أبحاث العدد:
خلاصات بحوث العدد:
المسار:
الموعود » اعداد المجلة » العدد ٩ / جمادى الآخرة / ١٤٤١ هـ
لتصفح المجلة بـ Flsh
لتحميل المجلة كـ Pdf
العدد 9 / جمادى الآخرة / 1441 هـ

أقوال بعض الفرق في الغيبة والرد عليها

أقوال بعض الفرق في الغيبة والرد عليها

أحمد عبد الله حميد العلياوي

المقدمة:
تعد الدراسات المتعلقة بالعقيدة المهدوية من الدراسات المهمة في التاريخ الإسلامي والتي لم يكن لها نصيب وافر ما قبل العام (2003م) في الجامعات العراقية أو في البحوث والدراسات الأكاديمية أو الدراسات العليا في أقسام التاريخ، ولم يكن ما كتب بهذا الموضوع قبل هذه المدة متاحاً بصورة عامة للاطلاع عليه، وخلال العقد والنصف المنصرم ما بعد العام المذكور أتيحت الفرصة للخوض في هذا الموضوع وطرحت الكثير من الكتب والدراسات في خارج الوسط الأكاديمي وداخله في داخل العراق وخارجه حيث تناولت الكثير من حيثياتها، وكذلك فتح المجال للاطِّلاع على ما كتب في القضية المهدوية ما قبل التاريخ أعلاه، وقد اطَّلعنا على عدد من الدراسات التي كتبت في هذا المجال في الأوساط الأكاديمية، وجدنا أن بعضاً منها بحث القضية المهدوية والغيبة ووقوعها وأسبابها وحياة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إلّا أنَّ الدراسات لم تركز في أهم جزئية من تلك القضية، وهي إثبات الغيبة ووقوعها أو أنها ليست بالأمر الطارئ على البشرية، أي إنها لم تركِّز بصورة مباشرة على إثبات وقوع الغيبة بالثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) بالرغم من أن بعض الباحثين تناول هكذا موضوع ضمناً داخل البحوث أو تلك الكتب، وليس موضوعاً رئيساً إذ لا توجد دراسة أكاديمية مستقلة بهذا الصدد، فكان هذا السبب الرئيس لاختيارنا لموضوع الدراسة في هذه الأطروحة.
فكان اختيارنا لموضوع الرواية المهدوية من خلال كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق (ت381هـ) دراسة تحليلية مقارنة.
يعد الكتاب من أوائل الكتب المصنفة في تاريخ التشيع حول القضية المهدوية ومن الكتب المتقدمة، وقد ألَّفه سنة (354هـ/965م) أي بعد وقوع الغيبة الكبرى بخمس وعشرين سنة، فهو من أهم كتب الغيبة ويعد مصدراً مهماً نَقل رواياته أغلب من أَلَّف في الغيبة من المتقدمين الذين أتوا بعد عصر الصدوق وعند أغلب المتأخرين، ولم يسبق الصدوق للتأليف في الغيبة سوى النعماني صاحب كتاب الغيبة وقد ألَّفه سنة (342هـ/953م).
فوقع الاختيار على هذا الكتاب بالدراسة والتحليل فهي محاولة لإخراجه بطريقة بحث أكاديمي على وفق منهج البحث التاريخي تطرح أمام القراء بصورة مبسطة وترجمة المفردات الغريبة في أحاديثه ورواياته والتي من خلالها يمكن فهم الكثير من مواضيع الغيبة، والهدف من الدراسة أيضاً هو إثارة موضوع الكتاب في الوسط الأكاديمي لأهمية موضوعه بخصوص تلك القضية التي يمكن أن نسميها تاريخ المستقبل، أضف إليها شمولية الكتاب لاحتوائه على مواضيع تاريخية متنوعة.
انتظمت هذه الدراسة بتمهيد وخمسة فصول وخاتمة وثلاثة ملاحق وقائمة بالمصادر والمراجع وملخص للموضوع باللغة الانكليزية، وقد وضعنا في بداية كل فصل مقدمة توضيحية لموضوع الفصل أو عدد رواياته.
والبحث الذي بين يديك - عزيزي القارئ - مستل منها.
أقوال بعض فرق الغيبة وردها(1)،(2):
أولاً - قول الكيسانية(3)، في الغيبة:
ينقل المصنف رأي الكيسانية في الغيبة، ويقول: إنهم يدَّعون هذه الغيبة لمحمد بن الحنفية (رضي الله عنه)، ويروي في ذلك أبياتاً شعرية للسيد الحميري في ذلك حسب معتقد الكيسانية وكان الحميري(4)، حينها منهم قال:

ألا إن الأئمة من قريش

علي والثلاثة من بنيه

فسبطٌ سبط إيمان وبر

وسبطٌ(5) لا يذوق الموت حتّى

يغيب فلا يرى عنا زماناً

 

ولاة الأمر أربعة سواء

وهم أسباطنا والأوصياء

وسبطٌ قد حوته كربلاء

يقود الجيش يقدمه اللواء

برضوى(6) عنده عسل وماء(7)

ويقول الصدوق: إنَّ السيد الحميري بقي ضالاً يعتقد الغيبة في محمد بن الحنفية حتّى لقي الإمام جعفر بن محمد (عليهم السلام) ورأى علامات الإمامة وشاهد فيه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة فذكر له أنها حق وهي تقع في الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) وأخبره بموت محمد بن الحنفية، وأنَّ الإمام الباقر (عليه السلام) شهد دفنه فرجع السيد الحميري واهتدى على يد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وقال بغيبة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)(8)، وقال بعدها قصيده طويلة في غيبة القائم (عجّل الله فرجه) مما جاء فيها:

بأن ولي الأمر والقائم الذي

له غيبة لابد أن يغيبها

 

تطلع نفسي نحوه بتطرب

فصلّى عليه الله من متغيب(9)

ثم يقول المصنف: إن الراوي لهذا الحديث يُدْعى حيّان السرّاج(10) من الكيسانية، ومتى صح موت محمد بن الحنفية بطل أن تكون الغيبة التي رويت في الأخبار واقعة به(11)، ومن الدلالة هنا على بطلان قولهم هو الشاعر السيد الحميري الذي كان يقول بقولهم في الغيبة، وبعد أن اتَّضح له الأمر وعرف الحق على يد الإمام الصادق (عليه السلام) اهتدى وخالف مقالتهم، فيعد ردّاً عليهم من شخص كان منهم ودحض قولهم بشعره بعد هدايته.
وما أساس قولهم هذا إلّا لاعتقادهم أن إمامهم محمد بن الحنفية لم يمت وأنهم لم يحصروا الإمامة في الأئمة من أبناء علي وفاطمة (عليهما السلام)، وجعلت الإمامة بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) في محمد بن الحنفية، وكانوا يعتقدون أنه لم يمت وأنه بجبل رضوى، بين نمر وأسد يحرسانه ومعه رزقه إلى وقت خروجه وزعموا أن السبب في غيبته أن هذا تدبير من الله، وأنه يعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً(12).
وأخرج المسعودي ما رواه الصدوق عن الكيسانية بقولهم في إمامة محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) وقسماً من أشعار الحميري توضح قولهم في الغيبة بأنها في محمد بن الحنفية(13)، ونقلت تلك الأخبار الواردة عند الصدوق في مصادر أخرى بتصرف وبعضها باختصار(14)، ونقل الشهرستاني ما ورد عن السيد الحميري من شعر وأقوال الكيسانية في محمد بن الحنفية كما وردت عند الصدوق(15).
ويروي الصدوق احتجاجاً للإمام الصادق (عليه السلام) حين دخل عليه حيّان السرّاج فقال له: «يا حيّان، ما يقول أصحابك في محمد بن الحنفية»؟ قال: يقولون إنه حي يرزق، فقال الصادق (عليه السلام): «حدثني أبي (عليه السلام) أنه كان فيمن عاده في مرضه وفيمن غمضه وأدخله حفرته وزوّج نساءه وقسّم ميراثه»، فقال: يا أبا عبد الله إنما مثل محمد بن الحنفية في هذه الأُمَّة كمثل عيسى بن مريم شبِّه أمره للناس، فقال الصادق (عليه السلام): «شبِّه أمره على أوليائه أو على أعدائه»؟ قال: بل على أعدائه، فقال: «أتزعم أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) عدو عمِّه محمد بن الحنفية»؟ فقال: لا، فقال الإمام الصادق (عليه السلام): «يا حيّان، إنكم صدفتم عن آيات الله وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ﴾ [الأنعام: 157]».
وأخرج الكشي مثل الرواية وفيها بعد أن كتب محمد بن الحنفية وصيَّته حتّى قال الإمام الباقر لولده الصادق (عليهما السلام)، والتي يحدث بها حيّان: «فما برحت حتّى غمَّضته وغسَّلته وكفَّنته وصلَّيت عليه ودفنته»، ثم يكمل الإمام الصادق (عليه السلام) حديثه لحيّان: «فإن كان هذا موتاً فقد والله مات»، قال: فقال لي [يقصد حيّاناً] رحمك الله شُبِّهَ على أبيك، قال: فقلت: سبحان الله أنت تصدف على قلبك، فقال لي: وما الصدف على القلب؟ قال: قلت: الكذب(16).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «ما مات محمد بن الحنفية حتّى أقرَّ لعلي بن الحسين (عليه السلام)، وكانت وفاة محمد بن الحنفية سنة أربع وثمانين من الهجرة»(17)، وفي خبر يرويه الصدوق عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: «دخلت على محمد بن الحنفية وقد اعتقل لسانه(18) فأمرته بالوصية فلم يجب، قال فأمرت بطست فجعل فيه الرمل فوضع فقلت له: خط بيدك، قال: فخط بيده في الرمل ونسخت أنا في صحيفة»(19).
وأورد الكشي مثلها باختلاف يسير تعطي وضوحاً أكثر في المعنى، منها: محادثة الإمام الصادق (عليه السلام) مع حيّان السرّاج فقال له: «يا حيّان، أليس من تزعم ويزعمون وتروي ويروون لم يكن في بني إسرائيل شيء إلّا وهو في هذه الأُمَّة مثله»؟ قال: بلى، فقلت: «هل رأينا ورأيتم وسمعنا وسمعتم بعالم مات على أعين الناس فنُكِحَ نساؤه وقُسِّمت أمواله وهو حي لا يموت»؟ فقام ولم يرد عليَّ شيئاً(20).
وخير دليل على بطلان قول الكيسانية والواضح فيها التشويه والطعن في مذهب الإمامية، وخير دليل أيضاً على ولاء محمد (رحمه الله) للأئمة (عليهم السلام) هو قول الإمام الصادق (عليه السلام): «ما مات محمد بن الحنفية حتّى أقرَّ لعلي بن الحسين (عليه السلام)»(21)، حتّى يكفينا من هذا ردّاً ما ورد عن محمد بن الحنفية نفسه أنَّه سأله أبو خالد الكابلي هل هو الإمام فقال: عليَّ وعليك وعلى كل مسلم علي بن الحسين (عليه السلام)(22).
باعتبار أنَّ الإمامة ممتدة في نسل الإمام الحسين (عليه السلام) من ولده علي بن الحسين (عليهم السلام) وكذلك قول الإمام الباقر (عليه السلام): «فأمرته» أي إنه متأكد بطاعته للمعصومين (عليهم السلام) وحتّى لم يقدر بالكلام خطّ بيده على الرمل امتثالاً لأمر الإمام المعصوم وهو على فراش الموت، وكذلك احتجاج الإمام الصادق (عليه السلام) على السرّاج بتقسيم الأموال وتزويج النساء، فكيف يكون حيّاً؟ وخروجه منه دون أي رد، وكذلك قول الإمام وفعله حجة حين يغسِّله ويكفِّنه ويدفنه بيده، ما هي إلّا حجَّتا إخلاص ابن الحنفية للإمام للمعصوم وتجهيزه عند موته، ويكفي نفياً لقول الكيسانية بقول الصدوق صحة موت محمد بن الحنفية - وقد تواتر الخبر في موته بغض النظر عن اختلاف وقتها(23) -، وبموته يثبت بطلان حجتهم وقولهم بغيبته.
ثانياً - قول الناووسية(24) في الغيبة:
أخرج الصدوق خبر الناووسية بأنها قالت بأمر الغيبة فاعتقدوها جهلاً منهم في الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) حتّى أبطل الله قولهم بوفاته (عليه السلام) وبقيام الإمام الكاظم (عليه السلام) مقام أبيه(25).
ويكفي في ردع قولهم هو وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) حيث دُوِّن تاريخ وفاته في مصادر الفريقين في المدينة المنورة في شوال سنة (148هـ/765م) وله من العمر (65 سنة)، استمرت إمامته (34 سنة) ودفن بالبقيع(26)، وكذلك يبطل قولهم من خلال القاعدة التي وضعها الإمام الصادق (عليه السلام) حين قال: «إذا توالت ثلاثة أسماء محمد وعلي والحسن كان رابعهم قائمهم»(27)، وهذه القاعدة لا تنطبق بهذا التسلسل إلّا بعد الإمام محمد الجواد وعلي الهادي والإمام العسكري ثم القائم بن الحسن العسكري (عليهم السلام).
ثالثاً - قول الواقفة(28) في الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في الغيبة:
قالت هذه الفرقة بأن الغيبة وقعت في الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأبطل الله تعالى قولهم بإظهار موته وموضع قبره، ثم بقيام الرضا علي بن موسى (عليه السلام) بالأمر بعده وظهور علامات الإمامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه (عليهم السلام)(29).
استشهد الإمام الكاظم (عليه السلام) لخمس بقين من رجب سنة (183هـ/799م) وعمره (55 سنة) ومدة إمامته (35 سنة)(30)، وقد نصَّ الإمام الكاظم على ولده الرضا (عليهما السلام) من بعده في كثير من المناسبات وأمام أصحابه وأشار فيها إلى الرضا (عليه السلام)، ومنها أنه بعث يوماً إلى أصحابه وقال: «أتدرون لِمَ دعوتكم»؟ فقالوا لا، فقال: «اشهدوا أنَّ ابني هذا وصيي والقيِّم بأمري وخليفتي من بعدي...»(31)، وقد أجمع أصحاب أبيه بالإمامة إليه إلّا من شذَّ منهم من الواقفة، والسبب الظاهر في ذلك طمعهم في ما كان في أيديهم من الأموال في مدَّة حبس الإمام الكاظم (عليه السلام) وما كان عندهم من ودائعه، فحملهم ذلك على إنكار وفاته وإنكار خليفته من بعده، وقد فسد قولهم المخالف للمعقول وانقرضوا والحمد لله(32).
ثم يذكر الصدوق ثلاث روايات طويلة تشير إلى حادثة وفاة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في أحدها يذكر أنه حضر لمشاهدته - بعد أن توفي - أكثر من خمسين رجلاً بأمر السندي بن شاهك(33)، ليشهدوا على وفاته بعد أن كشفه لهم وأمرهم بتغسيله وتكفينه، ثم صلّى عليه بن شاهك ودُفن، وفي رواية أخرى تقول: قد أشرف على تكفينه وتغسيله سليمان بن أبي جعفر(34) هو وولده وغلمانه ولم يذكر فيها من صلّى عليه وفي ثالثة قيل: إنه اطَّلع عليه سبعون رجلاً ممن يعرفونه من شيعته وغسَّله وكفَّنه سليمان بن أبي جعفر(35).
وذكرت نفس الأخبار في التغسيل والتكفين وقيل: إن ابن شاهك أدخل عليه جمعاً من الفقهاء والناس من بغداد ليشهدوا على موته ثم وضع على الجسر ببغداد ونظر الناس في وجهه، وأن من تولى تجهيزه هو سليمان بن أبي جعفر ودفن في مقابر قريش(36)، وخير دليل على نفي تلك الرواية هي الرواية التي قال فيها السندي بأنه سأل الإمام الكاظم (عليه السلام) حين حضرته الوفاة أن يأذن له في تكفينه، فأبى وقال: «إنّا أهل بيت مهور نسائنا وحج نائلنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا، وعندي كفني وأريد أن يتولى غسلي وجهازي مولاي فلان فتولى ذلك منه»(37).
وفي حديث طويل للإمام الكاظم (عليه السلام) يحدِّث فيه المسيب(38) وكان موكّلاً به، دعاه قبل وفاته بثلاثة أيام ومما جاء في حديثه قال: «... فإن علياً ابني هو إمامك ومولاك بعدي، فاستمسكْ بولايته فإنك لن تضل ما لزمته... وأن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني، هيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً...»، ثم يقول المسيب وقد حضر تغسيل الإمام (عليه السلام) وتكفينه: فو الله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون شيئاً، ورأيت ذلك الشخص يتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يُظهر لهم المعاونة لهم وهم لا يعرفونه، فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: «يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكنَّ فيَّ، فإني إمامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي (عليه السلام)، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق (عليه السلام) ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون، ثم حمل (عليه السلام) حتّى دُفن في مقابر قريش...»(39).
أي إن القوم قد شُبِّه لهم أنهم يغسِّلونه، وذلك بحضور الإمام الرضا (عليه السلام) بينهم وهم يعتقدون أنهم يغسِّلونه، لكن الإمام (عليه السلام) هو من يغسِّله، وفي كلا الحالين فإن الرواية تثبت وفاة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ونصّه على ابنه من بعده ودليلها أيضاً ما روي عن المسيب، وقال الصدوق في أحد كتبه ردّاً على الواقفة على إمامة موسى بن جعفر (عليه السلام) الذين يزعمون أنه حي وينكرون إمامة الرضا (عليه السلام) ويحتجون بحديث للإمام الصادق (عليه السلام) قال: «الإمام لا يغسِّله إلّا الإمام»، وتقول الواقفة لو أنَّ الرضا إمام لغسَّل أباه وأن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) غسَّله غيره، ويردّ بعد هذا الحديث الصدوق قائلاً: لا حجة لهم علينا في ذلك لأن الصادق (عليه السلام) إنما نهى أن يغسّل الإمام إلّا من يكون إماماً، فإن دخل من يغسِّل الإمام في نهيه فغسله لم يبطل ذلك إمامة الإمام بعده.
ولم يقل (عليه السلام) أن الإمام لا يكون إلّا الذي يغسل من قبله من الأئمة (عليهم السلام) فبطل تعلقهم علينا بذلك على أنا قد روينا...، وأن الرضا (عليه السلام) قد غسّل أباه موسى بن جعفر (عليهما السلام) من حيث خفي على الحاضرين لغسله غير من اطَّلع عليه، ولا تنكر الواقفة أنَّ الإمام يجوز أن يطوي الله تعالى له البُعد حتّى يقطع المسافة البعيدة في المدة اليسيرة(40).
وفي مكان آخر من الكتاب يشير المصنف إلى ردّ على الواقفة بقوله: ومذهبنا في غيبة الإمام في هذا الوقت لا يشبه مذهب الممطورة(41) في موسى بن جعفر لأن موسى مات ظاهراً ورآه الناس ميتاً ودفن دفناً مكشوفاً ومضى لموته أكثر من مائة وخمسين سنة، لا يدَّعي أحد أنه رآه ولا يكاتبه ولا يراسله، ودعواهم أنه حي، فيه إكذاب الحواس التي شاهدته ميتاً وقد قام بعده عدَّة أئمة فأتوا من العلوم بمثل ما أتى به موسى (عليه السلام) وليس في دعوانا هذه غيبة الإمام إكذاب للحس ولا محال ولا دعوى تنكرها العقول ولا تخرج من العادات وله إلى هذا الوقت من يدَّعي من شيعته الثقات المستورين أنَّه باب إليه وسبب يؤدي عنه إلى شيعته أمره ونهيه ولم تطل المدة في الغيبة طولاً يخرج من عادات من غاب، فالتصديق بالأخبار يوجب إمامة ابن الحسن (عليهما السلام)... كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنها مشهورة متواترة وكانت الشيعة تتوقعها وتترجاها، كما يترجون بعد هذا قيام القائم (عليه السلام) بالحق وإظهار العدل(42).
وهنا الصدوق يحتج عليهم بموت الإمام، وقد ذكر الأخبار في ذلك، وقد رأته الناس ظاهراً عند موته موضوعاً على الجسر وأنَّه دفن علناً أمام الناس ولحين كتابته لهذه الأخبار كان قد مضى من الوقت مائة وخمسون سنة ولم يدَّعِ أي شخص أنَّه شاهده أو يكاتبه أو يراه، ومن هذا دليل آخر ورد في بعض الأخبار قيل إن سبب المناداة على الجسر على وفاة الإمام أنَّ قوماً ادَّعوا أنَّه هو القائم وأن حبسه هي غيبته، فحين توفي الإمام (عليه السلام) ووضع جثمانه الطاهر على الجسر ببغداد ونظرت إليه الناس حتّى نودي عليه هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه هو القائم الذي لا يموت فانظروا إليه، فنظر إليه الناس فشاهدوه قد توفي(43).
وفي رواية ينقلها الصدوق فيها احتجاج على الواقفة قال رجل للإمام الرضا (عليه السلام): إن عندنا رجلاً يذكر أن أباك حيٌّ وأنك تعلم من ذلك ما تعلم؟ فقال (عليه السلام): «سبحان الله مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يمت موسى بن جعفر؟ بلى والله لقد مات وقسِّمت أمواله ونكحت جواريه»(44).
والرواية أثبتها المصنف في عيون أخبار الرضا (عليه السلام)(45)، فموت الإمام الكاظم (عليه السلام) واشتهار موته عند الناس ومدفنه وخبر تغسيله والشاهد عليه من الموالين والمبغضين وهو نفسه أخبر بالنص على ابنه من بعده وقد شهد به كثير من أصحابه ما هو إلّا دليل على بطلان قول الواقفة.
رابعاً - قول الواقفة(46) في الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في الغيبة:
وهذه الفرقة ادَّعت على الإمام الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) أنَّ الغيبة وقعت به لصحة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها وأنَّه القائم المهدي، فلمّا صحَّت وفاته (عليه السلام) بطل قولهم فيه وثبت بالأخبار الصحيحة التي قد ذكرها في هذا الكتاب أنَّ الغيبة واقعة بابنه (عليه السلام) دونه، ويروي بعدها رواية طويلة تتحدَّث عن صفات ومناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)(47)، وخبر وفاته بسامراء في شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وما حصل بعد وفاته من أحداث(48).
ويحتج أحد المؤرِّخين على قولهم بأن الغيبة قد وقعت بالإمام العسكري (عليه السلام)، يقول: بما أنهم اعترفوا بموته، فمن أين لهم العلم بحياته، وإذا جاز خلو يوم من الإمام (عليه السلام) فيجوز شهراً، بل دهراً، بل أبداً، وهذا اعتزال عن رأي الإمامية وخروج عنها إلى مذهب الخوارج والاحتجاج على قولهم: (لا نثبت وجود ولد لم نشاهده)، والرد عليهم بأنه إذا قامت الدلالة أغنت عن المشاهدة، وإذا لزمت المشاهدة لإثبات أي شيء عندهم، وإلّا انتفى وجوده، فهذا ينفي وجود الرب والأنبياء السالفة والأئمة الذين لم نشاهدهم، وكثيراً من الموجودات غير المشاهَدة، وهذا دخول في الجهل، وإنكارهم باطل على أن لا عقب له، وذلك بعد قيام الأدلة من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) على وجوده(49).
وبحسب احتجاج المصنِّف بوفاة الإمام العسكري (عليه السلام) وما ثبت من روايات عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) بأن الأئمة اثنا عشر، وكذلك تواتر الروايات بوجود الخلف بعد العسكري (عليه السلام) وأنه الغائب، يبطل قول هؤلاء الواقفة، ويكفي ردّاً عليهم قول الإمام العسكري (عليه السلام) بالحادثة المشهورة عندما اجتمع عنده أربعون رجلاً يسألونه عن الخلف بعده حتّى عرض عليهم الغلام وقال: «هذا إمامكم بعدي وخليفتي عليكم أطيعوا [أطيعوه](50) ولا تفترقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا...»(51)، فيكون ذلك حجة على من قال: إنَّ الغيبة وقعت في غير القائم (عجّل الله فرجه) من الأئمة (عليهم السلام)، وما قول الواقفة إلّا لجهلهم أو عنادهم، ولعلَّ هذه الفِرَق جاءت نتيجة الصراعات بعد استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) وما بدر من اعتراضات جعفر أخيه وتحركات السلطة، وهذا ما حذر منه الإمام العسكري (عليه السلام) من الافتراق بعده، وخير دليل على ذلك أنَّهم اشتبهوا والتبس عليهم الأمر، فوقفوا عليه، وذلك من خلال قول بعض الواقفة حينما سُئِلوا عن الأمر: وما تقولون في الإمام، أهو جعفر أم غيره؟ قالوا: لا ندري ما نقول في ذلك، أهو من وُلد الحسن أم من إخوته فقد اشتبه علينا الأمر، إنّا نقول إنَّ الحسن بن علي كان إماماً وقد توفي، وأنَّ الأرض لا تخلو من حجة، ونتوقف ولا نتقدم على شيء حتّى يصح لنا الأمر ويتبين(52).
خامساً - قول المعتزلة(53) في الغيبة:
أخرج الصدوق ما كتبه بعض الإمامية إلى أبي جعفر بن قبة الرازي(54) كتاباً يسألونه عن مسائل عدَّة بمقالة المعتزلة، منها: مسائل عن الغيبة، فيها قول المعتزلة وردّ في مضمونها بأن الحسن العسكري (عليه السلام) مضى ولم ينص، فقد ادَّعوا دعوى يخالفون فيها وهم محتاجون إلى أن يثبتوا صحَّتها، وقولهم لو كان الحسن بن علي (عليه السلام) قد نصَّ على من تدعون إمامته لسقطت الغيبة؟ والجواب هنا: أن الغيبة لا تعني العدم، فقد يغيب الإنسان في بلد يكون معروفاً فيه ومشاهَداً لأهله ويكون غائباً عن بلد آخر، وقد يكون الإنسان غائباً عن قوم دون قوم وعن أعدائه لا عن أوليائه، فيقال إنه غائب ومستتر وإنما قيل غائب عن أعدائه وعمَّن لا يوثق بكتمان أمره من أوليائه، وأن الإمام (عجّل الله فرجه) ليس مثل آبائه (عليهم السلام) ظاهراً للخاصة والعامة وأولياؤه، مع هذا ينقلون خبر وجوده وغيبته وهم عندنا ممن تجب بنقلهم الحجة، ونقلوا ذلك، كما نقلوا إمامة آبائه وإنْ خالفهم مخالفوهم فيها ومثلها كما وجب بنقل المسلمين صحة آيات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإنْ خالفهم مخالفوهم من أهل الكتاب أو المجوس(55).
ويمكن الرد هنا على هذه الجزئية، فأمّا النص عليه فمتواتر من جهة آبائه وإن قولهم: إن أباه لم ينص عليه وكأنهم لم يطَّلعوا على أخبار آبائه (عليهم السلام) عنه، ومنها قول أبيه: «كأني بكم قد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أمّا إن المُقِرّ بالأئمة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنكر لولدي، كمن أقرَّ بجميع أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوة محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمنكر لرسول الله كمن أنكر جميع الأنبياء، لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا، أما أن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلّا من عصمه الله»(56).
أمّا المخالفة بشأن الغيبة فيرد عليهم وكأن الرازي هنا يقول لهم: لا تكونوا كالمجوس وأهل الكتاب حين خالفوا نبوة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكما صح عندنا إمامة آبائه (عليهم السلام) بالنقل، وأضف عليها الأخبار الكثيرة في ولادته وسترها وكذلك خفاؤه في حياة أبيه حرصاً على حياته حتّى عرضه على بعض خاصته ليثبت حجته ويعلمهم بالخلف من بعده، ردَّ الرازي أن غيبة الشخص لا تعني نفيه، وما نقل يدلنا عليه، وكما قيل في الروايات من وقوع الغيبة فيه هي الخوف من القتل وأنه يعمل على وفق وصية معهودة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتطبيقها يحتّم الغيبة، فتصدّقون ما ورد عن جدِّه وآبائه (عليهم السلام) في مسائل شتّى، وتكذّبون القول بشأن الإمام الغائب وأنه مولود وغائب، بما صحّ بذلك الكم الوارد من الروايات حتّى وإن صدق من بينها رواية واحدة فلا يعقل تكذيبها كلها.
ويورد النوبختي مقالة الشيعة في الغيبة من المناسب طرحها هنا بمضمونها بأنه نحن مسلمون بإمامة الحسن العسكري (عليه السلام) ومعترفون بأن له خلفاً قائماً من صلبه وهو الإمام بعده، وهو غائب حتّى يظهر ويعلن أمره ويأذن الله بذلك ويأمر بما يريد من ظهوره وخفائه ولا يجب البحث عن ذلك فهو خائف مستور بستر الله وكشفه دون أوانه هو إباحة لدمه ودمائنا وفي ستر ذلك والسكوت عنه حقنهما، ويظهره الله إذا شاء لأنه أعلم بتدبيره في خلقه وأعرف بمصلحتهم(57).
ويطرح المصنف إشكالية أخرى للمعتزلة، بقولهم: إذا ظهر كيف يعرف أنه محمد بن الحسن بن علي (عليهم السلام)؟ ويجيب عنها بجوابين:
الأول: بأنه يجوز ذلك بنقل من تجب بنقله الحجة من أوليائه كما صحَّت إمامته عندنا بنقلهم.
وجواب آخر: أنه قد يجوز أن يظهر معجزاً يدل على ذلك(58).
ويختم كلامه - المصنِّف - بردٍّ لابن قبة على المعتزلة بقوله: (لِمَ لَمْ يبعث الله (عزَّ وجلَّ) بأضعاف من بعث من الأنبياء (عليهم السلام) ولِمَ لَم يبعث في كل قرية نبيّاً، وفي كل عصرٍ ودهرٍ نبياً أو أنبياء إلى أن تقوم الساعة؟ وَلِمَ لَم يبيِّن معاني القرآن حتّى لا يشك فيه شاك؟ ولِمَ تركه محتملاً للتأويل؟ وهذه المسائل تضطرهم إلى جوابنا)(59).
لعل ابن قبة هنا يريد أن يقول: إن هذا كله متعلق بالإمام القائم (عجّل الله فرجه) وغيبته الذي سيوضح كل هذا عند ظهوره، وحتّى الإشكالات التي ترد على غيبته ولم يرد عليها بتمام الرد أو لم يقتنع البعض بالردود التي طرحت عليها فتكون القناعة التامة بظهوره وعلى يديه، وأمّا نفيهم بعدم وجود النص، فمع هذا الكم من الروايات فيعد إنكارهم هذا جحوداً، فهم الأقرب لعصر طرح تلك الروايات، ونحن اليوم أبعد منهم زمناً ونعترف بتلك الروايات في النص عليه، وكما أنَّهم غير مجبرين على تصديقها إن وجد أحد منهم اليوم، فكذلك لسنا مجبرين على قبول ادِّعائهم كونها لا تستند على شيء سوى الإنكار، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «قلت يا رسول الله أَمِنَّا آل محمد، المهدي، أم من غيرنا؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لا، بل منّا، يختم الله به الدين كما فتح بنا، وبنا يُنقَذون من الفتن كما أُنقِذوا من الشرك...»(60).
سادساً - الرد على الزيدية(61) فيما قالوه في الإمامة والغيبة:
1 - في كلام لأحد المشايخ الشيعة في الرد على الزيدية:
لم يذكر اسم هذا الشيخ الذي يوضح القول بغيبة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) على أن غيبته مبنية على القول بإمامة آبائه (عليهم السلام)، والقول بإمامة آبائه مبني على القول بتصديق النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإمامته، وهذا باب شرعي لا عقلي ومبني على الكتاب والسُنَّة، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ (النساء: 59)، وأن جميع الزيدية والإمامية اتَّفقوا على أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «إنِّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وهما خليفتان من بعدي، وأنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض»، بأن تقام بينات الله بقبول الحجة على الناس من بعد الرسول كما في صفة رسوله في قوله تعالى: ﴿قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: 108)، ومراد الحديث ظاهراً ومكشوفاً علينا أن نعتقد بأن الكتاب لا يخلو من مقرون به من عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعرف التأويل والتنزيل، فالحديث يوجب ذلك، وما دام في الأرض من حاجة به إلى مدبر وسائس ومعلم من آل إبراهيم لقوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ﴾ (آل عمران: 34)، وقد صح أنَّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) منه، أي من تلك الذرية التي بعضها من بعض، وكانت الإمامة من صلب الحسين (عليه السلام) ومن يقوم مقامه، لذا دلَّت الآية على ما دلَّت عليه السُنَّة(62).
والواضح من رد هذا الشيخ على الزيدية أنهم يريدون الإمام ظاهراً لا غائباً.
وأمّا ما هو سبب غيبته؟ فهو يوضح سبب الغيبة بما صح من آبائه (عليهم السلام)، وأن الإمام القائم (عجّل الله فرجه) من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام) بما صحَّ من القرآن بأنه ذرية بعضها من بعض، وأنهم من ذرية إبراهيم (عليه السلام)، وكذلك هذا ما صح من السُنَّة الشريفة، ويردّهم بالقول إن اعتقدوا بما ورد في قوله، فواجب عليهم الاعتقاد بالإمام الغائب، وزيادة على ذلك تعزيزاً لرد الشيخ في سبب غيبته أنه يخاف على نفسه القتل وغيرها بما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآبائه (عليهم السلام) منها قول أبي عبد الله (عليه السلام): «إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتقِ الله عبدٌ ويتمسك بدينه»(63).
ويعطينا هذا الحديث تصوُّراً واضحاً أنَّ من يشكِّك بهذا الأمر فهو غير متمسك بدينه، وعليه أن يتَّقي الله ولا يشك، وخير دليل واضح أنَّ الأئمة (عليهم السلام) كل واحد منهم أقرَّ بالذي بعده، فنصدِّق به ونهتدي بهديه، حتّى وصل الأمر أنَّ الإمام الهادي (عليه السلام) أيضاً نصَّ على ولده العسكري (عليه السلام) وصدَّق الأمر بإمامته، وكذلك هو حال العسكري (عليه السلام) بما نص على ولده القائم (عجّل الله فرجه) فالمصدق بحال أبيه وأنه إمام معصوم مفترض الطاعة يجب عليه التصديق بما يقوله.
وفي خبر ينقل عن زيد بن علي يدحض احتجاجهم هذا بأنَّهم يريدون الإمام مشهوراً، وذلك حين حدث رجل يدعى أبا بكر الحضرمي قال زيد: ليس الإمام منّا من أرخى عليه ستره وإنَّما الإمام من أشهر سيفه، قال له أبو بكر الحضرمي: يا أبا الحسن [يقصد زيداً] أخبرني عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أكان إماماً وهو مرخى عليه ستره، أو لم يكن إماماً حتّى خرج وشهر سيفه؟ فلم يجب زيدٌ فردّد عليه ذلك ثانياً وثالثاً كل ذلك لا يجيب بشيء، فقال أبو بكر الحضرمي: إن كان علي بن ابي طالب (عليه السلام) إماماً فقد يجوز أن يكون بعده إمام وهو مرخى عليه ستره، وإن كان علي (عليه السلام) لم يكن إماماً وهو مرخى عليه ستره فأنت ما جاء بك هاهنا؟(64).
2 - وفي اعتراض آخر للزيدية وجوابه:
يقولون في اعتراضهم ويطعنون بالقول إن الأئمة اثنا عشر وهذا قول أحدثه الإمامية وولّدوا فيه أحاديث كاذبة، ويرد مصنِّف الكتاب هنا بأن الأخبار في هذا الباب كثيرة نقلها المخالفون من أصحاب الحديث إذ يروى عن عبد الله بن مسعود أن جماعة قد عرضوا عليه مصاحفهم وفيهم فتى شاب قال له: هل عهد إليكم نبيكم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كم يكون من بعده خليفة، قال: إنك لحدث السن وأنَّ هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا... أن يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.
ونقل الخبر في هذا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بطرق مستفيضة قال: يلي هذه الأُمَّة اثنا عشر... كلهم من قريش وكلهم لا يرى مثله.
وبعضهم روى (اثنا عشر خليفة) وبعضهم (اثنا عشر أميراً) فصحَّ هذا عند الإمامية بذكر الأئمة الاثني عشر، أخباراً صحيحة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام)(65).
قالوا أيضاً: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد عرّفَ أُمَّته أسماء الأئمة الاثني عشر، فلِمَ ذهبوا يميناً وشمالاً وخبطوا هذا الخبط العظيم؟
والرد هنا من المصنف عليهم بما مضمونه: بأنكم قلتم إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) استخلف علياً (عليه السلام) ونصَّ عليه وبيَّن أمره، فلماذا أكثر الأُمَّة ذهبت عنه وتباعدت منه، وإن قلتم لا، إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم ينص على علي (عليه السلام) فلِمَ أودع ذلك في كتبكم وتكلّمتم به، فإن الناس قد يذهبون عن الحق وإن كان واضحاً، وعن البيان وإن كان مشروحاً كما ذهبوا عن التوحيد إلى الإلحاد(66).
ويطرح الصدوق بنفس السياق اعتراضين آخرين بالطعن بصحة خبر أن الأئمة اثنا عشر، والتي يصرّون فيها على أن القول بالاثني عشر خبر غير صحيح، تركنا ذكرهما توخياً للاختصار وتشابه الاعتراضات وطول الردود عليها(67)، ويختم المصنِّف حديثه بالرد على إشكال الطعن الوارد عن الزيدية بأن الأئمة ليسوا كما تدّعي الشيعة اثني عشر فيقال لهم: أفيكذب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قوله إن الأئمة اثنا عشر. فإن قالوا إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يقل هذا القول، قيل لهم: إن جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقي طبقات الإمامية إيّاه بالقبول، فما أنكرتم ممن يقول: إن قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من كنت مولاه»، ليس من قول الرسول(68).
وهذا الموضوع مفرغ منه في أحاديث الاثني عشر وأسماء الأئمة والرد عليهم واضح في أعلاه وخاتمة في الرد أنهم يكذبون ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما غاية هذا الإنكار إلّا لجهل القائلين به، وما كانت هذه الأفكار والجحود بحق أهل البيت (عليهم السلام) إلّا تنفيذاً لرغبة السلطات الحاكمة المعاصرة لأزمنتهم، وأفكار وضَعَها أشخاص معدودون بقيت لما بعدهم وصدَّقها من صدَّقها لجهلهم بحقائق الأمور، وصدَّقوا تلك البدع المضلة من الزيدية أو من غيرهم، فإن كان الاعتراض لغرض الاستعلام والمعرفة فلا بأس به وإلّا كان من الضلال.
أمّا الوارد في احتجاج المصنف في أنَّهم إن كذبوا خبر الاثني عشر هل يتمكنون من نفي حديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» أو إنكاره؟ وهذا الخبر قد أثقلت المصادر في نقله وتواتره، ولا يوجد ما يرد هذا القول، حتّى أنه ورد في مصادر الفريقين عن السنة(69) والشيعة(70)، وحادثته مشهورة في حجة الوداع والمعروف بحديث الغدير وخبره مشهور عند جميع المسلمين بمختلف طوائفهم.
3 - اعتراض للزيدية وجوابه:
يقولون إن الإمامية تقول جعفر بن محمد (عليه السلام) نص على ابنه إسماعيل وأشار إليه في حياته، ثم أن إسماعيل مات في حياته فقال: ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني؟ فإن كان خبر الاثنا عشر صحيحاً فكان لا أقل من أن يعرفه جعفر بن محمد، ويعرفه خواص شيعته، لئلا يغلط هو وهم هذا الغلط العظيم.
والرد هنا يقال لهم: بم قلتم إن جعفر بن محمد (عليهما السلام) نص على إسماعيل بالأمة وما ذلك الخبر ومن رواه ومن تلقاه بالقبول، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً، وإنما هذه حكاية ولدها قوم قالوا بإمامة إسماعيل(71) ليس لها أصل، لأن الخبر بذكر الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) قد رواه العام والخاص عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن الأئمة (عليهم السلام)، والحديث المروي عن الصادق (عليه السلام) «ما بدا لله...» فإنه يعني ما ظهر لله أمر كما ظهر في إسماعيل ابني إذ اخترمه في حياته ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي(72)، وهنا بدا لي أي مثل القول بدا لي شخص أي ظهر لي والبداء إذا نُسب إلى الله تعالى كان بمعنى الإبداء والإظهار، لا الظهور بعد الخفاء، لأن هذا الأخير يلزم منه نسبة الجهل إلى الله تعالى، وهو باطل بكل وضوح، ولذا ورد عنه (عليه السلام) قال: «من زعم أن الله يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرؤوا منه»(73).
وتعضيداً للرد الوارد هنا وردّاً على قولهم بإمامة إسماعيل يروى عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال: «لا والله، يا أبا محمد ما ذاك إلينا وما هو إلّا إلى الله (عزَّ وجلَّ) ينزل واحداً بعد واحد» وقال: «أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد؟ لا والله، ولكن عهد من الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لرجل فرجل حتّى ينتهي الأمر إلى صاحبه»(74)، وكذلك يكفي ردّاً من الإمام الصادق (عليه السلام) هو نصّه على الإمام بعده إذ قال لجماعة من أصحابه: «استوصوا بابني موسى خيراً فإنه أفضل وُلدي ومن أخلف بعدي، وهو القائم مقامي والحجة لله تعالى على كافة خلقه بعدي»(75).
وفي شرح المازندراني لهذه الأخبار: هذا حين اعتقد بعض الشيعة أن إسماعيل هو وصي لأبيه بعده فلذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام) بعد موت إسماعيل: «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» وليس معناه أنَّ الله تعالى رجع عن الحكم بإمامته بعد أبيه وبدا له بداء ندامة، وإنما أن الله تعالى ما أظهر شيئاً كان مخفياً للخلق، مثل ما أظهر من عدم إمامة ابني إسماعيل إذ اخترمه وأماته قبلي ليعلم الناس أنه ليس بإمام(76).
ثم أكمل الصدوق الرد على قولهم بأنه كيف ينص الإمام الصادق (عليه السلام) على إسماعيل بالإمامة مع قوله فيه: «إنه عاص لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي»، وفي حديث «والله لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي»، وفي رواية عن الوليد بن صبيح قال: جاءني رجل فقال لي: تعال حتّى أريك ابن الرجل قال: فذهبت معه قال: فجاء بي إلى قوم يشربون، فيهم إسماعيل بن جعفر، قال: فخرجت مغموماً فجئت إلى الحجر، فإذا إسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بلَّ أستار الكعبة بدموعه، قال: فخرجت اشتد، فإذا إسماعيل جالس مع القوم فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلها بدموعه، قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: «لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثَّل في صورته» وقد روي أن الشيطان لا يتمثل في صورة نبي ولا في صورة وصي نبي فكيف ينص عليه بالإمامة مع صحة هذا القول منه فيه(77).
ونقلت نفس هذه الرواية في مصادر أخرى(78)، ولعلَّ البكاء والتعلُّق بأستار الكعبة لعلمه بفعل الشيطان وتشبهه بصورته لغرض الطعن بحجة الله: الإمام الصادق (عليه السلام) في أحد أبنائه، وكذلك تعد دليلاً على أن الشيطان لا يتمثَّل في صورة نبي أو وصي على حد القول الوارد عند الصدوق وخاصة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بأن الله أذهب عنهم الرجس، ولم أقف على الروايتين الأولى والثانية عند غيره وإن قلنا بصحة الرواية بأن قال: «لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي»، فهذا من المعقول كونه لا يشبههم في العصمة والإمامة، وهذا دليل على أنه ليس الإمام بعده، وإن صدقت الرواية القائلة بأنه عاص فهذا أيضاً يثبت أنه ليس الإمام بعد أبيه، فأفعاله لا تشبه أفعال المعصوم، والغريب في هذا كله وفي أمر الزيدية هنا أنهم يحتجون بمقالة الإسماعيلية في الإمامة وكأنهم ليس عندهم حجة يحتجون بها، أي يستخدمون عقيدة غيرهم ليدفعوا بها غايتهم، وما هذا إلّا دليل على ضعفهم ووهن مقالتهم، وكأنهم من الإسماعيلية وليسوا الزيدية.
4 - اعتراض آخر للزيدية وجوابه:
قالوا: بأي شيء تدفعون إمامة إسماعيل وما حجتكم على الإسماعيلية القائلين بإمامته؟
ويدفع المصنف هذا الاعتراض: بأننا ندفع إمامته بما ذكر من الأخبار الواردة بالنص على الاثني عشر وبموته في حياة أبيه، فالأخبار الواردة بالنص على الأئمة (عليهم السلام) ذكرناها في هذا الكتاب - كمال الدين -، وأمّا ما ورد في موت إسماعيل يروى عن سعيد بن عبد الله الأعرج(79) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لما مات إسماعيل(80) أمرت به وهو مسجى أن يكشف عن وجهه فقبلت جبهته وذقنه ونحره، ثم أمرتهم فغطوه، ثم أمرت به فغسل، ثم دخلت عليه وقد كفن، فقلت: اكشفوا عن وجهه، فقبلت جبهته وذقنه وعوَّذته، ثم قلت: درجوه»، فقلت بأي شيء عوذته؟ قال: «بالقرآن»، ثم يشير المصنِّف هنا إلى أنَّ هذا الخبر فيه فائدة هي أنه قال أمرت به فغسل ولم يقل غسلته، وفيه ما يبطل إمامة إسماعيل لأن الإمام لا يغسله إلّا إمام، ويروى أنه حين مات إسماعيل وانتهى أبو عبد الله (عليه السلام) إلى القبر قعد إلى جانب القبر ولم ينزل في القبر، وقال: «هكذا صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بإبراهيم ولده»، وينقل المصنف بعدها عدة أخبار للإمام الصادق (عليه السلام) عند موت ابنه إسماعيل، منها أنه جزع لموته وقيل إنه كتب على كفنه «إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله»(81).
أورد المصنِّف نفس الرواية في كتاب آخر له، وكذلك أخرجها بعض المتأخرين في خبر موت إسماعيل(82)، وخير دليل في الرد نفسه الذي يورده المصنف أنه الإمام الصادق (عليه السلام) أمر بغسله ولم يغسله لأن المعصوم من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) لا يغسِّله إلّا معصوم حتّى لا تثبت حجة بأنه غسَّله، والواضح أن الإمام الصادق (عليه السلام) يلمح لهم بأنه ليس من المعصومين، وهذا ليس طعناً في إسماعيل وإنما كرامة له أن يقف أبوه الإمام الصادق (عليه السلام) على غسله وتكفينه ويعوذه بالقرآن وكشف عن وجهه وقبَّله مرتين قبل أن يكفن، ثم بعد أن كفن وأمر بفتح الكفن وشاهده من حضر يؤكد ذلك.
وفي خبر عن موت إسماعيل يكفي رداً على هذا كله وما ورد في شأن الحاضرين في موته يذكر أن الإمام الصادق (عليه السلام) دعا بثلاثين رجلاً عند وفاة إسماعيل وفيهم داوود بن كثير الرقي(83) وأبو بصير، وأمر داوود بكشف وجه إسماعيل فقال: «تأمَّله يا داوود فانظره أحيٌ هو أم ميت»؟ فقال: بل ميت، فجعل يعرض على رجل رجل حتّى أتى على آخرهم، فقال (عليه السلام): «اللهم اشهد»، ثم أمر بغسله وتجهيزه ثم قال: «يا مفضل احسر عن وجهه» فحسر عن وجهه فقال: «أحيٌ هو أم ميت؟ انظروه اجمعكم»، فقال: بل يا سيدنا ميت، فقال: «شهدتم بذلك وتحققتموه»؟ قالوا: نعم، وقد تعجبوا من فعله، فقال: «اللهم اشهد عليهم»، ثم حمل إلى قبره، فلمّا وضع في لحده، قال: «يا مفضل اكشف عن وجهه»، فقال للجماعة: «انظروا أحي هو أم ميت»؟ فقالوا: بل ميت يا ولي الله، فقال: «اللهم اشهد فإنه سيرتاب المبطلون: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ﴾، ثم أومى إلى موسى (عليه السلام) وقال: ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾ [الصف: 8]»، ثم حثوا عليه التراب، ثم أعاد علينا القول فقال: «الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو»؟ قلنا: إسماعيل ولدك، فقال: «اللهم اشهد»، ثم أخذ بيد موسى فقال: «هو الحق ومعه ومنه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها»(84).
5 - اعتراض آخر للزيدية وجوابه:
قالوا: إن الإمامية اختلفت بعد أن مضى الحسن بن علي (عليه السلام)، فمنهم من زعم أن ابنه كان ابن سبع سنين، ومنهم من قال: إنه كان صبياً أو رضيعاً، وكيف كان فإنه لا يصلح للإمامة ورئاسة الأُمَّة ومدبِّر جيوشها والمقاتل عنهم والذاب عن حوزتهم، لأن الصبي الرضيع والطفل لا يصلح لمثل هذه الأمور إذ لا يمكنه إدارة هذه الأمور أو غيرها؟
والجواب هنا من المصنف: أنَّهم نسوا كتاب الله تعالى، ولولا ذلك لم يرموا الإمامية بالباطل، وأنهم نسوا قصة عيسى (عليه السلام) وهو في المهد حين يقول: ﴿قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ﴾ (مريم: 30-31)، وكذلك القول في يحيى (عليه السلام) وقد أعطاه الله الحكم صبياً، فإن جحدوا ذلك فقد جحدوا كتاب الله، ومن لم يقدر على دفع خصمه إلّا بعد أن يجحد كتاب الله فقد وضح بطلانه(85).
6 - في عدد من اعتراضات للزيدية على نسبه وإمامته:
قد شك الناس في صحة نسب هذا المولود إذ أكثر الناس يدفعون أن يكون للحسن بن علي (عليهما السلام) ولد.
فيقال لهم: قد شك بنو إسرائيل في المسيح ورموا مريم بما قالوا: ﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا﴾ (مريم: 27)، فتكلم المسيح ببراءة أُمِّه (عليها السلام) فقال: ﴿قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ (مريم: 30)، فعلم أهل العقول أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يختار لأداء الرسالة مغمور النسب، كذلك الإمام إذا ظهر كان معه من الآيات الباهرات والدلائل الظاهرات ما يعلم به أنه بعينه دون الناس هو خلف الحسن بن علي (عليهما السلام).
وقال بعضهم: ما الدليل على أن الحسن بن علي العسكري توفي؟
والجواب عن هذا بأن الأخبار في موته كثيرة(86).
ونضع ردّاً على الإشكالين السابقين مع ما وضح من ردود مقارنة لتكلم عيسى (عليه السلام) بوقت مناسب للدفاع عن أمره وعن والدته أمام بني إسرائيل وهو في المهد، وكذلك الإمام (عجّل الله فرجه) وذلك في لحظة تقدم جعفر للصلاة على أبيه أراد الدفاع عن قضيته وتكلم أمام الحاضرين وله من العمر خمس سنوات، حتّى أنهم لم يكونوا يعرفونه من قبل، ولعلَّهم نقلوا تلك الحادثة في مواطن كثيرة وقال: «تأخر يا عم، فأنا أحقُّ بالصلاة على أبي»، فتأخَّر جعفر وقد اربد وجهه واصفر، فتقدَّم الصبي وصلّى عليه...(87)، وفيه إشارات بأنه يا جعفر أنا ابن أخيك حين قال: «يا عم» أمام الحاضرين، وهذا أبي وأنا أُصلّي عليه ليثبت حجيته، ولا يوجد لديه إخوة، وكذلك فيها إثبات لموت الإمام العسكري (عليه السلام).
والرد على كونه صبياً إذ كيف له بشؤون الحكم أو الإمامة؟
فحسب قول المصنف في ردِّه: فقد جحدوا القرآن، أي إنهم يردّون قول القرآن الكريم في يحيى (عليه السلام): ﴿يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم: 12)(88)، وعلى هذا الأساس ورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «يكون هذا الأمر في أصغرنا سنّاً وأجملنا ذكراً ويورثه الله علماً ولا يكله إلى نفسه»(89)، أمّا إمامته في صغر سنِّه فكذلك من آبائه (عليهم السلام) الإمام الجواد (عليه السلام) خلف أباه وعمره ثماني سنوات وبقيت إمامته سبع عشرة سنة(90).
ثم ينقل المصنِّف اعتراضاً للزيدية بقوله: (فقال قائل منهم: فهلا دلكم تنازع أم الحسن وجعفر في ميراثه أنه لم يكن له ولد؟ لأنا بمثل هذا نعرف من يموت ولا عقب له أن لا يظهر ولده، ويقسم ميراثه بين ورثته)؟
وردّاً على هذا الاعتراض يقال: بأن تدبير الله تعالى في أنبيائه ورسله وخلفائه ربما يجري على ما هو معهود وما هو معتاد، وربما يجري خلاف المعتاد فلا يحمل أمرهم في كل الأحوال على العادات كما لا يحمل أمر المسيح (عليه السلام) على العادات(91)، والمعروف أن المسيح جرى في أمره غير المعتاد كما هو حال البشرية ومنها كما حصل في ولادته، فلعل هذا الطرح للتشبيه فيه أن أمر الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) سيكون خلاف ما هو معهود وما هو معتاد عليه في كثير من أموره، وهذا بتدبير الله تعالى على وفق المصلحة المبتغاة وفق التخطيط المعد له، ومنها عدم ظهوره علناً للمطالبة بميراثه وذلك للحفاظ عليه من المخاطر المحدقة به.
يقول الشيخ المفيد عن هذه الجزئية (بأنه لا ولد له) إنها نشأت من إنكار جعفر بأن لا وَلد لأخيه وُلد في حياته، واستحواذه على التركة بدعوى استحقاقها بميراثه حتّى جرى ما جرى من حبس الجواري، ليتأكد هل بقي ولد أخيه يقول: (هذه ليست شبهة يعتمدها عاقل في ذلك فضلاً عن حجة، لاتِّفاق الأُمَّة على أن جعفراً لم تكن له عصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل، بل كان من جملة الرعية التي يجوز عليها الزلل ويعتريها السهو ويقع منها الغلط ولا يؤمن منها تعمد باطل ويتوقع منها ضلال)(92)، أي إن التشبيه هنا بإنكار هذا المولود هو ومن يقول بهذه الشبهة فحاله كحال جعفر، فهو أساس من قال بها وانطلقت منه وأشاعها طمعاً في الميراث.
وفي رد آخر للشيخ المفيد حول الوصية والنص على الإمام بعد الحسن العسكري (عليه السلام) وذلك من خلال الوصية التي عهد بها الإمام العسكري (عليه السلام) إلى والدته بأمور الوقف وصدقاته وأنه لم يذكر بها الإمام بعده وأسند النظر فيها إلى والدته دون غيرها، فهذا ليس بشيء يعتمد على إنكار ولد له قائم من بعده، وذلك لأن غرضه من هذا هو إخفاء ولادته وستر حاله، مع اضطراره إلى شهادة بعض خواص الدولة العباسية على الوصية وغيرهم من الشهود حتّى أثبتت وصيَّته عند قاضي الزمان، فيكون ذلك لغرض إبعاد أنظارهم عنه وعدم التنبُّه إلى ولده بعده.
ويقول: فإن جاز له(93) أن يشك في هذا لِمَ لا يجوز أن نشك في كل من يموت ولا عقب له ظاهراً؟
والجواب على هذا: بأنا لا نشك في أنَّ للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ولداً، وذلك بشهادة من أثبت وشهد بأن له ولداً من الفضلاء والشيعة الأخيار(94)، والشهادة التي يجب قبولها هي شهادة المثبت لا شهادة المنكر، ويعطي مثالاً على هذا وهي قصة موسى (عليه السلام) لأن الله أراد أن ينجي بني إسرائيل من العبودية ويصير دينه على يديه غضاً طرياً أوحى إلى أُمِّه: ﴿فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ (القصص: 7)، فلو أن أباه عمران مات في ذلك الوقت فإن الحكم في ميراثه كالحكم في ميراث الإمام الحسن (عليه السلام)، ولم يكن هذا دلالة على نفي الولد، وخفي على مخالفينا فقالوا: إن موسى ليس حجة في ذلك الوقت وقالوا: إنَّ الإمام عندنا حجة، ونحن إنما شبَّهنا ولادة موسى وغيبته بولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وغيبته، وكذلك غيبة يوسف (عليه السلام) حيث لم يقف على خبره أبوه مع قرب المسافة بينهما لولا تدبير الله ودخول إخوته عليه فعرفهم وهم له منكرون، وكذلك شبَّهنا أمر حياته بأصحاب الكهف حيث لبثوا ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً وهم أحياء(95).
والأخبار في هذا الباب كثيرة من النص على ولادته وإمامته وأسباب خفاء مولده وطول عمره كما هو وارد في التاريخ وليس بغريب.
ويعلق الشيخ المفيد على شبهة مماثلة فيقول: (وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة إبراهيم الخليل (عليه السلام) ذلك بتدبير أبيه وأُمِّه في إخفاء أمره عن ملك زمانه لخوفهم عليه منه وبستر ولادة موسى بن عمران (عليه السلام) وبمجيء القرآن بشرح ذلك على البيان والخبر أنَّ أُمّه ألقته في اليم... فما الذي ينكر خصوم الإمامية من قولهم ستر الحسن (عليه السلام) ولادة ابنه المهدي عن أهله وبني عمِّه وغيرهم من الناس وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسميناه... والخبر بصحة ولد الحسن (عليه السلام) قد ثبت بأوكد ما تثبت به أنساب الجمهور من الناس إذا كان النسب يثبت بقول قابلة، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معاونتهن عليه وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون سواه وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه، وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي (عليهما السلام) أنه اعترف بولده الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وآذنهم بوجوده ونصَّ لهم على إمامته من بعده وبمشاهدة بعضهم له طفلاً وبعضهم له يافعاً وشاباً كاملاً وإخراجهم إلى الشيعة بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل وتسليمهم له حقوق الأئمة من أصحابه)(96).
ثم يقول المصنف: (فإن قالوا بعدم صحة ما طرحنا وأن هذه أمور لا دليل على صحتها معهم؟
فالجواب عن هذا في الأخبار وما أسند عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام)، فإن قيل: كيف التمسك به ولا نهتدي لمكانه ولا يصله أحد؟ حينها يقال لهم: أنْ نتمسك بالإقرار بإمامته وبالنجباء القائلين بإمامته والمثبتين لولادته وولايته المصدقين في النص عليه وباسمه ونسبه من أبرار الشيعة العالمين بالكتاب والسنة لما صح وروده عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام)، وقد دلَّت الدلائل على طاعة هؤلاء الأئمة الأحد عشر (عليهم السلام) الذين مضوا ووجب القعود معهم إن قعدوا والنهوض معهم إن نهضوا والاستماع منهم إن نطقوا وعلينا أن نفعل كل ما دلَّت عليه الدلائل(97).
والرد واضح مما يورده المصنف بأنه يقول: إن واجب الالتزام حاصلٌ بما ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) وما قالوا بحقه وإمامته، وبحسب الاعتقاد أن هذا الرد وُجِّه للزيدية كونهم يعتقدون بإمامة من مضى من آبائه فيحتج عليهم بأنه يجب الالتزام بما قالوه كونهم مفترضي الطاعة على من يقول بإمامتهم، وكون اعتراضاتهم هنا هي رد على ما أخبر به الأئمة (عليهم السلام)، فالواجب هو التسليم والطاعة لهم، وقد بيَّنوا للناس أمر القائم والغيبة كما بيَّنوا غيرها من الأمور وأخذها الناس، ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بالأسباب، فجعل لكل شيء سبباً وجعل لكل سبب شرحاً، وجعل لكل شرح مفتاحاً، وجعل لكل مفتاح علماً، وجعل لكل علم باباً ناطقاً، ومن عرفه عرف الله، ومن أنكره أنكر الله، ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونحن»(98)، فالواجب طاعتهم بكل ما أخبروا به ومنها القضية المهدوية والغيبة والابتعاد عن التشكيك بما صح وروده عنهم كأن يؤخذ بعض كلامهم ويترك بعضه، وهنا القائل بهذا كالمشكك بعصمة الأئمة (عليهم السلام).
7 - اعتراض آخر للزيدية ورده:
يعترض الزيدية هنا معتمدين قول الواقفة بأنهم يعارضون الإمامية في موت موسى بن جعفر (عليهما السلام) ويقولون: إنكم قلتم هذا بالعرف والمشاهدة، وقد أخبر الله تعالى في شأن عيسى (عليه السلام): ﴿وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ﴾ (النساء: 157)، وقد رآه القوم بحكم المشاهدة، وإنهم رأوه مصلوباً، فليس بمنكر مثل ذلك في سائر الأئمة الذين قال بغيبتهم طائفة من الناس؟
والجواب عن هذا: بأن ليس الأئمة (عليهم السلام) في هذا كسبيل عيسى (عليه السلام) حيث ادَّعت اليهود قتله وكذَّبهم الله في ذكره بقوله: ﴿وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ(99) وأئمتنا (عليهم السلام) لم يرد في شأنهم أنهم شبِّهوا وإنما ذلك من قول الغلاة، وقد أخبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «إنه ستخضب هذه من هذا»، وأخبر كذلك بقتل الحسنين (عليهما السلام) وأخبر بمن بعدهما من الأئمة إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فالمخبرون بموت الأئمة (عليهم السلام) هم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد، والمخبرون بقتل عيسى (عليه السلام) هم اليهود، فالكذب على المخبرين بموتهم غير جائز لأنهم معصومون وهو على اليهود جائز(100).
الرد المطروح أعلاه فيه حجة قوية، أي إنَّ من قال: إنَّ عيسى (عليه السلام) قتل وصلب هم اليهود وصدقتم هذا وتحتجون به بالرغم من كون قضية عيسى (عليه السلام) في ثوابت الإسلام أنه رفعه الله تعالى، والزيدية أو الواقفة باحتجاجهم هذا كأنهم لا يعلمون بهذا الأمر أو لا يعترفون به أو فسروه برأيهم به، وأمّا موت الأئمة (عليهم السلام) فإنَّه أخبر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصح عندهم، والدليل أيضاً أن الأئمة كل واحد منهم ينص على الذي بعده، فأمر الزيدية في طرح احتجاجاتهم، فيه نوع من الإرباك من باب أنهم يعترفون ببعض الأئمة ومن باب يحتجون بقول غيرهم من الفِرَق، وإن صح القول بأن الاحتجاجات هذه تنسب لهم، فهذا ينم عن جهلهم بالأمر كله وافتقار حجتهم، أمّا قول الواقفة الذي يحتج به الزيدية في وفاة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فقد ثبت بالتواتر في أخبار وفاته وأثبت بعضه في قول الواقفة مسبقاً.
ويضع الشريف المرتضى ردّاً على قول تلك الفرق السابقة القائلة في الغيبة في غير محلها حيث يسميها (الفِرَق الشيعية البائدة)، بعد أن يثبت الأصل في إمامة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) والقول بغيبته، منها الرد على الكيسانية القائلة بإمامة محمد بن الحنفية وأنه صاحب الزمان (عجّل الله فرجه)، والناووسية القائلين بأن الإمام الصادق (عليه السلام) هو المهدي (عجّل الله فرجه)، ثم الواقفة القائلين بأن المهدي المنتظر هو موسى بن جعفر (عليهما السلام) [ويمكن أن نضع معها الزيدية كونها تحتج بمقالة تلك الفِرَق] يقول: (لأن العلم بموت ابن الحنفية كالعلم بموت أبيه وإخوته (عليهم السلام) وكذلك العلم بوفاة الصادق (عليه السلام) كالعلم بوفاة من توفّى من آبائه وأجداده وأبنائه (عليهم السلام)...)(101).
وللطوسي (رحمه الله) تعليق عام على كل الفِرَق المشككة هنا بما يشابه الإشكالات المطروحة عند الصدوق (رحمه الله)، بعد أن يذكر عدَّة روايات، ويطرح استدلالات كثيرة يقول في نهايتها: (فقولهم يفسد بما دللنا عليه أنَّ الأئمة (عليهم السلام) اثنا عشر فهذا القول يجب إطراحه(102) على أنَّ هذه الفِرَق كلَّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبقَ قائل يقول بقولها، وذلك بطلان هذه الأقاويل)(103).
الخاتمة:
وما أثبت من خلال ما طرحه المصنف وما أخرج في الدراسة من إشكالات واعتراضات وأقوال في الغيبة من قِبَل أصحاب الفِرَق وبعض المشكِّكين قد ردَّ عليها الشيخ الصدوق أو طرح ما ورد عند غيره من إشكالات مع ردودها أضفنا عليها بعض التحليلات والردود التي تبطل حجج أصحاب الفِرَق في الغيبة، وقد توضح بعض من تلك الإشكالات، ويمكن التوسع بهذا الموضوع أكثر مما طرح إلّا أنَّ محاولة التزامنا بما طرح في الكتاب جعله يقف عند هذا الحد، ومع ذلك أعتقد أن موضوع الإشكالات والاعتراضات يحتاج إلى وقفة من الباحثين المختصين على تلك الإشكالات بالرغم من أنَّها طرحت في أزمنة سابقة وقد يعتقد البعض أنَّها قد انتهت، إلّا أنَّها تطرح اليوم بأشكال وصيغ أُخرى من قضية اليأس من الظهور ولطول الأمد، فيمكن أن ينتج منها دراسة موسَّعة قد تسعف المتحيِّرين في قضية الغيبة وصاحبها (عجّل الله فرجه).

الهوامش:

(1) بحث مستل من دراسة قدَّمها طالب الدكتوراه أحمد عبد الله حميد بعنوان (الرواية المهدوية من خلال كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق - دراسة تحليلية مقارنة)، وحازت على درجة (الامتياز) في جامعة المستنصرية.
(2) ذكرت هذه المواضيع في بداية الكتاب من قبل المصنِّف، إذ لعله كان يرى من المناسب أن تكون في مقدمة المواضيع في كتابه، حيث كان زمانه القريب على بداية عصر الغيبة الكبرى فيه الكثير من النقاشات والخلافات حول الغيبة وفكرتها وصاحب الغيبة، هذا فضلاً عن الإشكالات حول الإمامة بصورة عامة، لذا وضعها مقدمة لكتابه قبل أن يطرح الأخبار والروايات التي تتحدث عن الغيبة، وأغلبها تدور مواضيعها عن سبب الغيبة أو أنَّ أباه لم ينص عليه، أو أنه لم يولد بعد، وبعض هذه الفِرَق تسوق الغيبة في شخصيات غير الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وقد طرحنا مع هذه الردود المطروحة على أقوال تلك الفرق حول الغيبة بعض الأحاديث لموضع حاجتها هنا، وسنضع ردود المصنف ونضع بعض الاستدلالات بما ورد من أحاديث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) مع محاولة إعطاء فكرة تحليلية مع كل إشكال.
للاطلاع على جميع ما طرحه المصنِّف بتفاصيله من إشكالات وشبهات وردود، ينظر: الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص52 - 139.
(3) فرقة تقول بإمامة محمد بن الحنفية لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة فسُمّوا بالكيسانية، وقيل إنهم سمّوا بالكيسانية نسبة إلى المختار الثقفي الملقب بكيسان، وقيل إنّ الإمام علي (عليه السلام) لقَّبه بذلك وكان المختار يقول بإمامة محمد بن الحنفية دون أخويه، للمزيد ينظر: النوبختي، الحسن بن موسى (من أعلام القرن الثالث) - فِرَق الشيعة: ط1، منشورات الرضا (عليه السلام)، (بيروت، 2012م)، ص 58 - 59؛ المسعودي، مروج الذهب: ج3، ص77 - 78؛ الشهرستاني، الملل والنحل: ج1، ص156 - 163؛ وللسيد الخوئي بيان على مجمل الأخبار الواردة في المختار الثقفي بأنه نسب إلى الكيسانية، والقول باطل، فإن محمد بن الحنفية لم يدَّعِ الإمامة لنفسه حتّى يدعو المختار الناس له، ينظر: معجم رجال الحديث: ج19، ص109 - 110.
(4) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص54.
(5) والمقصود هنا محمد بن الحنفية كما هو معروف تاريخياً بعد أحداث كربلاء واستشهاد أغلب أولاد أمير المؤمنين (عليهم السلام) ولم يبقَ منهم سوى محمد بن الحنفية.
(6) يقال إنه جبل في المدينة والنسبة إليه رضوي، وهو على يمين مكة من جهة المدينة، ينظر: الحموي، معجم البلدان: ج3، ص51.
(7) ينظر: الحميري، ديوان السيد الحميري: ص20 - 21؛ الصدوق إكمال الدين: ج1، ص54.
(8) إكمال الدين: ج1، ص 55.
(9) الحميري، ديوان السيد الحميري: ص49؛ الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص55؛ المفيد، الإرشاد: ص357.
(10) لم أعثر له على ترجمة سوى أن اسمه حيان السراج والتقى بالإمام الصادق (عليه السلام) وحدثه بشأن محمد بن الحنفية، ينظر: الكشي، رجال الكشي: ص223 - 224.
(11) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص 55 - 57.
(12) الشهرستاني، الملل والنحل: ج1، ص158؛ صيام، محمد يوسف محمود، المهدي المنتظر عند فرق الشيعة، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الحرة (هولندا،2010م): ص147-148، (منشورة على شبكة الانترنت).
(13) ينظر: مروج الذهب: ج3، ص78.
(14) ينظر: الطبري، بشارة المصطفى: ص366 - 368؛ المجلسي، بحار الأنوار: ج42، ص78 - 79؛ الكلبايكاني، منتخب الأثر: ص220، ص261؛ الفياض، نزار، الإمام محمد بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) بن الحنفية: ط1، دار الحوراء، (بغداد، 2005م)، ص 118 - 128.
(15) ينظر: الشهرستاني، الملل والنحل: ج1، ص158.
(16) رجال الكشي: ص224.
(17) إكمال الدين: ج1، ص57 - 58.
(18) اعتقل لسانه، أي لم يقدر على الكلام، ينظر: الرازي، مختار الصحاح: ص188.
(19) إكمال الدين: ج1، ص58.
(20) رجال الكشي: ص 223.
(21) روي أن محمد بن الحنفية ابتهل هو والإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في أمر الإمامة قرب الحجر في مكة حتّى دعا الله الإمام السجاد (عليه السلام) قرب الحجر لينطق بالوصية فنطق بلسان عربي قال: «اللهم إنَّ الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) ابن فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»، فانصرف محمد بن علي بن الحنفية وهو يتولى علي بن الحسين (عليه السلام)، ينظر: القمي، الإمامة والتبصرة: ص62؛ الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص263.
(22) الراوندي، الخرائج والجرائح: ج1، ص261.
(23) قيل إنه توفي سنة (81هـ) ودفن بالبقيع وصلّى عليه ابان بن عثمان بن عفان؛ للمزيد حول حياة محمد بن الحنفية، ينظر: ابن سعد، طبقات ابن سعد: ج7، ص93 - 117؛ الأصفهاني، حلية الأولياء: ج3، ص174 - 179؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج4، ص169 - 173.
(24) قيل إنهم أتباع رجل يدّعى ناووس من أهل البصرة اسمه عجلان بن ناووس، ينظر: النوبختي، فرق الشيعة: ص114.
(25) إكمال الدين: ج1، ص59.
(26) النوبختي، فرق الشيعة: ص113؛ الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص276؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج1، ص327.
(27) النعماني، الغيبة: ص185؛ المسعودي، إثبات الوصية، ص281.
(28) فِرقة وقفت على إمامة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وقالت: إنه لم يمت وإنه حي ولا يموت حتّى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وإنه القائم المهدي، للمزيد ينظر: النوبختي، فرق الشيعة: ص 129 - 131.
(29) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص58.
(30) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص414؛ الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص296؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج5، ص310؛ ابن الصباغ، الفصول المهمة: ص230.
(31) الكليني، الكافي: ج1، ص190.
(32) الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص314 - 316.
(33) يعرف بأبي نصر من موالي أبي جعفر المنصور، ولّاه الرشيد أمر مدينة دمشق يعرف بكونه إنساناً ذميم الخلق، سندياً كاسمه، توفي سنة مائتين وأربع في بغداد، ينظر: الذهبي، تاريخ الإسلام: ج14، ص185.
(34) سليمان بن المنصور العباسي بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، يعرف بأبي أيوب الهاشمي، ينظر: البغدادي، تاريخ مدينة السلام: ج10، ص31.
(35) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص59 - 61.
(36) الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج1، ص91 - 93؛ الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص312؛ المجلسي، بحار الأنوار: ج48، ص227.
(37) الأصفهاني، مقاتل الطالبيين: ص417 (رواه مختصراً)؛ المفيد، الإرشاد: ص380؛ الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص312؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج6، ص274؛ المجلسي، بحار الأنوار: ج48، ص234.
(38) لم أعثر له على ترجمة له، والظاهر من الرواية أنه أحد الحراس الموكلين بحراسة الإمام (عليه السلام)، وكان يدور بينهما حديث حتّى تأثر بالإمام وأصبح من الموالين له.
(39) الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1، ص96؛ الطبري، دلائل الإمامة: ص151؛ البحراني، مدينة المعاجز، ص 369؛ المجلسي، بحار الأنوار: ج48، ص224.
(40) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1، ص97 - 98.
(41) وهو لقب أطلق على بعض الواقفين على موسى بن جعفر (عليه السلام)، ينظر: القمي، المقالات والفرق: ص92-93.
(42) الصدوق، كمال الدين: ج1، ص109.
(43) المفيد، الإرشاد: ص380؛ المازندراني، مناقب آل أبي طالب: ج4، ص353.
(44) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص59 - 61.
(45) الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1، ص98؛ العطاردي، مسند الإمام الرضا (عليه السلام): ج1، ص154.
(46) للمزيد ينظر: النوبختي، فرق الشيعة: ص151- 171.
(47) للمزيد عن مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ينظر: ابن حمزة، الثاقب في المناقب: ص559 - 579.
(48) الصدوق، إكمال الدين: ص 61 - 65.
(49) البياضي، الصراط المستقيم: ج2، ص276 - 277.
(50) كمال الدين: ص435.
(51) الطوسي، الغيبة، ص357؛ المجلسي، بحار الأنوار: ج51، ص346.
(52) النبوختي، فرق الشيعة: ص166.
(53) ويسمون أصحاب العدل والتوحيد ويلقبون بالعدلية، ينظر: الشهرستاني، الملل والنحل: ج1، ص65 - 98.
(54) أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي متكلم عظيم القدر حسن العقيدة كان معتزلياً وتبصّر، ينظر: النجاشي، رجال النجاشي: 361 - 361.
(55) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص79 - 80.
(56) الرازي، كفاية الأثر: ص 414؛ الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص428.
(57) فرق الشيعة: ص168.
(58) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص81.
(59) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص 82.
(60) الاربلي، كشف الغمة: ج3، ص273؛ الصباغ، الفصول المهمة: ص288؛ البحراني، غاية المرام: ج7، ص112.
(61) وهم اتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ساقوا الإمامة في أولاد مولاتنا فاطمة (عليها السلام) إلّا أنهم جوّزوا أن تكون الإمامة في كل فاطمي عالم وزاهد وشجاع وسخي خرج بالإمامة أن يكون إماماً سواء كان من أولاد الحسن أو الحسين (عليهما السلام)، ينظر: الشهرستاني، الملل والنحل: ج1، ص163 - 169.
(62) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص82 - 83.
(63) الكليني، الكافي: ج1، ص 206.
(64) المازندراني، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص320.
(65) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص85 - 86؛ وقد نقل الصدوق في هذا أخبار كثيرة أوردناها في عدة مناسبات في الفصول السابقة من الأطروحة عنه وعن غيره من المصنفين.
(66) إكمال الدين: ج1، ص86.
(67) للاطلاع عليها ينظر: إكمال الدين: ج1، ص88 - 95.
(68) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص95.
(69) ابن ماجة، سنن ابن ماجة: ص37، حديث (121)؛ الترمذي، سنن الترمذي: ج6، ص79، حديث (3713).
(70) الصفار، بصائر الدرجات: ص158؛ الكليني، الكافي: ج1، ص172.
(71) ويسمون الإسماعيلية قالوا إن الإمام بعد جعفر الصادق (عليه السلام) ابنه إسماعيل، ينظر: الشهرستاني، الملل والنحل: ج1، ص175.
(72) كمال الدين: ص86.
(73) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص87.
(74) الكليني، الكافي: ج1، ص166.
(75) الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص302.
(76) شرح الكافي: ج6، ص89.
(77) إكمال الدين، ج1، ص87 - 88.
(78) ينظر: القمي، الإمامة والتبصرة: ص71؛ المازندراني، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص327.
(79) سعيد بن عبد الله الأعرج مولى بني هاشم الكوفي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، ينظر: الطوسي، رجال الطوسي: ص215؛ الخوئي، معجم رجال الحديث: ج9، ص109 - 110.
(80) وردت الكثير من الأخبار التي تؤكد موته في حياة أبيه بمنطقة العريض في المدينة ودفن بالبقيع، ينظر: البخاري، سر السلسلة العلوية، ص35؛ المفيد، الإرشاد: ص358؛ الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص294؛ لم أجد مصدر يثبت وفاته بالتحديد سوى أنها تذكر أنه توفي قبل أبيه وفي حاشية بعض الكتب ذكر أن وفاته سنة (133هـ)، ينظر: البخاري، سر السلسة العلوية، ص35 هامش رقم (2)؛ النوبختي، فرق الشيعة: ص114، هامش رقم (2).
(81) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص 88 - 91.
(82) ينظر: الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1، ص112؛ العاملي، وسائل الشيعة: ج3، ص298؛ المجلسي، بحار الأنوار: ج47، ص247؛ البروجردي، جامع أحاديث الشيعة: ج3، ص6.
(83) من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، ينظر: الطوسي، رجال الطوسي: ص203.
(84) المازندراني، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص327؛ المجلسي، بحار الأنوار: ج47، ص254؛ الأمين، أعيان الشيعة: ج3، ص317.
(85) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص 95 - 96.
(86) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص96.
(87) ابن حمزة، الثاقب في المناقب: ص607 - 608النجفي، منتخب الأنوار المضيئة: ص281 - 284؛ البحراني، مدينة المعاجز: ج7، ص611 - 614.
(88) ابن كثير، تفسير القرآن: ج5، ص 216.
(89) السلمي، عقد الدرر، ص109؛ المرعشي، شرح إحقاق الحق، ج29، ص278.
(90) الطبرسي، سيرة المعصومين (عليهم السلام): ص342؛ ابن الصباغ، الفصول المهمة: ص263.
(91) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص97.
(92) المسائل العشرة في الغيبة: ص57.
(93) في بعض النسخ بدلاً من (له) (لنا أن نشك).
(94) لعلَّه يقصد هنا هم الأشخاص الذين أطلعهم الإمام العسكري (عليه السلام) على ولده منذ ولادته وفي صباه في حياة أبيه حتّى أنَّهم نقلوا أخبار مشاهدته لهم وكيف أطلعهم الإمام (عليه السلام) على ولده المستور، وحكوا حوادث تلك المشاهدات وكذلك الأشخاص الذين التقى بهم الإمام الحجة نفسه (عجّل الله فرجه) في زمن الغيبة الصغرى أو الكبرى.
(95) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص97.
(96) المسائل العشرة في الغيبة: ص54 - 55.
(97) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص97 - 98.
(98) الصفار، بصائر الدرجات: ص28.
(99) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص98.
(100) الصدوق، إكمال الدين: ج1، ص98 - 99.
(101) المقنع في الغيبة: ص37 - 39.
(102) من أصل طرح وأطرحة وطرحه والطرح، وتعني لا حاجة لأحد فيه، ينظر: ابن منظور: ج8، ص137.
(103) الغيبة: ص228.

العدد ٩ / جمادى الآخرة / ١٤٤١ هـ : ٢٠٢٠/٠٢/١١ : ٤.٠ K : ٠
: أحمد عبد الله حميد العلياوي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

محتويات العدد: