، وهي:
أ - العودة إلى الدين غير المحرَّف:
إنَّ النبيَّ عيسى عليه السلام سوف يُعرِّف أهل الكتاب على دينه الخالص، ويدلُّهم على المواطن التي طالها التحريف في كتبهم السماوية. وبعد ذلك يؤمنون بنبيِّ الإسلام امتثالاً لأمر السيِّد المسيح، ويعتنقون الإسلام.
ب - القتل:
أمَّا الذين لا يعتنقون الإسلام من أهل الكتاب فسوف يُقتَلون. وإنَّ القتل هو آخر العلاج الذي سيلجأ إليه الإمام المهدي عليه السلام في مواجهة المخالفين من أهل الكتاب، لأنَّ القتل دون إتمام الحجَّة، وبيان الإسلام بشكل كامل، وعرضه على جميع أهل الكتاب - وهو ما يستلزم وقتاً كافياً وشروطاً متعدِّدة - مخالف للشـرع والعقل. وفي مرحلة المواجهة العسكرية، لن يقضـي الإمام إلَّا على أُولئك الذين يحاربونه، أمَّا الذين يقبلون السلم فسوف يكرمهم ويسالمهم، كي يتشـرَّفوا باعتناق الإسلام.
إنَّ جميع الروايات التي تحكي عن الكشف عن مواريث الأنبياء عليهم السلام، واستخراج الكتب السماوية للأديان، والاحتجاج على كلِّ قوم بكتابهم، يتعارض مع الشـروع بقتل أهل الكتاب في بداية عصـر الظهور. وعليه، فإنَّ الإمام المهدي عليه السلام سوف يحاور أتباع الكتب السماوية، وسوف يدعو جميع أهل الكتاب إلى اعتناق الإسلام، استناداً إلى الأدلَّة المنطقية والكتب السماوية غير المحرَّفة، ولن يقتل إلَّا أُولئك الذين يقاتلونه.
ج - دفع الجزية (82):
إنَّ الإمام المهدي عليه السلام سوف يأخذ الجزية من أهل الكتاب(83)، والأدلَّة على ذلك عبارة عن:
1 - القرآن الكريم، إذ يقول الله تعالى:
﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ﴾ (التوبة: 29).
2 - لقد فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجزية على أهل الكتاب، الذين يقيمون ضمن دائرة حكومته، بعد تأسيس الدولة. ومن بين خصائص الإمام المهدي المنتظر عليه السلام أنَّه سيعمل بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ورد في الأثر:
«المهدي يقفو أثري لا يُخطئ»(84).
هذا، وقد ذهب بعض العلماء إلى الاعتقاد بأنَّ الإمام المهدي عليه السلام عندما يظهر لا يأخذ الجزية من أهل الكتاب، ودليلهم على ذلك الآتي:
أ - عن ابن عبّاس في قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْـرِكُونَ﴾ (التوبة: 33)، قال:
(لا يكون ذلك حتَّى لا يبقى يهودي ولا نصـراني ولا صاحب ملَّة إلَّا دخل في الإسلام، حتَّى تأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد والإنسان والحيَّة، وحتَّى لا تقرض فأرة جراباً، وحتَّى تُوضَع الجزية ويكسـر الصليب ويقتل الخنزير، وذلك قوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْـرِكُونَ﴾، وذلك يكون عند قيام القائم عليه السلام.(85)
ب - عن عليِّ [بن إبراهيم]، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله (عزَّ ذكره): ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلهِ﴾ [البقرة: 193]؟ قال: «لم يجئ تأويل هذه الآية بعدُ، إنَّ رسول الله رخَّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم لكنَّهم يُقتَلون، حتَّى يُوحَّد الله (عزَّ وجلَّ)، وحتَّى لا يكون شرك»(86).
يرى العلَّامة المجلسي أنَّ معنى قوله: «رخَّص لهم» أنَّ النبيَّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد قبل الجزية من أهل الكتاب، والفداء من المشـركين، وإظهار الإسلام من المنافقين مع علمه بكفرهم(87)، إلَّا أنَّ الإمام المهدي عليه السلام لن يفعل ذلك، وسيكون له أُسلوبه الخاصّ في التعامل مع الكفّار.
طبقاً للآية التاسعة والعشـرين من سورة التوبة، وسيرة النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يجب أخذ الجزية في عصـر الظهور، بيد أنَّ هناك رواية تقول: إنَّ الإمام المهدي.عليه السلام سيكون له منهجه الخاصّ في التعاطي مع أهل الكتاب، ولن يقبل الجزية من أصحاب الفتن من أهل الكتاب، وسوف يقضي عليهم بالقتل(88).
الأمر الآخر: إنَّ الآية التاسعة والعشـرين من سورة التوبة مطلقة، وتُعبِّر عن جواز أخذ الجزية من جميع أهل الكتاب - من أصحاب الفتنة وغيرهم -، ويمكن تخصيصها بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدِّمة، وحمل عدم أخذ الجزية على أصحاب الفتنة من أهل الكتاب، إذ يجوز تخصيص إطلاق الكتاب بخبر الواحد المعتبر، والأمر محلّ بحث ونظر العلماء(89).
وقد ذهب العلَّامة المجلسـي إلى القول بأنَّ أخذ الجزية من أهل الكتاب خاصٌّ بتلك الفترة من حكم الإمام المهدي عليه السلام السابقة على ظهور أمره على الدين كلّه، وأمَّا إذا علا أمره وعمَّ الكرة الأرضية، فلا يعود يقبل الجزية(90).
مفهوم المنقذ والتعدّدية الدينية في الأديان الأخرى:
تشترك جميع الأديان الكبرى بالمنقذ والموعود العالمي، وترى أنَّ تخليص الإنسان من الظلم والجور من أهمّ خصائص المنقذ. وفيما يلي نستعرض هذا المفهوم في الأديان الآتية:
أ - الزرادشتية:
لقد وعدت الزرادشتية - وهي من أقدم الأديان السماوية ولها كتاب - بعدد من المنقذين الموعود بهم، وسمَّت بعضهم بـ (سوشيانت أو سوشيوس (المنقذ) الناصر)(91). يعتقد الزرادشتيون أنَّ هؤلاء (المنقذين) يظهرون في مراحل معيَّنة من التاريخ فيملأون الأرض صدقاً وإحساناً وعدلاً بعد أن تملأ ظلماً وكذباً.
(يا أهورا مزدا(92)، متى يبزغ فجر الخلاص، وتهدي أمواج الناس المائجة نحو الصدق والصلاح؟ ومتى يحين وقت ظهور المنقذ الأكبر ليصل الإنسان بكلمته وحكمته إلى غايته الكبرى؟ أين أُولئك الذين سيخرج (وهمن)(93) لينتشلهم من حمأة الظلم والهوان؟ كلّي أمل في أن تجعل ذلك من نصيبي يا أهورا مزدا!)(94).
إنَّ (سوشيانت) المنقذ الناصر، سيقضـي على جميع الفاسدين والمنحرفين، وسوف يُعز الصالحين، ويُعيد الحرّية للناس جميعاً.
(اللعنة على الفاسدين والمنحرفين، الذين يتمنَّون إذلال العزيز، هؤلاء الساقطون الذين يستحقّون العقاب. أين ذلك المصلح الذي يسلبهم حقَّ الحرّية والحياة؟ يا من تلي أهورا مزدا في القدرة، امنح الحيارى حياة أفضل)(95).
يذهب الزرادشتيون إلى الاعتقاد بأنَّ العالم قبل ظهور (سوشيانت) سيمتلأ ظلماً وكذباً وضلالاً، وأنَّ طريق السعادة لن يفتح أمام البشـر إلَّا بظهوره، وأنَّ سوشيانت الناصر سيملأ العالم بعدله وقسطه. ويوجد في هذا الشأن احتمالان:
1 - إذا كان الاعتقاد السائد بين الزرادشتيين قائماً على أنَّ الأديان الأُخرى إذا لم تؤمن بما تؤمن به الزرادشتية، فإنَّهم لن ينتفعوا شيئاً بظهور سوشيانت. وعليه، لن تكون التعدّدية الدينية مقبولة في الديانة الزرادشتية.
2 - إذا كان الزرادشتيين يرون للأديان الأُخرى نصيباً من الحقيقة، سوف يمكن لأتباع تلك الأديان البقاء على أديانهم حتَّى بعد ظهور سوشيانت أيضاً، وذلك لوجود المشتركات فيما بينهم(96).
ب - اليهودية:
يذهب اليهود إلى الاعتقاد بأنَّ (ماشيح) وهو من نسل النبيِّ داود عليه السلام، سيظهر في آخر الزمان، لينقذ العالم من شرور الظالمين.
لقد اشتملت مزامير داود على بشارات بظهور المنقذ. وفي كلِّ فصل من فصول الزبور هناك إشارة إلى ظهوره والبشارة بانتصار الصالحين على الأشرار، وإقامة حكومة عالمية واحدة، وتحوّل الأديان والمذاهب المختلفة إلى دين متين ومنيع.
وممَّا ورد في هذا الشأن في سفر التكوين:
(يكون اسمك إبراهيم...، وأمَّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أُباركه وأُثمره وأُكثره كثيراً جدّاً، اثني عشـر رئيساً يلد وأجعله أُمَّة كبيرة...، وسوف أجعل من إبراهيم أُمَّة عظيمة وأُباركك وأُعظِّم اسمك...، وتبارك فيك جميع قبائل الأرض)(97).
لم يُبعَث بالنبوَّة والرسالة من نسل النبيِّ إسماعيل عليه السلام سوى النبيِّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنَّ جميع أوصياء وخلفاء النبيِّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم من نسل النبيِّ إسماعيل عليه السلام أيضاً:
(ويخرج قضيب من جذع يسّـي، وينبت غصن من أُصوله، ويحلُّ عليه روح الربِّ...، بل يقضـي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسـي الأرض...، فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي...، لا يسوؤون ولا يفسدون في كلِّ جبل قدسي، لأنَّ الأرض تمتلئ من معرفة الربِّ كما تُغطّي المياهُ البحرَ)(98).
وقد ورد ضبط كلمة (يسّـي) في بعض النسخ بـ (يشّـي) بمعنى (القوي) اسم والد النبيِّ داود عليه السلام. وقد نقل القرآن الكريم ظهور المنجي والمنقذ عن الزبور في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105).
طبقاً لمضامين التوراة الراهنة، ليس هناك لأيِّ دين غير الدين المختار لليهود نصيب من الحقيقة، ولا يجب أن تكون هناك حرمة أو قيمة لأيِّ قوم غير قوم بني إسرائيل. إنَّ دين اليهود لا يؤمن بأيِّ نبيٍّ غير النبيِّ موسى عليه السلام، ويرى أنَّ جميع الأنبياء هم من العبريين. ومن هنا فإنَّهم لا يؤمنون بالنبيِّ عيسى عليه السلام ولا بنبيِّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً(99). بل إنَّ اليهود لا يؤمنون حتَّى بإله الأديان الأُخرى أيضاً(100). وفي اليهودية لا يتمُّ الاكتفاء بحرمان جميع القوميات الأُخرى من الحقوق فقط، بل يرى اليهود جميع الناس مستحقّين للموت والفناء أيضاً. فقد وعد يهوه اليهود بأنَّ العالم سيكون حكراً على بني إسرائيل دون غيرهم:
(رَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعِ الآلِهَةِ...، الَّذِي ضَرَبَ أَبْكَارَ مِصْـرَ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْبَهَائِمِ. أَرْسَلَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي وَسَطِكِ يَا مِصْرُ، عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى كُلِّ عَبِيدِهِ. الَّذِي ضَرَبَ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَقَتَلَ مُلُوكًا أَعِزَّاءَ سِيحُونَ مَلِكَ الأَمُورِيِّينَ، وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ، وَكُلَّ مَمَالِكِ كَنْعَانَ. وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ مِيرَاثًا، مِيرَاثًا لإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ)(101).
تقوم تعاليم يهوه لبني إسرائيل بالقضاء على كلِّ من يقف في طريق إسرائيل، وقتل جميع أجيالهم وذرّياتهم(102).
(ملعون من يعمل عمل الربِّ برخاء، وملعون من يمنع سيفه عن الدم)(103).
(... لأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطًا عَلَى كُلِّ الأُمَمِ، وَحُمُوًّا عَلَى كُلِّ جَيْشِهِمْ. قَدْ حَرَّمَهُمْ، دَفَعَهُمْ إِلَى الذَّبْحِ...، لأَنَّ لِلرَّبِّ يَوْمَ انْتِقَامٍ، سَنَةَ جَزَاءٍ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ)(104).
