المسار:
الموعود » اعداد المجلة » العدد ١٣ / جمادى الآخرة / ١٤٤٣ هـ
لتصفح المجلة بـ Flsh
لتحميل المجلة كـ Pdf
العدد 13 / جمادى الآخرة / 1443 هـ

عناصر القوة في دولة آخر الزمان

عناصر القوة في دولة آخر الزمان

الشيخ ماهر الحجاج

مقدمة:
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادّون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن(1)، وصلى الله على سيد خلقه المبعوث رحمة للعالمين، محمد المصطفى وعلى آله أجمعين الطيبين الطاهرين.
الإنسان عندما خلقه الله تعالى على هذه الأرض، خلقه ضعيفاً فقيراً محتاجاً إلى من يعينه على سد احتياجاته من أبناء نوعه، كما يستفاد هذا من قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ﴾ (فاطر: 15)، فلذا نجده يبدأ بنسيج اجتماعي يوافق طبعه، فيبدأ من بيته، ثم محيطه - وبيئته - المتمثل بأفراد المجتمع، ثم يحاول الانفتاح على مجتمعات أخرى؛ لتبادل المنافع والتجارات، وهذا بدوره يفرز عدة أمور:
1 - تطور الصناعات لكسب أموال أكثر، وتعزيز قدرة المجتمع المصنّع وتفوقه على غيره.
2 - تطور الجانب التجاري وتوسعه إلى جوانب مختلفة، بحيث يتمكن أغلب أفراد المجتمع أن يكونوا أعضاء فاعلين في نمو التجارة المتداولة.
3 - تطور الجانب الإداري المجتمعي، المتمثل بنصب الحكام وطاقمه الحكومي، وذلك لحفظ أمن واستقرار المجتمع.
4 - ومن خلال الإفراز الثالث تنبثق فكرة الدول وسيادتها وما شاكل ذلك.
وهذا ما تختصره الكلمة المتداولة: (الإنسان مدني بالطبع)، والذي تشير إليه الآية الكريمة: ﴿وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا﴾ (الحجرات: 13).
ومن ثم انبثق التمدن وأُنشأت الدول والحضارات، وازدهرت الأمم، وذاقت الشعوب رفاهية العيش، ولكن ذلك لم يستمر ولم يدم للناس؛ بسبب اختلاف الحضارات وتعددها، واختلاف الحكّام وتجاذبهم فيما بينهم؛ وذلك أن كلاً منهم يريد أن يعلو على الجميع، لما تمليه عليه نفسه الأمّارة - وما يحثه الشيطان - عليه من الطمع والجشع ولو كان على حساب أرواح الناس الأبرياء، وهذا ما يدعو الشعوب إلى التقاتل وسفك الدماء.
إذن: كلما توسعت الحضارات وانتشرت - وتوسع العلم وفنونه وتطورت - كان النوع البشري هو الخاسر الأوّل والأخير، حيث هو بيده يزرع بذرة التحضر ثم تنعكس عليه نتائجها سلباً - في أغلب الأحيان - فيكوى بالنار التي أوقدها.
هذا ولا يُنكر فضل العلم وتطوره، وما تنعمت به البشرية في الآونة الأخيرة، من اختصار المسافات، وتلاقح الأفكار بين العالم أجمع، ولكن هذا كله عندما نتأمل فيه نجد الدافع إليه هو حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة.
ومن هنا ينبثق نور الرحمة لينتشل البشرية من براثن الإلحاد والظلم والتعسف ببعث الأنبياء، إلّا أن الأمر الجلي والذي لا خفاء فيه - على طول مسيرة الأنبياء - هو أنهم لم يصلوا إلى غاياتهم بالتمام والكمال، ولم يستطيعوا القيام بالدولة العادلة، ولعل أكثرهم مات قتلاً من دون إتمام عمره الطبيعي، ومن هؤلاء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة المعصومون (عليهم السلام) من بعده.
إلّا أن الحال ليس كذلك بالنسبة إلى إمامنا الحجة (عجَّل الله فرجه) الذي ينتظره المؤمنون حقاً، والذي ادّخره الله تعالى لكي يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، فإنّه (عجَّل الله فرجه) - كما هو الثابت في الآثار والأخبار - سوف يظهر بعد طول غيابه ويقيم الحق ويدحض الباطل بإقامة دولة الحق الكبرى، وعندها تشرق الأرض بنور ربها، وتنزل البركات على الناس، وإلى ذلك يشير ما ورد في دعاء الافتتاح: «اللهم اجعله الداعي إلى كتابك والقائم بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكّن له دينه الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمنا، يعبدك لا يشرك بك شيئاً.
اللهم أعزه وأعزز به، وانصره وانتصر به، انصره نصراً عزيزاً. اللهم أظهر به دينك وملة [وسنة] نبيك، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق.
اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة»(2).
والنقطة المهمة في هذا البحث هي: ما هي العوامل التي تتوفر في دولة آخر الزمان والتي تساعدها على القيام بقوة في قبال العالم بأسره، بحيث يستطيع الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه) من الحكم فيها طويلاً؟
أو قل بعبارة أخرى: ما هي عناصر القوة التي تقوّم بناء دولة آخر الزمان وديمومتها، بحيث يعيش الناس فيها سعداء قريري العين؟
وفي هذا البحث نحاول تسليط الضوء على أهم عناصر القوة في دولة آخر الزمان، وذلك لمعرفة بعض التفاصيل والنتائج المستفادة من خلال جمع العناصر مع بعضها، بحيث ننظر إليها نظرة مجموعية لا نظرة مفردة، فنكوّن من خلال ذلك صورة جديدة عن دولة آخر الزمان. والحمد لله رب العالمين.
العنصر الأوّل: القائد الإلهي:
من أهم العناصر المؤثرة في الدولة وقيامها هو القائد الفذ، فكلما كان القائد متصفاً بالكمال كانت قيادته ناجحة أكثر، وكلما كان فاقداً لصفات الكمال كانت قيادته فاشلة ودولته أفشل، وذلك للقاعدة القائلة: (إن فاقد الشيء لا يعطيه)، وكما قالت الآية الشريفة: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ (يونس: 35).
إذن: نجاح الدولة متوقف على وجود شخص صالح تتوفر فيه صفات القيادة وصفات الكمال، وفي المقام المفروض أن القائد والحاكم في دولة آخر الزمان هو الحجة بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه)، الذي حوى من صفات الكمال مما يجعل الحكومة تزدان به، ومن تلك الصفات:
1 - إنه إمام منصوب من الله تعالى ومفترض الطاعة؛ وذلك بقوله تعالى: ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30)، و﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ (البقرة: 124)، و﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ﴾ (آل عمران: 68).
ومنصوص عليه من قبل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام)، كما ورد في الروايات الكثيرة المتضافرة، ومنها:
ما ورد عن الأصبغ بن نباتة عن ابن عباس عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث طويل قال فيه: «... فالأئمة بعدي أولهم علي وآخرهم المهدي»(3).
وما ورد عن سيد العابدين علي بن الحسين، عن سيد الشهداء الحسين بن علي، عن سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم، الذي يفتح الله (تعالى ذكره) على يديه مشارق الأرض ومغاربها»(4).
وما ورد عن أبي حازم، عن سلمان الفارسي (رحمه الله) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الأئمة من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل، وكانوا اثني عشر»، ثم وضع يده على صلب الحسين (عليه السلام) وقال: «تسعة من صلبه، والتاسع مهديهم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فالويل لمبغضيهم»(5).
وما ورد عن سعد الإسكاف عن محمد بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من سرَّه أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة ربي التي وعدني - جنة عدن منزلي قضيب من قضبانه غرسه ربي (تبارك وتعالى) بيده فقال له: كن فكان - فليتول علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأوصياء من ذريته، إنهم الأئمة من بعدي، هم عترتي من لحمي ودمي، رزقهم الله فضلي وعلمي، وويل للمنكرين فضلهم من أمتي، القاطعين صلتي، والله ليقتلن ابني، لا أنالهم الله شفاعتي»(6).
وهذا المنصب وهو: (الخلافة الإلهية في الأرض)، والوصية الشرعية فيه، يعني أن له السلطة على كل شيء في هذا العالم، وكل شيء مسخر له، فلا تقف أمامه عقبة بتسديد الله تعالى كما سيتضح إن شاء الله.
ويعني أيضاً: أن الشخص المتصف بذلك عامل بأمر الله تعالى ومطيع له، وأن أفعاله مطابقة لشرعه تماماً، وليس لأحد عليه منّة في تنصيبه أو انتخابه، أو في إعطائه المنصب.
2 - وإنه معصوم؛ لأنه عِدل القرآن وحليف الهدى، حيث ورد في الرواية عن الريان بن الصلت عن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث طويل ذكر فيه احتجاجه على المأمون وبعض من حضر فورد فيه: ... فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا (عليه السلام): «الذين وصفهم الله في كتابه فقال (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب: 33]، وهم الذين قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم»(7).
ودلالة هذه الرواية على العصمة واضحة جداً؛ حيث إن الإمام الرضا (عليه السلام) استدل بآية التطهير التي هي نص في العصمة والطهارة، وبحديث الثقلين الوارد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي يدل على اتصال العترة الطاهرة إلى صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه)، بمعنى أن هذه الآية لم تنته عند حدود أصحاب الكساء الخمسة، بل هي تشمل كل الأئمة من ذرية الحسين (عليهم السلام).
ويدل أيضاً على عصمة الأئمة لأنهم عِدل القرآن، بقرينة عدم الافتراق والورود على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو على الحوض، ومعلوم أن أهل الجنة يردون الحوض، ومعلوم أن من لا يعصي أبداً هو من لم يفترق عن القرآن.
والعقل أيضاً يدرك لزوم عصمة الإمام المنصوب من الله تعالى؛ وذلك أن الله (عزَّ وجلَّ) أمر بطاعته وطاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وطاعة أولي الأمر الذين هم الأئمة مطلقاً، كما في الآية الشريفة: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 59).
وهي شاملة لكل الأئمة (عليهم السلام)، من حيث كونهم (عليهم السلام) أولي الأمر الذين افترض الله تعالى طاعتهم، كما ورد عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الأوصياء طاعتهم مفترضة؟ قال: «نعم، هم الذين قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وهم الذين قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ﴾ [المائدة: 55]»(8).
فلو كان الإمام غير معصوم - بمعنى أنه من الممكن أن يرتكب الذنب القبيح - لوجب على الناس اتباعه وطاعته حتى في ارتكاب الذنب القبيح، ولهم الثواب على ذلك؛ لأمر الله لهم بطاعته، ولكن اللازم باطل، وهو لزوم متابعته حتى في ارتكاب القبيح، لأن ذلك مخالف للنصوص الصريحة الواضحة القرآنية، ومنها:
﴿وَلا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (الأنعام: 151).
﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 28).
﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 33).
إذن: فالملزوم - وهو ان الإمام غير معصوم - باطل، وبنفس الدليل، إذ إن الله تعالى أبطل الشق الثاني وهو الأمر بالمعصية بعد أن كان هو منبع الخير والطهارة، كما في الآيات السابقة، وعليه فأمره المتقدم بالطاعة - في آية ﴿أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ - دال على أن أولي الأمر معصومون ومنزهون عن المعصية دائماً وأبداً، ويتضح الأمر أكثر مع الالتفات إلى آية التطهير(9).
وهذه الصفة تعني أن ما يفعله القائد والإمام المعصوم - المنصوب من السماء - هو حق لا ريب فيه، ويلزم الناس طاعته ومتابعته عليه، وأنهم يثابون وينالون رضوان الله تعالى على تلك الطاعة الخالصة.
وهذا يعني أن القيادة الإلهية في دولة آخر الزمان قيادة حقيقية، وقراراتها صائبة ومحكمة، فهي تضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ولا تحكم فيها الأهواء، ولا المحاباة، ولا الطائفية أبداً، فلذا نجدها تقوى وتتسع وتنتصر يوماً بعد آخر، حتى تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، إن شاء الله تعالى.
3 - وإنه عالم بكل شيء يحيط به، وعالم بمجتمعه وغيره، وعالم حتى بلغات البشر ولغات غيرهم من الجن والحيوان، وعالم بما كان وبما يكون، وهو ما تنص عليه الآية الشريفة: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ﴾ (يس: 12)، قال سدير الصيرفي: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وقد اجتمع على مالي(10) بيان فأحببت دفعه إليه، وكنت حبست منه ديناراً لكي أعلم أقاويل الناس، فوضعت المال بين يديه، فقال لي: «يا سدير خنتنا، ولم ترد بخيانتك إيانا قطيعتنا»، قلت: جعلت فداك وما ذلك؟ قال: «أخذت شيئاً من حقنا لتعلم كيف مذهبنا»، قلت: صدقت جعلت فداك؛ إنما أردت أن أعلم قول أصحابي، فقال لي: «أما علمت أن كل ما يحتاج إليه نعلمه وعندنا ذلك، أما سمعت قول الله تعالى ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ﴾، اعلم أن علم الأنبياء محفوظ في علمنا مجتمع عندنا، وعلمنا من علم الأنبياء، فأين يذهب بك»؟ قلت: صدقت جعلت فداك(11).
وتوجد روايات كثيرة تدخل تحت عموم هذه الآية الشريفة وإن كانت مواضيعها مختلفة:
منها: روايات نزول الملائكة في ليلة القدر على الأئمة (عليهم السلام)، قال هشام: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله تعالى في كتابه: ﴿فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 4]؟ قال: «تلك ليلة القدر، يكتب فيها وفد الحاج، وما يكون فيها من طاعة أو معصية، أو موت أو حياة، ويحدث الله في الليل والنهار وما يشاء، ثم يلقيه إلى صاحب الأرض»، قال الحرث بن المغيرة البصري: قلت: ومن صاحب الأرض؟ قال: «صاحبكم»(12).
وعن أبي الهذيل عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال: «يا أبا الهذيل، إنا لا يخفى علينا ليلة القدر، إن الملائكة يطوفون بنا فيها»(13).
ومنها: روايات عرض الأعمال عليهم (عليهم السلام)، فعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تعرض الأعمال على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - أعمال العباد - كل صباح أبرارها وفجّارها فاحذروها، وهو قول الله تعالى: ﴿فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: 105]» وسكت(14).
وعن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 105]، قال: «هم الأئمة»(15).
ومن أهم مقومات القائد هو العلم بكل من يحيط به القريب والبعيد، فهو على اطلاع كامل ودراية تامة بخصوصيات الناس وبالتفصيل، على ما بينه الله تعالى له في ليلة القدر وفي عرض الأعمال في كل يوم.
ولا يخفى ما لهذا العلم - وبهذا النحو من التفصيل - من أثر بالغ الأهمية على كيفية التعامل مع الناس كأفراد، ومع المجتمعات الداخلية في دولته (عجَّل الله فرجه)، والمجتمعات الخارجية التي في الدول الأخرى، ومع هذا العلم التفصيلي بكل شيء لا يحتاج معه الإمام (عليه السلام) إلى جهد استخباري أبداً، بل جهده الاستخباري هو ما يطلعه عليه رب السماوات والأرض.
ومن خلال هذا العلم يستطيع الإمام (عليه السلام) الإطاحة بكل المؤامرات التي تحاك للفتك بدولته المباركة، وهذا من خصوصيات دولة آخر الزمان التي يجري فيها حكم سليمان بن داود كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
4 - إنه (عليه السلام) مؤيد بـ(الرعب)، الذي كان قد أيد الله به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(16) في حروبه مع الكفار، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في عدة مواضع، منها:
قوله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً﴾ (آل عمران: 151).
وقوله: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَألقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ﴾ (الأنفال: 12).
وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ (الحشر: 2).
وقد بينت الروايات الشريفة الواردة عن بيت العصمة (عليهم السلام) أن إمامنا الحجة (عجَّل الله فرجه) مؤيد بالرعب مسيرة شهر، ومن تلك الروايات:
ما رواه حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث طويل ذكر فيه الإسراء والمعراج وذكر خطاب الله تعالى للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث، قال: «... ثم أخرج من صلبه ذكراً به أنصرك، وإن شبحه عندي تحت العرش، يملأ الأرض بالعدل ويطبقها بالقسط، يسير معه الرعب، يقتل حتى يشك فيه»(17).
وما رواه أبو حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: «لو قد خرج قائم آل محمد (عليهم السلام) لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله...»(18).
وما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «وتقبل رايات شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختمة في رؤوس القنا بخاتم السيد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها شهراً»(19).
وما رواه الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أصحاب القائم (عليه السلام)، قال: «وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين (عليه السلام)، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر»(20).
لا يقال: إن رواية الفضيل والتي قبلها تثبت التأييد بالرعب لأنصار الإمام (عجَّل الله فرجه) وليس للإمام نفسه، فلا داعي لذكرها هنا.
لأننا نقول:
1 - إن ما ورد في رواية أبي حمزة ورواية حماد بن عثمان المتقدمتين هما الفيصل في المقام، والمبين لنسبة التأييد إلى الإمام (عجَّل الله فرجه)، فيكفينا الاستدلال بهما لإثبات التأييد بالرعب للإمام (عجَّل الله فرجه)، فإذا كان أصحاب الإمام هذا شأنهم فللإمام (عجَّل الله فرجه) من باب أولى.
2 - ثم إن هؤلاء الأنصار هم أنصار الإمام (عجَّل الله فرجه)، فهم ليسوا بمعزل عنه (عجَّل الله فرجه) إذ هو معهم وفيهم، فثبوت التأييد بالرعب أولاً وبالذات للإمام (عجَّل الله فرجه)، وثانياً وبالعرض للأنصار.
3 - ومن الممكن أن يكون التأييد بالرعب لكليهما، أي: الإمام (عجَّل الله فرجه) وأصحابه، وليس ببعيد لما يُفهم من الآيات الشريفة(21).
وبعد معرفة أن الإمام (عجَّل الله فرجه) مؤيد هو وأنصاره بالرعب، بمعنى أن الرعب يسير معهم ويدخل في قلوب الأعداء قبل أن يصلوا إليهم، فمن الطبيعي أن يكون الأمن والسكينة والاطمئنان لأصحابه وأنصاره (عجَّل الله فرجه)، كما ينص عليه القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَألقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ (الأنفال: 12).
وقال: ﴿وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (الأنعام: 81 - 82).
وقال: ﴿الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 173-175).
ويؤيد هذا الروايات التي ذكرت أن الإمام (عجَّل الله فرجه) مؤيَّد بجبرائيل، وإسرافيل، وروح القدس، وغيرهم من الملائكة، كرواية أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: «لو قد خرج قائم آل محمد (عليهم السلام) لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرئيل أمَامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره»(22).
ولأهمية هذه القضية في نصر المؤمنين فقد ورد في لسان بعض الروايات الدعاء بإلقاء الرعب في قلوبهم أعداء الدين، ومنها:
ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث قال: «اللهم عذّب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويجحدون آياتك، ويكذبون رسلك.
اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم، وأنزل عليهم رجزك ونقمتك، وبأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين»(23).
وما ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعائه لأهل الثغور حيث قال: «واقطع عنهم المدد، وانقص منهم العدد، واملأ أفئدتهم الرعب، واقبض أيديهم عن البسط، واخزم ألسنتهم عن النطق»(24).
تنبيهات حول روايات مسيرة الرعب:
الأوّل:
إن هذه الروايات موافقة للكتاب، بل ومتعاضدة معه - لأن الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه) وأنصاره هم حزب الله وعيبته الذين وعدهم الله تعالى بأنهم ﴿هُمُ الغالِبُونَ﴾ (المائدة: 56)، وأنهم ﴿هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22)، وهم المؤمنون حقاً قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (الأنعام: 82) - حيث قال الله تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَألقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ (الأنفال: 12).
فمن جهة إثبات صحة صدورها من حيث الأسناد فمن الممكن أن يناقش فيها، إلّا أنها موافقة للكتاب العزيز قطعاً وبلا ريب، ومعلوم أن ما موافق الكتاب فهو قطعي الصدور(25) ولا نقاش في إثبات صدوره.
الثاني: إن هذه الروايات اختلف لسانها بالنسبة إلى تحديد مقدار مسيرة الرعب، ففي رواية حماد بن عثمان قال: «يسير معه الرعب» ولم يذكر له مقدار، بينما رواية أمير المؤمنين (عليه السلام) ورواية أبي حمزة ورواية الفضيل ورد فيها: «يسير الرعب أمامها شهراً»، أي: أن الرعب يدخل على من خالف الإمام (عليه السلام) وحاربه قبل أن يصل إليهم بشهر.
وإن اختلاف التعبير عن مسيرة الرعب لا يعني أن هناك نوعين من الرعب يدخلان على من ناوأ الإمام (عجَّل الله فرجه)، وذلك لأن الرعب والخوف أمر بسيط وهو: حالة من الهلع تنتاب الإنسان لأمر يحذر من وقوعه. نعم هو يقبل الشدة والضعف، وعليه فإنّه بناء على ما تقدم(26) تكون الروايات من باب الإجمال والتفصيل، بمعنى أن رواية حماد أجملت المطلب باختصار، بينما الروايات الأخرى بيّنت المطلب بالتفصيل، فإنّه وإن ورد في رواية حماد قوله: «معه»، فهو لا ينافي كونه يدخل الرعب على الأعداء قبل أن يصل إليهم بشهر، فمثل الرعب مثل المصباح الليزري الحديث الذي يضيء إلى مسافات بعيدة، فالمصباح وإن كان معك إلّا أن ضوءه في نفس الوقت يصل إلى أبعد نقطة، فلو لم يكن الرعب معهم فكيف يصل إلى من هم قاصدونه، فهو يسير معهم وأمامهم كضوء المصباح، لا بمعنى كونه شيئاً متشخصاً في الخارج.
وهناك أمر آخر يستفاد من هذه الروايات وهو: أن الرعب الذي يخالط الأعداء سار في كل نقاط مسيرة شهر، بمعنى أن الرعب لا يختص فقط بالنقطة التي تنتهي إليها مسيرة الشهر، بل الرعب يعم كل نقاط المسير من الابتداء وحتى الانتهاء، أي: لو فرضنا أن الإمام توجه من مكة إلى الكوفة فالخوف يسير أمامه مسيرة شهر، فإذا وصل الكوفة فإنّ ذلك لا يعني انتهاء التأييد بالرعب عند انتهاء المسير لا أبداً، بل حتى مع وصوله إلى غاية السير فالتأييد باق على حاله.
الثالث: ما هو المراد من كلمة: «مسير شهر»، هل المراد منها: مسيرة شهر على الأقدام ومجرد عن أي وسيلة نقل؟
أم المراد منها هو السير بمقتضيات السفر في ذلك الزمان، أي السفر على الدابة، وهي مختلفة السرعة، فإنّ السفر على الحمار أبطأ منه على البعير، وعلى البعير أبطأ منه على الفرس، فإنّ لكل منها مسافة محددة في قطع مسيرة شهر.
ومسيرة شهر بالسير العادي في ذلك الزمان تقدّر من المدينة المنورة إلى كربلاء المقدسة، كما نجده في مسيرة الإمام الحسين (عليه السلام) من المدينة إلى العراق، حيث قطع المسافة من المدينة المنورة إلى مكة في خمسة أيام، حيث خرج من المدينة في الثامن والعشرون من رجب، ودخل مكة في الثالث من شعبان، ثم خرج من مكة في الثامن من ذي الحجة، ودخل كربلاء في الثاني أو الثالث من المحرم، (5 + 25 = 30) أو (29) يوماً تقريباً، كما ذكره بن كثير(27).
أم المراد منها هو السير بما يقتضيه زمان الظهور الشريف، حيث هو زمان التطور التكنلوجي، فوسائل النقل فيه متعددة ومختلفة في السرعة والبطء أيضاً، فأبطأها الدراجة الهوائية، ثم السيارة الاعتيادية، وهكذا إلى أن تصل إلى أسرعها وهي الطائرة.
والتحقيق: أن القطع والبت في هذه القضية - وتحديد أي نحو من السير والوسيلة التي يقطع بها الطريق - أمر محيّر للغاية، وذلك أننا لا نمتلك المعلومة الكافية عن زمان الظهور المقدس، هل هو زمان ازدهار وتطور بحيث يتمكن الإنسان من استخدام آلات متطورة كما الحال الآن، وهو الذي قد يتبادر إلى الذهن؟ أم هو زمان خراب وتعطيل لكل شيء، وذلك بعد حلول الكوارث الطبيعية كالسيول والزلازل وظهور الشمس من المغرب وغير ذلك، فلا يتمكن الإنسان من استخدام الآلات المتطورة الحديثة، فهو مضطر إلى الرجوع إلى وسائل النقل البدائية.
ويمكن أن يدعى في المقام - بقرينة زمان صدور النص -: أن الاقرب هو مسيرة شهر بالسفر في الوسائل البدائية المتعارفة في ذلك الزمان، كالسفر بركوب الخيل وغيرها، وعليه مسيرة شهر تكون من المدينة المنورة إلى كربلاء المقدسة تقريباً.
نعم يمكن أن يكون ذكر «مسيرة شهر» كناية عن دخول الرعب في قلوب الأعداء على بعد المسافة بينهم وبين الإمام (عليه السلام)، أي قبل أن يصل إليهم، وليس المراد منها معناها الحرفي الذي هو بالنسبة إلينا مجمل ومبهم كما تقدم بيانه.
الرابع: بعد أن عرفنا بعض التفاصيل المتعلقة بمسيرة الرعب مع الإمام (عجَّل الله فرجه) وأنصاره، يبقى سؤال مهم وهو: هل أن الرعب يسير باتجاه واحد وهو جهة الأمام، كما يستفاد من رواية الفضيل حيث ورد فيها: «يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر»، أم أن الرعب يسير من كل الاتجاهات الأربع؟
والذي يجيب عن هذه السؤال هو ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: «... والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله»(28)، وهذا يعني أن الرعب يسير في كل الاتجاهات الأربعة.
وهذا النص لا يصطدم مع رواية أمير المؤمنين (عليه السلام) ورواية الفضيل حيث ذكرتا جهة (الأَمام) دون غيرها من الجهات؛ وذلك أن رواية الفضيل لم تنف الجهات البقية أبداً، وإنما عيّنت جهة واحدة وتركت الباقي، فإن المتعارف هو: أن السير إنما يكون إلى الإمام وليس إلى الخلف، وخصوصاً في زحف العساكر، فمن الطبيعي أن ينسبق الذهن إلى أن الرعب الذي يسير معهم للنصر يسير أمامهم لا خلفهم.
ولكن المتأمل في قضية تأييد الإمام (عجَّل الله فرجه) بالرعب، يجد أن هذا التأييد غير محدد بجهة واحدة، بمعنى أنه (عجَّل الله فرجه) لو حدد التأييد بجهة الإمام (عجَّل الله فرجه) واتجه الإمام غرباً، فالرعب يدخل على الأعداء في الغرب دون غيرهم، وهذا يعني أن أعداءه (عجَّل الله فرجه) الذين على يمينه أو شماله أو خلفه سوف يأمنون ولا يخافون، وإذا زال عنهم الخوف قويت شوكتهم، واقتربوا من النيل من الإمام (عجَّل الله فرجه) وأنصاره الأبطال، وهذا خلاف التأييد من قبل الله تعالى بالرعب، وعليه الأصح هو دخول الرعب عليهم في كل الاتجاهات، وجهة الأَمام إنما ذُكرت في الروايات من باب أبرز المصاديق.
والذي يؤيد هذا أكثر ما ورد في رواية حماد، حيث قال: «يسير معه الرعب»، فإنّ المعية تقتضي دخول الرعب على الأعداء من كل جانب، وهو ما تثبته رواية أبي حمزة.
الخامس: إن ما ورد في الروايات من أن الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه) مؤيد بالرعب فإنها خاصية تفرد بها الإمام (عجَّل الله فرجه) وجده الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولم نعثر على نص - حسب تتبعنا المحدود - يثبت هذه الصفة لأحد من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وهو أمر مهم جداً في حسم المعارك، وكسب الانتصار، ورفع معنويات المؤمنين المقاتلين.
العنصر الثاني: أنصار الإمام (عجَّل الله فرجه):
إن كل ثورة مهما كانت صغيرة أو كبيرة يوجد فيها عنصران فاعلان:
الأوّل: هو قائد الثورة، وقد تقدم الكلام عنه في العنصر الأوّل.
والثاني: أنصاره وأعوانه، أو قل: الثوار، وهم من يعين القائد في حركته وثورته.
وهذا أمر بديهي الثبوت، وقد أشار إليه سيد المتقين (عليه السلام) بقوله: «لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها»(29)، حيث بيّن فيها هذين العنصرين بوضوح تام.
فأنصار الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه) الحقيقيين - الذين تواترت الروايات على أن عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر - هم العنصر المهم في تثبيت دولة الدول في آخر الزمان.
وعليه فيلزمنا الوقوف عندهم، والتأمل في النصوص الشرعية الواردة فيهم، حيث ذكرت أوصافهم بنحو دقيق، وليس للباحث طريق إلى التعرف عليهم سوى تلك النصوص؛ لأنهم بالنسبة إلينا من الأمور الغيبية، والمتكهن فيهم خارج تلك الروايات لا يدرك الصواب.
وعندما نرجع إلى الروايات نجدها تتناول ذكرهم من عدة محاور:
المحور الأوّل: صفاتهم الشخصية:
1 - إنهم شباب وقليل منهم كهول، كما ورد في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «شباب لا كهول فيهم إلّا كالكحل في العين»(30).
2 - إنهم يحملون سيوفاً مكتوباً عليها أسماؤهم وأنسابهم وحليتهم(31)، بل هذه السيوف ليست سيوفاً عاديّة حسب الظاهر، وإنما هي واحدة من مصادر العلوم لدى قادة الجيش المبارك، حيث ورد في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «عليهم سيوف مكتوب عليها ألف كلمة، كل كلمة مفتاح ألف كلمة»(32).
3 - إنهم ليسوا من بلاد واحدة، بل هم من بقاع مختلفة من الأرض، يجمعهم الله تعالى بإذنه وقدرته في مكة، فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يجمع الله له من أقاصي البلاد، على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً»(33).
وهذا يعني اختلافهم بالشكل، واللون، واللسان، والطبائع، والعادات، وغير ذلك، ولكنهم مع هذا كله تجدهم متفقين ومتوافقين أيضاً، تسود جميعهم الرحمة كما أشرنا إليه سابقاً، بل الرواية تبيّن حالهم من التوافق ما هو فوق التصور، حيث ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كأنهم من أب واحد، وأم واحدة»(34)، بمعنى أنهم متآلفون ومتعارفون ومتوافقون كأفراد العائلة الواحدة.
4 - هناك عدة آيات من القرآن الكريم ذكرها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في بيان أوصاف أنصار الإمام (عجَّل الله فرجه) وبعض ما يتعلق بهم، ومن ذلك:
أ - قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكافِرِينَ﴾ (المائدة: 54)، كما ورد وصفهم بذلك في الرواية الشريفة عن سليمان بن هارون العجلي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾ [الأنعام: 89] وهم الذين قال الله فيهم: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكافِرِينَ﴾ [المائدة: 54]»(35)، وهذه الآية تقرر ثلاثة أمور:
الأوّل: إن الآية تؤكد الوعد الإلهي الذي وعده نبيه بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (التوبة: 33)، وقوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾ (غافر: 51)، وقوله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرضِ﴾ (القصص: 5)، فإنّ هؤلاء الأنصار هم الوعد الذي ورد في هذه الآيات، بقرينة الآية التي ذكرناها: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ﴾.
وهذا أمر مهم جداً، لأن الله تعالى إذا وعد لا يخلف الميعاد، فمجيء الأنصار أمر واقع لا محالة، فهو من الحتميات التي لا ترديد فيها.
الثاني: والمقطع الثاني من الآية يؤكد على حقيقة غاية في الأهمية وهي: أن هؤلاء القوم الذين سوف يأتي الله تعالى بهم ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾، وهذه الخصوصية لم تثبت لأحد بالنص إلّا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)(36) حيث قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار»(37).
ونتيجة هذا الحب الإلهي لهذه الثلة الطاهرة هي: أن الله تعالى يعطيهم كل شيء سألوه، ويجعل لهم الكرامة في الدارين، وهو يتولى أمورهم بحيث لا يقدمون على أمر إلّا ولله فيه رضا، فيؤيدهم بنصره ﴿يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾ (الطلاق: 4)، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الله (عزَّ وجلَّ) في حديث قدسي قال فيه: «وما تقرب إليَّ عبدٌ بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إليَّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته»(38).
الثالث: ثم تؤكد الآية على أمر ثالث مهم جداً في تلاحم المجتمع وتراص صفوفه هو: المحبة فيما بينهم والألفة والإخاء والتراحم، والشدة على الكفار: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكافِرِينَ﴾ (المائدة: 54)، كما ورد في قوله تعالى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: 29)، وقوله: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ﴾ (الصف: 4)، فقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة»(39).
وهذا العنصر مهم جداً في كون أصحابه كقطعة نسيج واحدة تزين بعضها ببعض، وبها يكون هؤلاء كالجبل الأشم لا تهزه العواصف، ولا تؤلمه القواصف.
ب - قوله تعالى: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾ (الأنعام: 89)، وهذه الآية الشريفة - التي يذكرها الإمام الصادق (عليه السلام)(40) في حق أنصار الإمام (عجَّل الله فرجه) - تقرر حقيقة اعتقاد وإيمان أنصار الإمام (عجَّل الله فرجه) بالإسلام الحقيقي وعدم كفرهم به، فإنهم مؤمنون حقاً من حيث الاعتقاد بتوحيد الله، بمعنى أنهم لا يشركون بالله حتى على مستوى المعصية ﴿وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ (يوسف: 106)، ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (النحل: 99 - 100)، فالشيطان بعيد عنهم وليس له عليهم سلطان، كما تنص عليه الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وهم وحّدوا الله حق توحيده»(41).
ومن حيث العبادة أيضاً فهم غاية في الطاعة لله تعالى، حيث يصومون نهارهم ويقومون ليلهم، كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لهم في الليل أصوات كأصوات الثواكل من خشية الله تعالى، قيام في ليلهم، وصوّام في نهارهم»(42).
ج - قوله تعالى: ﴿قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ (هود: 80)، كما ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: «﴿قُوَّةً﴾: القائم، والـ﴿رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾: ثلاث مائة وثلاثة عشر أصحابه»(43).
فهذه الآية تقرر قوة وشجاعة وسطوة أصحاب الحجة (عجَّل الله فرجه)، فإنهم شجعان كالليوث المغضبة، لهم قلوب كالحديد في القوة والصلابة، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف شجاعة الأنصار: «كأنهم ليوث قد خرجوا من غاب، قلوبهم مثل الحديد، لو أنهم هموا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها»(44).
د - قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ العَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ (هود: 8)، هذه الآية أيضاً تقرر قضيتين:
الأولى: الوعد الإلهي بمجيء الأمة القوية التي بها ينتصر الله لدينه، ويبسط الحق والعدل على هذه البسيطة، كما تقدمت الإشارة إليه في ذيل الآية الأولى.
والثانية: إن هذه الأمة التي توعد بها الله الظالمين محددة بعدد خاص وهو: (ثلاثمئة وثلاثة عشر)، لا يزيدون ولا ينقصون فهم ﴿أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) حيث قال: «... يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، قال: وهم والله الأمة المعدودة»(45).
هـ - قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ (البقرة: 148)، وهذه الآية الشريفة تشير إلى كيفية اجتماع أصحاب القائم (عجَّل الله فرجه)، حيث يجمعهم الله من الأقطار المختلف فيأت بهم جميعاً، وهذه نازلة في أصحاب الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه) كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبراني، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً، يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه»، قلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيمانا؟ قال: «الذي يسير في السحاب نهاراً، وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية: ﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: 148]»(46).
ومن مجموع هذه الآيات وما ورد في بيانها نستخلص عدة صفات الأصحاب الإمام (عجَّل الله فرجه)، وهي:
1 - إنهم وعد الله المحتوم الذي لابد منه.
2 - إنهم يحبهم الله ورسوله ويحبون الله ورسوله، بمعنى أنهم الصفوة من المؤمنين.
3 - إنهم رحماء بينهم متآلفون، أشداء على الكفر والكافرين، لا يجاملون على حساب دينهم أبداً.
4 - إنهم مؤمنون حقاً وحقيقةً، وعلى حد تعبير الروايات «محضوا الإيمان محضاً»(47).
5 - إن لهم من الشجاعة والقوة ما لو أقبلوا بها على إزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها.
6 - إن عددهم محصور برقم خاص (ثلاثمئة وثلاثة عشر)، لا يزيدون عليه ولا يقلون، فهم أمة معدودة.
المحور الثاني: محلهم من دولة الإمام (عجَّل الله فرجه):
إن الروايات تؤكد أن هؤلاء الأنصار - الذين تقدم وصفهم - هم ليسوا من الأنصار العاديين، وإنما هم القادة الأفذاذ الذين يفتح بهم الله الأرض بأسرها، فهم غير الجيش الذي يقاتل بإمرة الإمام (عجَّل الله فرجه)، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): «فهم أصحاب الألوية»(48)، فهم النواة الأولى وحجر الأساس في بناء دولة آخر الزمان، حيث لا يخفى ما للقادة المخلصين من أثر في بناء دولة آخر الزمان.
المحور الثالث: كيفية اجتماعهم في مكة:
عندما نتأمل في الروايات الواردة في أنصار الإمام (عجَّل الله فرجه) والتي تتحدث عن اجتماعهم ولقائهم الإمام (عجَّل الله فرجه)، نجدها تذكر ذلك في عدة نقاط، منها:
النقطة الأولى: دعاء الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه)، فإذا دعا باسم الله اجتمع له أصحابه كما ورد في الرواية الشريفة عن الإمام الصادق (عليه السلام): «دعا الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمئة وثلاثة عشر»(49).
وهذه الرواية فيها احتمالان يتوجهان إلى زمان دعاء الإمام (عجَّل الله فرجه):
الأوّل: إن هذا الدعاء متقدم زماناً على تحرّك أنصاره من بلدانهم نحو مكة، فيكون هذا الدعاء هو علّة اجتماعهم عنده (عجَّل الله فرجه)، فيكون فقد المفقود من على فراشه أو مشي من مشى على السحاب هو بإذن الإمام (عجَّل الله فرجه) وببركة دعائه.
والثاني: إن هذا الدعاء متأخر عن خروجهم من بلدانهم واجتماعهم في مكة، فلا يكون هذا الدعاء هو علة لخروجهم، بل يكون علة لاجتماعهم عنده في البيت الحرام في ساعة واحدة من غير ميعاد، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
فالرواية مرددة بين هذين الاحتمالين، والثاني أقرب إلى ظاهر الرواية، والأوّل لا ينافيه إلّا في طول الزمان وتقدمه، فمن حيث كون الدعاء علة لاجتماع الأنصار عنده فهما متفقان، وهذا يكفي في المقام مع الغض عن طول الزمان وقصره، أو تقدّمه وتأخره، المهم أن الدعاء متقدم على اجتماعهم عنده (عجَّل الله فرجه).
النقطة الثانية: إن مجيء الأنصار هو بنحو متفرق زرافة تلو أخرى، وهذا ما استفاضت به الروايات بأنهم: «قزع كقزع الخريف»(50)، كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «ثم يجتمعون قزعاً كقزع الخريف من القبائل، ما بين الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة»(51).
النقطة الثالثة: إن وصول الأنصار إلى مكة - على اختلاف بلادهم وبعد مدنهم - له طرق متعددة:
أ - بعضهم يشد رحال السفر نحو مكة ويسافر كما يسافر الناس عندما يرى العلامات اجتمعت، كما ورد في الرواية: «فمن كان ابتلي بالمسير وافى في تلك الساعة»(52)، ولم تذكر الروايات كم يستغرقون من الزمان في سفرهم هذا.
ب - وبعضهم يفقد من فراشه ليلاً، أي إذا أوى إلى فراشه ونام تلك الليلة نقله الله بقدرته إلى مكة، وهو ما فسرت به الآية الشريفة: ﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ (البقرة: 148) في الروايات العديدة(53).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد، فيصبحون بمكة»(54).
وهذه الرواية فيها إشارة إلى عدة أمور:
الأوّل: إن قوله (عليه السلام): «شباب الشيعة على ظهور سطوحهم»، لا يعم جميع أنصار الإمام (عجَّل الله فرجه)، حيث لا عموم فيها، وخصوصاً إذا ضممنا إليها ما يلي من الروايات وما تقدم، حيث إن بعض الروايات فصّلت في ذلك فذكرت أن بعضهم يسافر إلى مكة، وبعضهم يفقد على فراشه، وبعضهم يمشي على السحاب، فيتضح أن هذه الرواية شاملة لبعض دون البعض الآخر من الأصحاب.
الثاني: فقدهم ليلاً ووصولهم صباحاً إلى مكة، وقد يكون معنى «فيصبحون بمكة» هو: أنهم عندما يفقدون في الليل من فراشهم يصلون في نفس الوقت الذي فقدوا فيه، فيكونون في مكة منذ الليل أو فجر اليوم التالي، فعندها يسفر الصبح عليهم وهم في مكة.
الثالث: إن نومهم كان نوم الفقراء وليس نوم المترفين؛ وذلك أنهم ينامون فوق سطوح دورهم، ولم يناموا داخل البيوت الفارهة المكيفة، وهذا ما يشير إلى أنهم من الطبقة الفقيرة، أو لعله كناية عن المتعارف.
الرابع: اجتماعهم بغير موعد مسبق، ولا تنسيق بينهم أبداً.
ج - وبعضهم يأتي مشياً على السحاب حتى تراه الناس وهو أفضلهم، فقد ورد عن المفضل بن عمر عن الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبراني، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً، يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه»، قلت: جعلت فداك، أيهم أعظم إيماناً؟ قال: «الذي يسير في السحاب نهاراً»(55).
النقطة الرابعة: ثم بعد أن يصل الجميع إلى مكة المكرمة، فإنهم يلتقون ويجتمعون عند الإمام في المسجد الحرام في ساعة واحدة ومن دون موعد مسبق، فقد ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف»(56).
المحور الرابع: ابتلاء أنصار الإمام القائم (عجَّل الله فرجه):
إن أصحاب الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه) مع ما لهم من المقام السامي والمنزلة الرفيعة والإيمان التام، كما بيناه سابقا، إلّا أنهم لم يسلموا من قانون التمحيص والاختبار، وذلك لا لنقص فيهم أو عيب، وإنما الدار التي نحن فيها هي دار اختبار وامتحان حتى لو بلغ الإنسان من الإيمان أعلى المراتب، كما قال الله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (هود: 7؛ الملك: 2).
وهذا المعنى من الابتلاء العام ورد في عدة من الروايات:
منها: ما ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «والله لتمحصن، والله لتميزن، والله لتغربلن حتى لا يبقى منكم إلّا الأندر»، قلت: وما الأندر؟ قال: «البيدر، وهو: أن يدخل الرجل فيه الطعام يطيّن عليه، ثم يخرجه قد أكل بعضه بعضاً، فلا يزال ينقيه ثم يكنّ عليه، ثم يخرجه حتى يفعل ذلك ثلث مرات، حتى يبقى ما لا يضره شيء»(57).
ومنها: ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) - أيضاً - أنه قال: «... لابد للناس من أن يمحّصوا ويميزوا ويغربلوا، ويخرج من الغربال خلق كثير»(58).
إذن: أصحاب الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه) غير مستثنين من قانون الابتلاء والغربلة.
ولكن ابتلاء كل بحسبه، فابتلاء الأنصار خاص وفي مرحلة مسيرة الفتوح، كما يفهم من الروايات التي ذكرت أصحاب داود (عليه السلام) - الذين كان عددهم ثلاثمئة وثلاثة عشر(59) - عندما أخذهم لقتال جالوت، حيث أنبأهم داود وهم أثناء المسيرة بأن الله تعالى مبتليهم بنهر، كما ورد في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى القَوْمِ الكافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ﴾ (البقرة: 249 - 251)، ومن تلك الروايات ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) حيث قال: «إن أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالى: ﴿مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾، وإن أصحاب القائم (عليه السلام) يبتلون بمثل ذلك»(60).
وهذه العبارة التي في ذيل هذه الرواية وهي: «يبتلون بمثل ذلك»، تفتح لنا باب البحث عما سيبتلى به أصحاب الإمام (عجَّل الله فرجه)، وهذا الأمر يلجئنا إلى التأمل في الآيات التي ذكرت قصة طالوت والتي تقدم ذكرها، فقد ورد فيها عدة أمور:
الأمر الأوّل: الابتلاء بالنهر الذي لا يجوز لهم الشرب منه.
الأمر الثاني: إن أصحاب داود (عليه السلام) - بالنسبة إلى النهر الذي ابتلوا به - صاروا على ثلاثة أقسام:
1 - بعضهم شرب من النهر حتى ارتوى منه.
2 - وبعضهم شرب غرفة واحدة منه دون أن يرتوي كاملاً.
3 - وبعضهم لم يشرب منه ولم يطعمه أبداً.
الأمر الثالث: إن داود (عليه السلام) تبرأ من الذين شربوا من النهر، ونسب من لم يشرب بنفسه.
الأمر الرابع: ونتيجة الشرب من هذا النهر هي: أنهم تكاسلوا وتخاذلوا عن نصرة داود في مقارعة جالوت.
وعندما نمحص هذه الأمور التي تكلمت عنها الآيات الشريفة بالنسبة إلى أصحاب داود (عليه السلام) وتطبيقها على أصحاب الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه)، نجد عندنا عدة أمور التي تحول عن السقوط في هذا الاختبار:
1 - درجة الإيمان التي يمتلكها أصحاب القائم (عجَّل الله فرجه)، كما تقدمت الإشارة إليه في بيان قوله تعالى: ﴿فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾ (الأنعام: 89)(61)، كما تنص عليه الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وهم وحّدوا الله حق توحيده»(62)، فإنهم من الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.
وهذا أمر مهم جداً في اجتياز عقبة الابتلاء بهذا النهر، حيث إن النهر من مغريات الحياة الدنيا التي نهاهم الإمام عن اقترابها، وهو من خطوات الشيطان، فيجتازونه بلا سقوط؛ لأنهم يعلمون ما هي خطوات الشيطان وكيف تكون.
إذن: إن أصحاب الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه) وإن ابتلوا بهذا النهر فهم لا يشربون منه.
ويتفرع على ذلك: إن الإمام (عجَّل الله فرجه) لا يبرأ منهم، بل يبقى هو منهم وهم منه.
ويتفرع عليه أيضاً: إنهم لا يتكاسلون ولا يجبنون عن ملاقاة العدو، قلوبهم كالحديد وهم كالليوث المغضبة لا تهم بشيء إلّا نالته.
2 - ورد في الروايات: أن الإمام (عجَّل الله فرجه) عندما يسير بأصحابه إلى القتال يحمل معه حجراً منه شربهم وأكلهم وسقي دوابهم، كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) حيث قال: «إذا خرج القائم (عليه السلام) من مكة ينادي مناديه: ألا لا يحملن أحد طعاماً ولا شراباً، وحمل معه حجر موسى بن عمران (عليه السلام)، وهو وقر بعير، فلا ينزل منزلاً إلّا انفجرت منه عيون، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآناً روي، ورويت دوابهم، حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة»(63).
وعليه فإنّ أصحاب القائم (عجَّل الله فرجه) لا يبالون ولا يعبؤون بهذا النهر الذي يبتلون به بعد وجود هذا الحجر معهم، الذي يلبي كل احتياجاتهم من حيث المأكل والمشرب، فلا يبقى لهم مجال للميل إلى ذلك النهر.
هذا ولكن قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية: «حتى ينزلوا النجف من أرض الكوفة» يوقف الباحث متأملاً في هذه الغاية التي تنتهي في الكوفة:
فهل هي غاية لحمل الحجر معهم، بمعنى أنهم إذا خرجوا إلى مكان أخر ليفتحوه وانطلقوا من الكوفة - مثلاً - لا يحملونه معهم أبداً؟
أم هي غاية للنهي عن حمل الزاد والطعام في هذا السفر الذي ينتهي في الكوفة، بمعنى أن الإمام (عجَّل الله فرجه) وأصحابه إذا خرجوا إلى القتال من الكوفة جاز لهم حمل بعض الزاد والطعام وإن كان الحجر معهم؟
فإن كان غاية لحمل الحجر - وكان النهر في طريقهم الواقع بين مكة والكوفة - صح الكلام المتقدم، وهو أنهم في غنى عن الشرب من النهر بعد اصطحابهم لذلك الحجر المبارك، فيجتازون هذه العقبة بسهولة.
وأمّا إذا كان ذلك النهر الذي وعدوا بالابتلاء به ليس في هذا المسير - وهو الطريق الواقع بين مكة والكوفة - وإنما يبتلون به في أحد الأسفار الأخرى التي ينطلقون بها بعد استقرارهم في الكوفة، والمفروض أن الحجر غير محمول معهم، فيقع الابتلاء والتمحيص في ذلك النهر، حيث يكونون محتاجين إلى الماء لرفع الظمأ وإرواء الدواب.
ولكنهم يجتازون النهر مع كل هذه الحاجة الملحّة للماء بإيمانهم وببصيرتهم، كما تقدمت الإشارة إليه.
وأمّا إذا كان ذلك القول غاية لحمل الطعام والشراب، بمعنى أنهم إذا سافروا من الكوفة إلى أي مكان أخر جاز لهم حمل الزاد معهم، هذا مع حملهم للحجر المبارك معهم، وعليه فالقضية تكون أسهل في اجتياز ذلك النهر؛ حيث إن لديهم طريقين للاستغناء عن ذلك النهر:
أ - الحجر المحمول معهم.
ب - والزاد الذي اختاروه لأنفسهم.
يبقى شيء واحد لتصحيح الابتلاء - على هذا الفرض الأخير - وهو: أن ينفد كل زادهم من الطعام والشراب، ولا يأذن الله لهذا الحجر بأن ينبع منه الماء في تلك المنطقة التي فيها النهر، فتشتد حاجة الأصحاب إلى الماء، فعندما يصلون إلى ذلك النهر المنهي عنه يمحصون ويبتلون به مع حاجتهم الشديدة إليه.
ولكنهم مع هذا كله يجتازون هذا الاختبار بجدارة، بما يمتلكونه من إيمان حقيقي وصلب بالله تعالى كما بيناه سابقاً.
العنصر الثالث: الوعد الإلهي:
إن الله (عزَّ وجلَّ) إذا وعد عباده بشيء فإنّه ﴿لا يُخْلِفُ المِيعادَ﴾ (آل عمران: 9؛ الرعد: 31)، كما بينه (جل شأنه) في الكتاب العزيز وبمضامين مختلفة(64)، بمعنى أن الله إذا قطع على نفسه وعداً معيناً فإنّه سوف يفي به ولو بعد حين، فلا يخلفه ولا يتنصل عنه، لأن خلف الوعد ناجم عن أحد أمور:
أ - إمّا أنه - والعياذ بالله تعالى - كان يكذب على الناس.
ب - وإمّا أنه - والعياذ بالله تعالى - نسي وعده.
ج - وإمّا أنه - والعياذ بالله تعالى - ليس له القدرة على الوفاء به.
د - وإمّا أنه - والعياذ بالله تعالى - وعد عبثاً وامتنع تشهياً.
والكل باطل؛ لأن الله تعالى منزه على الكذب، لقوله: ﴿قَوْلُهُ الحَقُّ﴾ (الأنعام: 73) والكذب من الباطل، وخلف الوعد من صفات الشيطان، كما ورد في قوله تعالى في حكاية كلام إبليس عندما يخاطب اتباعه في جهنم: ﴿وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ (إبراهيم: 22)، وهو قبيح في حد نفسه.
وأيضاً: إن الله (جلَّ جلاله) لا ينسى أبداً؛ حيث قال: ﴿وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ (مريم: 64).
وأيضاً: فإنّه الغني المطلق، والذي هو على كل شيء قدير ﴿إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 20)، فلا ضيق في قدرته، ولا يعجزه إتيان متعلق وعده والوفاء به.
وأيضاً: إن الله تعالى إنما يفعل لغاية وحكمة فلا عبث ولا تشهّي في ساحة قدسه: ﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنعام: 83).
إذن: إن الله تعالى إذا وعد بشيء وفى به، ولكن وفاءه تابع لمشيئته، فمتى شاء صدر الوفاء بالوعد، فهو (عزَّ وجلَّ) لا يخلف ميعاده أبداً، لأن خلف الميعاد من صفات النقص، مع أن الله تعالى كامل وغني مطلق.
وقد ورد في القرآن الكريم وعود من الله تعالى بأشياء مختلفة، وواحد من أهم الوعود في القرآن هو: أن الله تعالى وعد نبيه والمؤمنين بالنصر وإظهار الحق والوراثة للأرض وغير ذلك في آخر الزمان وأنه وعد حق و﴿غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ (هود: 65)، وقد بيّنها أهل البيت (عليهم السلام) بأنها عند ظهور الإمام الثاني عشر وهو قائم آل محمد (عجَّل الله فرجه) في عدة من الروايات، فمنها:
1 - قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105).
هذه الآية المباركة تشير إلى الوعد الإلهي في نهاية هذا العالم، وهو: أن زمام الأمور سوف تكون بيد عباد الله الصالحين، وأنهم سوف يظهرون بكل قوة ويقيمون دولة الحق بعد ما ظلموا وقهروا، وهذا معنى وراثتهم للأرض.
وإن هذا الوعد قد أثبته الله تعالى في الكتب السماوية السابقة على القرآن الكريم كزبور داود (عليه السلام)، وورد هذا الوعد عند اليهود في التوراة(65)، وعند المسيح في الإنجيل أيضاً(66)، بل هي موجودة حتى عند الزرادشتية(67).
وتؤكد هذه الآية بضميمة الروايات أن المراد من قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ في هذه الآية هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأصحابه، كما ورد عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾: هم أصحاب المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان»(68).
وأيضا ورد عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «إن ذلك وعد للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض»(69).
قال علي بن إبراهيم القمي: وقوله: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾، قال: «الكتب كلها ذكر»، و﴿أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾، قال: «القائم (عليه السلام) وأصحابه»(70).
ولو قيل في هذه الروايات: إنها مرفوضة سنداً فلا يمكن الاعتماد عليها في تفسير الآية.
قلنا: إن هذه الروايات معتضدة بالروايات المتواترة معنى في أن الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه) وأنصاره سوف يأتون في آخر الزمان ويقيمون دولة الحق، ولا يمكن لأحد أن يناقش في تواتر تلك الروايات؛ حيث إن عددها فاق حد التواتر، وعليه فهذه الروايات لا غبار عليها، بل هي موافقة للكتاب العزيز، فهي معتبرة بلا ريب.
ولو قبلنا تلك المقالة تنزلاً، فإننا يكفينا - في بيان العنصر الثالث من عناصر القوة - ما ورد في صريح هذه الآية من الوعد الإلهي بحكومة عباد الله الصالحين، فتكون الروايات مؤيدة لها، فينقطع الكلام.
2 - قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص: 5 - 6).
هذه الآية الشريفة أيضاً تؤكد الوعد الإلهي بالمنِّ على الذين استضعفوا في هذه الأرض، وأن الله تعالى سوف يجعلهم خلفاء في الأرض ويمكِّن لهم في كل شيء، وأنه تعالى سوف يري الطغاة من هؤلاء ما لم يحتسبوا، كغلبتهم وهدم عروشهم وزوال ملكهم.
وقد ورد في تفسير هذه الآية عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا: «إن هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان ويبيد الجبابرة والفراعنة، ويملك الأرض شرقاً وغرباً، فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً»(71).
3 - قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ﴾ (غافر: 51).
وقوله: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ (الصافات: 171-173).
وقوله: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغالِبُونَ﴾ (المائدة: 55 - 56).
وقوله: ﴿أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22).
هذه الآيات الشريفة تؤكد على الوعد الإلهي بالنصر والغلبة لأنبيائه ورسله وللمؤمنين على الطغاة بشكل تام، بحيث تكون لهم السطوة في الأرض، وبهم تكسر شوكة الكفر وأهله، وينتعش الإسلام وأهله.
فهذه النصوص الشريفة تؤكد النصر والغلبة والفلاح لحزب الله المؤمنين به حق الإيمان، والمطيعين له حق الطاعة، وإلّا في الحقيقة هم ليسوا حزباً كباقي الأحزاب المنظّمة، وإنما الله تعالى أطلق عليهم ﴿حِزْبُ اللهِ﴾.
وقد ورد - في بيان زمان النصر الموعود به المؤمنون - في الرواية عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ﴾ [غافر: 51]، قال: «ذلك والله في الرجعة، أما علمت أن أنبياء الله كثيراً لم ينصروا في الدنيا وقتلوا، وأئمة قد قتلوا ولم ينصروا، فذلك في الرجعة»(72).
4 - قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (الصف: 8 - 9).
وقوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ﴾ (التوبة: 32).
وقوله: ﴿لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ الباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾ (الأنفال: 8).
هذه الآيات المباركة تشير إلى أن الدين الإسلامي - الذي جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو دين الهدى والصلاح، الذي واجهه الكفار بالرفض والمحاربة، وسعوا جاهدين لإبطاله وقتل كلمة الحق - شاء الله له أن لا يبطل ولا يندرس وأن ينتشر، بل وأكثر من ذلك فإنّه تعالى وعد نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأن الإسلام سوف يكون هو الدين الظاهر والعالي على كل الديانات، رغماً على أنوف الكفرة والمعارضين له.
وهذا ما تؤكده جملة من الروايات المستفيضة بقولهم (عليهم السلام): «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً»(73)، فإنّ الامتلاء بالعدل هو عبارة أخرى عن انتشار الإسلام وبطلان الكفر وأهله.
وقد ورد تفسير هذه الآية ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا﴾ في عدة من الروايات بأنها في القائم المنتظر (عجَّل الله فرجه)، ومن ذلك:
ما رواه محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) أنه قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ﴾؟ قال: «يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) بأفواههم»، قلت: ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾؟ قال: «والله متم الإمامة؛ لقوله (عزَّ وجلَّ) ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا﴾ [التغابن: 8] فالنور هو الإمام»، قلت: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ﴾؟ قال: «هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه، والولاية هي دين الحق»، قلت: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾؟ قال: «يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم»، قال: «يقول الله: ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ ولاية القائم، ﴿وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ﴾ بولاية علي». قلت: هذا تنزيل؟ قال: «نعم، أمّا هذا الحرف فتنزيل، وأمّا غيره فتأويل»(74).
ومنها: ما ورد عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]، فقال: «والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافر بالله العظيم، ولا مشرك بالإمام، إلّا كره خروجه حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله»(75).
ومنها: ما قاله الشيخ الطوسي في التبيان: (وفي الآية دلالة على صدق نبوته (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنها تضمنت الوعد بظهور الإسلام على جميع الأديان، وقد صح ظهوره عليها، وقال أبو جعفر (عليه السلام): «إن ذلك يكون عند خروج القائم (عليه السلام)»)(76).
إذن: لا ريب ولا شك في أن الله تعالى قد وعد نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كتابه الكريم في عدة من الآيات المختلفة لساناً والمتحدة مضموناً، بأن الله تعالى سوف يظهر دين الإسلام، وينصر المؤمنين ويجعلهم خلفاء في الأرض، ويكسر شوكة الكافرين ويذلهم شر ذلة على يد وليه المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وهذا الوعد واقع لا محالة.
العنصر الرابع:
من الأمور المهمة التي تحصل زمان الظهور هي الرجعة، والتي تعني: رجوع بعض الأموات إلى الدنيا بعد خروجهم منها بالموت، وهم الذين محضوا الإيمان محضاً، أو محضوا الكفر محضاً(77).
وقد دلت عليها الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة الشريفة، كما ورد في قصة نبي الله أيوب (عليه السلام)(78)، وعزير (عليه السلام)، وأصحاب الكهف(79) وغيرهم.
وقد أوضحت الروايات الرجعة بالتفصيل، ومن ذلك ما ورد عن أبي محمد - يعني أبا بصير - قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «ينكر أهل العراق الرجعة»؟ قلت: نعم، قال: «أما يقرؤون القرآن ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً﴾ [النمل: 83] الآية»(80).
وقد حددت الروايات الذين سوف يرجعون في زمان الظهور المبارك، ومنهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(81) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)(82)، وأصحاب الحسين (عليه السلام)(83)، وقيامهم ببعض المهام لتثيبت أركان دولة آخر الزمان، كالخوض في الحروب دفاعاً عن الدين(84)، والحكم في بعض بقاع الأرض(85) وغير ذلك.
إذن: واحد من أهم عناصر القوة في دولة آخر الزمان هو: رجوع المعصومين إلى الدنيا بعد أن فارقوها بالموت أو القتل، وذلك من أجل تعضيد حكومة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) عند القيام بالأمر إن شاء الله تعالى.
فإذا كانت الدولة يديرها إمام معصوم مفترض الطاعة ومبسوط اليد، وكان معه أيضاً عدة من آبائه الماضين المعصومين أيضاً، كانت تلك الدولة في منتهى القوة والرصانة.
وهذا الأمر يزداد قوة لو لاحظنا نزول عيسى (عليه السلام)، وظهور الخضر (عليه السلام)، وغيرهم من الأنبياء والصالحين.
العنصر الخامس: منجزات دولة آخر الزمان:
من أهم عناصر القوة في الدولة هي منجزاتها التي تخدم بها أبناءها ورعاياها، وكلما كانت المنجزات حقة وحقيقية وتمس واقع الناس وأمنهم، كانت الدولة قد نفذت إلى قلوب الناس، وصار الناس العاديون هم من يدافع ويقوّم الدولة، ولذا نجد النجاح تلو النجاح يسجل لدولة الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه)، وما ذلك إلّا لما يراه الناس في ذلك الزمان من الإنجازات الباهرة، ومن تلك الإنجازات:
المنجز الأوّل: كسر شوكة الكفر والنفاق، فإنّ الكفار والمنافقين، وأهل المعاصي، وأصحاب رؤوس الأموال، والمتنفذين، والأحزاب البعيدة عن الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هؤلاء وغيرهم ممن عاثوا في الأرض فساداً، سوف لا يكون لهم موطئ قدم في دولة آخر الزمان، وذلك لأنها دولة الأخيار ولا مجال فيها للفجار وغيرهم من الأشرار، كما يستفاد من قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «والله لو أن الوضيع في قعر بئر لبعث الله (عزَّ وجلَّ) إليه ريحاً ترفعه فوق الأخيار في دولة الأشرار»(86)، وهذه الدولة التي يحكمها الإمام (عجَّل الله فرجه) هي دولة الأخيار فلا مجال للأشرار فيها أبداً.
هذا مضافاً إلى ما ورد في دعاء الندبة: «أين قاصم شوكة المعتدين، أين هادم أبنية الشرك والنفاق، أين مبيد أهل الفسوق والعصيان والطغيان، أين حاصد فروع الغي والشقاق، أين طامس آثار الزيغ والأهوال، أين قاطع حبائل الكذب والافتراء، أين مبيد العتاة والمردة، أين مستأصل أهل العناد والتضليل والإلحاد، أين معز الأولياء ومذل الأعداء»(87)، فتصل الحالة من الذل والهوان للكفار يتمنون أن يكونوا تراباً كما في قوله تعالى: ﴿يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً﴾ (النبأ: 40)، وعندها لا يجدون من يأويهم ولا أحد ينجيهم، فيسخّر الله عليهم كل شيء حتى الحجر كما في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يزال الحجر والشجر يقول: يا مؤمن تحتي كافر اقتله»(88).
فإذا تم إقصاء كل ذوي الأهواء والمحتالين وغير المخلصين عن السلطة، وإبادة الكفر وأعلامه، استقرت الدولة وعاش الناس في أمان وسلام.
ومن جراء هذه الحملة لتصفية الكفر وكسر شوكته، فلا يفكّر أحد بالاعتداء على هذه الدولة، أو الاعتداء على الآخرين؛ لأن الحساب فيها عسير للغاية.
المنجز الثاني: هو إجراء حكم داود وسليمان (عليهما السلام)، أي: الحكم على الباطن وما خفي على الناس من دون أن يقام على الدعوى حجة وبينة، وهذا الحكم لم يتح لاحد من الأئمة قبل الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه)، فإنّه (عجَّل الله فرجه) يحكم بعلمه لا بالبينة التي يجوز عليها الكذب والاشتباه عقلاً، وهذا ما نطقت به عدة من النصوص:
عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: «... ثم يأمر منادياً فينادي: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان (عليهما السلام)، لا يسأل على ذلك بينة»(89).
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «... ويبعث الله الريح من كل واد تقول: هذا المهدي يحكم بحكم داود ولا يريد بينة»(90).
وهذا معناه: أن المجرم ينال جزاءه العادل بأسرع وقت، ولا يشفع له أنه من الفرقة الفلانية أو الحزب الفلاني، أو مخادعة الناس بأنه تاب أو عساه أن يتوب.
ولا يخفى ما لهذا الأمر من أثر عظيم على إجراء القصاص وسرعته من المجرمين، والقضاء على الفساد ومادته، بحيث يعم الأمان على البشر، وينعمون بدولة لا مثيل لها أبداً.
المنجز الثالث: انتعاش المجتمع اقتصادياً بعد أن عانى مرارة العيش وقساوته، فبإذن الله تعالى تخرج الكنوز، وتظهر الأرض بركاتها، وتنزل السماء قطرها، فتنبت الأرض وتثمر الأشجار ببركة الإمام (عجَّل الله فرجه)، كما ورد في عدة من الروايات:
منها: ما ورد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «... يرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدخر الأرض من نباتها شيئاً، ويكون المال كدوساً، قال: يجيء الرجل إليه فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل»(91).
ومنها: ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عدداً»(92).
ومنها: ما ورد عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال فيه: ... ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولا خرجت الأرض نباتها»(93).
ومنها: ما ورد عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «... إذا قام قائمنا فإنّه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن، البر منهم والفاجر»(94).
إذن: تصل الحالة في العطاء من الأموال للمحتاجين أن تحثى حثواً ولا تعد عداً كما في الرواية السابقة، وهذا ما يعرب عن انتعاش اقتصاد الدولة المهدوية بشكل لا نظير له.
وهذا الانتعاش الاقتصادي هو من أهم ركائز قوة الدولة العالمية، وقد بسطنا الكلام في ذلك في مقال مستقل تقدم في هذه المجلة المباركة(95).
المنجز الرابع: توحيد العالم على الدين الإسلامي الحنيف، فإنّه من أهم ما يقوم به إمامنا المنتظر (عجَّل الله فرجه)، حيث ينشر الإسلام فيعلو على كل الأديان، وهو ما وعد به الله تعالى في قوله: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (الصف: 8 - 9)، فإذا ظهر الدين الحق وتربع على عرش الأديان، بطلت كل البدع المخترعة، وانهارت صروح الضلالة والغواية، واندحر الكفر والنفاق، فيعيش الناس سعداء بنعمة الإسلام وبظل أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا ما يشير إليه قولهم (عليهم السلام): «يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
فعندما تتوحد البشرية تحت راية الإسلام فإنّ ذلك يعني بطلان كل المسميات والتحزبات والتكتلات، فيكون المجتمع ﴿صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ﴾ (الصف: 4)، ويكون أيضاً ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: 29)، فعندها يكونون هم حزب الله الغالبون(96) والمفلحون(97).
فإن الوحدة والإخاء وسيادة دين الإسلام وحكمه، هي من أهم أسباب نجاح الدولة وقوتها وثباتها وتفاني الناس فيها، ولكنه على العكس من التفرقة والتحزب، فإنّه يكون من أهم أسباب ضعف وانهيار الدولة، وتفرق الناس وتشتتهم عنها، فتبقى دولة فارغة المعنى، وفاقدة لأهم نواة وقاعدة تقوم عليها، ألا وهي الرعية والمجتمع الذي تحكمه.
وهذا ما يؤكده القرآن الكريم، حيث نجده يحث على الوحدة والألفة والمحبة والتلاحم والوقوف صفاً واحداً أمام الكفر وأهله، وينهى عن التفرق والتحزب، ويعد ذلك من أسباب الضلال والابتعاد عن الدين، لأن الدين واحد حيث ورد: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ﴾ (آل عمران: 19)، وأمّا التحزبات فهي من السبل التي سوف تتفرق بأهلها ولا توصلهم إلى شاطئ الأمان أبداً، ومن تلك الآيات:
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام: 153).
وقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (الأنعام: 159).
وقوله: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (المؤمنون: 53).
وقوله: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ﴾ (القصص: 4).
قوله: ﴿وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (الروم: 31 - 32).
فإن هذه الآيات صريحة بأن الفرقة والتحزب هي عنصر فاعل في ضعف المجتمع والدولة القائمة عليه.
المنجز الخامس: هو قتل إبليس وانتهاء أمده في ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه)، وهو اليوم المعلوم، فإنّ الله تعالى عندما أمر إبليس بالسجود وعصى، طرده من الجنة، فعندها طلب إبليس من الله (عزَّ وجلَّ) أن يعطيه مهلة وفرصة بأن لا يميته إلى يوم القيامة، فلم يوافق الله تعالى على هذا الأمد وإنما أعطاه فرصة إلى الوقت المعلوم، كما ورد في قوله تعالى: ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾ (الحجر: 36-38؛ ص: 79-81).
وقد جاء بيان المراد من قوله: ﴿يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾ في الروايات الشريفة:
منها: ما ورد عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إبليس قوله: ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾ أي يوم هو؟ قال: «يا وهب، أتحسب أنه يوم يبعث الله تعالى الناس؟ لا، ولكن الله (عزَّ وجلَّ) أنظره إلى يوم يبعث الله (عزَّ وجلَّ) قائمنا، فإذا بعث الله (عزَّ وجلَّ) قائمنا فيأخذ بناصيته ويضرب عنقه، فذلك ﴿يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾»(98).
وفي رواية أخرى(99): «إن الذي يقتله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بعد ما تدور بينه وبين أمير المؤمنين (عليه السلام) حرب ضروس، فعندها يأتي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويطعنه بحربة من نور فيقتله».
وهذه الروايات وإن اختلف لسانها في صيغة قتل إبليس، ومن يقتله، وكيفية قتله، إلّا أنها متفقة على أن إبليس يقتل في زمن الظهور المبارك، وتنتهي حياة الملعون الغوي الرجيم.
ولكن لا يوجد في الروايات ما يدل على أنه بقتل إبليس سوف ينتهي الشر ويبطل تماماً، ولا يبقى في الدنيا إلّا الخير والصلاح، وذلك لأمور، منها:
1 - إن الإمام (عجَّل الله فرجه) إنما يحكم في الدنيا وهي دار بلاء واختبار، فإذا زال الشر مطلقاً صارت الدنيا ليست بدار اختبار أصلاً.
2 - إن لإبليس جنوداً كثيرة وشياطين متعددة، فلو قتل رئيسهم بقى أعوانه من شياطين الجن والأنس أحياء، وقد يؤدون بعض أدوار كبيرهم ولو بنحو جزئي.
3 - هذا مضافاً إلى وجود النفس الأمارة بالسوء عند الناس.
قد يقال: إذن ما هي فائدة قتل إبليس وهزيمته مع جيشه؟ فإذا كان الشر حتى بعد قتل إبليس موجوداً وباقياً فقتله وعدمه سيان؟
نقول: الأمر ليس كذلك، فإنّ الشر ليس مناطاً بشخص إبليس الكبير ذاته، حتى إذا قتل زال الشر، وإنما هو كان يرأس الشر وأهله، فإذا قتل الرئيس بقى أعوانه من الجن والإنس فهم يؤدون بعض أدواره كما ذكرناه سابقاً.
ثم إن إبليس طلب من الله تعالى المهلة في الأجل فأعطاه أجلاً طويلاً جداً يمتد إلى أيام دولة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، فهو أجل محتوم لا يمكن تغييره، فالفائدة هي إجراء وعد الله الحق.
ويمكن أن يؤول حال الشياطين الباقية - من أعوانه من الجن والإنس - أسرى مقيدين ببعض الأغلال التي تمنعهم من أذى الناس بالشكل الذي كانوا عليه أيام المهلة وقبل الأسر، فيكون حالهم كما هو في زمان سليمان بن داود (عليه السلام) حيث جعلهم يعملون تحت إمرته ولا يمكنهم معصيته، ومن عصاه فيجد العذاب أمامه ماثلاً، كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ﴾ (الأنبياء: 82).
وعليه فإذا قتل إبليس بطل كيده وسحره وما حاكه للناس من المكائد، وزال مع زواله الكثير من السوء والفحشاء وقتل النفوس البريئة، فعندها تشرق ﴿الأَرضُ بِنُورِ رَبِّها﴾ (الزمر: 69) ويسعد المؤمنون، وتنكسر شوكة الظلم وأهله، فيصيرون من الذل ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ﴾ (إبراهيم: 43)، فيكون الندم بادياً عليهم كما قال تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها﴾ (الكهف: 42)، وقال: ﴿وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ (آل عمران: 119).
وهذا الحال من العناصر المهمة جداً في قوة دولة الدول في آخر الزمان؛ حيث يعز فيها الأولياء ويذل فيها الأعداء.
خاتمة:
إذا شاءت الأقدار وتوفرت شرائط الاقتدار، وأراد الناس أن ينهضوا بأعباء الدولة العادلة أو شبه العادلة، فعليهم أن يوفروا أسبابها ومقوماتها الأساسية التي لا بد منها، وهي كالتالي:
1 - توفر الأنصار المؤمنين بالله ورسوله المستميتين في سبيله.
2 - أن تكون الحكومة عادلة وصارمة، لا يأخذها في الله لومة لائم في إقامة العدل، فهو يبسط على الجميع، فالحاكم والرعية سواء أمام الحق والعدل والقانون بلا تفاوت أبداً، فلا حصانة دبلوماسية لأحد على حساب آخر.
3 - فإذا جد منهم ذلك جاءهم نصر الله، وفتح لهم وعليهم أبواب السماء والأرض بالرحمة والبركة، ولكن بشرط أن يكون ذلك في زمان ملك قوم انقضى أجله، فإنّه إذا لم ينقض أجل الملك لم يستتب الأمر أبداً، كما نص عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث قال: «يا علي، إن إزالة الجبال الرواسي أهون من إزالة ملك مؤجل لم تنقض أيامه»(100).
4 - يحب أن يكون للدولة منجزات ملموسة ظاهرة ينعم بها الجميع، مثل استتباب الأمن وتحسين الوضع المعاشي والاقتصادي للناس، وإزاحة الفساد وأهله عن وجه الدولة.
5 - ومن الملفت للنظر في حكومة الإمام (عجَّل الله فرجه) أنه لم يتكئ على أي دولة في ظهوره أبداً، ولم يجعل لأحد يداً للأخذ بزمام أموره، بل يبدأ بنهضته المباركة كما بدأ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) متوكلاً على الله، ومستمداً منه العون والنصر، فلا يستطيع أحد أن يملي عليه ما يريد أبداً.
فهذه أهم عناصر القوة في الدولة المباركة التي وعد الله تعالى عباده بظهورها في آخر الزمان.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد آله الطاهرين.

الهوامش:

(1) نهج البلاغة خطبة (1): 2.
(2) مصباح المتهجد: 581.
(3) الاختصاص: 223- 224، ينابيع المودة 3: 254 / 59، شرح إحقاق 5: 91.
(4) أمالي الصدوق: 173 / 175 /11.
(5) كفاية الأثر: 47.
(6) بصائر الدرجات: 70 / 7؛ الإمامة والتبصرة: 42.
(7) أمالي الصدوق: 615- 616 / 843/1.
(8) الكافي 1: 189 / 16.
(9) الأحزاب: 33.
(10) في البحار: ج47، ص130: [اجتمع إليّ ماله فأحببت دفعه إليه].
(11) مناقب آل أبي طالب: ج3، ص354.
(12) بصائر الدرجات: 241 / 4.
(13) بصائر الدرجات: 241 / 5.
(14) الكافي 1: 219 / 1.
(15) الكافي 1: 219 / 2.
(16) ورد عن إسماعيل الجعفي: أنه سمع أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحل لي المغنم، ونصرت بالرعب، وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشفاعة». [أمالي الصدوق ص 285 / 315 / 6].
وروى البرقي في المحاسن والكليني في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) رواية قريبة المضمون من الرواية إسماعيل، المحاسن 1: 287 / 431؛ الكافي 2: 17 / 1.
(17) كامل الزيارات: 547-549 / 840 / 12.
(18) الغيبة للنعماني: 234 / 22؛ مختصر بصائر الدرجات: 212.
(19) مختصر بصائر الدرجات: 200.
(20) مستدرك الوسائل 11: 114 / 12556 / 7.
(21) الأنفال: 12.
(22) الغيبة للنعماني: 234 / 22؛ مختصر بصائر الدرجات: 213.
(23) من لا يحضره الفقيه 1: 432 / 1263.
(24) الصحيفة السجادية: 96.
(25) كما ذكره الشيخ الطوسي في الاستبصار 1: 3- 4.
(26) في قولنا: (لا يقال) وجوابه.
(27) البداية والنهاية 8: 171.
(28) الغيبة للنعماني: 234 / 22.
(29) نهج البلاغة خطبة (3): 6.
(30) الغيبة للطوسي: 476 / 501؛ بحار الأنوار 52: 333- 334 / 63.
(31) الغيبة للنعماني: 313 / 5.
(32) الغيبة للنعماني: 314 / 7.
(33) الخرائج والجرائح 2: 550-551 / 11.
(34) مجمع النورين: 330.
(35) الغيبة للنعماني: 316 / 12.
(36) وهي أيضاً ثابتة للأئمة (عليهم السلام) كما ورد في الزيارة الجامعة.
(37) الكافي 8: 351؛ الخصال: 311 / 87؛ مسند أحمد 5: 333.
(38) الكافي 2: 352 / 7؛ ومثله ورد في مسند أحمد 6: 256.
(39) المجمع النورين: 330.
(40) الغيبة للنعماني: 316 / 12، وتقدمت في المحور الأول نقطة رقم (4) الرواية، فراجع.
(41) مجمع النورين: 330.
(42) المصدر نفسه.
(43) تفسير العياشي 2: 156- 157 / 55؛ بحار الأنوار 12: 170 / 30.
(44) مجمع النورين: 330.
(45) الكافي 8: 313 / 487؛ بحار الأنوار 52: 288 / 26.
(46) الغيبة للنعماني: 312 / 3.
(47) الكافي 2: 425 / 3، و3: 235 / 1؛ مختصر بصائر الدرجات: 43.
(48) الغيبة للنعماني: 312 / 3.
(49) الغيبة للنعماني: 312 / 3.
(50) قال المازندراني: (القزع بالتحريك: السحاب المتقطع والواحدة بهاء، وخصه بالخريف لأنه أسرع فيه حركة واجتماعاً) [شرح أصول الكافي 12: 437].
(51) الغيبة للنعماني: 312 / 2.
(52) الغيبة للنعماني: 314 / 6.
(53) الكافي 8: 313 / 487؛ الاختصاص: 257؛ الغيبة للنعماني: 312/ 3 و313 / 4 و314 / 6.
(54) الغيبة للنعماني: 316 / 11.
(55) الغيبة للنعماني: 312 / 3.
(56) الكافي 8: 313 / 487.
(57) تفسير العياشي 1: 199 / 146.
(58) الغيبة للنعماني: 204-205 / 7.
(59) مجمع النورين: 330.
(60) الغيبة للنعماني: 316 / 13؛ الغيبة للطوسي: 472 / 491.
(61) كما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) في أن هذه الآية تشير إلى أصحاب الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه)، الغيبة للنعماني: 316 / 12.
(62) مجمع النورين: 330.
(63) كمال الدين وتمام النعمة: 670 / 17؛ الكافي 1: 231 / 3؛ الغيبة للنعماني: 238 / 29.
(64) وقد ورد بهذا المضمون - ﴿لا يُخْلِفُ المِيعادَ﴾ - عدة آيات في الكتاب العزيز تؤكد على أن الله لا يخلف وعده: (آل عمران: 194، الرعد: 31، الزمر: 20)، وورد في آيات أخرى بمضمون اخر ﴿إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ في عشرة مورد من القران: (يونس: 55، الكهف: 21، القصص: 13، الروم: 60، لقمان: 33، فاطر: 5، غافر: 55 و77، الجاثية: 32، الأحقاف: 17).
(65) المنقذ في الأديان: 88 - 95.
(66) المنقذ في الأديان: 112 - 116.
(67) المنقذ في الأديان: 88.
(68) تفسير مجمع البيان 7: 120، تفسير البرهان 5: 257 / 5، بحار الأنوار 14: 33.
(69) التبيان 7: 284.
(70) تفسير القمي 2: 77.
(71) تفسير البرهان 6: 58 / 13.
(72) مختصر بصائر الدرجات: 18.
(73) الإمامة والتبصرة: 119-120 / 114؛ علل الشرائع 1: 160 / 3؛ كفاية الأثر: 47؛ مسند أحمد 3: 27؛ سنن أبي داود 2: 309 / 4282.
(74) الكافي 1: 432 / 91.
(75) كمال الدين: 670 / 16؛ تفسير نور الثقلين 2: 211 / 122.
(76) التبيان 5: 209.
(77) المنتهى 1: 203.
(78) سورة ص: 42-43.
(79) الكهف: 19-21.
(80) مختصر بصائر الدرجات: 25؛ المنتهى 1: 241.
(81) عيون اخبار الرضا 1: 33 / 35؛ مختصر بصائر الدرجات: 24.
(82) الخرائج والجرائح 2: 848 / 63.
(83) بحار الأنوار 53: 76.
(84) المنتهى 1: 267-268.
(85) مختصر بصائر الدرجات: 22.
(86) من لا يحضره الفقيه 4: 362.
(87) إقبال الأعمال 1: 509.
(88) معجم أحاديث المهدي 3: 122-123.
(89) الغيبة للنعماني: 313 / 5.
(90) الغيبة للنعماني: 314 / 7.
(91) شرح اصول الكافي 6: 256؛ بحار الأنوار 51: 87؛ مسند أحمد بن حنبل 3: 21.
(92) صحيح مسلم 8: 185؛ الدر المنثور 6: 56.
(93) الخصال: 626.
(94) علل الشرائع: ج1، ص161، ح3.
(95) (دراسة مقارنة للوضع الاقتصادي بين الغيبة والظهور) مجلة الموعود العدد الثامن: ص201- 233.
(96) المائدة: 56.
(97) المجادلة: 22.
(98) دلائل الإمامة: 453 / 430 / 34.
(99) مختصر بصائر الدرجات: 26.
(100) من لا يحضره الفقيه 4: 354.

العدد ١٣ / جمادى الآخرة / ١٤٤٣ هـ : ٢٠٢٢/٠١/١٢ : ٤.١ K : ٠
: الشيخ ماهر الحجّاج
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

محتويات العدد: