قراءة في واقع الأديان السماوية عند ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - التعاطي والآليات
قراءة في واقع الأديان السماوية عند ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعاطي والآليات
مرتضى علي الحلي
تمهيد:
معنى الدين لغة:
الدين لغةً: الطاعة، يقال دان له يدين ديناً(1).
وأيضاً وردت هذه المادة (الدال والياء والنون) بمعنى - المجازاة، كما في قولهم: كما تدين تدان، معناها كما تجازي تجازى، أي تجازى بعملك وبحسب ما عملت(2).
وفي القرآن الكريم ورد يوم الدين بمعنى يوم الجزاء، وكذلك ورد الدين بمعنى الإسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ (آل عمران: 19).
وإن استعمال لفظة (الدين) لغة يناظر وبقدر كبير المعنى الديني في أصوله المشتركة، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ (الشورى: 13).
فالمقدار والمدلول الديني للفظة الدين المستظهر من مجموع الأديان السماوية واحد في أصوله المشتركة للإنسان جعلاً واعتقاداً وهداية، من الإيمان بالله تعالى وتوحيده وطاعته والغيب وأنبيائه وكتبه والمعاد.
مفهوم الدين اصطلاحاً:
لا يمكن حصر مفهوم الدين بتعريف واحد جامع مانع، وذلك لتعدد دلالاته اللفظية بعدد الجهات التي استهدفها في مختلف مفاصل حياة الإنسان والمجتمع وسوقه إلى الفضائل الأخلاقية والقيمية، بما يحرز معه إعمال الحق والنظام الصالح والعادل، من خلال الاهتداء بهدي الأنبياء والرسل والأوصياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام) والمصلحين والاقتداء بهم.
وما يذكر تعريفاً له في الاصطلاح إنما هو من باب المثال وبيان المصداق، وإلّا فالدين مفهوم كلي قيمي، له حيثيات متعددة ومختلفة، وأغراض جمة.
وقد أشار إلى هذا المعنى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل، حيث قال: (والدين في الاصطلاح: مجموعة العقائد والقواعد والآداب التي يستطيع الإنسان بها بلوغ السعادة في الدنيا، وأن يخطو في المسير الصحيح، من حيث التربية والأخلاق الفردية والجماعية)(3).
وكذلك ذكر السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان ما يمكن أن يعرف به الدين (وهو أنه نحو سلوك في الحياة الدنيا، يتضمن صلاح الدنيا، بما يوافق الكمال الأخروي، والحياة الدائمة الحقيقية عند الله سبحانه، فلابد في الشريعة من قوانين تتعرض لحال المعاش على قدر الاحتياج)(4).
وإن الدين في ماهيته الاعتبارية القيمية يتوافر على مقومات ذاتية وغائية، من حيث الجعل والتقنين والدعوة والتطبيق والاتباع والاسترشاد والاهتداء وما شابه.
ومن أهم مقوماته البنيوية أن جاعله وواضعه الله سبحانه وتعالى، وهذا ما أكده القرآن الكريم مراراً وتكراراً في سوره الشريفة، وذلك بإضافة نسبة الدين إلى الله تعالى كما في الآيات التي تصدَّرت البحث.
وقد أقر بذلك علماء الاعتقاد والشريعة، حيث ذكر العلامة محمد تقي الآملي: (إن الدين وضع إلهي يتناول الفروع والأصول، وجامعه هو ما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم))(5).
وهذا الجعل الإلهي القيّم للدين إنما تنزل للناس من خلال الوحي الأمين المعصوم، وهو ما يعزز الوثوق به والتيقن منه، ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ (الشعراء: 192-195).
وقد جعل الله سبحانه للدين أيضاً كتاباً يحفظه اعتقاداً وشرعة ومنهاجاً وهداية على أيدي الأنبياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام) للناس كافة ما بقيت الحياة وبقي التكليف، قال تعالى: ﴿رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتابُ وَلاَ الإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ﴾ (الشورى: 52-53)، ﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة: 48).
إن معرفة ماهية الدين الحق والمستقيم تتطلب من الإنسان المؤمن معرفة إمام زمانه - وفي وقتنا هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - والإيمان به والتصديق له، ولهذا فإنه لا يؤخذ الدين من أي أحد كان، كيف ما يشاء، ودون ضوابط ومعايير تؤمّن له التلقي الصحيح والسليم للعقائد أصولاً، والأحكام والتكاليف فروعاً، والطريق الصالح الموصل للمطلوب منهاجاً، إتماماً للحجة الإلهية تنجيزاً وتعذيراً، وإلى هذا المعنى القويم أشارت وأرشدت الروايات المعتبرة، عن العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله، الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9]، قال: «يهدي إلى الإمام»(6).
وفي رواية أخرى طويلة نذكر بعضاً منها محل الشاهد والغرض، (عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة (عليهم السلام)، وصفاتهم، فقال: إن الله تعالى أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، عن دينه، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه، وفتح لهم عن باطن ينابيع علمه، فمن عرف من أُمة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، واجب حق إمامه وجد حلاوة إيمانه، وعلم فضل طلاوة إسلامه، إن الله تعالى نصب الإمام علماً لخلقه، وجعله حجة على أهل طاعته، ألبسه الله تاج الوقار، وغشاه من نور الجبار، يمد بسبب إلى السماء، لا ينقطع عنه مواده، ولا ينال ما عند الله إلّا بجهة أسبابه، ولا يقبل الله الأعمال للعباد إلّا بمعرفته، فهو عالم بما يرد عليه من مشكلات الدجى، ومعميات السنن، ومشتبهات الفتن، فلم يزل الله يختارهم لخلقة من ولد الحسين (عليه السلام)، من عقب كل إمام، فيصطفيهم كذلك ويجتبيهم، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم لنفسه، كلما مضى منهم إمام نصب (عزَّ وجلَّ) لخلقه إماماً علماً بيناً، وهادياً منيراً، وإماماً قيماً، وحجة عالماً، أئمة من الله يهدون بالحق وبه يعدلون، حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه يدين بهديهم العباد، وتستهل بنورهم البلاد، وينمو ببركتهم التلاد)(7).
فالدين مفهوم واحد في ماهيته، جعلاً وغرضاً عند جميع الأديان السماوية، وإن تعدد الأنبياء، واختلفت شرائعهم لكل أُمة في وقتها، وله ما يعرف به، من نبي أو وصي أو إمام معصوم لكل قوم، وفي كل زمان.
ويقع البحث في محاور ثلاثة:
المحور الأول: حركة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حركة إلهية، تختزل في طياتها حركة الأنبياء (عليهم السلام) من البداية إلى النهاية - الشواهد الروائية والدلالات.
ويشتمل هذا المحور على مطلبين:
المطلب الأول: الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وريث الأنبياء (عليهم السلام) على مستوى العقيدة والتشريع ومنظومة القيم:
إن هذا المعنى العقائدي المطلق إنما أخذ أولويته واستحقه الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بوصفه خاتم الأئمة المعصومين (عليهم السلام) والبقية الإلهية الموعودة، والحجة البالغة المدخرة للناس كافة، بمختلف أديانهم وألسنتهم وألوانهم من بعد ختم مرحلة النبوات والرسالات، ولأنه يملك حكمة وتراث الأديان السماوية المتعاقبة، وبحكم النزوع الديني والفطري والفكري العام عند جميع أهل الأديان السماوية، وحتى الأرضية إلى نظرية المنقذ أو المخلص أو المصلح أو اليوم الموعود، وما شابه، رغم الاشتباه عندهم في المصداق الحق المجعول إلهياً، والذي عندنا هو عقيدة ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، وحين يأذن الله تعالى له بذلك.
والروايات المأثورة في هذا الجانب العقدي (وريث الأنبياء) ذكرت هذا المضمون القيم، ومصداقه الحق - الإمام المهدي الموعود -، ترسيخاً للحقيقة الدينية المطلقة والعامة، والتي ينتظرها المؤمنون من الأديان السماوية كافة، ويستشرفون تحققها في ما يؤمنون به من مصداق مذكور عندهم في الكتب السماوية، فعن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن القائم إذا خرج دخل المسجد الحرام، فيستقبل الكعبة، ويجعل ظهره إلى المقام، ثم يصلي ركعتين، ثم يقوم فيقول: يا أيها الناس، أنا أولى الناس بآدم، يا أيها الناس أنا أولى الناس بإبراهيم، يا أيها الناس أنا أولى الناس بإسماعيل، يا أيها الناس أنا أولى الناس بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثم يرفع يديه إلى السماء، فيدعو ويتضرع حتى يقع على وجهه، وهو قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَرضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62]»(8).
وقد ورد عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «والقائم يومئذٍ بمكة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام، مستجيراً به، فينادي: يا أيها الناس، إنا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس، فإنا أهل بيت نبيكم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ونحن أولى الناس بالله وبمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فمن حاجني في آدم، فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح، فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم، فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فأنا أولى الناس بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ومن حاجني في النبيين، فأنا أولى الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى العالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 33-34]، فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين»(9).