لقد صوَّرت التوراة عصـر ظهور ماشيح على أنَّه عصـر لا يبقى فيه على الأرض دين غير دين يهوه:
(لأَنِّي حِينَئِذٍ أُحَوِّلُ الشُّعُوبَ إِلَى شَفَةٍ نَقِيَّةٍ، لِيَدْعُوا كُلُّهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ، لِيَعْبُدُوهُ بِكَتِفٍ وَاحِدَةٍ)(105).
(وَبَنُو الَّذِينَ قَهَرُوكِ يَسِيرُونَ إِلَيْكِ خَاضِعِينَ، وَكُلُّ الَّذِينَ أَهَانُوكِ يَسْجُدُونَ لَدَى بَاطِنِ قَدَمَيْكِ، وَيَدْعُونَكِ: مَدِينَةَ الرَّبِّ، صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ(106). عِوَضًا عَنْ كَوْنِكِ مَهْجُورَةً وَمُبْغَضَةً بِلاَ عَابِرٍ بِكِ، أَجْعَلُكِ فَخْرًا أَبَدِيًّا(107) فَرَحَ دَوْرٍ فَدَوْرٍ(108)...، أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي. لِكَيْ يَعْلَمُوا مِنْ مَشْـرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ(109)...، يَقُولُ الرَّبُّ: هكَذَا يَثْبُتُ نَسْلُكُمْ وَاسْمُكُمْ. وَيَكُونُ مِنْ هِلاَل إِلَى هِلاَل وَمِنْ سَبْتٍ إِلَى سَبْتٍ، أَنَّ كُلَّ ذِي جَسَدٍ يَأْتِي لِيَسْجُدَ أَمَامِي، قَالَ الرَّبُّ)(110).
وعلى هذا الأساس، فإنَّ الدين اليهودي لا يؤمن بوجود أيِّ دين حقٍّ أو دين صدق خارج الديانة اليهودية. إنَّ يهوه هو الإله الوحيد الذي يجب الإيمان به، وإنَّ الدين اليهودي هو الدين الوحيد الذي يحظى بالقبول، وإنَّ اليهود وحدهم هم الجديرون بالحياة. وبالتالي لا موضع للتعدّدية في الصدق، ولا مكان للتعدّدية في النجاة في هذا الدين.
إنَّ المقارنة بين هذه التعاليم، وما تقدَّم ذكره من السياسة التي سوف ينتهجها الإمام المهدي عليه السلام تجاه سائر الأديان الأُخرى، تكشف لكلِّ منصف الفرق العميق والواضح بين ماهيَّة هاتين العقيدتين والرؤيتين.
ج - المسيحية:
هناك بشارات في الأناجيل - من قبيل: إنجيل متّى، ولوقا، ومرقس، وبرنابا، ومكاشفات يوحنّا - بشأن الموعود. وبطبيعة الحال فإنَّ نفس الاعتقاد بـ (انتظار المسيح) اعتقاد يهودي، وإنَّ المسيحية إنَّما آمنت بهذه العقيدة تبعاً للمعتقد اليهودي(111).
وممَّا جاء في إنجيل برنابا ما يلي:
(كما يسطع البرق من المشـرق، ليظهر في المغرب، كذلك سيكون ظهور ابن الإنسان...، وحيث يظهر ابن الإنسان بجلاله محاطاً بجميع الملائكة المقدَّسين، فإنَّه سيجلس على عرش جلاله، وتجتمع جميع الأُمم في حضرته، وسوف يُميِّز فيما بينها كما يُميِّز الراعي الخراف من السخال، ثمّ انظروا إلى ابن الإنسان عندما يأتي بقوَّته وجلاله العظيم على متن السُّحُب، وعندها سيحضـر الملائكته من الجهات الأربعة من أقصى الأرض إلى أقاصي الأفلاك).
لقد تكرَّرت عبارة (ابن الإنسان) في العهد الجديد ثمانين مرَّة، ولم تنطبق على النبيِّ عيسى عليه السلام سوى ثلاثين مرَّة(112)، وأمَّا الموارد الخمسون الأُخرى فتتحدَّث عن منقذ يأتي في آخر الزمان، وأنَّ النبي عيسى عليه السلام سوف يأتي معه ويمنحه الجلال، ولا يعلم ساعة ويوم ظهوره أحد إلَّا الله.
يعتقد المسيحيون أنَّ اليوم الذي يُمثِّل نهاية العالم وبسط حكومة الله، يظهر فيه النبيُّ عيسى عليه السلام أو ابن الإنسان ويحكم العالم بأسره، وفي ذلك اليوم سيتبعه جميع سكّان الأرض، ولن يبقى موضع من الأرض إلَّا ويحكمه النبيُّ عيسى عليه السلام. وإنَّ هذه الحكومة ستكون هي المكان الوحيد الذي يحصل فيه الإنسان على السعادة والخلاص. ولا يحقُّ لأحد أن يُبدي رأيه فيها أو يتردَّد في الإيمان بها، بل على الجميع أن يُذعِنوا لها ويستسلموا لها مثل الأطفال ولا يبدون تجاهها أيّ شكٍّ أو توقّف، فقد ورد في إنجيل مرقس:
(الحقُّ أقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد، فلن يدخله)(113).
وعلى هذا الأساس فإنَّ حكومة دولة النبيِّ عيسى عليه السلام في نهاية العالم ستكون مصداقاً بارزاً للحكومة الحصرية، لأنَّها لا تسمح للآخرين حتَّى بحقِّ التفكير!
النتيجة:
يشهد عصر الظهور إقبالاً على الإسلام من قِبَل أكثر الناس، ولاسيّما من أهل الكتاب. والذين لا يعتنقون الإسلام على قسمين: أهل الكتاب، والكفّار. وقد تقدَّم أن ذكرنا مصير أهل الكتاب. أمَّا الكفّار أو المشـركون أو الملحدون، فإنَّ الإمام المهدي عليه السلام سوف يدعوهم في البداية إلى الإسلام - كما هو شأنه مع أهل الكتاب - من طريق الاستدلال المنطقي، فإن أصرّوا على عنادهم، فسوف يكون مصيرهم طبقاً للروايات والإجماع المنقول عن صاحب الجواهر هو القتل على يد الإمام المهدي عليه السلام.(114)
وبناءً على الاستنتاج من الافتراضات فإنَّ أكثر الناس في عصـر الظهور سوف يعتنقون الإسلام، وإنَّ تلك الجماعة التي لا تعتنق الإسلام من أهل الكتاب يمكنهم العيش ضمن حكومة الإمام المهدي عليه السلام بشـرط دفع الجزية. وأمَّا المشـركون والملحدون إذا لم يعتنقوا الإسلام فلن يكون أمامهم من طريق سوى القتل.
