أبحاث العدد:
خلاصات بحوث العدد:
المسار:
الموعود » اعداد المجلة » العدد ٦ / ذو القعدة / ١٤٣٩ هـ
لتصفح المجلة بـ Flsh
لتحميل المجلة كـ Pdf
العدد 6 / ذو القعدة / 1439 هـ

تحليل حول أحاديث الغيبة في كتاب (الغيبة) للنعماني

تحليل حول أحاديث الغيبة
في كتاب (الغيبة) للنعماني

الدكتور كاظم قاضي زاده(1) الدكتور علي رضا المختاري(2)
ترجمة: السيد جلال الموسوي

المقدّمة:
إنَّ الاعتقاد بإمامٍ حيٍّ غائبٍ -يمكن أن يظهر في أيِّ لحظة، ليطوي بساط الظلم والفساد- اعتقاد يبعث في أتباعه الأمل بالمستقبل، والأمل يعني الحياة. فبهذا الأمل تسري الحياة بسرعة في شرايين الفرد والمجتمع.
فقلب مثل هذا المجتمع الذي ينتظر إمامه، ينبض بقوَّة واستحكام، لا يتوقَّف عن الحركة بفعل الضغوط الروحية والجسدية، التي تعصف بالمجتمعات التي ليس لها هذا الاعتقاد.
والاعتقاد بظهور موعود آخر الزمان، وخليفة الله في الأرض، وأنَّه منصوب الله تعالى، الذي يُحِبُّ الخير والصلاح، ويُحقِّق الصلح والمحبَّة والأمن والأمان للمجتمع البشري، ويزيل الظلم والفساد، هذا الاعتقاد يبعث ويسوق الإنسان للاستعداد للعيش في ظلِّ تلك الحكومة العادلة، وكسب الأهلية والصلاحية لذلك.
وهذا الاستعداد، مع الأمل بالحياة، يُحقِّق الاستقامة في مقابل مصاعب الحياة وتعرُّجاتها، ويبعث على السعي لبناء النفس وبناء المجتمع.
ومفهوم المهدويَّة في الفكر الشيعيِّ، مفهوم أساسيٌّ ومحوريٌّ، ولكن السؤال هو: لماذا تشابكت فكرة المهدويَّة هذه بنسيج السلوك الدينيِّ للناس؟
فما هو العامل أو العوامل التي أدَّت إلى ترسُّخ هذا الاعتقاد في حياة المجتمع الشيعيِّ على مرِّ هذه القرون والأجيال؟ وما هو الداعي والموجب لصيرورة مفهوم المهدويَّة مفهوماً أساسياً ومحورياً في الثقافة الشيعية؟
في الحقيقة، إنَّ الشيعة كانوا، ولا زالوا، يعتبرون المهدويَّة مَعْلماً دينياً منبثقاً عن الوحي الإلهيِّ، فالشيعة، وانطلاقاً من وجوب طاعة الأوامر الإلهيَّة، قد قبلوا بإمامة الإمام الثاني عشر (عليه السلام) - وهو القائم والمهديُّ (عليه السلام) المذكور في الروايات -، وهم يعتبرون أنَّ ولاية الإمام المهدي (عليه السلام) هي كمال الإمامة والولاية.
نعم، إنَّ الشيعة قضوا القرون وهم يهتفون: يا صاحب الزمان (عليه السلام)، ويتقرَّبون بذلك إلى الله تعالى، لأنَّ التوسُّل به توسُّلٌ بذات الباري (عزَّ وجلَّ). ولم تمرّ برهة من التأريخ خلت من اعتقاد الشيعة بإمام زمانٍ منصَّب من قِبَل الله تعالى.
فكرة الإمام الغائب:
في النظام العقدي للإمامة بشكلٍ عامٍّ، وفي المهدويَّة بشكل خاصٍّ، توجد تفاصيل وجزئيات إذا رُدَّت، أو شُكِّك فيها، أدّى ذلك إلى زعزعة كلِّ ذلك النظام. فالمهدويَّة في الفكر الشيعيِّ مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بغيبة الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، فالشيعة يعتقدون بأنَّ الإمام الثاني عشر هو الإمام المهديُّ والقائم المذكور في الروايات، وإنَّ الغيبة ليست فقط من علائم الموعود الإلهيِّ، وإنَّما هي علامة حقّانية نظام الإمامة، لأنَّ الأئمَّة السابقين طالما تكرَّر منهم بشكل مفصَّل ومجمل، الحديث عن وقوع الغيبة للقائم (عليه السلام). يقول النعماني:
(إنَّ هذه الغيبة لو لم تكن ولم تحدث مع ذلك ومع ما روي على مرِّ الدهور فيها لكان مذهب الإمامة باطلاً، لكن الله تبارك وتعالى صدَّق إنذار الأئمَّة (عليهم السلام) بها وصحَّح قولهم فيها في عصر بعد عصر، وألزم الشيعة التسليم والتصديق والتمسُّك بما هم عليه، وقوّى اليقين في قلوبهم بصحَّة...)(3).
وتمسُّك الشيعة بهذا المعتقد، إنَّما هو من أجل تسليمهم المطلق لله تعالى، الذي جعل نظام الإمامة ملازماً للبيعة لاثني عشر إماماً آخرهم القائم الذي له غيبة طويلة، يُبتلى بها الشيعة بمواجهة الآراء والأفكار والاتِّجاهات المنحرفة، ويُمتَحنون ويُغربَلون.
رؤية البعض أنَّ بحث الغيبة من مختلقات فقهاء الشيعة:
يقول البعض:

إذا رجعتم إلى النظريات السياسية لفقهاء الشيعة، لوجدتم مسألة الغيبة ظاهرة واضحة فيها. فالشيعة بعد وفاة الإمام الحادي عشر (عليه السلام)، وقعوا لمدَّة طويلة في حيرة، فنظرية الإمامة عندهم كانت تقول لهم بأنَّ الإمام لا بدَّ أن يكون موجوداً في المجتمع، حيّاً حاضراً، وأنَّ وجوده بالأساس إنَّما هو لإدارة المجتمع وهدايته إلى الطريق الصحيح، ولذا فإنَّ مقولة الإمام الغائب في نظرهم مقولة غريبة وغير معروفة ولا معرَّفة، ولهذا فقد بقي الشيعة لأكثر من قرن من الزمان تحكمهم دورة يُسمّيها مؤرِّخو الشيعة ومؤرِّخو الإسلام بدورة (الحَيرَة). وفي دورة الحيرة هذه، نشأ شيئاً فشيئاً معنى جديد لنظرية الإمامة في المجتمع الشيعيِّ، محتواه ولُبُّه الأصلي هو عدم لزوم وجود الإمام جسماً بين الناس، وإنَّما يكفي أصل وجوده ونظارته وعنايته للناس ولو من وراء الستار، وبذلك وُلِدَت فكرة الإمام الغائب(4).
وولادة الفكرة، تعني أنَّ هذه الفكرة لم تكن موجودة ثمّ وُجِدَت، ولم يكن لها جذور فكانت. أي إنَّ فكرة الإمام الغائب لم يكن لها أيُّ سابقة في الفكر الشيعي فوُجِدَت من لا شيء، فهي مقولة غير معروفة ثمّ عُرِفَت، ولم تكن معرَّفة فعُرِّفت بعد ذلك.
وهذه الفرضية، بأحد معانيها لا تنسجم مع إلهيَّة المهدويَّة الشيعية، وأنَّ قبولها يستلزم آثاراً نظرية وعملية أهمّها زعزعة النظام الاعتقادي للإمامة والمهدويَّة الشيعية.
نقد الفرضية:
كما تلاحظون، فإنَّ فرضية (نشأة فكرة الإمام الغائب في زمن الحيرة) مبتنية على مبنى أنَّ مقولة الغيبة لم تكن معروفة عند الشيعة، ولا هي معرَّفة ومبيَّنة لهم قبل تأريخ استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام). والسؤال المطروح هنا هو: هل إنَّ دور الحيرة - المزعوم - هو دور نشوء نظرية جديدة في الإمامة عند المجتمع الشيعيِّ، أم إنَّه دور العودة واستذكار الشيعة لميراثهم الروائيِّ، ولأحاديث أئمَّتهم الكرام (عليهم السلام)، ورجوعهم إلى المعارف الإلهيَّة للوقوف على المفهوم الدقيق والصحيح لأحاديث الغيبة، ومعرفة المذهب الحقِّ واتِّباعه؟
دور الحيرة:
لا شكَّ في أنَّ عدداً من الشيعة قد أصابتهم درجةٌ من حالة الحيرة إثر الفراغ الذي تركه رحيل النائب الخاصّ الرابع للإمام المهدي (عليه السلام)، إذ إنَّهم فقدوا المرجع المعيَّن من قِبَل الإمام المهديِّ (عليه السلام)، والذي يتولّى أُمورهم وشؤونهم. هذا مضافاً إلى أنَّ بعض الفِرَق المذهبية، كالزيدية والمعتزلة وغيرهم، قد بدأوا بإثارة الشبهات الكثيرة في خصوص بعض تفاصيل الإمامة.
البعض يصرُّ على أنَّ مبنى مقولة الغيبة هو غير هذه الملابسات والظروف الموضوعية، حيث يرى الكاتب أنَّ رحيل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في سنة (260هـ) في سامراء، بدون إعلانه عن ولده أمام الملأ العامِّ، وكذلك وصيَّته لأُمِّه حديث، أنتج ظرفاً مساعداً لبروز محنة صعبة في المجتمع الشيعيِّ الاثني عشري -المعتقد بضرورة استمرار الإمامة الإلهيَّة-، وهذا بدوره أدّى إلى إيجاد الشكِّ والحيرة والاضطراب حول مستقبل الإمامة بعد الإمام العسكري (عليه السلام)(5).
