التوقيعات المهدوية وإشكالية عدم الصدور
التوقيعات المهدوية وإشكالية عدم الصدور
الشيخ كاظم القره غولي
مقدمة:
إنَّ طلب المعرفة في النوع البشري شيء جبلي مادام له عقل يفكر به وله حواس تزوده بمواد خام لهذا المصنع لينتج منها معلومات جديدة، هذا هو ديدن البشر، عطشه للمعرفة لا ترويه رشفة معلومات ولا قدح معرفة ولا نهر اطلاع، وسعته أشبه باللانهائيات، فهو والاستزادة في العلم كعاشق لا تقنعه ساعة وصال.
هكذا أراده الله تعالى، ولولا أنه كذلك لتخلّف عن غاية أريدت له من خلقته قضت الحكمة أن يقطع أجزاء طريقها باختياره، فكان تكوينه معيناً للتشريع ونوازعه دابّة للمسير ومستشاره العقل، يستفيد من مقدمات برهانية ومعلومات بديهية ودلالات خارجية يشكل الوحي جزءاً مهماً منها، إذ يقدم له صورة عن الكون الذي يعيش فيه ومبدأه ومنتهاه وإطاراً عاماً للتحرك وبياناً تفصيلياً لكثير من الجزئيات ونبذة عن تجارب الأمم ومآلاتها ومسيرة ومواقف الأفراد ودلالاتها.
إن منطلق العلم هو الشك عادة، باستثناء الأنبياء والرسل (عليهم السلام) كما في قوله تعالى بحق عيسى (عليه السلام): ﴿قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ (مريم: 29-33).
وكالنبي يحيى (عليه السلام) وقد قال تعالى عنه: ﴿يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم: 12).
لكن طلب المعرفة لا يتوقف حتّى بعد بلوغ مرتبة النبوة، وقصة النبي موسى (عليه السلام) مع الخضر (عليه السلام) لا غبار في دلالتها على ذلك.
﴿فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً * قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾ (الكهف: 65-66).
ولم يشأ النبي موسى (عليه السلام) أن يفارقه حتّى قال له الخضر (عليه السلام): ﴿هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾ (الكهف: 78).
ومطلوبية التفكر تشمل كل البشر بما في ذلك أعاظم الأنبياء (عليهم السلام)، وهو تفكر لا تذكر، والتفكر به يكشف ستر المستور ويُعلم من خلاله المجهول.
وها هو الخطاب القرآني للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يطلب من الله تعالى زيادة العلم.
﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ (طه: 114).
فالإنسان مهما ارتقى في مضامير الكمال - ومنها مضمار العلم - لا يصل إلى حدِّها الأقصى، فالكمال ليس له حدٌّ والبشر مخلوق ممكن محدود.
ويمكن أن تكون الآيات التي تحدثت عن علم الله تعالى بكل شيء وإحاطته بكل شيء موجهة للإنسان الطالب للكمال العلمي إلى الله تعالى ومنبهة له، أن مطلوبه إنما هو الله تعالى، ففيه العلم غير المحدود والإحاطة بكل شيء.
﴿وَلِلهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً﴾ (النساء: 126).
﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصلت: 53).
وربما سار البحث عن الدليل مساراً خاطئاً، كمن تمت عنده المعلومة فيبدأ بالتبطّر في طلب الدليل كما فعل الحواريون حين سألوا النبي عيسى (عليه السلام) إنزال المائدة.
﴿إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (المائدة: 112).
ولأن طلبهم لم يكن موضوعياً ردعهم النبي عيسى (عليه السلام) وأمرهم بالتقوى وقيّد ذلك بصورة كونهم مؤمنين، حتّى إذا ألحّوا، طلب من الله تعالى إنزال المائدة بأدبه الراقي.
﴿رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (المائدة: 114).
وحين استجاب الله تعالى له اقترن ذلك بوعيد شديد لمن يكفر بعد ذلك منهم.
﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ﴾ (المائدة: 115).
وقد يشكك الإنسان فيما كان واضحاً أو حتّى فيما كان يفترض أن يكون كذلك، فيكون ذلك موجباً للإنكار.
﴿قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرضِ﴾ (إبراهيم: 10).
وقد يأخذه العناد إلى حدٍّ بعيد فيلغي احتمال الإيمان والإذعان ولو اجتمع عنده أقوى الشواهد، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ (الأنعام: 111).
وليس بعيداً عن هذا ما جاء في سورة الإسراء: ﴿وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً﴾ (الإسراء: 90-93).
وبين هذا وذاك، تأتي البيانات والأدلة والآيات، وفائدتها في الحد الأدنى: إتمام الحجة على الناس ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال: 42).
وقد كثرت التساؤلات في أيامنا هذه - حيث تيسر التواصل بين الحضارات - عن مفردات الشريعة أصولاً وفروعاً، دليلاً ومدلولاً.
وقد حظيت القضية المهدوية بسهم وافر من هذه التساؤلات وحصة كبيرة من الإشكالات، ومن تلك التساؤلات ما يرجع إلى التوقيعات الشريفة التي خرجت من الإمام (عجّل الله فرجه)، وربما وجدت هذه التساؤلات صدى لها عند أتباع المذهب من العوام. فقد قيل: كيف يعرف أن هذا هو خط الإمام (عجّل الله فرجه)؟ وقيل: كيف نقبل بقول السفراء؟ وما إلى ذلك.
ونحن في هذه الوريقات نحاول أن نسلط الضوء على ما نرى أنه يمثل جواباً لهذه التساؤلات، نسأل الله أن يوفقنا لقول الحق والعمل به وأن يجعل التسديد رفيقنا، إنه خير مسؤول.
كيف نجى السفراء من متابعة الدولة العباسية؟
من الأسئلة التي تتوارد بخصوص السفراء وتداولتها أخيراً بعض وسائل التواصل الاجتماعي:
كيف أمكن للسفراء العمل في ظل وجود الدولة العباسية رغم أن العباسيين كانوا يبحثون عن أي خيط يوصلهم إلى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟ فهل يعقل أن يعمل السفراء بحرية رغم أنهم كانوا معروفين في الأوساط العامة ولا تتبعهم السلطة العباسية ليصلوا من خلالهم إلى الإمام (عجّل الله فرجه)؟ ألا يوجب ذلك احتمال كونهم على علاقة مع السلطة وأنهم لم يكونوا يلتقون بالإمام (عجّل الله فرجه)؟ هذا مع ملاحظة أن السفارة استمرت ما يقرب من سبعين سنة.
والجواب:
أولاً:
إن ذلك الاستبعاد كان مبتنياً على الأسباب الطبيعية وقطع ربط المسألة بالأسباب الغيبية، ولا شك أن هذه المسألة مرتبطة بالغيب، والغيب وإن أخرج المسألة عن الأسباب المألوفة، إلّا أنه لا يخرجها عن السببية، وهو تعالى مسبب الأسباب.
﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (يس: 82).
﴿وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).
﴿إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ (الطلاق: 3).
وقد تولّى الله تعالى الدفاع عن المؤمنين حين قال: ﴿إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ (الحج: 38).
حين اقتضت الحكمة أن يُبعث في بني إسرائيل نبي وعَلِمَ فرعون بذلك، طافت زبانيته في بيوت بني إسرائيل يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم في وقت كان هو الذي يتولى رعاية ذلك النبي إذ اتَّخذوه ولداً، وقبل ذلك أخفى علامة حمله إلى ليلة الولادة كما حصل ذلك أيضاً مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حيث نُقل جدّه الإمام الهادي (عليه السلام) إلى سامراء تحسُّباً لمجيء الإمام الثاني عشر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
حين اقتضت الإرادة الإلهية أن يبقى النبي يونس (عليه السلام) حياً في بطن الحوت بقي تطوف به البحار، مع أن ذلك أغرب من أن يربي طاغوت عدوّه دون أن يعلم.
حين اقتضت الحكمة أن يُبعث عزير من الموت عاد إلى الحياة بعد عشرات السنين من الموت إلى الحياة. وهل لمؤمن أن يستبعد ذلك على الله تعالى؟
وأغرب من قضية عزير ما حصل لأصحاب الكهف الذين ناموا لمدة ﴿ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ (الكهف: 25) لم يموتوا ولم تأكل الأرض أجسادهم، لو اطَّلعت عليهم لولَّيتَ منهم فراراً ولملئتَ منهم رعباً.
ثانياً:
إن التاريخ قد حفظ لنا حوادث عن أتباع الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) ممن كانوا يعملون بقرب الطواغيت، وربما جاءت الأخبار عن البعض أنه من طائفة الأعداء، فمن غابر الأيام يحدثنا القرآن عن مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه: ﴿وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (غافر: 28).
ومن تاريخنا الحديث ينقل إلينا أن المقاومة في الدول التي احتلتها ألمانيا في الحرب العالمية الثانية كانت تمارس العمل الثوري المسلح في تلك الدول رغم وحشية (الغستابو) في التعاطي مع المناوئين لهم، ورغم تطور وسائل التجسس والمتابعة والإمكانات الهائلة، إلّا أن الكثير من هؤلاء الثوار نجوا، بل وتطور عملهم بشكل كبير إلى أن رأوا هزيمة النازيين وموت (هتلر) بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وعمل هؤلاء كان مسلحاً، وعمل السفراء لم يكن فيه أي جانب عسكري وأي نوع مقاومة مسلحة.
والمجموعات المسلحة التي كانت تناهض الشيوعية في الاتحاد السوفيتي أيام (ستالين) طال زمان عملها دون علم الـ(KGB) بها مع كل الإمكانات المسخَّرة له. والمجموعات الجاسوسية تجوب الدنيا لا تنجو منها حتّى أقوى مخابرات العالم كالـ(CIA) وغيرها، مع وجود أقسام متخصصة في مكافحة التجسس، وكثير من الجواسيس لا يكتشف أمرهم إلى زمان انقضاء مهماتهم أو إلى أُخريات حياتهم.
وإذا رجعنا إلى التاريخ مرة أخرى نجد الروايات تحكي لنا عن علي بن يقطين صاحب الإمام الكاظم (عليه السلام)، وقد كان الوشاة يسعون به عند الرشيد لكن رعاية الإمام الكاظم (عليه السلام) له منعت أن يوصل إليه بسوء(1).
وقد كان الإمام (عجّل الله فرجه) يدفع أيضاً عن وكلائه.
فقد روى الكليني عن الحسين بن الحسن العلوي قال: كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه فقال له: هو ذا يجبي الأموال وله وكلاء وسموا جميع الوكلاء في النواحي وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهَمَّ الوزير بالقبض عليهم فقال السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل فإن هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على الوكلاء؟ فقال السلطان: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه. قال: فخرج بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً، وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، فاندس بمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به، فقال: معي مال أريد أن أوصله، فقال له محمد: غلطت، أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه. وبثوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم(2).
وروى عن الحسن بن الفضل بن زيد اليماني قال: كتب أبي بخطه كتاباً فورد جوابه، ثم كتب بخطي فورد جوابه، ثم كتب بخط رجل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فكانت العلة أن الرجل تحول قرمطياً(3).
وروى الكليني عن علي بن محمد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحائر، فلمّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطاني فقال له: الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه(4). والرواية صحيحة.
ثالثاً:
إن السفراء كانوا يعملون بطريقة مدروسة مُحْكَمة لدفع أنظار الظالمين عنهم، فقد أخفوا عملهم، إلّا عن الثُلَّة القليلة المخلصة ممن يطمأن لهم وعرفوا منهم صدق الولاء. ومضافاً إلى ذلك كانت لهم مجموعة خطوات هامة:
منها: أنهم نقلوا عملهم من سامراء عاصمة الدولة العباسية آنذاك إلى بغداد، وكان بُعد المسافة بين المدينتين كفيلاً بتخفيف المتابعة لهم.
ومنها: أنهم قد تخفّوا ببعض العناوين الأخرى، فالسفير الأول كان سمّاناً أي يمتهن بيع السمن.
ومنها: أنهم كانوا يعملون بالتقيَّة، خصوصاً عند اشتداد الأمر عليهم، وهذا ما حفظته الروايات عن السفير الثالث الحسين بن روح (رضي الله عنه).
فقد نقل الشيخ الطوسي في غيبته من الوقائع التي استعمل فيها بعض السفراء التقيَّة، ولذا كان في موقع جليل حتّى عند العامة، فقد قال:
وكان أبو القاسم (رحمه الله) (الحسين بن روح) من أعقل الناس عند المخالف والموافق ويستعمل التقية، فروى أبو نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني أبو عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن أبي الطيب قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار، وكان له محل عند السيد والمقتدر عظيم، وكانت العامة أيضاً تعظِّمه، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفاً.
فعهدي به وقد تناظر اثنان فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم عمر ثم علي وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر، فزاد الكلام بينهما، فقال أبو القاسم (رضي الله عنه): الذي اجتمعت عليه الصحابة هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي، وأصحاب الحديث على ذلك، وهو الصحيح عندنا. فبقي من حضر المجلس متعجباً من هذا القول. وكانت العامة الحضور يرفعونه على رؤوسهم وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض.
فوقع عليَّ الضحك فلم أزل أتصبر وأمنع نفسي وأدس كمي في فمي، فخشيت أن أفتضح، فوثبت عن المجلس، ونظر إليّ فتفطَّن لي، فلما حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق، فخرجت مبادراً، فإذا أبي القاسم بن روح راكباً بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره، فقال لي: يا أبا عبد الله، أيدك الله، لم ضحكت وأردت أن تهتف بي، كأن الذي قلته عندك ليس بحق؟ فقلت له: كذلك هو عندي، فقال لي: اتَّقِ الله أيها الشيخ، فإني لا أجعلك في حل تستعظم هذا القول مني، فقلت: يا سيدي رجل يرى بأنه صاحب الإمام ووكيله يقول ذلك القول، لا يُتعجب منه؟ و[لا] يضحك من قوله هذا؟ فقال لي: وحياتك لئن عدت لأهجرنَّك وودَّعني وانصرف(5).
قال أبو نصر هبة الله: وحدثني أبو أحمد بن درانويه الأبرص الذي كانت داره في درب القراطيس، قال: قال لي: إني كنت أنا وإخوتي ندخل إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) نعامله، قال: وكانوا باعة، ونحن مثلاً عشرة، تسعة نلعنه وواحد يشكك، فنخرج من عنده بعد ما دخلنا إليه تسعة نتقرب إلى الله بمحبته وواحد واقف لأنه كان يجارينا من فضل الصحابة ما رويناه وما لم نروه فنكتبه عنه لحسنه (رضي الله عنه)(6).
وفي غيبة الطوسي أخبرني جماعة عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عياش عن أبي غالب الزراري قال: قدمت من الكوفة وأنا شاب إحدى قدماتي ومعي رجل من إخواننا - قد ذهب على أبي عبد الله اسمه - وذلك في أيام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) واستتاره ونصبه أبا جعفر محمد بن علي المعروف بالشلمغاني وكان مستقيماً لم يظهر منه ما ظهر من الكفر والإلحاد، وكان الناس يقصدونه ويلقونه لأنه كان صاحب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح سفيراً بينهم وبينه في حوائجهم ومهماتهم.. الخبر(7).
والرواية وإن لم تكن تامة سنداً إلّا أنّا أوردناها وما سبقها للاستشهاد وليس للاستدلال.
وفي الكافي عن علي بن محمد عن محمد بن صالح، قال: لمّا مات أبي وصار الأمر إليَّ كان لأبي على الناس سفاتج(8) من مال الغريم - يعني صاحب الأمر (عليه السلام)، قال الشيخ المفيد: وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها ويكون خطابها عليه للتقية - قال: فكتبت إليه أعلمه، فكتب إليّ: طالبهم واستقص عليهم، فقضاني الناس إلّا رجل واحد وكانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار، فجئت إليه أطلبه، فماطلني واستخف بي ابنه وسفه علي، فشكوته إلى أبيه فقال: وكان ماذا؟ فقبضت على لحيته وأخذت برجله وسحبته إلى وسط الدار وركلته ركلاً كثيراً، فخرج ابنه مستغيثاً بأهل بغداد يقول: قمي رافضي قد قتل والدي. فاجتمع علي منهم خلق كثير، فركبت دابتي وقلت: أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم. أنا رجل من أهل همدان من أهل السنة، وهذا ينسبني إلى قم ويرميني بالرفض ليذهب بحقي ومالي. قال: فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا إلى حانوته حتّى سكّنتهم، وطلب إليّ صاحب السفتجة أن آخذ ما فيها وحلف بالطلاق أنه يوفيني ما فيها في الحال(9).
وقد قال المجلسي في هذا الخبر أنه حسن كالصحيح.
ويشهد لما ذكرناه من إعمال التقية أنهم لم يكونوا معروفين عند عامة الشيعة، ولذا تجد عند تصفحك في الروايات أن عامة الشيعة كانت تكلف الخواص أن تذهب بما عليها من الحقوق إلى سفراء الإمام ووكلائه. ويظهر أيضاً للمتتبع في الروايات أن الخواص لم يكونوا يعرفون السفراء، ولذلك ما كانوا يسلمون إليهم الأموال إلّا بعد البيِّنة والاختبار، فإذا جاءهم منهم أمر بيِّن سلّموا الأموال. ولعدم وضوح الأمر عندهم ابتداءً كان البعض منهم يذهب إلى جعفر عم الإمام حتّى إذا لم يجدوا عنده ما يريدون امتنعوا عن تسليمه الأموال وذهبوا إلى مظان أخرى حتّى يقعوا على مبتغاهم. مما يكشف لك عن عدم معرفة صفة السفراء إلّا ضمن نطاق دائرة ضيقة جداً. ومع هذا لمَ الاستبعاد أن لا تكون السلطات قد علمت بشأنهم؟
وكيف كان، ففي الروايات دلائل على أن السفراء لم يكونوا معروفين عند عامة الشيعة بل عند الكثير من خواصهم، فكيف تعرفهم أعداؤهم بنحو سهل؟
فعن الإرشاد عن ابن قولويه عن الكليني عن علي بن محمد عن الحسن بن عيسى العريضي قال: لما مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ورد رجل من مصر بمال إلى مكة لصاحب الأمر فاختلف عليه وقال بعض الناس: إن أبا محمد قد مضى من غير خلف، وقال آخرون: الخلف من بعده جعفر، وقال آخرون: الخلف من بعده ولده، فبعث رجلاً يكنى أبا طالب إلى العسكر يبحث عن الأمر وصحته ومعه كتاب، فصار الرجل إلى جعفر وسأله عن برهان، فقال له جعفر: لا يتهيأ لي في هذا الوقت، فصار الرجل إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا الموسومين بالسفارة، فخرج إليه: آجرك الله في صاحبك فقد مات، وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يحب، وأجيب عن كتابه، فكان كما قيل له(10).
وفي رواية أحمد الدينوري:
قال: فقلت: يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت، قال: فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاعمل على أن لا تخرجه من يديك إلّا بحجة... الخبر(11).
وفي رواية أحمد بن أبي روح قال: وُجِّهتُ إلى امرأة من أهل دينور فأتيتها فقالت: يا بن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا ديناً وورعاً، وإني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها وتقوم بها، فقلت: أفعل إن شاء الله، فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله ولا تنظر فيه حتّى تؤدّيه إلى من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير وفيه ثلاث حبات يساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان حاجة، أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها. قلت: وما الحاجة؟ قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرسي لا أدري ممن استقرضتها ولا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك بها فأدفعها إلى من يأمرك بها...
إلى أن وصل إلى سر من رأى وحصل على ما يريد، ولم ننقل الرواية كاملة لأن محل الشاهد فيها أنهم لا يقبلون من كل أحد إلّا ببيِّنة، وهذا يسري حتّى على العوام من الشيعة(12).
وفي كمال الدين أبي عن سعد عن أبي حامد المراغي عن محمد بن شاذان بن نعيم قال: بعث رجل من أهل بلخ بمال ورقعة ليس فيها كتابة وقد خط فيها بإصبعه كما تدور من غير كتابة، وقال للرسول: احمل هذا المال، فمن أخبرك بقصته وأجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال، فصار الرجل إلى العسكر وقصد جعفراً وأخبره الخبر، فقال له جعفر: تقر بالبداء؟ قال الرجل: نعم، قال: فإن صاحبك قد بدا له وقد أمرك أن تعطيني هذا المال، فقال له الرسول: لا يقنعني هذا الجواب. فخرج من عنده وجعل يدور على أصحابنا، فخرجت إليه رقعة: هذا مال كان قد غرر به، وكان فوق صندوق فدخل اللصوص البيت فأخذوا ما كان في الصندوق وسلم المال وردت عليه الرقعة وقد كتب فيها كما تدور وسألت الدعاء فعل الله بك وفعل(13).
والرواية تامة سنداً، فأبو حامد المراغي هو أحمد بن إبراهيم المراغي، قد روى الكشي توقيعاً شريفاً يدل على مدحه وقال ابن داوود عنه: إنه ممدوح عظيم الشأن. ومحمد بن شاذان بن نعيم ثقة كان من وكلاء الناحية، وسعد هو بن عبد الله الأشعري القمي الجليل القدر، ووالد الصدوق علم في الوثاقة. ولكن ليس من الواضح في الرواية أن محمد بن شاذان قد رأى الكتاب وعرف الخط الذي فيه.
والأمر سهل لأن ذكر الرواية وما سبقها لمجرد الاستشهاد وليس للاستدلال. ومن الواضح فيها أنهم لم يكونوا يقبلون من أي أحد أن يخبرهم عن الإمام (عجّل الله فرجه) أو يأخذ المال له.
هل تنافي وثاقة السفير احتمال الخطأ فيما أخبر به؟
ومن الأسئلة والشبهات فيما يرجع إلى السفراء أن غاية ما يمكن أن يقال عنهم: إنهم على أعلى درجات الوثاقة، والثقة نحتمل الخطأ منه، ونحتمل وقوعه في الكذب، وإن نفينا عنه الإصرار على الكذب، وهذا الاحتمال مانع من الجزم بما نقلوه لنا من التوقيعات.
