حكم تسمية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
حكم تسمية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)(1)
الشيخ جاسم الوائلي
إنَّ من المسائل التي ينبغي التعرُّض لحكمها مسألة التصريح باسم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
والأقوال فيها ثلاثة:
الأوّل: الحرمة مطلقاً حتّى الظهور المبارك.
الثاني: الحرمة في حال الخوف عليه (عجّل الله فرجه) لا مطلقاً.
الثالث: الحرمة في زمان الغيبة الصغرى دون الكبرى.
ومن القريب أن يُقال برجوع الثاني إلى الثالث، بدعوى أنّ موجب الخوف عليه (عجّل الله فرجه) خارجاً منحصر بزمان الغيبة الصغرى، ولا موجب لها كذلك في زمان الغيبة الكبرى، وأنَّ زمان الغيبة الأولى كلَّه زمانُ خوفٍ عليه (عجّل الله فرجه)، وزمان الغيبة الثانية كلَّه زمانُ أمنٍ وعدم خوف عليه (عجّل الله فرجه).
وعلى أيَّة حال فقد ذهب إلى القول الأوَّل صريحاً الصدوق(2)، والمجلسي(3)، وهو ظاهر الكليني(4)، والنعماني(5)، والطوسي(6)، والمفيد(7).
قال الصدوق (رحمه الله) تعليقاً على حديث اللوح المصرَّح فيه باسمه (عجّل الله فرجه): (جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم (عجّل الله فرجه)، والذي أذهب إليه ما روي في النهي من تسميته) انتهى(8).
وقال المجلسي (رحمه الله) في بحاره تعليقاً على روايةٍ حدَّدت منتهى الحرمة بزمان الظهور: (هذه التحديدات مصرِّحة في نفي قول من خصَّ ذلك بزمان الغيبة الصغرى تعويلاً على بعض العلل المستنبطة، والاستبعادات الوهميَّة) انتهى(9).
وقال (رحمه الله) في مرآته تعليقاً على رواية فيها إيماءٌ إلى اختصاص الحرمة بزمان الغيبة الصغرى: (وهذا الإيماء لا يصلح لمعارضة الأخبار الصريحة في التعميم) - ثمَّ نقل ثلاث روايات صريحة في التعميم وقال -: (والأخبار في ذلك كثيرةٌ) انتهى(10).
أقول: إنّ صدور العبارة الأخيرة من مثل المجلسي (رحمه الله) الذي هو خرِّيت هذه الصناعة يُعدُّ بمثابة روايات مرسلة تضاف إلى الروايات المسندة، والتي منها الثلاث التي أشرنا إليها، وستأتي إن شاء الله تعالى، فانتظر.
وأمَّا أنَّ ظاهر الكليني والنعماني والطوسي والمفيد ݑ اختيار القول الأوَّل فلأنَّهم رَوَوْا ما يدلُّ عليه من جهة، مع التزامهم عملاً بعدم ذكر اسمه (عجّل الله فرجه) صريحاً من جهة أخرى.
ونقلُ رواية في كتبهم فيها تصريح بالاسم - كما تكرَّر في كمال الدين - لا يتنافى والتزامهم بعدم التصريح به من قبل أنفسهم، لأن مقام الرواية يقتضي نقل ما وصل إليه كما وصل.
ومن ثَمَّ يمكن عدُّ كلِّ من التزم بذلك عملاً أنَّه ممَّن يميل إلى هذا القول في المسألة، أو لا أقلَّ إلى الاحتياط فيها.
ويظهر من الطبرسي الميل إلى ذلك أيضاً، قال: (وهو المسمّى باسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، المكنّى بكنيته، وقد جاء في الأخبار أنَّه لا يحلّ لأحد أن يسمّيه باسمه، ولا أن يكنّيه بكنيته، إلى أن يزيّن الله تعالى الأرض بظهوره وظهور دولته - إلى أن قال: - وكانت الشيعة في غيبته الأولى تعبّر عنه وعن غيبته بالناحية المقدّسة، وكان ذلك رمزاً بين الشيعة يعرفونه به، وكانوا يقولون أيضاً على سبيل الرّمز والتقيّة: الغريمُ - يَعْنُونَهُ (عجّل الله فرجه) - وصاحبُ الأمر)(11).
وأمّا القول الثاني - أعني الحرمة عند الخوف، والجواز عند عدمه - فهو صريح الحرِّ في عدَّة مواضع من وسائله:
أحدها: قوله في عنوان الباب: (باب تحريم تسميةِ المهدي (عجّل الله فرجه)، وسائرِ الأئمة (عليهم السلام) وذكرِهِم وقتَ التقيَّة، وجواز ذلك مع عدم الخوف) انتهى(12).
ثانيها وثالثها ورابعها وخامسها: ذيل الأحاديث 7 و8 و9 و12 من الباب المذكور.
سادسها: قوله في آخر الباب: (والأحاديث في التصريح باسم المهدي محمد بن الحسن (عليهما السلام) وفي الأمر بتسميته عموماً وخصوصاً، تصريحاً وتلويحاً، فعلاً وتقريراً، في النصوص، والزيارات، والدعوات، والتعقيبات، والتلقين، وغير ذلك كثيرةٌ جدّاً) انتهى(13).
سابعها: إحالته في آخر الباب على حديث ذكره في أحكام الأولاد، وفيه تصريحٌ من الإمام العسكري (عليه السلام) باسم ابنه (عجّل الله فرجه)(14).