فهاتان الروايتان تؤكدان أن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يختزل فعلاً وواقعاً وظهوراً وقياماً ذلك المعنى الديني والتاريخي الواسع لمفهوم وراثة الأنبياء كافة، والذي يستبطن في ماهيته جميع المكونات العقدية الجامعة الحقة والتشريعية والقيمية لهذا الدين جعلاً وأصولاً وتطبيقاً، بعدما واجه منعطفات جمة خلال تاريخه الطويل زمنياً، وأنه الإمام المعصوم والمنصوب إلهياً، الأجدر والأقدر على التصحيح وإزالة الاختلاف والتدافع، وحفظ الكتب السماوية والأصول وتطبيق الفروع، وإصلاح الإنسان وهدايته وتقويم نظام الاجتماع الإنساني عامة.
وإلى هذا المعنى الموعود أشار الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في قوله إنه: «إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية، وعدل في الرعية، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، وإنما سمي المهدي مهدياً، لأنه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عزَّ وجلَّ) من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن، وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرم الله (عزَّ وجلَّ)، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً، كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً»(10).
ومن المعلوم أن جميع الأديان السماوية تتوافر على أصول دينية وعقلائية واحدة من أول الأمر في الجعل الإلهي العقائدي والتبليغ والدعوة، كأصل توحيد الله سبحانه وتنزيه من الشرك والوثنية، وأصل عدله (عزَّ وجلَّ)، وأصل بعثة الأنبياء والرسل وجعل الأوصياء والأئمة لهم، وأصل المعاد والدار الآخرة، فكل هذه المشتركات العقائدية ستحقق مزيداً من الاستجابة والتلقي عند المؤمنين عامة من جميع الأديان السماوية، لما فيه خيرهم وصلاحهم وتحقيق أغراضهم.
ويجمع هذه الأصول الدينية المشتركة عنوان عام، وهو الدين الإسلام، والذي سيظهره الله تعالى على الدين كله في آخر الزمان على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بما يكفل بسط العدل والحق ودفع الظلم والباطل في الأرض قاطبة بين الناس أجمعين، ولما يحمله الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من كتاب إلهي كامل وشامل لحقيقة الأصول الدينية والشرائع السماوية، وهو القرآن الكريم، والذي سيجمع شتات الإنسان والأديان تحت غاية واحدة إصلاحاً وتكاملاً، وقد بين السيد الطباطبائي هذا المعنى السامي والمنشود، حيث ذكر ما نصه: (القرآن الكريم يحتوي على الغاية الأسمى التي تهدف إليها الإنسانية، ويبينها بأتم الوجوه، لأن الوصول إلى الغاية الأسمى لا يمكن إلّا بالنظرات الواقعية للكون والعمل بالأصول الأخلاقية والقوانين العملية، وهذا ما يتولى شرحه القرآن بصورة كاملة حيث يقول: ﴿قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الأحقاف: 30)، ويقول في موضع آخر بعد ذكر التوراة والإنجيل: ﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ﴾ (المائدة: 48)، وبياناً لاشتماله على حقيقة شرائع الأنبياء يقول: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ (الشورى: 13)، وفي احتوائه على سائر الأشياء يقول: ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدى وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89)، ومختصر ما في الآيات السابقة: إن القرآن يحتوي على الحقائق المبينة في الكتب السماوية وزيادة، وفيه كل ما يحتاج إليه البشر في سيره التكاملي نحو السعادة من أسس العقائد والأصول العملية)(11).
والسؤال الذي يرد هنا، هو أنه لماذا اختير الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وريثاً للأنبياء (عليهم السلام) على اختلاف شرائعهم السماوية وأُممهم وأوقاتهم؟
والجواب: يكمن في فعلية تحقق أهلية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لتحمل رسالات الأنبياء عبر التاريخ، في كونه قريباً من مصادر الإسلام الأولى نسباً ومنهاجاً، فبذلك يختزل جوهر دين الأنبياء، وللسيد الشهيد محمد باقر الصدر (طاب ثراه) جواب قيم على مثل هذا السؤال، فقال ما نصه: (ثم إن عملية التغيير المدخرة للقائد المنتظر تقوم على أساس رسالة معينة، هي رسالة الإسلام، ومن الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الإسلام الأولى، قد بنيت شخصيته بناء كاملاً، بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضارة، التي يقدر لليوم الموعود أن يحاربها، وخلافا لذلك، الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتح أفكاره ومشاعره في إطارها، فإنه لا يتخلص غالباً من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها، وإن قاد حملة تغييرية ضدها، فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدخر بالحضارة التي أعد لاستبدالها، لابد أن تكون شخصيته قد بنيت بناء كاملاً في مرحلة حضارية سابقة، هي أقرب ما تكون في الروح العامة، ومن ناحية المبدأ إلى الحالة الحضارية التي يتجه اليوم الموعود إلى تحقيقها بقيادته)(12).
وإن من أجلى ما يتحقق به صدق مفهوم وراثة الأنبياء بالنسبة إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) هو استخراج كتبهم السماوية الصحيحة من مواضعها المدخرة فيها في وقت ظهوره، فعن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «أول ما يبدأ القائم (عليه السلام) بأنطاكية، فيستخرج منها التوراة من غار، فيه عصى موسى وخاتم سليمان»(13)، وفي المأثور الروائي من غير طرقنا، ورد (ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية - أخرجه الإمام أبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن من وجوه)(14).
والغرض الواضح من إخراج الكتب السماوية الصحيحة هو القضاء على التحريف الكبير الذي تعرضت له هذه الكتب، وما فيها من العقائد بعد التنزيل، وعبر التاريخ الطويل، كما أشار القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ﴾ (النساء: 46)، ولإقامة الحجة على أهل هذه الأديان السماوية، بإظهار النسخ الأصلية الصحيحة النزول. ولا يقتصر الأمر على بيان الصحيح من هذه الكتب، بل لأجل الحكم بينهم بما فيها، كما هو مورد بعض الروايات التي مر ذكرها «ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور»، وهذا لا يكون مدعاة لأهل الكتب السماوية في البقاء على أديانهم، بل سيعرض عليهم الإسلام الحق، ويحاججهم ويهديهم إليه، كما هو المأثور من طرق العامة، (قال ابن شوذب: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى جبل من جبال الشام، يستخرج منه أسفار التوراة يحاج بها اليهود، فيسلم على يديه جماعة من اليهود)(15).
وكذلك لوجود الذكر الشريف للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في هذه الكتب السماوية، كما روى ذلك نعيم بن حماد المروزي في كتابه الفتن (حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن أبي المنهال عن أبي زياد سمعت كعباً يقول: إني أجد المهدي مكتوباً في أسفار الأنبياء، ما في عمله ظلم ولا عيب)(16).
وأيضاً إن من جملة ما يعزز حقيقة تمثل مفهوم ومصداق وراثة الأنبياء بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في جانب التشريع والعبادة، هو تكريم النبي عيسى (عليه السلام) له بالصلاة خلفه، بعد نزوله من السماء، فروي عن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، أنه قال: «ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض من ذرية علي وفاطمة من ولد الحسين (عليه السلام)»(17)، وهذا المعنى التعظيمي قد ورد أيضاً في كتب العامة في باب نزول عيسى بن مريم وصلاته خلف المهدي، (فإنه، أي - عيسى بن مريم - ينزل عند صلاة الصبح على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة، فيحسن به، فيتأخر ليتقدم فيقدمه عيسى (عليه السلام)، ويصلي خلفه، فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الأُمة)(18).
وأمّا الوراثة في جانب تطبيق منظومة القيم الإلهية العادلة والهادفة لبناء الإنسان واستقامته وتقويم المجتمع وإصلاحه، والتي اعتراها النكوص البشري والتراجع والاستغلال والظلم والفساد ومخالفة الشرع والأخلاق على مر حركة الأنبياء والتاريخ، فسيعمل الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بوصفه الوريث العادل الصالح على تقويمها، وإشاعة العدل فيها منهجاً وسلوكاً بين الناس كافة، وهذا المعنى القيم في شأن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ورد عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «... ويسوي بين الناس، حتى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة، ويجيء أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحاويج من شيعته، فلا يقبلونها، فيصرونها، ويدورون في دورهم، فيخرجون إليهم، فيقولون: لا حاجة لنا في دراهمكم» - إلى أن قال: «ويجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض وظهرها، فيقال للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدم الحرام، وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاء لم يعطه أحد قبله»(19).
وفي هذه الرواية تستظهر عدة معاني فاضلة وواعدة ينشدها جميع أهل الأديان، ومن أهمها إعادة تمثيل وتجسيد القيم الإلهية العادلة على مستوى التشريع والتطبيق كما هو مطلوب واقعاً، خصوصاً في ما يتعلق بالبعد المالي والاقتصادي والمعاشي للناس عامة، وإعادة توزيع الثروات بعدل وإنصاف، تأميناً للاستقرار الفردي والنوعي في نظام الاجتماع العام والتعايش والتعاطي بين الناس.
المطلب الثاني: إعادة تشكيل منظومة الدين الإلهي الحق وإزالة الاختلاف بين الأديان:
لا شك ولا ريب في أن ظواهر الانحراف والاعوجاج والاختلاف في التعاطي والسلوك عند أهل الأديان السماوية تمثل حقيقة تاريخية وواقعية مشهودة في مختلف الحقب التي مرت بها، مما تحتاج إلى معالجات جذرية شاملة على مستويات متعددة، في منظومات الأصول والفروع والأخلاق والمنهج.
وعندما يظهر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ويقيم دولته بالحق والعدل، ويظهر الدين الإسلام على الدين كله، يتصدى لإعادة الدين الإلهي إلى نصابه الأول، بعدما حل به من التحريف والبدع والاستغلال والزيغ والباطل والمخالفات، وقد بينت الروايات المعتبرة هذا الحراك الديني الإصلاحي العام المنشود في تطبيقاته القرآنية، فعن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ (الحج: 41)، قال: «هذه [الآية] لآل محمد، المهدي وأصحابه، يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين، ويميت الله (عزَّ وجلَّ) به وبأصحابه البدع والباطل، كما أمات السفهة الحق، حتى لا يرى أثر من الظلم»(20).
وهذه العملية إنما ستكون بإخضاع المسارات والمواقف إلى الهدى والعدل والاستقامة، حتى يتمكن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من بسط دولته ونظامه وفق كتاب الله سبحانه وسنن النبي الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في إحدى خطبه، فقال ما نصه: «يعطف الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي»(21).
ولن يقف حراك الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في عملية إعادة الدين الحق إلى نصابه على مستوى النظرية والمفاهيم والرؤى، بل سيطال المستوى العملي في تطبيقاته غير الموافقة لعقائد الدين فعلاً، بإزالة معالم الكفر والشرك والإلحاد والجهل والضلال، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن سيرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قال: «يصنع كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً»(22).
وفي الرواية المأثورة عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، وفي مقطع منها، أنه قال: «فإذا اجتمع له العقد، وهو عشرة آلاف رجل، خرج فلا يبقى في الأرض معبود دون الله (عزَّ وجلَّ)، من صنم ووثن وغيره، إلّا ووقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به»(23).
عن أبي عبد الله، الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر، قد دثر، فضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً، لأنه يهدي إلى أمر قد ضلوا عنه، وسمي بالقائم لقيامه بالحق»(24).
وفي المنظور الإصلاحي والتصحيحي المأثور والمنشود أن ما سيقوم به الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من عملية تغييرية كبرى وشاملة لإعادة الدين الإلهي الحق إلى صورته المستقيمة الأولى على مستوى أصول الدين ومنظومات التكاليف والأخلاق والمنهج والحقوق، والتطبيقات العملية الصالحة والعادلة نظاماً وإدارة وتوزيعاً وإصلاحاً وقضاء وحكماً، سيسهم هذا كله في إنجاح مشروعه الرباني المنتظر، ويزيد من ارتفاع مستوى تقبّل أهل الأديان السماوية الأخرى له، وللإسلام، ويزيل الاختلاف عندهم، (روى علي بن عقبة، عن أبي عبد الله، الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «إذا قام القائم (عليه السلام)، حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله تعالى يقول: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: 83]، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (عليهما السلام)»(25).
ويظهر من تتبع بعض الروايات المأثورة والمتكاثرة في هذا الجانب، جانب إعادة الدين الإلهي الحق إلى نصابه الأول، أن التصحيح والتقويم سيكون بمعية ومشاركة النبي عيسى (عليه السلام) وتعاضده بنحو متآزر مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فروى الحسين بن مسعود في شرح السنة، بإسناده عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه قال: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، فيفيض المال، حتى لا يقبله أحد»، ثم قال: قوله «يكسر الصليب» يريد إبطال النصرانية، والحكم بشرع الإسلام، ومعنى قتل الخنزير تحريم اقتنائه وأكله وإباحة قتله، وفيه بيان أن أعيانها نجسة، لأن عيسى إنما يقتلها على حكم شرع الإسلام، والشيء الطاهر المنتفع به لا يباح إتلافه، وقوله «ويضع الجزية» معناه أنه يضعها من أهل الكتاب ويحملهم على الإسلام)(26).
ومن الواضح هنا في هذه الرواية التي تحكي دور النبي عيسى (عليه السلام) في إطار التصحيح الديني المتآزر، أن الإصلاح سيبدأ بالعقيدة النصرانية وإعادتها لنصابها المستقيم، وذلك بإلغاء ورفض عقيدة القتل والصليب المزعوم، والتي هي شبهة موهومة وقعت في وقت رفعه إلى السماء، وأصروا عليها، وقد نفاها القرآن الكريم نصاً في آياته الشريفة في قوله تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً﴾ (النساء: 157-159).
وكذلك سيطال الإصلاح جانب التشريع، وسيحرم أكل لحم الخنزير عندهم، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة: 173).
وأمّا بالنسبة إلى أتباع الديانة اليهودية وموقفهم من عملية الإصلاح الديني، فالروايات المأثورة تذكرهم على أصناف متعددة في تعاطيهم مع حركة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) العامة والشاملة:
الصنف الأول: صنف يعلن إسلامه على يديه (عجَّل الله فرجه) عندما يظهر لهم نسخة التوراة الأصلية، ويحاججهم بها ويغلبهم معرفياً بإقامة الحجة عليهم، ومر آنفاً ذكر رواية بهذا الصدد، وكذلك يظهر لهم تراثهم الديني، والذي يعتقدون به يقيناً، وفي المأثور الروائي من طرق العامة (عن سليمان بن عيسى قال قد بلغني أنه على يدي المهدي يظهر تابوت السكينة من بحيرة الطبرية، حتى يحمل فيوضع بين يديه ببيت المقدس، فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلا قليلا منهم...)(27).
الصنف الثاني: صنف يؤمن بالسيد المسيح عيسى (عليه السلام) بعد نزوله من السماء إلى الأرض، وقبل موته، كما يظهر من تفسير بعض الآيات القرآنية الشريفة والروايات المأثورة، والتي سنذكرها في ثنايا البحث.
الصنف الثالث: صنف يدخل الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في قتال معهم، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله»(28).
وكذلك من يتبعون الدجال وحركته الضالة، ويناصرونه ضد حركة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، والدجال رجل يهودي بحسب المأثور الروائي الشهير، وقد يكون حركة أو تياراً دينياً ضالاً، يسهم في إضلال الناس وحرفهم وغوايتهم، فعن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «يا خيثمة سيأتي على الناس زمان، لا يعرفون الله ما هو والتوحيد، حتى يكون خروج الدجال، وحتى ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)، من السماء، ويقتل الله الدجال على يديه...»(29)، أي يكون قتله على يد النبي عيسى (عليه السلام): (عن مجمع بن جارية أن النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] قال: الدجال يقتله عيسى بن مريم على باب اللد)(30).
وفي المحصلة العقائدية والعملية من مجمل حراك الإصلاح الديني على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وتآزر النبي عيسى (عليه السلام) معه، يتأكد أن دين الله تعالى الإسلام سيكون هو الدين الحق الغالب والظاهر على الدين كله في الأرض بأصوله وفروعه المستقيمة ومنظومات أخلاقه وحقوقه ومناهجه، وعن (تفسير العياشي: عن رفاعة بن موسى قال: سمعت أبا عبد الله، الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يقول: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: 84]، قال: «إذا قام القائم لا يبقى أرض إلّا نودي فيها شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمداً رسول الله»(31).
بحيث تصير الملل كلها ملة واحدة، وهي ملة الإسلام الحنفية، وهذا المعنى العقائدي الموعود قد أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً﴾ (النساء: 159)، وبينه الشيخ الطبرسي بقوله: (أي: ليس يبقى أحد من أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، إلّا ويؤمنن بالمسيح، قبل موت المسيح، إذا أنزله الله إلى الأرض، وقت خروج المهدي، في آخر الزمان، لقتل الدجال، فتصير الملل كلها ملة واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية، دين إبراهيم، عن ابن عباس، وأبي مالك، والحسن، وقتادة، وابن زيد، وذلك حين لا ينفعهم الإيمان، واختاره الطبري قال: والآية خاصة لمن يكون منهم في ذلك الزمان)(32).
على أنه لا يخفى أن مفاد بعض الروايات على حكمه (عجَّل الله فرجه) لأهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم دالة على جواز تعدد الأديان في زمانه (عجَّل الله فرجه) وإن كان في دائرة ضيقة من حكمه (عجَّل الله فرجه) هو أوائل ظهوره.
المحور الثاني: أحداث الظهور ليست خاصة بدين معين - الحراك التغييري العام ومجرياته:
ويشتمل هذا المحور على عدة مطالب:
المطلب الأول: شواهد على عمومية وعالمية أحداث الظهور:
من المعلوم - وبحسب المنظور الروائي المشهور والموثوق - أن أحداث الظهور المهدوي الشريف لا تختص بدين دون آخر، أو بمكان دون غيره، أو بأمة دون أخرى، فهي أحداث عامة وشاملة، تستهدف إصلاح الأوضاع البشرية كافة في الأرض قاطبة، في شتى مفاصل الحياة الدينية والدنيوية.
وهذه الأحداث البارزة والملفتة للنظر في وقتها تكون على قدر عال وكبير من الأهمية، بحيث تستدعي انتباه الناس عامة إليها، وتحديد المواقف والخيارات منها، خاصة وأن لها علاقة بالتاريخ الديني العقائدي الموعود والمنتظر عند جميع أهل الأديان السماوية، ودورها في صناعة المستقبل البشري القويم.
ومن أبرز هذه الأحداث العالمية نزول النبي عيسى بن مريم (عليه السلام) من السماء إلى الأرض، والذي هو أمر مجمع عليه ومشهور عند علماء الخاصة والعامة في الإسلام، وإن نزوله يتزامن مع ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان، بحسب المأثور الروائي، قال القندوزي: وصح مرفوعاً: «ينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صلِّ بنا، فيقول: لا، إنَّما بعضكم أئمة على بعض، تكرمة من الله لهذه الأُمَّة»(33).
وقد ذكر الشيخ الطبرسي النوري هذا الأمر الاعتقادي المشهور، وقال: (المشهور بين علماء الخاصة والعامة بقاؤه - أي النبي عيسى (عليه السلام)-، في السماء حيا بحياة الأرض، وقد رفع حياً إلى السماء، ولم يمت ولا يموت إلى آخر الزمان، فينزل ويصلي خلف المهدي (صلوات الله عليه)، ويكون وزيره، والأخبار في ذلك كثيرة)(34).
إن المستظهر من مجمل الروايات المعتبرة في شأن نزول النبي عيسى (عليه السلام)، - بل وحتى من دلالات وتفسير بعض الآيات القرآنية الخاصة بذلك - هو أن للنبي عيسى (عليه السلام) أدواراً محفوظة ومدخرة ليوم الظهور الشريف، ومن أجلاها:
أولاً: دور الوزير والمساعد في التصديق بدعوة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والتآزر الوثيق معه في عملية إصلاح الأديان السماوية، والتكريم والتقدير لإمامة وشخص الإمام المهدي بالصلاة خلفه، وتقديمه على نفسه، كنبي معصوم من أنبياء أولي العزم.
روى السيد ابن طاووس في كتابه (الملاحم والفتن) عن شريح بن عبيد عن كعب، قال: يهبط المسيح، عيسى بن مريم عند القنطرة البيضاء على باب دمشق الشرقي إلى طرف الشجر، تحمله غمامة، واضع يديه على منكب ملكين، عليه ريطتان مؤتزر بإحداهما مرتد بالأخرى، إذا أكب رأسه يقطر منه كالجمان، فيأتيه اليهود فيقولون: نحن أصحابك، فيقول: كذبتم، ثم يأتيه النصارى فيقولون: نحن أصحابك، فيقول: كذبتم، بل أصحابي: المهاجرون بقية أصحاب الملحمة، فيأتي مجمع المسلمين حيث هم، فيجد خليفتهم يصلي بهم، فيتأخر للمسيح حين يراه، فيقول: يا مسيح الله صلِّ بنا، فيقول: بل أنت فصلِّ بأصحابك، فقد رضي الله عنك، فإنما بعثت وزيراً، ولم أبعث أميراً، فيصلي بهم خليفة المهاجرين ركعتين مرة واحدة وابن مريم فيهم - وقال في حديث آخر بإسناده عن حذيفة بن اليمان عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): فيهبط عيسى، فيرحب به الناس، ويفرحون بنزوله لتصديق حديث رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)]، ثم يقول للمؤذن: أقم الصلاة، ثم يقول له الناس: صلِّ بنا، فيقول: انطلقوا إلى إمامكم فليصلِّ بكم، فإنه نعم الإمام، فيصلي بهم إمامهم، فيصلي معهم عيسى)(35).
وإن صلاة النبي عيسى (عليه السلام) خلف الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أمر متواتر روائياً، وقد صرَّح بهذا الأمر على نحو التواتر والاستفاضة ابن حجر الهيتمي المكي، حيث قال: (قال أبو الحسن الآبري قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى بخروجه - خروج المهدي (عجَّل الله فرجه) - وأنه من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأُمة، ويصلّي عيسى خلفه - وما ذكره من أن المهدي يصلي بعيسى هو الذي دلت عليه الأحاديث، كما علمت)(36).
وكذلك صرح به أيضاً الشيخ القندوزي الحنفي، وقال: (وقد تواترت الأخبار عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بخروج المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يساعد عيسى (عليه السلام)، على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأُمة ويصلي عيسى خلفه)(37).
ثانياً: دور الحكم المقسط:
فإن النبي عيسى (عليه السلام) سيساهم في رفع الاختلاف وإزالة الانحراف عند أهل الأديان والملل، وخصوصاً أهل الإنجيل، وإعادة ترتيب الوضع التشريعي والمعاشي لهم، كما ورد ذلك في مأثور العامة، فروي أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم (صلى الله عليه وسلم) حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد)(38).
ثالثاً: دور الآية الإلهية:
فكونه آية تدفع الناس كافة في وقتها إلى الإيمان به والتصديق له، ولمن يتابعه ويدعو إليه، ويصلي خلفه، أي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهذا هو ما حدّث به الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، وقال: «إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهل ملة، يهودي، ولا غيره، إلّا آمن به قبل موته، ويصلي خلف المهدي»(39)، وهذا ما يعزز دوره (عليه السلام) في ترسيخ الاعتقاد الحق بالإسلام ديناً وحاكماً ونظاماً.
رابعاً: إن تآزر النبي عيسى (عليه السلام) مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وقت الظهور هو شكل من أشكال الاجتماع والتواصل الديني الإلهي بين القيادات المعصومة عند أهل الأديان السماوية كافة، تحت جامع الاشتراك في الأصول العقائدية الأولى والمستقيمة، كعقيدة التوحيد والنبوة والعدل والإمامة والمعاد، وتعزيز أبعاد التصحيح الديني عملياً، والتقارب الثقافي والتعارف الاجتماعي، والقبول العقائدي والتشريعي، والتعاون في نصرة محاور وقوى الإيمان والعدل والحق والخير والإصلاح، والتواصل بين أجيال وأتباع الديانات الإلهية بما يجمعهم وينفعهم في طريقة تعايشهم وامتثال تكاليفهم وعلاقاتهم ببعضهم بعضاً.
وتعريف أهل الأديان السماوية كافة بمقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأهل البيت المعصومين (عليهم السلام)، وأنهم أفضل من جميع الأنام ومتقدمون على غيرهم.
وهذا المعنى القيم أشار إليه الشيخ الفقيه المتكلم الجليل أبو الفتح الكراجكي، المتوفى في سنة (449هـ. ق) في كتابه (التفضيل)، حيث قال: (ومما نقلته الشيعة وبعض محدثي العامة أن المهدي (صلى الله عليه)، إذا ظهر أنزل الله تعالى المسيح (عليه السلام) فإنهما يجتمعان، فإذا حضرت صلاة الفرض، قال المهدي للمسيح: تقدم يا روح الله، يريد تقدم للإمامة، فيقول المسيح: أنتم أهل بيت لا يتقدمكم أحد، فيتقدم المهدي (عليه السلام)، ثم يصلي المسيح خلفه (صلى الله عليهما)، وهذه شاهدة من المسيح (عليه السلام) بأن أهل البيت (عليهم السلام) أفضل من جميع الأنام)(40).
المطلب الثاني: موقف أهل الأديان السماوية في معارك الظهور:
مرَّ في بعض المطالب المتقدمة أن موقف أهل الأديان السماوية من حركة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ومشروعه الإصلاحي الشامل، يكون على أصناف عدة، فمنهم من يعلن إسلامه ويؤمن به كأتباع السيد المسيح عيسى (عليه السلام) وبعض اليهود، ومنهم من يقف ضده، كما في موقف بعض آخر من اليهود، والذين يقاتلونه في معركة تحرير القدس، كما سيأتي بيان ذلك.
وبحسب المأثور الروائي تتوزع معارك الظهور وفق جغرافية البلدان والأُمم والشعوب آنذاك، وهذه المعارك تكون بعد مدة من استقرار الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في العراق، وتثبيت دعائم قيامه وحراكه، وكذلك انضواء بعض البلدان الإسلامية كالحجاز واليمن وإيران وغيرها تحت حكمه، كما تشير الروايات إلى ذلك(41)، ونذكر بعض المعارك منها، كالآتي:
أولاً: معركة فتح بلاد الروم(42) والقسطنطينية(43) - وهذه المعركة من المعارك المشهورة، وقد ذكرها ورواها المقدسي الشافعي في كتابه عقد الدرر في أخبار المنتظر في باب فتوحات الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قصة المهدي وفتوحاته ورجوعه إلى دمشق، قال: «ثم يأمر المهدي (عليه السلام) بإنشاء مراكب، فينشئ أربعمائة سفينة في ساحل عكا، وتخرج الروم في مائة صليب، تحت كل صليب عشرة آلاف، فيقيمون على طرسوس ويفتحونها بأسنة الرماح، ويوافيهم المهدي (عليه السلام)، فيقتل من الروم حتى يتغير ماء الفرات بالدم، وتنتن حافتاه بالجيف، وينهزم مَن في الروم، فيلحقون بأنطاكية.
وينزل المهدي على قبة العباس حذو كفرطورا، فيبعث ملك الروم يطلب الهدنة من المهدي، ويطلب المهدي منه الجزية، فيجيبه إلى ذلك، غير أنه لا يخرج من بلد الروم أحد، ولا يبقى في بلد الروم أسير إلّا خرج.
ويقيم المهدي بأنطاكية سنته تلك، ثم يسير بعد ذلك ومن تبعه من المسلمين، لا يمرون على حصن من بلد الروم، إلّا قالوا عليه: لا إله إلّا الله، فتتساقط حيطانه، وتقتل مقاتلته، حتى ينزل على القسطنطينية، فيكبرون عليها تكبيرات...»(44).
إن هذه الرواية تنص صراحة على أن دين بلاد الروم هو المسيحية، بدليل حملهم الصليب، وبملاحظة عدة روايات يظهر أن هذه المعركة إنما تحدث بسبب الهجمات والاعتداءات من قبل بلاد الروم ضد المسلمين ودولتهم عند ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
وتكون بعدها هدنة بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وملك الروم، يتم فيها دفع الجزية للإمام، وترتيب عملية استكمال فتح القسطنطينية بشكل كامل عن طريق الصلح والدعوة للتسليم وقبول الحق المتمثل بالدين الإلهي الإسلامي.
ففي الرواية عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: «ويبعث جندا إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها، فيحكمون فيها ما يريدون»(45).
ومعنى ذلك أن أهل القسطنطينية يسلمونها للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) دون قتال.
ثانياً: معركة فتح القدس الشريف، والتي من خلالها يتم تحرير مدينة القدس الشريف من سيطرة الغزاة والغاصبين اليهود، على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وبمشاركته بنفسه الشريفة وإشرافه المباشر على جيوش الفتح، بحسب المأثور الروائي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في رواية طويلة مفصلة، نذكر منها محل الشاهد، حيث قال: «ثم يتوجه المهدي من مدينة القاطع إلى القدس الشريف، بألف مركب، فينزلون شام فلسطين بين عكا وصور وغزة وعسقلان، فيخرجون ما معهم من الأموال، وينزل المهدي بالقدس الشريف، ويقيم بها إلى أن يخرج الدجال، وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)، فيقتل الدجال»(46).
ولهذه المعركة الحاسمة آثار كبيرة بالنسبة إلى أهل الأديان السماوية وغيرهم آنذاك، بحيث تضعهم أمام خيار الطاعة والتسليم للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) طوعاً، وتسليم القدس الشريف إليه، ففي الرواية عن الإمام علي (عليه السلام): «ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس، وتنقل إليه الخزائن، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال»(47).
وأمّا بالنسبة إلى اليهود وموقفهم في هذه المعركة هو الهزيمة النكراء، وانتهاء دورهم الديني والعسكري والسياسي والفكري على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وجيوشه، وإخراجهم من فلسطين وبلاد العرب، كما في الرواية المأثورة عن عباية الأسدي، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو متكئ، وأنا قائم عليه: «لأبنينَّ بمصر منبراً، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب ولأسوقن العرب بعصاي هذه»، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيى بعد ما تموت؟ فقال: «هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني»(48)،(49).
وكذلك ورد في بعض الروايات المأثورة أن بعضاً من اليهود ممن يناصرون الدجال ضد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ستكون نهايتهم وهزيمتهم على يد النبي عيسى (عليه السلام)، كما روى ابن ماجة في سننه: (فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً، ويقول عيسى (عليه السلام): إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله، فيهزم الله اليهود)(50).
المطلب الثالث: رجعة أهل الكهف ودورهم مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
إن قصة أهل الكهف من القصص التاريخية الراشدة والفاعلة عقائدياً وسلوكياً، والتي وردت في سورة الكهف مفصلة في القرآن الكريم، إذ إنها حكت دور فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى، وحدث ما حدث معهم، مما هو معروف، وفيه جانب الإعجاز الإلهي الحكيم.
وتنص الروايات على حقيقة رجعة أهل الكهف في آخر الزمان عند خروج الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وتعلل رجعتهم بأنهم سيكونون له أعواناً وأنصاراً وحكاماً، ومتابعين للسيد المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) عند نزوله أيضاً.
فقد ورد في الرواية عن أبي عبد الله الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «يخرج مع القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبع وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام)، الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً»(51).
وهذه الرواية صريحة في بيان دور أهل الكهف بعد رجعتهم عند خروج الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في نصرته، وفي إدارة الأقاليم والبلدان التي تفتح بمشاركتهم.
وذكر أيضاً القندوزي الحنفي في ينابيع المودة: (وجاء في روايات: أنه عند ظهوره ينادي فوق رأسه ملك: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه، فيذعن له الناس، ويشربون حبه، وأنه يملك الأرض شرقها وغربها، وأن الله تعالى يمده بثلاثة آلاف من الملائكة، وأن أهل الكهف من أعوانه...)(52).
ومن المأثور أن دور أهل الكهف لا يقتصر في الرجعة على نصرة وإعانة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وإدارة البلدان بين يديه، بل سيكون لهم دور مع النبي عيسى (عليه السلام) بمتابعته والمشي خلفه، أو ما يمكن التعبير عنه بالالتزام بمنهجه اعتقاداً وسلوكاً في عملية الإصلاح الديني لدين النصارى ومناصرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في إقامة دولته الحقة العادلة، ونشر الأمن والسلام في ربوع الأرض، كما تصور هذا المعنى بعض الروايات، روى عمر بن إبراهيم الأوس في كتابه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: «ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)، عند انفجار الصبح ما بين مهرودين، وهما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهناً، بيده حربة، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويهلك الدجال ويقبض أموال القائم، ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم، وحاجبه ونائبه، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن (عليه السلام)»(53).
المحور الثالث: آليات الحكم المهدوي والتطبيقات الدينية في دولته - نموذج من التعامل الديني مع الأديان السماوية - الشمول والمكتسبات:
ويشتمل هذا المحور على مطلبين:
المطلب الأول: شمولية الأحكام الإسلامية للأديان الأخرى - ونموذج الحكم بحكم داود (عليه السلام):
تدل الروايات المعتبرة على أن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) إذا ظهر، وأقام دولته العادلة الحقة، يبعث من رجاله قضاة وحكاماً إلى أقطار العالم لنشر العدل بينها، وأحكام الإسلام الأصيلة فيها، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه، ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك، واعمل بما فيها»(54).
وتجدر الإشارة إلى أن عبارة «وعهدك في كفك» تبيَّن أن هؤلاء الرجال الحكام علماء وفقهاء، وسيكون بيدهم دستور مكتوب ومدون فيه أحكام الدين الإلهي القيم والغالب يومئذٍ، والصالح والشامل لجميع أهل الأديان السماوية تشريعاً وقضاء وعملاً، فضلاً عن الاعتقاد به وقبوله.
وإن من أولويات الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وهؤلاء الحكام هو الحكم بالعدل ودفع الظلم، وتأمين سبل التعايش العام بين الأُمم والشعوب، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والمالية والقانونية والعقائدية عند جميع أهل الأديان السماوية، وتعميم أحكام الإسلام العزيز بينهم، تطبيقاً وسلوكاً، مما تكون مدعاة لاعتناق الإسلام ديناً والإيمان به اعتقادا عند الجميع، كما ذكرت ذلك بعض الروايات المأثورة، روى علي بن عقبة، عن أبيه قال: (إذا قام القائم (عليه السلام)، حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله تعالى يقول: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: 83]، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (عليهما السلام)، فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته، ولا لبره، لشمول الغنى جميع المؤمنين)(55).
وببيان الدين الإلهي الإسلامي الحق بين أقاليم الأرض وإقامة العدل فيها، يرتفع الاختلاف بين أهل الأديان والملل، وتتوحد كلمتهم العقائدية في أصول الدين المستقيم الجامع للأديان السماوية توحيداً لله تعالى وإيماناً به، وطاعة له وتسليماً.
ولا ينافي ذلك الشمول والتعميم للدين الإلهي الإسلامي لجميع أهل الأديان السماوية، كونهم أتباع كتب إلهية منزلة من السماء على أيدي أنبيائهم السابقين، وأنها ستستخرج على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عند ظهوره، وسيحكم بينهم فيها، كما رود في الرواية عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): «فإنما سمي المهدي، لأنه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة، وسائر كتب الله من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان...»(56).
وقد أجاب العلامة المجلسي (طاب ثراه) عن هذه المنافاة المدعاة، بقوله: (لأن هذا - أي الحكم بينهم بكتبهم آنذاك - محمول على أنه يقيم الحجة عليهم بكتبهم، أو يفعل ذلك في بدو الأمر قبل أن يعلو أمره، ويتم حجته)(57).
وكونهم أهل كتب سماوية منزلة أيضاً لا ينافي ولا يمنع من عرض الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الإسلام الحق عليهم أو حملهم عليه، بالغلبة العسكرية والبرهانية والعلمية والمعرفية وحتى الإعجازية، وهو معنى الإظهار الموعود للدين في آخر الزمان، حتماً مقضياً في آيات القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33 - الصف: 9)، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ (الفتح: 28).
فموقف أهل الأديان السماوية من اليهود والنصارى وغيرهم في نهاية المطاف يتحدد بقبول الإسلام اعتقاداً بعد إظهار الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) له في أقاليم الأرض قاطبة، كما ورد ذلك في التفسير المأثور لقوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ عن ابن عباس، الذي قال: أكثر ما قلت في التفسير مأخوذ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني، ولا صاحب ملة إلّا صار إلى الحق، الإسلام، حتى تأمن الشاة والذئب، والبقرة والأسد، والإنسان والحية، حتى لا تقرض الفأرة جراباً، وحتى توضع الجزية، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، وهو قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾، وذلك يكون عند قيام القائم (عليه السلام)»(58).
وتشير الروايات المأثورة إلى أن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) سيحكم بين الناس من جميع أهل الأديان السماوية كافة بالأحكام الواقعية الموافقة لجعل الله تعالى وتشريعه، والتي يلهمها إياه سبحانه، ويحكم بعلمه اللدني، فلا يحتاج إلى بينة في القضاء، وورد هذا الأمر عن أبان بن تغلب، قال: قال لي أبو عبد الله - الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «دمان في الإسلام حلال من الله لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث الله قائمنا أهل البيت، فإذا بعث الله (عزَّ وجلَّ) قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله لا يريد عليهما بينة الزاني المحصن يرجمه ومانع الزكاة يضرب عنقه»(59).
وكذلك يكشف (عجَّل الله فرجه) عن بواطن الناس، ويميز الأعداء من الأولياء بالتوسم، أي بالفراسة والمعرفة البالغة والبصيرة، وهو بذلك يشابه النبي داود (عليه السلام) في عدم الحاجة إلى بينة، فيحكم بعلمه فيما يعلمه، كما ورد ذلك في الرواية عن أبي عبد الله، الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، قال: «إذا قام قائم آل محمد (عليه وعليهم السلام) حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلى بيِّنة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم»(60).
وفي رواية أخرى عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «يا أبا عبيدة، إذا قام قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بينة»(61).
وفي رواية ثالثة أشمل وأعم في تصوير حكم الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ومصادره المعرفية والغيبية، عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله - الإمام جعفر الصادق - (عليه السلام)، ما منزلة الأئمة؟ قال: «كمنزلة ذي القرنين وكمنزلة يوشع وكمنزلة آصف صاحب سليمان»، قال: فبما تحكمون؟ قال: «بحكم الله وحكم آل داود وحكم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ويتلقانا به روح القدس»(62).
ويظهر من مجمل الروايات المأثورة في شأن تعميم وشمول الدين الإسلامي الحق الغالب آنذاك في وقت ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لغيره من أهل الأديان السماوية، أن هذا الأمر سيخضع لعوامل عدة، ومراحل مختلفة بحسب طبيعة عملية فتح البلدان، وتنامي وعي الأُمم والشعوب من أهل الأديان السماوية، وغيرهم ممن لم يتخذ ديناً كالمذاهب الوضعية والفكرية الملحدة، ورفضها لواقعها الراهن آنذاك، بسبب ما تتعرض له من ظلم واستضعاف عقائدي واقتصادي، وحتى سياسي، مما يدفعها ذلك إلى طلب التغيير العادل والخلاص مما هي فيه، أو أنها ستنشد ما يوافق فطرتها السليمة وعقولها المستقيمة في تقبل عملية الإصلاح الديني الإلهي المؤيد بحججه الغيبية الغالبة، كما سيحصل مع نزول السيد المسيح عيسى بن مريم، والذي هو حجة إلهية دينية موعودة ومنتظرة عند أتباعه والمؤمنين به في وقت الظهور المهدوي الشريف، أو كما سيحصل أيضاً مع اليهود في استخراج (التوراة) كتابهم السماوي بنسخته الصحيحة، وبقايا تراثهم الديني القديم، كما سيأتي ذكر ذلك في المطلب الثاني من هذا المحور.
وأيضاً من العوامل البارزة التي ستساعد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في تعميمه ونشره للإسلام في نطاقات واسعة، تشمل دائرة الأديان السماوية والملل والمذاهب الأخرى دينياً وفكرياً ووضعياً، وغير ذلك، هو العامل الغيبي المصاحب لوقت الظهور، من حدوث الصيحة السماوية وبعض الآيات الكونية، مما تبعث على التأمل الراشد عقلاً وديناً عند أهل الأديان السماوية الأخرى، فتدفعهم إلى التصديق والتسليم وقبول الإسلام اعتقاداً وإيماناً.
فضلاً عن النجاح العملي الكبير في تطبيقات العدل الإلهي على يدي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وشموله لأهل الأديان السماوية في أقاليمهم، كما مرَّت الإشارة إلى ذلك في بعض الروايات، ومن الواضح أن العدل جامع ديني وعقلاني منشود عند الجميع، ويستقطب المؤمنين به إلى قبول حيثياته الدينية والإصلاحية بما يسهم في تقرير حقانية الإسلام في الفطرة والعقول والقلوب والنفوس والسلوك، وتقبله وفق تلك المناطات الإنسانية والعقلانية الواحدة.
المطلب الثاني: استخراج التوراة والإنجيل وتراث الأنبياء وبقاياهم - الأهداف والمكتسبات:
إن استخراج الكتب السماوية الأصلية والصحيحة بنسخها الدينية والتاريخية السليمة من التحريف، والمحفوظة في أماكن مخصوصة، والتراث الديني الإلهي القديم على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عند خروجه، يدخل ضمن التطبيقات العملية لعنوان وارث الأنبياء، الذي يتجلى بشخصه المعصوم حصراً آنذاك.
وهو من أول الأعمال التي سيقوم بها (عجَّل الله فرجه) في نطاق التعاطي مع أهل الأديان السماوية من اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى قبول عملية الإصلاح الديني العام والتصحيح الفعلي لما وقع من انحرافات ومخالفات ومنعطفات في الاعتقاد والاتباع والتشريع والسلوك.
وقد ذكر المحدث الشيخ الطبرسي النوري في كتابه النجم الثاقب ما نصه: (وجاء في عدة أخبار أن الكتب السماوية الأصلية في غار في أنطاكية، وأنه (عليه السلام) - أي الإمام المهدي -، سوف يخرجها من هناك.
ومروي في غيبة الفضل بن شاذان عن الإمام الباقر (عليه السلام)، أنه قال: «أول ما يبدأ القائم (عليه السلام) بأنطاكية(63)، فيستخرج منها التوراة من غار، فيه عصا موسى، وخاتم سليمان»(64).
ولم يقتصر عمل الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على أمر استخراج الكتب السماوية لأهلها وحسب، بل وسيحكم بينهم فيها في أول الأمر، كسبيل قطعي لكسب تصديقهم بدعوته الحقة، وما أشارت إليه ونصت عليه كتبهم السماوية بخصوص البشارة بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ولمحاججتهم بها في إثبات مدعاه، ولإقامة الحجة الغالبة عليهم بما يؤمنون به أنفسهم، إلى أن يتم أمره، ويدعوهم إلى قبول الاعتقاد بالإسلام ديناً إلهياً حقاً وجامعاً للناس أجمعين.
فروي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «... وإنما سمي المهدي مهدياً، لأنه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عزَّ وجلَّ) من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن...»(65).
واستخراج جميع الكتب السماوية من أماكنها المخصوصة يدخل أيضاً في نطاق استكمال دور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في هداية أهل الأديان السماوية إلى الدين الإسلامي الحق في آخر الزمان، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الزيغ إلى الاستقامة، وتوحيدهم تحت الجامع العام للأصول العقائدية المستقيمة الأولى من التوحيد الإلهي والعدل والإيمان بالأنبياء والمعاد، والتي لا تختلف فيها الكتب السماوية، فضلا عن صيرورتها شواهد وبينات قطعية محسوسة على حجية حراك الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في دعوته وتعاطيه مع أهل الأديان السماوية أنفسهم وكتبهم الدينية.
وإن تعاطي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) مع أهل الأديان السماوية لا يقف عند حد إخراج كتبهم المنزلة من السماء من مواضعها الموجودة فيها، بل سيخرج لهم أيضاً تراث بعض أنبيائهم، من غير الكتب، كعصا النبي موسى (عليه السلام) وتابوت آدم، كما ورد ذلك في الرواية عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يقول: «عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة، أتاه بها جبرائيل (عليه السلام) لما توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا، ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم (عليه السلام) إذا قام»(66).
ويظهر أيضاً من بعض الروايات المأثورة من طرق العامة أن إخراج الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لتابوت السكينة وللكتب السماوية من مواضعها المحفوظة فيها، يسهم في فتح البلدان، باعتبارها آية لهم، وحجة دامغة عليهم، كما في الرواية المأثورة عن كعب، قال: (المهدي يبعث بقتال الروم يعطي فقه عشرة، يستخرج تابوت السكينة(67) من غار بأنطاكية، فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى (عليه السلام)، والإنجيل الذي أنزله الله (عزَّ وجلَّ) على عيسى (عليه السلام)، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم)(68).
وكذلك سيسهم إخراج الكتب السماوية لأهلها، وخصوصاً من اليهود في تقبل أكثرهم للإسلام ديناً واعتناقهم له، كما في رواية نعيم بسنده عن سليمان بن عيسى، قال: (قد بلغني أنه على يدي المهدي يظهر تابوت السكينة، من بحيرة الطبرية، حتى يحمل، فيوضع بين يديه ببيت المقدس، فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلّا قليلاً منهم)(69).
وورد هذا المعنى أيضاً في رواية أخرى له: عن كعب، قال: إنما سمي المهدي، لأنه يهدي إلى أسفار من أسفار التوراة، يستخرجها من جبال الشام، يدعو إليها اليهود، فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة، ثم ذكر نحواً من ثلاثين ألفاً)(70).
ومن المعلوم أن الدين الإسلامي الخاتم هو الدين الإلهي الذي ستكون له الغلبة على بقية الأديان في آخر الزمان، وكما وعد القرآن الكريم بذلك، ونصت الروايات الكثيرة والمعتبرة على هذه الحقيقة الدينية الموعودة، والتي ستتحقق وتكتمل على يدي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وإن لإخراجه الكتب السماوية دوراً في تنجيز ذلك واقعاً وتطبيقاً، باعتبارها شواهد ودلائل إلهية تعزز خاتمية الإسلام وأهليته بالهدى والاستقامة والمنهاج الصالح لأهل الأديان السماوية كافة، مما يدفعهم للدخول في الإسلام.
وفي شأن هذه الحقيقة المستقبلية الموعودة ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33) ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ أي ليظهر الدين دين الإسلام على كل دين، قال السدي: ذاك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلّا دخل في الإسلام أو أدى الجزية(71).
من أهم أهداف ومكتسبات إخراج الكتب السماوية وبقايا تراث الأنبياء لأهل الأديان والمؤمنين بها:
1 - ترسيخ البُعد الروحي والغيبي بين أهل الأديان السماوية كافة ومنزلها الله سبحانه وتعالى، ومخرجها الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، مما تشكل عملية تآزرية متبادلة وفاعلة وراشدة في تقبل الإصلاح العقائدي والتصحيح التشريعي، وإقامة العدل العملي، وإظهار الإسلام ديناً إلهياً للناس أجمعين، كما في نزول ونصرة النبي عيسى (عليه السلام) وتعاضده مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في هذا النطاق.
2 - يمثل استخراج الكتب السماوية لأهلها عند خروج الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وعلى يديه وثيقة تاريخية حسية مشهودة ومقبولة ومثبتة للحق والهدى ومصداقه وأوصافه نصاً، وهو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لا غير، والذي أوكل إليه القيام والظهور بالعدل في الأرض قاطبة.
3 - يسهم استخراج الكتب السماوية في حد ذاتها في تكثير عدد المسلمين والمؤمنين من نفس أتباع الأديان كاليهود والنصارى وغيرهم، كما ورد ذلك في بعض الروايات آنفة الذكر، بوصفها كتباً مقدسة عندهم، وقد أخرجت بنسخها الصحيحة والسليمة من التحريف، مما ترفع الاختلاف بينهم، وتجعلهم ينضون تحت مظلة الكتب الأُم الأصلية حكماً وقضاء وحجة ودليلاً.
4 - إن استخراج الكتب السماوية لأهلها المؤمنين بها يعتبر نوعاً من البشارة، أو ما يمكن تسميته نصاً من السابق المعصوم على اللاحق، في مراحل بعثة الأنبياء والأوصياء عبر التاريخ الطويل، لتعزيز حقانية وصدقية اللاحق المعصوم من قبل السابق مثله، وهذه القاعدة العقائدية معهودة ومعروفة في حراك الأنبياء والرسل وأوصيائهم والأئمة المعصومين من بعدهم، وقد حكاها القرآن الكريم تعزيزاً لها وتعويلاً عليها، وهي ما ستحصل مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في تقديم النبي عيسى (عليه السلام) له في إمامة الصلاة ومؤازرته ونصرته ومساعدته في تحقيق التكليف الإلهي المناط به، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الإسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤوُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ﴾ (الصف: 6-8).
5 - تكميل البُعد المعرفي لمجموع الكتب السماوية بين أهلها كافة.
6 - المحافظة على الأصول الدينية الأولى المستقيمة، والجامعة لأهل الأديان السماوية كافة، دون تحريف أو ابتداع أو اعوجاج، لإظهار التوحيد الإلهي الخالص والاعتقاد به، كما هو موجود في كتبه المنزلة والموثوقة نسخاً وتدويناً.
خلاصة البحث:
إن الدين في مفهومه العام يمثل للإنسان سبيلاً فطرياً وفكرياً وسلوكياً ضرورياً في حاجته إليه، يجعله منقاداً ومطيعاً لما يؤمن به من اعتقادات عدة ومختلفة.
ولهذه الاعتقادات أصول إلهية واحدة في جعلها من أول الأمر عند جميع أهل الأديان السماوية، كتوحيد الله تعالى والإيمان بالنبوات والعدل والمعاد وغير ذلك، وإن الضامن الموثوق به لتبليغها للناس وصحتها وحفظها هو المعصوم، من نبي أو إمام منصوب ومنصوص عليه، وقد تعرضت هذه الاعتقادات عبر التاريخ الطويل في أصولها إلى تحريف ومخالفات لما هي عليه واقعاً، بفعل إتباع الهوى والرأي والاستغلال والتوظيف لمأرب باطلة.
ولهذا ستأتي عملية الإصلاح والتصحيح الموعودة على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بوصفه وارث الأنبياء وعلومهم وبقاياهم الدينية، وبتآزر النبي عيسى (عليه السلام) معه بعد نزوله، لترجع الأديان السماوية إلى نصابها المستقيم ووضعها السليم، وذلك من خلال القضاء على مظاهر الانحراف العقائدي تطبيقاً وسلوكاً، كما سيحدث هذا مع النصارى من كسر الصليب وقتل الخنزير، وفتح أقاليم الأرض والحكم فيها بالعدل والتسوية والحق، وكذلك باستخراج الكتب السماوية لأتباعها، لإقامة الحجة عليهم، ولتعريفهم بالدين الإلهي الحق القويم، ورفع الاختلاف بينهم، مما يسهم ذلك في إسلام الكثير منهم، يهوداً أو نصارى، أو من بقية الملل.
وإن عملية نشر الإسلام الدين الإلهي الغالب والظاهر آنذاك ستكون وفق مراحل تراتبية، بعد إقامة دول العدل والقضاء على الظلم والفساد في الأرض قاطبة، وشمول هذا العدل لأهل الأديان السماوية كافة، مما يدعوهم للإيمان بالإسلام ديناً ومنهاجاً، وعنده ستتحقق الأغراض المطلوبة والمكتسبات المنشودة.
الهوامش:
(1) معجم مقاييس اللغة - ابن فارس: مادة دين، ج2، ص319.
(2) لسان العرب - ابن منظور: مادين دين، ج13، ص169، ط، قم، إيران.
(3) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج2، ص429.
(4) الميزان في تفسير القرآن - السيد محمد حسين الطباطبائي: ج2، ص130، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.
(5) مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى - الشيخ محمد تقي الآملي: ج1، ص390، ط، 1377هـ ق.
(6) الكافي - الكليني: ج1، ص216، ط3، طهران.
(7) الغيبة - النعماني: ص232، الطبعة الأولى - 1422 ه. ق، قم.
(8) بحار الأنوار - المجلسي: ج51، ص59، ط2، بيروت، 1403هـ.
(9) الغيبة - النعماني: ص290، الطبعة: الأولى - 1422 ه. ق - قم المقدسة.
(10) الغيبة - النعماني: ص243، الطبعة الأولى - 1422 ه. ق - قم المقدسة.
(11) القرآن في الإسلام - السيد محمد حسين الطباطبائي: ص21، تعريب السيد أحمد الحسيني.
(12) حوار حول المهدي - السيد الشهيد محمد باقر الصدر: ص89، الطبعة الأولى المحققة - ربيع الثاني 1417 ه.
(13) بحار الأنوار - المجلسي: ج52، ص390، ط2، بيروت، 1403 هـ.
(14) عقد الدرر في أخبار المنتظر - يوسف بن يحيى المقدسي: ص40، الطبعة الأولى - 1399 ه.
(15) عقد الدرر في أخبار المنتظر - يوسف بن يحيى المقدسي: ص41، الطبعة الأولى - 1399 ه.
(16) الفتن - نعيم بن حماد المروزي: ص221، طبعة دار الفكر - 1414هـ.
(17) الكافي - الكليني: ج8، ص50 - الطبعة الثانية - طهران.
(18) فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير - المناوي: ج6، ص23، طبعة بيروت - 1415هـ.
(19) بحار الأنوار - المجلسي: ج52، ص391، ط3 - بيروت - 1403 هـ.
(20) البرهان في تفسير القرآن - السيد هاشم البحراني: ج3، ص893، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم المقدسة.
(21) نهج البلاغة - تحقيق الدكتور صبحي الصالح: ص196، الطبعة الأولى - بيروت 1387 هـ.
(22) الغيبة - النعماني: ص236، الطبعة: الأولى - 1422 ه، قم المقدسة.
(23) الوافي - الفيض الكاشاني: ج2، ص465، منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، العامة - أصفهان.
(24) الإرشاد - المفيد: ج2، ص383، الطبعة الثانية - 1414هـ - بيروت.
(25) الإرشاد - المفيد: ج2، ص384، الطبعة الثانية - 1414هـ - بيروت.
(26) بحار الأنوار - المجلسي: ج52، ص383، ط3، بيروت - 1403 هـ.
(27) الفتن - نعيم بن حماد المروزي: ص220، ط، دار الفكر - 1414هـ.
(28) صحيح البخاري: ج3، ص232، ط، دار الفكر - 1401هـ.
(29) بحار الأنوار - المجلسي: ج14، ص349، ط3- بيروت - 1403هـ.
(30) معجم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - الشيخ علي الكوراني: ج1، ص544، ط1، 1411هـ - مؤسسة المعارف الإسلامية.
(31) بحار الأنوار - المجلسي: ج52، ص340، ط3، بيروت، 1403هـ.
(32) مجمع البيان في تفسير القرآن - الشيخ الطبرسي: ج3، ص236، منشورات مؤسسة الأعلمي، ط1، 1415هـ.
(33) ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج3، ص343.
(34) النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب (عجَّل الله فرجه) - الشيخ حسين الطبرسي النوري: ج2، ص350 - إعداد مركز الأبحاث العقائدية.
(35) التشريف بالمنن في التعريف بالفتن - السيد ابن طاووس: ص174-175، ط1، أصفهان، 1416هـ.
(36) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة - أحمد بن حجر الهيتمي المكي: ص167، ط2، 1385هـ، مكتبة القاهرة.
(37) ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي الحنفي: ج3، ص345، ط1، دار الأسوة للطباعة والنشر.
(38) المحلى - ابن حزم الأندلسي: ج7، 391، طبعة دار الفكر.
(39) بحار الأنوار - المجلسي: ج9، ص195، ط2، 1403 هـ، بيروت.
(40) التفضيل - أبو الفتح الكراجكي: ص24، طبعة مؤسسة أهل البيت (عليهم السلام)، 1403هـ، طهران.
(41) ينظر عصر الظهور - الشيخ علي الكوراني: ص13، ط11 منقحة ومزيدة.
(42) المقصود بالروم في الأحاديث الواردة عن آخر الزمان وظهور المهدي (عجَّل الله فرجه): الشعوب الأوربية وامتدادهم في القرون الأخيرة في أمريكا، فهؤلاء هم أبناء الروم، وورثة أمبراطوريتهم التاريخية، ينظر عصر الظهور - الشيخ علي الكوراني العاملي: ص31، ط11، منقحة ومزيدة.
(43) إنما سميت القسطنطينية لأنها نسبت إلى منشئها، وهو قسطنطين الملك، وهو أول من أظهر دين النصرانية.
وهي تقع على خليج يصب في البحر الرومي، وهي متصلة ببلاد رومية والأندلس - أما رومية فهي أم بلاد الروم. ينظر كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر - يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي من علماء القرن السابع الهجري: ص173، ط1، 1399هـ، القاهرة.
(44) عقد الدرر في أخبار المنتظر - يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي من علماء القرن السابع الهجري: ص190، ط1، 1399هـ- القاهرة.
(45) الغيبة - النعماني: ص334، ط1، 1422هـ، منشورات أنوار الهدى - إيران - قم المقدسة.
(46) عقد الدرر في أخبار المنتظر - يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي: ص201، من علماء القرن السابع الهجري - ط1، 1399هـ - القاهرة.
(47) كنز العمال - المتقي الهندي: ج14، ص589.
(48) المقصود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بقرينة (مني) وحتمية الوعد الإلهي بالقضاء على اليهود وهزيمتهم، كما ورد ذلك في القرآن الكريم وروايات المعصومين (عليهم السلام).
(49) بحار الأنوار - المجلسي: ج53، ص60، ط3- بيروت - 1403هـ.
(50) سنن الحافظ أبى عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة (207 - 275 ه)، ج2، ص1361- طبعة دار الفكر.
(51) الإرشاد - المفيد: ج2، ص386، ط2، 1414هـ - تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث - دار المفيد.
(52) ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي الحنفي: ج3، ص344، ط1، دار الأسوة للطباعة والنشر.
(53) غاية المرام - السيد هاشم البحراني: ج7، ص93، تحقيق العلامة السيد علي عاشور.
(54) الغيبة - النعماني: ص334، ط1، 1422هـ - منشورات أنوار الهدى - إيران - قم المقدسة.
(55) الإرشاد - المفيد: ج2، ص385، ط2، 1414هـ - تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث - دار المفيد.
(56) بحار الأنوار - المجلسي: ج51، ص29، ط3- بيروت - 1403هـ.
(57) المصدر السابق.
(58) مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم - الحاج ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني: ص72، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - الطبعة الأولى - 1421 ه.
(59) الكافي - الكليني: ج3، ص503، الناشر - دار الكتب الإسلامية.
(60) الإرشاد - المفيد: ج2، ص386، ط2، 1414هـ، تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث - دار المفيد.
(61) الكافي - الكليني: ج1، ص397، الطبعة الثالثة - طهران.
(62) الكافي - الكليني: ج1، ص398، الطبعة الثالثة - طهران.
(63) أنطاكية (باليونانية Αντιόχεια، بالسريانية: ܐܢܛܝܘܟܝܐ، بالتركية Antakya) مدينة تاريخية تقع على الضفة اليسرى لنهر العاصي على بعد 30 كم من شاطئ البحر المتوسط في لواء الإسكندرون الواقع تحت السيادة التركية.
تعتبر مدينة أنطاكية إحدى أهم المدن في تاريخ سورية، حيث إنها كانت عاصمة سورية قبل الفتح الإسلامي في القرن السابع، وما زالت حتى الآن عاصمة للكنائس المسيحية الشرقية، دعيت مدينة أنطاكية بلقب (مهد المسيحية) نتيجة للدور المحوري الذي لعبته المدينة في ظهور كل من الهلنستية اليهودية والمسيحية المبكرة، انظر الموسوعة الحرة ويكيبيديا.
(64) النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب (عجَّل الله فرجه) - الشيخ حسين الطبرسي النوري: ص260، ج1، إعداد مركز الأبحاث العقائدية.
(65) الغيبة - النعماني: ص243، ط1، 1422هـ، منشورات أنوار الهدى - إيران - قم المقدسة.
(66) الغيبة - النعماني: ص243، ط1 - 1422هـ - منشورات أنوار الهدى - إيران - قم المقدسة.
(67) تابوت السكينة: ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ المَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (البقرة: 248).
تابوت السكينة صندوق فيه مواريث الأنبياء (عليهم السلام)، كان آية لبني إسرائيل على إمامة من يكون عنده، وقد جاءت به الملائكة تحمله بين جموع بني إسرائيل حتى وضعته أمام طالوت (عليه السلام)، ثم سلمه طالوت إلى داود، وداود لسليمان، وسليمان إلى وصيه آصف بن برخيا، ثم فقده بنو إسرائيل عندما تركوا وصي سليمان، وبايعوا غيره.
واعتقادنا أن تابوت السكينة وجميع مواريث الأنبياء وصلت إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ثم إلى أوصيائه (عليهم السلام)، فهي عند الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه). انظر المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - الشيخ علي الكوراني العاملي: ص647، ط1، 1426هـ.
(68) الفتن - نعيم بن حماد المروزي: ص220، طبعة دار الفكر - 1414هـ.
(69) الفتن - نعيم بن حماد المروزي: ص223، طبعة دار الفكر - 1414هـ.
(70) التشريف بالمنن في التعريف بالفتن - السيد ابن طاووس: ص 146، ط1- أصفهان - 1416هـ.
(71) الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) - أبوعبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: ج8، ص122، دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1405هـ.