فهل إنَّ علماء الشيعة، كالنعماني والشيخ الصدوق، يوافقون قائل هذه المقولة؟ ويرون أنَّ الحيرة كانت نتيجة عدم وجود ولدٍ للإمام العسكري (عليه السلام)؟ وهل إنَّ اضطراب الشيعة كان بسبب وصيَّة الإمام العسكري (عليه السلام) لأُمِّه المكرَّمة حديث؟
فالشيخ النعماني (رحمه الله)، مع أنَّه يقرُّ بوجود الحيرة، ولكنَّه لهذه الدعوى يرى أنَّ وقوع الحيرة إنَّما هو نتيجة عدم الالتفات والعمل بالروايات الواردة عن الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام) في خصوص الغيبة، والامتحان الصعب في أيّامها(6). ومن ثَمَّ فإنَّ النعماني يرى أنَّ من وظيفته أن يُبيِّن لإخوته في الدِّين ما اشتبه عليهم، وأن يأخذ بيدهم ليُنقِذهم من الحيرة، ويُخرجهم من ظلمة الشكِّ إلى نور اليقين(7).
فالنعماني (رحمه الله)، كتب كتابه (الغيبة) ليُعرِّف الشيعة بهذه الأحاديث التي غفلوا عنها في تلك البرهة.
نعم، هو يقرُّ بأنَّه لم يحط بكلِّ الأحاديث الواردة في شأن الغيبة، وذلك لبعد المسافة وتشتُّت الرواة في البلاد، وأنَّه أدرج في كتابه تلك الأحاديث التي كانت متوفِّرة بين يديه في زمن تأليفه للكتاب فقط. كما أنَّ النعماني (رحمه الله) يُذعِن بأنَّ ما يرويه الناس في هذا المجال هو أكثر بكثير ممَّا نقله في كتابه(8).
وكذلك الشيخ الصدوق (رحمه الله)(381هـ)، وضمن قبوله لوجود الحيرة، يُؤكِّد على هذه النكتة، وهي أنَّ عدم الرجوع إلى أحاديث وكلمات الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام)، هو الذي أوقع الشيعة في هذه الحيرة. فكان (رحمه الله) كلَّما رأى شيعياً قد ابتلي بالحيرة والاضطراب العقائدي، عالجه بذكر روايات الغيبة الواردة عن النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة الأطهار (عليهم السلام). وهذا الأمر يكشف بوضوح غفلة الشيعة في ذلك الوقت عن ميراثهم الروائيِّ(9).
إذن، فأيُّ واحدٍ من كبار علماء الشيعة، وخلافاً لما يُدَّعى لم يكن معتقداً بأنَّ سبب الحيرة عدم وجود ولدٍ للإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، أو بسبب وصيَّته (عليه السلام) لوالدته المكرَّمة حديث (رضوان الله عليها).
ومن جملة علل الحيرة، ذهاب ذلك الجيل الذي كان قد عاصر الإمام المعصوم وسمع أحاديثه وأحسَّ بوجوده وروَّج كلماته وأحاديثه، ومجيء جيل آخر لم يلتق بإمامه ولم يسمع منه مشافهةً، وكذلك، كان لرواج الشبهات وإثارات وتشكيكات المخالفين الأثر السلبي في إيجاد الحيرة عند بعض الشيعة(10).
بدايات طرح البحوث المهدويَّة في الإسلام:
إنَّ دراسة بدايات طرح البحوث المرتبطة بالمهدويَّة وبمنجي آخر الزمان في الإسلام، لهي من المباحث الجذّابة في التأريخ الإسلامي. يقول السيِّد المدرِّسي الطباطبائي في هذا المضمار:
(يبدو أنَّ الحديث في الانتظار والاعتقاد بظهور منجٍ ومنقذٍ ثائر من أهل بيت النبيِّ الأكرم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه يملؤ الأرض قسطاً وعدلاً ويزيل الظلم والفساد والجور، ويقيم الحكومة العادلة على الأرض، كان حديثاً متداولاً عند عامَّة أفراد المجتمع الإسلامي، منذ القرن الأوَّل للهجرة. وهذا المنجي المنقذ، عرفته الشيعة باسم (القائم))(11).
ولكنَّ هناك شواهد بين أيدينا تدلُّ على معرفة الناس بمفهوم (مهديِّ الإسلام) قبل ذلك التأريخ أيضاً. فالإمام السجّاد (عليه السلام) كان قد أشار إلى المهديِّ (عليه السلام)، في خطبته في مسجد الشام سنة (61هـ)، عندما استعرض مفاخره، حيث ذكر (أنَّ منهم النبيُّ المختار و... وجعفر الطيّار، وسبطي هذه الأُمَّة، والمهديُّ الذي يقتل الدجّال...). ومن الطبيعيِّ، أنَّ الشخص عندما يذكر مفاخره أمام الآخرين، لا بدَّ أن يكون الآخرون على معرفة بتلك المفاهيم، ليصحَّ التفاخر بها أمامهم. وعليه، فإنَّ كلَّ ما جاء من مصاديق التفاخر في خطبة الإمام عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، كان معروفاً عند الناس، وعند زعماء الحزب الأُموي المخالف، معرفة قطعية.
فكما أنَّ الناس المتجمهرين في مسجد الشام، وكذلك يزيد بن معاوية وحاشيته، كانوا على معرفة تامَّة بجعفر الطيّار وبمقام الحسن والحسين (عليهم السلام)، كانوا أيضاً على معرفة تامَّة بأصل المهدويَّة. ولذا فإنَّ الإمام السجّاد (عليه السلام)، عندما رقى منبر المسجد وذكر المهديَّ (عليه السلام) وأنَّه من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لم يُنكِر عليه أحدٌ ذلك(12)، ولقد كان الجوُّ السائد في الشام في ذلك الوقت يقتضي أن يُنكِر المخالف ما يقوله الإمام السجّاد (عليه السلام) لو كان مخالفاً لكلامه ولم يكن مُصدِّقاً إيّاه، والحال أنَّنا نلاحظ أنَّ أحداً لم يُكذِّب الإمام السجّاد (عليه السلام) فيما يدَّعيه ويفتخر به، فلم يُسجِّل لنا التأريخ أدنى اعتراض أو إنكار أو تكذيب لكلام الإمام السجّاد (عليه السلام) في خصوص المهديِّ (عليه السلام).
بل إنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان قد أشار إلى أصل المهدويَّة، وكذلك الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، وذلك عندما اعترض بعض الشيعة على صلحه مع معاوية، فقال (عليه السلام):
«أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَيَقَعُ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِطَاغِيَةِ زَمَانِهِ إِلَّا الْقَائِمُ الَّذِي يُصَلِّي رُوحُ اللهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) خَلْفَهُ؟»(13).
كما أنَّ كلمات أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) في خصوص المهدويَّة ومباحثها، هي الأُخرى كثيرة، وسنشير خلال البحث إلى بعض تلك الكلمات.
بل لقد انتشرت مباحث المهدويَّة منذ بداية الدعوة إلى الإسلام، أي من زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلى لسانه هو (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وقد نقل سُليم بن قيس في كتابه، العديد من الروايات المرتبطة بالمهديِّ (عليه السلام)، وعن غيبته وظهوره، عن النبيِّ الأكرم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فالأدلَّة والشواهد الكافية موجودة ودالَّةٌ على أنَّ هذا المعتقد كان معروفاً ومعرَّفاً منذ صدر الإسلام وإلى الآن، وأنَّ النبيَّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد وعد المسلمين بخروج رجل من نسل ولده الحسين بن فاطمة (عليه السلام)، وأنَّه يُطهِّر الدِّين من البدع والأباطيل. ولكنَّ المنافسة السياسية التي كانت موجودة بين المسلمين، شجَّعت بعض الأشخاص لاستغلال هذا المبدأ المقدَّس، وحرَّفت الأحاديث النبوية الشريفة لمصالحها، ولكسب القدرة والسلطان.
الغيبة مقولة معروفة ومعرَّفة:
لقد بين أئمَّة الشيعة (عليهم السلام) أمرَ الغيبة قبل وقوعها بسنين عديدة، وتحدَّثوا عنها بكلِّ صراحة ووضوح. كما أكَّد علماء الشيعة على مرِّ القرون ذلك في كتبهم ورسائلهم. يقول أبو سهل النوبختي في كتابه (التنبيه) في هذا الصدد:
(فصحَّ لنا... صحَّة غيبته بالأخبار المشهورة في غيبة الإمام (عليه السلام)، وأنَّ له غيبتين إحداهما أشدّ من الأُخرى.
فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن (عليه السلام) على ما شرحت، وأنَّه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة، فإنَّها جاءت مشهورة متواترة، وكانت الشيعة تتوقَّعها وتترجّاها)(14).
ويقول الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (كمال الدين وتمام النعمة)، حول الروايات الواردة في الغيبة وأهمّيتها:
(ذلك أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) قد أخبروا بغيبته (عليه السلام)، ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقِلَ عنهم واستُحفِظَ في الصُّحُف ودُوِّن في الكتب المؤلَّفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقلّ أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمَّة (عليهم السلام) إلَّا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوَّنه في مصنَّفاته، وهي الكتب التي تُعرَف بالأُصول مدوَّنة مستحفظة عند شيعة آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين، وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها، فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلِّفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألَّفوا ذلك في كتبهم ودوَّنوه في مصنَّفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللبِّ والتحصيل، أو أن يكونوا قد أسَّسوا في كتبهم الكذب، فاتَّفق الأمر لهم كما ذكروا، وتحقَّق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم، وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأوَّل، فلم يبقَ في ذلك إلَّا أنَّهم حفظوا عن أئمَّتهم المستحفظين للوصيَّة (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دوَّنوه في كتبهم وألَّفوه في أُصولهم)(15).
ولكن، وعلى الرغم من كلِّ هذه المدارك والوثائق، فإنَّه ادُّعي بأنَّ هوية المهديِّ (عليه السلام) مبهمة، وأنَّ كلُّ حركة سياسية كانت تحدث في القرون الثلاثة الأُولى من التأريخ الهجري، ثمّ يؤول أمرها إلى الفشل والانكسار ويُقتَل زعماؤها، فإنَّ عدَّة عديدة من أنصار تلك الحركة - من الذين لم يستوعبوا انكسارهم وفشلهم - كانوا يختارون الاعتقاد بغيبة زعمائهم وقادتهم، فمن هنا نشأت فكرة الغيبة(16).
ولكن، وخلافاً لهذا الادِّعاء، فإنَّ روايات أهل البيت (عليهم السلام)، كانت في متناول أيدي الشيعة في القرن الثاني والربع الأوَّل من القرن الثالث، وكانت هذه الروايات مدوَّنة في كتبهم، وهي تتحدَّث عن شخص معيَّن غائب، وأنَّه من أولاد عبد المطَّلب، وأنَّه الإمام الثاني عشر من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)(17)، وأنَّه من أبناء عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)(18)، وأنَّه من أبناء فاطمة الزهراء (عليها السلام)(19)، وأنَّه من أبناء الإمام الحسن (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)(20)، وأنَّه التاسع من نسل الإمام الحسين (عليه السلام)(21)، وأنَّه من أبناء الإمام السجّاد (عليه السلام)(22)، وأنَّه من نسل الإمام الباقر (عليه السلام)(23)، وأنَّه السادس من ولد الإمام الصادق (عليه السلام)(24)، وأنَّه الخامس من نسل الإمام الكاظم (عليه السلام)(25)، وأنَّه الرابع من أبناء الإمام الرضا (عليه السلام)(26)، وأنَّه الثالث من ولد الإمام الجواد (عليه السلام)(27)، وأنَّه الثاني من أبناء الإمام الهادي (عليه السلام)(28)، وأنّه ابن الإمام العسكري (عليه السلام)(29)، وأنَّ ولادته تخفى على عامَّة الناس(30)، وأنَّه أصغر الأئمَّة سنّاً، وأنَّ اسمه أخفى اسمٍ من أسماء الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام)، وأنَّ له غيبتين(31) تطول إحداهما كثيراً(32) حتَّى يقول الناس: مات أو هلك، وأنَّه يظهر بعد غيبة طويلة من مكَّة، وأنَّ عيسى المسيح (عليه السلام) ينزل إلى الأرض ويُصلّي خلفه(33).
فكلُّ هذه الصفات والعلائم، وغيرها ممَّا جاء في الروايات، لا تدع مجالاً للشكِّ في صراحة الروايات الواردة في شأن الإمام المهديِّ (عليه السلام) وغيبته، وأنَّها قضيَّة معرَّفة ومعروفة للشيعة. وقد قام العلماء ومحدِّثو الشيعة بجهود جبّارة لجمع هذه الروايات وتبويبها، وعدُّوها من العلامات التي يمكن أن يهتدي بها الناس إلى حقّانية إمامة أهل البيت (عليهم السلام)(34).
ولكن، لمَّا كانت الفِرَق الشيعية من غير الإماميَّة الاثني عشرية، قد استغلَّت هذه الروايات لإثبات مدَّعياتهم، بقي الشيعة الإماميَّة ينظرون بعين التردُّد والريبة إلى هذه الروايات، إلى درجة أنَّهم صاروا بصدد ردِّ بعض تلك الروايات.
وبوفاة الإمام العسكري (عليه السلام)، بدأ الشيعة شيئاً فشيئاً بالرجوع إلى تلك الروايات، فوصلوا إلى القناعة التامَّة بأنَّ الروايات الواردة في غيبة إمام من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبعد وضعها إلى جنب الروايات القائلة بأنَّ الأئمَّة اثنا عشر، لا يمكن تطبيقها إلَّا على إمامهم الثاني عشر.
وللسيِّد المدرِّسي الطباطبائي تحليل لطيف ومهمّ في هذا الخصوص، حيث يقول:
(ولم يدم الأمر طويلاً حتَّى انتبه الشيعة شيئاً فشيئاً إلى احتمال أن تكون كلُّ تلك الروايات الواردة عن أجداد الإمام المهديِّ (عليه السلام)، والتي كانت تُخبِر عن مثل هذه الأوضاع، والتي كانت لما يقارب القرن من الزمن على مسمع منهم وهي بين أيديهم، قد تكون قاصدة هذا المورد الخاصّ، وهو إمامة الإمام المهديِّ (عليه السلام). ففي هذه الروايات، إخبارٌ بأنَّ قائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سيختفي في بداية أمره عن الأنظار، ثمّ سيظهر ويقيم حكومة القسط والعدل الإسلامي، حتَّى إنَّ بعض الروايات تذكر تفاصيل وجزئيات غيبتين للإمام، وأنَّ قائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سيظهر بعد غيبة قصيرة، ثمّ يغيب غيبة طويلة سيُبتلى بها الكثير من الناس...
وفي الحقيقة، إنَّ أقوى الأدلَّة على حقّانية وأصالة مباني مذهب الاثني عشرية الحقِّ، هو أنَّ متقدِّمي علماء الشيعة، ولسنين طويلة، كانوا يقفون بوجه الواقفة، فيُضعِّفون ويجرحون رواة الحديث القائلة بالغيبة، ويعتبرون أكثرها من مجعولات تلك الفرقة، حتَّى تقادمت الأيّام وثبت صحَّة تلك الروايات والأحاديث الشريفة، وتحقَّقت تنبُّؤات الأئمَّة الطاهرين (عليهم السلام)، فأيقنوا بها. وقد تكون هذه إرادة وحكمة الله تعالى، في إبطال دعوى من يتَّهم الشيعة الاثني عشرية بوضع وجعل الأحاديث في خصوص مدَّعاهم وهو غيبة الإمام الثاني عشر)(35).
هذا وإنَّ نفس صاحب هذه الدعوى، يقرُّ بأنَّ محدِّثي الشيعة قد نقلوا روايات كثيرة في وقوع الحيرة بعد الغيبة، تلك الروايات التي تتحدَّث عن المصاعب والمشكلات التي يواجهها الشيعة في فترة غيبة إمامهم، حيث يقول:
(لقد روى الكليني والنعماني والصدوق روايات كثيرة تدلُّ على وقوع الحيرة بين الشيعة بعد موت الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وبعد غيبة الإمام صاحب الأمر (عليه السلام). كما أنَّ هؤلاء الأعلام قد ذكروا اختلاف الشيعة في ذلك الزمان)(36).
وقد أشار علماء الشيعة مراراً في كتاباتهم، إلى الكتب التي صُنِّفت في الفترات السابقة على ولادة الإمام المهديِّ (عليه السلام)، وفي فترة الغيبة الصغرى له (عليه السلام)، والتي جُمِعَت فيها الأحاديث المرتبطة بالمهدويَّة وبالغيبة.
التواتر المعنوي لغيبة إمام العصر (عليه السلام):
قد صرَّح النعماني (رحمه الله) في مقدّمة كتابه (الغيبة)، بأنَّ الروايات الواصلة عن الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام) في خصوص غيبة إمامٍ من أهل بيت النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كثيرة جدّاً. ويذهب النعماني (رحمه الله)، بأنَّ الشيعة لو تفكَّروا في الروايات التي وصلت عن الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام) بدون توقُّف، والتي أشاروا فيها إلى حتمية الغيبة، والتي أُدرجت في كتاب (الغيبة) واحدة بعد الأُخرى، وتأمَّلوا في هذه الروايات بدقَّة، فإنَّهم سيعرفون جيِّداً بأنَّ هذه الغيبة إذا لم تقع وتحدث، طبقاً لإخبار تلك الروايات، فإنَّ هذا سيكون دليلاً يقينياً على بطلان الإمامة. ولكنَّ الله تبارك وتعالى صدَّق تحذيرات وتنبُّؤات الأئمَّة (عليهم السلام) في خصوص الغيبة، وأثبت صحَّة كلماتهم الواردة في الأزمنة المتعاقبة قبل الغيبة، وأمر الشيعة وألزمهم بالتسليم والتصديق والتمسُّك باعتقاداتهم، وقوّى بذلك اليقين القلبي للشيعة بصحَّة المنقولات الواردة عن أئمَّتهم الأطهار (عليهم السلام)(37). قال ما نصُّه: (وإذا تأمَّل من وهب الله تعالى له حسن الصورة...) الخ(38).
والذي يدعو النعماني إلى القول بأنَّ عدم تحقُّق الغيبة سيكون دليلاً على بطلان مبدأ الإمامة، هو روايات الآحاد الواردة في أمر الغيبة.
فلقد عقد النعماني (رحمه الله)، الباب العاشر في كتابه (الغيبة) تحت عنوان: (باب 10- ما روي في غيبة الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، وذكر مولانا أمير المؤمنين والأئمَّة (عليهم السلام) بعده وإنذارهم بها).
فقد سعى النعماني (رحمه الله) في هذا الباب إلى جمع الروايات الواردة عن أمير المؤمنين وسائر الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام)، في خصوص الغيبة والتحذير من فتنتها. ومن مجموع (483) رواية، نقلها في (الغيبة)، فإنَّ تسعين رواية منها -أي ما يقارب الخمس- هي روايات الغيبة التي ذكرها في الباب العاشر، وهو أكثر أبواب كتاب (الغيبة) حجماً وسعةً.
فترتيب أحاديث هذا الباب على أساس المضمون، ونوع بيان مقولة (الغيبة) يُثبِت التواتر المعنوي لـ (حدوث غيبةٍ لإمامٍ من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام))، وهو الإمام الثاني عشر (عليه السلام) بشكل لا يقبل الشكَّ.
وقد تكرَّرت بعض هذه الروايات في الكتب الأُخرى مثل كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) للصدوق، وكتاب (علل الشرائع) للصدوق، وكتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (460هـ)، وكتاب (تقريب المعارف) لأبي الصلاح الحلبي (447هـ)، كتاب (دلائل الإمامة) للطبري (القرن الخامس)، وكتاب (كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر) للخرّاز القمّي (النصف الثاني من القرن الرابع)، وكتاب (إعلام الورى بأعلام الهدى) لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (القرن الخامس) وغيرها من الكتب، وبنفس السند، أو بأسناد أُخرى.
ووجود الرواة من ذوي المصنَّفات، من بين رواة سند هذه الأحاديث، يدلُّ على أنَّ أصحاب هذه الكتب قد يكونوا أخذوا هذه الأحاديث من كتب هؤلاء الرواة الكُتّاب في القرون المتقدِّمة.
الغيبة إحدى خصائص القائم (عليه السلام):
ألف- روى زرارة، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال:
«إِنَّ لِلْقَائِمِ (عليه السلام) غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»، فَقُلْتُ: ولِمَ؟ قَالَ: «يَخَافُ -وأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ-»، ثُمَّ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، وهُوَ المُنْتَظَرُ، وهُوَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَاتَ أَبُوهُ بِلَا خَلَفٍ، ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: حَمْلٌ، ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَائِبٌ، ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِيهِ بِسِنِينَ، وهُوَ المُنْتَظَرُ، غَيْرَ أَنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ قُلُوبَ الشِّيعَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ المُبْطِلُونَ يَا زُرَارَةُ»، قَالَ زُرَارَةُ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الزَّمَانَ أَيَّ شَيْءٍ أَعْمَلُ؟ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، مَتَى أَدْرَكْتَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَادْعُ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي...».
إنَّ النعماني (رحمه الله) ينقل هذا الحديث عن محمّد بن همّام(39)، كما أنَّه ينقل نفس هذا الحديث بسندين آخرين عن الكليني، والكليني يروي الحديث الأوَّل عن عليِّ بن إبراهيم(40).
وفي السند الثاني(41) ورد اسم أحمد بن هلال(42).
واللافت للنظر، هو أنَّ أحمد بن هلال (180 - 267هـ) يقول: إنَّه سمع هذا الحديث قبل (56) سنة، قال ما نصُّه: (سمعت هذا الحديث منذ ستٍّ وخمسين سنة)(43). واستناداً إلى تأريخ وفاة أحمد بن هلال، نعرف أنَّه قد سمع هذا الحديث قبل ولادة الإمام صاحب الأمر (عليه السلام) بخمسين سنة تقريباً.
والقسم الأوَّل من متن هذا الحديث نقله النعماني (رحمه الله) بأربعة أسانيد أُخرى وبمتون مشابهة لهذا المتن(44)، أحدها رواه عن الكليني(45). وروى الكليني مثل هذا الحديث في (الكافي) بسندٍ آخر(46).
ب- روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن الإمام الجواد (عليه السلام)، أنَّه قال:
«إِذَا مَاتَ ابْنِي عَلِيٌّ بَدَا سِرَاجٌ بَعْدَهُ ثُمَّ خَفِيَ، فَوَيْلٌ لِلْمُرْتَابِ وطُوبَى لِلْغَرِيبِ الْفَارِّ بِدِينِهِ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْدَاثٌ تَشِيبُ فِيهَا النَّوَاصِي وَيَسِيرُ الصُّمُّ الصِّلَاب»(47).
ج- روى أبو بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال:
«لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ...».
وقد روى النعماني هذا الحديث عن الكليني (رحمه الله)(48)، كما ذكره أبو الصلاح الحلبي (447هـ) في تقريب المعارف(49).
د- روى محمّد بن مسلم أنَّه سمع عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال:
«إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِكُمْ غَيْبَةٌ فَلَا تُنْكِرُوهَا».
وقد روى النعماني هذا الحديث بسندين عن الكليني(50).
ورواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) بسنده عن أبي بصير(51).
التعريف بغيبة صاحب الأمر (عليه السلام) لرفع اللبس العقائدي:
ألف - قال عبد الله بن عطاء المكّي للإمام الباقر (عليه السلام):
إِنَّ شِيعَتَكَ بِالْعِرَاقِ كَثِيرَة، وَوَاللهِ مَا فِي أَهْلِ بَيْتِكَ مِثْلُكَ، فَكَيْفَ لَا تَخْرُجُ؟ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَطَاءٍ، قَدْ أَخَذْتَ تَفْرُشُ أُذُنَيْكَ لِلنَّوْكَى، إِي واللهِ مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ»، قُلْتُ: فَمَنْ صَاحِبُنَا؟ فَقَالَ: «انْظُرُوا مَنْ غُيِّبَتْ عَنِ النَّاسِ وِلَادَتُهُ فَذَلِكَ صَاحِبُكُم».
وبعد أن ينقل النعماني هذا الحديث عن محمّد بن همّام(52)، ينقله بسندٍ آخر(53) عن الكليني. وقد روى الشيخ الصدوق هذا الحديث بسندين آخرين مختلفين(54)، كما رواه أبو الصلاح الحلبي (447هـ) عن عبد الله بن عطاء المكّي، بدون أن يذكر السند، حيث قال: (ورووا عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر...)(55).
هذا وقد روى النعماني (رحمه الله) حديثاً آخر بنفس المضمون وبإضافات أُخرى، عن عبد الله بن عطاء المكّي(56).
ب- قال أيّوب بن نوح: قلت للإمام الرضا (عليه السلام):
إِنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ، وأَنْ يَسُوقَهُ اللهُ إِلَيْكَ عَفْواً بِغَيْرِ سَيْفٍ، فَقَدْ بُويِعَ لَكَ، وقَدْ ضُرِبَتِ الدَّرَاهِمُ بِاسْمِكَ، فَقَالَ: «مَا مِنَّا أَحَدٌ اخْتَلَفَتِ الْكُتُبُ إِلَيْهِ، وأُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، وسُئِلَ عَنِ المَسَائِلِ، وحُمِلَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ، إِلَّا اغْتِيلَ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ لِهَذَا الْأَمْرِ غُلَاماً مِنَّا خَفِيَّ المَوْلِدِ والمَنْشَأ، غَيْرَ خَفِيٍّ فِي نَسَبِه».
وقد روى النعماني هذا الحديث عن الكليني(57)، ولكنَّ متنه يختلف قليلاً عن المتن الموجود في الكافي.
كما روى أبو الصلاح الحلبي هذا الحديث بمتن مشابه لما في الكافي، عن أيّوب بن نوح(58).
ج- وفي حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام)، يُصرِّح فيه أنَّ صاحب هذا الأمر هو من تخفى ولادته عن الناس، فروي عن عبد الله بن عطاء، قال: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام):
أَخْبِرْنِي عَنِ الْقَائِمِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «واللهِ مَا هُوَ أَنَا، ولَا الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ، ولَا يُعْرَفُ وِلَادَتُهُ»، قُلْتُ: بِمَا يَسِيرُ؟ قَالَ: بِمَا سَارَ بِهِ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هَدَرَ مَا قَبْلَهُ واسْتَقْبَلَ»(59).
د- يقول أبو حمزة الثمالي (رحمه الله):
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: فَوَلَدُكَ؟ فَقَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِكَ؟ فَقَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِكَ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: «الَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً لَعَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَأْتِي كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بُعِثَ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ».
وينقل النعماني هذا الحديث عن الكليني(60).
التعريف بالغيبة ومعناها في بيان السُّنَّة الإلهيَّة بعدم خلوِّ الأرض من حجَّة:
إنَّ رواياتنا قد بيَّنت معنى الغيبة أيضاً، وهذا يدلُّ على التعريف بجزئيات وتفاصيل الغيبة قبل ولادة قائم آل محمّد (عليه السلام) بسنوات طويلة. ففي خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، خطبها على منبر مسجد الكوفة، تحدَّث فيها عن فتن آخر الزمان، جاء فيها:
«وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ للهِ (عزَّ وجلَّ)، ولَكِنَّ اللهَ سَيُعْمِي خَلْقَهُ عَنْهَا بِظُلْمِهِمْ وجَوْرِهِمْ وإِسْرَافِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ولَوْ خَلَتِ الْأَرْضُ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ حُجَّةٍ للهِ لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، ولَكِنَّ الحُجَّةَ يَعْرِفُ النَّاسَ ولَا يَعْرِفُونَهُ، كَمَا كَانَ يُوسُفُ يَعْرِفُ النَّاسَ وهُمْ لَهُ مُنْكِرُون»(61).
وهناك أحاديث أُخرى بيَّنت هذه السُّنَّة الإلهيَّة.
التعريف بالغيبة عند الحديث عن عدم الفصل الزماني بين الأئمَّة:
عن الإمام الباقر (عليه السلام)، أنَّه قال:
«إِنَّمَا نَحْنُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ حَتَّى إِذَا أَشَرْتُمْ بِأَصَابِعِكُمْ ومِلْتُمْ بِحَوَاجِبِكُمْ غَيَّبَ اللهُ عَنْكُمْ نَجْمَكُمْ فَاسْتَوَتْ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَمْ يُعْرَفْ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ، فَإِذَا طَلَعَ نَجْمُكُمْ فَاحْمَدُوا رَبَّكُمْ».
وقد روى النعماني هذا الحديث عن الكليني (رحمه الله)(62)، والحديث موجود في الكافي أيضاً باختلاف طفيف. كما رواه النعماني أيضاً بأسانيد أُخرى، باختلاف قليل في المتن، عن عليِّ بن أحمد البندنيجي(63)، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وكذلك عن طريق محمّد بن همّام(64)، عن الإمام الباقر (عليه السلام).
التعريف بالغيبة من خلال تشبيه الإمام القائم (عليه السلام) بالأنبياء:
ألف- روى سدير الصيرفي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال:
«إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ لَشَبَهاً مِنْ يُوسُفَ»، فَقُلْتُ: فَكَأَنَّكَ تُخْبِرُنَا بِغَيْبَةٍ أَوْ حَيْرَةٍ، فَقَالَ: «مَا يُنْكِرُ هَذَا الخَلْقُ الْمَلْعُونُ أَشْبَاهُ الخَنَازِيرِ مِنْ ذَلِكَ؟ إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا عُقَلَاءَ أَلِبَّاءَ أَسْبَاطاً أَوْلَادَ أَنْبِيَاءَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلَّمُوهُ وخَاطَبُوهُ وتَاجَرُوهُ ورَاوَدُوهُ وكَانُوا إِخْوَتَهُ وهُوَ أَخُوهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ حَتَّى عَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ وقَالَ لهُمْ: ﴿أَنَا يُوسُفُ﴾ فَعَرَفُوهُ حِينَئِذٍ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ المُتَحَيِّرَةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ (جَلَّ وعَزَّ) يُرِيدُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَسْتُرَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ؟ لَقَدْ كَانَ يُوسُفُ إِلَيْهِ مُلْكُ مِصْرَ، وكَانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ أَبِيهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمَكَانِهِ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، واللهِ لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ ووُلْدُهُ عِنْدَ الْبِشَارَةِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ بَدْوِهِمْ إِلَى مِصْرَ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ يَفْعَلُ بِحُجَّتِهِ مَا فَعَلَ بِيُوسُفَ، وأَنْ يَكُونَ صَاحِبُكُمُ المَظْلُومُ المَجْحُودُ حَقَّهُ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمْ ويَمْشِي فِي أَسْوَاقِهِمْ ويَطَأُ فُرُشَهُمْ ولَا يَعْرِفُونَهُ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ لَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ نَفْسَهُ كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ حِينَ قَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ﴾؟».
وقد روى النعماني هذا الحديث عن عليِّ بن أحمد البندنيجي(65)، ثمّ ذكر له سنداً آخر عن طريق الكليني(66)، والمتن الموجود في (الكافي) شبيه بالحديث السابق.
كما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) باختلاف طفيف(67).
ثمّ روى الحديث الآنف كلٌّ من أبي صلاح الحلبي(68)، والطبري(69)، والطبرسي(548هـ)(70).
ب- وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول:
«فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ سُنَنٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ»، فَقُلْتُ: ... ومَا سُنَّةُ عِيسَى؟ فَقَالَ: «يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي عِيسَى»، قُلْتُ: فَمَا سُنَّةُ يُوسُفَ؟ قَالَ: «السِّجْنُ والْغَيْبَةُ»(71).
وقد روى هذا الحديث، مضافاً للنعماني، كلٌّ من الشيخ الصدوق(72)، وأبي الصلاح الحلبي(73)، باختلاف طفيف في المتن.
التعريف بالغيبة من خلال غيبة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
قال الإمام الرضا (عليه السلام):
«إِنَّكُمْ سَتُبْتَلَوْنَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ وأَكْبَرُ، تُبْتَلَوْنَ بِالجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ والرَّضِيعِ، حَتَّى يُقَالَ: غَابَ ومَاتَ، ويَقُولُونَ: لَا إِمَامَ، وقَدْ غَابَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وغَابَ وغَاب»(74).
التعريف بالغيبة من خلال نهي الشيعة عن إشاعة اسم وأمر القائم (عليه السلام):
قال المفضَّل بن عمر:
كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي مَجْلِسِهِ ومَعِي غَيْرِي، فَقَالَ لَنَا: «إِيَّاكُمْ والتَّنْوِيهَ (يَعْنِي بِاسْمِ الْقَائِمِ (عليه السلام))»، وكُنْتُ أَرَاهُ يُرِيدُ غَيْرِي، فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِيَّاكُمْ والتَّنْوِيهَ، واللهِ لَيَغِيبَنَّ سَبْتاً مِنَ الدَّهْرِ، ولَيَخْمُلَنَ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ أَوْ هَلَكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ ولَتَفِيضَنَّ عَلَيْهِ أَعْيُنُ المُؤْمِنِينَ...»(75).
هذا وقد روى النعماني هذا الحديث بسند آخر عن محمّد بن همّام، بإضافات، ثمّ نقله بسندٍ آخر باختلاف طفيف عن محمّد بن يعقوب(76).
وقد روى هذا الحديث أيضاً كلٌّ من الشيخ الطوسي(77)، والشيخ الصدوق(78)، باختلاف طفيف. وقد رواه أيضاً الطبري بسنده عن محمّد بن همّام(79).
التعريف بالغيبة وأنَّها غيبتان:
ألف- روى إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال:
«لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ والْأُخْرَى طَوِيلَةٌ...».
رواه النعماني في الغيبة عن الكليني (رحمهما الله)(80)، كما رواه أبو الصلاح الحلبي(81).
كما روى النعماني بهذا المضمون حديثاً عن أحمد بن محمّد بن سعيد(82).
ب- روى المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال:
«إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَطُولُ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ، وبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قُتِلَ، وبَعْضُهُمْ يَقُولُ: ذَهَبَ، فَلَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ، لَا يَطَّلِعُ عَلَى مَوْضِعِهِ أَحَدٌ مِنْ وَلِيٍّ ولَا غَيْرِهِ إِلَّا المَوْلَى الَّذِي يَلِي أَمْرَه»(83).
ورواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابه (الغيبة) أيضاً(84).
ج- ورُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه بعد الجواب عن سؤال حازم بن حبيب، قال:
«يَا حَازِمُ، إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ يَظْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ، فَمَنْ جَاءَكَ يَقُولُ: إِنَّهُ نَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ فَلَا تُصَدِّقْه.».
رواه النعماني بسندين مختلفين(85)، وروى الشيخ الطوسي حديثاً مشابهاً له(86).
د- وعن أبي بصير، قال:
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «لِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ غَيْبَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْأُخْرَى»، فَقَالَ: «نَعَمْ...»(87).
ورواه محمّد بن جرير الطبري بسندٍ آخر أيضاً(88).
هـ- روى محمّد بن مسلم أنَّه سمع الإمام الباقر (عليه السلام) يقول:
«إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَتَيْنِ، يُقَالُ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا: هَلَكَ، ولَا يُدْرَى فِي أَيِّ وَادٍ سَلَك»(89).
وروى المفضَّل بن عمر مثله بإضافة، عن الإمام الصادق (عليه السلام)(90).
التعريف بالغيبة بعد التنبُّؤ باستشهاد ثلاثة أئمَّة:
ففي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:
«... أَمَا واللهِ لَأُقْتَلَنَّ أَنَا وابْنَايَ هَذَانِ، ولَيَبْعَثَنَّ اللهُ رَجُلًا مِنْ وُلْدِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُطَالِبُ بِدِمَائِنَا، ولَيَغِيبَنَّ عَنْهُمْ تَمْيِيزاً لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ حَتَّى يَقُولَ الجَاهِلُ: مَا للهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ حَاجَةٍ»(91).
وهذا الحديث، وإن لم يذكر فيه اسم القائم، ولكنَّه يُخبِر عن حتمية ظهوره في آخر الزمان، كما يُخبِر عن غيبته.
وروى هذا الحديث أيضاً الطبري في (دلائل الإمامة) بسند مشابهٍ عن غير محمّد بن مالك الغزاري(92).
التعريف بالغيبة في البحث التفسيري لبعض الآيات:
ألف - في سؤال لأُمِّ هاني من الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾ (التكوير: 15)، قال (عليه السلام):
«يَا أُمَّ هَانِئٍ، إِمَامٌ يَخْنِسُ نَفْسَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنِ النَّاسِ عِلْمُهُ سَنَةَ سِتِّينَ ومِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ ذَلِكِ الزَّمَانَ قَرَّتْ عَيْنُكِ»(93).
وروى النعماني هذا الحديث عن سلامة بن محمّد الأرزني الثقة، وهو صاحب كتاب (الغيبة وكشف الحيرة). كما رواه بسندٍ آخر بدون أن يُعيِّن له رقماً عن الكليني، وباختلاف طفيف في المتن(94). كما رواه أيضاً بدون ترقيم وبسندٍ ثالث عن الكليني، وباختلاف طفيف(95).
وهذا الحديث موجود في (الكافي) بنفس السند، ولكن متنه يختلف قليلاً عن متن الحديث الذي رواه النعماني عن الكليني (رحمهما الله).
وروى هذا الحديث أيضاً الشيخ الصدوق عن أبيه وعن ابن الوليد بسندٍ آخر(96)، واختلاف طفيف في المتن.
كما رواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) بسنده في كتابه (الغيبة)(97).
ب- وروى عليُّ بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ﴾ (الملك: 30)، قال (عليه السلام):
«إِذَا فَقَدْتُمْ إِمَامَكُمْ، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ جَدِيدٍ؟».
رواه النعماني في (الغيبة) عن الكليني(98) ومحمّد بن همّام(99).
ويحتمل قويّاً أنَّ أصل الحديث مأخوذ من كتاب (مسائل عليِّ بن جعفر)(100).
ج- عن المفضَّل بن عمر أنَّه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ (المدَّثِّر: 8)، فقال (عليه السلام):
«إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُسْتَتِراً، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً، فَظَهَرَ وأَمَرَ بِأَمْرِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)».
رواه النعماني عن الكليني، ورواه الشيخ الصدوق(101)، والشيخ الطوسي(102)، والكشّي، بإضافة طفيفة.
وسند الشيخ الصدوق مشابه لسند الشيخ الطوسي، وأمَّا سند الكشّي يختلف عن سندهما(103).
التعريف بالغيبة والتحذير من الفتن:
لقد حذَّر الإمام الكاظم (عليه السلام) شيعته من الفتن في زمن الغيبة، فقال:
«إِذَا فُقِدَ الخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ فَاللهَ اللهَ فِي أَدْيَانِكُمْ، لَا يُزِيلَنَّكُمْ عَنْهَا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اللهِ يَمْتَحِنُ اللهُ بِهَا خَلْقَهُ، ولَوْ عَلِمَ آبَاؤُكُمْ وأَجْدَادُكُمْ دِيناً أَصَحَّ مِنْ هَذَا الدِّينِ لَاتَّبَعُوهُ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مَنِ الخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ؟ فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ عَنْ هَذَا، وأَحْلَامُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ، ولَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا فَسَوْفَ تُدْرِكُونَهُ».
رواه النعماني في الغيبة عن الكليني (رحمهما الله)(104)، ورواه الشيخ الصدوق(105)، والشيخ الطوسي(106)، والخرّاز القمّي(107)، والطبرسي(108)، إلَّا أنَّ ما عدا النعماني والكليني، رووا هذا الحديث عن طريق سعيد بن عبد الله القمّي.
التعريف بالغيبة وحراجة الاحتفاظ بالدين وكيفيته:
ألف- وفي حديث آخر، يسأل فيه راوٍ الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه رُوي عنهم بأنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فماذا نصنع في زمان الغيبة؟ فقال (عليه السلام):
«تَمَسَّكُوا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَكُمْ»(109).
ويرويه النعماني باختلاف طفيف في السند والمتن عن ابن عقدة أيضاً(110).
ب - وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال:
«... إِذَا أَصْبَحْتَ وأَمْسَيْتَ يَوْماً لَا تَرَى فِيهِ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، فَأَحْبِبْ مَنْ كُنْتَ تُحِبُّ، وأَبْغِضْ مَنْ كُنْتَ تُبْغِضُ، ووَالِ مَنْ كُنْتَ تُوَالِي، وانْتَظِرِ الْفَرَجَ صَبَاحاً ومَسَاءً»(111).
وبعد أن نقل النعماني هذا الحديث عن ابن عقدة، ذكر له سنداً آخر عن الكليني، ولكنَّ المتن الموجود في الكافي يختلف عنه قليلاً(112).
كما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (كمال الدين)، بسنده، وباختلاف طفيف(113).
ج- رُوي عن عبد الله بن سنان، أنَّه قال:
دَخَلْتُ أَنَا وأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا صِرْتُمْ فِي حَالٍ لَا تَرَوْنَ فِيهَا إِمَامَ هُدًى، ولَا عَلَماً يُرَى؟ فَلَا يَنْجُو مِنْ تِلْكَ الحَيْرَةِ إِلَّا مَنْ دَعَا بِدُعَاءِ الْغَرِيقِ»، فَقَالَ أَبِي: هَذَا واللهِ الْبَلَاءُ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ جُعِلْتُ فِدَاكَ حِينَئِذٍ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ ذَلِكَ ولَنْ تُدْرِكَهُ، فَتَمَسَّكُوا بِمَا فِي أَيْدِيكُمْ حَتَّى يَتَّضِحَ لَكُمُ الْأَمْرُ»(114).
ورواه مضافاً للنعماني الشيخ الصدوق، باختلاف طفيف وإضافة(115). ونقله الطبرسي(116)، والسيِّد ابن طاووس(117)، والسيِّد بهاء الدين النيلي(118)، والنباطي(119).
وهناك ثلاث روايات مشابهة في مضامينها لمضمون هذه الرواية، تُخبِر عن الصعاب التي سيواجهها الشيعة على إثر فقدان إمامهم، وطريقة الخلاص من المشاكل والفتن الاعتقادية، رواها النعماني بأسانيد مختلفة(120).
د- روى اليمان التمّار، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال:
«إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً، المُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالخَارِطِ لِشَوْكِ الْقَتَادِ بِيَدِهِ»، ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً، فَلْيَتَّقِ اللهَ عَبْدٌ، ولْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ»(121).
وبعد أن روى النعماني هذا الحديث عن محمّد بن همّام، ذكر له سنداً آخر عن الكليني(122).
كما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) بسندين مختلفين(123)، والشيخ الطوسي (رحمه الله)(124) بسنده، وأبو الصلاح الحلبي بدون ذكرٍ للسند، عن اليمان التمّار(125).
التعريف بالغيبة في بيان أقرب حالات الشيعة إلى الله تعالى:
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعِبَادُ مِنَ اللهِ (عزَّ وجلَّ) وأَرْضَى مَا يَكُونُ عَنْهُمْ، إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّةَ اللهِ (جَلَّ وعَزَّ) ولَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ ولَمْ يَعْلَمُوا بِمَكَانِهِ، وهُمْ فِي ذَلِكَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ تَبْطُلْ حُجَّةُ اللهِ (جَلَّ ذِكْرُهُ) ولَا مِيثَاقُهُ، فَعِنْدَهَا فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ صَبَاحاً ومَسَاءً، فَإِنَّ أَشَدَّ مَا يَكُونُ غَضَبُ اللهِ (عزَّ وجلَّ) عَلَى أَعْدَائِهِ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّةَ اللهِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ، وقَدْ عَلِمَ اللهُ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ لَا يَرْتَابُونَ، ولَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَرْتَابُونَ مَا غَيَّبَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ...».
رواه النعماني في الغيبة بسندين مختلفين عن الكليني (رحمه الله)(126)، كما رواه بسندٍ آخر عن محمّد بن همّام(127).
ونقله الشيخ الصدوق (رحمه الله) بسندين(128)، ونقله الشيخ الطوسي (رحمه الله) بسندٍ واحد(129)، وذكره الطبرسي (رحمه الله) بسندين(130).
التعريف بالغيبة وذكر كلام صاحب الأمر فيها:
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، أنَّه قال:
«إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً يَقُولُ فِيهَا: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: 21]».
رواه النعماني عن ابن عقدة(131)، كما روى مثله في مضمونه عن محمّد بن همّام(132) وعبد الواحد بن عبد الله بن يونس(133).
كما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (كمال الدين) عن طريق محمّد بن همّام بواسطة محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني(134).
التعريف بالغيبة في أحاديث حضور صاحب الأمر (عليه السلام) في موسم الحجِّ:
ألف- روى عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال:
«يَفْقِدُ النَّاسُ إِمَامَهُمْ، يَشْهَدُ المَوَاسِمَ، فَيَرَاهُمُ ولَا يَرَوْنَهُ».
روى النعماني هذا الحديث في (الغيبة)، عن الكليني (رحمه الله)(135). كما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) بثلاثة أسانيد مختلفة(136)، وباختلاف طفيف في المتن. ورواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) بسندٍ واحد(137).
كما نقل هذا الحديث كلٌّ من أبي الصلاح الحلبي في (تقريب المعارف)(138)، والطبري بسندين في (دلائل الإمامة)(139)، وعليِّ بن يونس النباطي بسندٍ واحدٍ(140).
كما رواه النعماني عن محمّد بن همّام، باختلاف طفيف وإفاضة(141)، وعن الكليني (رحمه الله)(142) وعبد الواحد بن عبد الله(143) أيضاً.
التعريف بالغيبة في الإخبار عن زمان ظهور إمام العصر (عليه السلام):
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
«إِذَا فَقَدَ النَّاسُ الْإِمَامَ مَكَثُوا سنيناً [سِنِينَ] لَا يَدْرُونَ أَيّاً مِنْ أَيٍّ، ثُمَّ يُظْهِرُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لهُمْ صَاحِبَهُمْ»(144).
ففي هذا الحديث تصريح بأنَّ ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، يكون بعد دورة من الحيرة واضطراب الناس في زمن غيبته (عليه السلام).
التعريف بالغيبة في أحاديث ظهوره (عليه السلام) بصورة شابٍّ:
روى عليُّ بن أبي حمزة، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال:
«لَوْ قَدْ قَامَ الْقَائِمُ لَأَنْكَرَهُ النَّاسُ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَابّاً مُوفِقاً، لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ قَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ فِي الذَّرِّ الْأَوَّل»(145).
وذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في (الغيبة) بسنده(146).
التعريف بالغيبة في أحاديث الترغيب بالإنفاق قبل فقدان المحتاج:
عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال:
«تَوَاصَلُوا وتَبَارُّوا وتَرَاحَمُوا، فَوَ الَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ وَقْتٌ لَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ لِدِينَارِهِ ودِرْهَمِهِ مَوْضِعاً (يَعْنِي لَا يَجِدُ عِنْدَ ظُهُورِ الْقَائِمِ (عليه السلام) مَوْضِعاً يَصْرِفُهُ فِيهِ)، لِاسْتِغْنَاءِ النَّاسِ جَمِيعاً بِفَضْلِ اللهِ وفَضْلِ وَلِيِّهِ»، فَقُلْتُ: وأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «عِنْدَ فَقْدِكُمْ إِمَامَكُمْ، فَلَا تَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَطْلُعَ عَلَيْكُمْ كَمَا تَطْلُعُ الشَّمْس...»(147).
وفي سند النعماني، جاء اسم أحمد بن مابنداذ، عن محمّد بن مالك، عن محمّد بن سنان.
وأمَّا في سند (بحار الأنوار) فإنَّ أحمد يروي عن محمّد بن سنان بلا واسطة.
النتيجة:
إنَّ مسألة الغيبة والمهدويَّة، كانت متجذِّرة ومتأصِّلة في الفكر الإسلامي عامَّة، والفكر الشيعيِّ بشكل خاصٍّ، وكانت أذهان المسلمين مأنوسة بها باعتبار وجود الروايات النبويَّة والعلويَّة الواردة فيها. وحدود بحثنا، تحقيقنا في دراسة أحاديث الغيبة كانت مقتصرة على أحاديث الباب العاشر من أبواب كتاب (الغيبة) للنعماني (رحمه الله).
واستناداً للأحاديث المبوَّبة أعلاه، يظهر لنا جليّاً وجود التواتر المعنويِّ في روايات الغيبة.
والروايات التي ذكرناها، مأخوذة من الكتب والأُصول التي كتبها علماء القرن الأوَّل والثاني والثالث للهجرة.
إنَّ أئمَّة الشيعة (عليهم السلام) قد ذكروا، وفي مناسبات مختلفة، مسألة الغيبة في ضمن الإجابة عن أسئلة الشيعة، أو هم الذين بادروا إلى ذكرها للتعريف بها.
والحديث عن الغيبة في روايات أئمَّة الأطهار (عليهم السلام)، في معرض الحديث عن استشهاد ثلاثة أئمَّة، في بيان السُّنَّة الإلهيَّة بعدم خلوِّ الأرض من الحجَّة، في تعريف معنى الغيبة، في البحث التفسيري لبعض آيات القرآن الكريم وربطها بغيبة حجَّة الله (عليه السلام)، ومن خلال الأحاديث المرغِّبة بالإنفاق والإحسان قبل أن يأتي يوم لا يجد المنفق من ينفق عليه لوفرة النِّعَم، وفي معرض الحديث عن نهي الشيعة عن الإشهار باسم الإمام وأمره، وحين التحذير من فتن زمان الغيبة، وفي الإخبار عن عدم وجود فصل زماني بين إمامة إمام وإمامة الإمام اللاحق، وضمن الإخبارات عن زمان ظهور إمام العصر والزمان (أرواحنا فداه)، وفي بيان كيفية مواجهة الصعاب والمشكلات العقدية في زمان الغيبة، وحين بيان أقرب حالات الشيعة إلى الله تعالى، ووقت تشبيه القائم (عليه السلام) بالأنبياء، وحين بيان خصائص الغيبة باعتبارها من علائم قائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحين توضيح ورفع الشبهات العقائدية عند الشيعة، وفي الحديث عن التديُّن في زمن الغيبة وكيفية المحافظة على الدين في تلك الفترة، وفي بيان كلام صاحب الأمر (عليه السلام) في زمن الغيبة، وفي الحديث عن أنَّ الغيبة من السُّنَن التي كانت في الأنبياء، وفي بيان ظهور قائم آل محمّد بصورة شابٍّ رشيدٍ، كلُّ ذلك يدلُّ على وجود التواتر المعنوي في أمر الغيبة.
فعلى هذا الأساس، فإنَّ ادِّعاء عدم التعريف بالغيبة، وعدم معرفة مقولة الغيبة إلَّا بعد استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام)، ادِّعاء باطل ومجرَّد عن الأدلَّة العلمية.
والإشكال الذي كان قائماً عند الشيعة في زمن الحيرة، هو عدم التفاتهم إلى روايات الغيبة وتعيين مصداقها. فالبحث في قضيَّة الإمام الغائب كان مطروحاً لسنوات طويلة في روايات الشيعة، وإنَّ الرواة كانوا يعرفون تلك الأخبار والأحاديث.
والروايات المذكورة في كتاب (الغيبة) للنعماني هي غيض من فيض أحاديث الغيبة، والنعماني وإن كان قد خصَّص خُمس كتابه لهذه الأحاديث، ولكنَّه لا يدَّعي بأنَّه جمع كلَّ الأحاديث الواردة في هذا المجال. فهذا العالم الشيعي يقول في آخر الباب العاشر من كتابه:
(هذا آخر ما حضرني من الروايات في الغيبة، وهو يسير من كثير ممَّا رواه الناس وحملوه، والله وليُّ التوفيق)(148).

المصادر:
1- الأبواب (الرجال): أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي/ النجف/ الحيدرية/ 1381هـ.
2- الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن عليِّ بن أبي طالب الطبرسي/ مشهد/ المرتضى/ 1403هـ.
3- اختيار معرفة الرجال: محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي/ مشهد/ جامعة مشهد/ 1348ش.
4- إعلام الورى بأعلام الهدى: أبو عليّ الفضل بن حسن بن الفضل الطبرسي/ قم/ دار الكتب الإسلامية/ ط الثالثة/ 1390هـ.
5- الإمام المهدي (عليه السلام) بين الإثبات وعاصفة الشبهات: السيِّد والي الزاملي/ بيروت/ دار الخليج العربي/ ط الأُولى/ 1427هـ.
6- الردّ على شبهات أحمد الكاتب: سامي البدري/ ترجمة: ناصر الربيعي/ قم/ أنوار الهدى/ ط الأُولى/ 1380ش.
7- التأريخ السياسي لغيبة الإمام الثاني عشر (عليه السلام): جاسم حسين/ ترجمة: محمّد تقي آية اللهي/ طهران/ أمير كبير/ ط الثالثة/ 1385ش.
8- تطوُّر الفكر الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه: أحمد الكاتب/ بيروت/ دار الجديد/ ط الأُولى/ 1998م.
9- تقريب المعارف: تقي الدِّين بن نجم الدين بن عبيد الله بن عبد الله بن محمّد أبو الصلاح الحلبي/ قم/ انتشارات الإسلامي/ 1404هـ.
10- دلائل الإمامة: أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري الآملي المازندراني/ قم/ دار الذخائر للمطبوعات/ بدون تأريخ.
11- الرجال (فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة): أبو العبّاس أحمد بن عليِّ بن أحمد النجاشي/ قم/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ 1407هـ.
12- شبهات وردود: الردّ على شبهات أحمد الكاتب حول إمامة أهل البيت ووجود المهديِّ المنتظر: السيِّد سامي البدري/ قم/ مؤلِّف/ ط الثالثة/ 1421هـ.
13- الصراط المستقيم إلى مستحقِّي التقديم: عليّ بن يونس النباطي البياضي/ تصحيح وتعليق: محمّد باقر البهبودي/ مط الحيدري/ المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
14- علل الشرائع: محمّد بن عليِّ بن بابويه الصدوق/ قم/ مكتبة الداوري/ بدون تأريخ.
15- الغيبة: ابن أبي زينب محمّد بن إبراهيم النعماني/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري/ طهران/ مكتبة الصدوق/ 1397هـ.
16- الغيبة للحجَّة: أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي/ قم/ المعارف الإسلاميَّة/ ط الأُولى/ 1411هـ.
17- الفهرست: الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي/ النجف/ المكتبة المرتضوية.
18- في رحاب الإمام المهديِّ (عليه السلام): عبد الرحيم مبارك/ مشهد/ مجمع البحوث الإسلاميَّة/ ط الأُولى/ 1426هـ.
19- الكافي: محمّد بن يعقوب الكليني/ طهران/ دار الكتب الإسلاميَّة/ ط الرابعة/ 1365ش.
20- كشف الغمَّة في معرفة الأئمَّة (عليهم السلام): عليّ بن عيسى الإربلي/ تبريز/ مكتبة بني هاشمي/ 1381ش.
21- كفاية الأثر في نصِّ الأئمَّة الاثني عشر: عليّ بن محمّد الخرّاز القمّي/ قم/ بيدار/ 1401هـ.
22- كمال الدين: محمّد بن عليِّ بن بابويه القمّي/ قم/ دار الكتب الإسلاميَّة/ ط الثانية/ 1395هـ.
23- كمال الدين: محمّد بن عليِّ بن بابويه الصدوق/ ترجمة: منصور پهلوان/ مسجد مقدَّس جمكران/ ط الثانية/ 1382ش.
24- مقالات حول إمام العصر (عليه السلام): سيِّد حسن افتخار زاده/ طهران/ نيك معارف/ ط الرابعة/ 1377ش.
25- المسائل: عليّ بن جعفر (عليه السلام)/ قم/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ ط الأُولى/ 1409هـ.
26- مكتب در فرآيند تكامل: سيِّد حسين المدرِّسي الطباطبائي/ ترجمة: هاشم ايزد پناه/ ط الثانية/ 1385ش.
27- منتخب الأنوار المضيئة: سيِّد بهاء الدين عليّ بن عبد الكريم النيلي/ قم/ 1401هـ.
28- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (عليه السلام): لطف الله الطافي الگلپايگاني/ قم/ مؤسَّسة السيِّدة معصومة (عليها السلام)/ ط الأُولى/ 1419هـ.
29- مهج الدعوات: السيِّد رضي الدين عليِّ بن موسى بن طاووس/ كتابخانه سنائي.
30- المهدويَّة وإحياء الدين: عبد الكريم سروش/ مجلَّة آفتاب/ رقم 12/ 1380ش.

الهوامش:
(1)مدرِّس في الحوزة العلمية في قم، أُستاذ مساعد في كلّية تربية المدرِّسين/ طهران.
(2) عضو الهيأة العلمية في كلّية آزاد فسا.
(3) الغيبة: 24.
(4) المهدويَّة وإحياء الدين: 60.
(5) نفس المصدر: 121.
(6) الغيبة/ النعماني: 2 - 22.
(7) نفس المصدر: 23.
(8) نفس المصدر: 29.
(9) كمال الدين 1: 4 - 6.
(10) الردّ على شبهات أحمد الكاتب: 385.
(11) مكتب در فرآيند تكامل: 9.
(12) گفتارهايي پيرامون إمام زمان (عليه السلام): 40.
(13) كمال الدين 1: 316؛ كفاية الأثر: 225؛ كشف الغمَّة 3: 328؛ إعلام الورى 2: 230؛ الاحتجاج 2: 10.
(14) التنبيه: 93 و94، نقلاً عن كمال الدين.
(15) كمال الدين 1: 19.
(16) تطوُّر الفكر السياسي الشيعي: 182 و183.
(17) منتخب الأثر: 304 - 311/ ح 136.
(18) نفس المصدر: 243 - 246/ ح 214.
(19) نفس المصدر: 247 - 250/ ح 192.
(20) نفس المصدر: 251 - 253/ ح 107.
(21) نفس المصدر: 259 و260/ ح 160.
(22) نفس المصدر: 265 - 267/ ح 185.
(23) نفس المصدر: 268 - 270/ ح 103.
(24) نفس المصدر: 273 و274/ ح 99.
(25) نفس المصدر: 276 - 278/ ح 98.
(26) نفس المصدر: 279 - 281/ ح 95.
(27) نفس المصدر: 282 و283/ ح 90.
(28) نفس المصدر: 284/ ح 90.
(29) نفس المصدر: 285 - 290/ ح 146.
(30) نفس المصدر: 353 - 356/ ح 14.
(31) نفس المصدر: 312 - 315/ ح 10.
(32) نفس المصدر: 316 - 329/ ح 91.
(33) نفس المصدر: 390 - 392/ ح 25.
(34) الردّ على شبهات أحمد الكاتب: 394 - 453؛ في رحاب الإمام المهدي (عليه السلام): 139 - 165.
(35) مكتب در فرآيند تكامل: 123 - 129.
(36) تطوُّر الفكر السياسيّ الشيعيّ: 128.
(37) الغيبة: 30 - 32.
(38) الغيبة/ النعماني: 30.
(39) نفس المصدر: 170/ ح 6.
(40) نفس المصدر: 167/ ح 6؛ الكافي 1: 337/ ح 5.
(41) الغيبة: 171/ ح 6؛ الكافي 1: 342/ ح 29.
(42) رجال النجاشي: 83/ رقم الترجمة 199.
(43) الكافي 1: 342.
(44) الغيبة: 182 و183/ ح 19 و20.
(45) نفس المصدر: 183/ ح 21؛ الكافي 1: 338/ ح 9.
(46) الكافي 1: 340/ ح 18.
(47) الغيبة: 192/ ح 37.
(48) نفس المصدر: 194/ ح 41؛ الكافي 1: 340/ ح 16.
(49) تقريب المعارف: 432.
(50) الغيبة: 194/ ح 42؛ الكافي 1: 340/ ح 15. وقريب منه حديث رقم (10/ ص 338).
(51) الغيبة/ الطوسي: 160 و161.
(52) الغيبة: 171/ ح 7.
(53) نفس المصدر: 172/ ح 7؛ الكافي 1: 342/ ح 26.
(54) كمال الدين: 325/ ح 2.
(55) تقريب المعارف: 432.
(56) الغيبة: 172/ ح 8.
(57) نفس المصدر: 173/ ح 9؛ الكافي 1: 341/ ح 25.
(58) تقريب المعارف: 432.
(59) الغيبة: 173/ ح 10.
(60) نفس المصدر: 192 و193/ ح 38؛ الكافي 1: 341/ ح 21.
(61) الغيبة: 143 و144/ ح 2.
(62) نفس المصدر: 158/ ح 17؛ الكافي 1: 338/ ح 8.
(63) الغيبة: 157/ ح 15.
(64) نفس المصدر: 157 و158/ ح 16.
(65) الغيبة: 166 و167/ ح 4.
(66) نفس المصدر: 167/ ح 4؛ الكافي 1: 336 و337/ ح 4.
(67) كمال الدين: 144/ باب 5/ ح11؛ علل الشرائع 1: 244/ باب 179/ ح 3.
(68) تقريب المعارف: 430.
(69) دلائل الإمامة: 531 و532.
(70) إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 236 و237.
(71) الغيبة: 167 و168/ ح 5.
(72) كمال الدين: 329/ باب 32/ ح 11. وكذا في: 326/ باب 32/ ح 6.
(73) تقريب المعارف: 431.
(74) الغيبة: 185/ ح 27.
(75) نفس المصدر: 153/ ح 9.
(76) نفس المصدر: 154 و155/ ح 10؛ الكافي 1: 336/ ح 3.
(77) الغيبة/ الطوسي: 337 و338/ ح 285.
(78) كمال الدين: 347/ ح 35.
(79) دلائل الإمامة: 532 و533.
(80) الغيبة: 175/ ح 2؛ الكافي 1: 340/ ح 19.
(81) تقريب المعارف: 431.
(82) الغيبة: 175 و176/ ح 3.
(83) نفس المصدر: 176/ ح 5.
(84) الغيبة/ الطوسي: 161 و162/ ح 120.
(85) الغيبة: 176 و177/ ح 6.
(86) الغيبة/ الطوسي: 423 و424/ ح 407.
(87) الغيبة: 177 و178/ ح 7.
(88) دلائل الإمامة: 535.
(89) الغيبة: 178/ ح 8.
(90) نفس المصدر: 178/ ح 9.
(91) نفس المصدر: 143/ باب 10/ ح 1.
(92) دلائل الإمامة: 534 و535.
(93) الغيبة: 151/ ح 6.
(94) نفس المصدر: 151/ ح 6؛ الكافي 1: 341/ ح 22.
(95) نفس المصدر: 152/ ح 7؛ الكافي 1: 341/ ح 23.
(96) كمال الدين: 324 و325/ باب 32/ ح 1.
(97) الغيبة/ الطوسي: 159/ ح 116.
(98) الغيبة: 181/ ح 17؛ الكافي 1: 339/ ح 14.
(99) نفس المصدر: 181/ ح 17.
(100) مسائل عليِّ بن جعفر: 327/ ح 815. وفيه: «إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد؟».
(101) كمال الدين: 349/ باب 33/ ح 42.
(102) الغيبة/ الطوسي: 164/ ح 126.
(103) اختيار معرفة الرجال 2: 437/ الرقم 338.
(104) الغيبة: 154/ ح 11؛ الكافي 1: 336/ ح 2.
(105) كمال الدين: 359 و360/ ح 1، وفيه: (تضعف) بدل (تصغر)؛ علل الشرائع 1: 244/ ح 4.
(106) الغيبة/ الطوسي: 166 و167/ ح 128.
(107) كفاية الأثر: 268 و269.
(108) إعلام الورى بأعلام الهدى: 239. وفيه: (يا أخي) بدل (يا بني).
(109) الغيبة: 162/ ح 5.
(110) نفس المصدر: 161/ ح 2.
(111) نفس المصدر: 161/ ح 3.
(112) نفس المصدر: 161/ ح 3؛ الكافي 1: 342/ ح 28.
(113) كمال الدين: 348/ ح 37.
(114) الغيبة: 161 و162/ ح 4.
(115) كمال الدين 2: 351/ ح 49.
(116) إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 238.
(117) مهج الدعوات: 332.
(118) منتخب الأنوار المضيئة: 151.
(119) الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم 2: 228.
(120) الغيبة: 162 و163/ ح 6 - 8.
(121) نفس المصدر: 174/ ح 11.
(122) نفس المصدر: 174/ ح 11؛ الكافي 1: 335 و336/ ح 1.
(123) كمال الدين: 343/ ح 25.
(124) الغيبة/ الطوسي: 455/ ح 465.
(125) تقريب المعارف: 432.
(126) الغيبة: 165/ ح 2؛ الكافي 1: 333/ ح 1.
(127) نفس المصدر: 165/ ح 1.
(128) كمال الدين: 337 و338/ ح 10.
(129) الغيبة/ الطوسي: 457/ ح 468.
(130) إعلام الورى بأعلام الهدى: 235 و236.
(131) الغيبة: 179/ ح 10.
(132) نفس المصدر: 179 و180/ ح 11.
(133) نفس المصدر: 180/ ح 12.
(134) كمال الدين 1: 238/ ح 10.
(135) الغيبة: 181/ ح 14؛ الكافي 1: 337/ ح 6. وفي الكافي: (يشهد الموسم) لا (المواسم).
(136) كمال الدين: 346/ ح 33. وفيه: (الموسم) لا (المواسم).
(137) الغيبة/ الطوسي: 161/ ح 119.
(138) تقريب المعارف: 432.
(139) دلائل الإمامة: 482.
(140) الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم 2: 228.
(141) الغيبة: 180/ ح 13.
(142) نفس المصدر: 180 و181/ ح 16؛ الكافي 1: 339/ ح 12.
(143) نفس المصدر: 181/ ح 15.
(144) نفس المصدر: 160 و161/ ح 1.
(145) نفس المصدر: 194/ ح 43، و219/ ح 20.
(146) الغيبة/ الطوسي: 420/ ح 398.
(147) الغيبة: 152 و153/ ح 8.
(148) الغيبة: 199.

العدد ٦ / ذو القعدة / ١٤٣٩ هـ : ٢٠١٨/٠٧/٢٦ : ٨.٧ K : ٠
: الدكتور كاظم قاضي زاده الدكتور علي رضا المختاري
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

محتويات العدد: