تحدّيات الغزو الثقافي لمجتمع (المنتظرين) في زمان الغيبة الكبرى
تحدّيات الغزو الثقافي لمجتمع (المنتظرين)
في زمان الغيبة الكبرى
أ.م.د. وسام حسين جاسم العبيدي
تكمُن إشكالية الخوض في موضوع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في هذا الوقت بالذات في عِدّة أسباب لم تغب عن أذهان كثير من الباحثين الذين تصدّوا لهذا الموضوع تحديداً، وفي النظر إلى تلك الأسباب بإجمال، نجدها تنقسم إلى نوعين:
الأول: إشكاليات داخلية: أي تلك الإشكاليات النابعة من صميم المأثور الإسلامي، فـ(المصلح المنتظر الذي يؤمن به المسلمون غير الإماميين عادة، وهو رجل يُلَقَّب بالمهدي، يولَد في زمانه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً)(1)، فضلاً عن إجماع علماء المذاهب، المُخالف لصريح أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بكونه - أي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) - من نسل الإمام الحسن (عليه السلام) وليس من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، وهذا الاعتقاد (من فرعيات العقيدة الإسلامية، وظهور المهدي إحدى العلامات الممهّدة لأشراط الساعة الكبرى)(2). وهذا بحدّ ذاته يقف حائلاً لتوحيد الجهود الفكرية التي تتّصل بالجانب العقدي، سواء أكان بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، على الرغم من كونه لا يختلف عن أصل الفكرة، وهو وجود مهدي يكون على يديه تحقيق العدل الإلهي يخرج في آخر الزمان.
الآخر: إشكاليات خارجية: وهي تلك الإشكاليات النابعة من رحم الفكر غير الإسلامي، وهي على نوعين:
الأول: إشكاليات من أصحاب الأديان السماوية الأخرى الذين لا يلتزمون بمنظومة الدين الإسلامي العقدية والفكرية، فهم بالنتيجة أحرار في رسم تطلّعات وأفكار تنسجم وانتماءهم الفكري المختلف عن الدين الإسلامي.
الآخر: إشكاليات من أصحاب الفكر اللاديني، وهؤلاء أكثر تشعّباً في توجّهاتهم الفكرية ممّن استعرضناهم آنفاً؛ لكونهم لا يحتكمون في اجتراح تلك الرؤى والأفكار إلى دينٍ - سماوي أو وضعي- وهذا ما يجعلهم يتحرّرون من غلالة الدين التي يفرضها على أتباعها بمقتضى طبيعته التي لا تقبل أنْ يتدخّل الإنسان في صياغة مفاهيمه، بل هي مفاهيم عُلويّة تُوجب على معتنقيها التسليم بها.
وينطلق هؤلاء (المنكرون للإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) من دوافع ومنطلقات لا تنسجم مع منهج الإسلام العام في طرح العقائد والدعوة إلى الإيمان بها، فمنهج الإسلام الذي يعتمد المنطق والفطرة، يقوم في جانب مهمٍ منه على ضرورة الإيمان بالغيب، وقد تكررت الدعوة في القرآن الكريم إلى ذلك، إذ هناك عشرات الآيات التي تتحدث عن الغيب والدعوة إلى الإيمان به)(3).
إنّ ما ذكرناه آنفاً يُشكّل تحدّياً واضحاً لمجتمع المنتظرين، فضلاً عمّا لو أضفنا إلى ذلك تحديّاً آخر يتمثّل بماهيّة الانتظار، كونه مفهوماً له دلالة قرارة في الذهن، لا تخرج عن السكونية وعدم الحراك، بما يُقابل دلالة الحراك، ومقتضى ذلك أنْ يكون أتباع ذلك المفهوم لا دور لهم في زمان الغيبة، فقط أنْ ينتظروا خروج المهدي (عجّل الله فرجه)؛ ليكونوا بعدها - من دونْ أي مقدّمات - جنوداً يقاتلون بين يديه، ويستعين بهم في استكمال وظيفته الإصلاحية الشاملة لكل بلدان العالم...!
هكذا يعتقد الكثير من بسطاء التفكير من المسلمين بعامة أو من أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بخاصة.
ولذلك سنتحرّك في هذا البحث عبر محاور نراها جديرة بالوقوف عندها، وهي:
- مفهوم الانتظار في ميزان العقل والشريعة.
- مفهوم الغزو الثقافي.
- أبرز تحدّيات الغزو الثقافي.
وإذا كان لكل بحث ناجح منهجيةٌ علمية تضمن سلامة وصول الباحث إلى برّ النتيجة الأكثر قرباً إلى الصواب، يمكن أنْ تتغيّر بحسب المقدّمات التي يضعها الباحث، إيثاراً للـ(أنا) التي تُصوغ هويّته في هذا الوجود، فأرى أنّ العقل خيرُ دليلٍ على قبول ما سنطرحه هنا من آراء استند بعضها على أدلّةٍ من العقلِ تارة ومن النقلِ تارةً أخرى؛ لاعتماد الموضوع الذي نبحث في جنباته في جانبٍ كبيرٍ منه على ما وردنا من أخبار وروايات وردت عن النبيّ المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
مفهوم الانتظار في ميزان العقل والشريعة:
قامت جميع الأديان السماوية على دعوة الناس لعبادة الله تعالى، ولكن هذا مختلف فيه. وعلى مبدأ العقاب والثواب، ذلك المبدأ الذي يتحقّق عبر انتظار المؤمنين بتلك الدعوة، لعالمٍ يبدأ بعد أنْ يرحل الإنسان من عالم المادة، فيُثاب الإنسان على ما قدّمه من أعمالٍ حسنة، بعضها من الواجبات التي جاءت في ضمن ذلك الخطاب الإلهي عبر مُبلِّغيه من الرُسل والأنبياء، وبعضها مندوبٌ، وبخلاف ذلك يكون العقاب؛ ولذلك نجد من لا يؤمن بالله - من الطبيعي- أنْ لا يؤمن باليوم الآخر، ولا يخاف ممّا يترتّب على معصيته من عقابٍ أعدّه الله له في اليوم الآخر.
وقد حفل النصُّ القرآني بذكر مفهوم الانتظار، بذكر تقليباته اللغوية المباشرة له، مثل قوله تعالى: ﴿قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ (الأنعام: 158)، وقوله: ﴿وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ (هود: 122)، وقوله: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾ (السجدة: 30)، وحين نتأمّل السياق الذي وردت فيه هذه الآيات، نجدها أتت في سياق تشكيك الكُفّار بصدق دعوى الأنبياء (عليهم السلام) وما تحمله من بشرى للمؤمنين بها وعقاب للمخالفين المنابذين لها، فالآية الأولى - على سبيل المثال - تقول: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾، ويكون معنى الآية بحسب ما ذكره الرازي: (معنى ينظرون: ينتظرون وهل: استفهام معناه النفي، وتقدير الآية: أنهم لا يؤمنون بك إلّا إذا جاءهم أحد هذه الأمور الثلاثة، وهي مجيء الملائكة أو مجيء الرب أو مجيء الآيات القاهرة من الرب)(4).
نخلص من ذلك أنّ الانتظار هو ما يكشف هوية المؤمن الحقيقي وصدق ادّعائه الإيمان بتلك الرسالة، ومقتضى ذلك أن تتشكّل صورة المؤمن بقضاء الله تعالى وقدره، وغير ذلك من الابتلاءات التي تقع عليه، فيحتسبها عند الله تعالى؛ طمعاً بالأجر الجزيل الذي أعدّه الله تعالى له ثواباً لما صبر عليه في دار الدنيا، في الوقت الذي كان بإمكانه أنْ يحقّق رغباته غير المشروعة، لكن خوفه من طائلة العقوبة الأخروية كان رادعاً له عمّا نهاه الله تعالى عنه، فانتظرَ زوال تلك الغُمّة عنه مترقّباً الأفضل مقاماً عند خالقه.
وبهذا يكون الانتظار قيمة أخلاقية عُليا تداخلت فيها أخلاقيات عالية مثل الصبر الذي يكشف معدن الإنسان المؤمن برسالة السماء؛ ولذلك كان جزاؤهم عند الله أكبر من أنْ يُحدّ، بحسب قوله تعالى مخاطباً نبيّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ (الزمر: 10).
والمُلاحظ أنّ الحكمة الإلهية اقتضت أنْ يكون خيار خلق الله من الأنبياء والمُرسلين والأوصياء ممّن صبرَ على ابتلائه، ونجح بذلك الاختبار، وكما قُلنا: إنّ الانتظار لتلك الكرامة الإلهية لا يتحقّق إلّا بالامتثال لأمر الله تعالى في الصبر احتساباً للأجر والثواب عنده، وبخلاف ذلك تجد من لم يؤمن بالله وعظيم جزائه في الآخرة، ممّن شكّكَ بقدرته قد خرج عن دائرة التوحيد إلى ظلام الكفر، فاستساغ كلّ عملٍ يُرضي رغباته حتّى وإنْ كان فيه معصية للخالق؛ لأنَّه أساساً يُنكر ما سيترتّب على مخالفته تلك، وقد صوّر لنا قوله تعالى هذا المعنى عبر آياتٍ كثيرة في كتابه الكريمة، حسبنا قوله الكريم: ﴿حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ﴾ (المؤمنون: 99-104).
هذا لأنّهم لم يؤمنوا بما وراء المادة من إلهٍ قادرٍ على كلّ شيء، وهو الأساس الذي تقوم عليه فعّاليات المؤمن الأخلاقية من صبرٍ وانتظارٍ ليومٍ تُجازى فيه كل نفسٍ ما كسبت، فإذا انتقضَ الأساس فمن الطبيعي أنْ تنتفي كلّ تلك المنظومة الأخلاقية التي أرادها الله سبحانه وتعالى وسيلةً لرُقيّ البشر مدارج الكمال والوصول إلى مُطلق السعادة في دار القرار.
ومن المعاني التي وردت في النص القرآني للانتظار بمفردات لغوية من غير المادة اللغوية المباشرة لذلك المفهوم، هو (الإمهال)(5) و(التربّص)(6) و(الإرصاد)(7) و(الارتقاب)(8)، و(الصبر)(9) على نحو ما أورده الماوردي في تفسيره(10)، فضلاً عن استعمالات كنائية دلّت على الانتظار، مثل قوله تعالى: ﴿وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ﴾ (ص: 15)، أو قوله تعالى على لسان نبيه موسى (عليه السلام) مؤنِّباً قومه الذين خالفوا عهده بعبادة العجل: ﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾ (الأعراف: 150)، حيث ورد في تفسيرها (والأمر: انتظار موسى (عليه السلام) حافظين لعهده)(11).
ومن يتأمّل غير ذلك من آيات قرآنية لامست معانيها دلالة الانتظار، نجد ذلك المفهوم ينطوي على بُعدين(12):
الأول: بعد سلبي:
وهو الانتظار الذي يؤدّي في مآله إلى نتائج وخيمة تقف بالضدِّ من المصلحة الإلهية العُليا، مثل طلب إبليس أنْ يُنظَرَ في عقوبته إلى يوم يُبعثون (يوم القيامة)، لأجل أنْ يُتاح له أكثر وقتٍ يقوم فيه بإضلال الناس وإبعادهم عن طريق الحق المتمثّل بعبادة الله الواحد القهّار، وهذا المعنى أعرب عنه قوله تعالى: ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ المَعْلُومِ * قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ﴾ (الحجر: 36-42).
والإنظار والإمهال والتأخير والتأجيل نظائر في اللغة(13)، وفي هذه الآيات توقّف كثيرٌ من المفسّرين لتجلية المراد من مقصوده تعالى بإنظار إبليس إلى يوم الوقت المعلوم(14)، وقد أشارت عدّةٌ من روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى أنّ (الوقت المعلوم) هو يوم خروج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان، وسيكون على يديه معاقبة أعظم موجات الانحراف والإفساد في شرق الأرض ومغربها، ومن تلك الروايات ما نُقِل عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام): «لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيَّة له، إنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيَّة». فقيل له: يا بن رسول الله، إلى متى؟ قال: «إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقيَّة قبل خروج قائمنا فليس منّا»(15)، ومعلومٌ أنّ العمل بالتقيَّة لأجل الحفاظ على مذهب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بوصفِهم الممثّل الحقيقي للثقل الأصغر الذي أوصى به النبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُمَّته في آخر أيّامه الشريفة، إذ يُشكِّل الالتزام بالقرآن (الثقل الأكبر) وبأئمة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) الوجه المشرق للدين الإسلامي؛ فكانت التقيَّة وسيلة لدرء ما يعتور هذا الخطّ الرسالي من محاولات استئصالٍ من قبل أتباع إبليس وجنوده من الجنّ والإنس.
ومن أمثلة الانتظار السلبي، ما نقله القرآن لنا من قول الفاسقين من أتباع نبيّ الله موسى (عليه السلام) حين توجّه بهم إلى القتال، فاعترضوا عليه بعدم امتثالهم لذلك الأمر، وأنهم سينتظرونه في حال رجوعه لهم، بذريعة يستسيغها كلُّ من رضيَ الخنوع والاستسلام، وهي أنّ الله قادر على نصر نبيِّه موسى (عليه السلام)؛ فليذهب مع ربّه فيقاتل أولئك القوم، وذلك ما تجلّى في قوله سبحانه: ﴿قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ * قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ﴾ (المائدة: 24-25).
يتّضح بما لا يقبل الشكّ أنَّ هذا المنطق التواكلي مذمومٌ بحسب ظاهر السياق القرآني؛ لأنَّه يُترجم عدم الإيمان الحقيقي برسالة النبيّ موسى (عليه السلام) الذي كلّفهم بذلك التوجّه، والإيمان ليس ادِّعاءً باللسان وإنَّما عملٌ بالجوارح، وتضحية بكلِّ ما يملكه المؤمن في سبيل الله تعالى الذي ربط كلّ شيءٍ في الكون بمُسبّباته، فلا نصرَ إلّا بتهيئة مقدّماته الموضوعية.
ويحكي لنا تاريخ سيرة النبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبعض صحابته المنتجبين موقفاً بالضدّ من موقف موسى (عليه السلام) وأتباعه من بني إسرائيل، وذلك حين كان المسلمون قرب بدر، وعرفوا بجمع قريش ومجيئها، خافوا وجزعوا من ذلك، فاستشار النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أصحابه في الحرب، أو طلب العِير. فقام أبو بكر، فقال: يا رسول الله، إنها قريش وخُيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، وما ذلَّت منذ عزَّت، ولم تخرج على هيئة الحرب. فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اجلس»، فجلس، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أشيروا عَلَيَّ». فقام عمر، فقال مثل مقالة أبي بكر. فأمره النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالجلوس، فجلس. ثم قام المقداد فقال: يا رسول الله، إنها قريش وخيلاؤها، وقد آمنَّا بك وصدقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقٌّ من عند الله، والله لو أمرتنا أنْ نخوضَ جمرَ الغضا، وشوك الهراس لخضناه معك، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24]، ولكنّا نقول: اذهب أنت وربك، فقاتلا، إنا معكم مقاتلون. والله لنقاتلنَّ عن يمينك وشمالك، ومن بين يديك، ولو خُضتَ بحراً لخُضناه معك، ولو ذهبت بنا برك الغماد لتبعناك. فأشرق وجه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ودعا له، وسُرَّ لذلك(16).
الآخر: بعدٌ إيجابي:
وهو ما يرجوه المؤمن أو ما يريده الله تعالى في خاصّة عباده، حين يقدّمون ما عليهم من تكليفٍ أُنيطَ بهم، فينتظرون حينها الجزاء الأوفى منه سبحانه، وهذا ما أشار إليه سبُحانه في قوله الكريم: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23)، وهؤلاء - وفق المنظور الإلهي - هم الرجالُ من المؤمنين، ولأنهم كانوا صادقين في إيمانهم، كانت الثمرة بما قدّموه من جليل الأعمال وأرضاها عند الله تعالى، فأقبلوا عليه، ومن لم يأته أجله، كان ينتظر ذلك الأجل بفارغ الصبر شوقاً إليه. وكذلك قوله تعالى: ﴿قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يونس: 89)، يكشف عن أن الاستقامة مستوى عالٍ من الإيمان يتحقّق فيه رضا الله تعالى، ويكون بعدها مثالاً للإنسان الخليفة الذي أراد له سبحانه عمارة الأرض وجعلها محلاًّ لطاعته.
وقد نظر القشيري (ت 465هـ) إلى معنى الاستقامة في الدعاء بوصفه سلوكاً أخلاقيّاً لا يتحقّق إلّا باجتماع الصبر الذي يُفضي إلى انتظار جزاء العمل، فقال بأنه (ترك الاستعجال في حصول المقصود، ولا يسقط الاستعجال من القلب إلّا بوجدان السكينة فيه، ولا تكون تلك السكينة إلّا بحسن الرضا بجميع ما يبدو من الغيب، ويقال: ينبغي للعبد أن يستقلّ بالله تعالى ما أمكنه، فعند هذا يقلّ دعاؤه. ثم إذا دعاه بإشارة من الغيب - في جوازه - فالواجب ألّا يستعجل، وأن يكون ساكن الجأش. ويقال: من شرط الدعاء صدق الافتقار في الابتداء، ثم حسن الانتظار في الانتهاء)(17).
كذلك فيما ورد عن قوله تعالى حكاية على لسان نبيِّه يعقوب (عليه السلام) لأبنائه: ﴿وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ﴾ (يوسف: 87)، أنّ روح الله ليس إلّا انتظار الفرج.
وانتظار الفرج على وجهين:
أحدهما قريب، والآخر بعيد.
فالقريب في السر فيما بين العبد وربِّه، والبعيد في الخلق فينظر إلى البعيد فيحجب عن القريب(18).
وقد استدلّ الفيلسوف الشيخ مطهري من الآية آنفة الذكر على أن مبدأ انتظار الفرج بوصفه واجباً عقديّاً يتّصل بحرمة اليأس من روح الله؛ لأنه يرى هذا المفهوم (من المفاهيم الإسلامية الشاملة التي لا تختصّ بفردٍ معيّن أو جماعة محدّدة، فهو يحمل البشائر للبشرية بأجمعها، ويحمل معه أيضاً صفات محدّدة لهذه البشائر)(19).
كذلك في قوله تعالى: ﴿وَسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (النساء: 32)، ورد في تفسيرها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «سَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَإِنَّ أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ»(20).
بعد هذا العرض، يتبيّن لنا أهمية الانتظار بوصفه سلوكاً محموداً عند الله سبحانه، ومعلومٌ أنّ حكمة الله اقتضت أنْ يتحقّق الصلاح للفرد والمجتمع في كلِّ ما أمرَ به سبحانه من واجبات ومندوبات. والانتظار بهذا المعنى يتجلّى في امتثال المؤمن برسالة السماء، حين يرى بعين عقله أنّه مكلّفٌ بأداء ما فرضه الله عليه، فيؤدّي طاعته إليه سبحانه، وفي الوقت نفسه ينتظرُ ما وعده الله به من مقامٍ كريم ثواباً على حسن طاعته، كما أخبر تعالى بذلك في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ﴾ (الكهف: 30-31)، وهذا الجزاء لم يتحقق لو لم يكن العبدُ منتظراً له وقدّم بين يديه من عملٍ يستحقُّ بموجبه ذلك الجزاء الحسن.
إذن فالانتظار الإيجابي، لا يكون إلّا حين تتحقّق مقدّماته الطيبة أثراً، والصالحة في مفعولها على الفرد والمجتمع، وهذا ما ينبغي أنْ يكون عليه المؤمن في عصر الغيبة، حين ينتظر الفرج ويضع مقدّمات ذلك الانتظار، فالفرج أمرٌ لا يخرج عن سُنن الله الحكيمة، تلك السُنن التي تشهد بعظمة صُنعه، ودِقّة إحكامه عوالم الدُنيا والآخرة، هذا المعنى ورد ذكرهُ في كتاب الله الحكيم، حين يعرض صفة أولئك المؤمنين الذين اعترفوا بعبوديتهم إزاء الخالق العظيم، فراحوا يتفكّرون في خلق السماوات والأرض، وعلى أساس ذلك التفكّر، انطلقت دعواتهم صادقةً بأنْ يرزقهم الله ثواب المؤمنين بالفوز في دار القرار، وأنْ يكفيهم شرّ النار التي أعدّها الله للظالمين من خلقه، عقوبةً لما اقترفوه من موبقات وجرائر، وذلك في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ * رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ * رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ * رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ * فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ﴾ (آل عمران: 191-195).
هذا المقطع القرآني، يكشف بوضوح عظيم أجر المؤمنين الذين قدّموا بين يديهم من عملٍ يُجازَون به، فالانتظار هنا يمثّل نتيجة طبيعية لتلقّي الجزاء المناسب للعمل، فهو السبيل المشروع للوصول إلى رضا الله سبحانه؛ ولذلك كان أفضل العبادة كما ورد في الأحاديث؛ لأنّ العبادة كلّها - كما بينّا قبل قليل - تقوم على مبدأ الاعتقاد بوجود عالَمٍ يُثاب فيه المرء على حُسن عمله ويُعاقب المسيء لانحرافه عمّا رسمه الله بحكمته، من مخطّط يسير بالإنسان إلى تكامله من دون معرقلات.
وإذا كان الانتظار سمة المؤمنين بوعد الله تعالى، وبانتفائه عند آخرين يمثّل كاشفاً سلوكيّاً لعدم إيمانهم بالله، وما يترتّب على ذلك الإيمان من اتِّجاه سلوكي نحو الصلاح والإصلاح وعمل الخير، طلباً لوجه الله الكريم وانتظار حسن جزائه، فمن الطبيعي أنْ يكون لانتظار المهدي الموعود (عجّل الله فرجه) أهمية بالغة الشأن في صميم العقيدة الإسلامية؛ لكونه الذي يُحقّق حلم الأنبياء والمُرسلين (عليهم السلام) بإرساء دولة العدل الإلهية، تلك الدولة التي تنشر الخير والبِرّ بين الناس، وترفع الظلم عن المهمَّشين في بقاع العالَم، وهذه الغاية التي يأمل المُصلحون تحقيقها؛ إذ إنها تمثّل صُلب تكليفهم، ونُصب أعينهم، وليس من دعوةٍ نبوية في مشارق الأرض ومغاربها إلّا وكانت تصبّ في هذه الغاية، فمن الواجب عقلاً وشرعاً أنْ يتطلَّع المؤمنون بوعد الله سبحانه إلى ذلك اليوم، ويبذلوا كلّ جهودهم لأجل التمهيد لذلك اليوم، بدءاً بأنفسهم وانتهاءً إلى الآخرين، أفراداً ومؤسسّات.
وعلى أساس ما عرضناه يتبيَّن لنا خطأ الصورة التي يستعرضها كثير من المستشرقين حين يقفون على مفهوم الانتظار، بأنه (حالة من الترقّب السلبي وعقيدة أملٍ وثقةٍ بأنّ الإمام الغائب سيظهر يوماً ليملأ الدنيا عدلاً، ويُقيم المجتمع الإسلامي المثالي الذي يُؤمن الإمامية أنَّه لم ينوجد إلّا في خلافة علي بن أبي طالب الوجيزة)(21). وهي النظرة التي يُريد الحاقدون من مفكري الغرب تنميطها وبثّها في مجتمعاتهم؛ لكونها صورة تبث السخرية والازدراء من هكذا عقلية متواكلة لا تقوم بفعلٍ إيجابي، يُسهم في تغيير الواقع المؤلم الذي يعيشون تحت وطأة ظروفه، وليبقى ظلمُ تلك الدول الاستكبارية باقياً على دول الشرق الإسلامية من دون أنْ تحرّك تلك الدول ساكناً لرفع ذلك الظلم!
وقد تظافرت الأحاديث النبوية التي أخبرتنا عن ذلك المهدي في آخر الزمان، وما سيتحقّق فيه من عدلٍ يتمنّى المعاصرون له أنْ يعيش الأمواتُ فيه تشوُّقاً إليه، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخدْرِيِّ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) بَلَاءً يُصِيبُ هَذِهِ الْأُمَّةَ، حَتَّى لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَلْجَأً يَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ، فَيَبْعَثُ اللهُ رَجُلاً مِنْ عِتْرَتِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَيَمْلَأُ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ، وَسَاكِنُ الْأَرْضِ، لَا تَدَعُ السَّمَاءُ مِنْ قَطْرِهَا شَيْئاً إِلَّا صَبَّتْهُ مِدْرَاراً، وَلَا تَدَعُ الْأَرْضُ مِنْ مَائِهَا شَيْئاً إِلَّا أَخْرَجَتْهُ، حَتَّى تَتَمَنَّى الْأَحْيَاءُ الْأَمْوَاتَ، يَعِيشُ فِي ذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ»(22).
وهو حديث من بين مئات الأحاديث التي ذكرها الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أفاضوا بذكر أخباره وأوصافه وأحوال ما قبل ظهوره وما بعدها. وفي كثيرٍ منها اشتياق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى أنْ يعاصروا دولته، ويعيشوا أجواء العدل والصلاح، على الرغم من قيامهم بتكليفهم المُناط بهم بإرشاد الناس إلى ما فيه خير الدارين، إلّا أنّ جور السُلطات الحاكمة في زمانهم كان معرقلاً رئيساً حدّ من نشاطهم الإيماني الهادف إلى تحقيق تلك المصالح الإلهية العُليا؛ فلذلك نجد أنّ إماماً عظيماً كالصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قام ما قام به من جليل دورٍ في حياته بإحياء حلقات العلم والفقه، حتّى أنّ المذهب الإمامي تسمّى به، إلّا أنّه يحنّ إلى ذلك اليوم الموعود وإلى صاحبه الذي سيرفع الظلم ويُبطل الجور بين الخافقَين، بما أودعه الله فيه من قُوّة، فضلاً عن الخطوات التمهيدية التي وطّدت لظهوره في ذلك العصر، فعن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضّل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب وهو يبكي بكاءً شديداً ويقول: «سيدي غيبتك نفت رقادي وسلبت منّي راحة فؤادي»، قال سدير: تصدّعت قلوبنا جزعاً، فقلنا: لا أبكى الله يا بن خير الورى عينيك، فزفر زفرة انتفخ منها جوفه، فقال: «نظرت في كتاب الجفر الجامع صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وهو الذي خص الله به محمّداً والأَئمة من بعده (صلوات الله عليه وعليهم)، وتأملّت فيه مولد قائمنا المهدي وطول غيبته وطول عمره، وبلوى المؤمنين في زمان غيبته، وتولّد الشكوك في قلوبهم من إبطاء ظهوره وخلعهم ربقة الإسلام عن أعناقهم قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء: 13]، يعني ولاية الإمام، فأخذتني الرّقة واستولت عليَّ الأحزان»(23).
وهو حديث يكشف عن أمورٍ كثيرة تتعلّق بقضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، أوّلها: أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) أراد ببُكائه إلفات الآخرين إلى مدى أهمية المصلح الموعود، وكم سيكون بظهوره من فرحةٍ لقلوب المؤمنين الذين يتوقون إلى يومٍ تعيشه في عالم الدنيا بلا مظالم وبلا اعتداء على حقوق الآخرين، مثلما هو الحال السائد في عصر الغيبة الكبرى، على الرغم من أن الإمام الصادق (عليه السلام) يعلم يقيناً أنَّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لم يُولد بعد، فينبغي أنْ يتضاعف الاشتياق ويشتدّ عند أولئك المؤمنين المنتظرين في عصر غيبته، ويعملون على تعجيل فرجه الذي سيكون في الوقت نفسه فرجاً للعالم بأسره، وخلاصاً من الظلم والانحلال الأخلاقي الذي أطبق على الأرض.
وهنالك أمرٌ آخر، أعرب الإمام الصادق (عليه السلام) عنه يتعلّق بطول الغيبة، وبلوى المؤمنين بذلك الاختبار الإلهي، الذي يتوقّف على قوة إيمانهم، ومدى صبرهم، وهنا يمكن أنْ نقول بصفة عامة: إن المؤمنين بكتاب الله وما فرضه الله عليهم من واجبات في عباداتهم ومعاملاتهم، يلقون من النَصَب والشِدّة في حياتهم؛ لما يُقاسونه من حياةٍ تفرعن فيها التفكير المادّي البعيد كلّ البعد عن رضى الله واجتناب معاصيه، وهي إشكالية يعيشها المؤمن في كلِّ زمان ومكان وليس في زمان الغيبة الكبرى فحسب، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحدّثت لنا عن ضروبٍ من الابتلاءات وقعت على الأنبياء والمُرسلين والمؤمنين برسالات السماء لأجل اختبار إيمانهم وتحصيل الدرجات العُلى في اليقين بقضاء الله وقدره وعظيم حكمته وإرادته، وتحقيقاً لقوله: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال: 42).
أمّا ما أشار إليه حديثُ الإمام الصادق (عليه السلام) آنفُ الذكر، من عظيم ابتلاء المؤمنين في غيبته؛ فلكثرة المظالم، واحتدام الإشكالات من كلِّ حدبٍ وصوبٍ على أولئك الثُلّة المنتظرة لفرج الإمام (عجّل الله فرجه) بظهوره الشريف، الأمر الذي يتسبّب بتناقص أعداد المؤمنين به ممّن يُفترض أنْ يعملوا بواجبهم في عصر الغيبة الكبرى بالتمهيد لظهوره بالتزامهم السلوكي والأخلاقي، وحُسنِ الدعوة إلى الدين الذي ينهضُ الإمام (عجّل الله فرجه) لنُصرته وإظهاره على جميع الخلق في ذلك الزمان، وهذه الثمار الأخلاقية لا تتحقّق إلّا من خلال طول الانتظار الذي يُجوهر هوية المؤمنين بذلك الوعد الإلهي؛ ولذلك (يتم اختيار الأشخاص الذين يعتمد عليهم في بناء هذه الدولة وقيامها بعناية فائقة، فلابد إذن أن ينجح هؤلاء الأشخاص في عدة اختبارات وامتحانات صعبة، ومن هذه الامتحانات طول مدة الغيبة والتعرض لأصناف الظلم والابتلاءات)(24).
وهذا المعنى لم يغب عن أحاديث كثيرة وردت عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، حسبنا ما رُوي عن محمد بن منصور الصيقل عن أبيه قال: (دخلت على أبي جعفر (الباقر) (عليه السلام) وعنده جماعة، فبينما نحن نتحدث وهو (عليه السلام) مقبل على بعض أصحابه - ويبدو أن حديثهم كان عن القائم المنتظر (عليه السلام) - إذ التفت إلينا، وقال: «في أي شيءٍ أنتم؟، هيهات هيهات لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تُمحَّصوا، ولا يكون الذي تَمُدُّون إليه أعناقكم حتّى تُميَّزوا، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتّى تُغربلوا، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم إلّا بعد إياس، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى يشقى من شقي ويسعد من سعد»(25).
ولا نعدو الصواب إذا قلنا: إنّ أهمّ تلك الابتلاءات في عصر الغيبة وأكثرها مدعاةً لتناقص عدد المؤمنين بها وانزلاقهم في مهوى الحيرة والضلال، هو طول الانتظار، الذي يدفع إلى تنامي الشكوك في صدور من لا حظّ له من الإيمان الراسخ، لا سيّما أنّ التساؤلات عن ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) تتكاثر من قبل أعداء الدين الذين يستخفّون بهكذا مفاهيم.
ونحن ما زِلنا في تجلية مفهوم الانتظار، نؤكّد القيمة الأخلاقية الأولى التي ارتبطت بمفهوم الانتظار، وليس المعنى السالب الذي يحاول بعض من يسخر ممّن يلتزم انعكاسات هذا المفهوم في حياته العملية، وهو الانتظار السالب لقيمته الذي لا يعكس بأي حال التمثّل القرآني الصحيح له، وبهذا يكون من الأَوْلى لمن وضع الثقلين نُصب عينيه أنْ يقرّ معتقداً بأنّه (ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي) أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل المسلم أبداً، مكلّفٌ بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة. وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
فلا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرّد الانتظار للمصلح المهدي، والمبشر الهادي، فإن هذا لا يسقط تكليفاً، ولا يؤجل عملاً، ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم)(26).
وهذا المعنى لم يكن اجتهاداً من مجمل خطاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، بل كان استظهاراً لكلامهم في تجلية مفهوم الانتظار، وهو المفهوم الذي لا يُخالف معالم المفهوم القرآني للانتظار الإيجابي المرتبط عمليّاً بالجانب السلوكي للمؤمن برسالة السماء. ولعلَّ حديث الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يمثّل إجابة شافيةً لمن يسأل عن مفهوم الانتظار، وهو قوله: «من سرّه أنْ يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات، وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من يدركه، فجدوا وانتظروا»(27).
وهو حديثٌ صريحُ الدلالة على وجوب العمل مقروناً بالورع ومحاسن الأخلاق التي لا تُعطي ثمارها إلّا من خلال الترجمة السلوكية لها من قِبل العبد، وهذا هو المعنى الإيجابي للانتظار، وعلى هذا الحال يُحقق المؤمن الوظيفة المُناطة به في عصر الغيبة بالتمهيد وتعجيل فرج ظهوره الشريف، والاستعداد للانقياد تحت لوائه الذي ينشره فيعمّ العدل وفق سُنن الله التاريخية التي شاء الله أنْ تكون قانوناً يجري على الأوّلين كما يجري على الآخرين من ذرّية بني آدم (عليه السلام)، فنُصرةُ أولئك المنتظرين لإمامهم سببٌ في نُصرته (عجّل الله فرجه) تصديقاً لقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾ (محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): 7).
هذا إنْ كان المنتظِر قد عاصر دولة العدل الإلهي، وانتهز الفرصة التي انتظرها طويلاً بالاستعداد النفسي والبدني والفكري لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه)، أمّا إذا لم يتحقّق ذلك الوعد بمشيئة الله وحكمته، فهو أيضاً لم يخسر شيئاً بل ربح صبراً يُثاب عليه بالتزامه تطبيق ما أنيط به من تكليفٍ في عصر الغيبة، فأجرهُ يكون - بحسب قول الإمام الصادق (عليه السلام) - مماثلاً لأجر من يُضحّي بين يدي قائم آل محمد (عجّل الله فرجه) عند ظهوره الشريف.
تحديات الغزو الثقافي:
لما كان الغزو الثقافي في أحد تعريفات مفهومه الكثيرة، يتجلّى في (كل فكرة، أو معلومة، أو برنامج، أو منهج، يستهدف - صراحةً أو ضمناً - تحطيم مقومات الأُمَّة الإسلامية: العقدية والفكرية والثقافية والحضارية أو يتحرّى التشكيك فيها، والحط من قيمتها، وتفضيل غيرها عليها، وإحلال سواها محلّها، في الدستور، أو مناهج التعليم، أو برامج الإعلام والتثقيف، أو الأدب والفن، أو النظرة الكلية للدين والإنسان والحياة)(28)، فهذا يعني أنّ ثمة محاولة هدّامة من خارج المكوّن الإسلامي، تأخذ منحى ثقافياً، باعتباره حصان طروادة لغايات لا يتمّ تحقيقها إلّا عبر لبوس الثقافة، كونها السلاح الناعم الذي لا يُحسّ بناقع سُمِّه إلّا بعد حين، وتزداد ضراوة الهجمة الثقافية على المسلمين المؤمنين بقضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، حين نجد من يُسهم في تعضيدها من داخل الصفِّ الإسلامي، ولعلّ هذا ما جعلَ الإمام الصادق (عليه السلام) في روايةٍ عرضناها سابقاً، يبكي لعظيم المخاطر المحيطة بقضية تستهدف الصلاح في مجمل النظام العالمي في جميع بقاع المعمورة، ولما كان إبليس - ذلك الشرّ المُطلق - يعلم يقيناً بأنّ انتهاء أمد إنظاره إلى ميقات اليوم المعلوم، فمن الطبيعي أنْ يحرص على إطالة الوقت بالتشويش ومضاعفة جهوده في التسويل لجنوده، بمحاربة كلّ ما من شأنه أنْ يُمهِّدَ لظهور الإمام (عجّل الله فرجه) من قبيل بثّ الأفكار المناوئة لعقيدة الانتظار، من قبيل التشكيك بكل الروايات الواردة عن قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وما يتّصل بها من قريب أو بعيد، سواء من مخالفي المذهب، أو من ضعفاء العقول من أدعياء التشيّع، ممّن أثّرت بهم تلك الموجات التشكيكية، فراحوا يخرجون بنظريات وأفكار استحسنتها عقولهم وهي مبتورة الصلة بتراث العترة الطاهرة، فضلاً عن ارتطامها فكريّاً بعُرى النص القرآني الوثيق، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فيما لو استساغ البعض فكرة الانتظار وقضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فإنهم يأخذونها على محمل النسق الأسطوري في قراءة ملفّات هذه القضية(29) وجعلها بالمحصّلة غير قابلة التنفيذ على أرض الواقع؛ لأنّ منطلقات تلك القراءة بُنيت على منظور مادّي مُخالف لطبيعة النصّ القرآني الذي بشّر بدولة العدل الإلهي في آخر الزمان.
إنّ ما يُشعِر باستحكام خطر الغزو الثقافي وأثره على المجتمع المسلم، حين يكون هذا المجتمع في عموم طبقاته ضعيفاً بالثقافة الإسلامية، التي تؤهّله أنْ يكون مجتمعاً مؤهّلاً لانتظار إمامه الغائب؛ لما بيّناه سابقاً من أنّ الانتظار المُفضي إلى تمهيدٍ واعدٍ بالفرج لظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، لا يتحقّق إلّا عبر الوعي العميق الذي يستشعره ذلك المجتمع المنتظر، بما عليه أنْ يؤدّيه من واجبات، سواء أكانت أخلاقية بينه وبين ربّه، أم كانت بينه وبين أفراد المجتمع الآخرين، الأمر الذي يُثبت صحّة اختياره ذلك الموقف المسؤول، بل يُفترض أنْ يكون أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أكثر فئات المجتمع المسلم - إذا أخذنا بنظر الاعتبار سائر أبناء المذاهب الإسلامية - التزاماً سلوكيّاً وفكريّاً بالمرجعية الإلهية المتمثّلة بالثقلين: القرآن والعترة؛ لأجل أنْ يُظهِروا للعالم أجمع أنّ هذا الدين الخاتم يُمثّله أولئك الصالحون الأبرار ممّن امتلئوا علماً وحكمةً وأخلاقاً وصلاحاً في كل شؤون حياتهم، وبهذا تكون سيرتهم العطرة سبباً لدعوة الناس من خارج الدين للإقبال على اعتناق التشيّع بوصفه الوجه الحقيقي للإسلام، فضلاً عن دعوة معتنقي المذاهب الإسلامية الأخرى للانخراط في صفوف شيعة آل محمد (عليهم السلام)، وهذا ما كان يصبو إليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ويستهدفونه في جُلِّ خطاباتهم لأتباعهم، ومن تلك الأحاديث:
- عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، أنه قال للمفضل: «أي مفضل، قل لشيعتنا، كونوا دعاة إلينا بالكف عن محارم الله، واجتناب معاصيه، واتِّباع رضوانه، فإنهم إذا كانوا كذلك كان الناس إلينا مسارعين»(30).
- عن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية»(31).
- عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: «كثيراً ما كنت أسمع أبي يقول: ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدّراتُ بورعه في خدورهن، وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل، فيهم [من] خلق لله أورع منه»(32).
- وقال أبو عبد الله: «كونوا دعاة الناس بأعمالكم، ولا تكونوا دعاة بألسنتكم، فإن الامر ليس حيث يذهب إليه الناس، إنه من أخذ ميثاقه أنه منّا، فليس بخارج منّا ولو ضربنا خيشومه بالسيف، ومن لم يكن منّا ثم حبونا له الدنيا لم يحبّنا»(33).
وغيرها الكثير من الأحاديث التي ترسم صورة مُشرقة للمؤمن الشيعي كما يُريدها الله سبحانه في كتابه الكريم، وكما أكّدها نبيّهُ الخاتم وأئمّته المعصومون (عليهم السلام)، ومعلومٌ أنّ مِلاك هذه الصفات هو التحلّي بالعلم والتفقُّه في كتاب الله الكريم، وسُنّة نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وهذا ما يعني أنّ العلم والسير في طريقه سبيلٌ لتحقيق كل هذه الصفات، وحين يكون المسلم الشيعي جديراً بهذه الصفات بعد سلوكه السبيل الموجبة لذلك، فلا يُخاف عليه بعد ذلك من وسائل تضليل ينتهجها الغزو الثقافي المادي، بل العكس من ذلك تماماً، تكون مثل تلك الشُبُهات التي يُثيرها أعداء الدين مصلاً يقوّي المذهب أكثر فأكثر، حين يعكف علماؤه الأفذاذ على مناقشة تلك الأطروحات المُضلِّلة، وتبيان ما فيها من تناقض واضطراب، سواء في سبك الأفكار التي انتظمت فيها تلك الأطروحات، أم في التشويش اللامنهجي المُخالف للأُسس الفكرية التي اتَّفق على صوابها مؤسسو تلك المناهج في محضنها الغربي.
وللحق نقول: إنّ العلماء من شيعة آل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منذ ابتداء عصر الغيبة إلى يومنا هذا، كانوا وما زالوا يتصدّون للذود عن الدين الإسلامي بإبطال ضروبٍ من الشُبُهات التي تفنّن أصحابها من كلِّ اتّجاهٍ فكري، رجاء أنْ يُضعِفوا بها المذهب، وصولاً إلى إضعاف الدين في النهاية، ولكن كما قُلنا لم تزد مثل هذه الشُبُهات مدرسة أئمة آل البيت (عليهم السلام) إلّا قوّةً بعد قوّة؛ هذا لأنّ مثل هذه الشُبُهات تكون سبباً لحراك العقل في داخل المنظومة الإسلامية، وموجبةً لاتّساع أفق التفكير الإسلامي انسجاماً مع اتِّساع رقعة الإشكاليات المطروحة، فضلاً عن ازدياد وتيرة الحياة تصاعداً بانفتاحها على مستجدّات تقتضي أنْ يكون لمن يُعايشها موقفٌ يُؤمّنه الشرع الإسلامي، الأمر الذي يأخذه الفقهاء بعين الاعتبار بوصفه تكليفهم الشرعي والأخلاقي.
وإذا أردنا أنْ نأخذ مثالاً قريباً منّا لتأكيد ما طرحناه آنفاً، فحسبنا ما ذكره السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدّس سرّه) في مقدمة كتابه (فلسفتنا) مستشعراً هذه المسؤولية المناطة بالعلماء إزاء الدين الذي ينتمون إليه بقوله:
(غزا العالم الإسلامي، منذ سقطت الدولة الإسلامية صريعةً بأيدي المستعمرين، سيلٌ جارف من الثقافات الغربية، القائمة على أسسهم الحضارية، ومفاهيمهم عن الكون، والحياة والمجتمع. فكانت تمدّ الاستعمار إمداداً فكريّاً متواصلاً، في معركته التي خاضها للإجهاز على كيان الأُمَّة، وسرّ أصالتها، المتمثل في الإسلام.
وفدت بعد ذلك إلى أراضي الإسلام السليبة، أمواجٌ أخرى من تيارات الفكر الغربي، ومفاهيمه، الحضارية، لتنافس المفاهيم التي سبقتها إلى الميدان، وقام الصراع بين تلك المفاهيم الواردة، على حساب الأُمَّة، وكيانها الفكري والسياسي الخاص.
وكان لابدّ للإسلام أنْ يقول كلمته في معترك هذا الصراع المرير، وكان لابدّ أنْ تكون الكلمة قويةً عميقة، صريحةً واضحة، كاملة شاملة، للكون، والحياة، والإنسان، والمجتمع، والدولة والنظام، ليُتاح للأُمَّة أنْ تعلن كلمة (الله) في المعترك، وتنادي بها، وتدعو العالم إليها، كما فعلت في فجر تاريخها العظيم)(34).
ولعلّ أكثر التحدّيات للمنتظرين في عصر الغيبة الكبرى، هي التي تظهر في إطار المكوّن المُدّعى انتماؤه لمذهب الحق الذي يختصّ بطرحه الموافق للقرآن والعقل، فتكون أمثال تلك المعرقلات أشبه - بما يُصطلح عليه في علم السياسة - بالنيران الصديقة، حين لا تصيب بعض نيران المدافع أو الطائرات المقاتلة الهدف، وإنما تضرب بعض قطعاتها العسكرية المنتشرة هنا وهناك عن طريق الخطأ في ورود المعلومات التي زُوِّد بها سلاح الجيش، وعلى أي حال فالنيران حين تلتهم شيئاً لا تعرف صداقة أو عداوة، فهي بطبيعتها المُحرقة لا تبقي ولا تذر شيئاً إلّا وأحالته رماداً، وهنا من خلال عرضنا لمفهوم النيران الصديقة يكمن الشبه كل الشبه بينها وبين ما يصدر من فعال وتصرفات يقوم بها البعض ممن ينتسب إلى المذهب الشريف، مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ممن يظن بنفسه، أو يعتقد اعتقاداً عارياً من الحجة الشرعية التي تبرئه الذمة أمام الله بأن تصرفه وسلوكه الذي قام به إنما فيه رضى الله ورضى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام)، بل يرى في نفسه الأهلية دون غيره والكفاءة في تصديه لقضية الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)؛ حيث يتكلم باسم الإمام (عجّل الله فرجه)، ويتصرف في كل صغيرة وكبيرة باسمه (عجّل الله فرجه)، وهو في حقيقة أمره لا يترجم في كل تصرفه إلّا جفاءً وبُعداً عن خط الإمام المعصوم، وتأخيراً لظهوره المقدس، ونحن إذ نقول: إن أمثال هؤلاء ممن يؤخِّر ويضع العصا في عجلة الظهور المقدس، لا نريد أن نتجنّى على أحد أيّاً كان، بعد أن أطلقنا إسار الكلام ليشمل كل من يتَّصف بهذه الصفات الذميمة، واضعين قضية الظهور المقدس في إطارها الطبيعي الكوني الذي رسمه الله تعالى لها، إذ جعلها منوطة بالأسباب الطبيعية التي بإمكان الفرد أو الأُمَّة من التحكُّم في تأخيرها أو التعجيل لها إن أرادت؛ إذ كانت غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) وبُعده عن قواعده الشعبية تمثّل استجابة للظروف الطبيعية التي أحاطت قضيته التي من شأنها إعاقة المشروع الإلهي الذي أنيط بشخصه الشريف، ومن هذه الظروف تحفُّز السلطات العباسية لقتله وقت ولادته (عجّل الله فرجه) لوأد حركته من الأصل، استشعاراً منهم بالخطر المحدق بهم فيما لو بقي حيّاً، ولكن ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾ (التوبة: 32).
وقد ورد في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنه لا يظهر الإمام حتى تدور الرّحى»، فقالوا: وما دور الرحى؟ قال: «اختلاف شيعتنا بينهم حتى يقتل بعضهم بعضاً»(35).
ومثل هذا الاختلاف الداخلي - إنْ صحّ الوصف - يمثّل أعظم تحدٍّ للخُلّص من المنتظرين؛ لكونه نابعاً من داخل المؤسسة الشيعية وليس من خارجها، فيكون مثل هذا الخطر الداخلي سبباً في ضعضعة الكيان الشيعي.
كذلك يُسهم مثل هذا التشرذم الواقع داخل إطار المكوّن الشيعي في تضعيف فرصة تقريب الفرج للإمام (عجّل الله فرجه) بظهوره في أيّ حقبة من زمان الغيبة الكبرى، لانتفاء القاعدة المُمهِّدة للإمام (عجّل الله فرجه) والمستعدّة نفسيّاً وجسديّاً بالتخلّي عن نوازعها الذاتية لأجل مصالح عامة.
ولو طالعنا الأخبار المهدوية، وأنعمنا النظر فيها، لوجدنا ثلاث طوائف من الناس، ممن يحسب على الطائفة الإمامية الاثني عشرية، ولكن هم بأفعالهم شوَّهوا الصورة المشرقة لهذا المذهب، وجعلوه محَطَّ سخرية للحاقدين الذين يتربَّصون بالمذهب الدوائر، وهي - حسب استقرائنا - كالآتي:
الطائفة الأولى: وهم الجهلة من الشيعة الذين لا يفقهون من الدين إلّا اسمه، وهم الذين وصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له مع كميل بن زياد النخعي: «الناس ثلاثة... وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق».
فأمثال هؤلاء يشكِّلون خطراً حتى في عصر غيبة الإمام الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه) مما يضطره إلى تغيير مكانه وتأجيل زمان ظهوره، ولدينا رسالته (عجّل الله فرجه) إلى الشيخ المفيد (رحمه الله)، والتي رواها الطبرسي في كتابه(36) والتي يقول فيها - موطن الشاهد -: «وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا بنصبٍ في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفاً من غماليل ألجأنا إليه السباريتُ من الإيمان»، فالإمام (عجّل الله فرجه) في هذه الرسالة يشير إلى أنه قد غيَّر مكانه إلى مكان آخر، والسبب الذي دعاه إلى هذا التنقل في الأماكن هو (السباريت من الإيمان) والسباريت جمع سبرات وسبروت وسبريت: الأرض التي لا نبات فيها، ومنها سمي المعدوم سبروتاً، ويعطي الشهيد السيد محمد الصدر (قدّس سرّه) معنيين لها:
الأول: أن نقرأ (الإيمان) بكسر الهمز، فيكون المراد أن الفقراء أو الفارغين من الإيمان هم الذين ألجأوا الإمام (عجّل الله فرجه) إلى اختيار مسكنه الجديد.
الثاني: أن نقرأها (الأيمان) بفتح الهمزة، فيكون جمع يمين الذي يقابل اليسار، ويكون المراد بالسباريت: الأرض الخالية من الزرع الموجودة في يمين الطريق، وقد ألجأه هذا السبب إلى تركها والذهاب إلى مكان جديد(37).
وقد يقول قائل: وما الدليل على كون هؤلاء ممن ينتسب إلى الطائفة الشيعية؟
فالجواب هو: أن الإمام (عجّل الله فرجه) أشار في رسالته نفسها إلى ما يقود إلى هذا، فهو يقول فيها بعد ذلك - موطن الشاهد -: «ولو أن أشياعنا - وفقهم الله لطاعته- على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة، وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتَّصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم».
وتتصاعد أهمية التزوّد المعرفي والثقافي للمجتمع الإسلامي بعامة، ومجتمع المنتظرين بخاصة، حين يكون الغزو الثقافي متحقّقاً عبر التطور التكنولوجي في الغرب، وعلى أساس ذلك التطور كان لرقعة التكنولوجيا الرقمية أنْ تتَّسع، في ظل تصاعد المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي، فقد غدا العالم بيتاً صغيراً يعرف الجميعُ فيه عن الجميع، وبهذا علينا أنْ نُعيد النظر في منظومتنا الفكرية التي ورثناها عبر مئات السنين، التي من خلالها يتمّ التوازن فيما آل التطوُّر العلمي إليه من مبتكرات أبدعتها العقول، وفيما نعيه ونفهمه من مأثور ذلك التراث العتيد، الذي يُعبّر عن القاعدة الأساس للجماعة الإنسانية المُسلِمة؛ ولذا أجد أنْ لا ضير في تقبّل ذلك التراث بعد تمثّله وتمحيصه وقراءته عبر متوسّطات حداثوية تتجلّى بآلية التأويل فيما لا يُغيّر ثابتاً متفقاً عليه من أصول الدين أو مجمعاً على قبوله عند الماضين من علماء الأُمَّة فضلاً عن المحدثين منهم.
وبعد أن نتأمل الأحاديث الشريفة التي نطق بها المعصومون من آل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والتي نصّت بفضل القرآن، وخلود معانيه ومضامينه، ومنها الحديث الوارد عن صادق أهل البيت (عليهم السلام) والذي يقول فيه: «ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك، ماتت الآية، لما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض، ولكل قوم آية يتلوها هم منها من خير أو شر»(38)، وما روي أيضاً عنه (عليه السلام): «إن القرآن حي لم يمت، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا»(39)، وأحاديث أخرى على هذا المعنى، منها ما ورد عن سماعة بن مهران مرفوعاً عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال: «... للقرآن تأويل يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس والقمر، فإذا جاء تأويل شيء منه وقع فمنه ما قد جاء ومنه ما يجيء»(40)، لا يغيب عن أذهاننا الثقل الذي جعله الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عِدلاً مكافئاً للقرآن، ألا وهم العترة من آل بيته المخصوصون بالعصمة (عليهم السلام)، ولا يمكن بحال أن نجحد فضلهم وعظيم منزلتهم، بعد أن نقل الفريقان من المحدثين حديث الثقلين، الذي نصَّ بواضح المقال أن القرآن والعترة لن يفترقا حتّى يردا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحوض، ومن هذه المقدمات التمهيدية يمكن لنا أن نستنتج حقيقة لابد منها، وهي أن ما يثبت للقرآن من عظمة في الإعجاز، يثبت بلا أدنى شك للأحاديث الصحيحة الثابتة الواردة من أهل البيت (عليهم السلام)، ومن قبيل الإعجاز الذي ثبت للقرآن، إخبارهُ في عدَّة من الآيات تتعلق بما يأتي من الأنباء والحوادث(41).
وهنا يأتي الكلام عن الأخبار الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) فيما سيحدث من أمور وأحداث، وبما أن علومهم «تعلّمٌ من ذي علم»(42) كما صرّح بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)، لذا فلا بأس علينا أن نفهم كلامهم، بما يتناسب ومفاهيم العصر، خصوصاً أنهم أول من يقتدي بسُنَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي (تكليم الناس على قدر عقولهم)، وبهذا التعمّق في مستوى تلقّي خطاب الثقلين، نُدرك الأهمية التي أشارت إليها الأحاديث في بيان علوِّ مقام المؤمنين في عصر انقطاعهم المباشر عن عصر الرسالة، ممّن بقوا محافظين على عهدهم بالتزامهم الإيماني، ولم يتضعضعوا فكريّاً أو تنخفض لديهم مناسيب الالتزام بمضامين الشرع الإسلامي على نحو العبادات أو المعاملات، واستلهامه من مورده الأصيل المتمثل بأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ذلك ما رواه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): «وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي»، قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي»(43).
والمنتظرون لإمامهم في عصر الغيبة الكبرى، ينطبق عليهم مضمون هذا الحديث الشريف أكثر من غيرهم؛ لأنّهم آمنوا برسالة النبوّة، وبما جاء فيها من بشارةٍ وردت في القرآن الكريم تارةً وفي أحاديث العترة الطاهرة تارةً أخرى، بظهور المهدي (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان، والذي سيكون بظهوره فرجُ الإنسانية جمعاء، بانتصار العدل وتطبيقه بين الناس، وبإزهاق الباطل ودحر أتباعه، وكنس الأرض من كلِّ ظالمٍ جائر.
ويقيناً أنّ هذه الرُتبة التي جعلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهؤلاء الذين آمنوا به ولم يروه، كانت لعظيم الأثر الإيماني الذي قطعوه، فكانوا مُمهِّدين لأمرٍ فيه صلاح شأن العالم بأسره، وكأنّهم بهذه (الأُخوّة) شاركوا الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالوظيفة الرسالية التي أُنيطت به، بما أثبتوه - من خلال صدق يقينهم قولاً وعملاً - من مصداقية لدعوة القرآن الكريم أنّه خاتم الأديان السماوية، فيما أكّده سبحانه قرآنياً بإتمام نور الحق المتمثّل بدين الإسلام على البشرية جمعاء مهما تكالبت قوى الكفر والضلال على إطفائه، فقال في كتابه الكريم:
- ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 32 - 33).
- ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ (الفتح: 28).
- ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (الصف: 8 - 9).
- ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ (النور: 55).
ومن الواضح أنْ تتحقّق هذه الرُتبة السامية لأولئك المؤمنين بوعد الله تعالى بإظهار دينه متمثّلاً بحجّة الله الغائب، حين يتوفّرون على قدرٍ من العلم والثقافة الإسلامية الراكزة تؤهّلهم لأن يكونوا دُعاةً لدينه ومُمهِّدين لتعجيل ظهوره الشريف، وممّن تُشاد أركان دولة العدل الإلهي بجدِّهم واجتهادهم، وإلّا لو قُلنا خلاف ذلك، لكان مُخالفاً للحكمة الإلهية القائمة على ارتباط الأسباب بمُسبّباتها، ولا شيء يخرج عن هذه السُنّة الكونية.
وفي حديث الإمام علي (عليه السلام) لكُميل بن زياد، يُعرِّج في آخر كلامه، عن وجود الحُجّة في الأرض باعتباره قيّوماً على الناس، ومفزعاً لمن يحتاجه في أمور دينه ودُنياه، ومن ثمّ يستعرض صفات أولئك الصالحين من عباده ممّن أخلص عبادته لله سبحانه وولاة أمره، سواء أكان الحُجّة ظاهراً بين الناس أو مغموراً لأسبابٍ قاهرة، فيتحلّون بصفاتٍ إيمانيةٍ عالية تجعلهم يأنسون بكلِّ ظرفٍ قاسٍ يمرّون به؛ لأنّ هدفهم الذي يؤمنون بتحقيقه كبيرٌ لا تحول دونه مثل تلك العقبات مهما تكاثرت. وقول الإمام (عليه السلام) هو: «اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إمّا ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا؟ وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلون عدداً والأعظمون قدراً، يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتّى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأَنِسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحها معلَّقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه. آهٍ آهٍ شوقاً إلى رؤيتهم، انصرف إذا شئت»(44)، هو وصفٌ - فيما أحسب- عظيمٌ لم يرد في وصفِ أيّ جماعةٍ من جماعات المؤمنين، حين يكون العلم قد هجم على عقولهم وقلوبهم، فزادهم بصيرةً على بصيرة، فكان لذلك أثره فيما استلانوه من عوارض دُنيوية لا يأبهون لمثلها أنْ تُعيقهم لتحقيق ما استشعروه من تكليفٍ، فهم الدُعاة بأعمالهم لتبنّي هذا الدين، وهم الخلفاء الذين بشّرهم الله في محكم كتابه بأنْ يرثوا الأرض، ويستكملوا وظيفتهم في ظلِّ دولة العدل الإلهي، وهذا ما بشّر به تعالى في قرآنه الكريم، بقوله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ (القصص: 5)، ويتَّضح تشوّق الإمام علي (عليه السلام) لهؤلاء الثُلّة المؤمنة؛ لأنه بسببهم سيتحقّق حلم الأنبياء (عليهم السلام) بما سيبذلونه من صبرٍ وتفانٍ مقرونٍ بعلمٍ ووعي، أدّى بهم إلى تلك النتيجة العظيمة أثراً في عالم الدنيا قبل الآخرة.
الطائفة الثانية: ونستطيع أن نصفهم بـ(الطبقة السياسية) أو التي مارست الحكم ممن ينتسب بعضهم إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وإن كانت الطائفة الأولى (السباريت) - كما وصفهم الإمام (عليه السلام) - قد تسبّبوا في تنقُّل الإمام (عجّل الله فرجه) من مكان إلى آخر، وتأجيل ظهوره المبارك، فإنّ هذه الطبقة السياسية تتسبب - بسوء إدارتها شؤون الناس والتفاتها إلى مصالحها وتحقيق مكاسبها الشخصية- بترك انطباع سيء لدى الناس من أي شكل من أشكال الحكومات الدينية، فأصبحوا يشكِّلون عبئاً ثقيلاً على أهل البيت (عليهم السلام)، مما يعيق تقبُّل الناس لقضية الإمام (عجّل الله فرجه)، ويعرقل حركته الإصلاحية التي تعيد للإسلام صورته المشرقة المتمثلة بالحكم الصالح العادل بين جميع الناس.
الطائفة الثالثة: وهي طائفة أكثر خطراً على حركة الإمام (عجّل الله فرجه) في غيبته، ويتعاظم خطرها إبّان ظهوره، وهي طائفة (البترية)(45) أو (التبرئة) كما وردت في روايات أخرى، وإذا كانت الطائفة الأولى (السباريت) تسببت بتنقل الإمام (عجّل الله فرجه) من مكانه - أي تهجيره من مكان إلى آخر -، والطائفة الثانية إلى تشويه صورة الإسلام الأصيل المتمثّل بالإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، فالطائفة الثالثة (البترية) أو (التبرئة) تحارب الإمام (عجّل الله فرجه) بالسر والعلن، إذ تملك السلاح الذي بوساطته تؤلب العامة من الناس الذين يدينون لهم بالطاعة العمياء.
وهؤلاء يشكِّلون فئة كاملة في المجتمع يقضي عليهم الإمام (عجّل الله فرجه)؛ لانعدام جدوى إصلاحهم، كما تنص الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا قام القائم سار إلى الكوفة، فيخرج منها سبعة عشر آلاف يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل كل منافق مرتاب، ويقتل مقاتليها حتّى يرضي الله عز وعلا»(46).
ويتَّضح سلاحهم بما بيَّناه بـ(الفتوى) بدليل الرواية التي وردت عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل: «ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية، شاكين في السلاح [أي مُدجّجين]، قُرّاء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرَّحوا جباههم، وشمروا ثيابهم، وعمّهم النفاق، وكلهم يقول: ارجع يا بن فاطمة، لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء، فيقتلهم أسرع من جزر الجزور فلا يفوت منهم رجل ولا يصاب من أصحابه أحد، دماؤهم قربان إلى الله تعالى»(47)، يقول الشيخ الكوراني عنهم: (ويبدو أنّهم من علماء السوء المضلين)، وهم الذين يتأولون على الإمام القائم (عجّل الله فرجه) آيات القرآن، ولتسميتهم بـ(البترية) أو (التبرئة) عدَّة أطروحات، لا مجال للخوض في تفصيلاتها الآن، ولعل الواضح من تسميتهم بـ(البترية) أو (التبرئة) كما في بعض النصوص كما عن زيد بن علي: (أتتبرؤون من فاطمة بترتم أمرنا بتركم الله...)(48)، فلابد من التعرف على مخاطر هذه الطوائف والوقاية من الوقوع في سلوكها المنحرف عن خط الإمام (عجّل الله فرجه) الذي يمثل الإسلام بأجلى صورة؛ لئلا تكون حجرة كَأْداء تعرقل الحركة العالمية الموعودة التي تترقب قواعدها بمنتهى الصبر.
إنّ ما استعرضناه من عقبات لتأخير حركة التمهيد، لكن لا يعني ذلك أنْ يكون الإنسان المؤمن جزءاً منها، فيُسهم مثل بعض المنحرفين بانحرافه - كما يدّعون - بتعجيل الظهور! هذا المنطق لا يمثّل الوعي الإنساني الملتزم بقضايا الإنسانية من أنْ يكون الإنسان جزءاً لحلّ ما يعتور مجتمعه من إشكالات وصراعات، ولا يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يحصل حوله، الأمر الذي يتطلّب منه بذل الجهد الفكري والمادي لتلافي ما سيقع من فتن تعمّ الجميع، فقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الإسراء: 36)، يُشير بوضوح إلى دور الفرد ومسؤوليته الفاعلة في عالم الدُنيا، بما يجعله مُحاسباً على كل ما يصدر منه من أفعال تستلزم الإثابة إن كانت طيِّبة الأثر على الصعيد الشخصي والاجتماعي، أو المعاقبة إن كانت بالضدِّ من الأولى.
وعليه، فعلى الشخص الذي يسعى بانتظاره إلى التمهيد لدولة العدل في واقعه المعيش، أنْ يكون مؤهّلاً لتلك المسؤولية، وذلك عبر التفقُّه (التعلّم في أمور الدين)، مضافاً له التوسُّع في المعارف الأُخَر التي تعمِّق مداركه، وتخصِّب فكره بالجديد من الأفكار والنظريات، وبهذا يكون المؤمن المنتظر قويّاً بما يُمكّنه ذلك التفقُّه وذلك الاتِّساع العلمي من أنْ يخوض به في وسط تيارات مختلفة المنازع فكريّاً، من دون أنْ يذوبَ في بودقة تلك الأفكار، بل العكس من ذلك، حين يكون فاعلاً فكريّاً في الساحة، ومُنتجاً للطرح الإسلامي الواعي في المقابل، وبهذا يتحقّق المضمون السامي للتمهيد، بمفعول البناء الفكري والروحي الذي توفّر لأولئك المنتظرين، وإلّا لو فرضنا انعدام ذلك الجانب، مع التقدّم الظاهري للحضارة مادّياً، لما كان بإمكان أفراد ذلك المجتمع أنْ يقدّموا خطوةً إيجابية من خطوات التمهيد لدولة العدل، فـ(ماذا ينفع نمو الشكل المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كل تلك القوى والأدوات؟ وكم من مرّةٍ في التاريخ انهار بناءٌ حضاري شامخ بأول لمسة غازية، لأنَّه كان منهارٌ قَبْل ذلك، وفاقداً الثقة بوجوده والقناعة بكيانه والاطمئنان إلى واقعه)(49).
ولعلّ أهمّ تجليات ذلك التمهيد، ما يُحقّقه علماؤنا الأعلام في الحقل الفكري من إسهامٍ في التأليف في الحقول المعرفية المتنوّعة، ولاسيما فيما يتّصل بقضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وإجلاء ما يتعلَّق بها من إشكالات تتغيّر بحسب متغيّرات الزمان وتطوّر الأحداث، وتصاعد الهجمات الثقافية الرامية إلى إضعاف الناس بهذه الفكرة عبر ما تبثّه وسائل الإعلام وغيره من سموم، لا يمكن التخلُّص منها إلّا من خلال الركون إلى العلم، والتعمّق فيه، وهذا ما كان يؤكّده أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في جملة وصاياهم لأتباعهم من المؤمنين بأنّهم السلسلة المتّصلة بالرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويُعربون لهم بصريح المقال أنّه لا ينفعهم حسن اتِّباعهم لهم ما لم يُلزموا أنفسهم بالعلم والورع؛ لينطبق عليهم بعد ذلك صدق اتِّصافهم بالشيعة لهم، ولا يقتصر ذلك الوصف على الادِّعاء اللساني فحسب، ففي وصيّة الإمام الصادق (عليه السلام) لخيثمة ما يُثري هذا الجانب، إذ يقول (عليه السلام): «أبلغ موالينا السلام، وأوصِهم بتقوى الله والعمل الصالح، وأن يعود صحيحهم مريضهم، وليعد غنيّهم على فقيرهم، وليحضرْ حيُّهم جنازة ميتهم، وأن يتآلفوا في البيوت، ويتذاكروا علم الدين، ففي ذلك حياة أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا، واعلِمهُم - يا خيثمة - أنّا لا نغني عنهم من الله شيئاً، إلّا بالعمل الصالح، وأنَّ ولايتنا لا تنال إلّا بالورع والاجتهاد، وأنَّ أشد الناس عذاباً يوم القيامة، من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره»(50).
وهو قولٌ تُفضي دلالته لما أشرنا إليه آنفاً، وهو قولٌ ساري المفعول ينطبق على شأنِ المسلمين من أتباع أئمة الحق من آل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما ينطبق على شأن المؤمنين الموالين لهم بعد رحيلهم من عالم الدُنيا، ومجاورتهم الرفيق الأعلى، فهي وصيّة نقرأها الآن بوصفها خطاباً يُقصد به حال المجتمع المسلم في هذا الزمن، زمن الغيبة الكبرى، وبمقتضى ذلك يكون العلم والتفقّه في أمر الدين واجباً يُحافظ فيه المؤمنون على كينونتهم التي اختاروها، وأنّ الامتثال لمضمون الوصية بحذافيرها يعكس مدى إيمان أولئك الأتباع بصاحب هذه الوصية الأخلاقية الثقافية العظيمة، وعلى أساسها يكون المؤمن المنتظر مُدجّجاً بالعلم والمعرفة والثقافة الرصينة التي تُمكّنه من التمهيد بوصفه أحد واجباته التي تشرّف بحملها، لما عرفناه سابقاً من قيمة عالية للمؤمن المنتظر بحسب فضل الانتظار الذي ورد في عديد من أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ومن قَبْلِهم الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولأجل ذلك كانت التحدّيات التي يلقاها المجتمع المنتظِر مرهونة بمدى وعي المجتمع المسلم من عدمه، وإلّا يمكن أنْ تكون مثل تلك التحدّيات سبباً للتمهيد باستثمارها الإيجابي من قبل أولئك المنتظرين، من خلال تمحيصها ودحضها علميّاً، فيقوى الدين الإسلامي بحسب ذلك الحراك العلمي المنتج، وفي المقابل تنهار كلّ تلك النظريات المُضادّة لأطروحة الإسلام الخالدة بسبب ما أبرزه أبناء الإسلام من قوّة فكرية تمنع سيول الغزو الفكري من تحطيم معالم الإسلام الأصيلة، وتُسهم في تقليص مدّها في عقر دار انطلاقتها، بما يؤدّي إلى وأدها في مهدها.
الهوامش:
(1) تاريخ ما بعد الظهور، محمد الصدر: 10.
(2) العرف الوردي في أخبار المهدي، تحقيق: موسى إسماعيل البسيط: 12 (مقدمة المحقق)، وينقل محقق الكتاب في الصفحة نفسها قول الاسفراييني: (فالإيمان بخروج المهدي واجبٌ كما هو مقرّرٌ عند أهل العلم ومدوّنٌ في عقائد أهل السنة والجماعة).
(3) بحث حول المهدي (عجّل الله فرجه)، مقدمة المحقق عبد الجبار شرارة: 4.
(4) مفاتيح الغيب: 14/ 188.
(5) قوله تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾ (الطارق: 17).
(6) ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 301.
(7) ينظر: تفسير الماوردي: 2/ 401؛ ومفاتيح الغيب، الرازي: 16: 146.
(8) ﴿فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ﴾ (الدخان: 59).
(9) ﴿فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً﴾ (المعارج: 5).
(10) ينظر: النكت والعيون: 6/ 91.
(11) التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني: 1/ 454.
(12) للأمانة، حين قمت بهذا التقسيم لم أرجع إلى من سبقني، فوجدت فيما بعد أن الشيخ مطهري، كان له تقسيم مقارب له بعنوان: انتظار مثمر، وانتظار محرّم. ينظر: نهضة المهدي: 10 - 11.
(13) ينظر: التبيان في تفسير القرآن: 2/ 524.
(14) فقال قوم: هو يوم القيامة، أنظره الله في رفع العذاب عنه إلى يوم القيامة، وفي التبقية إلى آخر أحوال التكليف (ويوم يبعثون) يوم القيامة. وقد قيل: إن يوم الوقت المعلوم هو آخر أيام التكليف، وأنه سأل الإنظار إلى يوم القيامة، لأن لا يموت، إذ يوم القيامة لا يموت فيه أحد، فلم يجبه الله إلى ذلك. وقيل له: (إلى يوم الوقت المعلوم) الذي هو آخر أيام التكليف. وقال البلخي: أراد بذلك إلى يوم الوقت المعلوم، الذي قدر الله أجله فيه، وهو معلوم، لأنه لا يجوز أن يقول تعالى لمكلف إني أبقيك إلى يوم معين لأن في ذلك إغراء له بالقبيح. التبيان في تفسير القرآن، للطوسي: 6/ 330.
(15) مشكاة الأنوار: 31، وينظر: مسند الإمام الرضا (عليه السلام) - الشيخ عزيز الله عطاردي: 1/ 428.
(16) ينظر: الصحيح من السيرة، جعفر مرتضى العاملي: 21 - 22.
(17) لطائف الإشارات: 2/ 113.
(18) تفسير التستري: 83.
(19) نهضة المهدي (عجّل الله فرجه) في ضوء فلسفة التاريخ، مرتضى مطهري: 10.
(20) المعجم الأوسط، للطبراني: 5/ 230.
(21) التشيع والتحول في العصر الصفوي - كولن تيرنر: 317.
(22) جامع معمر بن راشد: 11/ 371.
(23) الغيبة للشيخ الطوسي: 176.
(24) شمس خلف السحاب: 44.
(25) الغيبة للنعماني: 209.
(26) عقائد الإمامية - محمد رضا المظفر: 93 - 94.
(27) الغيبة للنعماني: 200.
(28) الغزو الثقافي والمجتمع العربي المعاصر: 16.
(29) من تلك الكتب، كتاب (المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشر) للدكتور جواد علي: 17.
(30) ميزان الحكمة - محمد الريشهري: 11/ 255.
(31) مستدرك سفينة البحار - علي النمازي: 10.
(32) مجموعة ورام: 2/ 204.
(33) بحار الأنوار: 5/ 198.
(34) فلسفتنا: 6.
(35) مائتان وخمسون علامة حتّى ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) - السيد محمد علي الطباطبائي الحسني: 91.
(36) الاحتجاج: 2/324، ط النجف.
(37) ينظر: تاريخ الغيبة الكبرى: 165.
(38) بحار الأنوار: 89/ 115.
(39) تفسير العياشي: 2/203.
(40) بحار الأنوار: 23/79.
(41) ظ: البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي: 79.
(42) نهج البلاغة: الخطبة126.
(43) مسند أحمد: 20 / 38 (رقم: 12579).
(44) نهج البلاغة: 4/ 28.
(45) بضم الباء الموحدة وسكون التاء، أو بتقديم التاء المفتوحة على الباء فرقة من الزيدية دعوا إلى ولاية علي (عليه السلام) وخلطوها بولاية أبي بكر وعمر وأثبتوا لهما الإمامة فخروجهم من الشيعة في ذلك، لأن هذا العنوان عند الفقهاء الإمامية اسم لمن قدَّم علياً (عليه السلام) على غيره في الإمامة، كما ذكره العلامة في القواعد في هذا المقام، وما في كتب العامة من عد هذه الفرقة من الشيعة كما في الملل والنحل أو عد رجالها منهم كما في تهذيب التهذيب في كثير بن إسماعيل النواء، فهو على اصطلاحهم في التشيع وهو القول بتقديم علي (عليه السلام) على عثمان ومعاوية أو تقديم أهل البيت (عليهم السلام) على غيرهم في الكرامة وإمامة المذهب كما يظهر ذلك بمراجعة تراجمهم. البترية كما في رجال الكشي هم أصحاب كثير النوا والحسن بن صالح بن حي... وذكر في حديث لزيد بن علي معهم وقال لهم أتتبرؤون من فاطمة، بترتم أمرنا بتركم الله، فيومئذٍ سموا البترية، ينظر: رجال الكشي 236: 429.
(46) بحار الأنوار: 52/338.
(47) دلائل الإمامة: 242.
(48) بحار الأنوار: ج37، ص31.
(49) بحث حول المهدي (عجّل الله فرجه) - محمد باقر الصدر، (مقدمة كتاب: تاريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر): 46.
(50) الحكايات، للشيخ المفيد: 57؛ وينظر: الأمالي للطوسي: 420؛ وبشارة المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لشيعة المرتضى: 211.