أبحاث العدد:
خلاصات بحوث العدد:
المسار:
الموعود » اعداد المجلة » العدد ٨ / ذي الحجة / ١٤٤٠ هـ
لتصفح المجلة بـ Flsh
لتحميل المجلة كـ Pdf
العدد 8 / ذي الحجة / 1440 هـ

دراسة مقارنة للوضع الاقتصادي بين الغيبة والظهور

دراسة مقارنة للوضع الاقتصادي بين الغيبة والظهور

الشيخ ماهر الحجاج

المقدمة:
كثر الاهتمام عند الباحثين بشأن القضية المهدوية الكبرى، والتي يحبو إليها المستقبل ولا يعلم كلٌ منّا أين سيكون موقعه منها، وذلك أنَّها قضية معقدة شيئاً ما من جهة، ومتَّصلة بالواقع الذي يربطنا بها كشيعة إمامية من جهة أخرى، ويكون فيها الإنسان على صراط التمحيص الذي لا مفر منه من ثالثة.
حيث قال الإمام الصادق (عليه السلام): «والله لتمحصن، والله لتميزن، والله لتغربلن، حتّى لا يبقى منكم إلّا الأندر»، قلت: وما الأندر؟ قال: «البيدر [الأبذر] وهو أن يدخل الرجل فيه الطعام يطين عليه، ثم يخرجه قد أكل بعضه بعضاً، فلا يزال ينقيه ثم يكن عليه ثم يخرجه حتّى يفعل ذلك ثلث مرات، حتّى يبقى ما لا يضره شيء»(1).
وهي مشتملة على قضايا غيبية كثيرة من جهات متعدِّدة، كالظهور المرتبط بالمشيئة الإلهية، وكالعلامات التي أخبر أهلُ البيتِ (عليهم السلام) عن وقوعها، قبل وبعد الظهور المبارك، وكالرجعة التي تحدث، وكالأمور التي تظهر بصورة معاجز على يد الإمام (عجّل الله فرجه) من جهة رابعة، كما يستفاد من الرواية التي تنص على أنَّ عصا موسى (عليه السلام) عند الإمام الحجة، يصنع بها عند ظهوره (عجّل الله فرجه) ما كان يصنع بها موسى بن عمران (عليه السلام)(2).
فهذه الأمور وغيرها دعت الباحثين إلى أن يصبّوا جهودهم على جهات مختلفة منها، كلٌّ على حسب سعته واستيعابه وغرضه في ذلك، فتعدّدت الكتب فصارت بالمئات، واختلفت المناهج والبحوث، بين روائي بحت وتحليلي بحت، وبين جامع بينهما، وبين مختصر على قضيّة ما، وبين من حاول الإلمام بها، إلّا أنني - بحسب اطّلاعي المحدود - لم أقف إلى الآن على دراسة - لقضية معيَّنة من القضايا المهدوية - مقارنة بين المرحلتين الغيبة والظهور، والبحث عن الأسباب والنتائج، والتكاليف التي لابد لنا من العمل بها؛ كي لا نقع في هوّة البلاء المحتَّم.
ونحن في هذه المقالة نحاول أن نبحث عن الحالة الاقتصادية التي تعدّ العصب الحساس لديمومة الحياة الاعتيادية على صعيد الدولة والمجتمع، فنأخذها كعيِّنة نخضعها لعمليات مجهرية، ونلاحظ ما ورد فيها من الأخبار، ونقارن بين السقوط الاقتصادي، الذي يهدِّد العالم مستقبلاً إلى فترة ما قبل الظهور الشريف، وبين الانتعاش الاقتصادي، الذي لا مثيل له في تاريخ الإنسانية بعده حتّى يُكسّر الذهب بالفؤوس كما ورد في الموروث.
ونحاول أن نبحث عن الأسباب التي تؤدّي إلى القحط القاتل، والأسباب التي ترفعه بصورة قد تكون فوق الخيال، ثم نجيب عن إمكان تلافي ذلك وعلاجه، ثم نحاول أن نقارن بين الاثنين ونستنتج منهما ما ينفعنا.
هذا ولا ندَّعي النبوغ في هذا المجال، فقد يكون هناك من نال قصب السبق في مثل هذه الأبحاث وأجاد فيها ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: 76)، والله هو المسدد إلى الصواب.
المبحث الأول: الوضع الاقتصادي في الغيبة:
إنَّ من مقتضيات ديمومة الحياة البشرية هي توفُّر مستلزمات العيش، أهمها استقرار الحالة الاقتصادية - ونقصد بها أعمّ من السيولة المالية وانفتاح الأسواق وتوفّر السلع فيها والتوازن بينها وبين الدخل اليومي وغير ذلك - على مستوى الدولة التي تدير مجتمعاً ما، وعلى مستوى الأفراد الذين بهم قوام المجتمع، فإذا تخلخل هذا العصب ترى الناس تعيش حياتها بصعوبة قد تكون مثاراً لكثير من الفتن الاجتماعية والسياسية، بينما إذا كانت الحالة بالعكس تجد الناس يعيشون حياة طبيعية من جهات مختلفة.
وعندما نرجع إلى تراث أهل البيت (عليهم السلام) نجد أنهم نصّوا على أنه سوف يتعرَّض المجتمع البشري في آخر الزمان وقبل ظهور الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) إلى (قحط شديد جداً) بحيث عدّتها الروايات من علامات الظهور، ومن تلك الروايات:
ما ورد عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لابد أن يكون قدّام القائم سنة يجوع فيها الناس، ويصيبهم خوف شديد من القتل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فإن ذلك في كتاب الله لبيِّن، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]»(3).
وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنَّ قدّام القائم علامات تكون من الله (عزّ وجل) للمؤمنين»، قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال: «ذلك قول الله (عزّ وجل): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام) ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]»(4).
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن قدّام القائم (عليه السلام) لسنة غيداقة، يفسد فيها الثمار والتمر في النخل، فلا تشكوا في ذلك»(5).
وعن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة في خبر طويل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذكر فيه الدجال فقال: «... بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شديد»(6).
وعن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: «إن قدّام قيام القائم علامات: بلوى من الله تعالى لعباده المؤمنين»، قلت: وما هي؟ قال: «ذلك قول الله (عزّ وجل): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]، قال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يعنى المؤمنين ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾ من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، ﴿وَالْجُوعِ﴾ بغلاء أسعارهم، و﴿وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ﴾ فساد التجارات وقلة الفضل فيها، ﴿وَالْأَنْفُسِ﴾ قال: موت ذريع، ﴿وَالثَّمَراتِ﴾ قلة ريع ما يزرع وقلة بركة الثمار، ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بخروج القائم (عليه السلام)...»(7).
فمن خلال هذه الروايات - والروايات التي سوف نتعرض لها إن شاء الله تعالى في مطاوي هذه المقالة - سوف يتَّضح لنا جليّاً: أن القحط هو سُنة إلهية حتمية لابد من وقوعها في زمن الغيبة ولا محيص عنها.
أسباب القحط المستقبلي:
والسؤال الجدير بالذكر هنا هو: ما هي الأسباب الكامنة خلف تلك المصيبة التي ستخيم بظلامها على البشرية؟ فهل هي أمر إلهي غيبي لا يمكن فهمه والتماس أسبابه والغوص في كنهه؟ أم هي أمر عادي له أسبابه الطبيعية كما هو شأن الكثير من الأشياء في هذا الكون؟
والجواب عن هذا السؤال بكلا شقيه هو: هناك أسباب وعوامل لهذا القحط يمكن استكشافها من خلال تتبُّع النصوص الشرعية القرآنية والروائية.
وهذه الأسباب تنقسم إلى قسمين رئيسيين: أسباب داخلية وأسباب خارجية، ولكل منهما له عدَّة عوامل سنبيِّنها تباعاً إن شاء الله تعالى.
الأسباب الداخلية:
1- تفشّي المعصية:
ممّا لا شك فيه هو أن لكل فعل نتيجة، على مستوى عالم الدنيا وعالم الآخرة، فإنَّ طاعة الله تعالى نتيجتها الدنيوية نزول الرزق والبركة وظهور كنوز الأرض بين يدي العباد، كما تشير إليه الآيات الشريفة، قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً﴾ (الجن: 16)، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرضِ﴾ (الأعراف: 96).
هذا في الدنيا، وأمّا في الآخرة ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (السجدة: 17)، ﴿وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ﴾ (التوبة: 72).
وإن نتيجة المعصية وعدم الطاعة لله تعالى في الدنيا هو شقاء العيش وظهور الفساد والخراب حتّى في البر والبحر، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ (طه: 124)، وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ (الروم: 41)، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنَّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات»(8)، ونتيجة المعصية، في الآخرة هي النار وبئس المصير.
إذن أهم عنصر فعّال يساعد على ظهور القحط في زمن الغيبة هي المعصية والانحراف عن جادَّة الشريعة، والذي يدلّك على هذا، هي الروايات الكثيرة التي تعرَّضت لبيان حال الناس في زمن الغيبة، ومنها ما بيَّن حال المؤمنين والشدة التي هم فيها، روى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث قال فيه: «... لأحدهم أشدّ بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة»(9)، وعن يمان التمار قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) جلوساً فقال لنا: «إن لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد»، ثم قال هكذا بيده «فأيكم يمسك شوك القتاد بيده»؟ ثم أطرق مليّاً، ثم قال: «إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتَّق الله عبد وليتمسك بدينه»(10).
وهذا العامل تندرج تحته كل العوامل الداخلية الأخرى التي سنتعرَّض لها إن شاء الله تعالى.
2- منع الحقوق المالية:
الله تعالى عندما خلق الناس لحكمة اختبارهم وامتحانهم، جعل أبواباً كثيرة من الاختبار يدخلها البشر كلٌّ بحسبه، ومن تلك الأبواب أن فضَّل بعض خلقه على بعض في الرزق، كما قال الله تعالى: ﴿وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ (النحل: 71)، وبعد أن جعل هذا التفاضل بينهم، بسط تكاليفه عليهم فقال: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج: 24-25)، ثم بيَّن لهم كيفية الإنفاق فقال (عزّ وجل): ﴿وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً﴾ (الفرقان: 67)، ثم بيَّن لهم أنَّ واحداً من أبواب الوصول إلى الخير هو إنفاق ما يحبّه الإنسان، فقال لهم: ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران: 92)، ومن أبرز ما يحبّه الإنسان هو المال، كما قال تعالى: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا﴾ (الفجر: 20).
إذن من أهم الأبواب التي يمحّص فيها المؤمن هي الأموال التي فرض الله تعالى فيها فرائض متعددة منها الحقوق الواجبة، فمن امتثل وأعطى زكاة ماله وخمسه وبقية الحقوق المالية الواجبة نمت أمواله وزادت بركته، ومَن امتنع مِن دفعها فقد عرَّض نفسه للعقاب الإلهي وقد ساهم في حلول القحط والفقر والبلاء على الناس كما ورد في بعض الروايات:
عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وجدنا في كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«... وإذا طففت المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها، من الزرع والثمار والمعادن كلها»(11).
وعن صفوان بن يحيى قال: حدثني بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «... إذا منعت الزكاة ظهرت الحاجة»(12).
3- الشح والحرص على الدنيا:
والذي يتأمَّل جيّداً في السبب الثاني يجد أن حب الدنيا والبخل والجشع هو الذي يسوق الإنسان إلى الامتناع من إعطاء حق الله تعالى من تلك الأموال التي تفضَّل الله تعالى بها عليه، لا لحاجة من الله تعالى إليها، حاشاه وتعالى علوّاً كبيراً، إلّا أنه كما قال: ﴿وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ * إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ﴾ (محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): 36-37)، ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها﴾ (الإسراء: 7)، فالإنسان لقصور إدراكاته وقلَّة فهمه يتصور أنه إذا لم ينفق في سبيل الله تعالى فقد حفظ أمواله من التلف والسرف، والحال أنه بالعكس، فكلَّما أنفق الإنسان لوجه الله تعالى وتقرُّباً إليه، كلَّما فتح عليه أبواب رزقه وبارك له فيما يكتسبه، فلذا وردت الروايات في هذا الشأن، وإليك نزر منها:
عن النزال بن سبرة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حديث طويل ذكر فيه آخر الزمان قال: «... وباعوا الدين بالدنيا»(13).
عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «وجدنا في كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة، وإذا طفِّفَت المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص...»(14).
ولا يخفى أن الداعي لتطفيف المكيال هو الطمع والشح وحب الدنيا، الذي يحدوا بالإنسان إلى الهاوية.
عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل عشرة تسعة»(15).
إن الطمع الذي يدفع بالذين يريدون الاستيلاء على جبل الذهب، هو الذي يدفعهم للقتال.
الأسباب الخارجة:
1- تردِّي الوضع السياسي:
لا يخفى ما للوضع السياسي من انعكاسات إيجابية وسلبية على اقتصاد العالم، أو على الأقل تردّي اقتصاد الدولة التي تضطرب سياسياً، وهذا أمر لا غبار عليه.
وقد نصَّت الروايات على ما يحدث من الفتن في آخر الزمان وعلى ما يقع من الحروب والقتل الذريع بين صفوف الناس كما أشارت إليه الروايات التي تناولت قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155)، بالبيان والتفسير، وتقدمت الإشارة إليها، وروايات اليماني والخراساني وغيرها كثير جداً.
والذي يؤكد هذه الحقيقة جملة من الروايات: منها ما ورد عن سفيان بن إبراهيم الجريري، عن أبيه، عن أبي صادق، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «... ويسلّط الله عليهم عِلجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلّا فتحها، ولا ترفع له راية إلّا هدّها، ولا نعمة إلّا أزالها»(16).
وما ورد عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: «لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى»؟ فقال: «نعم، ولا يكون ذلك حتّى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني ويشتدّ البلاء، ويشمل الناس موت وقتل يلجؤون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(17).
ولا يخفى أنَّ لهذا السبب ارتباطاً وثيقاً بالسبب الأول من الأسباب الداخلية، حيث إنَّه يؤكد أنَّ كل ما يقع علينا من البلاء هو من نتائج أفعالنا ومصداقه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كما تكونوا يولّى عليكم»(18)، وهذا يؤكِّد كون هذه الفتنة المقبلة حتمية وأنَّها سُنَّة إلهية لا يمكن الفرار منها، وأنَّها غير مختصَّة بقوم دون آخرين كما قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال: 25).
وهذا الاضطراب السياسي هو بدوره يولِّد عوامل أخرى خارجية بل يساعد ويشجع على نموِّها، فهو يكون بمنزلة البيئة الموبوءة التي تنشر الأمراض الخبيثة والكارثية مثل الأسباب التي سنذكرها في البند الثاني وما بعده.
2- شيوع السلب والنهب:
من الأمور الطبيعية أنَّه إذا حصل انفلات أمني واضطربت الأوضاع، تنشط مافيات السلب والقتل، وفي الروايات إشارة إلى هذا المعنى ولكنه بنحو أشدّ، وهو سلب حتّى الثياب بحيث يرجع إلى داره وهو يفقد ثيابه في مكان صلاته كما ورد عن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل ذكر فيه ما يحدث في آخر الزمان فقال: «... ورأيت الرجل يخرج إلى مصلّاه ويرجع، وليس عليه شيء من ثيابه»(19).