وفي مقام الجواب عن هذه الشبهة نقول:
لقد بعث الله تعالى رسله للناس كي يأخذوا بأيديهم إلى ما فيه صلاح الدنيا ومنفعة العباد. يتّكئ ذلك على رؤية للكون ومآل الدنيا وأفراد البشر تقدمها الشرائع للناس، ويستقيم فوق ذلك منظومة أحكام تضبط إيقاع حركة الأفراد وفق ما في طبائع الأفعال من نفع وضرر. ويتوسط بين هذا وذاك منظومة أخلاقية تضمن دوام الاستقامة لمن أراد أن ﴿يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً﴾ (الفرقان: 62)، وتجعل سلوكه الحسن نبتة نمت في بيئتها المناسبة مما يضمن استمرار اخضرارها.
ولما كثرت تفاصيل الشرائع بما في ذلك الشريعة الإسلامية بنحو تسبّب في انعدام فرصة العلم بكل تفاصيلها لكثرة تشعبها، وللبعد الزماني عن حضور المشرع المحيط بالشريعة، ولظروف أخرى، قضت الضرورة أن يقبل الشارع بما دون العلم في إحراز أحكامه، فجعل الحجية لبعض الظنون الخاصة، كالظن الناشئ من إخبار الثقة والظن الناشئ من الظهور، وأبقى بعض الظنون على حالها، بل ردع عن العمل ببعضها، كما في القياس الذي منع الشارع من جعله مستنداً ولو أورث أعلى درجات الظن.
«إن السنة إذا قيست مُحق الدين».
وقد اتفقت كلمات الفقهاء على حجية الأخبار التي ينقلها الثقات في الجملة، وشذ عن ذلك نفر يسير كالطبرسي وابن إدريس (أعلى الله مقامهما)، ومثل ذلك حجية الظهورات، نعم وقع الخلاف في بعض التفصيلات في الحجيتين.
وكانت النتيجة: أن أغلب أحكامنا ثبتت بأدلة ظنية من جهة الصدور أو الدلالة أو كليهما، ولا مشكلة في ذلك، لأن ثبوت الحجية الشرعية يضمن المُؤَمِّن من تبعة مخالفة الواقع غير المعلوم، كما يضمن الثواب للمنقاد لو كان ما أتى به - اعتماداً على الظن الحجة - من إطاعة بنظرة مخالفاً للواقع. فكان ذلك سبباً في نشوء علم الجرح والتعديل للتعامل مع الموروث الروائي لتتجاوز مشكلة عدم حصول العلم بالصدور من الشارع المقدس، وتكفل هذا العلم ضبط أحوال الرجال ممن يقعون في أسانيد الروايات اعتماداً على شهادات خاصة بالراوي أو اتِّكالاً على قواعد عامة كمشايخ الثلاثة وأصحاب الإجماع. فالفقيه والباحث إن لم يحصل على علم بصدور الخبر لم يعدم الحجة التعبدية في عديد الموارد.
وقد أُلِّفت موسوعات رجالية كثيرة لتكون معيناً للباحثين حوت كمّاً كبيراً من المعلومات التي تساعد في تكوين صورة عن رواة الأحاديث. ومن ضمن من تعرض له أرباب هذا الفن سفراء الإمام الثاني عشر ووكلاؤه في زمن الغيبة الصغرى والذين خرجت توقيعاته (عجّل الله فرجه) عن طريقهم، فلا يعتبر القطع بصدور تلك التوقيعات عنه (عجّل الله فرجه)، بل يكفي مجرد طريق معتبر وفق الضوابط العامة التي أُشير إليها آنفاً.
كما لا نحتاج إلى إثبات السفارة أو الوكالة عن الناحية المقدسة، فأي فرق بين رواية نقلها زرارة أو محمد بن مسلم أو أبو بصير أو غيرهم من أعلام الرواة، وبين رواية نقلها عثمان بن سعيد أو ولده محمد أو الحسين بن روح أو علي بن محمد السمري، أو حتّى الوكلاء غير السفراء لنقبل رواية الأوائل دون السفراء أو الوكلاء؟
بل هنا ما يجعل رواية الوكلاء والسفراء أولى بالقبول وهو:
1- إن من المضعفات الاحتمالية في الخبر نوعاً احتمال وقوع المخبر في الخطأ واحتمال نسيانه في القول لفقرة من الكلام الذي ينقله أو الحادثة التي يرويها، وهذا لا مجال له في التوقيع الذي يكون بخط الإمام (عجّل الله فرجه) لأن دور السفير ليس إلّا تسليم تلك المكاتبة بخطه (عجّل الله فرجه). والمفروض أن كلامنا في التوقيعات التي صدرت من الإمام (عجّل الله فرجه) ونقلت إلينا عن طريق السفراء.
2- أن مستوى الوثاقة مختلف من فرد إلى آخر، فبعض الناس تجزم بعدم تعمده للكذب والافتراء، ومن يتَّهم مثل زرارة بالكذب أو يتعقل احتمال قصده الكذب؟
واحتمال نفي الكذب في مثل زرارة لا يستند إلى استحالته العقلية، بل يستند إلى واقع بنيته النفسية ومستوى تدينه الذي علمناه عليه.
والأعلام الأربعة الذين هم سفراء الغيبة الصغرى لا شك أنهم كذلك من هذه الناحية. وأمّا احتمال أن يأتي السفير بكتاب يقول عنه إنه مكاتبة من الإمام (عجّل الله فرجه) وليس هو في الواقع كذلك، فهذا غير متصور فيه، فالناس تسأل ثم تنتظر مدة ليأتي التوقيع الشريف وفيه ما يخصهم.
وأمّا نقل قول الإمام (عجّل الله فرجه) فلا يدخل تحت عنوان المكاتبات أو التوقيعات الشريفة له، وإن كان متَّصفاً بنفس الوثاقة والاطمئنان بصدوره عنه (عجّل الله فرجه).
3- انتفاء احتمال التقية أو ضعفه إلى حدٍّ بعيد، لأن الإمام غائب عن أعين الناس فلا يخاف على نفسه من الظالمين من جهة رأيه ليضطر إلى بيان حكم موافق للعامة دفعاً للشبهات. والروايات وإن ورد العديد منها في بيان علة الغيبة بالخوف على نفسه، إلّا أن الخوف في غيبته ناشئ من احتمال معرفة الظالمين بأصل وجوده لا من رأيه المخالف للظالمين، وورود خبر عنه، فيه رأي له، لا يُفرِّق فيه بين أن يكون موافقاً لفقهاء العامة أو لا يكون، لأن التقية في زمن آبائه كثيراً ما كانت لدفع بعض ما يدفع الظالم نحو قرار تصفيته أو التضييق عليه، وفي زمن غيبته قد صدر قرار تصفيته، لكنهم لم يعثروا عليه، فظهور خبر عنه هو مطلوب حكومات الجور، وافق مضمون الخبر رأي علمائهم أم خالفها.
ولهذا لا تجد إماماً من الأئمة المتقدمين طلبته سلطة الجور في صغره بل قبل تسنُّمه منصب الإمامة فضلاً عن فترة ما قبل ولادته. بل لم يطلب بحسب العادة بمجرد تصدّيه لمنصب الإمامة وإنما بعد مدة من إمامته لأسباب ليس هذا محل استقصائها. وإنما قلنا بحسب العادة لأن المنصور طلب من يتصدّى بعد الإمام الصادق (عليه السلام) وطلب هارون خليفة الإمام الكاظم (عليه السلام)، ثم خفتتْ في الاثنين نار الحقد بعد إقدامهم على قتل الإمامين (عليهما السلام).
وأمّا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فقد طلبه أعداؤه قبل ولادته بمدة من الزمان، لما انتهى إليهم من أن الإمام الثاني عشر هو الذي يسقط عروش الظالمين ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وذلك هو سبب الإتيان بالإمام الهادي (عليه السلام) إلى سامراء عاصمة الخلافة آنذاك، وأُبقي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) تحت نظرهم هناك أيضاً. وكانت جلاوزتهم تترقب الأخبار عن الولادة الميمونة، ونساؤهم تدخل إلى بيت الإمام العسكري (عليه السلام) لتفتش بين نسائه وجواريه عن الحمل. ولم يأت المولود الميمون إلّا من خلال طريق معجز لم يظهر له أي أثر حتّى ليلة ولادته (عجّل الله فرجه)، بل حتّى السيدة حكيمة حين أُخبرت بأن في تلك الليلة ستشرق الأرض بولادته استغربت حين فحصت أمّه ولم تر أي أثر للحمل.
وعلى أي حال، فوجود الإمام الثاني عشر كان مستهدفاً، ومن هنا لا يفرق كثيراً بين خبر صدر منه على وجه التقية أو على نحو الإرادة الجدية، والتقية تقتضي عدم صدور التوقيع لو اقتضت ذلك، لا صدوره بمضمون يتناسب مع التقية، بخلاف من تقدمه من آبائه (عليهم السلام).
وقد دلَّت جملة من الروايات على تحريم ذكر اسمه (عجّل الله فرجه)، وكفاك بمثلها دليلاً على أن ذكر رواية عنه (ولو بمضمون موافق للتقية لو كان) على خلاف التقية.
نعم قد يتعقل احتمال التقية على غير الإمام من الأتباع، لكن ذلك يجري في غير الحجة (عجّل الله فرجه)، كما في ذم الإمام الصادق (عليه السلام) لزرارة في بعض الروايات لأجل دفع الشبهة عنه، لكن ذلك لا مجال له فيما صدر من توقيع عن الحجة (أنار الله الأرض بظهوره)، لأن دفع الشبهة عن تابع للإمام يزاحم عادة دفع الخطر عن الإمام (عجّل الله فرجه)، والثاني أرجح من الأول.
وبهذا يضعف المضعف النوعي في مكاتبات الأئمة (عليهم السلام) والمتمثل باحتمال صدورها تقية في توقيعات الإمام الحجة (عجّل الله فرجه).
وقد يقال إن الإمام (عليه السلام) حريص على سلامة أتباعه، ومن هنا كانت بعض الأوامر تخرج إليهم للعمل بما يتقى معه شر الظالمين، فالتقية واردة في توقيعاته دفعاً للضرر عن أتباعه.
فقد نقل في الكافي عن الحسين بن الحسن العلوي، قال: كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه، فقال له: هو ذا يجبي الأموال وله وكلاء وسمّوا جميع الوكلاء في النواحي وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهم الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل فإن هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على الوكلاء، فقال السلطان: لا ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه.
قال: فخرج بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، فاندس بمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال: معي مال أريد أن أوصله، فقال له محمد: غلطت، أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه، وبثوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم(14).
وفي غيبة الطوسي عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد، قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحائر، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطاني فقال له: الق بني الفرات والبُرسيين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه(15).
وعلي بن محمد الذي يروي عنه محمد بن يعقوب هو علي بن محمد بن بندار وبندار هو أبو القاسم عبد الله بن عمران البرقي، وقد نص على توثيقه، فالرواية صحيحة السند.
بل ورد عن الإمام (عجّل الله فرجه) الكثير من الإجابات عن موارد شخصية.
ففي الحسنة روى الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الصالح قال: كتبت أسأله الدعاء لباداشاكه وقد حبسه ابن عبد العزيز وأستأذنه في جارية لي أستولدها، فخرج: «استولدها ويفعل الله ما يشاء والمحبوس يخلصه الله»، فاستولدت الجارية فولدت فماتت، وخلي عن المحبوس يوم خرج إليَّ التوقيع(16).
وروى في الحسنة عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن علي بن محمد الشمشاطي - رسول جعفر بن إبراهيم اليماني - قال: كنت مقيماً ببغداد وتهيأت قافلة اليمانيين للخروج، فكتبت أستأذن للخروج معها، فخرج: «لا تخرج معها فما لك في الخروج خيرة، وأقم بالكوفة»، فخرجت القافلة وخرجت عليها بنو حنظلة فاجتاحوها.
قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء، فخرج: «لا تفعل»، فما خرجت سفينة في تلك السنة إلّا خرجت عليها البوارج فقطعوا عليها... الخبر(17).
لكن ذلك مردود من جهة أنَّ احتمال التقية الذي ضعّفناه هو إطلاق لفظ وإرادة معنى غير ظاهر منه أو إرادة إيهام من يسمعه أنه يراد ظاهره. ومثل ما تقدم من الروايات لم يتحقق فيها هذا الاحتمال فلا مشكلة فيها من جهة التقية توجب احتمال إرادة غير ظاهرها. ففي عين الوقت الذي يكون الداعي لبيان تلك الموارد الحرص على الأتباع، لا نحتمل في هذه التوقيعات صدورها على نحو التقية. بل في بعضها أمر للوكلاء ولعامة الشيعة بالتقية، وهذا غير صدور التوقيع على وجه التقية.
بل قد ورد في بعض الروايات الأمر بتمزيق الكتاب الذي فيه التوقيع.
كمال الدين عن أبيه عن سعد عن أبي عبد الله المتيلي قال: جاءني أبو جعفر فمضى بي إلى العباسية وأدخلني إلى خربة وأخرج كتاباً فقرأه عليَّ، فإذا فيه شرح جميع ما حدث على الدار، وفيه: أنه فلانة - يعني أم عبد الله - يؤخذ بشعرها وتخرج من الدار ويحدر بها إلى بغداد وتقعد بين يدي السلطان وأشياء مما يحدث، ثم قال لي: احفظ ثم مزق الكتاب، وذلك من قبل أن يحدث ما حدث بمدة(18).
4- قرب أسناد التواقيع، حيث لا يفصل زمان كبير بين صدور هذه التوقيعات وكتابة مجامع الحديث، إذ كُتب الكافي في زمان الغيبة الصغرى التي دامت (69) عاماً. بينما غالبية رواياتنا كانت قد نقلت عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، وقد استشهد الإمام الباقر (عليه السلام) في زمن الدولة الأموية التي انتهت عام (132هـ). بل استشهد عام (114هـ) على وجه التحديد. والإمام الصادق (عليه السلام) قد استشهد عام (148هـ). فالمدة بين وفاة الإمام الباقر (عليه السلام) وبداية الغيبة الصغرى (142) عاماً ولم تنقل كل الروايات عنه في آخر سنة من عمره ولا توقيعات الإمام (عجّل الله فرجه) قد خرجت في أول سنة من غيبته. والمدة بين استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) وبداية الغيبة الصغرى (112) سنة، وليست الروايات المنقولة عنه نقلت في آخر سنة من حياته. بل يمكن أن تكون في بداية إمامته التي دامت أربعة وثلاثين عاماً ليكون الفاصل بين صدور مثلها وبداية الغيبة (146) عاماً.
نعم، لا يخلّ ذلك بالحجية، لكنه يترك أثره من الناحية الاحتمالية.
5- إن التوقيعات الصادرة عن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) تكون بداية سندها ثقة في العادة، لأن من نقلوها سفراء الغيبة ووكلاء الناحية المقدسة، بخلاف الروايات التي صدرت عن باقي الأئمة (عليهم السلام)، فإن من نقل عنهم قد كان فيهم الغث والسمين، وما أكثر الرواة المباشرين ممن لم تثبت وثاقتهم.
بل الراوي المباشر للتوقيع على أعلى درجات الوثاقة، بل فيهم من نص المعصوم (عليه السلام) على أنه الثقة الذي لا يخطئ في نقله عنه «ما أدَّى فعنِّي يؤدّي»، وسيأتيك مزيد من التوضيح والتفصيل.
6- لما كان من استتار الإمام (عجّل الله فرجه) ما كان عرف الشيعة أن الخبر عنه لا يأتي من كل أحد، فمن أخبر عن الوكلاء بخبر عنه (عجّل الله فرجه) يعرف أن الشيعة لا تصدق ذلك عن كل أحد. وقد يكون ذلك أدعى للارتداع عن الكذب في البعض، وهذا يشكل مضعفاً نوعياً لاحتمال الكذب وإن لم يكن مانعاً قطعياً عنه.
نعم قد يكون هناك احتمال مقابل لأن اهتمام الناس بالإمام (عجّل الله فرجه) يجعلهم يولون الاهتمام ويظهرون الاحترام لمن ينقل الأخبار عنه (عجّل الله فرجه). لكن الذي جمع الأخبار هم ممن لم يعدموا نوع المعرفة بذلك، وما وصلنا ليس من عامة الناس بل من خواصِّهم وعلمائهم الذين تحمَّلوا مسؤولية جمع الأخبار وتدوينها.
7- إن أمارات التوثيق وشواهده كانت أقرب للرجاليين الأوائل من مثيلاتها في رواة الأخبار من الأئمة المتقدمين، فمعدل (150) سنة على الأقل ليست بالمدة اليسيرة ليحفظ فيها خصوصيات الأفراد مما له دخل في قبول الرواية وعدمها وقد تجاوز مشكلتها علماء الرجال، ولكنها ليست كمشكلة من كان أقرب إليهم بمدة قرن ونصف من الزمان. فاحتمال صدق التوثيق في رواة التوقيعات أعلى من مثيله في الرواة الذين كانوا على عهد الإمامين الباقرين (عليهما السلام).
8- في الوقت الذي لم يشكل تكذيب واضعي الحديث على الأئمة المتقدمين من قبلهم (عليهم السلام) ظاهرة، كان ذلك ظاهرة في من كذب على الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) لأن الأمر لم يقتصر على نقل رواية فحسب، بل كان يتعدّاه إلى ادِّعاء السفارة، ومن هنا قضت الضرورة بالتصدّي لهم. وحين تجاسرت أنفسهم على ادِّعاء السفارة كان ذلك إيذاناً بدعاوى أكبر من بعضهم، وقد نقل الشيخ الطوسي عن هارون بن موسى قوله:
وكل هؤلاء المدَّعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام وأنهم وكلاؤه فيدْعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم، ثم يترقّى الأمر بهم إلى قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى(19).
ومثل الشلمغاني: السريعي والنصيري.
وقد نقل توقيع الإمام (عجّل الله فرجه) في لعن السريعي والتبرّي منه(20).
«وهو أول من ادَّعى مقاماً لم يجعله الله فيه»(21)، وجاء بعده محمد بن نصير النميري، لكن لعنه والتبري منه والاحتجاب عنه كان من محمد بن عثمان.
وممن ظهر التوقيع بلعنه والبراءة منه أحمد بن هلال الكرخي حيث خرج التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه(22).
وممن خرج التوقيع بلعنه والبراءة منه: محمد بن علي المعروف بالشلمغاني المعروف باسم العزاقري(23).
9- إن بعض الروايات التي نقلت عن الأئمة (عليهم السلام) في زمن الحضور قد نقلت بالمعنى ولم ينقل لفظها بالنص، ويحتمل ولو ضعيفاً أن يشتبه الراوي في فهم مراد الإمام (عليه السلام)، وهذا الاحتمال لا يأتي في نقل مكاتبة بخطه (عجّل الله فرجه)، والنقل بالمعنى وإن لم يمنع من الحجية إلّا أنه يبقى مضعفاً احتمالياً، خصوصاً إذا لم يكن الراوي ضليعاً بالفهم، بل كان مجرد راوٍ ثبتت وثاقته.
ولست باستعراضي لهذه القرائن بصدد إثبات حجية التوقيعات الصادرة عنه (عجّل الله فرجه) أو المنسوبة إليه دون إعمال الضوابط في القبول وعدمه، بل إن ما ذُكر يشكل قرائن احتمالية لا توصل إلى الجزم، ولكنها في الحد الأدنى تمنع من النظر إلى التوقيعات على أنها في القبول دون الروايات التي نقلت في زمان الحضور عن باقي الأئمة (عليهم السلام). فلِمَ نقبل بقية الروايات في صورة توفرها على شرائط الحجية ولا نقبل التوقيعات أو نُشكك فيها؟ إن كانت كذلك.
فإذا تمت أسانيد التوقيعات لابد من الأخذ بها عندما تنتفي وجداناً أو تعبداً احتمالات التقية. وعندما ينتفي أيضاً وجود القرينة المانعة من العمل بها من وجود رواية أخرى معارضة مكافئة لهذه المكاتبة أو أقوى بنحو تُقَدَّم عليها وفق قواعد صنعة الاستنباط. أو مخالفة لدليل قرآني أو قرينة عقلية، أو إعراض للمشهور عنها مع كونها بين أيديهم.
وبهذا لا يكون من الضروري معرفة خط الإمام (عجّل الله فرجه) وكون التوقيع بذلك الخط حتّى يتساءل المتسائل: ومن قال إن هذا الخط هو خط الإمام المعصوم (عجّل الله فرجه)؟ كما قيل.
وهل سجل الرواة عن الأئمة المتقدمين (عليهم السلام) أمثال زرارة ومحمد بن مسلم ويونس بن عبد الرحمن وأضرابهم صوت الإمام الباقر والإمام الصادق أو غيرهما من الأئمة (عليهم السلام)، وعرفنا هذا الصوت لنقبل منهم خبرهم بعد مطابقة الصوت؟ أم أن مجرد وثاقتهم كفى في الاعتماد على ما نقلوه لنا. فلماذا نعتبر في التوقيعات هذا الشرط الإضافي دون بقية الروايات؟!
ومع كل ذلك سيأتي أن الخط كان معروفاً للخواص وأن المكاتبات كانت تخرج بنفس الخط المعروف.
طلب البيِّنة من السفراء أمر مألوف:
إن من الطبيعي أن يتردد الإنسان في قبول الدعاوى الغريبة، بل من المألوف ردّها لمجرد غرابتها، والناس لا تضع مثل هذه الأمور تحت مجهر الدقة العقلية، هذا إنْ كان لهم قلوب يعقلون بها أو أعين يبصرون بها أو آذان يسمعون بها. ومن هنا احتاج الأنبياء (عليهم السلام) إلى المعجزات، فإن السفارة في الخلق عن الله تعالى أمر غاية في الغرابة. وكلّما ازدادت غرابة الأمر كانت المعجزة أكثر لزوماً ومن سنخ مختلف، فحين يأتي بخلق النبي عيسى (عليه السلام) من غير أب وهو أمر لم يتكرر بعد خلق آدم وحواء كانت طريقة إثبات ذلك بشيء لا لبس فيها يشخصه الجاهل والعالم على حدٍّ سواء، فأنطقه الله تعالى في المهد صبياً، ومع معرفتهم السابقة بطهارة مريم (عليها السلام) والذي دعاهم إلى الاستغراب من مجيئها بمولودها إلّا أن البرهان القاطع كان من خلال إنطاق وليدها حديث الولادة، فألقم الناس حجراً.
وحين تضيق الآفاق على النبي موسى (عليه السلام) ومن معه عندما سعى فرعون لإدراكهم، ينشق لهم البحر ليمضي بقومه بين طودين عظيمين من الماء، ثم يكون نفس طريق الإعجاز الذي أنقذ قوم موسى (عليه السلام) طريق بوار وهلاك لفرعون وجيشه. وتلك المعجزة لم تكن لإتمام الحجة على قوم فرعون بلا شك، إذ لم يمهلهم الأجل لما بعدها كي يعتبروا بل لتكميل إيمان قوم موسى (عليه السلام) وإتمام الحجة عليهم، ومع ذلك لم يكتمل إيمانهم!
وهكذا حتّى يصل الأمر إلى النبوة الخاتمة فاحتاجت أن يأتي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمعجزات، ولكن لأنه كان رسولاً ﴿كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ (سبأ: 28) ولكونه ﴿لِلْعالَمِينَ نَذِيراً﴾ (الفرقان: 1)، و﴿نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ (المدثر: 36-37) ولأن النبوة قد أوُصِد بابها به (صلى الله عليه وآله وسلم)، اقتضى ذلك أن تكون له معجزة تكسر حدود الزمان والمكان، فأنزل الله تعالى عليه القرآن مع التحدي الصارخ لكل المشككين، بل التحدي الذي يسم جباههم بوسم الذل والصغار حين جعل ساحة النزال أن يأتوا بسورة واحدة مثله.
وقد جرى الأمر في الأئمة (عليهم السلام) ولكن بمستوى أدنى، فبعد قبول نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت الإمامة أقل غرابة من نزول وحي واتصال بالسماء واطِّلاع على الغيب، هذا مع إشارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أهل بيته (عليهم السلام) بالحثِّ على محبتهم وببيان أنهم عِدل القرآن وأنهم لن يفترقوا عنه وما إلى ذلك. لكن لكون الإمامة تسلب شرعية أنظمة حاكمة وقوى ظالمة، فإن تلك الطغم لم تألُ جهداً في الوقوف بوجهها بتهديد ووعيد وخلق أجواء تشكيك، ووظِّف لذلك علماء وفقهاء باعوا دينهم بالدنيا ورضوا بدل الآخرة بالأولى، وتمكّنوا بذلك من صرف عامة الناس عن إمامة أئمة الهدى، فكانت الحاجة إلى ما يقطع الشك باليقين ويرد حبائل الشياطين بين الفينة والأخرى. وكان حقاً طبيعياً أن يُطلب من الإمام (عليه السلام) شاهد الحق على إمامته.
حين يأتي الشامي إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في الرواية المعروفة ويقول: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك. ويطول الكلام بينه وبين أصحاب الإمام (عليه السلام) إلى أن قال الشامي: فهل أقام لهم (الخلق) من يجمع كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟ قال هشام: في وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الساعة؟ قال الشامي في وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والساعة من؟ فقال هشام: هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء [والأرض] وراثة عن أب عن جد، قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك؟ قال هشام: سله عمّا بدا لك. قال الشامي: قطعت عذري فعليَّ السؤال.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا شامي، أخبرك كيف كان سفرك وكيف كان طريقك؟ كان كذا وكذا»، فأقبل الشامي يقول: صدقت، أسلمت لله الساعة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «بل آمنت بالله الساعة، إن الإسلام قبل الإيمان...» الخبر(24).
ولما وقعت الغيبة وظهر من يقول أو يقال له إنه سفير الإمام الغائب عن أعين الناس، كان الأمر بحاجة إلى إثبات ودعم مع خصوصية أن الأئمة (عليهم السلام) في زمن الحضور والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا حين يأتون بما يقطع الشك باليقين يكتفون بمفردة في جمع من الناس، ولما كانت غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) زمن أشد حالات التقية للخوف على الإمام (عجّل الله فرجه) كانت الدلائل على صدق قول السفير أنه سفير تظهر لآحاد الأفراد مع السعي إلى التكتم عليها. ولذلك كان طبيعياً أن يكون كل من أراد الاتصال بالسفير بعنوان أنه سفير يطلب البيِّنة والبرهان أنه كذلك.
وكيف كان فلنقف للنظر، هل جاء في التراث الشيعي ما يثبت وثاقة السفراء والوكلاء ليكون ذلك موجباً للركون إلى نقلهم أو لا؟
ما ورد في توثيق العمريين (رحمها الله):
لقد وردت جملة من الروايات الناصّة على وثاقة عثمان بن سعيد العمري وولده محمد وهما السفير الأول والثاني ومنها:
1- أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى عن أبي علي محمد بن همام الإسكافي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد (صلوات الله عليه) في يوم من الأيام، فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي (صلوات الله عليه): «هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه». فلما مضى أبو الحسن (عليه السلام) وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) ذات يوم، فقلت له (عليه السلام) مثل قولي لأبيه، فقال لي: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّى إليكم فعنّي يؤديه».
قال أبو محمد هارون: قال أبو علي: قال أبو عباس الحميري: فكنّا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محل أبي عمرو(25).
وهارون بن موسى هو ابن أحمد بن سعيد التلعكبري من بني شيبان، قال النجاشي: كان وجهاً من أصحابنا ثقة معتمداً لا يطعن فيه.
ومحمد بن همام هو محمد بن أبي بكر همام بن سهيل، وقد قال الشيخ عنه: جليل القدر، ثقة.
وعبد الله بن جعفر علم في الوثاقة، وتبقى المشكلة في الجماعة الذين يروي عنهم الشيخ، ويقوى احتمال الصحة نظراً لكونهم جماعة.
2- وفي الرواية التي بعدها حين يلتقي عبد الله بن جعفر بأبي عمرو عند أحمد بن إسحاق قال له:
إن هذا الشيخ - أحمد بن إسحاق - وهو عندنا الثقة المرضي حدثنا فيك بكيت وكيت - واقتص عليه ما تقدم - وأنت الآن ممن لا يشك في قوله وصدقه، فأسألك بحق الإمامين الذَيْن وثَّقاك هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان (عليه السلام)؟ فبكى ثم قال: على أن لا تخبر بذلك أحداً وأنا حي، قلت: نعم، قال: قد رأيته (عليه السلام) وعنقه هكذا... الخبر(26).
فها هو عبد الله بن جعفر على جلالته يقول اعتماداً على خبر أحمد بن إسحاق: أنت الآن ممن لا يُشك في قوله وصدقه.
3- روى الكليني بسند صحيح عن أحمد بن إسحاق أنه سأل أبا محمد الحسن بن علي فقال: من أعامل وعمَّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال (عليه السلام) له: «العمري (عثمان بن سعيد) وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك فعني يؤدِّيان..» الحديث(27).
4- محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رحمه الله) عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاكٍّ فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلّا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة فلم يك ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق الله (عزّ وجل) وهم الذين تقوم عليهم القيامة، ولكني أحببت أن أزداد يقيناً، وإن إبراهيم (عليه السلام) سأل ربَّه (عزّ وجل) أن يريه كيف يحيي الموتى، قال: أوَلَم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: من أعامل وعمَّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال له: «العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون».
وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال له: «العمري وابنه ثقتان فما أدَّيا إليك عنّي فعنّي يؤديان وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان»، فهذان قولا إمامين قد مضيا فيك.
قال: فخَرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى... الخبر(28).
والرواية صحيحة السند.
5- الشيخ الطوسي في الغيبة قال:
قال جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور، قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) نسأله عن الحجة من بعده وفي مجلسه أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا بن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني، فقال له: «اجلس يا عثمان»، فقام مغضباً ليخرج، فقال: «لا يخرجن أحد»، فلم يخرج منّا أحد إلى أن كان بعد ساعة فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على قدميه فقال: «أخبركم بما جئتم»؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله، فقال: «جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي»، قالوا: نعم، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام) فقال: «هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه»(29).
وجعفر بن محمد بن مالك قد وثّقه الطوسي وأحد من يروي عنهم وهو أحمد بن هلال ثقة أيضاً، ومجهولية علي بن بلال ومحمد بن معاوية والحسن بن أيوب لا تضر لأن أحمد بن هلال في عرضهم.
6- روى الشيخ بإسناده عن عبد الله بن جعفر، قال: خرج التوقيع إلى الشيخ جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (قدس سره) في التعزية بأبيه (رضي الله عنه) وفيه: «أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رزيت ورزينا، وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله في منقلبه، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك، يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه، وأقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله (عزّ وجل) فيك وعندك وأعانك الله وقواك، وعضدك ووفقك، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً»(30).
ودلالتها واضحة على وثاقته ووثاقة أبيه.
وطريق الشيخ إليه تام، فقد قال الشيخ: أخبر بجميع كتبه (عبد الله بن جعفر) ورواياته الشيخ المفيد (رحمه الله) عن أبي جعفر بن بابويه عن أبيه ومحمد بن الحسن عنه، وهذا الطريق تام، قال: وأخبرنا بها ابن أبي جيد عن ابن الوليد عنه وهو تام أيضاً إلّا أن ابن أبي جيد يعدون حديثه صحيحاً أو حسناً.
ما ورد في الحسين بن روح (رحمه الله):
هنا جملة من الشواهد مما ورد في السفير الثالث مما يدعم ما هو متسالم من وثاقته وسفارته للإمام (عجّل الله فرجه).
ولكن لم يرد نص مباشر من المعصومين (عليهم السلام) بتوثيقه بالخصوص، لا هو ولا السمري (رضوان الله عليهما)(31) لأنهما لم يكونا في زمن الحضور بخلاف العمريين فقد عاصرا الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وعاصر الأب الإمام الهادي (عليه السلام) أيضاً. نعم، أدلة اختيارهما للسفارة وأن ذلك كان بأمر الإمام (عجّل الله فرجه) يدل بالالتزام على الوثاقة.
ومن الشواهد ما ورد:
في غيبة الطوسي، أخبرني الحيسن بن عبيد الله عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داوود القمي عن أبي علي بن همام قال: أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح يسأله أن يباهله وقال: أنا صاحب الرجل وقد أمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً فباهلني، فأنفذ إليه الشيخ في جواب ذلك: أيّنا تقدم صاحبه فهو المخصوم، فتقدم العزاقري فقتل وصلب وأُخذ معه ابن أبي عون في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة(32).
والرواية صحيحة سنداً، فالحسين بن عبيد الله هو ابن الغضائري، ومحمد بن أحمد جليل القدر، شيخ القميين في وقته، وأبو علي بن همام هو محمد بن همام البغدادي جليل القدر أيضاً، عظيم المنزلة.
وقد كان الحسين بن روح بمنزلة حتّى أن الصدوق الأب كان يكتب له أن يسأل الناحية المقدسة.
فقد روى الشيخ الطوسي عن ابن نوح قوله: وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سَوَرة القمي حين قدم علينا حاجاً، قال: حدثني علي بن الحسن بن يوسف الصائغ القمي ومحمد بن أحمد بن محمد الصيرفي المعروف بابن الدلال وغيرهما من مشايخ أهل قم: أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمّه محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولداً، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) أن يسأل الحضرة أن يدعو الله أن يرزقه أولاد فقهاء، فجاء الجواب: «إنك لا ترزق من هذه، وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين» الخبر(33).
قال السيد الخوئي في معجم رجاله بعد إيراد هذه الرواية: يظهر من الرواية الأخيرة أن قصة ولادة محمد بن علي بن الحسين بدعاء الإمام (عجّل الله فرجه) أمر مستفيض معروف متسالم عليه... إلى آخر كلامه.
وروى الصدوق في كمال الدين عن محمد بن علي الأسود (رحمه الله) قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رحمه الله) بعد موت محمد بن عثمان العمري أن أسأل أبا القاسم الروحي (رحمه الله) أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أن يدعو الله أن يرزقه ولداً ذكراً، قال: فسألته، فأنهى ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد... الخبر.
وليس في سندها إلّا محمد بن علي الأسود وقد ترحَّم عليه الشيخ الصدوق وترضّى عليه، فتكون الرواية تامة سنداً.
تسالم الطائفة على وثاقة السفراء:
لقد كانت وثاقة السفراء وجلالة قدرهم وعظم منزلتهم أمراً متسالم عليه بين علماء الطائفة ولم يقبل ذلك أي تشكيك من أهل الفن والاختصاص.
ورد في الغيبة للشيخ الطوسي:
وكانت توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد (عليه السلام) بالأمر والنهي والأجوبة عمّا تسأل الشيعة عنه، إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن (عليه السلام)، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد (رحمه الله) وغسّله ابنه أبو جعفر وتولّى القيام به وحصل الأمر كله مردوداً إليه والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته لما تقدّم من النص عليه بالأمانة والعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (عليه السلام) وبعد موته في حياة أبيه عثمان (رحمه الله)(34).
وفي الاحتجاج: أمّا الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمن الغيبة، فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري نصبه أولاً أبو الحسن علي بن محمد العسكري، ثم ابنه أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان (عليه السلام) وكانت توقيعات وجوابات المسائل تخرج على يديه.
فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك، فلما مضى قام بذلك أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت، فلما مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري، ولم يقم أحد منهم بذلك إلّا بنص عليه من قبل صاحب الأمر (عليه السلام) ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، فلم تقبل الشيعة قولهم إلّا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر (عليه السلام) تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم(35).
وورد في خاتمة الوسائل في الفائدة السابعة:
وأمّا الجماعة الذين وثَّقهم الأئمة (عليهم السلام) وأثنوا عليهم، وأمروا بالرجوع إليهم، والعمل برواياتهم ونصبوهم وكلاء، وجعلوهم مرجعاً للشيعة فهم كثيرون، ونحن نذكر جملة منهم، وأكثرهم مذكور في كتاب الغيبة للشيخ، وقد تقدَّم بعضهم في القضاء، ويأتي جملة أخرى منهم.
فمن أجلّائهم وعظمائهم محمد بن عثمان العمري وعثمان بن سعيد العمري، والحسين بن روح النوبختي وعلي بن محمد السمري... إلى آخر كلامه.
وقال الشيخ الحائري في منتهى المقال بحق العمريين:
(حالهما في العظمة والجلالة والثقة أظهر من أن يحتاج إلى بيان)(36).
وقال المامقاني بحق عثمان بن سعيد: (جلالة شأن الرجل وعلو قدره ومنزلته في الإمامية أشهر من أن يحتاج إلى بيان وإقامة برهان)(37).
وفي غيبة الطوسي قال أبو العباس وأخبرني هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) عن شيوخه قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد (رحمه الله) وغسله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان وتولى القيام به وجعل الأمر كله مردوداً إليه، والشيعة مجمعة على عدالته وثقته وأمانته لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (عليه السلام) وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد، لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بأمانته، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمات طول حياته بالخط الذي كان يخرج في حياة أبيه عثمان، لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ولا يرجع إلى أحد سواه، وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ومعجزات الإمام [التي] ظهرت على يده، وأمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة... إلى آخر كلامه(38).
وأبو العباس هو أحمد بن علي بن نوح وهو من مشايخ النجاشي وهو ثقة، وهبة الله هو هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب المعروف بابن برينة. وقد ذكر السيد الخوئي في معجم رجاله عن النجاشي أنه رأى أبا العباس بن نوح قد عول عليه في كتابه أخبار الوكلاء وكان هذا الرجل كثير الزيارات وآخر زيارة حضرها معنا - كما قال النجاشي - يوم الغدير سنة أربعمائة بمشهد أمير المؤمنين (عليه السلام)(39).
كلمات الرجاليين في حق السفير الثالث (رحمه الله):
قال الشيخ الطوسي في مدح الحسين بن روح (رحمه الله): وكان أبو القاسم من أعقل الناس عند المخالف والموافق ويستعمل التقية فروى أبو نصر هبة الله بن محمد، قال: حدثني أبو عبد الله بن غالب وأبو الحسن بن أبي الطيب قالا: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح(40).
وقال ابن حجر العسقلاني في ترجمته: أحد رؤساء الشيعة في خلافة المقتدر، وله وقائع في ذلك مع الوزراء... إلى أن قال: وإنه كان كثير الجلالة في بغداد(41).
وقال السيد الخوئي:
الحسين بن روح النوبختي أبو القاسم هو أحد السفراء والنواب الخاصة للإمام الثاني عشر وشهرته وجلالته وعظمته أغنتنا عن الإطالة في شأنه(42).
كلمات الرجاليين في حق السفير الرابع (رحمه الله):
لقد اتفقت كلمة أصحاب التراجم على وثاقة وجلالة أبي الحسن علي من محمد السمري.
فقد قال الحائري في منتهى مقاله:
علي بن محمد السمري من السفراء والنواب وجلالته تغني عن التعرض لحاله(43).
وقال الأصفهاني في ثقات الرجال:
رابع السفراء والنواب الأربعة للإمام الثاني عشر المنتظر الحجة بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه)... إلى أن قال: فكفى في وثاقته وجلالة شأنه وعلو منزلته أنه منصوب من قبله (عليه السلام) بعنوان الخاص(44).
وقال المامقاني فيه:
هو السفير بعد أبي القاسم بن روح، وثقته وجلالته أشهر من أن تذكر وأظهر من أن تحرز فهو كالشمس لا يحتاج إلى بيان نوره بالحسن(45).
سكوت متقدِّمي الرجاليين لا يسبب مغمزاً:
إن من اللافت أن بعض الأعاظم من الرواة لم يتعرض لهم متقدمو الرجاليين بجرح أو تعديل ومن أمثلة ذلك السفراء الأربعة أو بعضهم في الحد الأدنى، إلّا أنَّ ذلك لا يعني الجهالة في حال هؤلاء الأعاظم، إذ بعض الرواة يكون بدرجة من عظم المنزلة بحيث يصبح توثيقه من نقل القول وتحصيل الحاصل، فالشمس الساطعة في نهار الأرض لا يحتاج إثباتها إلى دليل. وهكذا الحال في جملة من الأعاظم، وهكذا استدل البعض على وثاقة بعض المسكوت عن توثيقهم في التراجم، كالقاسم بن عروة الذي استدل الميرزا جواد التبريزي في درسه على وثاقته بذلك، إذ نفس نقل عدد من أكابر الرواة عنه مع سكوت الرجاليين عن التعرض لتوثيقه قد اعتبره دليلاً على وثاقته، وسكوت بعض مؤسسي علم الجرح والتعديل عن وثاقة السفراء الأربعة مع تداول مسألة سفارتهم بهذا المقدار من الاتساع لدليل واضح على أنهم فوق كل مغمز وأعظم من أن ينالوا بجرح في وثاقة النقل، وكفى بذلك شاهداً على الوثاقة.
عدم معرفة خط الإمام (عجّل الله فرجه) لا يمنع من الجزم بخروج التوقيع عنه:
ومن الشبهات التي تلقى في هذه الأيام فيما يرجع إلى توقيعات الإمام (عجّل الله فرجه) أنه لا يوجد شخص اطَّلع على خط الإمام (عجّل الله فرجه) ليعرف أنها خرجت منه، فقد تكون تلك رسائل من غيره وتنسب إليه.
وما أعجب مثل هذه الترَّهات، خصوصاً من منتسب إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ولنبدأ أولاً بالروايات التي دلَّت على أن خطّه (عجّل الله فرجه) كان معروفاً.
أخبرني جماعة عن هارون بن موسى عن محمد بن همام قال: قال لي عبد الله بن جعفر الحميري: لما مضى أبو عمرو (رضي الله عنه) أتتنا الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به بإقامة أبي جعفر (رضي الله عنه) مقامه(46).
أخبرنا جماعة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وأبي محمد التلعكبري كلهم عن محمد بن يعقوب عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فوقع التوقيع بخط مولانا صاحب الدار، وأمّا محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي(47).
وظاهر الرواية أن إسحاق بن يعقوب كان يعرف خط الإمام (عجّل الله فرجه)، كما أن جهالة الجماعة الذين رووا عن جعفر بن محمد بن قولويه قد لا تمنع من الاستناد إلى هذه الرواية، وذلك:
أولاً: لأنهم جماعة، فيقوى بحساب الاحتمال صدق أحدهم.
وثانياً: رووا عن ثلاثة، وظاهر السند أن الجماعة كلهم رووا عن الثلاثة ويبعد أن يكذب الجميع من خلال نسبة الخبر إلى الثلاثة كلهم.
وثالثاً: أن مضمون الرواية قد ورد في روايات معتبرة، ومن البعيد أن يتفق الثلاثة على الكذب في خصوص كلمة (بخط مولانا) ولا أثر كبيراً يترتب على ذلك - أي على قولهم مولانا - ليقال: إن هناك ما دعا الجميع إلى إضافة هذه الكلمة عند وضعهم للرواية على فرض ذلك - إذ كأنه قال: فخرج التوقيع إذ كان الأتباع يفهمون أن المراد خط الإمام (عجّل الله فرجه).
وإسحاق بن يعقوب قد روى الكشي توقيعاً يتضمن مدحه.
وذكر أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد أن أبا جعفر العمري (رحمه الله) مات في سنة (304هـ) وأنه كان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة، فيحمل الناس إليه أموالهم، ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن (عليه السلام) إليهم بالمهمات في أمر الدين والدنيا وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة (رضي الله عنه وأرضاه)(48).
وأبو نصر وإن لم ينص على توثيقه لكن ذكر النجاشي أن أبا العباس بن نوح قد عول عليه في كتابه أخبار الوكلاء وكان هذا الرجل كثير الزيارات...(49).
وكيف كان فالرواية صريحة في معرفتهم بالخط الذي كان يخرج التوقيع به.
ثم أية حاجة إلى معرفة خط الإمام (عجّل الله فرجه) لنقبل توقيعه؟ وهل سجَّل الرواة فيما سبق أصوات الأئمة (عليهم السلام) وأسمعوها للناس الذين كانوا يعرفون صوت الإمام (عليه السلام) لأجل أن يقبلوها؟ ما لكم كيف تحكمون؟ إن مجرد وثاقة الطريق كافية للاعتماد، بل لم تكتف الناس بالوثاقة فقط حتّى قطعوا الشك باليقين. وقد قال الطبرسي في الاحتجاج:
(فلم تقبل الشيعة قولهم إلّا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم، من قبل صاحب الأمر (عليه السلام) تدل على صدق مقالتهم وصحة نيابتهم)(50).
وهذا ما يحتاج إلى بيان مقدمته ومآله.
إن ميزة الإنسان التي أهَّلته للاستخلاف في الأرض دون سواه من المخلوقات بما في ذلك الملائكة تتمثل في قابليته للتعلم، ومن هنا حين أراد الله تعالى أن يرفع منشأ التساؤل والشك في نفوس الملائكة عند تساؤلهم عن الحكمة في اختياره دونهم لهذه المسؤولية الكبرى أظهر لهم من خلال موقف عملي قابلية الإنسان للتعلم بعد أن علَّمه الأسماء كلها، ولم يقع بعد ذلك تساؤل منهم إذ ارتفع المنشأ.
ويبقى سعي الإنسان للاستزادة المعرفية ملازماً له إلى آخر لحظة في عمره، إذ إن الله تبارك وتعالى قد أعمل التكوين من خلال خلقة هذا النوع متَّصفاً بحب الاطِّلاع لأن ذلك عنصر أساسي في عملية ارتقائه وتكامله، الذي هو غاية لخلقته.
ولما كانت المعرفة أسيرة البرهان والاستدلال في أغلب الحالات، كان الشارع المقدس يحث على التفكر والتدبر والسعي لطلب العلم، والإشادة بالعلماء والمتعلمين.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ (الزمر: 9).
﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ﴾ (المجادلة: 11).
وكان مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء، والملائكة تخفض أجنحتها لطالب العلم، ومن هنا أيضاً تكفل الله تعالى تهيئة ما يوصل الناس إلى المعتقد الحق.
﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْأَفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصِّلت: 53).
ومن هنا أيضاً كان حقاً للناس على الأنبياء أن يأتوهم بالآيات والبيِّنات والشواهد التي لا تقبل الشك على صدق مدَّعاهم.
﴿تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ﴾ (الأعراف: 101).
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُوهُمْ بِالْبَيِّناتِ﴾ (الروم: 47).
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ﴾ (الحديد: 25).
لا يقبل في الإيمان إلّا ما كان مبتنياً على رؤية واضحة وبرهان مبين، وما سواه يكون مورداً للسؤال والمؤاخذة.
﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ (يونس: 68).
﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الإسراء: 36).
لقد شق الله تعالى البحر وأنطق عيسى (عليه السلام) في المهد صبياً ومُنعت النار عن حرق إبراهيم (عليه السلام) وسخرت الرياح غدوّها شهر ورواحها شهر لسليمان (عليه السلام) ورفع الجبل فوق بني إسرائيل كأنه ظلّة، ودعيت الشجرة فجاءت تحذ الأرض سعياً للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وغير ذلك من مئات المعاجز التي جاء بها الأنبياء (عليهم السلام) للبشر، لأن الله تعالى لم يرد من الناس أن يؤمنوا دون برهان واضح ودليل بيِّن. فهل تراه تعالى يريد منّا الاعتقاد بممثل للإمام وسفير له في خلقه دون أن يفتح للناس باب طلب ما يمكن أن يكون فيصلاً في إثبات حقّانية الدعوى أو زيفها؟ خصوصاً والمسألة مما يكثر فيها الادِّعاء من طلاب الدنيا والمورد مورد مغمز للمشككين.
إن مجرد نقل خبر أو حادثة قد لا يحتاج أكثر من الوثاقة وتلك حالة نعيش تطبيقاتها في كل يوم تقريباً وجرت عليها طريقة العقلاء وارتضاها الشارع المقدس في التعامل مع ما ينسب إليه حين أمضى هذه السيرة ولم يردع عنها، وقد قال جمع من علمائنا بدلالة الآية الشريفة ﴿إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ (الحجرات: 6) على حجية خبر العادل وربما عمَّم ذلك إلى كل ثقة.
ولكن في الأمور العظيمة لا يكتفى بمجرد الوثاقة. ولذا لم يقبل الناس بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمجرد وثاقته مع أنهم كانوا يعرفونه بصفة الصادق الأمين. بل يمكن تعميم ذلك إلى كل الأنبياء (عليهم السلام) حيث إنّا نعتقد بعصمتهم حتّى في فترة ما قبل النبوة مما يعني بحسب العادة ثبوت الوثاقة والصدق والأمانة في النقل عند من يعرفهم، ومع ذلك لم تكتف الناس بذلك حتّى جاءتهم المعجزات، بل لم يكلّفهم الله تعالى بالإيمان إلّا بعد البرهان القاطع، إذ كان الإرسال بالآيات.
بل لم يقتصر الشارع المقدس في نبوّات الأنبياء ووصاية الأوصياء على بلاغ وإعلام من نبي ثبتت نبوّته أو إخبار من وصي قام الدليل القطعي على كونه وصياً.
وهكذا هي السفارة، نعم لا يعتبر أن يأتي هو بمعجزة بل يكفي أن يأتي معه برهان على ذلك ولو كان الذي أتى به هو الإمام (عجّل الله فرجه)، وهذا ما حدث كثيراً حين كان السفير ينقل إلى الناس بعض ما يخفى على عامّتهم، وقد يكون بعض ما يقوله لهم مما كان شاهداً على صدق سفارته تفصيلاً أخذه من الإمام (عجّل الله فرجه).
وبعض هذه الإخبارات وإن لم تكن بمثابة الدليل البرهاني القاطع.
إلّا أن ما كان في السفراء قد يشكِّل موجباً للاطمئنان عند الكثير من الناس أولاً، وثانياً أنه لم يقتصر عليه بل أضيفت له وثاقتهم المشهود عليها حتّى من الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وعدم الخطأ في النقل: «ما أدّيا إليك فعنِّي يؤديان»(51). وخط الإمام (عجّل الله فرجه) الذي يعرفه خواصهم حيث كانت الكتب تخرج به، وعدم كونهم ذوي قرابة مع بعضهم إلّا السفير الأول والثاني، وإخبار الرابع منهم أنه آخر هذه السلسلة، وغير ذلك من الشواهد والدلائل التي يجزم من خلالها بأنهم لم يحكوا من أنفسهم وإنما كانوا واسطة بين الإمام المعصوم (عليه السلام) وشيعته، فهي كانت بمثابة التمهيد لسدّ باب التواصل ولو بالواسطة مع الإمام الغائب (عجّل الله فرجه).
وقد كانت الشيعة تطالب المدّعين - عندما يشكون فيهم - بالأشياء الخارقة للتمييز بين دعوى الحق وفرية الباطل، وفي الرواية:
أخبرنا الحسين بن إبراهيم، عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: لمّا أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلّاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له أنّ أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي (رضي الله عنه) ممَّن تجوز عليه مخرقته وتتم عليه حيلته، فوجَّه إليه يستدعيه، وظنَّ أنَّ أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقد رأى(52) يستجره إليه فيتمخرق ويتسوف بانقياده على غيره، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إياه: إني وكيل صاحب الزمان (عليه السلام) - وبهذا أولاً كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره - وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك، ولا ترتاب بهذا الأمر.
فأرسل إليه أبو سهل (رضي الله عنه) يقول له: إني أسألك أمراً يسيراً يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن، ولي منهن عدة أتخطاهن والشيب يبعدني عنهن وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة، وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك، وإلّا انكشف أمري عندهن، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإني طوع يديك، وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.
فلما سمع ذلك الحلّاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً، ولم يرسل إليه رسولاً، وصيّره أبو سهل (رضي الله عنه) أحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه(53).
وفي رواية عن كمال الدين، قال: حدثنا أبو الأديان...
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (صلوات الله عليه) فعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلّموا عليه وعزّوه وهنّأوه وقالوا: معنا كتب ومال، فتقول ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب. قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطلسة، فدفعوا الكتب والمال، وقالوا: الذي وجه بك لأجل ذلك هو الإمام(54).
في أخرى لمّا قُبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) وَفَدَ من قم والجبال وفودٌ بالأموال التي كانت تحمل على الرسم، ولم يكن عندهم خبر وفاته (عليه السلام)، فلمّا أن وصلوا إلى سُرّ من رأى سألوا عن سيدنا الحسن بن علي (عليهما السلام) فقيل لهم: إنه قد فُقِد، قالوا: فمن وارثه؟
قالوا: أخوه جعفر بن علي، فسألوا عنه، فقيل لهم: قد خرج متنزهاً وركب زورقاً في الدجلة يشرب ومعه المغنون.
قال: فتشاور القوم وقالوا: ليست هذه صفات الإمام. وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا لنرد هذه الأموال على أصحابها، فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره على الصحة.
قال: فلمّا انصرف دخلوا عليه فسلموا عليه وقالوا: يا سيدنا نحن قوم من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها، وكنّا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) الأموال، فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا. قال: احملوها إليّ، قالوا: إن لهذه الأموال خبراً طريفاً. فقال: وما هو؟ قالوا: إن هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليها، وكنّا إذا وردنا بالمال قال سيدنا أبو محمد (عليه السلام): «جملة المال كذا وكذا ديناراً، من فلان كذا، ومن فلان كذا»، حتّى يأتي على أسماء الناس كلهم ويقول ما على الخواتيم من نقش، فقال جعفر: كذبتم، تقولون على أخي ما لم يفعله، هذا علم الغيب... الخبر(55).
وهناك موارد عديدة كانت تظهر دلائل الصدق وشواهد الحق من دون سعي للاختبار من قبل السائل، كان يخبره السفير أو الوكيل بما أضمره في نفسه أو يأتي الجواب في رقعته التي طلبها مع الإشارة إلى شيء مما يثبت أن من جاء بالرقعة لم يأت بها من نفسه.
أو يخبره عن شيء سيحصل له في قادم الأيام أو يدعو له بأمر فيُقضى.
وما أكثر ما ذكرته الروايات في ذلك، ومثاله:
ما رواه الصدوق في كمال الدين عن محمد بن علي الأسود (رحمه الله) قال: سألني علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) بعد موت محمد بن عثمان العمري أن أسأل أبا القاسم الروحي (رحمه الله) أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) أن يدعو الله أن يرزقه ولداً ذَكَراً، قال: فسألته فأنهى ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد.
قال أبو جعفر محمد بن علي الأسود: وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن أرزق ولداً ذَكَراً، فلم يجبني إليه، وقال: ليس إلى هذا سبيل، قال: فولد لعلي بن الحسين (رحمه الله) تلك السنة ابنه محمد وبعده أولاد ولم يولد لي(56).
والرواية تامة سنداً، إذ ليس في سندها إلّا محمد بن علي الأسود، ويكفي لقبول روايته ترضّي الصدوق عليه، ومحل الاستشهاد بالرواية إخبار الصدوق الأب أنه سيرزق ولداً مباركاً ينفع الله به وبعده أولاد.
ومثاله الآخر:
ما رواه الصدوق عن شيخه الحسين بن علي بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي، قال: كنت ببخارى فدفع إليّ المعروف بابن جاوشير سبائك ذهب وأمرني أن أسلمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه)، فحملتها معي.
فلمّا بلغت آموية - وهو نهر يجري بين خراسان وتركستان قريباً من خوارزم - ضاعت مني سبيكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك حتّى دخلت مدينة السلام، فأخرجت السبائك لأسلمها فوجدتها ناقصة واحدة منها، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلى التسع سبائك، ثم دخلت على الشيخ أبي القاسم الروحي (قدس الله روحه)، ووضعت السبائك بين يديه، فقال لي: خذ لك تلك السبيكة التي اشتريتها وأشار إليها بيده، فإن السبيكة التي ضيعتها قد وصلت إلينا، وهو ذا هي، ثم أخرج إليّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت مني بآموية، فنظرت إليها وعرفتها.
وقال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا (عليه السلام) من هو؟ فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها، فدخلت عليه وأنا عنده، فقالت له: أيها الشيخ أي شيء معي؟ فقال: ما معك فألقيه في دجلة ثم ائتيني حتّى أخبرك، قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في دجلة، ثم رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي (قدس الله روحه) فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إلي الحق، فأخرجت إليه حُقة فقال للمرأة: هذه الحُقة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة أخبرك بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت، فقال: في هذه الحقة زوج سوار ذهب، وحلقة كبيرة فيها جوهرة، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر، وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق. فكان الأمر كما ذكر، لم يغادر منه شيئاً. ثم فتح الحقة، فعرض عليَّ ما فيها فنظرت المرأة إليه، فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة، فغشي علي وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة(57).
وليس في السند إلّا الحسين بن علي بن محمد القمي وهو شيخ الصدوق.
ونكتفي بهذا المقدار لأننا لسنا بصدد الاستقصاء وجمع كل الشواهد على ذلك، وهذه الرواية الأخيرة وإن كانت المرأة بصدد الاختبار، إلّا أن السفير الثالث أظهر صدق محله بالإتيان بشيء آخر أكثر مما طلبته.
الهوامش:
(1) إن هارون العباسي خلع على علي بن يقطين دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب، فأنفذها علي [بن يقطين] إلى [الإمام] موسى بن جعفر (عليه السلام) مع مال كثير، فرد الدراعة إلى علي بن يقطين، وقال احتفظ بها فإنك تحتاج إليها. فبعد أيام صرف علي بن يقطين خاصاً له عن خدمته [وكان] يعرف ميله إلى موسى (عليه السلام) فسعى به إلى الرشيد، فقال: إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر، وقد بعث بتلك الدراعة إليه، فغضب الرشيد [من ذلك]، فقال: لأكشفن عن ذلك، فأحضر علي بن يقطين وقال: ما فعلت بالدراعة التي كسوتك [بها]؟ قال: هي عندي في سفط، قال: أحضرها، فقال لغلامه: امض إلى داري وخذ السفط الذي في [الصندوق في] البيت الفلاني بختمي فجئني به، [فمضى الغلام وأحضر السفط ففتحه] فنظر الرشيد إلى الدراعة، فسكن من غضبه، وأعطاه جائزة أخرى وضرب الساعي حتّى مات.
وروي أن علي بن يقطين كتب إلى [الإمام] موسى بن جعفر (عليه السلام): اختلف في (المسح على الرجلين) فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت، فكتب أبو الحسن (عليه السلام): «الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثاً وتخلل شعر لحيتك، وتغسل يديك ثلاثاً وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك ثلاثاً، ولا تخالف ذلك إلى غيره»، فامتثل أمره وعمل عليه، فقال الرشيد [يوماً]: أحب أن أستبرئ أمر علي بن يقطين، فإنهم يقولون إنه رافضي والرافضة يخففون في الوضوء، [فطلبه] فناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة، فوقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، وقد بعث إليه بالماء للوضوء، فتوضّأ كما أمره موسى (عليه السلام)، فقام الرشيد وقال: كذب من زعم أنك رافضي، فورد على علي بن يقطين [بعد ذلك] كتاب موسى بن جعفر (عليه السلام): «من الآن توضّأ كما أمر الله، اغسل وجهك مرة فريضة، وأخرى إسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما يخاف عليك».
وقبله نقل في الخرائج والجرائح: ج1، ص334-336، ف2، ح25 و26.
(2) أصول الكافي: ج1، ص525.
(3) أصول الكافي: ج1، ص520.
(4) غيبة الطوسي: 284، رقم244.
(5) غيبة الطوسي: 384، رقم347.
(6) بحار الأنوار: ج51، ص357، نقلاً عن غيبة الطوسي: ص386، رقم349.
(7) غيبة الطوسي: 302، رقم256.
(8) السفتجة: قيل بضم السين وقيل بفتحها، وأمّا التاء فمفتوحة فيهما فارسي معرب، وفسَّرها بعضهم فقال: هي كتاب صاحب المال لوكيله أن يدفع مالاً قراضاً يأمن به خطر الطريق. [مجمع البحرين]
وفي القاموس السفتجة كقرطقة أن تعطي مالاً لآخر وللآخر مال في بلد المعطي فيوفيه إياه ثم، فيستفيد أمن الطريق.
(9) الكافي: ج1، ص521.
(10) الإرشاد: ج2، ص364.
(11) بحار الأنوار: ج51، ص300.
(12) بحار الأنوار: ج51، ص295-296.
(13) كمال الدين: ج2، ص488، باب ذكر التوقيعات، ح11.
(14) أصول الكافي: ج1، ص525.
(15) غيبة الطوسي: ص284، رقم244.
(16) كمال الدين: ج2، ح442.
(17) كمال الدين: ج2، ح444.
(18) ج2، باب ذكر التوقيعات، ح20.
(19) غيبة الطوسي: رقم368.
(20) غيبة الطوسي: ص397، رقم368.
(21) غيبة الطوسي: ج1، ص397.
(22) قال الكشي علي بن محمد بن قتيبة: قال حدثني أبو حامد المراغي، قال: ورد على القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال، وكان ابتداء ذلك أن كتب (عليه السلام) إلى نوابه (قوامه) بالعراق: «احذروا الصوفي المتصنع». قال: وكان من شأن أحمد بن هلال أنه قد حج أربعاً وخمسين حجة، عشرون منها على قدميه، قال: وقد كان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه، فأنكروا ما ورد في مذمَّته، فحملوا القاسم بن العلاء على أن يراجع في أمره، فخرج إليه: «قد كان أمرنا نفذ إليه في المتصنع ابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت ولم يزل - لا غفر الله له ذنبه ولا أقاله عثرته - يداخل في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضى يستبد برأيه، فيتحامى من ديوننا (من ذنوبه) لا يمضي من أمرنا إياه إلّا بما يهواه ويريده أرداه الله بذلك في نار جهنم، فصبرنا عليه حتّى بتر الله بدعوتنا عمره، وكنا قد عرفنا خبره قوماً من موالينا في أيامه - لا رحمه الله - وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخاص من موالينا، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال - لا رحمه الله ولا من لا يبرأ منه - وأعلِم الإسحاقي - سلَّمه الله - وأهل بيته مما أعلمناك من حال هذا الفاجر، وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين، ومن كان يستحق أن يطلع على ذلك، فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روى عنا ثقاتنا...».
قال: وقال أبو حامد: فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه، فعاودوه فيه، فخرج «لا أشكر الله قدره، لم يدع المرء ربه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه، وأن يجعل ما من به عليه مستقراً ولا يجعله مستودعاً، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان - عليه لعنة الله - وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله والحمد لله لا شريك له وصلى الله على محمد وآله وسلم» [معجم رجال الحديث: ج2، ص356-357].
(23) والتوقيع الذي خرج بلعنه مع آخرين كان على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) ونسخته «عرِّف - أطال الله بقاءك وعرَّفك الله الخير كله وختم به عملك - من تثق بدينه وتسكن إلى نيَّته من إخواننا أدام الله سعادتهم بأن (محمد بن علي المعروف بالشلمغاني) عجل الله له النقمة ولا أمهله قد ارتد عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادّعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً، وإنّا برئنا إلى الله تعالى ورسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعنّاه عليه لعائن الله تترى، في الظاهر منا والباطن، في السر والجهر وفي كل وقت وعلى كل حال وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منّا فأقام على متولاه بعده.
أعلمهم تولّاك الله أننا في التوخي والمحاذرة منه على مثل ما كنّا عليه ممن تقدّمه من نظرائه من (السريعي والنميري والهلالي والبلالي) وغيرهم. وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة وبه نثق وإياه نستعين وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل» [الاحتجاج: ج2، ص296].
(24) الكافي: ج1، ص172-174.
(25) غيبة الطوسي: 315.
(26) غيبة الطوسي: ح316.
(27) الكافي: ج1، باب في تسمية من رآه.
(28) الكافي: ج1، ص329-330.
(29) غيبة الطوسي: رقم319.
(30) غيبة الطوسي: في ذكر السفراء الممدوحين: ح9.
(31) نعم ورد نص من المعصوم في حق السمري لكن زمان خروجه في عام (305هـ) في شهر متأخر عن رحيل السفير الثاني مما يعني أن التوقيع قد خرج على يد السفير الثالث نفسه، ولا يمكن الاستناد إليه لإثبات الوثاقة لاستلزام ذلك الدور.
(32) غيبة الطوسي: 307، رقم258.
(33) الغيبة للطوسي: 309، رقم362.
(34) الغيبة: 356-357، رقم 318.
(35) الاحتجاج: ج2، ص553.
(36) منتهى المقال: ج6، ص108.
(37) تنقيح المقال: ج3، ص149.
(38) بحار الأنوار: ج51، ص350.
(39) معجم رجال الحديث: ج19، ص252.
(40) غيبة الطوسي: ص384.
(41) لسان الميزان: ج3، ص283.
(42) معجم رجال الحديث.
(43) ج5، ص57.
(44) ثقات الرواة: ج3، ص60.
(45) تنقيح المقال: ج2، ص305.
(46) غيبة الطوسي: ص362، رقم324.
(47) غيبة الطوسي: ص362، رقم326.
(48) غيبة الطوسي: ص366، رقم334.
(49) رجال النجاشي.
(50) الاحتجاج: ج2، ص533، ح348.
(51) الغيبة - الشيخ الطوسي: ج١، ص٢٦٧.
(52) هكذا في البحار.
(53) غيبة الطوسي: ص401، ح376؛ البحار: ج51، ص369-370.
(54) بحار الأنوار: ج52، ص68.
(55) بحار الأنوار: ج52، ص47-48.
(56) كمال الدين: ج2، ص502، ب ذكر التوقيعات: ح31.
(57) كمال الدين: ج2، ص518، ذكر التوقيعات، ح47.