الخسف في البيداء علامة حتمية
الخسف في البيداء علامة حتمية
السيد جعفر القبانچي
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خير خلق الله أجمعين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
أمّا بعد..
فقد اطَّلعت على كتاب موسوم بعنوان (الثقافة المهدوية دروس منهجية) لأستاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية سماحة السيد رياض الحكيم (حفظه الله) وهو كتاب نافع مفيد سدّ خلّة مهمّة في مجال التوعية والتثقيف المهدوي الممنهج.
ولكنّ الذي لفت انتباهي أنّه بعد التفصيل الجميل في مختلف الأبحاث المتعلقة بالقضية المهدوية وبعد أن وصل إلى مبحث علامات الظهور، لم يذكر إحدى أهم العلامات، ألا وهي (الخسف في البيداء)، حيث قسم العلامات تقسيمين، تارة إلى ما دلّ عليه دليل معتبر وما لم يدل عليه دليل معتبر، وأخرى إلى حتميّة وغير حتمية، ولم يذكر الخسف في أي واحد من هذه الأقسام، مع أنّ المرتكز في الذهنية الشيعية العامّة أنّه أحد العلامات الحتميّة الخمسة، فهل يا ترى أنّ هذا المرتكز خاطئ؟! أو أنّ المؤلّف لم يذكرها لأنّه يراها غير معتبرة البتة؟ أو لأنّه يراها لا تصلح لأن تكون علامة للظهور ولو ثبت اعتبار دليلها؟
فارتأيت أن أبحث عن هذه العلامة، وعن ما ورد فيها من روايات وأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام)، فكان هذا البحث بين يدي القارئ الكريم.
وأمامنا ثلاثة إشكالات لابدّ أن نتجاوزها إذا أردنا البناء على أن الخسف في البيداء علامة حتميّة:
الأول: هل يوجد دليل معتبر على أن الخسف علامة من علامات الظهور؟ وهل يوجد دليل معتبر أنّه علامة حتميّة؟
الثاني: لو ثبت اعتبار الدليل على الخسف في البيداء، فهل يصلح لأنْ يكون علامة كاشفة لتحقق حدث كونيّ مهم كالظهور؟ وهل أنّ البيداء التي يحصل فيها الخسف مكان محدّد معروف؟ أو أنّه مكان مبهم مجهول؟ أو قل: هل أن (البيداء) اسم عَلَمٍ لمكان معين؟ أو أنها اسم جنس للأرض القفرة؟ وعلى الاحتمال الثاني فهل يصلح الخسف لأنّ يكون علامةً واضحة للظهور؟ وهل يصلح لأن يكون علامةً حتميّة؟ إذ إنّ أيّ خسف بأيّ جيش في أي بيداء من بقاع الأرض سيكون منطبقاً على هذه العلامة.
الثالث: أن المستفاد من الروايات التي ذكرت الخسف في البيداء وتحدثت عنه أنّ الخسف يكون بعد ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حيث إنّه يظهر في المدينة فيرسل السفياني له جيشاً من الشام لملاحقته، وبعدها يخرج (عجَّل الله فرجه) من المدينة إلى مكّة، فيتبعه الجيش ويخسف به في البيداء في الطريق بين مكّة والمدينة، وهنا يأتي التساؤل: إذا كان الخسف علامةً للظهور فكيف يكون بعد الظهور لا قبله؟
وللجواب عن الإشكالية الأولى سنستعرض الروايات الشريفة التي ذكرت الخسف في البيداء بجيش السفياني وجعلته علامةً من علامات الظهور، ونذكر مجموعة كبيرة منها، وغرضنا منها تحصيل التواتر - ولو المعنوي أو الإجمالي - على علاميّة الخسف في البيداء، أو تحصيل الاطمئنان بصدور هذا المضمون على أقل التقادير، ولذا لمْ نولِ الأسانيد عناية فائقة لاعتقادنا أن الأمر أوضح من أن يُثبَت بأخبار الآحاد الثقات رغم أنّنا سنذكر العديد من الروايات الصحيحة والمعتبرة سنداً، ثم إنّنا سنقسّم الروايات إلى ثلاثة أقسام بحسب دلالتها، وذلك لكي يسهل علينا الجواب عن الإشكالية الثانيّة وهي تحديد المراد من البيداء في روايات الخسف، وكي لا نكرّرها مرّة أخرى في حينها، والأقسام الثلاثة هي:
القسم الأول: روايات الخسف المطلقة:
وفي هذا القسم سنتناول الروايات التي ذكرت أنّه سيحصل خسف قبيل ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ولم تحدد في أي مكان سيكون، بل جاء فيها لفظ الخسف بقول مطلق:
ما ورد في كتب الشيعة:
(1-1) الصدوق (رحمه الله) بسنده(1) عن الحسين بن خالد الكوفي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت: جعلت فداك، حديث كان يرويه عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة. قال: فقال لي: «وما هو»؟ قال: قلت: روي عن عبيد بن زرارة أنه لقي أبا عبد الله (عليه السلام) في السنة التي خرج فيها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن فقال له: جعلت فداك، إنّ هذا قد ألف الكلام وسارع الناس إليه فما الذي تأمر به؟ قال: فقال: «اتقوا الله واسكنوا ما سكنت السماء والأرض».
قال: وكان عبد الله ابن بكير يقول: والله لئن كان عبيد بن زرارة صادقاً فما من خروج وما من قائم.
قال: فقال لي أبو الحسن (عليه السلام): «الحديث على ما رواه عبيد وليس على ما تأوَّله عبد الله بن بكير، إنّما عنى أبو عبد الله (عليه السلام) بقوله: (ما سكنت السماء) من النداء باسم صاحبك و(ما سكنت الأرض) من الخسف بالجيش»(2).
ورواه الطوسي (رحمه الله): بسنده عن الحسين بن خالد، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام):...(3).
والمستفاد من هذا الحديث الشريف أنّ الإمام جعل الخسف بالجيش علامة على انتهاء زمن الغيبة وبداية عصر الظهور، بل وجعلها علامة في عرض (الصيحة)، وهي علامة حتميّة بلا خلاف.
(2-2) حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني علي بن الحسن، عن علي بن مهزيار، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن مختار، قال: حدثني ابن أبي يعفور، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «أمسك بيدك، هلاك الفلاني - اسم رجل من بني العباس -، وخروج السفياني، وقتل النفس، وجيش الخسف والصوت»، قلت: وما الصوت، هو المنادي؟ فقال: «نعم، وبه يعرف صاحب هذا الأمر»، ثم قال: «الفرج كله هلاك الفلاني من بني العباس»(4).
والحديث الشريف في صدد إعطاء علامات للفرج المتمثل بظهور صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)، وجعل منها جيش الخسف، أي الجيش الذي يخسف به، وهو تامّ سنداً.
(3-3) روى الصدوق (رحمه الله) بسنده عن ابن عباس عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في حديث طويل يتحدث عن بعض تفاصيل المعراج، قال: «إلهي وسيدي متى يكون ذلك [أي: ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه)]؟ فأوحى الله (عزَّ وجلَّ): يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القُرّاء، وقلَّ العمل، وكثر القتل، و...وعند ذلك ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب،... وظهور السفياني...»(5).
فالواضح من هذه الرواية أنّها في صدد بيان علامات الظهور، فإنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد سأل اللهَ (عزَّ وجلَّ) عن وقت ظهور الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه) فجاء في الجواب ذكر علامات ظهوره وعدّ منها ثلاثة خسوف، ومحلّ الشاهد الذي نحن بصدده هو (الخسف بجزيرة العرب).
(4-4) تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ﴾ (سبأ: 51) قال: «من الصوت، وذلك الصوت من السماء»، وقوله: ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ قال: «من تحت أقدامهم خسف بهم»(6).
قال المجلسي في ذيل هذا الحديث: أقول: قال صاحب الكشاف: رُوي عن ابن عبّاس أنّها نَزلتْ في خسف البيداء. وقال الشيخ أمين الدين الطبرسي (رحمه الله): قال أبو حمزة الثمالي: سمعت علي بن الحسين والحسن بن الحسن بن علي (عليهم السلام) يقولان: هو جيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم. انتهى.
وهذا الحديث رغم أنّه لا نصّ فيه على علامات الظهور، ولكنّ الحديث عن الخسف جاء في سياق الحديث عن الصيحة في السماء والتي لا اختلاف في أنّها من العلامات الحتميّة للظهور، فقرينة السياق دالّة على أن الرواية في صدد بيان علامات الظهور وجعلت الخسف واحدة منها.
ورغم أن المجلسي نقل أنّها نزلت في خسف البيداء إلّا أنّنا ذكرناها في قسم روايات الخسف المطلقة لأنّها بنفسها لم يرد فيها نصّ على مكان الخسف.
(5-5) الكافي: العدة، عن سهل، عن ابن فضال، عن ثعلبة، عن الطيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْأَفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصلت: 53) قال: «خسف ومسخ وقذف»، قال: قلت: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ﴾؟ قال: «دع ذا، ذاك قيام القائم»(7).
وهذه الرواية تذكر أنّ من الآيات التي يريها الله (عزَّ وجلَّ) للإنسان هي الخسف، والغاية منها حتى يتبيّن لهم قيام القائم (عجَّل الله فرجه)، أي أنّها اعتبرت الخسف علامة من علامات ظهور القائم (عجَّل الله فرجه).
(6-6) روى المجلسي (رحمه الله) بسنده عن ابن محبوب رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا خسف بجيش السفياني» إلى أن قال: «والقائم يومئذٍ بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول: أنا ولي الله، أنا أولى بالله وبمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فمن حاجَّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم...»(8).
ما ورد في كتب السنّة:
(7-7) نعيم بن حماد المروزي بسنده: عن محمد بن علي [الباقر (عليه السلام)] قال: «إذا سمع العائذ الذي بمكة بالخسف خرج مع اثني عشر ألفاً، فيهم الأبدال حتى ينزلوا إيليا، فيقول الذي بعث الجيش حين يبلغه الخبر بإيليا: لعمر الله لقد جعل الله في هذا الرجل عبرة، بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض، إن هذا لعبرة وبصيرة... الحديث»(9).
وفي هذا الحديث إخبار عن الخسف، بعده يتوجه الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بجيشه لمقاتلة السفياني، وقريب منه ما في بحار الأنوار عن جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام)، ولكنّه لم يذكر الخسف بلفظه(10).
وهناك روايات أخرى كثيرة من الفريقين يمكن إدراجها في هذا القسم لكنّنا نُعرض عن ذلك هنا مراعاةً للاختصار.
القسم الثاني: روايات الخسف في البيداء:
وفي هذا القسم سنذكر الروايات التي ذكرت أن الخسف يكون في البيداء، ولكنّها لم تصّرح أيّ بيداء تلك، ولم تحدد أين تقع هذه البيداء.
ما ورد في كتب الشيعة:
(8-1) النعماني (رحمه الله) بسنده عن زرارة بن أعين، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عجبت أصلحك الله، وإني لأعجب من القائم كيف يقاتل مع ما يرون من العجائب، من خسف البيداء بالجيش، ومن النداء الذي يكون من السماء؟
فقال: «إن الشيطان لا يدعهم حتى ينادي كما نادى برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يوم العقبة»(11).
وهذه الرواية الشريفة تؤكّد أن الخسف بالجيش في البيداء هو من العلامات الواضحة الجلية ويجعلها في عرض الصيحة في السماء، ويعجب زرارة كيف لا يذعن الناس لعلامتين جليّتين كهاتين، فالحديث نصّ في أن الخسف في البيداء علامة جليّة من علامات الظهور، ولكنّه لم يحدّد مكان البيداء، ولذا جعلناه في القسم الثاني.
ولا يقال: إنّ الذي ذكر العلامتين هو زرارة وليس الإمام الصادق (عليه السلام)، وبالتالي تسقط الرواية عن الحجيّة؛ لأنَّ إقرار المعصوم كلامَه دليل على تمامه وقبوله به، وإلّا - إن لم يكن ما ذكره تامّاً - لبيّن له ذلك، بل إنّ ذيل الرواية كالصريح في إمضاء الإمام له، ولذلك تمّم لزرارة ما يرفع تعجبه بقوله أنّ الشيطان لا يدعهم.
(9-2) النعماني (رحمه الله) بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جُعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: «يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نُوقِّت، وقد قال محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): كذب الوقّاتون. يا أبا محمّد، إنَّ قُدّام هذا الأمر خمس علامات: أُولاهنَّ النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكيَّة، وخسف بالبيداء»(12).
(10-3) الصدوق (رحمه الله) بسنده عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر ݟ، يقول: «القائم منّا منصور بالرعب مؤيد بالنصر...»، قال: قلت: يا بن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: «إذا تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال... وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بين الركن والمقام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا»(13).
(11-4) الصدوق (رحمه الله): وبهذا الإسناد [حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ݤ قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان]، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء»(14).
وهذا الحديث تام سنداً وفيه نصّ أن الخسف في البيداء من العلامات الحتميّة.
وروى النعماني في غيبته بسنده عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «للقائم خمس علامات: ظهور السفياني، واليماني، والصيحة من السماء، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء»(15)، ولم يذكر عبارة (محتومات)، ومثله في غيبة الطوسي(16).
(12-5) الصدوق (رحمه الله) بسنده عن ميمون البان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: «خمس قبل قيام القائم (عليه السلام): اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية»(17).
وهذا الحديث كغيره نصّ في أن الخسف في البيداء من علامات الظهور، ولكنّه لم ينصّ بأنّ الخسف علامة حتميّة، ولكنّ السياق يشعر بذلك، حيث جعله في عرض واحد مع السفياني واليماني والصيحة وقتل النفس الزكية، وهي من العلامات الحتمية.
(13-6) النعماني (رحمه الله): بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: قلنا له: السفياني من المحتوم؟
فقال: «نعم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، والقائم من المحتوم، وخسف البيداء من المحتوم، وكف تطلع من السماء من المحتوم، والنداء من السماء».
فقلت: وأي شيء يكون النداء؟
فقال: «مناد ينادي باسم القائم واسم أبيه»(18).
وهذا الحديث الشريف يذكر أن الخسف في البيداء علامة من علامات الظهور، وينصّ أنّها حتميّة.
(14-7) النعماني (رحمه الله) بسنده عن محمد بن الصامت، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال: «بلى». قلت: وما هي؟ قال: «هلاك العباسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء».
فقلت: جعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر؟
فقال: «لا، إنما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً»(19).
(15- 8) النعماني (رحمه الله): بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «من المحتوم الذي لابد أن يكون من قبل قيام القائم: خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية، والمنادي من السماء»(20).
وهذه الرواية أيضاً تدلّ على أن الخسف من العلامات الحتميّة.
(16-9) المفيد (رحمه الله): عبد العزيز بن صهيب، عن أبي العالية، قال: حدثني مزرع بن عبد الله، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «أما والله ليقبلن جيش حتى إذا كان بالبيداء خسف بهم»، فقلت له: إنك لتحدثني بالغيب، قال: «احفظ ما أقول لك، والله ليكونن ما خبرني به أمير المؤمنين (عليه السلام)، وليؤخذن رجل فليقتلن وليصلبن بين شرفتين من شرف هذا المسجد»، قلت: إنك لتحدثني بالغيب، قال: «حدثني الثقة المأمون في ابن أبي طالب (عليه السلام)».
قال أبو العالية: فما أتت علينا جمعة حتى أخذ مزرع فقتل وصلب بين الشرفتين، قال: وقد كان حدثني بثالثة فنسيتها(21).
وهذه الرواية وإن لم يأتِ فيها ذكر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وظهوره والعلامات، إلّا أنّ هذا النوع من الإخبار عن المستقبل يُحمل على علامات الظهور بقرينة باقي الروايات التي نصّت على أن الخسف علامة من علامات الظهور.
فهي بحد ذاتها قد لا تدلّ على ما نحن بصدده، ولكنّها تنفع في تراكم الاحتمال وتكوين التواتر الذي نبحث عنه.
(17-10) الراوندي (رحمه الله): عن الإمام الباقر (عليه السلام) ضمن حديث طويل: «وكذلك إذا ظهر المهدي (عليه السلام) بمكة ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، فنادى جبرائيل (عليه السلام) واجتمع إليه أصحابه من الآفاق، بعث السفياني أكثر من عشرين ألف رجل يقولون: (لا حاجة لنا في بني علي)، فإذا بلغوا إلى البيداء خسف الله بهم الأرض فلا يبقى إلّا رجلان منهم، ينصرف أحدهما إلى السفياني، والآخر يخرج إلى مكة وقد صار قفاهما إلى موضع وجهيهما يخبران الناس بحال عسكر السفياني...»(22).
(18-11) الطوسي (رحمه الله) بسنده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خطب سلمان، فقال: الحمد لله الذي هداني لدينه بعد جحودي له... ألا إن لبني أمية في بني هاشم نطحات. ألا إن بني أمية كالناقة الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجلها وتمنع درها. ألا إنه حق على الله أن يذل باديها وأن يظهر عليها عدوها مع قذف من السماء وخسف ومسخ وسوء الخلق حتى أن الرجل ليخرج من جانب حجلته إلى صلاة فيمسخه الله قرداً. ألا وفئتان تلتقيان بتهامة كلتاهما كافرتان، ألا وخسف بكلب وما أنا وكلب، والله لولا ما(23) لأريتكم مصارعهم ألا وهو البيداء ثم يجيء ما تعرفون. فإذا رأيتم أيها الناس الفتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها الراكب الموضع والخطيب المصقع والرأس المتبوع، فعليكم بآل محمد فإنهم القادة إلى الجنة والدعاة إليها إلى يوم القيامة...»(24).
(19-12) الطبري (رحمه الله) بسنده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): يا علي، عشر خصال قبل يوم القيامة، ألا تسألني عنها؟ قلت: بلى، يا رسول الله، قال: اختلاف وقتل أهل الحرمين، والرايات السود، وخروج السفياني، وافتتاح الكوفة، وخسف بالبيداء، ورجل منا أهل البيت يبايع له بين زمزم والمقام، يركب إليه عصائب أهل العراق وأبدال الشام، ونجباء أهل مصر، وتصير أهل اليمن عدتهم عدة أهل بدر، فيتبعه بنو كلب يوم الأعماق، قلت: يا رسول الله، ما بنو كلب؟ قال: هم أنصار السفياني، يريد قتل الرجل الذي يبايع له بين زمزم والمقام، ويسير بهم فيقتلون وتباع ذراريهم على باب مسجد دمشق، والخائب من غاب عن غنيمة كلب ولو بعقال»(25).
ما ورد في كتب السنة:
(20-13) نعيم بن حماد بسنده عن عبد الله بن عمرو ولم يسنده إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): (علامة خروج المهدي خسف يكون بالبيداء بجيش، هو علامة خروجه)(26).
(21-14) نعيم بن حماد بسنده عن حفصة زوج النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] قالت: سمعت رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] يقول: «يأتي جيش من قبل المغرب يريدون هذا البيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم فيصيبهم ما أصابهم ويلحق بهم من خلفهم لينظر ما فعلوه فيصيبهم ما أصابهم فمن كان مستكرهاً أصابهم ما أصابهم ثم يبعث الله تعالى كل امرئ منهم على نيته»(27).
ذكرنا هذا الحديث في هذا القسم لعدم معرفة مبدأ جيش السفياني، فهذه الرواية ذكرت أنّه من قبل المغرب، وفي بعض المصادر ذكرت أنّه من قبل المشرق، ولكنّ المدينة المنورة والتي سيتبين من مجموع الروايات أنّها هي مبدأ انطلاقهم لمكّة تقع شمال مكّة فلا هي من المغرب ولا هي من المشرق، وكذلك الشام التي هي المبدأ الأول للجيش كذلك تقع شمال المدينة ومكّة.
(22-15) نعيم بن حماد: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: قال رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)]: «يبعث إلى مكة جيش من الشام حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم»(28).
(23-16) الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)]: «يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة(29)، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم، فلا ينجو منهم إلّا المخبر عنهم». هذا حديث صحيح الأسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه(30).
(24-17) القاضي المغربي: وعن الدغشي، يرفعه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، أنه قال: «يخرج بعدي من بني هاشم رجل يبايع بين الركن والمقام، فيغلب صاحب الشام أربعة آلاف يخسف لهم بالبيداء، ثم يسير إليهم، والمحروم من حرم غنيمتهم، ثم يملك بعد ذلك سبع سنين، فهذا مما ينتظر ويكون يبايع الناس الإمام يومئذٍ بين الركن والمقام، يهلك الله تعالى عدوه كما وعد بذلك على لسان نبيه بحوله وقوته»(31).
(25-18) نعيم بن حماد بسنده عن علي [(عليه السلام)]: «إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشاً فخسف بهم بالبيداء، وبلغ ذلك أهل الشام، قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته وإلّا قتلناك، فيرسل إليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس، وتنقل إليه الخزائن، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية وما دونها، ويخرج قبله رجل من أهل بيته بأهل الشرق، ويحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس، فلا يبلغه حتى يموت»(32).
وهذا الحديث وإن كان فيه نظر - كما عبّر السيد ابن طاووس حينما أورده -، إلّا أنّ مورد الريب الذي فيه لا يتعلّق بأصل حدوث الخسف بجيش السفياني في البيداء، إنما فيما بعده، ولذلك فهو نافع في تراكم الاحتمال.
(26-19) حماد بن نعيم: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، قال: قال رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)]: «يبعث إلى مكة جيش من الشام حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم»(33).
(27-20) نعيم بن حماد بسنده عن كعب، قال: (يوجه جيش إلى المدينة في اثني عشر ألفاً، فيخسف بهم بالبيداء)(34).
(28-21) نعيم بن حماد بسنده عن علي [(عليه السلام)]، قال: «إذا نزل جيش في طلب الذين خرجوا إلى مكة فنزلوا البيداء خسف بهم ويباد بهم وهو قوله: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: 51] من تحت أقدامهم، ويخرج رجل من الجيش في طلب ناقة له ثم يرجع إلى الناس فلا يجد منهم أحداً ولا يحس بهم، وهو الذي يحدث الناس بخبرهم»(35).
وهذا الحديث لم يصرّح فيه بمبدأ انطلاق الجيش المتوجه إلى مكّة، ولذا ذكر في هذا القسم وليس في قسم الروايات المصرّحة بأنّ الخسف يكون في بيداء المدينة.
القسم الثالث: الروايات المصرحة أن الخسف يكون في البيداء التي بين مكّة والمدينة:
وفي هذا القسم سنذكر الروايات التي صرَّحت بأن الخسف يكون في البيداء وأن البيداء هي بيداء المدينة والتي تقع في طريق الخارج من المدينة قاصداً مكّة:
ما ورد في كتب الشيعة:
(29-1) العياشي (رحمه الله): عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول: «الزم الأرض، لا تحركن يدك ولا رجلك أبداً حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة... ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلّا آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وشيعتهم... ويبعث بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويهرب المهدي والمنصور منها، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم لا يترك منهم أحد إلّا حبس، ويخرج الجيش في طلب الرجلين ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب حتى يقدم مكة وتقبل الجيش حتى إذا نزلوا البيداء وهو جيش الهملات(36) خسف بهم فلا يفلت منهم إلّا مخبر...»(37).
والذي يستظهر من هذه الرواية أن الخسف يقع في البيداء التي تكون بين المدينة ومكة، إذ إن جيش السفياني يكون في المدينة (ويبعث بعثاً إلى المدينة) والمهدي يكون قد خرج منها إلى مكة، فليحقه الجيش، أي يتوجه من المدينة إلى مكّة حتى إذا حلّ بالبيداء خسف به.
(30-2) النعماني (رحمه الله) بسنده عن الحارث الهمداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «المهدي أقبل، جعد، بخده خال، يكون من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني، فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلّا طوائف من المقيمين على الحق، يعصمهم الله من الخروج معه، ويأتي المدينة بجيش جرار حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: 51]»(38).
(31-3) المجلسي (رحمه الله): تفسير العياشي: عن إبراهيم بن عمر، عمن سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين (عليه السلام)، ثم صار عند محمد بن علي، ثم يفعل الله ما يشاء، فألزم هؤلاء، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة رجل ومعه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عامداً إلى المدينة حتى يمر بالبيداء، فيقول: هذا مكان القوم الذين خسف بهم، وهي الآية التي قال الله: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [النحل: 45-46]»(39).
فظاهر الرواية أن الرجل الذي سيخرج هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهي نصّ في أن بيداء المدينة هي المكان الذي سيحصل فيه الخسف - وكذا الرواية السابقة -.
(32-4) الحميري (رحمه الله): محمد بن عبد الحميد، وعبد الصمد بن محمد، جميعاً عن حنان بن سدير قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن خسف البيداء قال: «أمام مصيرا(40) على البريد، على اثني عشر ميلاً من البريد الذي بذات الجيش»(41).(42)
ويمكن أن نعتبر هذه الرواية نصّاً في أنّ الخسف يكون في البيداء التي تكون بين مكة والمدينة، باعتبار أن (مصيرا) هي وادي الصفراء وهو وادٍ معروف بين مكّة والمدينة، وإنْ أبيتَ وأصررت على أنّ (مصيرا) لفظ مجمل حمّال لوجوه لا يمكن إحراز المراد منه، فإنّ للرواية دلالة أخرى بغضّ النظر عن المراد من مصيرا، فقد نصّت أن الخسف يقع على اثني عشر ميلاً من البريد الذي بذات الجيش، و(ذات الجيش) منطقة معروفة بين مكّة والمدينة كما عن معجم البلدان.
وبالتالي فإنّ هذه الرواية تعطي عنواناً دقيقاً للمكان الذي يحصل فيه الخسف.
(33-5) [الطبرسي] قال [أبو حمزة الثمالي]: وحدثني عمرو بن مرة، وحمران بن أعين أنهما سمعا مهاجراً المكي يقول: سمعت أم سلمة تقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه جيش حتى إذا كانوا بالبيداء بيداء المدينة خسف بهم»(43).
(34-6) سليم بن قيس: أمير المؤمنين (عليه السلام): «يا معاوية إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد أخبرني أن بني أمية سيخضبون لحيتي من دم رأسي، وأني مستشهد، وستلي الأُمّة من بعدي... وأن رجلاً من ولدك مشوم ملعون، جلف جاف، منكوس القلب، فظ غليظ، قد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة، أخواله من كلب، كأني أنظر إليه، ولو شئت لسميته ووصفته وابن كم هو، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيدخلونها، فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب منهم رجل من ولدي، زكي نقي، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذٍ وعلامته، وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد، وهو الثائر بدم أبيه فيهرب إلى مكة، ويقتل صاحب ذلك الجيش، رجلاً من ولدي زكياً برياً عند أحجار الزيت، ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة، وإني لأعلم اسم أميرهم وأسمائهم وسمات خيولهم، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم. قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: 51]، قال: من تحت أقدامهم فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد، يقلب الله وجهه من قبل قفاه، ويبعث الله للمهدي أقواماً يجمعون من الأرض قزعاً كقزع الخريف، والله إني لأعرف أسماءهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم، فيدخل المهدي الكعبة ويبكي ويتضرع»(44).
وهذه الرواية أيضاً نصّ في أنّ جيش السفياني يخرج من المدينة قاصداً مكّة فيخسف به في البيداء التي تكون بين مكّة والمدينة.
(35-7) الحميري (رحمه الله): حدثني محمد بن عبد الحميد العطار قال: حدثني عاصم بن حميد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لما انتهى إلى البيداء حيث الميل قربت له ناقة فركبها، فلما انبعثت به لبى بالأربع فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، ثم قال: ها هنا يخسف بالأخابث»(45).
وهو صحيح السند، صريح بأنّ الخسف يقع في بيداء المدينة، حيث إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان قاصداً الحج وهو في المدينة، فلا شكّ أن البيداء في هذا الخبر هي بيداء المدينة، ولفظ (البيداء) هنا إما اسم علم لخصوص بيداء المدينة - كما سنثبت ذلك -، أو أنّ الألف واللام فيه عهدية تشير إلى مكان مشخّص ومحدد هو الذي سيقع فيه الخسف.
(36-8) الطوسي (رحمه الله): الحسين بن سعيد عن صفوان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا صليت عند الشجرة فلا تلبِّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش»(46).
والحديث صحيح السند، والمراد من الشجرة هو مسجد الشجرة الذي هو ميقات أهل المدينة، والمستفاد من هذا الحديث أمران:
الأول: أن الخسف يقع في البيداء التي تكون بين مكة والمدينة بعد مسجد الشجرة.
والثاني: أن فكرة الخسف في البيداء فكرة واضحة راسخة في الذهنية الإسلامية العامة، بل وأنّ مكانها معروف محدد مشخص لدى عامة الناس، ففي هذا الخبر ليس الإمام هو من أخبر بأن الخسف يكون في هذا المكان المحدد، بل هو أشار إلى ما هو معروف لدى عامة الناس، حتى أن مكان الخسف أصبح علامة دالّة لشدة وضوحه حينها، فأمر بالتلبية في المكان الذي يخسف فيه بالجيش.
ولا يقال: إن الرواية أجنبية عن المطلب، إذ لم تشخص الجيش الذي سيخسف به؛ فلا ريب أن الرواية تشير إلى جيش السفياني الذي يخسف به حينما يكون متوجّهاً إلى مكّة، وذلك لعشرات القرائن المنفصلة في الروايات الأخرى، بل إن شدة وضوح هذا الأمر ورسوخه في أذهان الناس يُشكّل قرينة متصلة على المراد.
(37-9) الحسن بن سلمان الحلي بسنده عن المفضل ابن عمر (في حديث طويل) قال الإمام الصادق (عليه السلام): «ثم يظهر السفياني ويسير جيشه إلى العراق فيخربه ويخرب الزوراء وتركهما جماء ويخرب الكوفة والمدينة وتروث بغالهم في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وجيش السفياني يومئذٍ ثلاثمائة ألف رجل بعد أن خرب الدنيا، ثم يخرج إلى البيداء يريد مكة وخراب البيت، فلما صار بالبيداء وعرس فيها صاح بهم صائح يا بيداء أبيدي بهم فتبتلعهم الأرض بخيلهم، فيبقى اثنان فينزل ملك فيحول وجوههما إلى ورائهما ويقول: يا بشير امض إلى المهدي وبشره بهلاك جيش السفياني، وقال للذي اسمه نذير: امض إلى السفياني فعرفه بظهور المهدي (عليه السلام)، مهدي آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»(47).
(38-10) الحسن بن سلمان الحلي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة (المخزون): «وخروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب أميرها رجل من كلب واثنى عشر ألف عنان من خيل يحمل السفياني متوجهاً إلى مكة والمدينة أميرها أحد من بني أمية يقال له خزيمة، أطمس العين الشمال، على عينه طرفة تميل بالدنيا فلا ترد له راية حتى ينزل المدينة فيجمع رجالاً ونساءً من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فيحبسهم في دار بالمدينة يقال لها دار أبي الحسن الأموي، ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد اجتمع إليه رجال من المستضعفين بمكة، أميرهم رجل من غطفان حتى إذا توسطوا الصفايح البيض بالبيداء يخسف بهم فلا ينجو منهم أحد إلّا رجل واحد يحول الله وجهه في قفاه لينذر هم وليكون آية لمن خلقه، فيومئذٍ تأويل هذه الآية ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: 51]»(48).
(39-11) المجلسي (رحمه الله) يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام): «وخروج السفياني براية حمراء أميرها رجل من بني كلب واثني عشر ألف عنان من خيل السفياني يتوجه إلى مكة والمدينة أميرها رجل من بني أمية يقال له: خزيمة، أطمس العين الشمال، على عينه ظفرة غليظة يتمثل بالرجال، لا ترد له راية حتى ينزل المدينة في دار يقال لها: دار أبي الحسن الأموي ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمد وقد اجتمع إليه ناس من الشيعة يعود إلى مكة، أميرها رجل من غطفان إذا توسط القاع الأبيض خسف بهم فلا ينجو إلّا رجل يحول الله وجهه إلى قفاه لينذرهم، ويكون آية لمن خلفهم، ويومئذٍ تأويل هذه الآية ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: 51]»(49).
(40-12) الحسين بن حمدان الخصيبي بسنده عن محمد بن المفضل عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل: «... ثم يقبل على القائم رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره ويقف بين يديه فيقول أنا وأخي بشير أمرني ملك من الملائكة أن الحق بك وأبشرك بهلاك السفياني بالبيداء، فيقول له القائم: بيِّن قصتك وقصة أخيك نذير، فيقول الرجل: كنت وأخي نذيراً في جيش السفياني فخربنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناهم حمماً وخربنا الكوفة وخربنا المدينة وروثت أبغالنا في مسجد رسول الله، وخرجنا منها نريد مكة وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد مكة والمدينة وخراب البيت العتيق وقتل أهله، فلما صرنا بالبيداء عرسنا بها فصاح صائح يا بيداء بيدي بالقوم الكافرين، فانفجرت الأرض وابتلعت ذلك الجيش، فوالله ما بقي على الأرض عقال ناقة ولا سواه غيري وأخي نذير، فإذا بملك قد ضرب وجوهنا إلى وراء كما ترانا وقال لأخي: ويلك يا نذيرَ النُّذُرِ الملعون بدمشق بظهور مهدي آل محمد وأن الله قد أهلك جيشه بالبيداء وقال لي: يا بشير الحق بالمهدي بمكة فبشره بهلاك السفياني وتب على يده فإنه يقبل توبتك فيمر القائم يده على وجهه فيرده سوياً كما كان ويبايعه ويسير معه»(50).
(41-13) النعماني (رحمه الله): بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) (في حديث طويل): «... ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران (عليه السلام)، وقال: فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء: يا بيداء، بيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلّا ثلاثة نفر، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها﴾ [النساء: 47]...»(51).
(42-14) المجلسي (رحمه الله): وروي عن حذيفة بن اليمان أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب، قال: «فبينا هم كذلك يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فور ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين، جيشاً إلى المشرق وآخر إلى المدينة... ويحل الجيش الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيام بلياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء، بعث الله جبرئيل فيقول: يا جبرئيل! اذهب فأبدهم، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم عندها ولا يفلت منها إلّا رجلان من جهينة، فلذلك جاء القول: (وعند جهينة الخبر اليقين) فذلك قوله: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا﴾» إلى آخرها، أورده الثعلبي في تفسيره(52).
وبما أنّ جيش السفياني انتهب المدينة ثلاثاً وخرج منها قاصداً مكّة فخُسف به في البيداء، فلا ريب أنّ المراد من البيداء هنا هو بيداء المدينة.
ما ورد في كتب السنة:
(43-15) يوسف بن يحيى المقدسي: عن رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)]: «... ويخرج جيش آخر من جيوش السفياني إلى المدينة، فينهبونها ثلاثة أيام، ثم يسيرون إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله تعالى جبريل (عليه السلام)، فيقول: يا جبريل عذبهم. فيضربهم برجله ضربة يخسف الجيش، فلا يهوله، فلا يبقى منهم إلا رجلان، فيقدمان على السفياني فيخبرانه بخسف الجيش، فلا يهوله...»(53).
(44-16) ابن شبة النميري بسنده عن أبي هريرة، قال: (يجيء جيش من قبل الشام حتى يدخل المدينة، فيقتلون المقاتلة ويبقرون بطون النساء ويقولون للحبلى في البطن: اقتلوا صبابة السوء، فإذا علوا البيداء من ذي الحليفة خسف بهم، فلا يدرك أسفلهم أعلاهم ولا أعلاهم أسفلهم). قال أبو المهزم: فلما جاء جيش حبيش بن دلجة قلنا: هم، فلم يكونوا هم(54).
من الناحية الدلاليّة يمكن أن يستفاد من هذا الحديث أمران:
الأوّل: المكان الدقيق للخسف وهو البيداء التي تكون بين مكة والمدينة والتي تكون قرب ذي الحليفة، وسيأتي أن بداية البيداء من عند ذي الحليفة.
والثاني: أنّ فكرة الجيش الذي يقصد مكّة فيخسف به في بيداء المدينة هي فكرة راسخة في الذهنية الإسلامية منذ ذلك الوقت، حتى أنّ المسلمين ينتظرون ذلك الجيش، ويطبقون هذه الفكرة على عدة جيوش مرّت بهذه المنطقة ويظنون أنّ هذا الجيش هو الجيش الذي سيخسف به ثم يبين خطؤهم، ومن ضمن هذه الجيوش جيش حبيش بن دلجة الذي ظن أبو المهزم ومن معه أنّه الجيش الذي سيخسف به.
وهذه الاستفادة الثانية تتم حتى وإن لم يتم السند.
(45-17) نعيم بن حماد: بسنده عن ابن عباس: (يبعث صاحب المدينة إلى الهاشميين بمكة جيشاً فيهزموهم، فيسمع بذلك الخليفة بالشام فيقطع إليهم بعثاً فيهم ستمائة عريف، فإذا أتوا البيداء فنزلوها في ليلة مقمرة أقبل راعي ينظر إليهم ويعجب ويقول: يا ويح أهل مكة ما أصابهم فينصرف إلى غنمه ثم يرجع فلا يرى أحداً، فإذا هم قد خسف بهم، فيقول: سبحان الله، ارتحلوا في ساعة واحدة فيأتي منزلهم فيجد قطيفة قد خسف ببعضها وبعضها على ظهر الأرض فيعالجها فلا يطيقها، فيعرف أنه قد خسف بهم فينطلق إلى صاحب مكة فيبشره فيقول صاحب مكة الحمد لله هذه العلامة التي كنتم تخبرون فيسيرون إلى الشام)(55).
وهذا الحديث أيضاً صريح بأن الخسف يكون بين مكّة والمدينة لأنّ الجيش يتوجه من الشام قاصداً مكّة، والشام تقع شمال المدينة، والمدينة شمال مكة، فمن الطبيعي أن يمرّ الجيش بالمدينة ثم ببيدائها فيقع الخسف فيه، وإنْ أبيتَ كونه نصّاً في المطلوب فأقلّ ما يقال فيه إنّه ظاهر فيه.
(46-18) يوسف بن يحيى المقدسي: عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «... ثم يرجع [أي السفياني] دمشق، وقد دان له الخلق، فيجيِّش جيشين؛ جيش إلى المدينة، وجيش إلى المشرق، فأمّا جيش المشرق فيقتلون بالزوراء سبعين ألفاً، ويبقرون بطون ثلاثمائة امرأة، ويخرج الجيش إلى الكوفة، فيقتل بها خلقاً، وأمّا جيش المدينة إذا توسطوا البيداء صاح به صائح، وهو جبريل (عليه السلام)، فلا يبقى منهم أحد إلّا خسف الله به، ويكون في أثر الجيش رجلان، يقال لهما بشير ونذير، فإذا أتيا الجيش لم يريا إلّا رؤوساً خارجة على الأرض، فيسألان جبريل (عليه السلام): ما أصاب الجيش؟ فيقول: أنتما منهم؟ فيقولان: نعم. فيصيح بهما، فتتحول وجوههما القهقرى»(56).
والمراد من البيداء في هذه الرواية هو البيداء بين مكّة والمدينة، بقرينة قوله: «جيش المدينة».
(47-19) ابن بطريق: وبالإسناد أيضاً قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد حدثنا القاسم بن الفضل الحداني، عن محمد بن زياد، عن عبد الله بن الزبير: أن عائشة قالت: عبث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في منامه، فقلنا: يا رسول الله، صنعت شيئاً في منامك لم تكن تفعله، فقال: «العجب، إن ناساً من أُمَّتي يؤمون البيت برجل من قريش قد لجا بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم»، فقلنا يا رسول الله، أن الطريق قد يجمع الناس؟ قال: «نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم».
وبالإسناد المقدم أيضاً قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير حدثنا عبد العزيز بن رفيع بهذا الحديث، وفي حديثه قال: فلقيت أبا جعفر فقلت: إنها إنما قالت: بيداء من الأرض. فقال أبو جعفر: «كلا، والله إنها لبيداء المدينة»(57).
(48-20) نعيم بن حماد، عن ذي قربات، قال: (إذا بلغ السفياني الذي بمصر بعث جيشاً إلى الذي بمكة فيخربون المدينة أشد من الحرة حتى إذا بلغوا البيداء خسف بهم)(58).
والحديث صريح في أن الخسف يقع في بيداء المدينة، حيث إن جيش السفياني يقصد مكّة وفي طريقه إليها يخرب المدينة ويكمل طريقه إلى مكّة حتى يصل البيداء بينهما فيخسف به.
(49-21) نعيم بن حماد بسنده عن ابن مسعود، قال: (يبعث جيش إلى المدينة فيخسف بهم بين الجماوين، وتقتل النفس الزكية)(59).
والحديث أيضاً صريح في أنّ الخسف يقع في بيداء المدينة، حيث إن الجماوين هما هضبتان عن يمين الطريق للخارج من المدينة إلى مكّة كما عن معجم المبلدان(60).
(50-22) وعن أم سلمة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: «يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام، وعصائب أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ (رجل) من قريش، أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً، فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، ويعمل في الناس بسنة نبيهم، ويلقي الاسلام بجرانه في الأرض، فيلبث سبع سنين. ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون» رواه أبو داود، ورواه أحمد وأبو يعلى والبيهقي، كما في جواهر العقدين(61).
(51-23) الهيثمي: وعن أنس أن رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] كان نائماً في بيت أم سلمة، فانتبه وهو يسترجع، فقلت: يا رسول الله، ممَّ تسترجع؟ قال: «من قبل جيش يجيء من قبل العراق في طلب رجل من المدينة يمنعه الله منهم، فإذا علوا البيداء من ذي الحليفة خسف بهم فلا يدرك أعلاهم أسفلهم ولا يدرك أسفلهم أعلاهم إلى يوم القيامة» ومصادرهم شتى قال إن فيهم أو منهم من جبر(62).
وهذا الحديث رغم ضعف سنده، ورغم أنّه ذكر أنّ مبدأ الجيش من قبل العراق وهو خلاف لما ثبت من أن مبدأه الشام، إلّا أنّه نصٌّ في أن الخسف يكون في البيداء بين مكّة والمدينة، حيث إن (ذا الحليفة) قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، ومنها ميقات أهل المدينة(63).
المستفاد من مجموع الروايات:
هذه مجموعة من الروايات التي تعرضت للخسف في البيداء من مصادرنا ومصادر العامة، وهناك غيرها الكثير لم نوردها كلَّها هنا مراعاةً للمقام.
والمستفاد من مجموع هذه الروايات هو القطع أو - لا أقل - الاطمئنان بأنّ هناك جيشاً للسفياني ينطلق من المدينة إلى مكّة قاصداً الفتك بصاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)، فتخسف به الأرض في البيداء، وأنّ البيداء المقصودة من الروايات هي بيداء معيّنة محددة وليست مجملة مجهولة، وهي البيداء التي تكون بين مكّة والمدينة، وأنّ هذا الخسف هو علامة من علامات ظهور المهديّ المنتظر (عجَّل الله فرجه).
فما ورد من الروايات المطلقة التي ذكرت الخسف بالجيش ولم تذكر البيداء، وما ورد من الروايات التي ذكرت الخسف في البيداء ولكن لم تنص على أنّها بيداء المدينة، كلّه يحمل على أن الخسف يقع في بيداء المدينة بقرينة الطائفة الثالثة التي نصّت على ذلك.
استعمالات لفظ البيداء في خصوص بيداء المدينة:
ثم إنّ لفظ (البيداء) تحول إلى اسم عَلَم للأرض القفرة التي تقع بين مكّة والمدينة، وهناك شياع في استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى، وسنورد فيما يلي كثيراً من نماذج هذا الاستعمال لنؤيّد ما نحن بصدده، وهو أن لفظ (البيداء) تحوّل إلى اسم علم لمكان مخصوص، على أنّه توجد أمثلة أكثر بكثير مما سنذكره ولكنّنا نكتفي بهذا القدر مراعاةً للمقام.
الاستعمال الأول: استعمال لفظ البيداء في روايات التلبية للحج:
أبرز نماذج استعمال لفظ (البيداء) في خصوص بيداء المدينة ما ورد في كتاب الحجّ في باب التلبية لمن يريد الإحرام من المدينة، فقد ورد استعمال لفظ (البيداء) بكثرة في الروايات الشريفة وفي أقوال الفقهاء في هذا الباب، ولم يشكّ أحد أن البيداء هناك هي غير بيداء المدينة، ومن هذه الروايات:
(52-1) الصدوق (رحمه الله): روى عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الإحرام من مواقيت خمسة وقَّتها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، لا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها، وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة كان يصلي فيه ويفرض الحج، فإذا خرج من المسجد فسار واستوت به البيداء حين يحازي الميل الأول أحرم. ووقت لأهل الشام الجحفة، ووقت لأهل نجد العقيق، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل اليمن يلملم ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»(64).
وفي هذه الرواية الشريفة استعمل لفظ (البيداء) خالٍ من القيد وأريد به بيداء المدينة، نعم قد يقال إنّ القيد في البيداء هنا قيد ذهني، أي أنّ البيداء اسم جنس له أفراد عديدة وليس اسم علمٍ، ولكنّ الذي حدد الفرد المعين هو قرينة السياق.
أقول: نعم، لو كان الدليل الوحيد على المطلوب هو خصوص هذه الرواية أو روايات التلبية في الحج، لتمّ ما قيل، ولكننا نأتي بهذه الطائفة من الروايات كشاهد على المطلوب، فهذه الطائفة مع ما تقدّم من طوائف روايات الخسف، ومع ما يأتي من الشواهد تكوّن صورة جليّة لا غبار عليها على المطلوب، وهو أن البيداء تحوّلت إلى اسم عَلَم لمكان محدَّد، وأنّه هو المراد من البيداء المذكورة في روايات الخسف.
(53-2) الصدوق (رحمه الله) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا صليت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء، فإذا استوت بك البيداء فلبِّ»(65).
(54-3) الصدوق (رحمه الله): وروى ابن فضال، عن يونس بن يعقوب قال: خرجت في عمرة فاشتريت بدنة وأنا بالمدينة فأرسلت إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، فسألته: كيف أصنع بها؟ فأرسل إليّ: «ما كنت تصنع بهذا فإنه كان يجزيك أن تشتري منه من عرفة»، وقال: «انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فاستقبل بها القبلة وأنخها ثم ادخل المسجد فصل ركعتين ثم اخرج إليها فأشعرها في الجانب الأيمن، ثم قل: (بسم الله اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني)، فإذا علوت البيداء فلبِّ»(66).
ومثله عن محمد بن يعقوب عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)...(67).
(55-4) الصدوق (رحمه الله): وروى فضالة بن أيوب، عن الكاهلي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النساء في إحرامهن، فقال: «يصلحن ما أردن أن يصلحن، فإذا وردن الشجرة أهللن بالحج ولبين عند الميل أول البيداء، ثم يؤتى بهن مكة يبادر بهن الطواف السعي، فإذا قضين طوافهن وسعيهن قصرن وجازت متعة، ثم أهللن يوم التروية بالحج وكانت عمرة وحجة، وإن اعتللن كن على حجهن ولم يفردن حجهن»(68).
(56-5) الطوسي (رحمه الله): الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التهيؤ للإحرام فقال: «في مسجد الشجرة فقد صلّى فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وقد ترى الناس يحرمون فلا تفعل حتى تأتي البيداء حيث الميل، فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: (لبيك اللهم لبيك لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك) بمتعة بعمرة إلى الحج»(69).
(57-6) الطوسي (رحمه الله): الحسين بن سعيد عن صفوان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا صليت عند الشجرة فلا تلبِّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش»(70).
وهذه الرواية تقدّمت وأشرنا إلى ما استفدناه منها سابقاً، ونذكرها هنا للاستشهاد بها من جهة استعمال اللفظ وإطلاقه وإرادة المعنى المطلوب.
(58-7) الطوسي (رحمه الله): الحسين بن سعيد عن صفوان عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء»(71).
(59-8) الطوسي (رحمه الله) بسنده عن عبد الله بن سنان، أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام): هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: «نعم، إنما لبّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على البيداء لأن الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية»(72).
(60-9) الطوسي (رحمه الله) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد، وإن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء...»(73).
(61-10) الكليني (رحمه الله): علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) حين حج حِجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها، وأهلَّ بالحج وساق ماءة بدنة...»(74).
(62-11) عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام): كيف أصنع إذا أردت الإحرام؟ قال: «اعقد الإحرام في دبر الفريضة حتى إذا استوت بك البيداء فلبِّ»، قلت: أرأيت إذا كنت محرماً من طريق العراق؟ قال: «لبِّ إذا استوى بك بعيرك»(75).
(63-12) الحر العاملي (رحمه الله): وعن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة، هل يحل لمن أحرم عندها أن لا يلبي حتى يعلو البيداء؟ قال: «لا يلبي حتى يأتي البيداء عند أول ميل، فأمّا عند الشجرة فلا يجوز التلبية»(76).
(64-13) دعائم الإسلام عن الإمام جعفر بن محمد ݟ: أنه سئل عمن ساق بدنة كيف يصنع؟ قال: «إذا انصرف عن المكان الذي يعقد فيه إحرامه في الميقات، فليشعرها يطعن في سنامها من الجانب الأيمن بحديدة حتى يسيل دمها، [ويقلدها ويجللها] ويسوقها، فإذا صار إلى البيداء إن أحرم من الشجرة أهلَّ بالتلبية، وكان علي (صلوات الله عليه) يجلل بدنه، ويتصدق بجلالها»(77).
الاستعمال الثاني: ما ورد بين مصعب بن الزبير وأخيه:
(65-14) ومن الشواهد على استعمال لفظ (البيداء) في بيداء المدينة، ما ورد في كتاب الأغاني في الخلاف الذي دار بين مصعب بن الزبير وأخيه عبد الله، حيث إنّ مصعباً تزوّج عائشة بنت طلحة فبلغ ذلك عبد الله فغضب عليه، وكتب إليه يؤنّبه على ذلك ويقسم عليه أن يلحق به بمكة ولا ينزل المدينة ولا ينزل إلّا بالبيداء، ثم بعد أن وصل مصعب إلى مكّة قال له عبد الله: إني لأرجو أن تكون الذي يخسف به بالبيداء، فما أمرتك بنزولها إلّا لهذا. ثم تراضيا(78).
والمستفاد من هذا الخبر أنّ الذهنية العامّة عند المسلمين ومنذ ذلك الوقت كان راسخاً فيها وواضحاً جليّاً عندها أنّه سيحصل خسف في جيش منطلق من المدينة قاصداً مكّة، وهذا الخسف سيكون في مكانٍ محدّد معروف وهو بيداء المدينة، ولذا أمرَ عبد الله أخاه أن ينزِل في ذلك المكان بالضبط، وما هذا الارتكاز الشديد في أذهانهم إلّا لتواتر الروايات والأخبار عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عندهم على الخسف في البيداء.
الاستعمال الثالث: ولادة محمد بن أبي بكر في البيداء:
ومن الشواهد أيضاً على هذا الاستعمال ما ورد من أنّ أسماء بنت عميس ولدتْ محمّد بن أبي بكر في البيداء:
(66-15) الكليني (رحمه الله) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن أسماء ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء وكان في ولادتها البركة للنساء لمن ولدت منهن أو طمثت، فأمرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فاستثفرت وتنطقت بمنطقة وأحرمت»(79).
(67-16) وما في الفقيه: روى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر بالبيداء لأربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع، فأمرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فاغتسلت واحتشت وأحرمت ولبَّت مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأصحابه، فلما قدموا مكة لم تطهر حتى نفروا من منى وقد شهدت المواقف كلها...»(80).
والظاهر من هاتين الروايتين أن البيداء اسم لمكان معروف ومشخص، لا أنّه اسم جنس للأرض القفرة ثم دخلت عليه الألف واللام العهدية فحددت فرداً واحداً من أفراده.
الاستعمال الرابع: نزول آية على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في البيداء:
ومن الشواهد ما ورد من نزول آية على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في البيداء:
(68-17) ما في تفسير مجمع البيان في تفسير قوله: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: 64)، أي كافيك الله ويكفيك متبعوك من المؤمنين، وقال الحسن: معناه الله حسبك وحسب من اتبعك، أي يكفيك ويكفيهم، قال الكلبي: نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال...(81).
ولا يخفى على المتتبع لجغرافيا المدينة المنورة، أنّ القاصد بدراً من المدينة يمر بذي الحليفة وبالبيداء، كما سنبين ذلك عند تحديد موقع البيداء على الخرائط المعاصرة في يومنا هذا.
إذن فقد استعمل لفظ (البيداء) في المكان المحدد، وهذا شاهد إضافي لما ندعيه من شياع هذا الاسم واستعماله في هذا المعنى بالخصوص وهو بيداء المدينة.
الاستعمال الخامس: النهي عن الصلاة في البيداء:
ومن شواهد استعمال لفظ (البيداء) في خصوص بيداء المدينة ما ورد من النهي عن الصلاة في البيداء:
(69-18) الطوسي (رحمه الله): علي بن مهزيار عن فضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق: البيداء وهي ذات الجيش(82)، وذات الصلاصل(83) وضجنان(84)»، وقال: «لا بأس بأن يصلي بين الظواهر وهي الجواد - جواد الطرق - ويكره أن يصلى في الجواد»(85).
(70-19) المجلسي (رحمه الله): وبإسناده [محمد بن علي بن الحسين] عن علي بن مهزيار أنه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يصير في البيداء فتدركه صلاة فريضة فلا يخرج من البيداء حتى يخرج وقتها، كيف يصنع بالصلاة وقد نهى أن يصلي في البيداء؟ فقال: «يصلي فيها ويتجنب قارعة الطريق»(86).
وفي هذه الرواية استعمل لفظ البيداء، ولا شكّ أنّ المراد منه ليس اسم الجنس الشامل لجميع الأراضي القِفار، إذ لا شكّ في عدم النهي عن الصلاة في مطلقها، بل ورد استحباب بعض الصلوات في الصحاري والأراضي القفرة والبراري، كصلاة جعفر وصلاة الاستسقاء.
فقد روى الطوسي (رحمه الله) عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «صم يوم الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان عشية يوم الخميس، تصدقت على عشرة مساكين مداً مداً من طعام، فإذا كان يوم الجمعة اغتسلت وبرزت إلى الصحراء، فصل صلاة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)، واكشف ركبتيك، والزمهما الأرض»(87).
وروى الصدوق (رحمه الله)، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «مضت السُّنّة أنه لا يستسقى إلّا بالبراري، حيث ينظر الناس إلى السماء، ولا يستسقى في المساجد إلّا بمكة»(88).
فلا شكّ أنّ النهي عن الصلاة في البيداء لا يراد منه اسم الجنس وشمول جميع أفراده، ولكن المراد من البيداء هنا هو مكان محدد، ولو لم يكن لفظ البيداء هنا اسم عَلَم لبيداء المدينة لكان الكلام مجملاً، حيث إن المتكلم يكون قد أتى بلفظ لمعنى له عدة مصاديق وأراد أحدها بالخصوص ولم ينصب قرينة على الفرد المراد، مضافاً إلى ما سيأتي من قرائن في الروايات الأخرى الدالة على أنّ المراد من البيداء المنهي عن الصلاة فيها هي خصوص البيداء التي تكون في طريق مكّة للخارج من المدينة.
وعليه فالمستفاد من هذه الرواية الشريفة أنّ البيداء اسم لمكان معين معروف عند المسلمين آنذاك، ومن المعروف لديهم أيضاً النهي عن الصلاة فيه، ولذا فإن السائل يسأل عن حال المضطر الذي لا يسعه الوقت للخروج من البيداء والصلاة، بعد التسليم عنده بالنهي عن الصلاة فيها، والظاهر من القرائن المنفصلة أنّ سبب النهي عن الصلاة في البيداء هو أنها أرض خسف، ويبدو أنّ هذا كان معروفاً لدى عامة المسلمين، ويشهد لذلك ما ورد في حادثة رد الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام) في بابل، حيث رفض أن يصلي العصر فيها لأنّها أرض عذاب(89).
(71-20) ما أورده المفيد في المقنعة عن الصادق (عليه السلام): «تكره الصلاة في طريق مكة في ثلاثة مواضع: أحدها البيداء، والثاني ذات الصلاصل، والثالث ضجنان»(90).
في هذه الرواية قرينة على أن المراد من البيداء هي التي بين مكّة والمدينة حيث عبّرت عن المواضع الثلاث أنّها في طريق مكّة، والواضح أنّ (طريق مكّة) المذكور في الرواية هو الطريق إليها من المدينة، سيما أننا بينّا سابقاً هو للقاصد إياها من المدينة لا غير.
الاستعمال السادس: ما ورد في الأمثال العربية:
(72-22) ما ورد في أمثال العرب عندما يريدون بيان الفارق الشاسع بين فضل شخص وآخر:
نزلوا بمكة في قبائل نوفل * * * ونزلت بالبيداء أبعد منزل(*)
وهو كالمثل القائل (أين الثرى من الثريا)، بمعنى أن الجماعة في الشطر الأوّل نزلوا في أفضل المنازل وأقربها إلى الكعبة في قبائل نوفل، والظاهر أن نوفل هو ابن عبد مناف عم جد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)(91)، والمتكلّم نزل في أبعد منزل من منازل الحجّاج وهو البيداء، ولا شكّ أنّ المراد من البيداء هنا هي بيداء المدينة والتي تكون بعد ذي الحليفة بميل، إذ لا بيداء غيرها يطلق عليها (منزل) بالنسبة للحاجّ.
تحديد مكان البيداء:
وفي ما يلي بعض النصوص التي عرّفت البيداء وحددت مكانها ونصّت على أنّها اسم لمكان معين بين مكّة والمدينة(92)، بعضها من الروايات الشريفة وبعضها من كتب الفقهاء وبعضها من كتب المعاجم:
ما ورد في الروايات الشريفة في تحديد البيداء:
(73-1) الطوسي (رحمه الله): أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إنّا كنّا في البيداء في آخر الليل، فتوضأت واستكت وأنا أهم بالصلاة، ثم كأنه دخل قلبي شيء، فهل يصلى في البيداء في المحمل؟ فقال: «لا تصلِّ في البيداء»، قلت: وأين حدّ البيداء؟ فقال: «كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا بلغ ذات الجيش جد في المسير ولا يصلّي حتى يأتي معرس النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»، قلت له: وأين ذات الجيش؟ فقال: «دون الحفيرة(93) بثلاثة أميال»(94).
فالسائل هنا بعد أن كان من المسلّم عنده أن الصلاة منهي عنها في البيداء، وأن البيداء التي نُهي عن الصلاة فيها هي بيداء المدينة، ولكنّه سأل عن حدود البيداء الدقيقة التي لا بأس عليه بالصلاة فيما بعدها.
(74-2) الطوسي (رحمه الله) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج ثم أنزل الله عليه ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (الحج: 27) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم: أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يحجّ من عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب، فاجتمعوا، فحج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وإنما كانوا تابعين ينتظرون ما يؤمرون به فيصنعونه أو يصنع شيئاً فيصنعونه، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس ثم اغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة، فصلّى فيه الظهر وعزم بالحج مفرداً، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصف الناس له سماطين فلبى بالحج مفرداً وساق الهدي ستاً وستين أو أربعاً وستين، حتى انتهى إلى مكة...»(95).
وهذه الرواية تحدد مكان البيداء بدقة، وأنّها بين مكّة والمدينة على بعد ميل من ذي الحليفة.
ما ورد من كلام الفقهاء في تحديد البيداء:
(75-3) قال العلامة الحلي في التعليق على روايات النهي عن الصلاة في البيداء: (البيداء في اللغة: المفازة، وليس ذلك على عمومه هاهنا، بل المراد بذلك موضع معين).
روى الشيخ في الصحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قلت: وأين حد البيداء؟ فقال: «كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا بلغ ذات الجيش جد في السير ولا يصلي حتى يأتي معرس النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»، قلت: فأين ذات الجيش؟ قال: «دون الحفيرة بثلاثة أميال».
وقد ورد أنها أرض خسف. روي أن جيش السفياني يأتي إليها قاصداً مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فيخسف الله تعالى بتلك الأرض، وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي هو ذو الحليفة ميل واحد وهو نصف فرسخ فحسب(96).
(76-4) قال الشيخ الطوسي في عدة من كتبه: (ويكره الصلاة في طريق مكة في أربعة مواضع: البيداء وذات الصلاصل، وضجنان، ووادي الشقرة)(97).
وهذا يعني أن الشيخ (رحمه الله) يرى أن البيداء هي موضع بين مكّة والمدينة.
(77-5) وقال الفيض الكاشاني: (والبيداء على رأس ميل من ذي الحليفة، روي أن جيش السفياني يأتي إليها قاصداً مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فيخسفه الله بتلك الأرض والتعريس بالمهملات النزول آخر الليل)(98).
وذو الحليفة منطقة معروفة في المدينة فيها مسجد الشجرة لازالت ليومنا هذا تعرف بهذا الاسم، وعليه فالفيض أيضاً شخّص مكان البيداء وأن بدايتها بعد ميل من ذي الحليفة.
ما ورد في كتب اللغة في تحديد البيداء:
(78-6) وفي مجمع البحرين: (والبيداء أرض مخصوصة بين مكة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة، كأنها من الإبادة وهي الإهلاك)(99).
(79-7) وفي معجم البلدان: (البيداء: اسم لأرض ملساء بين مكة والمدينة، وهي إلى مكة أقرب(100)، تعد من الشرف أمام ذي الحليفة)(101).
(80-8) وقال الفراهيدي: (البيداء: مفازة لا شيء فيها، وبين المسجدين أرض ملساء اسمها البيداء).
وفي الحديث: «أن قوماً يغزون البيت فإذا نزلوا البيداء، وهي مفازة بين مكة والمدينة ملساء، بعث الله ملكاً فيقول: يا بيداء بيدي بهم فيخسف بهم»(102).
وقوله صريح بأن لفظ (البيداء) اسم عَلَم لأرض بين المسجدين، أي: مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) والمسجد الحرام.
(81-9) وفي كتاب المخصص: وبَيْداءُ موضعٌ بين مكةَ والمدينة وفي الحديث: «إن قوماً يغزُونَ البيتَ، فإذا نزلوا البيَداءَ بعثَ الله عليهم جبريلَ (عليه السلام)، فيقول: يا بَيداءُ بيدِي، فيخُسَفُ بهم»(103).
(82-10) وقال البكري الأندلسي: (البيداء: قد تقدم ذكرها وتحديدها في رسم البقيع، وهي أدنى إلى مكة من ذي الحليفة. روى عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: خرجنا مع رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش، انقطع عقد لي، فأقام رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] على التماسه. وذكر الحديث بطوله في نزول آية التيمم).
ومن حديث مالك عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، أنه سمع أباه يقول: بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)]، ما أهلَّ رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] إلّا من عند المسجد، يعنى مسجد ذي الحليفة.
وإنما قال: ذلك لأن أنساً وابن عباس قالا: إنما أحرم النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] حين استوت به راحلته على البيداء. رواه البخاري وغيره عنهما.
والبيداء: هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة، في طريق مكة(104).
(83-11) وقال ابن الأثير: (البيداء: المفازة التي لا شيء فيها، وقد تكرر ذكرها في الحديث، وهي هاهنا اسم موضع مخصوص بين مكة والمدينة، وأكثر ما ترد ويراد بها هذه)(105).
(84-12) وفي لسان العرب: وبَيْداءُ: موضع بين مكة والمدينة، قال الأَزهري: وبين المسجدين أَرضٌ ملساءُ اسمها البَيْداءُ، وفي الحديث: «إِن قوماً يغزون البيت، فإِذا نزلوا البيداءَ بعث الله عليهم جبريل (عليه السلام)، فيقول: يا بَيْداءُ بِيدِي بِهِم، [وفي رواية:] أبِيدِيهِم، فتخسف بهم»(106).
(85-13) وفي تاج العروس: وفي الحديث: «إِنّ قوماً يَغْزُونَ البَيْتَ، فَإِذا نَزَلُوا بالبَيْدَاءِ بَعَثَ اللهُ جِبريلَ فيقول: يا بَيداءُ أَبِيدِيهم، فيُخسَفُ بِهمِ» أَي أَهْلكِيهم. وهي هنا اسمُ مَوضِعٍ بعَينه، وهي أَرْضٌ مَلْسَاءُ بينَ الحَرَمَينِ الشَّريفَين، بطَرَف المِيقَاتِ المدَنيّ الّذي يقال له ذو الحُليفَةِ...»(107).
ملخص جواب الإشكال الأول والثاني:
وملخص ما استنتجناه مما تقدم: أن علاميّة الخسف في البيداء لظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) هو مما يطمئنّ بصدوره من المعصومين (عليهم السلام)، إن لم نقل أنّه من المتواتر، وقد أثبتنا ورود بعض النصوص المعتبرة فيها، وهذا جواب الإشكال الأول الذي ذكرناه في المقدمة، والذي كان مفاده: هل يوجد دليل معتبر على أن الخسف من علامات الظهور؟
أمّا الإشكال الثاني والذي يتكون من مقدمتين: الصغرى: أنّ البيداء مكان مجهول غير محدد، والكبرى: أنّ كل مجهول لا يصلح لأن يكون علامة للظهور.
فصغراه ترتفع بما أثبتناه من أن البيداء مكان محدّد ومعروف ومشخّص، وهو البيداء التي تكون بين مكّة والمدينة على بعد ميل من ذي الحليفة، وأما بالنسبة للكبرى فمن قال أنّ البيداء إذا كانت غير معروفة ومحددة فإن الخسف فيها لا يصلح لأن يكون علامة للظهور؟ بل إن أمرها أهون من كثير من العلامات التي ذُكرت للظهور وآخر الزمان في النصوص الشريفة كاستحلال الرشوة وتشبّه الرجال بالنساء وانتشار الظلم والهرج والمرج والفتن الشديدة والثورات والرايات، التي يمكن أن تنطبق على مصاديق عديدة وقد وقع البعض في خطأ التطبيق لكونها غير محددة ومشخّصة ويمكن أن تنطبق على أفراد عديدة، ومع ذلك فهذا لا ينفي كونها علامة من علامات الظهور، بينما الخسف بجيشٍ في البيداء ولو سلمنا أن البيداء مكان غير محدد فمصاديقه أقل بكثير من معظم العلامات، بل لعله لا مصداق له منذ عصر النص وإلى يومنا هذا.
جواب الإشكال الثالث:
وأمّا جواب الإشكال الثالث وهو أنّه كيف يكون الخسف علامةً للظهور، والظهور يكون قبله؟ فإنّ الروايات أشارت إلى أنّ السفياني يعرف أنّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) موجود في المدينة، فيرسل له جيشاً، فيترك الإمام المدينة إلى مكّة، فيتبعه الجيش إلى مكّة ويخسف به في البيداء، وهذا يدل على أنّ الظهور يحصل قبل الخسف، فكيف يكون الخسف علامة على ما وقع قبله؟
فيمكن أن يكون على وجهين:
الوجه الأول: أنّ للظهور مراحل، مرحلة خفيّة محدودة الإعلان، ومرحلة ظاهرة علنية، فإنّ السفياني لما سمع بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في المدينة وأرسل له جيشاً، لم يكن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قد ظهر وأعلن دعوته رسميّاً، ثم بعد الخسف يسند ظهره إلى بيت الله ويعلن ظهوره بشكل رسمي وعلني.
ويؤيّد هذا الوجه ما رواه النعماني (رحمه الله) بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): «يا جابر، الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها...، ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشاً على أثره، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سُنَّة موسى بن عمران (عليه السلام)».
وقال: «فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء، بيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلّا ثلاثة نفر، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها﴾ [النساء: 47]».
قال: «والقائم يومئذٍ بمكة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به، فينادي: يا أيها الناس، إنا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ونحن أولى الناس بالله وبمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم...».
قال: «فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ويجمعهم الله له على غير ميعاد، قزعاً كقزع الخريف...»(108).
ومفاد هذه الرواية أن السفياني أو قائد جنده يسمع بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قد نزل مكّة، وهذا لا يدل على أنّه ظهر وأعلن دعوته، بل الرواية تشير إلى أنّه بعد الخسف أو أثناءَه يسند ظهره إلى بيت الله ويجهر بالدعوة والظهور، ويجتمع له أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر.
الوجه الثاني: لو سلّمنا بأنّه لا يجوز أن تكون علامة الظهور متأخرة عن الظهور، فإنّنا نقول: إنّه لا مانع من أن تكون العلامة مقارنة له، وهذه المقارنة لا يشترط أن تكون دقيّةً تُقاس بالدقائق الثواني، بل تكفي المقارنة العرفية، والمستفاد مما تقدم من الروايات أنّ معرفة السفياني بتواجد الإمام في المدينة وإرساله الجيش ثم الخسف به في البيداء تكون متقاربة زماناً ولا يوجد فاصل زماني كبير بينها، وعليه يعتبر الخسف مقارناً للظهور عرفاً.
على أن الوجه الأول أوجه.
مكان البيداء في الخرائط المعاصرة:
ومن الحسن ملاحظة مكان البيداء في الخرائط المعاصرة، حيث إن كثيراً من مناطق مكّة والمدينة حافظت على تسمياتها القديمة وهذا يسهل علينا تحديد مكان البيداء في يومنا هذا:
1 - مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
2 - منطقة ذي الحليفة.
3 - مسجد الشجرة، ميقات أهل المدينة.
4 - بلدية البيداء.
والمستفاد من الروايات أن البيداء التي يقع فيها الخسف بجيش السفياني تقع على بعد ميل من منقطة ذي الحليفة المبينة في الرقم (2) أو من خصوص المسجد الذي يقع فيها وهو مسجد الشجرة المبين في الرقم (3) باتجاه مكة، ومن الجدير بالملاحظة أنّه ما زال اسم البيداء اسم عَلَم لمكان مشخَّص في المدينة المنورة إلى يومنا الحالي، وهناك فنادق ومدارس وأماكن عديدة في المدينة سمّيت بالبيداء نسبة إلى تلك المنطقة، والموضح في الرقم (4) هو بلدية البيداء، أي أنها مكان معترف به رسميّاً، وقد يكون فيه اختلاف يسير عن البيداء التي في النصوص، ولكنّه قريب منها جداً بل يكاد يكون هو.
وهذه الملاحظة تفيد تأكيد ما توصلنا إليه أنّ البيداء اسم لمكان معيّن، وليس المراد منها مطلق الأرض القفرة أو المفازة.
الهوامش:
(1) ملاحظة: لم نذكر أسانيد بعض الروايات مراعاة للاختصار، وذكرنا المصادر بالتفصيل لمن أحب المراجعة.
(2) معاني الأخبار: ص266-267، باب (معنى اسكنوا ما سكنت الأرض والسماء)، ح1.
(3) أمالي الطوسي: ص412، ح926/74.
(4) الغيبة للنعماني: ص266، باب14، ح16.
(5) راجع كمال الدين: ص250-252، باب 23، ح1.
(6) بحار الأنوار: ج52، ص185-186، ح11؛ عن تفسير القمي: ج2، ص205-206.
(7) بحار الأنوار: ج52، ص303، ح71؛ عن الكافي: ج8، ص166، ح181.
(8) بحار الأنوار: ج52، ص305، ح78.
(9) الفتن للمروزي: ص215.
(10) بحار الأنوار: ج52، ص388، ح206.
(11) الغيبة للنعماني: ص273، باب 14، ح29.
(12) الغيبة للنعماني: ص 301 و302، باب 16، ح6.
(13) كمال الدين: ص330، باب 32، ح16.
(14) كمال الدين: ص650، باب 54، ح7.
(15) الغيبة للنعماني: ص261، باب 14، ح9.
(16) الغيبة للطوسي: ص436-437، ح427.
(17) كمال الدين: ص649، باب57، ح1.
(18) الغيبة للنعماني: ص265-266، باب14، ح15.
(19) الغيبة للنعماني: ص269-270، باب 14، ح21.
(20) الغيبة للنعماني: ص272، باب 14، ح26.
(21) الإرشاد: ج1، ص326-327؛ مناقب آل أبي طالب: ج2، ص107؛ مدينة المعاجز: ج2، ص179.
(22) الخرائج والجرائح: ج2، ص926.
(23) في بعض النسخ (لولا ما لولا)، بمعنى لولا ما يلزم من محاذير لأريتكم مصارعهم.
(24) رجال الكشي: ج1، ص82-85، ضمن ح47.
(25) دلائل الإمامة: ص465-466، ح450/54، معجم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): ج1، ص506، ح348.
(26) الفتن للمروزي: ص202، عنه الملاحم والفتن لابن طاووس: ص161، الباب168، ح210.
(27) الفتن للمروزي: ص202-203؛ وفي كنز العمال: ج12، ص207-208، ح34688؛ والدر المنثور: ج5، ص241، ورد من قبل المشرق بدل من قبل المغرب.
(28) الفتن للمروزي: ص203.
(29) حتى لا يمنع ذنب تلعة: مثل للسيل إذا زاد فلا تمتنع منه الأرض العالية. والتلعة مسيل الماء من أعلاه.
(30) المستدرك للحاكم النيسابوري: ج4، ص520.
(31) شرح الأخبار: ج3، ص401، ح1285.
(32) الفتن للمروزي: ص216، عنه الملاحم والفتن لابن طاووس: ص139، باب 133، ح161.
(33) الفتن للمروزي: ص203، عنه الملاحم والفتن لابن طاووس: ص158، باب165، ح205.
(34) الفتن للمروزي: ص203، عنه الملاحم والفتن لابن طاووس: ص160، باب 167، ح209.
(35) الفتن للمروزي: ص203، عنه الملاحم والفتن لابن طاووس: ص159، باب 166، ح207.
(36) وفي بعض النسخ (جيش الهلاك).
(37) تفسير العياشي: ص64-65، ح117.
(38) الغيبة للنعماني: ص316، باب 18، ح14.
(39) بحار الأنوار: ج51، ص56، ح44؛ عن تفسير العياشي: ج2، ص261، ح34.
(40) اختلفت النسخ في نقل هذه الكلمة، ففي نسخة (هـ): صهراً، وفي نسخة (ض): مصراً، ويبدو أن تصحيفاً وقع في نقلها فتضاربت النسخ في ذلك، لأنه لا وجود لأماكن تعرف بهذه الأسماء، ناهيك عن أطراف المدينة المنورة وما حولها حيث تذكر الروايات وقوع الخسف المعروف في هذه الأماكن، وهكذا فلعل الصواب هو: الصفراء، وهو وادٍ من ناحية المدينة كثير النخل والزرع والخير في طريق الحاج، وسلكه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) غير مرة، وبينه وبين بدر مرحلة، أو: صفر (بفتح أوله وثانيه) وهو جبل أحمر من جبال ملل قرب المدينة (هامش قرب الإسناد: ص123).
(41) ذات الجيش: جعلها بعضهم من العقيق بالمدينة، وأنشد لعروة بن أذينة: كاد الهوى، يوم ذات الجيش، يقتلني لمنزل لم يهج للشوق من صقب، ويقال: إن قبر نزار بن معد وقبرانيه ربيعة بذات الجيش، وقال بعضهم: أولات الجيش موضع قرب المدينة وهو واد بين ذي الحليفة وبرثان، وهو أحد منازل رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] إلى بدر وإحدى مراحله عند منصرفه من غزاة بني المصطلق، وهناك جيش رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] في ابتغاء عقد عائشة ونزلت آية التيمم. (معجم البلدان: ج2، ص200-201).
(42) قرب الإسناد: ص123، ح432؛ عنه بحار الأنوار: ج52، ص181، ح3.
(43) بحار الأنوار: ج52، ص186، ضمن ح11؛ عن تفسير مجمع البيان: ج8، ص228، في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا﴾ (سبأ: 51)، وكذلك ورد هذا الحديث في كثير من مصادر العامة: منها صحيح مسلم: ج8، ص166-167، باب (الخسف بالجيش الذي يؤم البيت)، كما يلي: (حدثنا) قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (واللفظ لقتيبة) قال: إسحاق أخبرنا وقال الآخران: حدثنا جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد الله بن القبطية، قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي يخسف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير، فقالت: قال رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)]: «يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم»، فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارهاً؟ قال: «يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته» وقال أبو جعفر: «هي بيداء المدينة».
وكذلك صحيح ابن حبان: ج15، ص157؛ والمعجم الكبير: ج23، ص322، (وليس فيه: قال أبو جعفر...)، وكنز العمال: ج12، ص203، وغيرها.
(44) كتاب سليم بن قيس: ص309-310.
(45) قرب الإسناد: ص125، ح438، ومثله باختلاف يسير في الأصول الستة عشر: ص147-148، ح54، عن أصل عاصم بن حميد الحناط.
(46) الاستبصار: ج2، ص170، ح2؛ تهذيب الأحكام: ج5، ص84، ح278/86.
(47) مختصر بصائر الدرجات: ص185.
(48) مختصر بصائر الدرجات: ص199.
(49) بحار الأنوار: ج52، ص273، ضمن ح167.
(50) الهداية الكبرى: ص398.
(51) الغيبة للنعماني: ص288-291، باب14، ح67؛ ومثله في الاختصاص: ص256.
(52) بحار الأنوار: ج52، ص186-187، ضمن ح11؛ عن تفسير مجمع البيان: ج8، ص228.
(53) عقد الدرر: ص81، الفصل الثاني في الخسف بالبيداء.
(54) تاريخ المدينة: ج1، ص279.
(55) الفتن للمروزي: ص202.
(56) عقد الدرر: ص90-92.
(57) عمدة عيون صحاح الأخبار: ص427-428، ح895 و896.
(58) الفتن للمروزي: ص203، عنه الملاحم والفتن لابن طاووس: ص158، باب164، ح204.
(59) الفتن للمروزي: ص203، عنه الملاحم والفتن لابن طاووس: ص159، باب167، ح208.
(60) معجم البلدان 2: 158.
(61) ينابيع المودة: ج3، ص257؛ وورد أيضاً في عمدة عيون صحاح الأخبار: ص433-434، ح911؛ ومسند أحمد: ج6، ص316؛ وسنن أبي داود: ج2، ص310-311؛ وصحيح ابن حبان: ج15، ص158-159؛ وبحار الأنوار: ج51، ص88، عن محمد بن يوسف الشافعي في كتاب كفاية الطالب الذي أخرج الحديث من كتب العامة.
(62) مجمع الزوائد: ج7، ص316.
(63) معجم البلدان: ج2، ص295.
(64) من لا يحضره الفقيه: ج2، ص302-303، ح2522.
(65) من لا يحضره الفقيه: ج2، ص320، ح2562.
(66) من لا يحضره الفقيه: ج2، ص324-325، ح2577.
(67) وسائل الشيعة: ج11، ص275، ح14780/2.
(68) من لا يحضره الفقيه: ج2، ص383، ح2765.
(69) الاستبصار: ج2، ص169-170، ح1.
(70) الاستبصار: ج2، ص170، ح560/2.
(71) الاستبصار: ج2، ص170، ح561/3.
(72) الاستبصار: ج2، ص170، ح4؛ وسائل الشيعة: ج12، ص373، ح16547/2.
(73) الاستبصار: ج2، ص170-171، ح5.
(74) الكافي: ج4، ص248، ح6؛ عنه وسائل الشيعة: ج11، ص222، ح14657/14.
(75) وسائل الشيعة: ج12، ص371، ح16542/7؛ عن قرب الإسناد: ص379، ح1338.
(76) وسائل الشيعة: ج12، ص371، ح16543/8.
(77) مستدرك الوسائل: ج8، ص95، باب 10 من أبواب أقسام الحج: ح9145/6؛ عن دعائم الإسلام: ج1، ص301.
(78) راجع كتاب الأغاني: ج11، ص123 ضمن أخبار عائشة بنت طلحة.
(79) الكافي: ج4، ص444، ح2؛ عنه بحار الأنوار: ج21، ص378-389، ح1.
(80) من لا يحضره الفقيه: ج2، ص380، ح2755.
(81) تفسير مجمع البيان: ج4، ص490؛ عنه بحار الأنوار: ج19، ص154.
(82) ذات الجيش: وادٍ خسف به بين مكة والمدينة بينه بين ميقات أهل المدينة ميل واحد (من هامش التهذيب: ج5، ص425).
(83) ذات الصلاصل: موضع خسف في طريق مكة.
(84) ضجنان: جبل بناحية مكة.
(85) تهذيب الأحكام: ج2، ص375 /92.
(86) وسائل الشيعة: ج5، ص156، ح6204/6؛ عن من لا يحضره الفقيه: ج1، ص244، ح734.
(87) مصباح المتهجد: ص330، ضمن ح438/50.
(88) الهداية: ص157، باب 63، باب صلاة الاستسقاء.
(89) الصدوق (رحمه الله): روي عن جويرية بن مسهر أنه قال: أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل الناس، فقال علي (عليه السلام): «أيها الناس، إن هذه أرض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات [وفي خبر آخر مرتين]، وهي تتوقع الثالثة وهي إحدى المؤتفكات، وهي أول أرض عبد فيها وثن، وإنه لا يحل لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي فيها، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل»، فمال الناس عن جنْبَيْ الطريق يصلون وركب هو (عليه السلام) بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ومضى.
قال جويرية فقلت: والله لأتبعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأقلدنه صلاتي اليوم، فمضيت خلفه، فوالله ما جزنا جسر سوراء حتى غابت الشمس فشككت، فالتفت إليَّ وقال: «يا جويرية أشككت»؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل (عليه السلام) [عن] ناحية فتوضأ ثم قام فنطق بكلام لا أحسنه إلّا كأنه بالعبراني، ثم نادى الصلاة فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلّى العصر وصليت معه، فلما فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان فالتفت إليَّ وقال: «يا جويرية بن مسهر، الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ وإني سألت الله (عزَّ وجلَّ) باسمه العظيم فردَّ عليَّ الشمس». وروي أن جويرية لما رأى ذلك قال: [أنت] وصي نبي ورب الكعبة. [من لا يحضره الفقيه: ج1، ص203-204، ح611].
(90) المقنعة: ص444، ضمن الباب29؛ عنه وسائل الشيعة: ج5، ص157، ح6207/9.
(*) الوافي بالوفيات: ج7، ص234؛ جواهر الحسان: ج5، ص150؛ طبقات الشافعية الكبرى: ج4، ص64؛ وفيات الأعيان: ج1، ص73؛ مرآة الجنان: ج2، ص14؛ البداية والنهاية: ج12، ص4.
(91) الأنساب للسمعاني: ج5، ص536.
(92) ملاحظة: لا نريد من قولنا إنّ لفظ (البيداء) اسم علم لمكان معين أنّ المعنى الأصلي وهو اسم الجنس للأرض القفرة أو المفازة قد هُجر وترك، بل بقي على ما هو عليه.
(93) قال العلامة المجلسي: قوله (عليه السلام): «دون الحفيرة» لعل المراد الأرض المنخفضة التي فيها مسجد الشجرة. (ملاذ الأخيار: ص615، ضمن ح90).
(94) تهذيب الأحكام: ج2، ص375، ح90.
(95) تهذيب الأحكام: ج5، ص454، ح234.
(96) منتهى المطلب: ج4، ص349.
(97) المبسوط: ج1، ص384؛ النهاية: ص101 و285؛ مصباح المتهجد: ص708.
(98) الوافي للفيض الكاشاني: ج7، ص467، ضمن ح6367/1.
(99) مجمع البحرين: ج3، ص18.
(100) أقول: ورد تحديد مكان البيداء في معجم البلدان بهذا التعبير (وهي إلى مكة أقرب) وقد نقله عنه الكثير من المحققين والشراح في بيان معنى البيداء في الروايات الشريفة، ولكنّ هذا التعبير لا يخلو من إشكال، فكيف تكون أقرب إلى مكّة؟ وهي في الوقت نفسه أمام ذي الحليفة - المنطقة المعروفة في المدينة -؟
ناهيك عن مخالفة هذا التعبير لجميع من حدَّد مكان البيداء، سواء في الروايات الشريفة التي حددتها بأنها على بعد ميل من ذي الحليفة، أو في كتب المعاجم والبلدان، ولذا لابد من أن يحمل كلامه على ما يناسب ما ذكرنا، بأن نقول إنّ قصده من (إلى مكّة أقرب) هو كتعبير صاحب مجمع البحرين (نحو مكّة)، أو أن نقول بأنّ الحموي يرى أن البيداء تمتد من المدينة إلى مكّة قطعة واحدة، وبالتالي فقد نظر إليها من زاوية مكّة، أو نقول أن مراده أن البيداء أقرب إلى مكّة من ذي الحليفة فكلامه مقارنة بين البيداء وذي الحليفة من ناحية القرب إلى مكّة، ولا يعني ذلك أن البيداء قريبة أو ملاصقة لمكّة، أو يحمل على محمل آخر، وعلى كلّ فتعبيره (وهي إلى مكّة أقرب) يبقى مشكلاً، وكذلك ما سيأتي من تعبير الأندلسي.
ولكنّ هذا الإشكال لا يؤثر على مطلبنا، فيكفينا من كلامه أنّه صرَّح بأن البيداء اسم لأرض معينة مخصوصة تقع بين مكّة والمدينة.
(101) معجم البلدان: ج1، ص523.
(102) العين: ج8، ص84.
(103) المخصص: ج5، السفر السادس عشر، ص53.
(104) معجم ما استعجم: ج1، ص290-291.
(105) النهاية في غريب الحديث والأثر: ج1، ص171.
(106) لسان العرب: ج3، ص99.
(107) تاج العروس: ج4، ص368.
(108) الغيبة للنعماني: ص288-291، باب 14، ح67.