بغضِّ النظر عن إثبات أو نفي هذه الفرضيات، يجب تقييم ارتباط التعدّدية الدينية مع كلِّ واحدة من هذه الفرضيات، للحصول على النتيجة.
أمَّا الفرضية الأُولى (على فرض إثباتها) فتشتمل على أمرين، وهما:
أوَّلاً: إنَّ الإسلام - كما تقدَّم - طبقاً لقواعد الكلام الإسلامي ونصوص آيات القرآن الكريم، لا يقبل اشتمال أيِّ دين آخر على الحقِّ. وعليه، فإنَّ الإسلام يعتقد انحصار الحقِّ به، وقد تمَّ التأكيد والإصرار على هذا الانحصار في بعد الحقِّ والصدق بشكل قاطع.
وثانياً: إنَّ لازم البيان الإيديولوجي حصـر نطاق ومصاديق العقيدة في دين خاصٍّ، والإسلام لم يشذّ عن هذا الأصل، لأنَّه يعتقد بانحصار الحقِّ فيه، ولا يرى للأديان الأُخرى مثل المسيحية واليهودية إلَّا هامشاً محدوداً من الحقِّ. وقد ذهب الشهيد مرتضـى المطهَّري إلى الاعتقاد بأنَّ كلَّ زمان لا يشهد إلَّا ديناً واحداً يمتلك الحقَّ حصراً، وتكون إطاعة ذلك الدين واجبة على الجميع(115).
إنَّ أكثر الناس في عصـر الظهور - طبقاً للفرضية الثانية - سوف يعتنقون الإسلام. وهناك قرائن تُؤيِّد هذه النظرية. وطبقاً لهذه الفرضية فهناك بشأن مصير أهل الكتاب ثلاث نظريات:
طبقاً للنظرية الأُولى، يمكن اعتبارها نوعاً من الشمولية، لأنَّ الشموليين يعتقدون بأنَّه على الرغم من أنَّ طريق الحقِّ والنجاة واحد لا أكثر، إلَّا أنَّ الذين يجهلون الحقيقة لا يكونون مذنبين أمام الله، وسوف يكونون من جملة الناجين.
وطبقاً للنظرية الثانية، فإنَّ كلَّ من لا يؤمن بالإمام المهدي عليه السلام سوف يكون مصيره القتل. وفي هذا الشأن يجب القول: إنَّ هذه النظرية تُمثِّل مصداقاً للانحصارية. وعليه، فإنَّ الإسلام - طبقاً لهذه النظرية - لن يقبل في عصر الظهور أيَّ دين آخر.
وطبقاً للنظرية الثالثة، يمكن لعدد من غير المسلمين وعلى نحو مشـروط وعهود قائمة على دفع الجزية أن يعيشوا ضمن حدود الدولة المهدوية وتحت وصايتها. وفي هذه الحالة هل توجد عناصر التعدّدية الدينية أم لا؟ إنَّ الاعتقاد بأحقّية جميع الأديان من عناصر التعدّدية الدينية، بمعنى أنَّ كلَّ ادِّعاء يخلع على نفسه اسم الدين والمذهب يُعتَبر حقّاً صادقاً، ويمكنه أن يضمن السعادة للإنسان. إنَّ هذا العنصر يُعَدُّ منتفياً من موضوع الجزية، إذ في حالة قبول الحكومة المهدوية حقّانية الأديان الأُخرى، لن تكون هناك من ضرورة لكي يثبت مدَّعاه من خلال التبليغ وإتمام الحجَّة وبيان الأدلَّة، وبالتالي الدعوة إلى المواجهة، وفي نهاية المطاف يقبل بإقامة البعض ضمن حدود حكمه بشكل مشـروط، وكان من الممكن للإسلام في عصر الظهور أن يكون ديناً إلى جانب الأديان الأُخرى. من هنا لا يمكن اعتبار أخذ الجزية من أتباع الأديان الأُخرى دليلاً على التعدّدية الدينية.
ويبدو أنَّ القبول بمبدأ الجزية يأتي في إطار ترسيخ دعائم الإسلام واجتذاب الآخرين نحو الإسلام. إنَّ الرفق والصفح وإعطاء الفرصة للمخالفين بهذا الهدف المنطقي والصحيح القائم على توظيف عامل كسب الوقت الضامن للتعايش السلمي مع المسلمين (في المجتمع المهدوي والحكومة الإلهيَّة) من شأنه أن يجذب أفئدة الناس إلى الإسلام. وتُعتَبر الجزية من طرق اجتذاب الناس والتبليغ الإيجابي والمنطقي للإسلام، حتَّى في مرحلة السيطرة الكاملة للإسلام على العالم.
إذا لم يؤمن الكفّار والملحدون في عصـر الظهور بالإسلام فإنَّهم سيُقتَلون. إنَّ هذه العقيدة تُظهِر انحصار الحقّانية في الإسلام، إذ لو كان لهؤلاء نصيب من الحقيقة لما وجب قتلهم، بل يجب التعاطي معهم سلمياً، كما هو الشأن بالنسبة إلى حكم الجزية في حقِّ أهل الكتاب.
إنَّ النتائج المذكورة لا تنهض دليلاً على تحقّق التعدّدية الدينية في عصـر ظهور الإمام المهدي عليه السلام أبداً، لأنَّ الإمام المهدي عليه السلام لن يقبل بأيِّ دين من الأديان الأُخرى، كما صرَّح القرآن الكريم ببطلان الأديان الأُخرى(116). وعلى هذا، فلن يكون للتعدّدية الدينية على مستوى الصدق والأحقّية في الأبعاد العلمية والعقائدية والنظرية من موضع في عصـر الظهور. وعليه، فإنَّ الإسلام سيكون وحده الدين الحقّ(117).
ربَّما أمكن الحصول على دليل على ضمان النجاة في الأديان الأُخرى (التعدّدية الدينية على مستوى النجاة)، بمعنى أنَّ عنوان الجاهل القاصر أو المستضعفين له حكم خاصٌّ في الإسلام، وإذا كان الشخص طبقاً لمعايير الإسلام جزءاً من هؤلاء الأفراد، يكون من الناجين من وجهة نظر الإسلام(118).
وأمَّا حول ما إذا كان لمثل هؤلاء الأفراد من حضور في عصـر ظهور الإمام المهدي عليه السلام أم لا؟ فهو يحتاج إلى بحثٍ مستقلٍّ.
أليس التعايش السلمي (وإن كان مشـروطاً) بين الإسلام وأتباع الديانات الأُخرى هو ذات (التساهل والتسامح)(119)؟ إنَّ بيان وتوجيه هذا النوع من السياسة والتعامل مع الأديان الأُخرى، يحتاج إلى دراسة أُخرى.
لا تدلُّ أيُّ فرضية من الفرضيات السابقة على صدق التعدّدية الدينية في بعد الحقّانية. وبطبيعة الحال ربَّما أمكن القول بأنَّ حكم المستضعفين في البداية هو نفس حكم المسيحيين المجهولين أو المغمورين. كما أنَّ هذه المسألة لا تنسجم مع نظرية (جون هيك) القائمة على التعدّدية الدينية بشأن النجاة في جميع الأديان، لأنَّ (جون هيك) لا يُحدِّد أيَّ دين بوصفه محوراً للنجاة، كي يتمَّ تحديد القاصرين والجاهلين والمستضعفين من خلاله، بل يُدرج جميع الأديان ضمن دائرة نجاة واحدة، في حين أنَّ الأشخاص الجاهلين والقاصرين والمستضعفين من وجهة نظر الإسلام يتمُّ اختبارهم من حيث كسب المعرفة من طريق الدين الإسلامي. ربَّما لا يكون لهذا الرأي من تأثير في أصل النجاة، بيد أنَّه لا يمكن القول: إنَّ حكم المستضعفين والقاصرين في الإسلام هو ذات مضمون نظرية (جون هيك) أو المسيحيين المجهولين والمغمورين من وجهة نظر البابا. فمن وجهة نظر الإسلام ينحصـر طريق النجاة إمَّا بالإسلام أو الاستضعاف والقصور، في حين يرى (جون هيك) أنَّ جميع الأديان (البشرية أو الإلهيَّة) تُمثِّل طرقاً للنجاة.
من المناسب مقارنة عناصر التعدّدية الدينية بتعاليم المهدوية (الشيعية)، وهذا موضوع هامٌّ يحتاج إلى دراسة مستقلَّة أُخرى. كما يمكن في هذه المقارنة بحث الناحيتين البارزتين من التعدّدية الدينية، وهي تعدّدية الصدق، وتعدّدية النجاة بشكل مستقلٍّ أيضاً، للحصول على نتيجة أدقّ من البحث. كما تجدر مقارنة التسامح بالتعاليم المهدوية أيضاً.
الهوامش:
(1) plural.
(2) Oxford Advanced Learners Dictionary.
(3) اُنظر: فرهنگ واژه ها (مصدر فارسي) لعبد الرسول بيات وآخرين: 142/ الطبعة الثانية/ 1381هـ ش/ انتشارات مؤسَّسة انديشه وفرهنگ ديني/ قم.
(4) Religious Pluralism.
(5) Exclusivism.
(6) Inclusivism.
(7) اُنظر: دين پژوهي لميرجا إلياده/ ترجمه إلى الفارسية: بهاء الدين خرمشاهي 1: 301/ الطبعة الأُولى/ 1375هـ ش/ انتشارات پژوهشگاه علوم إنساني ومطالعات فرهنگي/ طهران.
(8) Pluralism.
(9) اُنظر: عقل واعتقاد ديني لمايكل بيترسون وآخرين/ ترجمه إلى الفارسية: أحمد نراقي وإبراهيم سلطاني: 406/ الطبعة الرابعة/ 1384هـ ش/ انتشارات طرح نو/ طهران.
(10) اُنظر: پلوراليزم ديني يا كثرت گرائي (مصدر فارسي) لجعفر السبحاني: 8 - 10/ الطبعة الأُولى/ 1381هـ ش/ انتشارات توحيد/ قم.
(11) الإصلاح الديني (reformation): الذي استهدف إصلاح الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر. (المعرِّب).
(12) فريدريك إرنست دانيال شلايرماخر: وُلِدَ في بولندا عام (1768م)، وكان أبوه قسّاً في الكنيسة المستصلحة، وكان يخدم في الجيش. ترعرع في أجواء متأثِّرة بتعاليم إسبنسـر التقشّفية. كما دخل في كلّية لاهوتية تغلب عليها تعاليم النزعة التقشّفية. ولم يكن بوسعه القبول بالإلهيات التقليدية التي كانت تُدرَّس في تلك الجامعة. ثمّ انتقل شلايرماخر لإكمال دراسته في جامعة هال، وبعد أن أصبح قسّاً، أمضـى أغلب خدمته في سلك المؤسَّسة الدينية في برلين. وبالإضافة إلى ممارسة الرعوية في الكنيسة المستصلحة ساعد على تأسيس جامعة برلين، ليُصبَح أُستاذاً فيها. وأثناء خدمته الرعوية في الكنيسة المستصلحة تمكَّن من إقناع السياسي الكبير (بسمارك) كي يُعَدُّ نفسه ليصبح عضواً في الكنيسة. وقد كان يفصل بين العقل والدين بشكل قاطع، ويجعل التجربة - وليس الإيمان - هي المحور والأساس في الدين. وقد توفّي شلايرماخر في عام (1834م). وقد ضمَّنت الكثير من آرائه الحركة اللاهوتية الليبرالية. (اُنظر: تاريخ تفكّر مسيحي لتوني لين/ ترجمه إلى الفارسية: روبرت آساريان: 379 و380/ الطبعة الأُولى/ 1380هـ ش/ دفتر نشـر پژوهش ورزان/ طهران). وإنَّ نظرية التجربة الدينية التي تركت تأثيراً ملحوظاً في ظهور نظرية التعدّدية الدينية قد انبثقت عن هذه الرؤية الصادرة عن شلايرماخر.
(13) Theological Liberalism.
(14) اُنظر: علم ودين لإيان باربور/ ترجمه إلى الفارسية: بهاء الدين خرمشاهي: 86 و131/ الطبعة الثالثة/ 1379هـ ش/ انتشارات مركز نشر دانشگاهي/ طهران.
(15) اُنظر: تاريخ تفكّر مسيحي لتوني لين/ ترجمه إلى الفارسية: روبرت آساريان: 328.
(16) اُنظر: كلام جديد (مصدر فارسي) لعبد الحسين خسـروپناه: 170 - 189/ الطبعة الأُولى/ 1379هـ ش/ انتشارات مركز مطالعات وپژوهش هاي فرهنگي حوزه علميه/ قم؛ پلوراليزم ديني يا پلوراليزم در دين (مصدر فارسي) للسيِّد حسن الحسيني: 5 - 22/ الطبعة الأُولى/ 1382هـ ش/ انتشارات سروش/ طهران.
(17) John Hik.
(18) يُعتَبر كارل بارث الممثِّل البارز لهذه الرؤية، حيث عمد إلى تجريد الإيمان والشـريعة من التجلّي الإلهي. (اُنظر: عقل واعتقاد ديني (مصدر فارسي): 402).
(19) إنجيل يوحنّا/ الإصحاح الرابع عشر/ الفقرة 7.
(20) اُنظر: عقل واعتقاد ديني لمايكل بيترسون وآخرين/ ترجمه إلى الفارسية: أحمد نراقي وإبراهيم سلطاني: 417؛ دين پژوهي لميرجا إلياده/ ترجمه إلى الفارسية: بهاء الدين خرمشاهي 1: 341.
(21) اُنظر: مباحث پلوراليسم ديني لجون هيك/ ترجمه إلى الفارسية: عبد الرحيم گواهي: 69/ الطبعة الأُولى/ 1378هـ ش/ نشر تبيان/ طهران.
(22) اُنظر: عقل واعتقاد ديني: 414.
(23) اُنظر: المصدر أعلاه: 414 و415.
(24) اُنظر: فرهنگ واژه ها (مصدر فارسي) لعبد الرسول بيات وآخرين: 150.
(25) اُنظر: دين پژوهي 1: 302.
(26) اُنظر: مباحث پلوراليسم ديني لجون هيك/ ترجمه إلى الفارسية: عبد الرحيم گواهي: 69.
(27) اُنظر: المصدر أعلاه: 73.
(28) تُسمّى هذه الأدلَّة بالأدلَّة من خارج الدين على التعدِّدية. (وأمَّا بشأن الأدلَّة من داخل الدين على التعدّدية، فيمكن الاطِّلاع عليها في: نگاهي درون ديني به پلوراليسم ديني (مصدر فارسي) لعبد الحسين خسـروپناه/ مجلَّة كتاب نقد/ العدد 4/ ص 242).
(29) النومن (noumenon): الشيء أو مفهوم الشيء في ذات نفسه، أو كما يبدو للعقل المحض [في فلسفة كانت]. (المعرِّب).
(30) فينومينون (phenoumenon): الشيء كما يبدو لنا، تمييزاً له عن الشيء في ذاته [في فلسفة كانت]. (المعرِّب).
(31) اُنظر: فلسفه دين (مصدر فارسي): 286.
(32) Ultimate Object.
(33) تقول الحكاية: إنَّ ثلاثة من العميان دخلوا بيتاً فيه فيل، وأخذ كلُّ واحد منهم يتحسَّس الفيل من زاوية مختلفة، وخرج كلُّ واحد منهم لذلك بنتيجة مختلفة، إذ أمسك الأوَّل بخرطومه، وقال بأنَّ الفيل شيء يشبه الأفعى. وقال الثاني الذي تحسَّس قوائمه الكبيرة الأربعة: إنَّه شيء يقوم على أعمدة أربعة. وقال الثالث الذي تحسَّس ذيله: إنَّه شيء يشبه المكنسة. (المعرِّب).
(34) اُنظر: عقل واعتقاد ديني لمايكل بيترسون وآخرين/ ترجمه إلى الفارسية: أحمد نراقي وإبراهيم سلطاني: 407.
(35) اُنظر: نقد نظرية بسط تجربة نبوي لعليّ ربّاني گلپايگاني (مصدر فارسي): 9 - 14/ الطبعة الثانية/ 1379هـ ش/ انتشارات مؤسّسه فرهنگي دانش وانديشه معاصر/ قم.
(36) اُنظر: علم ودين لإيان باربور/ ترجمه إلى الفارسية: بهاء الدين خرمشاهي: 131.
(37) اُنظر: عقل واعتقاد ديني لمايكل بيترسون وآخرين/ ترجمه إلى الفارسية: أحمد نراقي وإبراهيم سلطاني: 41 و42.
(38) اُنظر: فلسفه دين (مصدر فارسي): 288 و289.
(39) اُنظر: المصدر أعلاه: 279. وقد عبَّر بعض الكتّاب المعاصرين عن هذا النوع من التعدّدية بالتعددية التبديلية. (اُنظر: Reductive Religious Pluralism)، أو النزعة التخفيضية. وإنَّ (وليم جونز) و(رولف هود) من أنصار هذه الرؤية. (اُنظر: اسلام وپلوراليسم ديني لمحمّد ليغنهاوزن/ ترجمه إلى الفارسية: نرجس جوان دل: 90/ الطبعة الأُولى/ 1379هـ ش/ انتشارات طه/ طهران.
(40) اُنظر: عقل واعتقاد ديني لمايكل بيترسون وآخرين/ ترجمه إلى الفارسية: أحمد نراقي وإبراهيم سلطاني: 406.
(41) تجسّد المسيح (Incarnation): اتِّحاد الأُلوهية والناسوتية فيه. (المعرِّب).
(42) اُنظر: عقل واعتقاد ديني لمايكل بيترسون وآخرين/ ترجمه إلى الفارسية: أحمد نراقي وإبراهيم سلطاني: 408.
(43) Normative Religious Pluralism.
(44) Aletic Religious Pluralism.
(45) Dontic Religious Pluralism.
(46) Stotriological Religious Pluralism.