ثامنها: نسبتُهُ جواز التصريح باسمه (عجّل الله فرجه) إلى جماعة في هامش الوسائل، وجعلُهُ القول بالحرمة المطلقة نادراً، قال: (قد صرَّح باسمه (عجّل الله فرجه) جماعة من علمائنا في كتب الحديث والأصول والكلام وغيرها، منهم: العلامة والمحقّق والمقداد والمرتضى والمفيد وابن طاووس وغيرهم، والمنع نادر، وقد حقَّقناه في رسالة مفردة) انتهى(15).
أقول: ما نسبه إلى الشيخ المفيد إنْ كان في غير كتاب الإرشاد فمحتمل، وإن كان فيه فهو ممنوع، لالتزامه (رحمه الله) بعدم ذكره اسمه (عجّل الله فرجه) صريحاً فيه.
نعم، ورد في عنوان الباب الثاني تصريح باسمه (عجّل الله فرجه)، حيث جاء فيه: (ذكر طرف من الدلائل على إمامة القائم بالحق محمد بن الحسن (عليهما السلام))(16).
ولكن مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) المحقّقة للكتاب نقلت في الهامش عن نسخة بدل عبارة: (ابن الحسن) خالية من ذكر اسمه (عجّل الله فرجه).
والحاصل: أنَّ ما يدلُّ على التزامه بعدم ذكره الاسم صريحاً، عدَّة قرائن:
منها: عدم ذكره صريحاً في بداية الباب الأول الذي عقده لذكر الإمام القائم بعد أبي محمد العسكري (عليه السلام)، حيث قال: (وكان الإمام بعد أبي محمد (عليه السلام) ابنه المسمَّى باسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، المكنَّى بكنيته)(17)، مع أنَّه قد التزم في تراجم آبائه (عليهم السلام) جميعاً بأن يذكرهم بأسمائهم في الباب الأول الذي يعقده لترجمة كلِّ واحد منهم (عليهم السلام)، فلاحظ.
ومنها: نقله لرواية من الروايات الناهية عن التسمية في وصية الإمام العسكري (عليه السلام)، وعدم تعليقه عليها بشيءٍ، فتأمَّل.
ومنها: النسخة البدل المتقدِّم ذكرها.
كلامٌ للعلامة المجلسي (رحمه الله):
وللعلامة المجلسي كلامٌ يصلح جواباً على ما أفاده صاحب الوسائل، وكأنَّه ناظر إليه، وربما وقعت رسالته المومأ إليها بيده.
قال (رحمه الله): (وما ورد في الأخبار والأدعية من التصريح بالاسم فأكثره معلومٌ أنَّه إمّا من الرواة، أو من الفقهاء المجوِّزين للتَّسمية في زمان الغيبة الكبرى، كالشيخ البهائي (رحمه الله) في مفتاح الفلاح وغيره، فإنَّه لمَّا زعم الجواز صرَّح بالاسم، وفي سائر الروايات والأدعية إمّا بالألقاب، أو الحروف المقطَّعة، مع أنَّ بعض الأخبار المتضمّنة للاسم إنَّما يدلُّ على جواز ذلك لهم لا لنا، وما ورد في الأخبار من الأمر بتسمية الأئمة (عليهم السلام) فيمكن أن يكون على التغليب، أو التجوُّز بذكره (عجّل الله فرجه) بلقبه وسائر الأئمة بأسمائهم، وهذا مجاز شائع يعدل الحقيقة). انتهى(18).
وهو جواب متين للغاية ويضاف إليه أن الروايات التي أوردها في الوسائل في باب التلقين لا نص فيها على الاسم المبارك، بل جاءت تأمر بتسمية الأئمة (عليهم السلام)، وهو عموم قابل للتخصيص بما دلَّ على وجه تسمية المهدي (عجّل الله فرجه) بخصوصه.
فلاحظ الباب 19 و35 من أبواب الدفن(19).
وأمّا القول الثالث: - أعني اختصاص الحرمة بزمان الغيبة الصغرى - فقد تقدَّمت الإشارة من المجلسي (رحمه الله) إلى وجود قائل به، وربما يظهر من البهائي (رحمه الله) ذهابه إليه، فقد ذكر الاسم صريحاً في عدَّة مواضع من مفتاحه:
فمنها: ما ذكره في تعقيبات الصلاة.
ومنها: ما ذكره في سجدة الشكر.
ومنها: ما ذكره في ما يقال عند تحقق الزّوال(20).
وربما ذكره في مواضع أخرى من الكتاب المذكور، أو غيره من مصنَّفاته، فلاحظ.
هذه هي الأقوال في المسألة فيما عثرت عليه.
ومن نافلة القول التنبيه على أنَّ مقتضى الأصل في مسألتنا هو الحِلُّ والبراءة حيثما كان المقتضي قاصراً، أعني روايات الباب.
ومنشأ اختلاف الأقوال اختلاف الأخبار، واختلاف علاج الأعلام له، فينبغي استعراضها أوَّلاً، ثمَّ النظر في أسانيدها، وفي دلالتها، وكيفيّة الجمع بينها.
روايات الباب:
والروايات على طائفتين رئيستين:
الطائفة الأولى: ما دلَّت بظاهرها على جواز التسمية، لمكان التصريح فيها باسمه (عجّل الله فرجه)، وهي على صنفين:
الصنف الأول: ما كان التصريح فيها من قِبل المعصوم (عليه السلام)، وهي عدَّة روايات:
1 - رواية محمد بن إبراهيم الكوفي: أنّ أبا محمد (عليه السلام) بعث إلى بعض من سمَّاه لي، شاةً مذبوحةً، وقال: «هذه من عقيقة ابني محمد»(21).
وفيها:
أوَّلاً: أنَّه يحتمل كون التصريح من أحد الرواة، كمحمد بن إبراهيم نفسه.
وثانياً: ما أشار إليه المجلسي فيما تقدَّم من احتمال جواز ذلك لهم (عليهم السلام) دوننا.
والأمر كما قال (رحمه الله)، فإنَّهم (عليهم السلام) أعلم بما يصنعون، كما لو كان الغرض أن يتسرَّب الاسم إلى الشيعة مع إمكان التفصّي عن ذلك لو تعرَّض (عليه السلام) لمساءلة الجائر.
والذي يدعو إلى تسريبه ما ورد من كون اسمه (عجّل الله فرجه) كاسم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا لازم أعمُّ، إذ لا يتعيَّن به أحد أسمائه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، خصوصاً مع كون المسألة محاطة بنحو من الغموض، بحيث يحتمل أن يكون المراد من المشبَّه به هو أحمد، أو محمود مثلاً.
وإنْ شئت قلت: إنَّ الضرورة ربَّما تدعو أحياناً إلى التصريح بأمر لا يجوز التصريح به، كاسم الشيء القبيح مثلاً، فلو صرَّح المشرّع به في موطن مع سبق نهيه عن ذلك فلا يُعَدُّ ذلك تناقضاً منه، لإمكان حمل تصريحه به على حال الضرورة، ونظيره تصريح إمامنا الصادق (عليه السلام) باسمي الريح الناقضين للوضوء في رواية ربما كانت هي اليتيمة، وذلك لئلّا يفسح المجال للتشكيك في أنَّ المراد من الريح الناقضة للوضوء غير ما صرَّح به (عليه السلام).
وكذا الحال في مقامنا، إذ لو لم يصرَّح باسمه (عجّل الله فرجه) في بعض الروايات فربما ينفتح باب التشكيك فيما هو اسمه المبارك على نحو التحديد، ومن ثَمَّ يمكن استغلال ذلك من بعض المنحرفين للتشويش على المؤمنين أعزَّهم الله أزيد من التشويش الحاصل مع معرفة الاسم بنحوٍ من الأنحاء.
وثالثاً: أنَّ الرواية ضعيفة سنداً، لا من جهة محمد بن موسى بن المتوكّل الذي هو من مشايخ الصدوق، لإمكان توثيقه ولو من خلال كبرى وثاقة مشايخ الإجازة، بل من جهة الكوفي نفسه، فإنَّه مجهول الحال.
2 - رواية علّان الرازي، قال: أخبرني عن بعض أصحابنا أنَّه لمَّا حملت جاريةُ أبي محمد (عليه السلام) قال: «ستحملين ذكراً، واسمه محمد، وهو القائم من بعدي»(22).
وفيها - مضافاً إلى ما تقدَّم من احتمال اختصاص الجواز بهم (عليهم السلام)، أو اقتضاء الضرورة بالنحو الذي أوضحناه ثمَّة -: أنَّه لو أمكن التغلُّب على ضعف السند بمحمد بن محمد بن عصام لكونه من مشايخ الصدوق أو لترضِّيه عليه - كما نميل إليه - فيبقى ضعفها من جهة الإرسال.
3 - رواية أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو على المنبر: «يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان - إلى أن قال: - له اسمان: اسمٌ يخفى، واسمٌ يُعلن، فأمّا الذي يخفى فأحمد، وأمّا الذي يُعلن فمحمد» الحديث(23).
وفيها - مضافاً إلى ما تقدّم أيضاً -: أنَّه حكاية عمَّا سيقع من إخفاء أحد أسمائه، وإظهار الآخر الذي هو محلُّ كلامنا، ولا دلالة فيه على الجواز البتة، نظير إخبار النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنَّ الأمَّة ستغدر بأهل بيته (عليهم السلام) من بعده، وكإخباره بأنَّها ستقتل ولده الحسين (عليه السلام).
وهو يدخل في إخبار الإمام (عليه السلام) أنَّهم سيعلنون هذا الاسم، فلا فائدة تتحصَّل من هذا الذكر لأنَّه إنَّما ذكره من باب الضرورة.
هذا لو قطعنا النظر عن سندها، فإنَّه وإن أمكن التغلُّب على ضعفه من جهة علي بن أحمد بن موسى لكونه من مشايخ الصدوق ومن جهة محمد بن سنان على قولٍ إلّا أنَّ الضعف من جهة إسماعيل بن مالك الرّاوي عن محمد بن سنان باقٍ، فإنَّه مهمل لا ذكر له في كتب الرجال.
4 - رواية المفضَّل بن عمر، قال: دخلت على الصادق (عليه السلام)، فقلت: لو عهِدتَ إلينا في الخلف من بعدك، فقال: «الإمام بعدي ابني موسى، والخلفُ المأمول المنتظر م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى»(24).
وفيها - مضافاً إلى ما تقدَّم -: أنَّ من المحتمل إضافة الاسم المبارك من بعض الرواة الذين في السند، لاعتقاده جواز ذلك، خصوصاً إذا ظنَّ أنَّ في ذلك إفادة لمن يطّلع على الرواية، كما يقحم الرواة تفسير كلمة أو نحوها في متن الرواية، وذلك ليس بعزيز.
على أنَّ الاسم في المصدر - أعني كمال الدين - جاء مقطّعاً، لا كما صنع في الوسائل، حيث جاء موصولاً، بدليل أنَّه نقل الروايات السابقة مصرّحة بالاسم موصولاً، وكذا ما سيأتي، ما يعني أنَّ التقطيع في هذه الرواية جاء من قبل غيره.
مضافاً إلى أنَّ في سندها موسى بن عمران بن أخي الحسين بن يزيد النوفلي، فإنَّه لم يوثَّق، إلّا بناءً على ما لا نقول به من وثاقة كلِّ من روى في تفسير القمي.
هذا لو لم يناقش من جهة علي بن أحمد بن محمد الدقَّاق الذي روى عنه الصدوق، ولا من جهة المفضَّل بن عمر، كما نميل إلى ذلك فيهما.
5 - رواية محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه)، يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا عنده - إلى أن قال: - فقيل: يا بن رسول الله؛ فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: «ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي» الحديث(25).
وفيها: أنَّه لا حاجة إلى ذكر الاسم مع لفظ (ابني) بعد كونه الابن الوحيد للعسكري (عليه السلام)، ولذا يحتمل كونه مقحماً من أحد الرُّواة زيادةً في الإيضاح، أو بناءً على جواز النقل بالمعنى.
6 - رواية أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله، عن فاطمة (عليها السلام)، أنَّه وجد معها صحيفة من دُرَّةٍ فيها أسماء الأئمَّة من ولدها - إلى أن قال: - «أبو القاسم محمد بن الحسن، حجةُ الله على خلقه، القائم، أمُّه جارية اسمُها نرجس»(26).
وفيها - مضافاً إلى ما تقدّم مكرَّراً -: أنَّ السند ساقط بالمرَّة، لاشتماله على عدّة مجاهيل.
7 - ما نقله في مفاتيح الجنان مما يدعى به بعد زيارة آل ياسين، حيث جاء فيه: «اللهمَّ صلِّ على محمد حجَّتك في أرضك وخليفتك في بلادك...»، وفيه تصريح باسمه (عجّل الله فرجه).
وفيه: أنَّه قد كتب فوق اسمه (عجّل الله فرجه) حرف الخاء، ويعني أنَّ ذكره ورد في نسخة من المصدر المنقول عنه الدُّعاء المذكور، ما يعني أنَّ غيرها من النسخ خالية من ذكر الاسم، وحيث لا يُدرى أيُّهما الصادر فلا يصلح دليلاً على المدَّعى.
هذا، مضافاً إلى الجواب ببعض ما تقدَّم، ولا نعيد.
هذه جملة من روايات هذا الصنف، ومن الأجوبة عليها يتَّضح طريق الجواب على غيرها.
الصنف الثاني: ما كان التصريح فيها بالاسم من قِبَل الرَّاوي، وهي عدَّة روايات:
1 - رواية أبي غانم الخادم، قال: ولد لأبي محمد (عليه السلام) ولدٌ، فسمَّاه محمد الرواية(27).
وفيها - مضافاً إلى عدم حجية فعل أبي غانم -: أنَّه يحتمل صدور ذلك منه عن عصيانٍ أو سبق لسانٍ، كما في نظائره، حيث يطلب من الشخص التكتُّم على أمر، فيرتبك ويفشيه.
على أنَّ أبا غانم هذا مهمل، ولا سبيل لتصحيح الرواية، وإن أمكن التغلُّب على ضعفها من جهة محمد بن موسى بن المتوكّل بما تقدَّم، ومن جهة محمد بن أحمد العلوي الذي ناقش السيد الخوئي في دليل وثاقته بعد الفراغ من ثبوت مدحه.
2 - رواية أو صحيحة معلَّى بن محمد البصري، قال: خرج عن أبي محمد (عليه السلام) حين قُتل الزُّبيريُّ (لعنه الله): «هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقبٌ، فكيف رأى قدرة الله فيه»، وولد له ولدٌ سمَّاه (م ح م د) سنة ستٍّ وخمسين ومائتين(28).
وفيها - بعد الغضّ عن عدم ثبوت وثاقة معلى بن محمد وإن روى في التفسير -: ما تقدَّم من عدم حجيّة فعل الراوي.
3 - رواية الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح، قال: جاءني يوماً فقال لي: البِشارة، ولد البارحةَ في الدار مولود لأبي محمد (عليه السلام)، وأمر بكتمانه، قلت: وما اسمه؟ قال: سُمِّي بمحمد، وكُنّي بجعفر(29).
وفيها - مضافاً إلى ما في سابقاتها - أنَّ سندها ساقط بالمرَّة، لجهالة الحسن بن المنذر، وإهمال كلٍّ من حمزة بن أبي الفتح، ومن روى عن الحسن، أعني: الحسين بن علي النيسابوري.
4 - رواية عبد الله السُّوري، قال: صرت إلى بستان بني عامر، فرأيت غلماناً يلعبون في غدير ماءٍ وفتى جالساً على مصلَّى واضعاً كُمَّه على فيه، فقلت: من هذا؟ فقالوا (م ح م د) بن الحسن، وكان في صورة أبيه (عليه السلام)(30).
وفيها - مضافاً إلى ما في سابقاتها -: اشتمال سندها على عدَّةٍ مجاهيل، ومنهم السُّوري.
هذا، وقد يتمسَّك للجواز بالروايات التي دلَّت على أنَّ في الأئمة (عليهم السلام) ثلاثةً باسم محمد، وأربعةً باسم علي(31)، ولكن هذا ليس من التسمية في شيء كما هو واضح.
لأن تسمية الشخص إنَّما تكون بحمل الاسم عليه بعد تشخيصه كما لو كان لزيد ثلاثة أبناء باسم عمرو وبكر وسعيد، ولم يحدِّد المتكلِّم ما إذا كان عمرو هو الأكبر وأن بكراً هو الأوسط وأن سعيداً هو الأصغر مع مشخَّصات أخرى يتعيَّن به صاحب الاسم، وأمّا الوصول إلى تحديده بعد تطبيق الأسماء على الأئمة (عليهم السلام) بعد أن يفضُل اسم محمد من المحمدين الثلاثة فينطبق على الحجة فذلك أوضح فيما ذكرنا من أنَّه ليس من التسمية في شيء.
والحاصل: أنَّ روايات هذه الطائفة بصنفيها لا تنهض لإثبات الجواز.
الطائفة الثانية: الرّوايات الظاهرة في حرمة التسمية، وهي على أصناف:
الصنف الأوَّل: ما دلّ على استمرار الحرمة إلى زمان الظهور، وهي عدَّة روايات:
1 - صحيحة أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث الخضر (عليه السلام) أنَّه قال: «وأشهد على رجل من ولد الحسن لا يُسمَّى ولا يُكنَّى حتَّى يظهر أمرُه، فيملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً...» الحديث(32).
2 - صحيحة أبي أحمد محمد بن زياد الأزدي، قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) - إلى أن قال (عليه السلام): - «ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته، ولا يحلُّ لهم تسميته، حتّى يظهره الله (عزَّ وجلَّ)، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً»(33).
وأبو أحمد محمد بن زياد الأزدي هو ابن أبي عمير (رضوان الله تعالى عليه).
3 - رواية جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «سأل عمرُ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) عن المهدي، فقال: يا بن أبي طالب؛ أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ قال: أمَّا اسمه فلا، إن حبيبي وخليلي عهد إليَّ أن لا أحدِّث باسمه حتى يبعثه الله (عزَّ وجلَّ)، وهو مما استودع اللهُ (عزَّ وجلَّ) رسولَه في علمه»(34).
4 - رواية عبد العظيم الحسني، قال: دخلت على سيّدي علي بن محمد (عليه السلام) - وبعد أن عرض عليه اعتقاده وإقراره بالأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد حتى وصل إليه (عليه السلام) فقال: - ثمَّ أنت يا مولاي، فقال (عليه السلام): «ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده»؟، قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: «لأنَّه لا يُرى شخصه، ولا يحلُّ ذكره باسمه، حتى يخرج فيملأَ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً - إلى أن قال (عليه السلام): - هذا ديني ودين آبائي»(35).
وعلَّق صاحب الوسائل بما حاصله: أنَّ هذا لا ينافي تخصيص الحرمة بحال الخوف، معلّلاً ذلك بما دلَّ على وجوب التقيّة عموماً إلى أن يخرج صاحب الزمان (عجّل الله فرجه).
وظاهر كلامه أن ترك التسمية لا موضوعيَّة له، وإنما المدار على الخوف وعدمه.
وفيه: أنَّ ما دلَّ على عموم التقيَّة لا مفهوم له ليقيِّد روايتنا، فإنَّ مجرَّد التئامه معها لا يوجب تقيُّدها به، نظير ما لو قال الطبيب للمريض: (لا تأكل الحامض إن كان يضرُّك)، ثم قال: (لا تأكل الرُّمان إلى أن تشفى)، فإنَّ العرف يفهم من الأوَّل المنع من أكل الحامض في صورة الضرر، لا مطلقاً، ومن الثاني المنع المطلق من أكل مطلق الرُّمان إلى حين الشفاء سواء كان حامضاً أو لا، لاحتمال وجود خصوصيّة في مطلق الرُّمان تضرُّ بذاك المريض.
والحاصل: كما أنَّ الرواية لا تنافي الحمل على التقية كذلك لا تنافي الحمل على الإطلاق، ومتى لم يلزم من الحمل على الإطلاق منافاةٌ كشف ذلك عن عدم صلاحية المقيّد لتقييده.
ومنه يتَّضح ما في كلام بعض ممَّن وافق صاحب الوسائل، حيث رأى أنَّ المنع المطلق يحتاج إلى تعبُّد شديد، مع أنَّه يجوز الدلالة على اسمه بالكناية أو بتقطيع حروفه(36).
وجه الدفع: أنَّه إنْ كان مقصوده من التعبُّد عدم وجود الملاك فهو كما يقول، إذ لا معنى لتحريم فعلٍ بلا ملاك، وإن كان مقصوده وجود ملاك نجهله، وأنَّ علينا الطاعة والتسليم فلا أدري ما الذي رابه فيه، لاسيما أنَّ مئات الأحكام هي من هذا القبيل؟!
والحاصل: أنَّ دلالة هذا الصنف على القول الأوَّل لا ريب فيها بقطع النظر عن المعارض.
الصنف الثاني: ما دلَّ بإطلاقه على عموم الحرمة، وهي عدَّة روايات:
1 - صحيحة أو حسنة داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسكري (عليه السلام) يقول: «الخلف من بعدي الحسن، فكيف بكم بالخلف من بعد الخلف»؟، قلت: ولِمَ جعلني الله فِداك؟ قال: «لأنَّكم لا ترون شخصه، ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه»، قلت: كيف نذكره؟ قال: «قولوا: الحُجَّةُ من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(37).
والترديد بين الصحّة والحسن لمكان محمد بن أحمد العلوي المختلف في ثبوت وثاقته بعد الفراغ من كونه ممدوحاً، فإنَّ تثبتت وثاقته فالرواية صحيحة، وإلَّا فحسنة.
وربما يشكل: بأنَّه يحتمل اختصاص الحرمة بزمان الغيبة الصغرى، بقرينة كون الخطاب موجَّهاً للجعفري، وغاية ما يمكن في التعدية هي التعدية إلى الغائبين دون المعدومين.
وجوابه: أنَّه مجرَّد احتمال لا يضرُّ مثله بالظهور في العموم، وإلّا لزم انثلام أكثر العمومات التي لا كلام في انعقادها.
5 - صحيحة ابن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «صاحب هذا الأمر لا يسمِّيه باسمه إلّا كافر»(38).
بتقريب: أنَّ المراد من صاحب الأمر إذا أطلق هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وإرادة غيره من الأئمة (عليهم السلام) أو مطلق الإمام يحتاج إلى قرينة، وأنَّ المقصود من الكفر هنا هو الكفر العملي، أعني المعصية، بل خصوصُ الكبيرة منها كما أفاد المجلسي (رحمه الله) في مرآته(39)، ولازم هاتين المقدّمتين أنَّ حرمة تسمية المهدي (عجّل الله فرجه) قد أخذت في هذه الرواية أمراً مفروغاً عنه.
وأشكل: بأنَّه يحتمل كون المراد من صاحب الأمر مطلقَ الإمام، وأنَّ المراد من تسميته باسمه هو تسميته به مجرَّداً، كقولك: (يا زيد)، و(قال عمرو)، أي ذكره باسمه خالياً من الكنية أو شبهها مما يقتضيه التأدُّب والتوقير للمعصوم (عليه السلام)، كتعبير بعض أصحابهم (عليهم السلام) بمثل: (يا بن رسول الله) أو (يا أبا عبد الله) أو (جُعلت فداك)، أو نحو ذلك، بخلاف ما كان يفعله بعض صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث كانوا يخاطبونه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باسمه مجرَّداً، فنهاهم الله تعالى عن ذلك في قوله: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾ (النور: 63).
وفيه: أنّه مجرَّد احتمال لا يضرُّ بالظهور فيما ذكرنا.
ويؤيِّده: نقل كلّ من الكليني والصدوق لهذه الصحيحة في الباب المعقود لروايات تحريم تسميته (عجّل الله فرجه)(40).
هذا، وقد أشار المجلسي (رحمه الله) إلى مضمون الإشكال المزبور مختصراً، وأجاب بأنَّه لا يخفى ما فيه من تكلُّف(41).
ولعلَّ مراده عينُ ما ذكرناه من كونه خلاف الظاهر، بل خلافه جدّاً.
2 - رواية صفوان بن مهران، عن الصادق (عليه السلام) - في حديث جاء فيه: - فقيل له: يا بن رسول الله فمن المهديُّ من ولدك؟ قال: «الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحلُّ لكم تسميته»(42).
والإشكال السابق وروداً وجواباً كما تقدَّم.
نعم، في سندها الحسين بن أحمد بن إدريس، ومحمد بن سنان، فحال سندها يختلف باختلاف المباني فيهما.
مع ملاحظة نقل الصدوق ذات الرواية بسند آخر مغاير لهذا السند تماماً، وإنْ كان فيه ضعف هو الآخر.
3 - رواية عبد العظيم الحسني، قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليه السلام): إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - إلى أن قال الإمام (عليه السلام): - «هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيبُ عنهم شخصه، وتحرم عليهم تسميته...» الحديث(43).
وربَّما أمكن توثيق محمد بن أحمد السناني أو الشيباني لكونه من مشايخ الصدوق، أو لترضيه عنه كما هو المختار، وتوثيق محمد بن أبي عبد الله بدعوى أنه محمد بن جعفر الأسدي الثقة شيخ الكليني، ولكن يبقى الكلام في سهل بن زياد، والأمر فيه بحسب المبنى.
4 - حسنة أو صحيحة محمد بن عثمان العمري (رحمه الله)، يقول: خرج توقيع بخطٍّ أعرفه: «من سمَّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله»(44).
والتردُّد بين الحُسن والصحَّة بلحاظ محمد بن إبراهيم بن إسحاق الموصوف بحسن العقيدة من دون توثيق، وهو من مشايخ الصدوق المترضّى عليهم، فباللحاظ الأول تكون روايته حسنة، وبالثاني تكون صحيحة.
ويؤيِّدها رواية علي بن عاصم الكوفي: خرج في توقيعات صاحب الزمان (عجّل الله فرجه): «ملعون ملعون من سمَّاني في محفل من الناس»(45).
واحتمال وحدتهما - كما هو ليس ببعيد - مما يزيد في التأييد.
وحمل لفظ الناس على المخالفين لمجرَّد استعماله فيهم في غير موردٍ لا وجه له بعد ظهوره في خصوص هذه الرواية في العموم.
والتقييد بالجمع أو المحفل ربما كان لاستحقاق تلك الدرجة من الحرمة الموجبة لِلَّعن، بخلاف ما لو ذكره عند واحد أو اثنين.
بل يمكن أن يدَّعى القول بعدم الفصل بين ذكره عند جمع وذكره عند واحد أو اثنين، فكلُّ من حرَّم تسميته عند جمع يلتزم بتحريم تسميته عند الواحد والاثنين.
والإنصاف: أنَّ هذه الرواية - وكذا مؤيّدتَها - تحتاج إلى مزيد تأمُّلٍ.
6 - رواية الريّان بن الصَّلت، قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) وسئل عن القائم (عجّل الله فرجه)، فقال: «لا يُرى جسمه، ولا يُسمَّى اسمُه»(46).
بتقريب: أنَّه لو أراد (عليه السلام) الإخبار بعدم وقوع تسميته في إحدى الغيبتين أو كليهما للزم نسبة الكذب أو الجهل إليه (عليه السلام)، لوقوع التسمية في الغيبتين كثيراً، فتعيَّن أنْ يكون المراد من الإخبار عن ذلك هو إنشاء النهي عنه.
وإنْ أبَيْتَ إلّا أنْ يكون إخباراً فهو إخبار عن التحريم، لا عن عدم الوقوع الذي لازمه نسبة الكذب أو الجهل إليه (عليه السلام).
والمتحصَّل: أنَّ الإطلاق في هذا الصنف من الروايات موجب لحرمة التسمية مطلقاً، فإنْ قام دليل على التقييد فهو، وإلّا كان الإطلاق هو المحكَّم، فانتظر.
الصنف الثالث: ما دلَّ منها على الحرمة حال الخوف عليه (عجّل الله فرجه)، مع كون القدر المتيقَّن منها زمانَ الغيبة الصغرى، وهي روايتان:
1 - رواية أبي خالد الكابلي، في حديث وقد سأل من الباقر (عليه السلام) أن يسمي له المهدي (عجّل الله فرجه) باسمه، فقال (عليه السلام): «سألتني - والله يا أبا خالد - عن سؤال مجهدٍ، ولقد سألتني عن أمرٍ ما كنت محدِّثاً به أحداً، ولو كنت محدثاً به أحداً لحدَّثتك، ولقد سألتني عن أمرٍ لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يُقطِّعوه بضعةً بضعة»(47).
بتقريب: أنَّ الحرص على ذلك لا يتصوَّر حصوله لأحدٍ في زمن الغيبة الكبرى في العادة، لليأس التامِّ من الوصول إليه (عجّل الله فرجه) فيها، بخلافه قبيل الغيبة الصغرى وفيها كما لا يخفى، بحيث لو عرفه المشار إليهم لتهيَّأوا له قبل ولادته (عجّل الله فرجه)، ولطلبوه بعدها طلباً حثيثاً.
وربما يشكل: بأنَّ المقطوع به في عقيدة الإمامية أنَّ في غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) ضرباً من الإعجاز، ولازمه عدم الفرق بين معرفة بني فاطمة (عليها السلام) بالأمر وعدمها، وبالتالي فلا يبقى وجه لعدم تحديث الباقر (عليه السلام) باسمه لأبي خالد.
ويمكن دفعه: بأنَّ للإمام الباقر (عليه السلام) أْن يجيب عن ذلك بأنَّ لازم ما قلتُ هو أنْ يسعى بنو فاطمة (عليها السلام) للمنع من تولُّده ولو بقتل الحسن العسكري (عليه السلام)، فيكون المراد من تقطيعهم الحجة (عجّل الله فرجه) بضعة بضعة هو الكناية عن قتلهم الحسن العسكري (عليه السلام).
2 - رواية أو صحيحة أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضيِّ أبي محمد (عليه السلام) أن أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: «إن دلَلْتَهم على الاسم أذاعوه، وإنْ عرفوا المكان دلُّوا عليه»(48).
والترديد بين الرواية والصحيحة للتردُّد في ثبوت وثاقة الصالحي، فإنَّ المجلسي (رحمه الله) استظهر من هذه الرواية أو غيرها كون الرجل من وكلاء الحجة (عجّل الله فرجه)، وهو أمر يحتاج إلى تحقيق.
وتقريب الدلالة: أنَّ إذاعة الاسم حاصلة عند الشيعة في الغيبة الكبرى، كما أنَّ الدلالة على المكان لا تُتصوَّر إلّا في الغيبة الصغرى عادةً.
ولعلَّه قال في الوسائل: (هذا دالٌّ على اختصاص النهي بالخوف، وترتُّب المفسدة)(49).
3 - صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعتُ أنا والشيخ أبو عمرو ݥ عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف - إلى أن قال: - قلت: فالاسم؟ قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلِّل ولا أحرِّم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإنَّ الأمر عند السلطان أنَّ أبا محمد مضى ولم يخلِّف ولداً - إلى أن قال: - وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتَّقوا الله، وأمسكوا عن ذلك(50).
والكلام في هذه الرواية وسابقتيها واحد، فإنَّ صدور النهي قبل الغيبة الصغرى كنهي الإمام الباقر (عليه السلام)، وصدوره في وسط زمان الغيبة الصغرى كنهي الحجة (عجّل الله فرجه) نفسه في الروايتين الأخيرتين يقرِّب دعوى الاختصاص بزمانها.
ولكنك خبير بأنَّه لا مفهوم لأيٍّ من الروايات الثلاث، فلا تصلح لتقييد ما تقدَّم من عمومات النهي ومطلقاته.
بيان ذلك: أنَّ ملاك الحكم - أيَّ حكمٍ - يمكن أن يكون واحداً، كما يمكن أنْ يكون متعدِّداً، كما مثَّلنا بنهي المريض عن أكل الحامض مقيَّداً بالضرر، ونهيه عن أكل مطلق الرُّمان، ولازم النهيين اجتماع ملاكين في الرُّمّان الحامض.
وعلى هذا يمكن أن يُتصوَّر في عالم التشريع وجودُ ملاك يقتضي التحريم المطلق، وآخر يقتضي التحريم المقيَّد.
وفي مقامنا كما تحتمل وحدة الملاك في ترك التسمية كذلك يحتمل تعدُّدها، ومع وجود العمومات والمطلقات يكون الاحتمال الثاني وجيهاً بدرجة لا تعود معها الروايات المقيَّدة والخاصَّة صالحة للتقييد أو التخصيص.
والنتيجة من كلِّ ذلك: أنّ صناعة الإطلاق والتقييد تقتضي حمل روايات الصنف الثاني على روايات الصنف الأوّل، فتحمل المطلقة على المغيَّاة بالظهور المبارك، ويعود الصِّنفان صنفاً واحداً، وهو حرمة تسميته (عجّل الله فرجه) إلى حين الظهور المبارك، ولا يحمل هذا الحكم على روايات الصنف الثالث المقيّد إمّا بزمان الغيبة الصغرى أو حال الخوف، لاقتضاء الصناعة المذكورة عدم الحمل المذكور، لعدم المفهوم للصنف الثالث.
والحاصل من كل ذلك: أنَّ المناسب في المسألة هو القول بالحرمة، ولا أقلَّ من التنزُّل إلى الاحتياط فيها.
والحمد لله وحده.
الهوامش:
(1) تنبيه: لمّا كان مبنى الكاتب القول بالاحتياط في تسمية الحجة (عجَّل الله فرجه) ويقتضي عدم ذكر الاسم الشريف، لذا لم يقم بذكره في الروايات التي نصَّت على الاسم الشريف للإمام (عجَّل الله فرجه)، فكان ذكره فيها حسب ما هو وارد في المصادر من قِبَل هيأة التحرير في المجلة، فاقتضى التنبيه.
(2) كمال الدين وتمام النعمة/طبعة دار الكتب الإسلامية 1: 307.
(3) بحار الأنوار/طبعة دار إحياء التراث العربي 51: 32، ذيل الحديث5، من (باب النهي عن التسمية).
(4) الكافي/طبعة دار الكتب الإسلامية 1: 332، باب (في النهي عن الاسم).
(5) الغيبة لابن أبي زينب النعماني/الناشر: آسيانا - قم -: 299، باب (ما جاء في المنع عن التسمية لصاحب الأمر).
(6) الغيبة للشيخ الطوسي/منشورات الفجر - بيروت: 208، في (فصل في ذكر العلَّة المانعة لصاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) من الظهور)، الحديث الخامس في تلك الصفحة من دون ترقيم.
(7) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد/ طبعة دار المفيد - بتحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) 2: 320.
(8) كمال الدين وتمام النعمة 1: 307.
(9) بحار الأنوار 51: 32، ذيل الحديث5.
(10) مرآة العقول/طبعة مؤسّسة إحياء الكتب الإسلامية 1: 789، باب النهي عن الاسم، ذيل الحديث 2.
(11) إعلام الورى/طبعة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) 2: 213.
(12) وسائل الشيعة/ طبعة مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) 16: 237، الباب 33، وفيه 23 حديثاً.
(13) وسائل الشيعة 16: 246، ذيل الحديث 23، وهو آخر أحاديث الباب.
(14) وسائل الشيعة 21: 448، أبواب أحكام الأولاد، الباب 64، الحديث3.
(15) وسائل الشيعة 16: 246، أبواب الأمر والنهي وما يناسبها، الباب 33، في هامش له على الحديث 23.
(16) الإرشاد 2: 342.
(17) الإرشاد 2: 339.
(18) مرآة العقول 1: 789، ذيل الحديث2، من (باب في النهي عن الاسم).
(19) وسائل الشيعة - للحر العاملي: ج3، ص173 و177 و200.
(20) مفتاح الفلاح/طبعة مؤسسة التاريخ العربي: 41 و61 و84.
(21) كمال الدين 2: 432، باب ما روي في ميلاد القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 10.
(22) كمال الدين 2: 408، باب ما روي عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) بالنصّ على ابنه القائم (عجَّل الله فرجه)، ح4.
(23) كمال الدين 2: 653، باب علامات خروج القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 17.
(24) كما الدين 2: 334، باب ما روي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) من النصّ على القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 4. وعنه في وسائل الشيعة 16: 245، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، الباب 33، الحديث 22.
(25) كمال الدين 2: 409، باب ما روي عن أبي محمد العسكري بالنصّ على القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 9.
(26) كمال الدين 1: 305، باب ما روي عن سيدة نساء العالمين من حديث الصحيفة، الحديث 1.
(27) كمال الدين 2: 431، باب ما روي في ميلاد القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 8.
(28) الكافي 1: 329، باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار (عجَّل الله فرجه)، الحديث 5.
(29) كمال الدين 2: 432، باب ما روي في ميلاد القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 11.
(30) كمال الدين 2: 441، باب من شاهد القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 13.
(31) وسائل الشيعة 16: 244، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، الباب 33، الحديثان 20 و21.
(32) الكافي 1: 525، باب ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم (عليهم السلام)، الحديث 1.
(33) كمال الدين 2: 368، باب ما روي عن موسى بن جعفر (عليه السلام) في النصّ على القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 6.
(34) الإمامة والتبصرة لعلي بن بابويه القمّي/طبعة مدرسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): 117.
(35) كمال الدين 2: 379، باب ما روي عن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) في النصّ على القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 1.
(36) القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي/طبعة مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) 1: 454.
(37) الكافي 1: 332، باب النهي عن الاسم، الحديث 1.
(38) الكافي 1: 333، باب النهي عن الاسم، الحديث 4.
(39) مرآة العقول 1: 790.
(40) الكافي 1: 333، باب النهي عن الاسم، الحديث 4. كمال الدين 2: 648، باب النهي عن تسمية القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث1.
(41) مرآة العقول 1: 790.
(42) كمال الدين 2: 333، باب ما روي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في النصّ على القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 1.
(43) كمال الدين 2: 377، باب ما روي عن محمد بن علي (عليه السلام) في النصّ على القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 2.
(44) كمال الدين 2: 483، باب ذكر التوقيعات الواردة عن القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 3.
(45) كمال الدين 2: 482، باب ذكر التوقيعات الواردة عن القائم (عجَّل الله فرجه)، الحديث 1.
(46) الكافي 1: 333، باب النهي عن الاسم، الحديث 3.
(47) الغيبة للنعماني: 299، باب 16 ما جاء في المنع من التوقيت والتسمية لصاحب الأمر، الحديث 2. ونقل عنه الحديث في بحار الأنوار 51: 31، باب النهي عن التسمية، الحديث 1.
(48) الكافي 1: 333، باب النهي عن الاسم، الحديث 2.
(49) وسائل الشيعة 16: 240، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، الباب 33، ذيل الحديث 7.
(50) الكافي 1: 329، باب تسمية من رآه (عجَّل الله فرجه)، الحديث 1.