أُمِّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حقيقة ثابتة
أُمِّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حقيقة ثابتة
الشيخ نزيه محيي الدين
قضية أُمِّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وعدم تحقيقها جيداً، جعل الأعداء يدندنون حولها، ويدَّعون بأن هذه المرأة لا وجود لها، وقصتها خرافية، وأن القصة مدانة داخلياً، ويتوصلون من خلال (عدم العثور على الأب لأُم الإمام عليها وعليه السلام) بأن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أصلاً غير موجود وهو خرافة وما شابه ذلك من الانزلاقات عديمة العلم والأخلاق، والمصيبة أن هذه الدعاوى اعتقد فيها ضعفاء الشيعة أمثال (أحمد الكاتب).
لهذا قمنا بهذا التحقيق لإثبات صدق الرواية الشيعية، وأنه ليس بمستبعد ثبوتها كما ستراه في طيّات هذا البحث.
ومن خلال عمل جداول بيانات وترتيب الأزمان والأماكن لنجد الحل لهذه القصة ونرفع الغموض، ولنحصل:
أولاً: على الإمكانية الفعلية بلا إشكالات.
وثانياً: لنحاول أن نجد الأب أو الجد المحتمل لأُم إمامنا (عليها السلام)، لنعرف القصة بالشكل الصحيح.
فلهذا بحثنا المسألة من مبدأ الشك في كل معلومة، والانتقال إلى إثباتها.
أرقام ذات أهمية بالغة في هذا البحث:
1- ولادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (232هـ = 846م).
2- ولادة السيدة نرجس (عليها السلام) (مستفاد من رواية بشر بالاستنباط): (234هـ = 848م).
3- بلغت السيدة نرجس (عليها السلام) سن 13: (246-247هـ = 861م).
4- وصول السيدة نرجس (عليها السلام) لبغداد: (251هـ = 865م).
5- ولادة الإمام (عجّل الله فرجه): (15 شعبان 255هـ = 28 يوليو تموز 869م).
6- وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (8 ربيع الأول 260هـ = 31 ديسمبر 873م).
الرواية الأولى:
نبدأ بذكر الرواية الصحيحة السند عن الإمام العسكري (عليه السلام) عن هوية أُم الإمام (عجّل الله فرجه).
عن الفضل بن شاذان (رحمه الله)، عن محمد بن عبد الجبار قال: قلت لسيدي الحسن بن علي (عليه السلام): يا بن رسول الله جعلني الله فداك: أحب أن أعلم مَن الإمام وحجة الله على عباده من بعدك؟ فقال: «إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكنِيُّه، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه». قلت: ممن هو يا بن رسول الله؟ قال: «من ابنة ابن قيصر ملك الروم، ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة، ثم يظهر»(1).
وهذه الرواية الصحيحة تدل على ما يلي:
1- إن أُم الإمام ابنة ابن القيصر ملك الروم.
2- وهي أَمَة(2).
3- وإنها ستحمل وستلد.
4- وهذا النص بمجمله يدل على أنها مذخورة من الله تعالى لتكون حاملة مولانا الإمام (عجّل الله فرجه).
طبعاً يضاف لها ما في الرواية المضعفة(3) والتي سوف يأتي الحديث عنها من قبل بعض العلماء - والمعتبرة عند الغالب -، لوجود مجاهيل فيها، حيث أشارت إلى أن اسمها (مليكة) وأنها من ذرية شمعون الصفا من جهة أمها. وإنها أرغمت على الزواج من ابن أخي جدها في عمر (13 سنة) ودعي أعيان ووجهاء الروم وقادة البلد فحدث أن سقطت الصلبان وسقط عمود على خاطبها فأُغمي عليه ولكن الجد أصرَّ على إكمال العقد فدعا بأخيه ليزيل النحوسة وأمرهم بالاستعداد فتكرر الحدث وتفرَّق الناس، وفي تلك الليلة رأت مناماً فيه جدَّها شمعون والمسيح وعدة من الحواريين، ثم جاء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع فتية وعدة من بنيه، فيخطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الفتاة من شمعون لابنه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وتمَّت الموافقة وتمَّ العقد في المنام، ثم بعد مدة من الحادثة قرَّرت الهرب فهربت مع خدمها وجاءت إلى الحدود مع بلاد المسلمين، فأخذها الجند سبية وبيعت هي وجواريها في بغداد، وقد بعث الإمام الهادي (عليه السلام) على نخّاس أعطاه مبلغاً وأوصاف الفتاة فوجدها بعينها، وتوافقا على نفس المبلغ الذي سلَّمه الإمام (عليه السلام)، فاستلم الإمام (عليه السلام) الفتاة وسلَّمها للسيدة حكيمة (عليها السلام) أخته لتعلّمها أصول الإسلام وفروعه، ثم تزوَّجها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وولدت له الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
هذا مجمل رواية طويلة فيها مشاعر وقصص ومواقف ومشاهد(4).
والقصة في نظري معتبرة، إذ يكفي في توثيق الشيباني ارتضاء الصدوق والقميين لروايته رغم تشدّدهم. على أن دواعي الوضع هنا منتفية.
وقد ارتضى هذا المبنى الشيخ الأنصاري: قال في المكاسب(5): (... إلّا أن اعتماد القميين عليها - الرواية محل بحثه - وروايتهم لها، مع ما عُرف من حالهم لمن تتبعها من أنهم لا يخرجون في كتبهم رواية في راويها ضعف إلّا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابرٌ لضعفها في الجملة).
فهذا كافٍ في تصحيح قصة مليكة (عليها السلام) برواية بِشر النخّاس، فكيف إذا أضفنا إليه الصحيحة المتقدمة عن محمد بن عبد الجبار، وهي وحدها كافية لتصحيحها. ولكن ليس تصحيح التفصيلات إنما تصحيح أصل القصة بعناصرها التي قلناها في رواية الفضل بن شاذان عن محمد بن عبد الجبار.
ومن أجل مطابقة الواقع مع تحليل القصة، سواء بالرواية الصحيحة أو الضعيفة - التي تطابقها في الجوهر دون التفاصيل - فيجب أن نعرف بعض الأمور والمسارات في هذا البحث.
المسار الأول: أين أُسِرَت؟
وفيه قولان.
المسار الثاني: من هو القيصر في ذلك الوقت لنعرف هل هو جدُّها المفروض؟ وفيه أقوال متعددة.
المسار الأول: وفيه أقوال واحتمالات:
الأول: بعض المؤرخين كما وبعض الأخبار المتفرقة تقول إنها أُسِرت في أذربيجان.
الثاني: أنها جاءت من بلاد الروم، وقد فسَّرها كُتّاب إيران بأنها من (أرض روم) واشتبه آخرون بأنها من بلاد روما.
والتفصيل أن يُقال:
مسار أذربيجان:
وهذا يعني أنها جاءت من جهة روسيا وحواليها.
والجواب عن هذا القول: أن نقول بامتناع أن تكون مليكة (عليها السلام) روسية أو أوكرانية أو بلاروسية - بعد تحليل الرواية المتقدمة - ولأنَّه في تلك الفترة لا يوجد أصلاً قيصر في تلك المنطقة، وأول قيصر أعلن عن نفسه في روسيا القيصرية، وبيلاروسيا، وأوكرانيا، وجمهورية نوفغورود، هو القيصر روريك (منذ 862م)(6) وهذا الإعلان بعد حفل عرسها بأمر جدها بسنة، لأنها وُلدت سنة (848م) كما يذهب أغلب الباحثين وكان حفل زواجها بعمر (13 سنة) فيكون الحادث (سنة 861م) وهذا قبل إعلان (روريك) أنه قيصر في روسيا وتوابعها بسنة، وروريك هذا من الفايكنك من الدانمارك على الأغلب ولا تُعلم قصته الحقيقية.
وأمّا كيف أصبح ملكاً؟ فبعضهم يدّعي(7) بأن السلافيين في أوكرانيا وروسيا اختلفوا ودمروا بلاهم فاستدعوا رجلاً قوياً من الفايكنك ليضبط النظام في حدود سنة (855م) (والسيدة نرجس (عليها السلام) مولودة (سنة 848م) تقريباً، فيعني أنه دخل روسيا والسيدة نرجس مولودة في القصور الملكية. فكيف تصح نسبتها إليه؟).
وادّعى باحثون آخرون(8) بأنه كان مسيطراً على مجموعة أُجَراء (عُمّال) فايكنغ أقوياء فانقلبوا على مستأجريهم مستغلين فوضى الصراع السلافي فأخذوا يحتلّون البلدان بسرعة وعيَّن نفسه أميراً عليهم (سنة 855م) وتوفي (سنة 897م).
وتُصورَه الكتب التاريخية(9) كبدوي فايكنك ليس له صيت في قواعد الحكم ولا انضباط بيتياً ولا قواعد سلوك ملكي.
ثم أنه له ولد واحد طفل اسمه (إيغور) فلا يصح أن يكون والداً للسيدة نرجس (عليها السلام) ولا يصح أن يكون (روريك) جَدّاً لها، مع العلم أن مملكته لم تكن إمبراطورية حقيقية فعلية، وإنما من ثبّت الإمبراطورية فعلاً هو قريب (ريوريك) المعروف باسم (أوليغ النبوي أو العراف) وهو من أسس كييف(10)، وكان وصياً على (إيغور) بن (روريك) الطفل، فهو المؤسس الحقيقي للإمارة الروسية.
ويعتبر انتشار صيت أوليغ قد بدأ في (عام 882م) أي بعد وفاة (روريك) بثلاث سنين، واشتهر اسمه إقليمياً بعد أن غزا القسطنطينية (عام 907م) عن طريق البحر الأسود وخوّف البيزنطيين فمنحوه الهدايا والأموال واعتبر منتصراً (سنة 911م) وتوفي (سنة 912م) بعد عقد الصلح مع البيزنطيين.
وهذا زمن متأخر جداً عن زمن السيدة نرجس (عليها السلام). فلهذا لا يعتبر هذا الفرض ذا قيمة علمية، وأن أصل دعوى أنها أُسرت في أذربيجان لا صحة له لعدم وجود إمبراطورية حقيقية من تلك النواحي في زمن ولادة السيدة نرجس (عليها السلام) ولا زمن أسرها.
مسار أرض روم:
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن المملكة الإمبراطورية المحاددة والقريبة من بلاد المسلمين هي بيزنطة، فينبغي أن ينصرف الذهن لها، ولكن بعض الباحثين اعتقد أن كلمة رومية ومشتقاتها كالروم الواردة في الحديث تعني روما فهي إذن إيطالية من روما، وهذا الفهم غريب لأن المعروف أن رومية والروم في ذلك الوقت هم البيزنطيون، وكانت المناوشات مع الدولة العباسية مستمرة، وبلادهم اسمها أرض روم، فالوصول لروما في إيطاليا أمر بعيد جداً، وهناك اختلاف بين التسميتين فالبيزنطية اسمها الإمبراطورية الرومية أو الشرقية أو البيزنطية وهو الاسم الشائع، بينما روما اسمها الإمبراطورية الرومانية أو إمبراطورية روما، وكانت روما في تلك الفترة (840-867م) خاملة الذكر، بل حين استولى (باسيل)(11) المتوحش على حكم بيزنطة قام بحملات وأخضع روما لحكمه وحول أسواق إيطاليا إلى القسطنطينية، فكانت روما في أتعس حالتها في تلك الفترة بما لا يتناسب مع عظمة الدولة وحفل زواج الأميرة بهذا الحفل الكبير المنصوص في رواية بشر بن سليمان.
ثم لا يمكن أن تكون السيدة نرجس (عليها السلام) من إمبراطورية بلغاريا باعتبارها محاددة للإمبراطورية البيزنطية ولا تبعد كثيراً، لأن بلغاريا كانت غير مسيحية أصلاً، وكانت تحارب المسيحيين بعناد، وقيادتها وثنية، وقد أعلنت بلغاريا إيمانها بالمسيحية (سنة 864م) بينما كانت السيدة نرجس (عليها السلام) قد وصلت إلى بغداد حوالي (865م) بشكل تقريبي(12) ويقال إنَّ تنصرها كان بإخضاع البلغار لسلطة القيصر بارداس، فلا مجال للشك في ذلك ولا دخل للإمبراطورية البلغارية بأمر السيدة نرجس (عليها السلام) وهو احتمال مغلق.
فلا يبقى إذن إلّا أنها من قيادة الدولة البيزنطية فهي الإمبراطورية المحاددة المجاورة للدولة العباسية - التي ينطبق عليها في القصة المروية عن بشر بن سليمان النخاس - حيث إن جدها كانت له معارك مع المسلمين وعنده أسرى منهم، ومعلوم أن مكان تبادل الأسرى في زمن (ثيوفيلس العموري) و(تيدورا وبارادس) في منطقة حدود الصراع في آسيا الصغرى، وهي قرب مدينة عمورية شمال الإسكندرونة وجنوب غرب أنقرة عاصمة تركيا حالياً، حيث كانت المعارك هناك(13)،(14).
مخيّلات واهية:
قال البعض: إنَّ ما يناسب أن يكون جدها بالزمن هو:
1- (ثيوفيلس بن ميخائيل) (مايكل الثاني) بن جرجيس، وهو من أعظم قياصرة رومية أي دولة بيزنطة، ولكن ليس له ابن اسمه يشوعا، فبطل الفرض، وليس هناك شخص آخر لفرض صحة انتسابها له، فإذن قصة مليكة بنت يشوعا كذب في كذب(15).
والحقيقة أننا لم ندّعِ بأن (ثيوفيلس) جَدُّها، ولا يمكن أن يكون هو الذي في القصة إطلاقاً، لأن جَدَّها أمر بتزويجها وعمرها (13 سنة)، و(ثيوفيلس) مات قبل ولادتها بست سنوات تقريباً(16)، فهو توفي (سنة 842م) بينما السيدة مليكة ولدت بحدود (848م) وبعضهم احتمل (سنة 49م)، فلا يمكن أن يكون هو من أمر بالعرس وقد كان ميتاً قبل (19 سنة)(17).
2- القيصر الآخر والذي يحمل لقب قيصر هو ولد (ثيوفيلس) (قسطنطين) (كونستانتين) (833-835م) مات طفلاً كان يلقب رسمياً بالقيصر بطلب من القيصر (ثيوفيليس) ويبدو أنه بكر أبيه ولكنه مات بعمر (3 سنوات)(18) فهذا خارج تخصصاً فلا يمكن أن يكون جدَّها.
3- القيصر الثالث في نفس المدة هو ميخائيل الثالث ولد (سنة 840م) وكان عمره سنتين حين توفي والده وعين ملكاً ولقب بالقيصر، ولا يمكن أن يكون جد مليكة لأن عمره حين ولدت مليكة هو ثمان سنوات(19) فلا يصلح أن يكون والدها فكيف يكون جداً؟
4- في فترة طفولة ميخائيل كانت والدته (تيودورا) هي الوصية وكانت تدير الحكم مع مجلس وصاية مكون من (ثيوكتيستوس) وأخوتها (بارداس) و(بتروناس)، وقد أعادت الإيمان بالأيقونات وفرضت الأيقونات على الكنائس الرافضة بتحريض من (ثيوكتيستوس) الذي اتهمت به، وأقصت صلاحيات من كان يؤيد زوجها المتشدد ضد الأيقونات، بما فيهم أخوها (بارداس) معاديِ الأيقونات.
و(تيودورا) امرأة فلا يمكن أن تكون جدها وإن لقبت بالقيصرة والإمبراطورة. فلا تتماشى مع القصة. فهذا خارج تخصصاً عن القصة.
5- وهناك قيصر آخر كان يشارك الإمبراطورة (ثيودورا) اسمه (ثوكتيستوس)، لكن هذا قتل (سنة 856م) من قبل جماعة (بارداس) لخلافات كبيرة في قيادة الحكم البيزنطي، منها معركة عبادة التماثيل التي كان يدعو إليها (ثوكتيستوس) بينما يحرمها (بارداس)، وتاريخ وفاته قبل بلوغ السيدة نرجس (عليها السلام) عامها الثالث عشر بخمس سنين في عام (861م)(20) ولهذا فهو مستبعد كلياً.
6- بقي القيصر (بارداس) ولعله الاسم الأخير ممن تسمى بقيصر في تلك الفترة فلم يبلغنا إلّا هؤلاء مع شدة عناية مؤرخيهم بتفاصيل الألقاب في المملكة فحتّى الرضيع أحصوه حين لُقِّب بالإمبراطور، وقد استلم (بارداس) لقب القيصرية في نفس سنة بلوغ السيدة مليكة سن (13) أي سنة (861م) أو قبلها بسنة بناء على قول من قال إن ولادتها سنة (849م)(21).
فهل يمكن أن تنطبق عليه صفات الجد في قصة السيدة مليكة أو نرجس (عليها السلام)؟
الجواب عن هذا السؤال يمرّ عبر عرض خصائص الجد فإذا تطابقت فهو الجد إمكاناً وهو ما نبحثه، أو وقوعاً وهو أبعد مما نبحثه الآن. وإذا كانت الصفات موجودة في هذا الشخص فهو جدٌ محتملٌ وبطل استدلال النواصب بنفي قصة مليكة أُم الإمام المهدي (عليها السلام).
الخصائص التي رصدناها:
1- (بارداس) ولد (سنة 810) وهذا يعني أنه يمكن أن يكون جَدّاً لمولودة (سنة 848م) فإن عمره (38 سنة) وهم ممن عرفوا بالزواج المبكر جداً، فقد زوِّجت بنت أخته (تيودورا) واسمها ماريا رضيعة وتزوجت من القيصر (الكسوس موصيليا)(22) وكانت رضيعة وكان قيصراً على صقليا. فإذا كانوا يزوّجون الرضيعة فلا مشكلة بتزويج البنت في الثالثة عشرة وتزويج الولد في الرابعة عشرة سنة من عمره. فهذه أول عقبة أزيلت.
2- ذكرت رواية بِشر النخّاس قول السيدة أُم إمامنا (عجّل الله فرجه) قولها: «بلغ من ولوع جدّي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إليّ امرأة ترجمان له في الاختلاف إليّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية، حتّى استمر عليها لساني واستقام» وهذا النص يعني ولع جدّها بالعلوم، وهو نفس ما ذكر في ترجمته في الويكيبيديا (وكان الحاكم الفعّال للإمبراطورية البيزنطية لمدة عشر سنوات، وهي الفترة التي شهدت نجاحاً عسكرياً، وتجدد النشاط الدبلوماسي والبحثي، والإحياء الفكري الذي بشر بالنهضة المقدونية).
3- ذكرت رواية بِشر النخّاس: (قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعتِ في الأسر؟ فقالت: أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أن جدَّك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم، مع عدة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت، وما شعر أحد بي بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطِّلاعي إياك عليه. وقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته).
وهذا يعني أنه كان ممن غزا المسلمين، بينما قبله أخته (تيودورا) كانت قد سالمت العباسيين من (سنة 842م) إلى (سنة 855م) وكانت الأمور في غاية الهدوء ولكن (بارداس) أرجع الحروب مع العباسيين، وفي السنين (856 -866) شهدت مناوشات وانتصارات للروم على العباسيين بأمر (بارداس) وبقيادة أخيه المحبب إليه (بتروناس) وهنا يروي التاريخ قصة أنه في (سنة 863م) هجم العباسيون بالتحالف مع دولة مسيحية بولسية على البيزنطيين فوصلوا إلى ساحل البحر الأسود فبعث القيصر أخاه (بتروناس) فعكس انتصارات العباسيين في تلك المعركة الخاطفة إلى هزائم، وذكرت الـ(ويكيبيديا)(23) أن انتصارات (بتروناس) كانت أعظم الانتصارات للدولة البيزنطية خلال حروبها على دول المسلمين، بما ترجمته (بعد أن كان اختراقاً أعمق في الأراضي العربية من أي قائد بيزنطي منذ بداية الفتوحات الإسلامية، عاد منتصراً مع العديد من الأسرى).
وقد مات (بتروناس) والمعارك قائمة أواخر (سنة 865م) وهي نفس سنة دخول السيدة نرجس (عليها السلام) لبغداد بحسب الجداول الزمنية التي عَملتُها.
فإذن في ذلك الوقت كانت هناك معارك فعلاً. وهذا يصدق القصة بكونها استغلت المعركة ودخلت بلاد المسلمين وأسِّرَت. وكانت المعارك بين العباسيين والروم تدور في نواحي عمورية ولكن بين تقدم وتأخر فلا يعرف المكان بالدقة في سنة أَسْر أُم إمامنا (عجّل الله فرجه). ولكنه في خط المواجهة الذي دام طويلاً من (سنة 220هـ) الموافق (835 م) حين ابتدأ (ثيوفيلوس) الحرب في (زبطرة) و(ملطية)، وتوقفت المعارك بعد وفاة (ثيوفيلوس) المعروف بين العرب (توفيل بن ميخائيل) في عهد (تيودورا) في الفترة (842-855م) لأنها صالحت العباسيين فوراً، ولكن بعد إقصاء (تيودورا) وإلزامها الترهب في الدير عاد للحكم أخوها (بارداس) فبدأ المعارك من جديد وكان أوجّها في سنة (865- 866م). وهذه هي سنوات أَسْر السيدة نرجس أُم الإمام المهدي (عليها السلام). وهي الفترة الزمنية التي كانت جيوش العباسيين ضاغطة على حدود أنقرة – عمورية. كما هو مبين في الخريطة التالية:
الخط الرصاصي هو للمعارك بعد عمورية والمنطقة المخططة بالأصفر هي منطقة بدء المعركة من قبل (ثيوفيلوس)، وحسب الخارطة في منطقة أَسر السيدة والدة الإمام الحجة (عليها السلام) هي المنطقة القريبة من المخططة بالرصاصي إلّا إذا كان (بتروناس) قد توغَّل في الأراضي العباسية عميقاً كما يدعي التاريخ البيزنطي، ولكن في رواية بِشر ما يُشير إلى ذلّ الروم في تلك المعركة، فإذا كان (بتروناس) تخطّى الحدود العباسية فيكون أسرها في نفس منطقة الدائرة الصفراء على منابع الفرات في داخل حدود الدولة العباسية، وهذا يساعد على ما ذكر في الصلاة المسيحية لاليسا (النرجس أو السوسنة)(24) التي أسرت على شاطئ الفرات. وهناك الخط المتقطع هو الحدود الرسمية بين بيزنطة وبين العباسيين قبل معركة (زيبطرا) التي افتعلها (ثيوفيلوس) بتحريض من القائد العباسي.
4- ذكرت رواية بشر بن سليمان بأن القيصر له أخ، والأخ له ولدان على الأقل. والتاريخ القيصري يقول: إن له أخاً عزيزاً عليه، شاركه في القيادة والرؤية الدينية والسياسية منذ أيام الملك (ثيوفيلس) اسمه (بتروناس)، وأن (بتروناس) قد ولد (سنة 830م) مما يعني أن أولاده يصلحون للزواج من حفيدة (بارداس) لأنه أصغر من أخيه بعشرين سنة.
ولم أعثر على معلومات عن أُسرته بعمومها وهي صفحة غامضة، ونأتي إلى مشكلة مماثلة في القيصر (بارداس). عدا ما وجدته بأن ابن (بتروناس) (أدموند هكتور) كان أحد المرشحين للزواج من السيدة نرجس (عليها السلام) بعمر (13 عاماً) ولم أجد له مصدراً منشوراً، ولعله في وثائق الكنيسة والله العالم.
5- وصفت رواية بِشر النخّاس أن القيصر كان ملتزماً دينياً ومثقفاً علمياً، ومؤرِّخوا الدولة البيزنطية يصفونه بأنه أول من بدأ بالعلم ونشره وقرّب العلماء وأسس الجامعات، وكان متديناً شديداً، وقد كان من حَمَلة الأعلام ضد حركة الأيقونات، وقد دخل هو وأخوه (بتروناس) معارك سياسية مع أختهما التي تبنَّت الأيقونات، وقد قاما (سنة 855م) بقتل المحرِّض لأختهما (تيودورا) وانشقت الكنيسة لنصفين، فقسم يناصر (تيودورا) ويعادي (بارداس) إلى درجة الافتراءات عليه دينياً واجتماعياً وأخلاقياً كما يشير المؤرخون، وقسم ناصَرَ (بارداس) واعتبر عبادة الأيقونات شركاً ولا يتساهل معها دينياً.
فمن يقوم بقتل قسسة كبار وطرد آخرين وانتقاص مقام البابا في روما بسبب التوحيد وعدم جواز عبادة تماثيل وصور المسيح وأمِّه مريم (عليهما السلام) وبقية القديسين، فهذا يدل على ما هو أعمق من نزعة دينية، بل هو قائد ديني له رؤية دينية واضحة حارب من أجلها، وقد يكون قُتل بسببها. فهذه نقطة توافق أيضاً بين الرواية والواقع التاريخي(25).
6- يذكر محمد الحاج في مقالة أميرة الروم: أن اسم ابن (بارداس) الكبير هو (اغناطيوس) أو (اغناتيوس)، والكنيسة تقول إن هذا الاسم باللاتينية مشتق من (ignis)، يعني المتَّقِد أو المتوقد، ويقولون إنه يقصد به المتَّقِد بنور الإله، وهو تقريباً نفس معنى المهدي، وبالرجوع إلى كلمة يشوع نجد معناها في قاموس (كوجمان العبري - العربي)، هو المهدي المنتظر وهو المخلِّص، فلا يستبعد أن قول السيدة نرجس (عليها السلام) إنها مليكة بنت يشوعا ابن القيصر تقصد (اغناطيوس) مترجم من اللاتينية إلى العبرية والعربية.
فهذا الرجل أقرب من كل مَن ذكر برتبة قيصر بأن يكون هو جد السيدة نرجس (عليها السلام) في تلك الفترة من (سنة 840م إلى سنة 870م). بناءً على اعتبار رواية بِشر بن سليمان النخّاس.
وبهذه الإمكانية لوجود شخص يتوافق مع المواصفات التي ذكرت في الرواية الشيعية يصبح استبعاد واستحالة النواصب لصدق قصة أُم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو تفكيراً سطحياً وبدون دليل أصلاً، وهو استبعاد لا يستند إلى حقائق إمكان الحدوث، بل هناك قرائن على الوقوع وليس فقط الإمكان منها ما قدمنا من تطابق في القصة مع الواقع، ومنها ما ذكر من وجود حفيدة للقيصر (بارداس) اسمها (أليسا) وهي كلمة فينيقية تعني (زهرة النرجس) أو السوسن، وهذه الحفيدة فقدت على نهر الفرات أثناء معارك، وكان الشعراء يبكون عليها وأحدثت صلوات في الكنيسة لندبتها والدعاء لها، وهذا نص الصلاة كما وجدته في النت ولا أعرف المصادر الرئيسية له، ولكنه قطعاً ليس مصدراً إسلامياً أو شيعياً والله العالم:
(نرجس يا سوسنة الأودية وعبق الزهور، يا سليلة التاج ومجد الصفا، منك يخرج غصن الياس قضيب من جذعه وغصن من أصوله، من بين عينيك يخرج نور الشعوب وقرة أعينهم الجالسون على الأرض أشرق عليهم نورك ففرحت الأُمم وتعاظم لها الفرح كما يفرح الحصادون، يا ابنة الصفا وفخر مدينة السرور منك سيورق الغصن وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى اسمهُ عجيباً مشيراً قديراً رئيس السلام يحمل صولجان أبيك ويجلس على كرسي مجده)(26).
والنص المسيحي الثاني في صلاة مدائحية للسيدة مريم بنت عمران (عليها السلام) فيها فقرة تذكر القديسة التي ستلد منقذ العالم بعصا الغضب الإلهي:
(وساقها قدرُها إلى مدينة السرور، على شاطئ أويفرات لتضع وليدها الذي سيسافر مع الماء عبر بئر الحياة، حتّى إذا رأى أخيه نازلاً من الملكوت على أجنحة الكروبيم عندها سيسوقا العالم بعصا من الغضب، وويل للأمة الملعونة من غضبهم، أعداؤه صخرهم باعهم والرب سلمهم)(27).
هذان النصان المهمان إذا ثبت أنهما يشيران إلى نفس الفتاة (أليسا) أو الـ(نرجس) أو الـ(سوسنة) فإنهما يثبتان وقوع القصة عيناً، وأن السيدة نرجس (عليها السلام) والدة إمامنا (عجّل الله فرجه) هي القديسة المفقودة من قصور القسطنطينية.
مما يجدر التنبه له:
عندنا بان (أليسا) اسمها نرجس وسوسن، وتبيّن لغوياً أنها ترجمات في لغات متعددة لكلمة واحدة وهي (زهرة النرجس).
فإن هذه النصوص تثبت وجود أمر سرّي يعرفه أرباب الكنيسة بأنهم فقدوا فتاة مقدسة مرتبطة بالرب لتحيي حياة تؤثر على كل العالم في المستقبل، حيث ستلد منقذ العالم الذي سيأتي معه المسيح ليخلصا العالم من شرور البشر. ولكن بشكل عام فإن الملفات لعائلة القيصر (بارداس) مفقودة ولم يتبين فيها حياة عائلته بدقة، وقد يأتي يوم يعثر الباحثون على تفاصيل أكثر دقة وصلوات أكثر وضوحاً.
وتريثتُ في نقل ما نشر في النت عن حياة أليسا، وكيف فقدت على سواحل الفرات ووصلت إلى بغداد مدينة السرور والسلام، بقصة تفصيلية طويلة تتطابق تقريباً مع رواية بِشر بن سليمان النخّاس من لسان السيدة نرجس (عليها السلام). حيث لم أجد للنص مصدراً غير تلك المقالة، رغم بحثي المطوَّل لها، وأكتفي بهذا القدر، والأمر لبقية الباحثين فإن هناك الكثير مما يمكن أن يكشفه البحث خصوصاً في الروايات التاريخية البيزنطية وباللغة القديمة والحديثة.
ولعل هذه النصوص الرائعة المتوافقة مع ما قصَّته السيدة نرجس (عليها السلام) عن حياتها تكون قليلة بالنظر لكثير ما سيعثر عليه الباحثون، خصوصاً إذا وضعنا نصب أعيننا بأن المؤرخين ينصُّون على وجود غموض في تاريخ عائلة القيصر (بارداس) الذي حكم عشر سنوات، وبحكم متميز حيث إنّه ولأول مرة تحصل للروم انتصارات على العباسيين ولأول مرة يدعم الملك العلوم وهو من أسس التطور العلمي والصناعي الذي قام به فيما بعد الإمبراطور (باسيل المقدوني) الذي قتل (بارداس) نفسه بيديه، واعتبر ذلك الوقت هو الوقت الذهبي للحكم البيزنطي، ولولا الهجمات المتواصلة من أوروبا من الشمال والغرب ضد الدولة البيزنطية لكانت دولة رائدة ومنافسة في القوة للدولة الإسلامية، ولما سقطت بيد الأتراك. فبداية التقدم العلمي وإن تأخر حوالي (60 -90) سنة عن بداية التقدم العلمي في الدولة العباسية، إلّا أن هذا الفارق كان يمكن تجاوزه في حال وجود إدارة للعلوم فيضيق الفاصل الزمني بتسريع التقدم. ولكن الله أراد النصر للإسلام حتّى النصر الشكلي منه في وقت وبركة الإمام (عجّل الله فرجه) ﴿لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ (الأنفال: 44) والحمد لله رب العالمين.
من جهة الأُم:
وأمّا من جهة الأُم فهذه قصة ثانية وتستحق الكثير من الانتباه، وخلاصتها هو ما حققه الشيخ علي الكوراني، حيث إنها حسب النصوص تنسب إلى الحواري العظيم صاحب المعجزات (سمعان الصفا) أي الصلد وهو (شمعون) باللغة العبرية وعرف بالرسول (بطرس) و(بطرس) هو ترجمة للصفا.
وقال:
فهذا الحواري له الفضل في نشر المسيحية الحقة في وقته بين الأوروبيين، وقد أقنع زوجة القيصر في روما باعتناق المسيحية والتخفيف عن آلامهم ونشر دعوتهم. وقد خدم الإيمان في كل من إيطاليا وتركيا والموصل وسوريا وفلسطين ولبنان، ويبدو أن أصله من لبنان من (جبل عامل)، وسكن مع والده في قرية (كفرناحوم) قرب بحيرة طبرية جنوب لبنان قرب بنت جبيل، والقرية الآن في فلسطين قرب الحدود اللبنانية، ومات والده في (جبل حامول) قرب الناقورة وهي الآن قرية لبنانية على الحدود الفلسطينية من جهة البحر. وحسب نظرنا فإنه والحواري هم من خلَّص عباد الله ومن المقدسين بأنفسهم. نظراً لنظرنا للنبوّات ورسالات الله ورجاله. ولهذا فإنه من الخطأ أن يعتقد البعض بأن تقديس الشيعة لشمعون بن حمون هو من أجل كونه جد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من أُمِّه فقط، بل لأنه بنفسه حواري مؤمن صالح دعا لله، وأمّا كونه جدَّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فهذه فضيلة إضافية له من الله أن يختلط دمه بدم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه). ولهذا فإن ما نقلته النصرانية (هالة الحمصي) غير دقيق إطلاقاً عند (الشيعة الإمامية).
قد يكون السر المستودع في شمعون هو (أنه أحد أجداد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الإمام الثاني عشر الذي سيخرج في آخر الزمان، وأن والدة الإمام مليكة (عليها السلام) بنت يشوعا ابن قيصر ملك الروم - وهي مسيحية - تعود في نسبها إلى شمعون).
يقول علي داوود جابر: ولهذا السبب يبجل الشيعة صاحب المقام الذي تنسب إليه كرامات عدة. (مثل) اليمين الكاذبة في حضرة شمعون (وما يتبعها من عقاب سريع) حكايات يرددها اهال في المنطقة والجوار. وهناك أيضاً شفاءات ونجاة من موت محتم... والعارفون بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن النذر المرفوع إليه لابد من أن يكون مستجاباً) انتهى(28).
وقد خلَّف شمعون أو سمعان أولاداً وذرية وكان من ذريته راهبان في زمن الإمام علي (عليه السلام)، كان أحدهم ينتظر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد حدثت معجزة نبع الماء - في حديثة - في طريقه إلى صفين. وقد ذكر الشيخ علي الكوراني ملخص ذلك: (تقدم أن هذين الراهبين من ذرية شمعون الصفا، وأن أحدهما اختار دير حديثة أو صندوديا لأن بقربه عيناً شرب منها الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وسيشرب منها آخر الأوصياء (عجّل الله فرجه).
والثاني في ديرٍ على نهر البليخ الذي هو بجوار قبر شمعون الصفا، وعنده كتاب توارثه يبشر بالنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه الذي سيأتي إلى هذه الأرض، ويقاتل عدوه فيها، ويظهر شمعون من قبره ليسلِّم عليه!
قال كما في رواية سليم بن قيس الهلالي: (إني من نسل رجل من حواري أخيك عيسى بن مريم (عليه السلام) وأنا من نسل شمعون بن حمون وصي عيسى بن مريم... وإليه أوصى عيسى بن مريم (عليه السلام) وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين بملته فلم يكفروا ولم يبدلوا ولم يغيروا. وتلك الكتب عندي إملاء عيسى بن مريم (عليه السلام) وخط أبينا (عليه السلام) بيده، وفيها كل شيء يفعل الناس من بعده ملك ملك، وكم يملك وما يكون في زمان كل ملك منهم، حتّى يبعث الله رجلاً من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن، من أرض تدعى تهامة، من قرية يقال لها مكة...)(29).
ومن هذه الرواية يستدل الشيخ الكوراني أن قبر الحواري شمعون الصفا ليس في روما كما تدعي الكنيسة وأنه في قبو كنيسة القديس بطرس في الفاتكان، وليس في لبنان في الناقورة كما هو مشتهر شعبياً وكما يؤكد الدكتور علي جابر، وإنما ذلك قبر إمّا لوالده أو لأحد المؤمنين الذين أكرمهم الله بكرامته، وقد أجاد الشيخ التحقيق في مكان قبره. وقد أثبت أنه في الحدود السورية العراقية من الشمال وكلامه يستند إلى رواية ابنه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلى وجود مثل ذلك القبر.
أقول: في التواريخ تداخل وعدم دقة وما حققناه أصح. فإن تاريخ ولادة الإمام (عجّل الله فرجه) جعله سنة ولادتها نفسها وهو أمر بيِّن الخطأ لا يحتاج إلى نقاش.
كيف جاء الله بمليكة إلى الإمام العسكري (عليه السلام)؟
برواية تفصيلية فقد روى الصدوق (قدس سره)(30): (عن محمد بن بحر الشيباني قال: وردت كربلاء سنة ست وثمانين ومائتين قال: وزرتُ قبر غريب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم انكفأت إلى مدينة السلام متوجهاً إلى مقابر قريش في وقت قد تضرمت الهواجر وتوقدت السمائم، فلما وصلت منها إلى مشهد الكاظم (عليه السلام) واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران، أكببت عليها بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر، فلما رقأت العبرة وانقطع النحيب، فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه وتقوس منكباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخَر معه عند القبر: يا بن أخي لقد نال عمك شرفاً بما حَمَّلَهُ السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم، التي لم يحمل مثلها إلّا سلمان، وقد أشرف عمك على استكمال المدة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسره. قلت: يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بإتعابي الخف والحافر في طلب العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم وأثر عظيم، فقلت: أيها الشيخ ومن السيدان؟ قال: النجمان المغيبان في الثرى بسر من رأى. فقلت: إني أقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيدين من الإمامة والوراثة إني خاطب علمهما، وطالب آثارهما وباذل من نفسي الإيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما، قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأحضر ما صحبك من الآثار عن نَقَلة أخبارهم، فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال: صدقت، أنا بِشر بن سليمان النخّاس، من ولد أبي أيوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى، قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما، قال: كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات، حتى كملت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام. فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى، وقد مضى هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً، فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد يدعوني إليه، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدِّث ابنه أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال: «يا بشر إنك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإني مزكِّيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها: بسرٍّ أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أَمَة».
فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً فقال: «خذها وتوجه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس، عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور ولمس المعترض والاِنقياد لمن يحاول لمسها، ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: وا هتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين عليَّ بثلاث مائة ديناراً، فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق على مالك، فيقول النخاس: فما الحيلة ولابد من بيعك. فتقول الجارية: وما العجلة ولابد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له: إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه، فَنَاوِلْهَا لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك».
قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حَدَّهُ لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلما نظرَتْ في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن زيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة المغلظة إنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحُّهُ في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها، وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجباً منها: أتلثمين كتاباً، ولا تعرفين صاحبه؟
قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء (عليهم السلام)، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك: أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأُمّي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون (عليه السلام)، أنبؤك العجب العجيب: إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاث مائة رجل ومن ذوي الأخطار سبع مائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر، إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان، وقامت الأساقفة عُكَّفاً ونُشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشياً عليه! فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي: أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطير جدي من ذلك تطيراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده، لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول!
وتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتماً ودخل قصره، وأرخيت الستور! فأُرِيتُ في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين، قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً، في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع فتية وعدة من بنيه، فيقوم إليه المسيح (عليه السلام) فيعتنقه فيقول: يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب فنظر المسيح إلى شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر وخطب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجني، وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد بنو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والحواريون، فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها لهم. وضرب صدري بمحبة أبي محمد (عليه السلام) حتى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي، فلما برَّحَ به اليأس قال: يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدي أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص، لرجوت أن يهب المسيح وأمّه لي عافية وشفاء.
فلما فعل ذلك جدي تجلدت في إظهار الصحة في بدني، وتناولت يسيراً من الطعام فسر بذلك جدي، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم، فرأيتُ أيضاً بعد أربع ليال كأن سيدة النساء (عليها السلام) قد زارتني ومعها مريم بنت عمران (عليها السلام)، وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم (عليها السلام): هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد، فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي، فقالت لي سيدة النساء (عليها السلام): إن ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فإن ملت إلى رضا الله (عزّ وجل) ورضا المسيح ومريم عنك، وزيارة أبي محمد إياك فتقولي: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمَّتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك، فإني منفذته إليك. فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلى لقاء أبي محمد، فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد (عليه السلام) في منامي، فرأيته كأني أقول له جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك! قال: ما كان تأخيري عنك إلّا لشركك، وإذ قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية!
قال بِشر: فقلت لها وكيف وقعت في الأسر؟
فقالت: أخبرني أبو محمد (عليه السلام) ليلة من الليالي أن جدَّك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم، مع عدة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت، وما شعر أحد بي بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إياك عليه. وقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت نرجس، فقال: اسم الجواري.
فقلت: العجب أنك رومية ولسانك عربي.
قالت: بلغ من ولوع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إليَّ امرأة ترجمان له في الاختلاف إليّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية، حتى استمر عليها لساني واستقام.
قال بِشر: فلما انكفأت بها إلى سرِّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري (عليه السلام) فقال لها: «كيف أراك الله عز الإسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)»؟
قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به مني.
قال (عليه السلام): «فإني أريد أن أكرمك، فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم أم بشرى لك فيها شرف الأبد»؟
قالت: بل البشرى.
قال: «فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
قالت: ممن؟
قال (عليه السلام): «ممن خطبك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية».
قالت: من المسيح ووصيه؟
قال (عليه السلام): «فممن زوجك المسيح ووصيه»؟
قالت: من ابنك أبي محمد (عليه السلام).
قال: «فهل تعرفينه»؟
قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء (عليها السلام) أمّه؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام): «يا كافور ادعُ لي أختي حكيمة»، فلما دخلت عليه قال لها: ها هيه، فاعتنقتها طويلاً وسرت بها كثيراً، فقال لها مولانا: «يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن، فإنها زوجة أبي محمد وأُم القائم (عجّل الله فرجه)»(31).
ملاحظات:
1. راوي هذه الرواية العالم المؤلف الأديب محمد بن بحر الشيباني (رحمه الله)، وقد تقدم توثيقه، وأن الصدوق (رحمه الله) استشهد على عقائد المذهب بفقرات من كتبه.
أمّا سيدنا الخوئي (قدس سره) فطبَّقَ منهجه المتشدد وَضَعَّفَ الرواية! قال (4/224): (لكن في سند الرواية عدة مجاهيل، على أنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه) يقصد بذلك قول الإمام الهادي (عليه السلام) لبشر بن سليمان الأنصاري: فأنتم ثقاتنا أهل البيت (عليهم السلام). ويقصد أنه لا يُثبت وثاقة سليمان لأنه هو الذي رواه. لكن يكفي لصحة الرواية اعتضادها برواية محمد بن عبد الجبار الصحيحة المتقدمة، ثم يكفي في توثيق الشيباني ارتضاء الصدوق والقميين لروايته رغم تشددهم. على أن دواعي الوضع هنا منتفية.
وقد ارتضى هذا المبنى الشيخ الأنصاري (قدس سره) على ما تقدم الإشارة إليه.
فهذا كافٍ في تصحيح رواية مليكة (عليها السلام)، فكيف إذا أضفنا إليه الصحيحة المتقدمة عن محمد بن عبد الجبار، وهي وحدها كافية لتصحيحها.
2. تدل الرواية على المستوى العلمي والعقلي الجيد لبشر الأنصاري (رحمه الله) لأنه لم يحدث الشيباني حتى امتحنه واطمأن إلى أنه عالم موالٍ: (قال: إن كنت صادقاً فيما تقول فاحضر ما صحبك من الآثار عن نَقَلة أخبارهم، فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال: صدقت. أنا بشر بن سليمان...).
3. ما وصفته مليكة (عليها السلام) من سقوط المنصة والزينة والصلبان والعريس، وتكرار ذلك مع العريس الثاني الذي أرادوها لها، كان آيةً ربانية لقيصر ليفهم أن هذا العمل نحسٌ فيتركه، وقد فَهم ذلك وتركه. وقد رأيتُ بعض النواصب يسخر من قصة نرجس (عليها السلام)، وفي نفس الوقت يؤمن بكراماتٍ لابن تيمية أعظم منها، ويأتمُّ بمن لا يعقل الخطاب والجواب!
4. كانت تسمى مليكة، ونرجس، وسوسن، وريحانة، وصقيل(32). وسبب تعدد التسمية أن الخليفة وظَّف جاسوسات يأتينه بأخبار بيت الإمام (عليه السلام) ومن هي حامل من نسائه. وقد زادت رقابتهم على الأئمة (عليهم السلام) لما اقترب الأمر من الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه)، لأنه الموعود الذي يُنهي دولة الظالمين.
هذا ما ذكره في كشف الحق، ولكن هناك احتمالات أخرى منها أن تداول الآسرين والنخاسين للإماء يتغير أسماءهن بسبب إعطاء أسماء من قبل النخّاس لإمائه، وهناك قضية الترجمة من لغة إلى أخرى، فقد رأينا ذكر بنت القيصر المأسورة في رواية بيزنطية ولم نعثر على مصدرها فأشرنا إليها ولم ننقلها حتى نعثر على المصدر بأن اسمها (أليسا) و(أليسا) هي النرجس وهي السوسن باللغة العربية. وقد ذكرت زوجات الخلفاء بأكثر من اسم للزوجة الواحدة (33).
الهوامش:
(1) إثبات الهداة (3/569).
(2) ويبين ذلك من الرواية المضعفة، فإنه كيف تكون ابنة ابن القيصر في سامراء إذا لم تكن سبية؟
(3) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ج2، ص385، باب ما روي في نرجس (عليها السلام): ح1.
(4) سند الرواية صحيح بامتياز، لأن الفضل بن شاذان الثقة العين يرويها عن الإمام العسكري (عليه السلام) بواسطة واحدة، هو محمد بن عبد الجبار، وهو ثقة أيضاً.
(5) كتاب المكاسب - الشيخ الأنصاري: 2/243.
(6) باقي المعلومات هي من الويكيبيديا باللغتين الانجليزية والعربية.
(7) نفس المصدر.
(8) نفس المصدر.
(9) نفس المصدر.
(10) نفس المصدر.
(11) نفس المصدر.
(12) نفس المصدر.
(13) ومعلوم في تاريخ الدولة البيزنطية أن القيصر (بارداس) أعاد الحرب مع العباسيين وانتصر عليهم عدة مرات، فقد كانت جبهة المواجهة ساخنة حتّى لما بعد (سنة 867م) بعد غدر سائس خيل الملك ميخائيل - الذي لم يحكم فعلياً وإنما كانت همته بعشيقته -. والغادر هو المدعو (باسيل المقدوني) سائس خيل الملك بواسطة نفس عشيقة الملك ميخائيل السكير [الموقع الالكتروني (معرفة): مقال باسيل الثاني].
(14) باقي المعلومات هي من الويكيبيديا باللغتين الانجليزية والعربية.
(15) نفس المصدر.
(16) نفس المصدر.
(17) وبالمناسبة نذكر أن (ثيوفيلس) كان من مضطهدي الكنيسة القائلة بحلية الأيقونات أي عبادة تماثيل المسيح والعذراء، وكان يسجنهم ويعذبهم باعتبارهم إلى الشرك أقرب. ويؤيده نسيبه وأخو زوجته الوزير (بارداس) المتولد (سنة 810م) وأيَّد هذا الاتجاه أخوه (بتروناس) المولود (سنة 830م).
(18) باقي المعلومات هي من الويكيبيديا باللغتين الانجليزية والعربية.
(19) نفس المصدر.
(20) نفس المصدر.
(21) نفس المصدر.
(22) نفس المصدر.
(23) الويكيبيديا: موسوعة رقمية متعددة اللغات حرّة المحتوى، يستطيع أي شخص التحرير فيها بدون تسجيل، ويستطيع أي شخص الاستفادة من المحتوى واستغلاله بهدف تجاري أو غيره وفق لترخيص الموسوعة، نشأت عام (2001م) وتطوَّرت بسرعة لتصبح واحدة من أكبر المواقع على الانترنت وتجذب أكثر من (100) مليون زائر شهرياً.
(24) مقال للكاتبة إيزابيل بنيامين شارون - الفصل الثاني نرجس يا سوسنة الأودية.
(25) صراع الأيقونات (السنوات 717 – 855)، ويراجع لذلك أيضاً ويكيبيديا (حرب الأيقونات البيزنطية).
(26) المصدر؛ مقالة: يسي في مدينة السرور، نفثات الأب حيرام الرامي التي وردت في صلاة القديس مرذاريوس في السلام الملائكي.
(27) المصدر: مديح لوالدة الإله الشافية من السرطان، بهنام كيلي النرجسة المقدسة المنقذة في الأيام الصعبة ص213 طبع دمشق 1967.
(28) يراجع لذلك كتاب شمعون الصفا بين المسيحية والإسلام - علي داوود جابر.
(29) شمعون الصفا - علي الكوراني: ص215-218؛ كتاب سليم بن قيس الهلالي: 252.
(30) كمال الدين: 2/417.
(31) ووراه بنحوه دلائل الإمامة /262، بتفاوت يسير؛ وروضة الواعظين: 1/252؛ ومناقب ابن شهرآشوب: 4/440 مختصراً؛ ومنتخب الأنوار/51؛ وإثبات الهداة: 3/363، و365، و409 و495؛ والبحار: 51/6 و10.
(32) كشف الحق: 33.
(33) نرجس يا سوسنة الأودية - مقال للكاتبة إيزابيل بنيامين ماما آشوري.