تشخيص هوية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) التشخيص العددي نموذجاً
تشخيص هوية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التشخيص العددي نموذجاً
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
مقدمة:
1 - قالوا في المعقول:
إنَّ الموجودات تشترك فيما بينها بصفة الوجود، وهي إلى هذا الحد غير متمايزة فيما بينها، ولولا وجود ما يميز أحدها عن الآخر، لكانت الموجودات موجوداً واحداً، لذلك اتجه البحث إلى التنقيب عن المميزات بين الموجودات.
ما هو معنى المميز؟
يعني باختصار: امتلاك الموجود المعين صفة، يفقدها الآخر، وبهذا الاعتبار تصبح تلك الصفة مميزاً له عن غيره، وفي الوقت ذاته قد تمثل امتيازاً له.
وهذا المميز لابد منه ليكون عندنا موجودان اثنان، ولولاه لكانا موجوداً واحداً، وهو معنى ما يُقال في الحكمة: إن الاثنينية - وبالتالي التكثر - فرع التمايز.
وتلك الصفة، قد تكون وجودية، وقد تكون عدمية، فالله تبارك وتعالى موجود، ومخلوقاته موجودة، ولكنه تعالى امتاز عن بقية موجوداته وتميز عنها بأنه الغني المطلق، وكما يُعبرون في علم الكلام: إنه تعالى واجب الوجود، فوجوده نابع من ذاته، ولا يحتاج إلى غيره في إفاضة الوجود عليه، بل غيره طراً يحتاج إليه (تعالى) في أصل وجوده، وفي استمرار وجوده.
وهذا يعني: أن الوجود ينقسم عموماً إلى قسمين رئيسيين:
الوجود المستغني عن غيره، والواجد لكل كمال، وهو وجود الله تبارك وتعالى.
والوجود المفتقر إلى الله تعالى في كل شؤونه ومراتب وجوده وصفاته، في أصل وجوده وفي استمراره، وهو كل ما عدا الله تعالى من الموجودات.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى الله والله هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ (فاطر: 15).
والحديث في القسم الثاني، وهو الموجود الممكن، المفتقر إلى الله تعالى، والمحتاج إليه، والذي لا حقيقة له سوى أنه محتاج وفقير إلى الله تعالى، هو في حقيقته كما حكى القرآن الكريم حال النبي موسى (عليه السلام): ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ (القصص: 24).
فالموجودات الممكنة، المخلوقة، لو لم يوجد بينها أي مميز، لصارت موجوداً واحداً، فلابد من المميز، والمشخص.
2 - قالوا في علم المنطق:
إنَّ الأجناس تتكثر بالفصول، لتتولد الأنواع، والأنواع تتكثر بالخواص لتتولد الأصناف، والأصناف تتكثر بالمشخصات الأخرى لتتولد الأفراد.
مثاله: الموجود الذي له حياة وإحساس، وينمو، ويتكاثر، يشمل الإنسان والغزال والصقر، ووهي بهذا الاعتبار واحدة، لولا أن الإنسان مثلاً امتاز عن بقية أنواع الحيوان بالناطقية (الإدراك والتعقل)، فكان الحيوان الناطق هو خصوص الإنسان، وبه امتاز عن الغزال، لأنه حيوان باغم، وعن الصقر، لأنه حيوان طائر ذو مخالب مثلاً.
ثم إننا لما نظرنا في حال أفراد الإنسان، وجدناهم يتكثرون بطريقتين:
الطريقة الأولى: أنهم تجمعوا فيما بينهم ليكونوا مجموعات صغيرة، كل مجموعة لها خصوصية معينة، فمجموعة عندهم القدرة على نظم الكلام بطريقة معينة، فكانوا صنف الشعراء، ومجموعة عندهم القدرة على تشخيص الأمراض البدنية فكانوا صنف الأطباء، ومجموعة عندهم القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية فكانوا صنف الفقهاء، وهكذا.
ومن ذلك هو التمايز بالقبيلة، والقومية، والانتماء الديني والمذهبي، وما شابه.
الطريقة الثانية: أن كل فرد من أفراد الإنسان، له خواصه، وأعراضه، وصفاته الخاصة، فهو ابن رجل معين، وابن امرأة معينة، وأخو رجل معين، وله طول معين، وله لون عين معين، وله بصمة إبهام وعين وأذن خاصة به، وله مادة وراثية خاصة به، وهو ما يسمى بالحمض النووي (DNA)، وهكذا.
وبهذا حصل التكثر في أفراد الإنسان، وحصل التمايز بين فرد وآخر، وبين صنف وآخر.
فتلخص: أن الموجودات تشترك فيما بينها بصفات، وتتميز بعضها عن البعض الآخر بصفات أخرى.
3 - ضرورة المميزات في الحياة الاجتماعية:
ما تقدم من كلام هو ما يذكرونه في علم المنطق والحكمة، وفي الحقيقة، فإن المميز ضرورة في حياتنا الاجتماعية، وتكمن أهميته في أنه ضرورة لأجل:
أولاً: التعريف بالهوية، فإنه لولا وجود المميزات لاشتبه حال الأفراد بعضهم مع البعض الآخر، ولذلك أبدع الإنسان دائرة الأحوال المدنية، التي تثبت الشخصية للفرد.
ثانياً: إنه لولا المميزات والخصوصيات، لضاعت الحقوق، فإن هذا الكتاب صار لي، لأنني متميز عن غيري، وإلّا، لو كنا واحداً، لصار الكتاب مشتركاً بيننا، وبالتالي تضيع الحقوق في زحمة المشتركات.
ثالثاً: تنظيم الأمور الحياتية، فالخصوصيات هي التي نظّمت الحياة الاجتماعية، فصار هناك مدير، وموظف، وعامل خدمة، وصار هناك ولي أمر، ومولّى عليه، وصار هناك إمام ومأموم.
رابعاً: الضرورة الدينية، فإن بعض الاعتقادات تتعلق بأشخاص معينين، فلابد من تشخيصهم بأعيانهم حتى لا يقع الفرد في اتباع شخص آخر يسوقه إلى جهنم والعياذ بالله بدلاً من أن يقوده إلى الجنة.
تشخيص هوية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
حيث إن حديثنا في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فلابد أن نلقي نظرة سريعة عن جهتي وجود شخصيته (عجَّل الله فرجه)، والحديث في شخصيته ليس كإنسان عادي، وإنما بما هو إمام معصوم، وهو أحد اثني عشر إماماً جعلهم الله تعالى حججاً على خلقه، وهم خلفاء الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وبعبارة واضحة: إن الحديث في ذكر بعض المشتركات بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وبقية المعصومين (عليهم السلام)، وفي ذكر بعض المميزات والمشخصات الخاصة به (عجَّل الله فرجه) والتي ميّزته عن غيره من المعصومين (عليهم السلام).
فالحديث سيكون في جهتين:
الجهة الأولى: الخصائص المشتركة(1) بين المعصومين (عليهم السلام):
هناك العديد من الصفات المشتركة بينهم (عليهم السلام)، وهي في الوقت الذي تميز الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عن سائر الناس، إلّا أنها لا تميزه عن الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
وسنسلط الضوء على ما يُتوهم أنه خاص بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، لنعرف أنها صفات تشمل جميع الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، نعم، في زمن الغيبة الكبرى، حيث إنه هو (عجَّل الله فرجه) الإمام المفترض الطاعة، وهو الإمام الحي بيننا، صارت تلك الأوصاف والمقامات تنصرف إليه بالخصوص.
ونذكر منها التالي:
الصفة الأولى: أنهم (عليهم السلام) حجج الله تعالى:
الحجية هنا تعني: أن يكون الفرد مجعولاً ومنصّباً من الله تبارك وتعالى، ليكون هو الخليفة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبالتالي يتصف بكل المؤهلات والصفات التي يلزم توفرها في الحجة بين الله تعالى بين عباده، والتي تتلخص بالعصمة، والعلم اللدني.
فكل أهل البيت (عليهم السلام) يُطلق عليهم الحجة بهذا المعنى. غاية الأمر، لأن الحجة علينا في عصرنا هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، صار لفظ الإمام الحجة ينصرف إليه بالخصوص.
وفي هذا المجال، جاء عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: «نحن حجج الله في خلقه، وخلفاؤه في عباده، وأمناؤه على سره، ونحن كلمة التقوى، والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريته، بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة، ولا تخلو الأرض من قائم منا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله»(2).
وفي واحدة من زيارات أمير المؤمنين (عليه السلام) أنك تقول: «... فأنتم الذرية المختارة، والأنفس المجردة، والأرواح المطهرة، يا محمد يا علي، يا فاطمة الزهراء، يا حسن يا حسين سيدي شباب أهل الجنة... وأشهد يا موالي أنكم تسمعون كلامي، وترون مقامي، وتعرفون مكاني، وتردون سلامي، وأنكم حجج الله البالغة، ونعمه السابغة...»(3).
نعم، في خصوص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ورد أنَّ نقش خاتمه (عجَّل الله فرجه) هو «أنا حجَّة الله وخالصته»(4)، وورد في زيارته (عليه السلام) يوم الجمعة: «السلام عليك يا حجَّة الله في أرضه»(5)، وفي الدعاء الذي بعد زيارته (عليه السلام) في نفس اليوم: «اللهم صلِّ على حجَّتك في أرضك...»(6).
الصفة الثانية: أنهم (عليهم السلام) الأئمة الهادون المهديون:
فهذه من الصفات المشتركة بينهم (عليهم السلام)، ولذا وردت العديد من الروايات الشريفة التي تصف أهل البيت (عليهم السلام) بالمهديّين.
روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «... فاختار من أهل بيتي بعدي، وهم خيار أُمَّتي، أحد عشر إماماً بعد أخي واحداً بعد واحد...، كلَّما غاب نجم طلع نجم، إنَّهم أئمَّة هداة مهديّون...، هم حجج الله في أرضه، وشهداؤه على خلقه، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتَّى يردوا عليَّ حوضي، وأوَّل الأئمَّة أخي عليّ خيرهم، ثمّ ابني حسن، ثمّ ابني حسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين...»(7).
وفي رواية لطيفة تبين هذا المعنى، روي عَنِ الحَكَمِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) وهُوَ بِالمَدِينَةِ، فَقُلْتُ لَه: عَلَيَّ نَذْرٌ بَيْنَ الرُّكْنِ والمَقَامِ إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا، فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ، فَأَقَمْتُ ثَلَاثِينَ يَوْماً، ثُمَّ اسْتَقْبَلَنِي فِي طَرِيقٍ فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، وإِنَّكَ لَهَا هُنَا بَعْدُ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، إِنِّي أَخْبَرْتُكَ بِمَا جَعَلْتُ لِله عَلَيَّ، فَلَمْ تَأْمُرْنِي ولَمْ تَنْهَنِي عَنْ شَيْءٍ، ولَمْ تُجِبْنِي بِشَيْءٍ، فَقَالَ: «بَكِّرْ عَلَيَّ غُدْوَةً المَنْزِلَ»، فَغَدَوْتُ عَلَيْه، فَقَالَ (عليه السلام): «سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ»، فَقُلْتُ: إِنِّي جَعَلْتُ لِله عَلَيَّ نَذْراً وصِيَاماً وصَدَقَةً بَيْنَ الرُّكْنِ والمَقَامِ إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا، فَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ رَابَطْتُكَ وإِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ سِرْتُ فِي الأَرْضِ فَطَلَبْتُ المَعَاشَ، فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ الله»، قُلْتُ: فَأَنْتَ المَهْدِيُّ؟ قَالَ: «كُلُّنَا نَهْدِي إِلَى الله»، قُلْتُ: فَأَنْتَ صَاحِبُ السَّيْفِ؟ قَالَ: «كُلُّنَا صَاحِبُ السَّيْفِ ووَارِثُ السَّيْفِ»، قُلْتُ: فَأَنْتَ الَّذِي تَقْتُلُ أَعْدَاءَ الله ويَعِزُّ بِكَ أَوْلِيَاءُ الله ويَظْهَرُ بِكَ دِينُ الله؟ فَقَالَ: «يَا حَكَمُ، كَيْفَ أَكُونُ أَنَا وقَدْ بَلَغْتُ خَمْساً وأَرْبَعِينَ سَنَةً، وإِنَّ صَاحِبَ هَذَا الأَمْرِ أَقْرَبُ عَهْداً بِاللَّبَنِ مِنِّي وأَخَفُّ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ»(8).
فهذا الوصف ليس خاصاً بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، نعم، الظاهر أن هذا الوصف له أنواع، وهناك أنواع منه تشمل كل المعصومين (عليهم السلام)، ككونهم الهداة إلى شرع الله تعالى، والمبينين له، وهناك أنواع خاصة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهي التي أشارت لها الروايات التي ذكرت سبب تسميته (عجَّل الله فرجه) بالمهدي، وهي التالي:
أ - عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «... فإنَّما سُمّي المهدي لأنَّه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان...»(9).
ب - وروى محمّد بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دُثِرَ وضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سُمّي القائم مهدياً لأنَّه يهدي إلى أمر مضلول عنه...»(10).
ج - عن أبي سعيد الخراساني، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ... لأيّ شيء سُمّي المهدي؟ قال: «لأنَّه يهدي إلى كلّ أمر خفي»(11).
هذه الروايات تعطينا سبب تسميته (عجَّل الله فرجه) بالمهدي، وهو الهداية إلى أمر خفي، أو مضلول عنه، أو ضلَّ عنه الجمهور، أو كلّ أمر خفي.
الصفة الثالثة: أنهم (عليهم السلام) الأئمة القائمون:
عندما نقرأ ما ورد في حقِّ أهل البيت (عليهم السلام) نجد أنَّهم وُصِفوا بوصف القائم، فمثلاً ورد في زيارة الإمام الحسن (عليه السلام) يوم الاثنين: «السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها القائِمُ الأَمِينُ»(12).
وفي زيارة أئمَّة البقيع (عليهم السلام) ورد: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَيُّها القُوَّامُ فِي البَرِيَّةِ بِالقِسْطِ»(13).
وفي زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) ورد: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ... القائِمِ بِعَدْلِكَ...، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيٍّ بْنِ مُوسى الرِّضا المُرْتَضى... القائِمِ بِعَدْلِكَ...»(14).
فعن الحكم بن أبي نعيم، قال: أتيت أبا جعفر (عليه السلام) وهو بالمدينة...، فقال - الإمام الباقر (عليه السلام) -: «يا حكم، كلّنا قائم بأمر الله...»، قلت: فأنت الذي تقتل أعداء الله ويعزُّ بك أولياء الله ويظهر بك دين الله؟ فقال: «يا حكم، كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين!؟»(15).
وعَنْ أَبِي خَدِيجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّه سُئِلَ عَنِ القَائِمِ فَقَالَ: «كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ الله، وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُ السَّيْفِ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُ السَّيْفِ جَاءَ بِأَمْرٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ»(16).
ومعه يأتي السؤال: من هو القائم من أهل البيت (عليهم السلام) بالضبط؟
والجواب(17):
إنَّ معنى القائم هو أنَّه الحجَّة لله على الناس، والقائم بأُمور الولاية التكوينية والتشريعية(18)، والقائم بالحقِّ في زمانه.
وهذا المعنى شامل لكلِّ أهل البيت (عليهم السلام)، وما ورد من الشواهد المتقدِّمة ناظر إلى هذا المعنى.
نعم، الذي سيزيل الظلم ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً فعلاً، ويحقق هدف الأنبياء على الأرض، هذا الأمر خاصٌّ بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
وهو المعنى الذي أشار له الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «حتَّى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان».
وهو ما أشارت له العديد من الروايات الشريفة، فقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الأئمَّة من بعدي اثنا عشر، أوَّلهم أنت يا عليُّ، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها»(19).
هذا وقد ذكرت بعض الروايات سبب تسميته (عجَّل الله فرجه) بالقائم، من قبيل ما جاء في رواية محمّد بن عجلان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: «... وسُمّي القائم لقيامه بالحقِّ»(20).
وفي رواية الصقر بن دلف، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: فقلت له: يا بن رسول الله، ولِـمَ سُمّي القائم؟ قال: «لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته»(21).
الصفة الرابعة: صاحب الأمر:
يُراد من صاحب الأمر: الإمام المفترض الطاعة، والأمر هو الإمامة بالجعل الإلهي، وهذا المعنى مشترك بين كل أهل البيت (عليهم السلام)، ومما يشهد لهذا المعنى ما روي عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فسألته عن صاحب الأمر من بعده، قال لي: «هو صاحب البهمة(22)، وكان موسى (عليه السلام) في ناحية الدار صبياً ومعه عناق مكية(23) وهو يقول لها: اسجدي لله الذي خلقك».
وعن الريان بن الصلت، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: «أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهما السلام). ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ [به] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(24).
وعن بنان بن نافع، قال: سألت علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك من صاحب الأمر بعدك؟ فقال لي: «يا بن نافع يدخل عليك من هذا الباب من ورث ما ورثته من قبلي وهو حجة الله تعالى من بعدي». فبينا أنا كذلك إذ دخل علينا محمد بن علي (عليه السلام)، فلما بصر بي قال لي: «يا بن نافع، ألا أحدثك بحديث؟ إنّا معاشر الأئمة إذا حملته أمه يسمع الصوت من بطن أمه أربعين يوماً، فإذا أتى له في بطن أمه أربعة أشهر، رفع الله تعالى له أعلام الأرض، فقرب له ما بعد عنه حتى لا يغرب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا ضارة، وإن قولك لأبي الحسن: مَن حجة الدهر والزمان من بعده؟ فالذي حدثك أبو الحسن ما سألت عنه هو الحجة عليك». فقلت: أنا أول العابدين، ثم دخل علينا أبو الحسن فقال لي: «يا بن نافع، سلم وأذعن له بالطاعة، فروحه وروحي روح رسول الله»(25).
وصار هذا اللقب ينصرف إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) زمن الغيبة الكبرى حاله حال بقية الصفات المتقدمة.
هذا وقد ورد في بعض الروايات وصفه بذلك، فقد روي عن نسيم خادمة أبي محمد (عليه السلام)، قالت: دخلت على صاحب هذا الأمر (عليه السلام) بعد مولده بليلة، فعطستُ عنده، قال لي: «يرحمكِ الله». قالت نسيم: ففرحت [بذلك]، فقال لي (عليه السلام): «ألا أبشرك في العطاس»؟ قلت: بلى، قال: «هو أمان من الموت ثلاثة أيام»(26).
الجهة الثانية: تشخيص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بين المعصومين (عليهم السلام):
ما سبق في الجهة الأولى يمثل بعض الصفات المشتركة بينه (عجَّل الله فرجه) وبين آبائه (عليهم السلام)، وفي هذه الجهة نذكر مشخصاته (عجَّل الله فرجه) التي تميزه عن غيره من المعصومين (عليهم السلام) من جهة، وتحدده بالضبط، بحيث ينقطع طريق التشويش والتمويه والمغالطات في تعيينه بالضبط.
وبعبارة أخرى:
إن بيان مشخصاته ومميزاته وضبطها، في الوقت الذي ينفع في تحديد هويته الشخصية، هو يقطع الطريق أمام المدعين للمهدوية بغير الحق، أو من يدّعي أن المهدي هو إمام ثالث عشر مثلاً، أو أنه السابع، وأمثال هذه الدعاوى، وسيتبين التفصيل عندما نذكر تلك المشخصات.
أمّا تلك المشخصات والمحددات، فهي كثيرة، ولكن سنختار مشخصاً واحداً منها، هو المشخص العددي، كونه لا يقبل الخطأ في الانطباق، ويحدد من هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
المشخص العددي الأول: إنه الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام):
تواترت الأحاديث عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأن بعده اثني عشر إماماً، وكلهم من قريش، وهو - العدد والحصر- ما لا ينطبق إلّا على أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد صرحت بعض ألفاظ هذه الأحاديث بأن المهدي (عجَّل الله فرجه) هو الثاني عشر منهم، وقد عقد الشيخ الكليني (رحمه الله) باباً في تلك الروايات وذكر فيه عشرين حديثاً، منها ما عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مِنْ وُلْدِيَ اثْنَا عَشَرَ(27) نَقِيباً نُجَبَاءُ مُحَدَّثُونَ مُفَهَّمُونَ، آخِرُهُمُ القَائِمُ بِالحَقِّ، يَمْلأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً»(28).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيه أَسْمَاءُ الأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ، آخِرُهُمُ القَائِمُ (عليه السلام)، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ وثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ»(29).
وعن سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها»(30).
المشخص العددي الثاني: الحادي عشر من وُلد أمير المؤمنين (عليه السلام):
فقد ورد عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ أَتَيْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَوَجَدْتُه مُتَفَكِّراً يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا لِي أَرَاكَ مُتَفَكِّراً تَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، أرَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا؟ فَقَالَ: «لَا والله، مَا رَغِبْتُ فِيهَا ولَا فِي الدُّنْيَا يَوْماً قَطُّ، ولَكِنِّي فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي الحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي هُوَ المَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وظُلْماً تَكُونُ لَه غَيْبَةٌ وحَيْرَةٌ»(31).
المشخص العددي الثالث: إنه التاسع من أولاد الحسين (عليه السلام):
فهو ينتسب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن طريق الإمام المحسين (عليه السلام)، مما يعني أنه من أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبالتحديد هو من أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) لا غيرها من زوجاته (عليه السلام).
وبذا ينقطع الطريق أمام من يدّعي أن المهدي هو محمد بن الحنفية مثلاً، كما ادّعت الكيسانية ذلك، وبتحديد أكثر، هو من أولاد الإمام الحسين (عليه السلام)، فليس هو من أولاد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، كما قد يُنسب ذلك إلى بعض العامة.
وهكذا يقطع هذا التحديد الطريق أمام دعاوى أمثال الفرقة الباقرية، وهم من ادعوا أنَّ الإمام محمد الباقر (عليه السلام) بأنّه هو المهدي.
أو الفرقة الناووسية، وهم الذين قالوا: إن جعفر بن محمد (عليهما السلام) حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمور الناس، وأنه هو المهدي (عجَّل الله فرجه).
أو الفرقة المباركية، التي نشأت بعد وفاة الإمام الصادق (عليه السلام)، وزعموا أنَّ الإمامة بعد الإمام الصادق (عليه السلام) كانت لمحمد بن إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام).
أو الفرقة الإسماعيلية، وهي من الفرق الباطنية التي انتسبت إلى إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام)، ولها امتدادٌ إلى هذا اليوم، ولها فرقٌ عديدة.
وهكذا لو ادّعى أحد أن المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً هو ابن الإمام الثاني عشر، وليس هو نفس الثاني عشر، فإنه يُرد بهذا التحديد المنضبط الذي لا يقبل الخطأ ولا التلاعب.
فكل هذه الفرق تبطل بهذا التحديد للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأنه التاسع من ولد الإمام الحسين (عليه السلام).
ومما دل على هذا المشخص، ما روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «... واختار من الحسين الأوصياء، يمنعون عن التنزيل تحريف الضالّين وانتحال المبطلين وتأول الجاهلين، تاسعهم باطنهم ظاهرهم قائمهم وهو أفضلهم»(32).
وعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «منّا مهدي هذه الأُمَّة الذي يُصلّي عيسى بن مريم خلفه»، قلنا: من يا رسول الله؟ قال: «هو التاسع من صلب الحسين، تسعة من صلب الحسين أئمَّة أبرار، والتاسع مهديهم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(33).
وقال الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): «... أما علمتم أنه ما منا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلّا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه، فإن الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير»(34).
ولو قيل: لعل المقصود من أحاديث (تسعة من صلب الحسين (عليه السلام)) هو التاسع من أولاد الحسين (عليه السلام) المولودين منه مباشرة، فيكون للإمام الحسين (عليه السلام) تسعة أولاد ولدوا من صلبه هو - لا ابنه وابن ابنه... - والأخ التاسع منهم هو المهدي (عجَّل الله فرجه)؟
فإنه يُقال: بالإضافة إلى أنه لم يدّع أحدٌ هذه الدعوى، فإن التاريخ لم يسجل للإمام الحسين (عليه السلام) تسعة أولاد ولدوا من صلبه.
المشخص العددي الرابع: السابع من ولد الخامس:
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: «من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله تعالى قيامُ قائمنا... المسمى باسمي... السابع من ولدي».
وحيث إن الإمام الباقر (عليه السلام) هو الإمام الخامس، فيكون السابع من بعده هو الثاني عشر، وهو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
المشخص العددي الخامس: الخامس من ولد السابع:
روي عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: «إذا فُقد الخامس من ولد السابع من الأئمة، فالله الله في أديانكم، لا يزيلنّكم عنها أحد»(35).
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديثه مع أمير المؤمنين (عليه السلام) شمل تعريفاً عددياً للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم، يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من ولد السابع من ولدك...»(36).
روي عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «من أقر بالأئمة من آبائي وولدي وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوته». فقلت: يا سيدي ومن المهدي من ولدك؟ قال: «الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه، ولا يحل لكم تسميته»(37).
والسابع هو الإمام الكاظم (عليه السلام)، فيكون الخامس من ولده هو الثاني عشر، وبذا تبطل دعوة الواقفية مثلاً، حيث ادّعوا أن المهدي هو نفس السابع.
المشخص العددي السادس: السادس من السادس:
في رواية عن أبي عبد الله (عليه السلام)...: «ذلك صاحبكم القائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، السادس من ولدي...»(38).
وحيث إن الإمام الصادق (عليه السلام) هو الإمام السادس، فيكون السادس من ولده هو الثاني عشر، وهو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحق، بقية الله في الأرض، و صاحب الزمان...»(39).
المشخص العددي السابع: الرابع من الثامن:
أحد الأساليب التي شخَّص بها الإمامُ الرضا (عليه السلام) الإمامَ المهدي (عجَّل الله فرجه) بطريقة التشخيص العددي الذي لا يقبل الشك ولا الريب، فقد روي عنه (عليه السلام) أنه قال: «لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية». فقيل له: يا بن رسول الله إلى متى؟ قال: «إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا»، فقيل له: يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: «الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء، يطهر الله به الأرض من كل جور، ويقدسها من كل ظلم، [وهو] الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه...»(40).
وفي رواية أخرى عن الريان بن الصلت، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: «أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهما السلام)، ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ [به] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(41).
المشخص العددي الثامن: توالي ثلاثة أسماء:
جاء تحديده (عجَّل الله فرجه) بأنه يأتي بعد أن تتوالى ثلاثة أسماء، هي: محمد وعلي والحسن، والمقصود من محمد هو الإمام الجواد (عليه السلام)، ومن علي ولده الإمام الهادي (عليه السلام)، ومن الحسن الإمام العسكري (عليه السلام)، وحينئذٍ يكون الرابع هو الإمام الحجة المنتظر (عجَّل الله فرجه).
وهذا ما ورد في عدة روايات، من قبيل ما روي عن أبي الهيثم بن أبي حبة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا اجتمعت ثلاثة أسماء متوالية: محمد، وعلي، والحسن، فالرابع القائم»(42).
وفي رواية ثانية عن أبي الهيثم التميمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا توالت ثلاثة أسماء: محمد وعلي، والحسن، كان رابعهم قائمهم»(43).
تنبيه:
تبين بهذا العرض السريع أن الروايات تحدد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) تماماً، بحيث لا يمكن الاشتباه أو وقوع الخطأ في تشخيصه، خصوصاً وأن العدد لا يقبل الخطأ - بالمعنى الذي تقدَّم -، إلّا أنَّه رغم ذلك، وُجدت تحديدات أخرى، تتنافى مع الثابت المتواتر من أن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المنصوص عليهم.
ويبدو أنها وُضعت لخدمة مآرب بعض المدّعين، وللتعمية على المؤمنين، ومن تلك التحديدات، التالي:
أولاً: اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي:
ورد هذا التحديد في بعض روايات العامة، مدّعين أن اسم الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) هو محمد بن عبد الله، كما هو اسم النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
الواقع هو أن حديث (اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) حديث ضعيف(44)، بل موضوع فيه، أي إنه قد زيد فيه.
وقد نقد بعض كبار علمائهم هذه الزيادة الموضوعة كالشافعي، حيث قال: (أخبرنا الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري في كتاب مناقب الشافعي ذكر الحديث، وقال فيه: (وزائدة في روايته) لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(45).
قلت [والكلام للشافعي]: وذكر الترمذي الحديث ولم يذكر قوله (واسم أبيه واسم أبي) وقال في مشكاة المصابيح: رواه الترمذي وأبو داود وليس فيه (واسم أبيه اسم أبي)(46). وفي معظم روايات الحفاظ والثقات من نقلة الأخبار (اسمه اسمي) فقط، والذي روى (اسم أبيه اسم أبي) (فهو زائدة، وهو يزيد في الحديث) والقول الفصل في ذلك أن الإمام أحمد مع ضبطه وإتقانه دوّن هذا الحديث في مسنده في عدّة مواضع (واسمه اسمي). انتهى قول الشافعي...(47).
وغيرها من نقاط الضعف الواضحة للمتمعّن المنصف.
وعلى كل حال، فقد استغل البعض هذا الحديث المكذوب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليحقق مآربه، ومن أولئك شخصان:
الأول: محمد المحض(48):
وهو محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن المجتبى المعروف بـ(المحض)، وقد ثار قبيل ظهور الدولة العباسية، وكان المنصور الدوانيقي من أنصاره؛ ليُسقط الدولة الأموية.
وممن بايعه على أنَّه المهدي: أبوه عبد الله بن محمد، والمنصور الدوانيقي.
وتذكر الروايات أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) أخبرهم بأنَّه ليس صاحب هذا الأمر، وأنَّه سيقتل، ولكنهم لم يصدقوه، بل البعض رماه بالحسد!
وقيل: إنَّه تاب، وكانت نهاية أمره كما تنبأ الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث قُتِل.
الثاني: الخليفة العباسي الملقب بالمهدي:
وهو محمد بن عبد الله المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي الملقب بالمهدي، وقد اتخذ من كون اسمه (محمد بن عبد الله) مبرراً لادِّعائه المهدية بالاستناد إلى نفس الحديث المبتدع عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وممن بايعه أبوه المنصور الدوانيقي، بل وكان يدعو إلى مبايعته على أنَّه هو المهدي.
ثانياً: ابن حميدة:
جاء في رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) تعريف الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بأنه ابن حميدة، وقد علّق الشيخ الطوسي بعج رفضه لها: بأن المقصود من حميدة هي المصفاة أُم الإمام الكاظم (عليه السلام)، وأن نسبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) إليها باعتبار أنها من أُمهات آبائه، فقد روي عن إسماعيل بن منصور الزبالي، قال: سمعت شيخاً بأذرعات(49) - قد أتت عليه عشرون ومائة سنة -، قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول على منبر الكوفة: كأني بابن حميدة قد ملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
فقام إليه رجل فقال: أهو منك أو من غيرك؟ فقال: لا بل هو رجل مني(50).
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): فالوجه فيه: أن صاحب (هذا) الأمر يكون من ولد حميدة وهي أُم موسى بن جعفر (عليه السلام) كما يقال: يكون من ولد فاطمة (عليها السلام)، وليس فيه أنه يكون منها لصلبها دون نسلها، كما لا يكون كذلك إذا نسب إلى فاطمة (عليها السلام)، وكما لا يلزم (أن يكون) ولده لصلبه وإن قال: «إنه يكون مني»، بل يكفي أن يكون من نسله(51).
على أن الرواية ضعيفة السند، لأنها رويت (عن شيخ بأذرعات)، فضلاً عن أن (إسماعيل بن منصور الزبالي) مجهول الحال، إذ لم يُذكر في كتاب الرجال(52).
وهكذا فإن (إبراهيم بن محمد بن حمران) لم يُذكر في كتب الرجال، فهو مجهول(53).
ويبدو أن هذه الرواية من موضوعات الواقفة، لدعم ما ذهبوا إليه من أن المهدي هو الإمام الكاظم (عليه السلام)، ويشهد لذلك أن الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) رواها ضمن الأخبار التي استدلوا بها على ذلك، حيث قال في بداية نقله لمجموعة من هذه الأخبار ما نصه: (فأمّا ما ترويه الواقفة فكلها أخبار آحاد لا يعضدها حجة، ولا يمكن ادعاء العلم بصحتها، ومع هذا فالرواة لها مطعون عليهم، لا يوثق بقولهم ورواياتهم وبعد هذا كله فهي متأولة.
ونحن نذكر جملاً مما رووه ونبيِّن القول فيها، فمن ذلك أخبار ذكرها أبو محمد علي بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه (في نصرة الواقفة))(54).
ونفس العلوي هذا مجهول الحال، سوى ما عرفناه من هذا النص عن الشيخ الطوسي بأنه من الواقفة، وقد قال فيه في مستدركات علم رجال الحديث ما نصه: علي بن أحمد العلوي الموسوي أبو محمد: لم يذكروه. له كتاب في نصرة الواقفة. نقل عنه الشيخ في كتاب الغيبة ص32 مكرراً إلى 46 وأجاب عن أحاديثه واحداً بعد واحد(55).
ثالثاً: سمي فالق البحر:
روى العلوي السابق بسنده عن محمد بن مروان، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رجل: جعلت فداك إنهم يروون أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال بالكوفة على المنبر: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً مني يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
فقال أبو جعفر (عليه السلام): «نعم»، قال: فأنت هو؟ فقال: «لا ذاك سمي فالق البحر»(56).
ومعلوم أن فالق البحر هو النبي موسى (عليه السلام) وأن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ليس من أسمائه ذلك، مما يعني أن المقصود من هذه الرواية أن المهدي الذي اسمه موسى هو الإمام الكاظم (عليه السلام)، مما يعني أنه من الأخبار الموضوعة لتقوية دعوى مهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام) التي كان يقول بها الواقفية، ولذلك ذكرها الشيخ الطوسي في الأخبار التي استُدل بها على ذلك(57).
ثم ذكر عدة أحاديث، ومنها الحديث المذكور، وعلق عليه قائلاً: فالوجه فيه: بعد كونه خبراً واحداً أن لسمي فالق البحر أن يقوم بالأمر ويملأها قسطاً وعدلاً إن مكن من ذلك، وإنما نفاه عن نفسه تقية من سلطان الوقت لا نفي استحقاقه للإمامة(58).
فتلخص من كل ما تقدم:
أولاً: أن التشخيص أمر مهم في تحديد المفهوم، وفي تحديد المصداق، منعاً للتداخل، أو الاشتباه، وهو ما يُحْكم غلْق الباب بوجه من يبغي التزوير أو التحريف أو استغلال الألفاظ لتطبيقها على مصاديق غير واقعية.
ثانياً: أن أهل البيت (عليهم السلام) في الوقت الذي اشتركوا في خصائص كثيرة، إلّا أن تلك الخصائص قد تنصرف إلى خصوص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) زمن الغيبة الكبرى، كونه هو إمام الزمان فيها.
ثالثاً: أن النصوص الروائية قد ذكرت مشخصات عديدة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، كان من أدقها تشخيصاً، وأكثرها تحديداً المشخصات العددية، والتي حدّدت المهدي بالثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، أو التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، وهكذا وجدنا المشخصات العددية مما لا يقبل الشك ولا الريب ولا التطبيق على غير الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي هو ابن الإمام العسكري (عليه السلام) الصلبي المباشر.
رابعاً: أن المشخصات العددية نافعة جداً في ردّ الدعاوى الفارغة والكاذبة التي تدّعي المهدوية، وكان مصداقها مما لا ينطبق عليه المحدِّد والمشخِّص العددي، فتبطل بذلك الكثير من الدعاوى تاريخياً، بل والمعاصرة.
الهوامش:
(1) إنما كانت خصائص بالقياس إلى غيرهم من الناس من غير المعصومين، ومشتركة بينهم كمعصومين (عليهم السلام).
(2) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص202، ب21، ح6.
(3) المزار لابن المشهدي: ص251.
(4) النجم الثاقب 1: 183؛ إلزام الناصب 1: 427.
(5) جمال الأُسبوع: 41.
(6) الاحتجاج 2: 318.
(7) الغيبة للنعماني: 85 و86، باب 4، ح12.
(8) الكافي للكليني: ج1، ص536، بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ (عليهم السلام) كُلَّهُمْ قَائِمُونَ بِأَمْرِ الله تَعَالَى هَادُونَ إِلَيْه، ح1.
(9) بحار الأنوار 51: 29، ح2؛ عن علل الشرائع 1: 161/ باب 129/ ح3.
(10) بحار الأنوار 51: 30/ ح7، عن الإرشاد 2: 383.
(11) بحار الأنوار 51: 30/ ح6، عن الغيبة للطوسي: 471/ ح489.
(12) جمال الأُسبوع لابن طاووس: 39.
(13) المزار للمفيد: 187.
(14) كامل الزيارات لابن قولويه: 516/ ح(801/2).
(15) الكافي للكليني ج1 ص536 بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ (عليهم السلام) كُلَّهُمْ قَائِمُونَ بِأَمْرِ الله تَعَالَى هَادُونَ إِلَيْه ح1.
(16) الكافي للكليني ج1 ص536 بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ (عليهم السلام) كُلَّهُمْ قَائِمُونَ بِأَمْرِ الله تَعَالَى هَادُونَ إِلَيْه ح2.
(17) انظر: على ضفاف الانتظار: الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي - ص207 رقم (81) بتصرف.
(18) أمّا ثبوت الولاية التكوينية لهم (عليهم السلام) فلا خلاف فيه، وأمّا التشريعية فعلى خلاف في أصل ثبوتها، وفي معناها بعد القول بثبوتها، يراجع في مظانه.
(19) أمالي الصدوق: 172 و173/ ح(175/11).
(20) بحار الأنوار 51: 30/ ح7، عن الإرشاد 2: 383.
(21) بحار الأنوار 51: 30/ ح4، عن كمال الدين: 378/ باب 36/ ح3.
(22) البهمة: ولد المعز أو ولد الضأن. [هامش المصدر].
(23) العناق: الأنثى من أولاد المعز قبل استكمالها السنة. [هامش المصدر].
(24) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص376، ب35، ح7.
(25) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج3، ص494.
(26) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص441، ب43، ح11.
(27) قال الحر العاملي (قدّس سرّه) في الفوائد الطوسية، ص136 وما بعدها ما نصه: أقول ظاهر هذه الأخبار بل الخبر الأول خاصة يستلزم كون الأئمة ثلاثة عشر ويرده النصوص المتواترة.
وتوجيهه بوجوه [وذكر وجوهاً خمسها أولها التالي]: منها: أن يحمل الولادة على الأعم من الحقيقة كما في الأحد عشر والمجازية كعليّ (عليه السلام) فإنه باعتبار دخوله في أمة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يجوز أن يطلق عليه أنه ولده فقد ورد في الحديث أنه قال: «يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة فمن عق والديه فعليه لعنة الله».
وأوضح من ذلك قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾. وقد نقل ان في مصحف ابن مسعود وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم.
(28) الكافي للكليني: ج1، ص534، بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ والنَّصِّ عَلَيْهِمْ (عليهم السلام): ح18.
(29) الكافي للكليني: ج1، ص532، بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ والنَّصِّ عَلَيْهِمْ (عليهم السلام)، ح9. وجاء في الهامش: ثلاثة منهم أي: من الأولاد لا من الجميع، فإن المسمى بعلي من الجميع أربعة.
(30) الأمالي للشيخ الصدوق: ص173، ح(175/11).
(31) الكافي للكليني: ج1، ص338، باب في الغيبة، ح7.
(32) المحتضر: 277.
(33) كفاية الأثر: 99.
(34) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص316، ب30، ح2.
(35) الغيبة للطوسي: ص337، ح284.
(36) كفاية الأثر للخزاز القمي: ص158.
(37) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص338، ب33، ح12.
(38) البحار: ج51، ص163؛ ومقتضب الأثر للجوهري: ص40.
(39) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص342، ب33، ح23.
(40) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص371 و372، ب35، ح5.
(41) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص376، ب35، ح7.
(42) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص333 و334، باب 33، ح1.
(43) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص334، باب 33، ح2.
(44) أي إنه لم يرد بسند صحيح أو موثق، بل إن بعض رجال سنده ضعيف لا يؤخذ برواياته.
(45) البيان للشافعي: ص482.
(46) مشكاة المصابيح: 3/24.
(47) هذا الجواب عن الحديث من مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
(48) ترجم له السيد الخوئي (قدّس سرّه) في معجم رجاله (ج17 ص249-250، رقم 11110) بما نصه: محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، أبو عبد الله المدني: ذكر ابن داود (1391) من القسم الأول والسيد التفريشي (481) والميرزا في رجاليه، والمولى القهبائي: عد الشيخ إياه في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وأنه قتل سنة (145) بالمدينة، وزاد ابن داود قوله: (الملقب بالنفس الزكية). والنسخة المطبوعة خالية عن ذكره.
ثم إن محمداً هذا ادّعى الخلافة، دعا الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) إلى بيعته، وتكلم معه بكلام غليظ حتى بلغ الأمر إلى أنه أمر بحبسه (عليه السلام)، وكان الصادق (عليه السلام) يعظه ويصرفه عما أراد، ويخبره بأن الأمر لا يتم له، ولكنه لم يصغ إلى ذلك، وأصر على ما أراد حتى انتهى الأمر إلى قتله، راجع الكافي: الجزء 1، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة (81)، الحديث 17.
وروى الصفار بإسناده، عن المعلى بن خنيس، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ أقبل محمد بن عبد الله بن الحسن فسلم، ثم ذهب، ورق له أبو عبد الله (عليه السلام) ودمعت عينه، فقلت له: لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع، قال: رققت له، لأنه ينسب في أمر ليس له، لم أجده في كتاب علي في خلفاء هذه الأمة، ولا ملوكها.
وروى عن عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عيسى، عن صفوان، عن العيص بن القاسم، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «ما من نبي ولا وصي ولا ملك إلّا في كتاب عندي، والله ما لمحمد بن عبد الله فيه اسم». بصائر الدرجات: الجزء 4، باب 2، في الأئمة عندهم الكتب التي فيها أسماء الملوك، ح6.
أقول: الروايات في أن محمداً هذا ادّعى الخلافة ولم ينته بنهي الإمام الصادق (عليه السلام)، حتى انتهى أمره إلى القتل متعددة...
(49) وهو بلد في أطراف الشام، يجاور أرض البلقاء وعمان... [معجم البلدان للحموي: ج1، ص130].
(50) الغيبة للطوسي: ص51، ح40.
(51) الغيبة للطوسي: ص52.
(52) مستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهرودي: ج1، ص671، الترجمة رقم 453 / 2021.
(53) معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج1، ص253، الترجمة رقم 259؛ ومستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهرودي: ج1، ص191، الترجمة رقم 435.
(54) الغيبة للطوسي: ص43.
(55) مستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهرودي: ج5، ص295، الترجمة رقم 9645.
(56) الغيبة للطوسي: ص46، ح30.
(57) الغيبة للطوسي: ص43.
(58) الغيبة للطوسي: ص46.