(47) اُنظر: استاد مطهَّري وكلام جديد لأحمد فرامرز قراملكي (مصدر فارسي)/ الطبعة الأُولى/ 1383هـ ش/ انتشارات پژوهشگاه فرهنگي وانديشه اسلامي/ طهران.
(48) يذهب المسيحيون إلى الاعتقاد بأنَّ الكلمة الأزلية وغير المخلوقة لله تعالى، قد تجسَّمت وظهرت على شكل عيسى الإنسان، وأخذت تعيش بين سائر الناس. وبعبارة أُخرى: إنَّ عيسى لم يأتِ بكتاب هو من وحي السماء، بل كان بنفسه تجسيداً لوحي الله. ومن هنا يُمثِّل الاعتقاد بالتجسّم الاختلاف الرئيس بين المسيحية والإسلام.
(49) اُنظر: اسلام وپلوراليسم ديني لمحمّد ليغنهاوزن/ ترجمه إلى الفارسية: نرجس جوان دل: 92.
(50) اُنظر: المصدر أعلاه: 87 - 91.
(51) مجموعه آثار مرتضى المطهَّري (مصدر فارسي) 1: 275/ ط 1377هـ ش/ انتشارات صدرا/ طهران.
(52) اُنظر: بحار الأنوار للمجلسـي 53: 142 و143/ ح 16، و25: 6 و7/ ح 9، ط 1404هـ/ انتشارات دار الوفاء/ بيروت.
(53) بحار الأنوار للمجلسي 65: 276 - 279.
(54) اُنظر: شناخت در فلسفه اسلامي لجعفر السبحاني (مصدر فارسي): 108 و109/ الطبعة الأُولى/ 1375هـ ش/ انتشارات برهان/ طهران.
(55) الغيبة للنعماني: 245.
(56) Epistemological Relativism.
(57) اُنظر: نقد مباني معرفت شناسي بلوراليسم ديني لوليِّ الله عبّاسي (مصدر فارسي)/ نشـرية إلهيات وحقوق دانشگاه علوم اسلامي رضوي/ السنة الرابعة/ العدد 12.
(58) بحار الأنوار للمجلسي 10: 353، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام 1:119.
(59) تهذيب الأحكام 6: 154؛ وسائل الشيعة 15: 77.
(60) بحار الأنوار 51: 31.
(61) الغيبة للنعماني: 337؛ بحار الأنوار للمجلسي 52: 367.
(62) تفسير الأصفى للفيض الكاشاني 2: 1300.
(63) بحار الأنوار للمجلسي 51: 61؛ وفي ينابيع المودَّة 3: 240: (لا يبقى صاحب ملَّة إلَّا صار إلى الإسلام).
(64) بحار الأنوار للمجلسي 52: 375.
(65) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 670.
(66) ما بين المعقوفتين إضافة توضيحية من عندنا. (المعرِّب).
(67) اُنظر: حكومت جهاني مهدي عليه السلام لناصر مكارم الشيرازي (مصدر فارسي): 288/ الطبعة الثامنة/ 1376هـ ش/ انتشارات مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام/ قم.
(68) اُنظر: بحار الأنوار للمجلسـي 51: 30، وفيه: «إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دُثِرَ وضلَّ عنه الجمهور...».
(69) نهج البلاغة/ قسم الحكم/ الحكمة رقم 147.
(70) اُنظر: بحار الأنوار للمجلسي 52: 350.
(71) اُنظر: منتخب الأثر للطف الله الصافي الگلبايگاني: 387/ الطبعة الأُولى/ 1419هـ/ انتشارات مؤسَّسة حضـرة معصومة عليها السلام/ قم.
(72) اُنظر: ويژگيهاي حكومت جهاني مهدي عليه السلام للسيِّد عبد اللطيف سجّادي (رسالة على مستوى الماجستير باللغة الفارسية): 53/ ط 1383هـ ش/ انتشارات مركز جهاني علوم إسلامي/ قم.
(73) الكافي للكليني 1: 25؛ بحار الأنوار للمجلسي 52: 328.
(74) اُنظر: بحار الأنوار للمجلسي 51: 58؛ منتخب الآثر للطف الله الصافي الگلبايگاني: 600.
(75) اُنظر: ينابيع المودَّة: 422؛ تذكرة الخواصّ: 377؛ منتخب الأثر: 600 و601.
(76) بحار الأنوار للمجلسي 52: 351.
(77) ينابيع المودَّة 3: 1344.
(78) بحار الأنوار للمجلسي 51: 351/ الرواية رقم 105 و351؛ الغيبة للنعماني: 244.
(79) إنَّ الإنجيل - طبقاً لما ورد في القرآن الكريم - يشتمل على البشارة بظهور نبيٍّ اسمه أحمد، وذلك إذ يقول تعالى: (وَمُبَشِّـراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الصفّ: 6).
(80) اُنظر: ينابيع المودَّة 3: 136/ نشر الشريف الرضي.
(81) اُنظر: بحار الأنوار للمجلسي 53: 61.
(82) الجزية: ما يُؤخَذ من أهل الذمَّة. (لسان العرب لابن منظور 14: 147).
(83) لقد كان العلَّامة المجلسـي من المخالفين لنظرية أخذ الجزية. (اُنظر: بحار الأنوار 51: 29/ ح 2؛ مرآة العقول 26: 11؛ ويژگيهاي حكومت جهاني مهدي عليه السلام للسيِّد عبد اللطيف سجّادي (رسالة على مستوى الماجستير باللغة الفارسية): 325؛ تاريخ ما بعد الظهور للسيِّد محمّد الصدر: 612)، فهؤلاء من القائلين بهذه النظرية.
(84) ينابيع المودَّة 3: 345.
(85) اُنظر: بحار الأنوار للمجلسي 51: 61/ الرواية رقم 59، و52: 328/ الرواية رقم 193.
(86) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام 5:130 . جميع رواة هذه الرواية (من أمثال: محمّد بن مسلم، وابن عمير وهما من أصحاب الإجماع) ثقاة، وبالتالي تكون هذه الرواية صحيحة. وللمزيد من المعلومات بشأن رواة هذا الحديث، اُنظر: معجم رجال الحديث للسيِّد الخوئي 11: 215، و14: 275 و279؛ كلّيات في علم الرجال لجعفر السبحاني/ مبحث التوثيقات العامَّة.
(87) مرآة العقول للمجلسي 26: 111.
(88) بحار الأنوار للمجلسي 51: 29.
(89) اُنظر: كفاية الأُصول للخراساني: 274/ الطبعة الثالثة/ 1415هـ/ انتشارات مؤسَّسة نشر إسلامي.
(90) اُنظر: بحار الأنوار للمجلسي 51: 29.
(91) اُنظر: خرده أوستا لإبراهيم بورداود (مصدر فارسي): 176/ الطبعة الأُولى/ 1380هـ ش/ نشـر أساطير/ طهران؛ ويسپرد له أيضاً (مصدر فارسي): 32 و48 و51 و71 و131/ الطبعة الأُولى/ 1381هـ ش/ نشـر أساطير/ طهران؛ يسنا (جزء من الأفستا) (مصدر فارسي): 71 و108 و149 و157.
(92) أهورا مزدا هو الإله الأوحد الذي يُمثِّل الخير عند الزرادشتيين، وهو إله الخير والنور الذي يخالفه دائماً إلى الشـرِّ (أهريمان). (المعرِّب).
(93) وهمن أو وهومن (بهمن) الروح الطاهرة والفكرة النقيَّة، اسم أحد أو أوَّل المنقذين في العقيدة الزرادشتية. (المعرِّب).
(94) گات ها كهن ترين بخش أوستا: استودگات: يسنا لإبراهيم بورداوود (مصدر فارسي) 3: 46/ الطبعة الأُولى/ 1378هـ ش/ نشر أساطير/ طهران.
(95) گات ها (هشتوايشت گات) (مصدر فارسي): 590.
(96) بالالتفات إلى عدم توفّر النصوص الدينية للزرادشتية بشكل كامل، لا يمكن الحكم بشكل قاطع في هذا الشأن. علماً أنَّ النصوص الموجودة لم تتعرَّض لهذه الناحية.
(97) الكتاب المقدَّس (العهد القديم) [التوراة]/ سفر التكوين/ الإصحاح: 11 و12 و14 و17.
(98) العهد القديم (التوراة)/ سفر إشعياء/ الإصحاح: 11؛ ويمكن الرجوع أيضاً في العهد القديم إلى: النبيِّ زكريا/ الإصحاح: 14، والنبيِّ صفنيا/ الإصحاح: 3، والنبيِّ سليمان/ الإصحاح: 2، والنبيِّ حِجّي/ الإصحاح: 2، وصاموئيل الأوَّل/ الإصحاح: 2، والنبيِّ صاموئيل الثاني/ الإصحاح: 12 و23، والنبيِّ حزقيال/ الإصحاح: 21.
(99) اُنظر: العهد القديم (التوراة)/ سفر التثنية 13: 2.
(100) اُنظر: العهد القديم (التوراة)/ سفر الخروج 23: 24.
(101) العهد القديم (التوراة)/ المزامير/ المزمور رقم 135/ الفقرة 6 - 12.
(102) العهد القديم (التوراة)/ سفر التثنية/ الإصحاح: 137/ الفقرة: 8 و9؛ سفر إشعياء/ الإصحاح: 14/ الفقرة 25؛ سفر صفنيا/ الإصحاح: 52؛ وغير ذلك.
(103) العهد القديم (التوراة)/ سفر إرمياء/ الإصحاح: 48/ الفقرة 10.
(104) العهد القديم (التوراة)/ سفر إشعياء/ الإصحاح: 34/ الفقرة 2 و8.
(105) العهد القديم (التوراة)/ سفر صفنيا/ الإصحاح: 3/ الفقرة 9.
(106) العهد القديم (التوراة)/ سفر إشعياء/ الإصحاح: 60/ الفقرة 21.
(107) العهد القديم (التوراة)/ سفر إشعياء/ الإصحاح: 60/ الفقرة 15.
(108) العهد القديم (التوراة)/ سفر إشعياء/ الإصحاح: 54/ الفقرة 11 و12.
(109) العهد القديم (التوراة)/ سفر إشعياء/ الإصحاح: 45/ الفقرة 6.
(110) العهد القديم (التوراة)/ سفر إشعياء/ الإصحاح: 66/ الفقرة: 23. اُنظر: انتظار مسيحا در آيين يهودي لحسين توفيقي (مصدر فارسي): 29 و32.
(111) اُنظر: آشنايي با اديان بزرگ لحسين توفيقي (مصدر فارسي): 100/ الطبعة الرابعة/ 1380هـ ش/ انتشارات سمت وطه/ طهران؛ اديان زنده جهان لروبرت هيوم/ ترجمه إلى الفارسية: عبد الرحيم گواهي: 256.
(112) اُنظر: قاموس كتاب مقدَّس لمستر هاكس/ (مترجم إلى اللغة الفارسية): 219/ مادَّة (پسـر خواهر)/ الطبعة الأُولى/ 1377هـ ش/ نشر أساطير/ طهران.
(113) الكتاب المقدَّس/ العهد الجديد/ إنجيل مرقس/ الإصحاح: 10/ الفقرة 15.
(114) اُنظر: جواهر الكلام لمحمّد حسن النجفي 21: 231، قال: كيف كان، فـ (لا يقبل من غيرهم) أي اليهود والنصارى والمجوس (إلَّا الإسلام) بلا خلاف أجده فيه، بل عن الغيبة وغيرها الإجماع عليه، بل ولا إشكال بعد قوله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْـرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ...)[التوبة: 5]...) انتهى. ولكن يمكن القول: إنَّ هذا هو الحكم الأوَّلي، ولعلَّ هناك حكماً ثانوياً في عصر ظهور الإمام المهدي عليه السلام.
(115) اُنظر: الأعمال الكاملة للشهيد مرتضى المطهَّري (مصدر فارسي) 1: 257 و279 و293.
(116) التوبة: 29 و32.
(117) اُنظر: تفسير الميزان للعلَّامة الطباطبائي/ الترجمة الفارسية (ترجمة: السيِّد محمّد باقر الموسوي الهمداني) 9: 329/ الطبعة الثامنة عشرة/ 1383هـ ش/ انتشارات دفتر نشر إسلامي/ قم.
(118) اُنظر: پلوراليزم ديني يا كثرت گرائي لجعفر السبحاني (مصدر فارسي): 53؛ الأعمال الكاملة للشهيد مرتضـى المطهَّري (مصدر فارسي) 1: 289 و293.
(119) tolerance.