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه في خطبة له قال: «... ويظهرون اللصوص(20)، ويقتطفون [النفوس]، ويفتحون العراق، ويحجّون الشقاق بدم يراق، فعند ذلك توقعوا خروج صاحب الزمان (عليه السلام)»(21).
3- سيطرة الإقطاع على رؤوس الأموال:
ومن أهم الأسباب المؤثِّرة في تفاقم الفقر وتفشي الحاجة والحرمان بين أفراد المجتمع هو: سيطرة بعض الرؤوس على المال العام، بحيث تصير هي التي تدير المشاريع، ومن خلالها تمر أموال الدولة، فهي تأخذ قسطاً وافراً منه من دون عناء، بل يأتيها رزقها رغداً على حساب الفقراء، ونتيجة ذلك تولد طبقة ثرية جدّاً تتنعم بأرفه وسائل الراحة، في حين هناك طبقة قد تحلم أنها تأكل ما تشتهي أو تلبس ثوباً جديداً.
كما وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال فيه: «... ويملك المال من لا يكون أهله، لكع من أولاد اللكوع»(22).
وفي بعض الروايات عزي سبب ظهور مثل هذه الطبقات إلى انعدام صلة الأرحام، فقد ورد عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل قال:
«... وإذا قطعوا الأرحام جُعلت الأموال في أيدي الأشرار»(23).
4- كثرة الخيانة:
ومن أهمِّ العوامل المؤثِّرة في تفاقم الفقر وانتشار القحط هو: رواج الخيانة وعدم الأمانة بين أفراد المجتمع، وكم لهذه الخيانة من صور وأشكال سارية في كثير من مفاصل المجتمع، من قبيل الرشاوى في المعاملات على المحسوبيات والعلاقات وأخذ المال الباطل.
وقد ورد في الرواية عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بأن الخيانة ترفع البركة وإذا ارتفعت البركة حلَّ الفقر والخراب بلا شك، فقد ورد عن الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهن إلّا خرب ولم يعمّر بالبركة: الخيانة، والسرقة، وشرب الخمر، والزنا»(24).
وروي مثله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «أربعة لا تدخل واحدة منهن بيتاً إلّا خرب ولم يعمر: الخيانة، والسرقة، وشرب الخمر، والزنا»(25).
5- جور القادة والحُكّام:
فقد ورد عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «إذا فشى الزنا ظهر موت الفجاءة، وإذا جار الحاكم قحط المطر»(26).
6- فَقْدُ الإمام (عليه السلام) وغيبته:
إنَّ أهم عنصر للبركة بين الخلق هو الإمام (عليه السلام)، فإذا فُقِدَ وغاب عنهم ارتفع عنهم مصدر الخير، وحلّ بهم البلاء؛ إذ أوكلهم إلى أنفسهم لا يأتون بخير أين ما يتجهون، وإن كان فيما يأتون ظاهره الخير إلّا أنَّه لا بركة فيه، كما ورد في رواية الأصبغ بن نباتة، عن علي (عليه السلام) أنه قال: «... فتكثر التجار وتقل الأرباح، ويفشو الربا»(27)، والسبب هو أفعال الناس، ومطاردة الظالم له، كما ورد في عدة من الروايات، منها:
ما رواه أبان وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل»(28).
عن مروان الأنباري قال: خرج من أبي جعفر (عليه السلام): «إنَّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم»(29).
فعن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة يقول فيها: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: 21]»(30).
سبيل النجاة:
اتَّضح لنا من البحث المتقدِّم أنَّ المجتمع متَّجه نحو قحط مستقبلي لا شك في حصوله، كما نصَّت عليه الروايات المتقدِّمة الذكر وغيرها، وعليه فلقائل أنْ يقول: هل يمكننا أن نساهم في تغيير المستقبل، بحيث نمنع من وقوع ذلك القحط، من خلال معالجة الأسباب الأساسية لنشوء الفقر والقحط، كي لا نقع في دوامة القحط القاتلة، أم لا؟
والجواب: من جهة: نعم، ممكن، ومن جهة أخرى: لا، غير ممكن، ولكلٍّ سببه كما سيتَّضح من خلال بيانهما:
أمّا (نعم) فلأن العقل قاضٍ - وكما هو الواقع - بجريان الأمور بأسبابها، فما لم يحصل السبب والعلة لم يحصل المسبب والمعلول، أي إننا إذا استطعنا أن نرفع العلة التي ينجم عنها ذلك البلاء بأي شكل من الأشكال ولو بنحو الإعجاز - فرضاً -، فقد استطعنا أن نمنع من وقوع تلك الأزمة المالية الخانقة التي تهدِّد مستقبل البشرية عامة، والعقل لا يرى في ذلك أيَّة استحالة، بل يراه أمراً ممكناً جداً.
وأمّا (لا) فوجهه: على ما يظهر من تتبُّع الروايات، أنَّي صرّحت بأن ذلك حتماً مقضياً، وسُنّة إلهية لا ريب فيها، ولا في قوعها، وهذا يعني أن التغيير محال وقوعاً لا ذاتاً.
وهذا ليس يأساً ولا قنوطاً من السعي في ذلك، ولكنه واقع يجده من أراد أن يتسلَّق سُلَّم النهوض بالأُمَّة، وانتشالها من براثن البلاء المبرم، حيث يجد أول حجر لبناء المستقبل الزاهر هو: إيجاد انقلاب ذاتي فردي عام في كل مفاصل المجتمع، كما تقول الآية الشريفة: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11)، وأنّى لنا هذا التغيير الجذري والتوبة النصوح؟ والحال أن ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ﴾ (التوبة: 8)، ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ (المائدة: 103)، ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ﴾ (النحل: 83)، ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ (المؤمنون: 70)، وهذه الآيات وغيرها قاضية بأنَّ تغيير الجميع مستحيل وقوعاً، وأمّا القليل من المؤمنين المتنزهين عن الباطل، فهم في معرض البلاء والغربلة التي نصَّت عليها الروايات، وأنَّه سوف يسقط الكثير في هذه الغربلة ولا يبقى إلّا الأندر وهم كالكبريت الأحمر كما ورد في الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: «والذي بعثني بالحق بشيراً إنَّ الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر»(31).
التكليف إزاء المصير المحتوم:
إذا كان تغيير مجرى الأمور إزاء هذه القضية غير ممكن وقوعاً، فما هو موقفنا أمام هذه الفاجعة التي تنتظر البشرية ونحن من ضمنها؟
وللجواب عن ذلك نطرح عدَّة احتمالات:
الأوَّل: أن نساهم في تنشيط وتعضيد البلاء القحطي، بحيث نعمل على تقوية العوامل المساعدة على انتشاره! بذريعتين:
الأولى: (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب)، فنحن نعيش في مجتمع سادت فيه الفوضى الاقتصادية إنْ صحَّ التعبير، فإنْ لم نقف كموقف الأكثرية فإن السيل سوف يجرفنا والنتيجة هي الهلاك.
والثانية: إنَّ القحط من العلامات القطعية، فلابد أن يحصل حتّى يقترب ظهور الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، فنحن نفعِّل كل ما يقرِّب لنا ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) ولو كان بنحو سلبي، كما يتبنّاه البعض من المنحرفين.
الثاني: أن نقف موقف المتفرِّج، بأن لا نحرِّك ساكناً، نعيش وكأننا على كوكب آخر غير الكوكب الذي وعِدَ بوقوع هذه الفتنة، حتَّى يجرفنا السيل ونحترق بنار الفتنة!
الثالث: يجب أن نعدّ العدَّة لاستقبال القحط، بحيث نواجهه مواجهة واعية، كما فعله نبي الله يوسف (عليه السلام).
أمّا الاحتمال الأول فجوابه: إن السبب الكامن وراء ذلك ما هو إلّا حب الدنيا، الذي هو رأس كل خطيئة، ومنهي عنه شرعاً، ومن حبال الشيطان، وشعار أهل الباطل، قال الله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ (آل عمران: 14)، وإن فاعل التزيين هو إبليس (لعنه الله) كما ورد في قوله: ﴿زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ﴾ (الأنفال: 48)، وظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وتعجيله من الصراط المستقيم، ومن نهج الحق القويم، وهذه العلامات هي من حرب الشيطان لجنود الرحمن، فلا يطاع الله من حيث يعصى أبداً، فحقيقة أمر هذا العمل وجوهره الدنيا واتِّباع الهوى كما تقدَّم آنفاً، وهي بعيدة عن تعجيل الفرج، وإن كان مصبوغاً بقشر الانتظار والتعجيل، فحالهم حال من يقتل مؤمناً صالحاً بذريعة أنَّ حياته قاسية معه، وأنَّ قلب هذا القاتل يتحرّق له لما يقاسي من المتاعب، فيقتله ليرسله إلى الجنة لئلا يبقى في مثل هذا الوضع المزري.
وأمّا ما يُتوسَّل به من تبرير هذه البدعة من قولهم (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب)، والانخراط في سلك الأكثرية والعموم، فإنَّه منطق باطل، حيث إنَّه ينبئ عن جعل الدين في خانة الإهمال، والعمل وفق منطق الغابة المتكالبة، التي تنص على لزوم افتراس المقابل قبل أن يخطر في ذهنه افتراسي، وهذا هو بعينه حبّ الدنيا الذي قدَّمناه، فلذا ورد النهي عن هذا المنطق في كلام الإمام أبي جعفر (عليه السلام) حيث قال لأبي الربيع الشامي: «ويحك يا أبا الربيع، لا تطلبنَّ الرئاسة، ولا تكن ذئباً، ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله...»(32).
وكذلك ما ورد في الذريعة الثانية بأنَّه يحقق علامات الظهور ليتعجَّل، فإن من يتقوَّل بذلك فهو بين أحد أمرين: إمَّا أن يكون من أصحاب الأموال، وإمَّا لا يكون كذلك؟
فإنْ كان الأول فهو بلا شك يريد أن ينمّي رأس ماله ويزيده بحيث تصبح له السطوة على الأسواق يتلاعب بها كيف يشاء، ويجمع الأموال من كل طريق استطاع، سلب أو خيانة أو ربا وغير ذلك، وهذا باطل، لأنَّ فيه أكلاً لأموال الناس بالباطل، وفيه إضرار - وإيذاء على أقل تقدير - بالفقراء من المؤمنين وهو منهيٌّ عنه، قال تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾ (المائدة: 32)، وهذا بلا ريب إشاعة للفتنة وقد جُعلت أشدَّ من القتل، قال الله (عزّ وجل): ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ (البقرة: 191).
وإن كان الثاني: أي أنه ليس من أصحاب الأموال، حيث يؤثِّر اعتقاده بالباطل وترويج المعاصي - من السلب والنهب والخيانة وقطيعة الأرحام، التي مرَّ ذكرها - على انتشار الفقر والقحط وحلول البلاء، إلّا أنَّها كلّها معاصي وحرام، لا يمكن التقرُّب بها إلى الله تعالى، ليخلِّص الناس من الظلم بظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، فإنَّ هذا من حبائل الشيطان الرجيم أجارنا الله تعالى منها.
وأمّا الاحتمال الثاني فجوابه: أنَّه ليس من الصواب في شيء، إذ إننا أحياءٌ نعيش في إطار هذا الواقع بكلا جانبيه الإيجابي والسلبي، فشئنا أم أبينا نحن نتفاعل مع الخارج، نؤثِّر فيه من جهة ويؤثِّر فينا من أخرى، فليس لنا طريق نفرُّ به عنه، فكيف نستطيع التغافل عن نار الفتنة التي لا ترحم برّاً ولا فاجراً، ولا مسبّباً لها ولا هارباً منها، فإنَّ العقل قاض بلزوم دفع الضرر المحتمل فضلاً عن المتيقَّن.
هذا من جانب، ومن جانب آخر نحن معبَّدون بشريعة إلهية وليس من شأنها الخمول وترك كل شيء حتّى ننجو بأنفسنا، بل هناك أحكام متعددة ملقاة على عاتق المكلَّفين، فما من واقعة إلّا ولها حكم.
وأمّا الاحتمال الثالث: فهو أصح الاحتمالات وأتقنها من جهتين: عقلية وشرعية:
أمّا من جهة عقلية: فإنَّ العقل قاضٍ بلزوم تقدير الأمور بقدرها، بمعنى أنَّ العقل بعد أن أيقن بلزوم تحقّق القحط والاضطراب الاقتصادي، وأنَّه لا مفرّ منه، يحكم بلزوم البحث عن مخرج من تلك الفتنة التي تهدّد العالم، ولو بنحو الموجبة الجزئية، أي ولو على مستوى بعض أفراد المجتمع أو شخص الإنسان ذاته، وهذا هو مؤدّى دفع الضرر الذي يحكم به العقل البشري، وعليه فلابد لنا من البحث عن مخرج من تلك الأزمة، والاستفادة وبنحو الدراسة التحقيقية الدقيقة من قصة نبي الله يوسف (عليه السلام) وكيف تعامل مع البلاء الحتمي الذي حلَّ بمصر وأنجى الناس من سطوة الفقر والفاقة.
وأمّا الجهة الشرعية: وذلك لأننا مكلَّفون بشريعة إلهية، فعلينا أن نلتزم بها ونعمل بما أراد الله تعالى منّا ولا نحيد عنها، فإن ذلك باعث مهم على نزول البركة والرزق وارتفاع القحط، كما نصَّ عليه الكتاب العزيز: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً﴾ (الجن: 16)، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرضِ﴾ (الأعراف: 96).
ولعلَّ هذا هو ما يشير إليه الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «... إذا كان ذلك فتمسكوا بالأمر الأول حتّى يبين لكم الآخر»(33).
وهناك تكليف آخر ذكرته الروايات وهو الهروب والابتعاد عن محلّ الخطر أعم من القتل أو الفقر كما سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام): وكيف نصنع في ذلك الزمان؟ فقال (عليه السلام): «الهرب الهرب»(34).
بل الروايات التي تذكر أسباب القحط هي بحدِّ ذاتها تشير إلى تكليف المؤمن في مثل ذلك الزمان وأن يبتعد عمّا يشيع الفقر.
الخلاصة:
إنّ العالم متَّجه نحو مصير لابد منه ولا يمكن الفرار منه، وهو حلول بلاء عظيم وقحط قاتل على الناس في آخر الزمان، قبل ظهور الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، وهو إنَّما سيحلّ بنا لسوء أفعالنا وقبح سرائرنا، ونحن لابد لنا - بحسب عدّة من المحفزات العقلية والشرعية - من مقاومة هذا البلاء وعدم الاستسلام له، بما يمكننا كأفراد أو جماعات أو مجتمعات أو دول، ولابد لنا من إيجاد مخرج من هذه الأزمة، وأهم طريق للتخلُّص من تلك الفتنة هو التمسك بالشريعة الغرّاء وعدم الانحراف عنها.
المبحث الثاني: الوضع الاقتصادي بعد ظهور الإمام الحجة (عجّل الله فرجه):
اتَّضح لنا ممّا سبق أنَّ المؤمنين سوف يكونون في شدَّة وبلاء منقطع النظير من الجهة الاقتصادية والحالة المادية، إلّا أنَّ الحال سوف يتغيَّر إن شاء الله تعالى بعد ظهور الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، فإنَّ الخير والسلام سوف يعم العالم بأسره، وسوف ينعم المؤمنون بألطاف وبركات لا مثيل لها، وستُكْسَرُ شوكة الشيطان، ويهزم جنده ﴿وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ (القمر: 45).
وهذا الأمر هو وعد إلهي غير قابل للمحو والإثبات ﴿حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾ (الرعد: 31)، لأنَّ الله تعالى غنيٌ مطلق وعدلٌ لا يحيف، وقد اختلفت ألسن التعبير عن هذا الوعد المبارك وتعدَّدت في القرآن الكريم:
فتارةً نجده بصورة الأخذ من الخواطر وتطييبها، فكأنه تعالى يقول: إنَّ الشدة التي تمرون بها سوف لن تستمر إلى يوم القيامة، بل لها حدٌ وأمدٌ تنتهي إليه، فقال (عزّ وجل): ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ (الشرح: 5-6).
وأخرى بصورة الأمر بالصبر وأنَّ من بعد البلاء والصبر فرجاً يُسرُّ به المؤمن، إلّا أنَّ بعض من ليس له بصيرة يتصوَّر أن ذلك الفرج بعيد جداً حتّى قد ييأس منه، ولكن الفرج ليس بعيداً عن المؤمنين بل هو قريب، كما قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَراهُ قَرِيباً﴾ (المعارج: 5-7)، وقال: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الأعراف: 56)، وقال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ (الطلاق: 2-3).
وثالثة نجده (جلَّ شأنه) يعد المؤمنين بالنصر بعد أن تعرَّضوا للظلم من كل جهة، فقال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ﴾ (غافر: 51)، وقال: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ (محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): 7).
ورابعة وهي الأعم لساناً والأوسع شمولاً، وعده تعالى لهم بأن الأرض سوف تكون لهم وأنَّهم يرثونها ويتمتَّعون بنعمها، حيث قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105).
أسباب تفجُّر البركة:
كما قدَّمنا الكلام في المبحث الأول: أنَّ هذا العالم هو عالم الأسباب والمسببات، ما من شيء فيه إلّا وله سببٌ ظاهر أو خفي، وعليه فكما أنَّ للفقر والقحط أسباباً متنوعة، فلارتفاعه أسباب أخرى متعددة أيضاً، وعند التتبع للنصوص الواردة في هذا الشأن وجدناها تذكر مجموعة من الأسباب المختلفة وهي أيضاً على نحوين: داخلية وخارجية، وإليك تفصيل ذلك:
الأسباب الداخلية:
إنَّ أصحاب عصر الظهور هم من المؤمنين قلباً وقالباً، ومن الذين امتحن الله قلوبهم للإيمان، وهم الذين عبّر عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «لأعز من الكبريت الأحمر»(35)، وهم النادرون الذين يبقون في الغربال كما ورد في الرواية عن مالك بن ضمرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «... وحتّى لا يبقى منكم - أو قال: من شيعتي - إلّا كالكحل في العين، والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً وهو مثل رجل كان له طعام فنقّاه وطيَّبه، ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله، ثم عاد إليه، فإذا هو قد أصابه السوس فأخرجه ونقّاه وطيَّبه، ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقّاه وطيَّبه وأعاده، ولم يزل كذلك حتّى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضرّه السوس شيئاً، وكذلك أنتم تميَّزون حتّى لا يبقى منكم إلّا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً»(36).
وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «والله لتمحصن والله لتطيرن يميناً وشمالاً حتّى لا يبقى منكم إلّا كل امرئ أخذ الله ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه وأيَّده بروح منه»(37).
وهؤلاء المؤمنون ليس فيهم خيانة ولا سرقة ولا أكل أموال الناس بالباطل ولا يقارفون المعاصي، بل هم ملتزمون بالشريعة عابدون لله تعالى ليس لهم همٌّ إلّا الطاعة، نفوسهم أبيَّة، أودّاء علماء حلماء رحماء، هذا وغيره من الصفات يمكنك استفادتها من روايات التمحيص التي ذكرنا بعضها ورواية الكبريت المتقدمة، بل وجميع الروايات التي ذكرت صفات شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ إن هؤلاء هم المصداق الأبرز لذلك.
فإذا كان المؤمنون بهذه المرتبة من الإيمان والقرب الإلهي تفجَّرت السماوات والأرض بالبركة وتناثر عليهم لؤلؤها وشربوا من رحيقها المصفّى، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرضِ﴾ (الأعراف: 96).
فتسود القناعة ويعم سكون الأنفس عن شُحّها وحرصها على المال، بعد أن تبصر حقيقة الحياة وزوالها وأنَّها زينة ومتاع، واطمئنانها بضمان رزقها بواسطة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) كما سيتَّضح لاحقاً، فلذا يُعرَضُ المال عليهم فيأبون أن يأخذوا منه كما يستفاد من قول أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «تواصلوا وتباروا وتراحموا، فوالذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة، لَيأتين عليكم وقت لا يجد أحدكم لديناره ودرهمه موضعاً، يعني لا يجد عند ظهور القائم (عليه السلام) موضعاً يصرفه فيه لاستغناء الناس جميعاً بفضل الله وفضل وليه...»(38).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتّى لا يقبله أحد»(39).
الأسباب الخارجية:
1- وجود الإمام (عجّل الله فرجه):
لا شك ولا ريب أنَّ البركة تحل أينما حلَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام (عليه السلام)، والتاريخ مليء بالحوادث التي بُيِّنت فيها بركة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله (عليهم السلام)، وهذا أمر لا نقاش فيه بالنسبة إلى نفس المحل والمجتمع الخاص الذي يكونون (عليهم السلام) فيه، وأكثر من ذلك ورد في عدَّة من الروايات تعميم الخير والرحمة التي تنزل بواسطتهم على المؤمنين، وهذا ما يعبَّر عنه بواسطة الفيض، ومن تلك الروايات:
ما ورد عن الحسين بن ثوير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل ذكر فيه زيارة للإمام الحسين (عليه السلام) قال فيها: «... وبكم يباعد الله الزمان الكلب، وبكم فتح الله وبكم يختم [الله]، وبكم يمحو ما يشاء وبكم يثبت، وبكم يفك الذل من رقابنا، وبكم يدرك الله ترة كل مؤمن يطلب بها، وبكم تنبت الأرض أشجارها، وبكم تخرج الأشجار أثمارها، وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها»(40).
وما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة التي يرويها موسى بن عبد الله النخعي عن الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)(41)، وفيها عدَّة مقاطع تدلّ على المطلوب نذكر بعضها:
قال (عليه السلام): «وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وَخُزَّانَ العِلْمِ وَمُنْتَهى الحِلْمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الأُمَمِ وَأَوْلِياء النِعَمِ وَعَناصِرَ الأَبْرارِ وَدَعائِمَ الأَخْيارِ».
وقال (عليه السلام): «أَنْتُمُ الصِّراطُ الأَقْوَمُ وَشُهَداءُ دارِ الفَناءِ وَشُفَعاءُ دارِ البَقاءِ، وَالرَّحْمَةُ المَوْصُولَةُ وَالآيَةُ المَخْزُونَةُ وَالأَمانَةُ المَحْفُوظَةُ، وَالبابُ المُبْتَلى بِهِ النَّاسُ، مَنْ أَتاكُمْ نَجا وَمَنْ لَمْ يَأْتِكُمْ هَلَكَ».
وقال (عليه السلام): «بِكُمْ فَتَحَ الله وَبِكُمْ يَخْتِمُ، وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الغَيْثَ وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماء أنْ تَقَعَ عَلى الأَرْضِ إِلّا بِإذْنِهِ، وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الهَمَّ وَيكشف الضُّرَّ».
وورد أيضاً في زيارة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه): «السَّلامُ عَلَيْكَ يا سَفِينَةَ النَّجاةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ الحَياة»(42).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال فيه: ... ما أنزلت السماء من قطرة من ماء منذ حبسه الله (عزّ وجل)، ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهب الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق إلى(43) الشام لا تضع قدميها إلّا على النبات وعلى رأسها زينتها(44)، لا يهيجها سبع ولا تخافه»(45).
هذه النصوص وغيرها تؤكِّد لنا أنَّ الإمام (عجّل الله فرجه) هو مصدر الرحمة والبركة، ونزول الغيث والرزق من السماء والأرض، وهو مطابق لكثير من الروايات التي تشير إلى أن الأرض سوف تظهر كنوزها في زمان الظهور المقدس، وما هذا إلّا مصداق لتلك.
وقد ورد في جملة من الروايات أنَّ الإمام (عجّل الله فرجه) عندما يظهر ويباشر مهام الإمامة يهتم برفع المستوى المعيشي للناس وبخاصة المؤمنين منهم، وذلك بطرق متعدِّدة يمكن تناول بعضها من خلال قراءة بعض الروايات، ومن تلك الطرق:
أ - بسط العدل على أرجاء المعمورة:
أهم خطوة تقوم بها حكومة الإمام (عجّل الله فرجه) هي بسط العدل ونشره في أرجاء المعمورة، وهو ما نصَّت عليه روايات كثيرة عند الخاصة والعامة، منها:
عن الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة حتّى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب، فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(46).
وعن عبد الرحمن بن سمرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث طويل قال فيه: «... وتسعة من وُلد الحسين، تاسعهم قائم أُمَّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(47).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال بالكوفة على المنبر: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم، لطوَّل الله ذلك اليوم، حتّى يبعث الله رجلاً منّي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(48).
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يكون من أُمَّتي المهدي، فإن طال عمره أو قصر عمره عاش سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وتخرج الأرض نباتها وتمطر السماء قطرها»(49).
وعن أبى سعيد الخدري، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «المهدي منّي أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، يملك سبع سنين»(50).
فإذا استقام العدل بين الخلق وأخذ كل ذي حقٍّ حقَّه، لم ترَ شخصاً يتضوَّر من الجوع وآخر يموت من التخمة، ولا ترى من يحلم بأن يعمل يوماً كاملاً ويقبض أجور عمله ليأخذ لأهله رغيف خبز، بل في دولة الإمام (عجّل الله فرجه) الكل يأكل ويلبس ويترَفَّه ويعمل، بل أكثر من ذلك يفهم من بعض الروايات أنَّه لا يوجد فقير آنذاك، كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الروايات المتقدِّمة أنَّه قال: «... ليأتين عليكم وقتٌ لا يجد أحدكم لديناره ودرهمه موضعاً»(51).
ب - تقسيم الحقوق الشرعية على المستحقين:
الله تعالى عندما خلق الخلق وعلم أنَّ فيهم غنيّاً وفقيراً، جعل للفقراء حقّاً في أموال الأغنياء، من خمس أو زكاة، أو هبة أو صلة أو غير ذلك، لئلّا يبقى الفقراء يقاسون فقرهم ولا يقدرون على شيء، وهذا نوع من العدل الإلهي بين عباده، فالفقر إنَّما حلَّ قبل الظهور هو باستئثار البعض بفيء الله تعالى، وعلى حساب عباد الله تعالى، فاتخذوه ﴿دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ﴾ (الحشر: 7)، ولكن هذا لا يحصل بعد الظهور المبارك؛ لأنَّ الإمام يبسط عدله على الجميع، ويكسر شوكة السرّاق وقراصنة الحقوق الشرعية، بل في بعض الروايات أنه يقطع أيدي البعض ويعلّقها على الكعبة(52)، وبذلك يقضي الإمام (عجّل الله فرجه) على جذور الفساد، فتبقى الموارد الشرعية بلا مزاحم فيقسمها بين المستحقين بالسوية، كما ورد في رواية عن جابر قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) وأنا حاضر، فقال: رحمك الله اقبض هذه الخمس مائة درهم فضعها في موضعها، فإنها زكاة مالي، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين، وفي إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن، البر منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، فإنما سُمّي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء، وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعط أحداً كان قبله»(53).
ج - إرجاع ما سلب من الناس:
المؤمنون قد سُلبت حقوقهم واضطُهدوا كما تقدَّم في الروايات السابقة، فهو الذي يبسط العدل ويرفع الظلم، فإرجاع الحقوق المسلوبة والأقوات، ما هو إلّا مصداق لنشر العدل بلا إشكال.
هـ - عطاء منقطع النظير:
لم يسجل التاريخ في أرقام الكرم رقماً أبرز من أهل البيت (عليهم السلام)، ولو أن حاتماً الطائي كان في زمانهم (عليهم السلام) لمات خجلاً من عطائه عندما يرى عطاء أهل البيت (عليهم السلام)، فقد شهد الكتاب بصدقة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخاتم، وبتصدُّقه بغذائه مع غذاء عياله على اليتيم والمسكين والأسير، وما جاد به الأئمة الهداة (عليهم السلام) أكثر من أن يحصى، ولكن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) سوف يكون عطاؤه فوق تصور وإدراك الأذهان، بحيث عندما يعطي لشخص مالاً لا يحدّه بحدٍّ ولا يعدّه عدّاً أبداً، يعطيه ما استطاع أن يحمل من المال، بحيث لا يفكر مرة أخرى بالفقر والحاجة، وهذا معناه أن الفقير الذي يأتي إلى الإمام (عجّل الله فرجه) لا يرجع إلّا وهو غني ملي، وإليك جملة من تلك الروايات:
عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعدُ فينا حدثٌ فسألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «يخرج المهدي في أمتي...»، ثم قال: «يرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدَّخر الأرض من نباتها شيئاً، ويكون المال كدوساً، قال: يجيء الرجل إليه فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل»(54).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يكون في آخر أُمَّتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعدّه عداً»(55).
عن عبد الرحمان ابن عوف قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ليبعثن الله من عترتي رجلاً أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض عدلاً ويفيض المال فيضاً»(56).
2- الإكثار من الزراعة:
من أهم الموارد التي تقفز بالاقتصاد الفردي والمجتمعي هي الزراعة، بحيث إنها عندما يكون لها رواج بين أفراد المجتمع سوف تسد حاجاتهم اليومية شيئاً فشيئاً، حتّى يصلوا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من جهة الزراعة، كما فعله النبي يوسف (عليه السلام)، إذ ورد في رواية سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رجل فقال له: جُعلتُ فداك، أسمع قوماً يقولون: إنَّ الزراعة مكروهة، فقال له: «ازرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه، والله ليزرعنَّ الزرع وليغرسن النخل...»(57).
3- نزول الأمطار:
لا يختلف اثنان في أنَّ الأمطار هي منبع الخير والبركة؛ حيث إنَّ فيه إحياءً للأرض وإنباتاً للثمرات، كما ورد في عدّة من الآيات، قال تعالى: ﴿أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ (البقرة: 164)، وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ﴾ (الأنعام: 99).
فإذا ظهر الإمام (عجّل الله فرجه) أنزلت السماء قطرها وأنبتت الأرض شجرها، كما ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال فيه: ... ما أنزلت السماء من قطرة من ماء منذ حبسه الله (عزّ وجل)، ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها»(58).
وورد عن الإمام الهادي (عليه السلام) في الزيارة الجامعة الكبيرة أنه قال: «بكم فتح الله وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث...»(59).
عن سعيد بن جبير قال: إن السَّنة التي يقوم فيها المهدي (عليه السلام) تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة، ترى آثارها وبركاتها»(60).
4- تخرج الأرض بركاتها:
وهذه الفقرة الأخيرة تكون بمنزلة نتيجة لكل الأسباب المتقدمة الداخلية والخارجية المؤيدة بالكتاب والسُّنة، فتكون النتيجة هي: بعد أن تجتمع تلك الأسباب تظهر الأرض بركاتها وكنوزها، وإذا أظهرت كنوزها انعكست بصورة إيجابية على الوضع الاقتصادي للمؤمنين فيتبوَّؤون منها حيث يشاؤون.
وقد وردت الروايات في بيان حال الأرض زمان الظهور المبارك، منها ما ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال فيه: ... ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها»(61)، بل في الآيات التي سبقت الإشارة إليها في الأسباب الداخلية كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرضِ﴾ (الأعراف: 96)، وما ورد في السبب الثالث في نزول الأمطار وكيف تظهر الأرض بركتها من كل جهة، حتّى عبَّر عنها الله تعالى بالحياة لها بعد أن ماتت.
اختصاص النعيم بالمؤمنين:
إلى هنا اتَّضح لنا ممّا سبق أن الأزمة الاقتصادية الخانقة سوف تزول من خلال توفر بعض الشرائط والأسباب، وبعدها سوف ينعم الناس بالخير والبركة، إلّا أن السؤال الجدير بالذكر هو: هل إن هذا النعيم يشمل الكل - البر والفاجر على حدٍّ سواء -، أم هو مختص بالمؤمنين فحسب؟
والجواب عن هذا السؤال من وجهين:
الأول: ما ورد في بداية المبحث الثاني من الآيات(62)، التي تقدم بيانها مفصّلاً، الدالة على الوعد الإلهي بإزالة الظلم عن المؤمنين، ونصرهم واستخلافهم في الأرض، وجعلهم الوريث الشرعي لها، فإن تلك النصوص تقتضي أن يكون النعيم في مرحلة الظهور المبارك هو خاص بالمؤمنين فقط دون غيرهم، وقد لا نبالغ إذا ادَّعينا دلالتها على ذلك بصراحة لمن تأمّلها جيداً.
والثاني: النصوص الخاصة الواردة في هذا المقام الدالة على الاختصاص بالمؤمنين دون غيرهم، الموافقة في دلالتها لتلك الآيات المشار إليها في الوجه الأول، وهي عدة روايات، منها:
ما ورد عن الحسن بن محبوب عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «يكون رحمةً على المؤمنين وعذاباً على الكافرين»(63).
وما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة عن الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) قال: «... ويملك في دولتكم ويشرَّف في عافيتكم، ويمكَّن في أيامكم... وفاز الفائزون بولايتكم... وبموالاتكم علَّمنا الله معالم ديننا، وأصلح ما كان فسد من دنيانا».
وما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «... يكون رحمةً على المؤمنين وعذاباً على المنافقين»(64).
وما ورد عن أبي الصباح الكناني، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه شيخ وقال: قد عقني ولدي وجفاني إخواني، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «أَوَ مَا علمت أن للحق دولة، وللباطل دولة، كلاهما ذليل في دولة صاحبه، فمن أصابته رفاهية الباطل اقتص منه في دولة الحق»(65).
وقد يقال في مقام الاعتراض على الاختصاص: بأنه لا دليل على أنَّ الناس بصورة عامة سوف يكونون مؤمنين من الدرجة الأولى، بل يفهم من بعض ألسِنة الروايات، أنَّ بعض الكفار يبقون على قيد الحياة في دولة الإمام (عجّل الله فرجه) ويمارسون حياتهم الطبيعية، وهذا يقتضي أن النعيم يشملهم، والذي يدل على ذلك قول الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية جابر: «... إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن، البر منهم والفاجر»(66)، وعليه فلا اختصاص.
إلّا أنه يقال في جواب ذلك: نعم هذا الكلام وجيه في الجملة، إلّا أنه غير تام من حيث وجود الفرق الواضح بين الإنسان المرفّه وله اليد العليا في حكومة الإمام (عجّل الله فرجه)، الذي يحظى بكافة الإمكانات، وبين الإنسان الذي يقاسي المرارة ولو الغربة النفسية فضلاً عن غيرها، مع أنّ كلاً منهما يعيش في ظل حكومة الإمام (عجّل الله فرجه)، إلّا أنَّ التفضيل موجود، وهو معنى الاختصاص فلا إشكال.
وأمّا الرواية فهي أجنبية عما نحن فيه من التنعم والحرمان واختصاص النعيم بالمؤمنين دون غيرهم، حيث إنها تتكلم عن عدل الإمام (عجّل الله فرجه) وأنه يشمل البر والفاجر، ومعنى ذلك هو ما تقدَّم بيانه في الأسباب الخارجية في المبحث الثاني، حيث إنَّ الإمام (عجّل الله فرجه) يرد على المؤمن ما سلب منه من الأموال، وهذا يعني أنه يأخذ من الظالم وهو (الفاجر) في الرواية ويعطيه للمؤمن الذي هو (البر) فيها، وهذا معناه أن العدل جرى على الجميع، والذي يوضح الجواب بصورة أجلى هو ما ورد في رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث قال: «... أن للحق دولة، وللباطل دولة، كلاهما ذليل في دولة صاحبه، فمن أصابته رفاهية الباطل اقتص منه في دولة الحق»(67).

المصادر:

1- القرآن الكريم.
2- الإمامة والتبصرة من الحيرة، للشيخ علي بن الحسين بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) - قم المقدسة.
3- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، للشيخ المفيد، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، طبع ونشر دار المفيد.
4- إلزام الناصب، للشيخ علي اليزدي الحائري، تحقيق السيد علي عاشور.
5- الأمالي، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي، الطبعة الأولى 1417 هـ، تحقيق وطبع ونشر مؤسسة البعثة في قم.
6- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، تحقيق ميزا محسن كوجه باغي، طبعة عام 1404، مطبعة الأحمدي طهران، نشر مؤسسة الأعلمي - طهران.
7- بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، الطبعة الثانية 1403، طبع ونشر مؤسسة الوفاء - بيروت.
8- بشارة الإسلام في علامات المهدي (عجّل الله فرجه)، السيد مصطفى ال سيد حيدر الكاظمي، تحقيق شيخ نزار الحسن، مطبعة علمية، من إصدارات هيئة محمد الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم).
9- تفسير العياشي، النضر بن محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمر قندي، تحقيق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، طبع ونشر المكتبة العلمية الإسلامية.
10- تهذيب الأحكام، للشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق السيد حسن الخرسان، الطبعة الرابعة 1365 ش، مطبعة خورشيد، نشر دار الكتب الإسلامية في طهران إيران.
11- التمحيص، محمد بن همام الإسكافي، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، قم المقدسة.
11- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) - قم المقدسة.
12- الخصال، للشيخ الصدوق، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر جامعة المدرسين في قم.
13- دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام، للقاضي نعمان بن منصور المغربي، تحقيق أصف بن علي أصغر فيضي، نشر دار المعارف 1963.
14- الدر المنثور، جلال الدين السيوطي، الطبعة الأولى 1365، مطبعة الفتح في جدة، نشر دار المعرفة.
15- سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق سعيد محمد اللحام، الطبعة الأولى 1410، طبع ونشر دار الفكر، بيروت لبنان.
16- سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، طبع ونشر دار الفكر، بيروت 1403.
17- شرح أصول الكافي، للمولى محمد صالح المازندراني، المتوفى 1081.
18- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، نشر دار الفكر بيروت.
19- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، طبع ونشر دار الفكر في بيروت.
20- علل الشرائع، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، طبعة عام 1386، طبعة المطبعة الحيدرية في النجف، نشر المكتبة الحيدرية.
21- عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي، طبع ونشر مؤسسة الأعلمي بيروت، الطبعة الأولى 1404.
23- الغيبة، للشيخ محمد بن إبراهيم النعماني، تحقيق علي أكبر الغفاري، طبع ونشر مكتبة الصدوق - طهران.
24- كنز العمال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، تحقيق الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السقا، طبع ونشر مؤسسة الرسالة - بيروت لبنان.
25- الكافي، للشيخ محمد بن يعقوب الكليني، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة 1388، مطبعة حيدري، نشر دار الكتب الإسلامية - آخوندي.
26- كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق، تحقيق علي أكبر الغفاري، طبعة قم، طبعة جامعة المدرسين 1405.
27- كتاب الغيبة، محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح، مطبعة بهمن، الطبعة الأولى 1411، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة.
28- كشف الخفاء ومزيل الالباس، إسماعيل بن محمد العجلوني، الطبعة الثالثة 1408، نشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
29- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، علي بن محمد بن علي الخزاز القمي، تحقيق السيد عبد اللطيف الكوه كمري، مطبعة الخيام 1401، نشر انتشارات بيدار.
30- كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي، تحقيق جواد القيومي، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، نشر مؤسسة نشر الفقاهة، الطبعة الأولى 1417.
31- مسند أحمد، أحمد بن حنبل، طبع ونشر دار صادر - بيروت.
32- من لا يحضره الفقيه، للشيخ محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية 1404، نشر جامعة المدرسين.
33- معجم أحاديث المهدي (عجّل الله فرجه)، للشيخ علي الكوراني، طبعة قم، مطبعة بهمن، الطبعة الأولى 1411.
34- ميزان الحكمة، محمد الري شهري، تحقيق دار الحديث، مطبعة دار الحديث، الطبعة الأولى.
35- مجمع النورين وملتقى البحرين، الشيخ أبو الحسن المرندي.
36- المهدي، السيد صدر الدين الصدر، باهتمام السيد باقر خسروشاهي، طبع ونشر مؤسسة بستان كتاب سنة 1428، الطبعة الثالثة، قم المقدسة.
37- هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، سيد فاروق البياتي، الطبعة الأولى 1429، منشورات الاجتهاد قم المقدسة.
38- ينابيع المودة لذوي القربى، للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني، الطبعة الأولى 1416 هـ، نشر دار الأسوة.

الهوامش:
(1) تفسير العياشي: ج1، ص199، ح146؛ البحار: ج5، ص216، ح1.
(2) كمال الدين: ص611، ح27؛ الخرائج والجرائح: ج2، ص912.
(3) الغيبة للنعماني: ص259، ح6.
(4) الإمامة والتبصرة: ص129، ح132.
(5) الإرشاد للمفيد: ج2، ص377.
(6) كمال الدين: ص525- 527، ح1.
(7) الغيبة للنعماني: ص250، ح5.
(8) كتاب التمحيص: ص4.
(9) بصائر الدرجات: ص104، ح4.
(10) الكافي: ج1، ص335، ح1؛ الغيبة للنعماني: ص169، ح11؛ الغيبة للطوسي: ص455، ح465.
(11) الكافي: ج2، ص374، ح2؛ علل الشرائع: ج2، ص584، ح26.
(12) الكافي: ج2، ص448، ح3.
(13) كمال الدين وتمام النعمة: ص525، ح1.
(14) الكافي: ج2، ص374، ح2.
(15) مسند أحمد بن حنبل: ج2، ص261؛ معجم أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): ج1، ص429، ح295.
(16) الغيبة للنعماني: ص249، ح4.
(17) الغيبة للنعماني: ص172، ح7.
(18) كنز العمال: ج6، ص89، ح14972؛ كشف الخفاء: ج2، ص126، ح1997.
(19) الكافي: ج8، ص36-40، ح7؛ هذا ما وعد الرحمن: ج1، ص218.
(20) وفي بعض الروايات (المصون) كما في ينابيع المودة: ج3، ص206؛ وفي بشارة الإسلام: ص105.
(21) مجمع النورين: ص310- 311؛ هذا ما وعد الرحمن: ج1، ص368.
(22) إلزام الناصب: ج2، ص162؛ هذا ما وعد الرحمن: ج1، ص315.
(23) الكافي: ج2، ص374، ح2؛ علل الشرائع: ج2، ص584، ح26.
(24) أمالي الصدوق: ص482، ح652 /12.
(25) الخصال: ص230، ح73.
(26) دعائم الإسلام: ج2، ص531، ح1888.
(27) الغيبة للنعماني: ص248، ح3.
(28) علل الشرائع: ج1، ص243، ح1.
(29) علل الشرائع: ج1، ص244، ح2.
(30) الغيبة للنعماني: ص174، ح10.
(31) كمال الدين وتمام النعمة: ص287- 288، ح7؛ هذا ما وعد الرحمن: ج1، ص395.
(32) الكافي: ج2، ص298، ح6.
(33) الغيبة للنعماني: ص158، ح2.
(34) الغيبة للنعماني: ص248- 249، ح3.
(35) كمال الدين وتمام النعمة: ص287- 288، ح7؛ هذا ما وعد الرحمن: ج1، ص395.
(36) الغيبة للنعماني: ب12، ح17، ص218.
(37) الغيبة للنعماني: ص26.
(38) الغيبة للنعماني: ص150، ح8.
(39) صحيح البخاري: ج3، ص40؛ مسند أحمد بن حنبل: ج2، ص240.
(40) الكافي: ج4، ص575- 576، ح2؛ كامل الزيارات: ص362- 365، ح618 / 2.
(41) من لا يحضره الفقيه: ج2، ص609- 617، ح3216 / 2.
(42) البحار: ج99، ص215.
(43) وفي تحف العقول: ص115 [والشام].
(44) ن.خ (زنبيلها).
(45) الخصال: ص626.
(46) الإمامة والتبصرة: ص119، ح114.
(47) أمالي الصدوق: ص78، ح45/3.
(48) الغيبة للطوسي: ص46، ح30.
(49) مسند أحمد بن حنبل: ج3، ص27.
(50) سنن أبي داود: ج2، ص310، ح4285.
(51) الغيبة للنعماني: ص150، ح8.
(52) الإرشاد: ج2، ص383؛ تهذيب الأحكام: ج4، ص333، ح1044 / 112.
(53) علل الشرائع: ج1، ص161، ح3.
(54) شرح أصول الكافي: ج6، ص256؛ البحار: ج51، ص87؛ المهدي: ص93؛ مسند أحمد بن حنبل: ج3، ص21؛ سنن الترمذي: ج3، ص343، ح2333؛ كنز العمال: ج14، ص273، ح38701.
(55) شرح أصول الكافي: ج6، ص256؛ المهدي: ص93؛ صحيح مسلم: ج8، ص185؛ مسند أحمد بن حنبل: ج3، ص48؛ الدر المنثور: ج6، ص56.
(56) البحار: ج51، ص96.
(57) الكافي: ج5، ص260، ح3.
(58) الخصال: ص626.
(59) من لا يحضره الفقيه: ج2، ص609- 617، ح3216 / 2.
(60) الإرشاد: ج2، ص373؛ الغيبة للطوسي: ص443، ح435.
(61) الخصال: ص626.
(62) الشرح: 5- 6؛ المعارج: 5-7؛ غافر: 51؛ الأنبياء: 105.
(63) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1، ص9، ح14؛ كمال الدين: ص370، ح3؛ الغيبة للنعماني: ص180، ح28.
(64) كفاية الأثر: ص159.
(65) الغيبة للنعماني: ص319، ح7.
(66) علل الشرائع: ج1، ص161، ح3.
(67) الغيبة للنعماني: ص319، ح7.

العدد ٨ / ذي الحجة / ١٤٤٠ هـ : ٢٠١٩/٠٨/٠٣ : ٤.٥ K : ٠
: الشيخ ماهر الحجّاج
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

محتويات العدد: