السفير الثاني محمد بن عثمان (رحمه الله) - دراسة في سيرته ودوره القيادي والديني
السفير الثاني محمد بن عثمان (رحمه الله)
دراسة في سيرته ودوره القيادي والديني
م. د ساجد صباح ميس العسكري
المقدمة:
لدراسة سيرة العظماء أهميةٌ كبيرةٌ في حياة الفرد والمجتمع، لأنها تكشف عن تجاربهم وأعمالهم التي قاموا بها فأصبحوا عظماء، ومن ثَم تتقصى الأجيال آثارهم وتنهل من تجاربهم إذا ما أرادت العزة والعظمة.
ومن الدراسات التاريخية المهمة في حياة الأُمَّة دراسة سيرة سفراء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ودورهم القيادي في النيابة عنه، كونها تؤسس لعقيدةٍ إسلاميةٍ، وهي إثبات وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في ظل وجود أصوات أخرى تحاول إنكار وجوده، متغافلين عن التراث الحديثي للمعصومين (عليهم السلام) وسيرتهم التي أكدت مراراً وتكراراً على وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قولاً وفعلاً.
فبإثبات السفارة تثبت الغيبة الصغرى للإمام (عجَّل الله فرجه) من خلال التواقيع التي خرجت على يد سفرائه.
ومما يؤسف له أن الكتابات في هذا المجال قليلة جداً فجاء هذا البحث الموسوم: (السفير الثاني محمد بن عثمان (رحمه الله)، دراسة في سيرته ودوره القيادي والديني) ليساهم في التعريف بأحد سفراء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ودوره في النيابة عن المعصوم.
وقسم البحث على أربعة مطالب سبقهما تمهيد عن السفارة وأهميتها في الفكر الإسلامي.
وتناول المطلب الأول: سيرته ومكانته العلمية والاجتماعية ومرقده الشريف.
وتناول المطلب الثاني: دوره القيادي في السفارة عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
وتناول المطلب الثالث: دوره في التمهيد لسفارة من بعده ودوره في مواجهة مدَّعي السفارة.
وتناول المطلب الرابع: دوره الديني في الرواية عن المعصوم.
هذا وقد بذلنا جهداً من أجل أن يخرج البحث بالشكل الذي ينبغي أن يكون عليه، ولا ندَّعي الكمال، فالنقص من سمات الممكن، ونلتمسكم العذر.
تمهيد: السفارة وأثرها في الفكر الإسلامي:
السفارة في اللغة: جاءت السفارة في اللغة بمعنى (الصلح والرسول)(1)، وكلا المعنيين يحتمله معنى السفير فهو رسول ومصلح.
والسفارة بالمعنى الاصطلاحي: هي النيابة عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في زمن الغيبة الصغرى من قبل أشخاص نصَّ عليهم المعصوم بالشخص، يضطلعون بشؤون القيادة الدينية ويكونون واسطة بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وشيعته وتسمى بالنيابة الخاصة، وكما كان الغرض من السفارة الوساطة بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والشيعة، فإنها كانت تمهيداً للغيبة الكبرى للإمام (عجَّل الله فرجه) واحتجابه عن الناس.
أمّا النيابة العامة فهي قيادة الأُمَّة دينياً في زمن الغيبة الكبرى من قبل الفقهاء المجتهدين من دون نص على شخوصهم، بل النص على عنوانهم العام «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لمولاه، فللعوام أن يقلدوه»(2).
والسفارة عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أمرٌ عظيمٌ لا يناله إلّا من كانت له منزلةٌ عظيمةٌ عند المعصوم وشيعته؛ لذا لا تكون إلّا بالنص من قبل المعصوم على شخص بذكر اسمه، كما في السفير الأول عثمان بن سعيد العمري فالسفير الثاني محمد بن عثمان بن سعيد العمري، أو من خلال نص السفير السابق على السفير اللاحق بإشارة من المعصوم كما هو في السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي، فالسفير الرابع محمد بن علي السمري (رحمهم الله).
والسفراء الأربعة ممن أجمعت الطائفة على وثاقتهم وعدالتهم، ونصوص المعصوم على الوثاقة خير شاهد على صلاحهم واستقامتهم(3)، وما ورد في الأثر من زيارتهم: «جئتك مخلصاً بتوحيد الله وموالاة أوليائك والبراءة من أعدائهم ومن الذين خالفوك يا حجة المولى»(4).
تحمَّل السفراء أعباء السفارة وأخطار السلطة وأدعياء العقائد المنحرفة، طيلة فترة السفارة التي امتدت قرابة 70 سنة.
كان خطر العقائد المنحرفة لا يقل أهمية عن خطر السلطة، وكثر في فترة الغيبة الصغرى المدعون للسفارة، لذا تطلب الأمر من الشيعة في ذلك الوقت اختبار السفير وطلب المعجزة على إثبات صحة مدَّعاه، فقد جاء في الاحتجاج للطبرسي: (ولم تقبل الشيعة قولهم إلّا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر (عليه السلام)، تدل على صدق مقالتهم، وصحة بابيتهم)(5).
وللسفارة أركان رئيسية يجب توفرها فيهم تمثل منهجهم وهدفهم الذي نهجوه كون هدفهم واحداً ومنبعهم واحداً، فهم يستقون علومهم وأوامرهم من المعصوم، ومن أهم تلك الأركان والخصائص التي أخذت من الواقع ومن مشاهدات ما تمتع به السفراء من خصائص، وتبقى بعض الخصائص خافية علينا ومرتبطة بالإمام (عليه السلام) فهو المطلع على ما فيه مصلحة من جعل هذا الشخص أو ذاك:
1 - الاضطلاع بقيادة قواعدهم الشعبية الموالية للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، من الناحية الفكرية والسلوكية طبقاً لأوامره، أو بتعبير آخر: التوسط في قيادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) للمجتمع وتطبيق تعاليمه فيه بكل إخلاص، طبقاً للمصالح التي يراها ويتوخاها(6).
2 - أن لا يكون عملهم ملفتاً للنظر، وأن تكون حياتهم وتجاراتهم طبيعية جداً، غير مثيرة لأي تساؤل أمام الدولة وعملائها وقواعدها الشعبية، التزاماً منهم بالتقية: مهما أحوجهم الأمر إلى ذلك ويجعلونها طريقاً لتهدئة الخواطر عليهم وإبعاد النظر عنهم لكي تنفسح لهم فرصة أوسع ومجال أكبر للعمل، مما إذا كانوا مراقبين ومطاردين بشكل مستمر، ومما ساعد في ذلك أنهم ليسوا من العلويين لإبعاد خطر السلطة التي تترصد تحركات العلويين وعدم إفادة التقية في ذلك كونهم معروفي العقيدة والأهداف غالباً(7).
فإنهم كانوا يمارسون حياتهم الطبيعية، فالأول يتاجر بالسمن(8) والثاني يتاجر بالخل(9)... الخ، متخذين من ذلك سبيلاً لممارسة نشاطاتهم الدينية.
والملاحظ أن نشاطهم يتركز في بغداد، ومما يشهد لذلك سيرتهم ومراقدهم فهم جميعاً دفنوا في بغداد.
المطلب الأول: سيرته ومكانته العلمية:
أولاً: اسمه وكنيته ولقبه ونسبه:
محمد بن عثمان بن سعيد العَمري بفتح العين، يكنى أبا جعفر(10)، تشرف بخدمة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) والنيابة الخاصة عنه، وأبوه عثمان بن سعيد السفير الأول للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
ولُقِّب بالعَمري، اعتماداً على ما قيل في حق أبيه، نسبةً إلى جده، فقد روى الشيخ الطوسي في الغيبة (قال قوم من الشيعة: إن أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) قال: «لا يجمع على امرئ بين عثمان وأبو عمرو» وأمر بكسر كنيته، فقيل العمري)(11).
ولُقِّب بالخلاني، نسبة إلى بيعه الخل حيث كان يكتسب به تستراً بالكسب عن ضغط بعض المتعصبين من أهل الخلاف، كما كان والده عثمان بن سعيد يبيع السمن حتى عرف بالسمان(12)، وقيل: إنه من حلمه وورعه وعقليته الجبارة، ووداعته وصفائه، وكان لا يحمل حقداً على أحد قط، فهو خِلٌّ لكل إنسان، صاحب وصديق، فاشتهر عند الناس بالخلاني(13).
وينتسب لقبيلة بني أسد لذا لُقِّب بالأسدي، وقبيلة بني أسد من القبائل العربية العدنانية العريقة التي يرجع نسبها إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان سكنوا نجد ثم سكنوا العراق في الكوفة تحديداً في بداية ظهور الإسلام(14)، ولقبيلة بني أسد مواقف مشرفة مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومع الأئمة المعصومين (عليهم السلام)(15).
ثانياً: مكانته العلمية والاجتماعية:
كان على درجة عالية من الوثاقة والعدالة وأن له منزلة عظيمة عند الشيعة، وتضافرت الروايات الدالَّة على جلالة شأنه وعظم مقامه(16).
كان أبوه من خواص أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وبابه، ووكيله(17)، ثم تشرف بمقام النيابة الخاصة، فكان السفير الأول للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
جاء في حق الشيخ محمد بن عثمان وأبيه (رحمهما الله) كثير من نصوص المدح والثناء على لسان المعصومين (عليهم السلام)، وأصحاب التراجم والسير، ومما جاء في حقهما:
ما رواه الكليني بسنده عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنه قال: «العمري وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك عنّي، فعنّي يؤديان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك»(18).
وما رواه الشيخ الطوسي بسنده إلى عبد الله بن جعفر الحميري، قال: خرج التوقيع إلى أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العُمَري في التعزية بأبيه، وفيه: «أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رُزِئت ورُزِئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في مُنقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفُه من بعده، ويقوم مقامه في أمره، ويترحم عليه»، إلى أن يقول له: «أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفّقك، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً».
وروى الشيخ الطوسي بسنده عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه في التعزية بأبيه رضي الله تعالى عنه: «إنا لله وإنا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضى بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقربه إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإليهم، نضر الله وجهه، وأقاله عثرته»(19).
ومنه أيضاً ما جاء بتوقيع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): «... وأمّا محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي...»(20).
وروى الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي أنه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو: «والابن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضر وجهه، يجري عندنا مجراه، ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل...»(21).
فهذا الثناء من المعصوم والترضي عليه يدل على عظيم المنزلة، وكونه أهلاً لأن ينوب مناب الإمام (عجَّل الله فرجه) في الغيبة الصغرى.
روى الشيخ محمد بن عثمان العمري عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وله كتبٌ مصنَّفة في الفقه ممّا سمعه منهما ومن أبيه عثمان (رحمهما الله) عن الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، منها كتاب (الأشربة)(22).
وقد ذُكر أنّها صارت في يد أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) عند الوصية إليه، ثمّ إلى أبي الحسن محمد بن علي السمري (رحمه الله)(23).
تحمل الشيخ العمري أعباء السفارة وسار بها بأحسن ما يكون، رغم أن مدة سفارته من أطول السفارات، وكثر فيها المدَّعون للسفارة كذباً، الأمر الذي تطلَّب منه المواجهة الحاسمة معهم، ثم مهد بعد ذلك لسفارة الحسين بن روح من خلال أساليب عديدة سنذكرها لاحقاً إن شاء الله تعالى.
فكان حقيقاً بأن يكون الشخص المناسب في تلك المرحلة، بتأدية ما كُلّف به من قبل المعصوم على أكمل وجه.
ثالثاً: وفاته ومرقده (رحمه الله):
كان الشيخ محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) على علم بزمن موته، إذ حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج قبل شهرين من وفاته(24)، فقد روي الشيخ الطوسي بسنده عن أبي الحسن علي بن أحمد الدلال القمي، قال: (دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان (رضي الله عنه) يوماً لأسلِّم عليه، فوجدته وبين يديه ساجة ونقّاشٌ ينقش عليها ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمة (عليهم السلام) على حواشيها. فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها، أو قال: أسند إليها وقد عرفت منه، وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءاً من القرآن فيه فأصعد، وأظنه قال: فأخذ بيدي وأرانيه، فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى الله (عزَّ وجلَّ) ودفنت فيه وهذه الساجة معي.
فلمّا خرجت من عنده أثبت ما ذكره ولم أزل مترقباً به ذلك، فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها، ودفن فيه)(25).
وأُختلف في تاريخ وفاته، فقد روي أنّه وجد بخط أبي غالب الزراري أنه توفي في آخر جمادي الأولى سنة 305هـ، وروي أنه توفي سنة 304 ه(26).
دفن في بغداد في الرصافة، في باب الكوفة قديماً في محلة الخلاني التي سميت نسبةً إليه، وهو أحد المراكز الشيعية المهمة في بغداد، واليوم يطل مرقده على شارع الجمهورية العام يراه الرائي من بعيد، وله حرم مجلل إلى جانب جامع عامر بالمصلين سمي بجامع الخلاني نسبة إليه، أمامه صحن واسع.
يتميز الجامع عن جوامع العراق والعالم الإسلامي في أن قبته أعلى من منارته، وفيه مكتبة عامرة ذات كتب ومخطوطات قيمة، تعرف بمكتبة الخلاني تأسست سنة 1364ه(27).
ذكر الرحالة مصطفى بن كمال الدين الصديقي الدمشقي قبر الشيخ محمد بن عثمان العمري في كتابه (كشط الصدا وغسل الران في زيارة العراق وما والاها من البلدان، الورقة 57)، عند نزوله في بغداد سنة 1139هـ - 1726م(28).
جُدد مرقده سنة 1349هـ، ثم جددت قبته وحرم الشيخ من قبل المتبرع الحاج إبراهيم بن حسن بن وهيب الحمامي عام 1391هـ - 1971م(29).
وكان المسجد ولا يزال مناراً، تُلقى من على منبره كلمات الوعظ والإرشاد، وتقام فيه الشعائر الدينية، ولطالما ارتقى الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله) منبره، ليكون انطلاقةً للوعي والثقافة الإسلامية.
لم يسلم المزار والمسجد من الاعتداءات الإرهابية التي لحقت المزارات في العراق، فقد تعرض لاعتداءٍ إرهابي بشاحنةٍ مفخخةٍ بتاريخ 19/6/2007م، أدَّت إلى استشهاد 78 شهيداً وجرح أكثر من 200 آخرين، وأسفر أيضاً عن تدمير جزءٍ كبيرٍ من جامع الخلاني(30).
المطلب الثاني: دوره القيادي في النيابة الخاصة عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
أولاً: سفارته:
تشرف الشيخ محمد بن عثمان العمري بالنيابة الخاصة عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بعد وفاة أبيه عثمان بن سعيد العمري السفير الأول، ومبدأ توليه السفارة مجهولاً؛ لأنّ تاريخ وفاة أبيه مجهول.
ولكن المقطوع به أنه كان سفيراً للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قبل سنة 267هـ؛ لأنّ ابن هلال الكرخي والذي توفي في سنة 267هـ، طعن في سفارة الشيخ محمد بن عثمان، وكان من المنحرفين عن خطه، مما يدل على أن الشيخ محمد بن عثمان كان سفيراً قبل وفاة ابن هلال الكرخي(31).
روى الشيخ الطوسي أن مدة سفارته امتدت نحو الخمسين عاماً(32)، ومن المحققين من يرى مدة سفارته نحو أربعين عاماً(33)، لأنّ بداية الغيبة الصغرى عام 260هـ، ووفاة الشيخ محمد بن عثمان العمري عام 305هـ، وحيث إن أباه تولى السفارة عدة أعوام فتكون سفارته بحدود الأربعين سنة، (وبهذا التحديد لمدة سفارته، نستطيع أن نعرف أنه أطول السفراء بقاء في السفارة ومن ثم يكون أكثرهم توفيقاً في تلقي التعاليم من الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأوسعهم تأثيراً في الوسط الذي عاش فيه، والذي كان مأموراً بقيادته وتدبير شؤون)(34).
ثانياً: دوره في التمهيد لسفارة الحسين بن روح (رحمهما الله):
لم يكن الحسين بن روح النوبختي المرشح البارز لشغل هذا المنصب مع جلالة قدره إلّا أنه من بين عشرة من الشخصيات التي كان بعضهم أكثر قرباً منه، ففيهم أبو سهل النوبختي وجعفر بن متيل (رحمه الله) وغيرهما.
روى الشيخ الطوسي بسنده عن جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول: (كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري (رضي الله عنه) له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس وأبو القاسم بن روح (رضي الله عنه) فيهم، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية، فلما كان وقت مضي أبي جعفر (رضي الله عنه) وقع الاختيار عليه وكانت الوصية إليه)(35)، ولم يكن للحسين بن روح تاريخٌ حافلٌ بإطراء وتوثيق المعصومين (عليهم السلام) كما كان للسفيرين اللذين سبقاه(36)؛ لذا توجب على السفير الثاني أبي جعفر العمري (رحمه الله) ترسيخ فكرة سفارة الحسين بن روح عند عوام وخواص الشيعة قبل وفاته، حيث أمر السفير الثاني الشيعة في حياته بإعطاء أموال الحقوق للحسين بن روح حتى يمهد لسفارته.
روى الصدوق والطوسي بسنديهما قالا: (حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: كنت أحمل الأموال التي تجعل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) فيقبضها مني، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي (رضي الله عنه) وكنت أطالبه بالقبوض، فشكا ذلك إلى أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) فأمرني أن لا أطالبه بالقبض، وقال: كلما وصل إلى أبي القاسم وصل إلي، قال: فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض)(37).
كما قام بترسيخ ذلك بشكل عملي عند خواص الشيعة وأعيانهم في المجلس الذي جمعهم قبل وفاة السفير الثاني بأيام أن أخذ بيد الحسين بن روح وأجلسه بقربه وأصى له بالسفارة.
روى الطوسي بسنده عن جعفر بن أحمد بن متيل قال: (لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه، فالتفت إليَّ ثم قال: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت إلى عند رجليه)(38).
بل ما قام به ذكاء خادم السفير الثاني من تسليم ما أوصاه سيده بتسليمها إلى السفير الثالث ما هو إلّا أسلوب من أساليب ترسيخ فكرة السفارة للحسين بن روح عند الشيعة.
روى ابن طاووس في مهج الدعوات بسنده أنه: (لما مضى سيدنا الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه وأرضاه وزاده علواً فيما أولاه وفرغ من أمره، جلس الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر زاد الله توفيقه للناس في بقية نهار يومه في دار الماضي (رضي الله عنه) فأخرج إليه ذكاء الخادم الأبيض مدرجاً وعكازاً وحقة خشب مدهونة، فأخذ العكاز فجعلها في حجره على فخذيه وأخذ المدرج بيمينه وألحقه بشماله، فقال الورثة في هذا المدرج ذكر ودائع فنشره فإذا هي أدعية وقنوت موالينا الأئمة من آل محمد (عليهم السلام))(39).
وكان لتوقيع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي كان فيه دعاء من الإمام للحسين بن روح بالغ الأثر في علو مكانة الحسين بن روح عند عوام الشيعة وخواصهم(40).
المطلب الثالث: دوره في مواجهة مدَّعي السفارة:
ادِّعاء السفارة عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كذباً من الأمور الخطيرة لما يترتب عليها من أثر عقائدي وديني، لذا يُلعن كل من يدَّعي ذلك المقام كذباً من قبل المعصوم وتكون عاقبة أمره خسراً.
وكثر المدَّعون للسفارة عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كذباً وزوراً في فترة السفير الثاني، لأنّها امتدت لسنوات طويلة وهي فترة كثرت فيها الصراعات السياسية والدينية، وممن ظهر في فترة سفارة محمد بن عثمان العمري (رحمه الله):
1 - الشريعي:
اسمه الحسن ويكنى بأبي محمد، كان من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، وهو أول من ادَّعى البابيه والسفارة بعد وفاة السفير الأول ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد والحلول، فصدر من الإمام التوقيع بلعنه والبراءة منه، فقد جاء عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في التوقيع الذي خرج على يد الحسين بن روح النوبختي في لعن الشلمغاني: «أعلمهم تولاك الله، أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه، من السريعي، والنميري، والهلالي، والبلالي وغيرهم»(41).
ذمه الإمام (عجَّل الله فرجه) مع مجموعة من مدَّعي البابية والمنحرفين عن خط السفارة كالنميري والهلالي والبلالي والشلمغاني(42).
2 - النميري:
هو محمد بن نصير النمير الفهري، ادَّعى السفارة بعد الشريعي، وكان من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام)، استخدم صحبته للإمام لمنافع شخصية، فكتب الإمام العسكري (عليه السلام) كتاباً في البراءة منه، فقد روى الكشي بسنده عن العبيدي، قال: كتب إليَّ العسكري ابتداءً منه: «أبرء إلى الله من الفهري، والحسن بن محمد بن بابا القمي، فابرء منهما، فإني محذرك وجميع موالي، وإنّي ألعنهما عليهما لعنة الله، مستأكلين يأكلان بنا الناس، فتانين مؤذيين آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً»(43).
وكان من الغلاة في الإمام الهادي (عليه السلام) ويقول بربوبيته وأنه أرسله للناس نبياً، وكان يقول بالتناسخ، وإباحة المحارم، وتحليل اللواط(44).
وكان مؤيداً من قبل السلطة لأنّ محمد بن موسى بن الفرات من جماعة النميرية، وهذا الأخير ابن وزير المقتدر الذي استوزره عام 299ه(45).
لما ادَّعى مقام السفارة لعنه محمد بن عثمان (رحمه الله) وتبرّى منه، وظهر التوقيع من الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بلعنه على يد الحسين بن روح عندما حذر من الشلمغاني(46).
3 - أحمد بن هلال العبرتائي:
ذكره الشيخ الطوسي ضمن المذمومين الذين ادّعوا البابية، لإنكاره سفارة محمد بن عثمان العمري (رحمه الله).
كان على استقامةٍ وصلاحٍ قبل ادِّعائه، وله صحبة مع المعصومين (عليهم السلام)، إذ عاصر خمسة من المعصومين ابتداءً بعلي بن موسى الرضا وانتهاءً بالإمام المهدي (عليهم السلام)، فهو ولد عام 180هـ، وتوفى عام 267هـ.
حج أربعاً وخمسين حجة، منها عشرون حجة مشياً على قدميه، وله كتب، منها: كتاب يوم وليلة وكتاب نوادر(47)، وروى عنه جماعة، ولكن سوء عاقبته وحسده للسفير الثاني جعله ينحرف عن جادة الصواب، وحجته في إنكار سفارة الشيخ محمد بن عثمان أنه لم يسمع نصاً على سفارته، فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي علي بن همام قال: (كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد (عليه السلام)، فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان (رضي الله عنه) بنص الحسن (عليه السلام) في حياته، ولمّا مضى الحسن (عليه السلام) قالت الشيعة الجماعة له: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة؟
فقال لهم: لم أسمعه ينص عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه - يعني عثمان بن سعيد -، فأمّا أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه، فقالوا: قد سمعه غيرك، فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر، فلعنوه وتبرؤا منه)(48).
صدر في حقه الذم واللعن من قبل الناحية المقدسة بعد أن ظهر انحرافه، فكتب الإمام إلى قوامه في العراق: «احذروا الصوفي المتصنع»(49)، ونعته الإمام بالصوفي؛ لأنّه اتَّخذ مسلك التصوف.
وبعد صدور الذم بحقه تردد بعض أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في أمره، لما تعارف لديهم من صلاحه وحسن سيرته قبل انحرافه، الأمر الذي جعلهم يراجعون القاسم بن العلاء في أمره، فصدر التوقيع في ذمه والذي نصه: «قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنع ابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت لم يزل لا غفر الله له ذنبه، ولا أقاله عثرته، دخل في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضى، يستبد برأيه فيتحامى من ديوننا، لا يمضي من أمرنا إياه إلّا بما يهواه ويريد أرداه الله في نار جهنم، فصبرنا عليه حتى بتر الله عمره بدعوتنا...»(50).
فتردد بعضهم بعد ذلك فراجعوا القاسم بن العلاء مرة أخرى، فخرج التوقيع بلعنه أيضاً، فجاء فيه: «لا شكر الله قدره، لم يدع المرزئة بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه، وأن يجعل ما من به عليه مستقراً، ولا يجعله مستودعاً، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان(51) عليه لعنة الله وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله»(52).
4 - محمد بن علي البلالي:
هو أبو طاهر محمد بن علي بن بلال البلالي، كان من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) وروى عنه بعض الأحاديث.
اختلف أصحاب الرجال فيه فعدّه ابن طاووس من وكلاء الإمام في الغيبة الصغرى وهو بمنزلة القاسم بن العلاء والأشعري والأسدي في الوثاقة والجلالة(53)، وعدّه الشيخ الطوسي من المذمومين الذين ادّعوا البابية(54)، وتوقف العلامة الحلي في ما يرويه من أجل ذلك(55).
ذكر الشيخ الطوسي أنّه امتنع عن دفع الأموال التي عنده للإمام (عجَّل الله فرجه) ولم يسلمها للشيخ محمد بن عثمان وادَّعى أنه الوكيل(56).
استخدم الشيخ محمد بن عثمان العمري معه أساليب مختلفة من أجل ردعه وتقويم انحرافه، فلم يفلح في ذلك، إلّا أنه أثر في رجوع بعض أصحابه عنه، فقد روي أنه قال للبلالي: (يا أبا طاهر نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان (عليه السلام) بحمل ما عندك من المال إليَّ؟ فقال: اللهم نعم، فنهض أبو جعفر (رضي الله عنه) منصرفاً، ووقعت على القوم سكتة، فلما تجلَّت عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر (رضي الله عنه) إلى بعض دوره، فأشرف عليَّ من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه، فقال له أبو الطيب: ومن أين علمت أنه صاحب الزمان (عليه السلام)؟ قال: (قد) وقع عليَّ من الهيبة له ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان (عليه السلام))(57).
المطلب الرابع: دوره الديني في الرواية عن المعصوم:
كان الشيخ محمد بن عثمان (رحمه الله) من رواة الحديث عن الإمامين العسكري والمهدي (عليهما السلام) من دون واسطة أو من خلال أبيه، وقد دونت كتب الحديث كثيراً من الأحاديث التي رواها، منها:
أولاً: بعض التوقيعات الصادرة من الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على يده:
خرجت أكثر التوقيعات من الناحية المقدسة على يد السفير الثاني؛ لأنّ سفارته امتدت نحو أربعين سنة، نقتصر على ذكر بعضها بما يناسب المقام:
1 - ما ورد في أجوبة أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رضي الله عنه) والكتاب طويل الذيل، جاء في مطلعه: «أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقولون إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة، فصلِّها وأرغم أنف الشيطان...»(58).
2 - تأبينه للسفير الأول عثمان بن سعيد العمري، وقد تقدم ذكره في المبحث الأول.
3 - ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن محمد بن عثمان والذي نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من استحل من مالنا درهماً»(59).
4 - ما ورد في أجوبة إسحاق بن يعقوب، والذي جاء في مطلعه: «أمّا ما سألت عنه أرشد الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا، فاعلم أنه ليس بين الله (عزَّ وجلَّ) وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني...»(60).
وجاء فيه أيضاً: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم»(61).
5 - جوابه للمفوضة رداً على اعتقاداتهم، والذي رواه الشيخ في الغيبة، ونصه: «إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق، لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم، وأمّا الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق، إيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم»(62).
6 - روى الصدوق بسنده عن أبي علي محمد بن همام يقول: (سمعت محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) يقول: خرج توقيع بخط أعرفه «من سمّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله» قال أبو علي محمد بن همام: وكتبت أسأله عن الفرج متى يكون؟ فخرج إليَّ «كذب الوقاتون»)(63).
ثانياً: الروايات التي تخص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأحداث الغيبة:
استشهدت كثير من كتب الغيبة والكتب الخاصة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بما رواه الشيخ محمد بن عثمان العمري، ومن الأحاديث التي رويت عنه في هذا المجال منها:
1 - روى الصدوق في كمال الدين في باب من شاهد القائم ورآه وكلمه عن الشيخ محمد بن عثمان العمري: (عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً فقال: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا»، قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلّا أيام قلائل حتى مضي أبو محمد (عليه السلام))(64).
2 - روى الصدوق والطوسي بسنديهما عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: «اللهم أنجز لي ما وعدتني»(65).
وفي حديث آخر بالإسناد نفسه عن محمد بن عثمان: رأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: «اللهم انتقم لي من أعدائي»(66).
ثالثاً: روايته الأدعية والأعمال:
روى الشيخ محمد بن عثمان كثيراً من الأدعية والأعمال، فقد روى السيد ابن طاووس (قدِّس سرّه) بسنده، عن أبي عمرو محمد بن محمد بن نصر السكوني (رضي الله عنه)، قال: سألت أبا بكر أحمد بن محمد بن عثمان البغدادي أن يخرج إليَّ أدعية شهر رمضان التي كان عمه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه وأرضاه يدعو بها، فأخرج إليَّ دفتراً مجلداً بأحمر، فنسخت منه أدعية كثيرة(67).
ونذكر باختصار أهم ما رواه من تلك الأدعية والأعمال:
1 - صلاة الحاجة التي يرويها الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد(68).
2 - دعاء الافتتاح المعروف الذي يُقرأ في ليالي شهر رمضان(69).
3 - دعاء بعد صلاة الفجر يوم الفطر، وقد رواه السيد ابن طاووس في الإقبال والذي أوله: «اللهم إني توجهت إليك بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إمامي، وعلي من خلفي وعن يميني، وأئمتي عن يساري...»(70).
4 - دعاء السمات الذي رواه عن أبيه عن محمد بن أسلم عن محمد بن سنان عن المفضل ابن عمر الجعفي الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)، ويستحب أن يدعى به آخر نهار يوم الجمعة(71).
5 - دعاء كل يوم من رجب الذي رواه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد، وقد جاء في مطلعه: «اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما دعاك به عبادك الذين اصطفيتهم لنفسك المأمونون على سرك المحتجبون بغيبك...»(72).
6 - حديث في استجابة الدعاء والذي نصه: روينا عن العالم (عليه السلام) أنه قال: «إذا دعا المؤمن يقول الله (عزَّ وجلَّ): صوت أحب أن أسمعه، اقضوا حاجته فاجعلوها معلقة بين السماء والأرض حتى يكثر دعاؤه، شوقاً منّي إليه، وإذا دعا الكافر يقول الله (عزَّ وجلَّ): صوت أكره سماعه، اقضوا حاجته وعجِّلوها حتى لا أسمع صوته ويشتغل بما طلبه عن خشوعه»(73).
الخاتمة:
في الختام توصل البحث إلى عدة نتائج:
1 - البحث في إثبات السفارة هو البحث في إثبات وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، الأمر الذي يحتاج إلى كتابات كثيرة عن حياة السفراء وسيرتهم؛ لارتباطها بعقيدة إسلامية محورية لها مساحة في الفكر الإسلامي قديماً وحديثاً.
2 - لم يكن سفراء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من الشخصيات التي تثير أنظار السلطات كثيراً، لانشغالهم بأعمال التجارة وغيرها من الأعمال التي امتهنوها للتغطية على المهمة التي اضطلعوا بها.
3 - كانت سفارة الشيخ محمد بن عثمان العمري من أطول السفارات، إذ امتدت نحو أربعين سنة مما جعل مهمته صعبة في ظل ظهور دعاوى منها دعاوى السفارة، والبابية، والغلو، والحلول، والتناسخ، وفي جانب آخر ظهور تطورات سياسية متسارعة وتعاقب خلفاء الدولة العباسية ووزرائهم على الحكم.
4 - كان أول ظهور لدعوات السفارة الكاذبة في عهد الشيخ محمد بن عثمان العمري، وأول من ادِّعاها الشريعي، ثم من بعده النميري والهلالي والبلالي... الخ.
5 - المتتبع لسير مدعي السفارة يجد أنهم كانوا قبل ادّعائهم السفارة على استقامة وصلاح ولهم صحبة مع الأئمة (عليهم السلام)، ورووا عنهم الأحاديث، ولكن سوء عاقبتهم جعلتهم يدّعون أمراً لم يستحقوه، فكان للسفراء دورٌ كبيرٌ في مواجهتهم وفضح ادّعائهم وبيان فساد عقيدتهم فكان لهم دور ديني من خلال المناظرات ورواية الحديث.
6 - لم تقتصر سفارة الشيخ محمد بن عثمان على الواسطة بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وشيعته، وإنما كان له دور قيادي وديني من خلال مواجهة مدَّعي السفارة وأصحاب العقائد الفاسدة، كما أن له دوراً مهماً في رواية الحديث عن المعصوم.
الهوامش:
(1) ينظر المخصص، ابن سيده: 3/165، لسان العرب: 4/370.
(2) الاحتجاج، الطبرسي: 2/263.
(3) روى الشيخ الكليني بسنده عن أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: من أعامل أو عمن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال له: «العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون»، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: «العمري وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك عني فعنّي يؤديان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان»، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك. [الكليني: 1/330].
(4) الوافي، الفيض الكاشاني: 14/ 1590.
(5) الاحتجاج: 2/297.
(6) ينظر: موسوعة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، محمد صادق الصدر: 1/ 383.
(7) ينظر: المصدر نفسه: 1/ 383 -384.
(8) ينظر: الغيبة، الطوسي: 354.
(9) ينظر: الكشكول المبوب، حسين الشاكري: 92.
(10) ينظر خلاصة الأقوال، العلامة الحلي: 250.
(11) الغيبة: 354.
(12) ينظر: الكشكول المبوب، حسين الشاكري: 92.
(13) ينظر: مراقد المعارف، حرز الدين: 1/ 278.
(14) ينظر معجم قبائل العرب، عمر كحاله: 1/21.
(15) ينظر سلسة القبائل العربية في العراق:5/17-74.
(16) ينظر موسوعة طبقات الفقهاء: 4/426.
(17) ينظر: رجال ابن داود: 133.
(18) الكافي، الكليني: 1/330.
(19) الغيبة، الشيخ الطوسي: 361.
(20) الغيبة، الطوسي: 291.
(21) المصدر السابق.
(22) ينظر: معجم رجال الحديث، الخوئي: 17/296.
(23) ينظر: الغيبة، الطوسي: 363.
(24) ينظر: المصدر السابق: 365.
(25) المصدر السابق.
(26) ينظر المصدر السابق: 366.
(27) ينظر مراقد المعارف: 2/62.
(28) جامع- الخلاني في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) على الانترنت.
(29) موقع (المجمع العالمي لمعرفة الشيعة) على الانترنت.
(30) موقع (الطريق إلى كربلاء) على الانترنت.
(31) ينظر موسوعة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): 1/ 404.
(32) ينظر الغيبة:366.
(33) موسوعة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): 1/404.
(34) المصدر السابق.
(35) الغيبة للطوسي: 234.
(36) ينظر موسوعة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، محمد صادق الصدر: 1/408.
(37) كمال الدين للصدوق: 501، الغيبة للطوسي: 235.
(38) الغيبة للطوسي: 235.
(39) مهج الدعوات، ابن طاووس: 46.
(40) ينظر الغيبة للطوسي: 237.
(41) الاحتجاج: 2/290.
(42) ينظر الغيبة، الطوسي: 397.
(43) رجال الكشي: 2/ 805.
(44) ينظر: رجال الكشي: 2/805.
(45) ينظر: المصدر السابق.
(46) ينظر الغيبة، الطوسي: 411.
(47) رجال النجاشي: 83.
(48) الغيبة: 399.
(49) رجال الكشي: 2/816.
(50) بحار الأنوار: 50/318.
(51) هو عروىة بن يحيى الدهقان، روى الشيخ الكشي بسنده عن محمد بن موسى الهمداني: أن عروة بن يحيى البغدادي المعروف بالدهقان لعنه الله وكان يكذب على أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) وعلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) بعده، وكان يقطع أمواله لنفسه دونه ويكذب عليه، حتى لعنه أبو محمد (عليه السلام) وأمر شيعته بلعنه، والدعاء عليه لقطع الأموال، لعنه الله. [اختيار معرفة الرجال: 2/842]، وترجم له العلامة الحلي بأن (غال ملعون) [خلاصة الأقوال: 383].
(52) بحار الأنوار: 50/319.
(53) ينظر: نقد الرجال، التفرشي: 4/ 272.
(54) ينظر: الغيبة: 400.
(55) ينظر: خلاصة الأقوال: العلامة الحلي: 242.
(56) ينظر الغيبة: 400.
(57) الاحتجاج، الطبرسي: 2/ 296.
(58) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: 520.
(59) المصدر السابق: 522.
(60) الغيبة، الطوسي: 290.
(61) الغيبة، الطوسي: 290.
(62) المصدر السابق: 294.
(63) كمال الدين: 483.
(64) كمال الدين وتمام النعمة: 436.
(65) كمال الدين للصدوق: 440؛ الغيبة للطوسي: 251.
(66) المصدر السابق.
(67) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار - المجلسي: 5/123.
(68) مصباح المتهجد: 330.
(69) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار: 5/124.
(70) إقبال الأعمال: 1/469.
(71) جمال الأسبوع، ابن طاووس: 321.
(72) مصباح المتهجد: 543.
(73) مستدرك الوسائل، حسين النوري: 5/ 196.