أحداث عصر الظهور بين الإعجاز والتطور العلمي
أحداث عصر الظهور بين الإعجاز والتطور العلمي
م. د ساجد صباح ميس العسكري
مقدمة:
تُعدّ القضية المهدوية من أهم قضايا الفكر الإسلامي؛ لارتباطها بالإمامة، ولكونها قضية جدلية كثرت الأقوال فيها، وتعددت الآراء بين إفراطٍ وتفريطٍ، فقد أفرط بعضهم في سرد المغيبات التي دلت عليها الروايات من دون إخضاع تلك الروايات لمنهج النقد العلمي، وفرط آخرون عندما رفضوا جميع القضايا الغيبية وأصرّوا على إخضاعها للمنهج الحسي، وبين هذا وذاك يقع المنهج المعتدل في قراءة القضية المهدوية.
ومن المسائل المرتبطة بالقضية المهدوية: القضايا الإعجازية الخارقة، سواء كانت قبل الظهور المبارك أم بعده.
وجاء هذا البحث الموسوم (أحداث عصر الظهور بين الإعجاز والتطور العلمي) ليميز ما هو معجزٌ وما هو غير معجزٍ، وفق شروط وقوانين المعجزة.
وعُنْون البحث بأحداث الظهور ولم يُعَنْون بعلامات الظهور؛ لأنّ الأحداث أعم، تشمل العلامات وغيرها، كما أن العلامات سابقة لعصر الظهور بينما البحث تناول الأحداث قبل الظهور وبعده.
واقتضت طبيعة البحث أن يقسم على مبحثين:
الأول: نظري تأصيلي اختص ببيان مفهوم المعجزة وشرائطها والفرق بينها وبين غيرها من الخوارق.
والثاني: تطبيقي اقتصر على ذكر بعض النماذج المهمة قبل الظهور وبعده، اختصاراً بما يناسب المقام وفق منهج البحث العلمي.
هذا وقد بذل الباحث جهداً ليكون البحث بالصورة المطلوبة، فإن كان كذلك فللّه الحمد أولاً وأخيراً، وإن لم يكن فألتمسكم العذر فالنقص من سمات الممكن.
المبحث الأول: دراسة نظرية في مفهوم المعجزة:
المطلب الأول: مفهوم المعجزة وشرائطها:
أولاً: المعجزة في اللغة:
المعجزة: الجذر اللغوي، والذي له في اللغة معنيان هما:
1 - الضعف: فقد جاء في العين: (عجز: أعجزني فلان إذا عجزت عن طلبه وإدراكه. والعجزُ نقيض الحزم. وعَجَزَ يَعْجِزُ عَجْزاً فهو عاجزٌ ضعيفٌ)(1).
وجاء في معجم مقاييس اللغة: (عَجِزَ عَنِ الشَّيْءِ يَعْجِزُ عَجْزاً، فَهُوَ عَاجِزٌ، أَيْ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُمْ إِنَّ العَجْزَ نَقِيضُ الحَزْمِ فَمِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يَضْعُفُ رَأْيُهُ... وَمِنَ البَابِ: العَجُوزُ: المَرْأَةُ الشَّيْخَةُ، وَالجَمْعُ عَجَائِزُ)(2).
2- مؤخر الشيء: (فَالعَجُزُ: مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ، وَالجَمْعُ أَعْجَازٌ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: عَجُزُ الأَمْرِ، وَأَعْجَازُ الأُمُورِ)(3)، وقال الراغب: (وأَعْجَزْتُ فلاناً وعَجَّزْتُهُ وعَاجَزْتُهُ: جعلته عَاجِزاً)(4).
أمّا الإعجاز فمشتق من الفعل الرباعي (أعجز) وتعني الفوت والسبق، يقال: أعجزه الأمر أي فاته، ويقال: أعجز الرجل خصمه: أي سبقه وغلبه(5).
ثانياً: المعجزة في الاستعمال القرآني:
جاءت الإشارة إلى المعجزة في القرآن الكريم بالجذر اللغوي ومشتقاته كثيراً نحو:
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الجَحِيمِ﴾ (الحج: 51).
وقوله تعالى: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ ( يونس: 53).
وجاءت الإشارة إليها بألفاظ أخرى منها:
1 - الآية: قال تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنعام: 109).
2 - البينة: قال تعالى على لسان موسى (عليه السلام): ﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ (الأعراف: 73).
ثالثاً: المعجزة في الاصطلاح:
عُرِّفت المعجزة بتعريفات متعددة، فعرَّفها الخواجة نصير الدين الطوسي (ت672هـ) بأنها: (ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوة)(6).
وعرفها السيوطي (ت911هـ) بقوله: (أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، مصون عن المعارضة)(7).
وعرفها الزرقاني (ت 1367هـ) بأنها: (أمرٌ يعجز البشر متفرقين ومجتمعين عن الإتيان بمثله أو هي أمر خارق للعادة خارج عن حدود الأسباب المعروفة يخلقه الله تعالى على يد مدَّعي النبوة عند دعواه إيّاها شاهداً على صدقه)(8).
وجاء تعريف العلامة البلاغي بقيود أكثر مما تقدم فعرفها بقوله: (المعجزة هو الذي يأتي به مدَّعي النبوة بعناية الله الخاصة، خارقاً للعادة وخارجاً عن حدود القدرة البشرية وقوانين العلم والتعلم، ليكون بذلك دليلاً على صدق النبي وحجيته في دعواه النبوة ودعوته)(9).
فذكر العلامة البلاغي في تعريفه أن المعجزة خاصة بالأنبياء (عليهم السلام)، وذكر أيضاً البُعد الوظيفي للمعجزة بقوله: (ليكون بذلك دليلاً على صدق النبي...).
وما ذكره من قيد بقوله: (خارقاً للعادة)، يقصد به أن المعجزة خرق لقوانين الطبيعة، وفوق قدرة الإنسان ولا يقصد بالعادة المصطلح الأشعري الذي يقضي أن لا تلازم ذاتياً بين العلة والمعلول، وإنما اقتضت العادة أن يكون هناك تلازم، فمثلاً التلازم بين النار والحرارة ومسألة الأكل والشبع لا تلازم ذاتياً بينهما على حد قولهم، وإنما كل ذلك حصل بسبب اقتضاء العادة على ذلك، وهذا ما أكده أبو حامد الغزالي بقوله: (الاقتران بين ما يعتقد في العادة سبباً وما يعتقد مسبباً ليس ضرورياً عندنا)(10)، وإنما تترسخ تلك العادة في الأذهان بسبب (استمرار العادة بها مرة بعد أخرى يرسخ في أذهاننا جريانها على وفق العادة ترسيخاً لا تنفك عنه)(11).
وعرّف السيد الطباطبائي المعجزة بأنها: (الأمر الخارق للعادة الدال على تصرف ما وراء الطبيعة في عالم الطبيعة ونشأة المادة لا بمعنى الأمر المبطِل لضرورة العقل)(12).
وفي هذا التعريف يُشير السيد الطباطبائي إلى البعد الفلسفي للمعجزة، كونها تقع تحت نظام العلية، ولم يشر إلى ارتباط المعجزة بالأنبياء أو بغيرهم، بل ما من شأنه أن يكون أعلى من قوانين الطبيعة فهو معجز، فلم تكن المعجزات العلة الوحيدة لإيجاد الشيء، وإنما العلة التي حدثت بسببها المعجزة غير متعارفة عند الناس (فإبراء الأكمه والأبرص مثلاً يحصل حسب العلة المتعارفة من خلال تناول الدواء المخصوص إلّا أن ذلك لا يمنع أن يكون للإبراء علة أخرى لم يشاهدها الناس من قبل ولم يطّلع عليها العلم الطبيعي المتعارف عندهم، فالمعجزة ليست صدور المعلول بلا علة، بل هي صدوره من علة غير معروفة للناس ولم تتداولها العلوم الطبيعية المتعارفة)(13).
وبذلك تكشف المعجزة عن عجز القانون الطبيعي عن تحقيق بعض الأمور التي لا يمكن أن تحدث إلّا من قبل مدبر الكون.
وعرفها السيد الخوئي (قدّس سرّه) بأنها: (أن يأتي المدعي لمنصب من المناصب الإلهية بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره شاهداً على صدق دعواه)(14).
فقد ذكر في التعريف شروط المعجزة وبعدها الوظيفي ووسّع من دائرة المعجزة لتشمل الإمام المعصوم (عليه السلام) كون الإمامة منصباً إلهياً، وهذا التعريف هو الراجح عند الباحث كونه جامعاً مانعاً.
وبهذا يكون تعريف السيد الخوئي (قدّس سرّه) أتم وأشمل، ولكن قد سجل بعضهم ملاحظة على تعريف السيد الخوئي (قدّس سرّه) وهو أنه ليس بالضرورة أن يكون المعجز أمراً خارقاً لنواميس الطبيعة، إذ يرى الشيخ ضياء الدين زين الدين أن المعجز قد يكون ضمن نواميس وقوانين الطبيعة ولكن ضمن شرطها الأتم ومستوى تحققها الأعلى(15).
المطلب الثاني: شروط المعجزة:
ذكر العلماء للمعجزة شروطاً كثيرةً، ومن مجموع التعريفات المتقدمة للمعجزة يتبين أن من أهم شروط المعجزة هي:
1 - أن تقترن المعجزة مع الدعوى، فلو تقدمت أو تأخرت عن دعواه لما عدّت معجزة، وكذا إذا حصلت من دون دعوى، فمثلاً رد الشمس للإمام علي (عليه السلام) وإن كانت خارقة يعجز البشر عن الإتيان بمثلها، إلّا أنها لا تعدّ معجزة لعدم اقترانها بدعوى الإمام (عليه السلام) ذلك، وبذلك تخرج الكرامة عن دائرة الإعجاز.
2 - عجز الغير عن الإتيان بمثلها، قال القرطبي: (مِنْ شُرُوطِهَا - المعجزة - أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللهُ سُبْحَانَهُ. وَإِنَّمَا وجب حصول هذا الشرط للمعجزة لأنه أَتَى آتٍ فِي زَمَانٍ يَصِحُّ فِيهِ مَجِيءُ الرسل وادعى الرسالة وجعل معجزته أن يَتَحَرَّكَ وَيَسْكُنَ وَيَقُومَ وَيَقْعُدَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ مُعْجِزَةً لَهُ، وَلَا دَالّاً عَلَى صِدْقِهِ لِقُدْرَةِ الخَلْقِ عَلَى مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ المُعْجِزَاتُ كَفَلْقِ البَحْرِ، وَانْشِقَاقِ القَمَرِ، وَمَا شَاكَلَهَا مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا البَشَرُ)(16).
وبذلك يخرج السحر والنبوغ العلمي عن دائرة الإعجاز لأنها من الأمور التي يمكن أن يؤتى بمثله، كونها قابلة للعلم والتعلم.
3 - أن تكون المعجزة شاهداً على صدق المدَّعي للمنصب الإلهي، فإذا امتنع صدق دعواه بحكم العقل كأن يدَّعي المدَّعي أنه إله، أو بحكم النقل الثابت عن المعصوم كأن يدَّعي شخص النبوة بعد النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فإن ذلك لا يكون شاهداً على صدق الدعوى ولا يسمى ما يأتي به معجزة(17).
والمنصب الإلهي أعم من النبوة، فتشمل الإمامة أيضاً، ومن الشواهد على ذلك تكليم الحجر للإمام السجاد (عليه السلام) عندما أراد إثبات إمامته، عندما كانت الناس تشكك بإمامته وتقول بإمامة محمد بن الحنفية(18).
4 - أن تكون مطابقة لدعوى مدَّعي النبوة، قال القرطبي في بيانه لشروط المعجزة: (وَإِنَّمَا وَجَبَ اشْتِرَاطُ هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ المُدَّعِي لِلرِّسَالَةِ: آيَةُ نُبُوَّتِي وَدَلِيلُ حُجَّتِي أَنْ تَنْطِقَ يَدِي أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ فَنَطَقَتْ يَدُهُ أَوِ الدَّابَّةُ بِأَنْ قَالَتْ: كَذَبَ وَلَيْسَ هُوَ نَبِيٌّ فَإِنَّ هَذَا الكَلَامَ الَّذِي خلقه الله تعالى دال على كذب المُدَّعِي لِلرِّسَالَةِ، لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ اللهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى وفْقِ دَعْوَاهُ.
وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى أَنَّ مُسَيْلمَةَ الكَذَّابَ لَعَنَهُ اللهُ تَفَلَ فِي بِئْرٍ لِيَكْثُرَ مَاؤُهَا فَغَارَتِ البِئْرُ وَذَهَبَ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ المَاءِ، فَمَا فَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنْ هَذَا، كَانَ مِنَ الآيَاتِ المُكَذِّبَةِ لِمَنْ ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ، لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَهُ المُتَنَبِّئُ الكَذَّابُ)(19).
5 - أن تكون المعجزة متناسبة مع ما هو مشهور في عصر حدوثها وهذا ما عبّر عنه السيد الخوئي بقوله: (خير المعجزات ما شابه أرقى فنون العصر)(20)، فمثلاً لما كان الرائج في زمن موسى (عليه السلام) هو السحر جاء بما يفوق السحر، ولما كان الرائج في زمن عيسى (عليه السلام) هو الطب جاء بما يفوق الطب، ولما كان الرائج في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) البلاغة جاء بما يفوق بلاغة الشعر، فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: «إن الله لمّا بعث موسى (عليه السلام) كان الغالب على أهل عصره السحر، فآتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم، وأن الله بعث عيسى (عليه السلام) في وقت قد ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب، فآتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم، وأن الله بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال: الشعر - فآتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجة عليهم»(21).
ولعل هذا الشرط كمالي وليس شرطاً أساسياً، فكثير من الأنبياء لهم معجزات متعددة، ولعل هذا الأمر يكون في المعجزات الكبرى كما في الأمثلة المتقدمة.
المطلب الثالث: الفرق بين المعجزة والخوارق الأخرى:
أولاً: الفرق بين المعجزة والكرامة:
عُرفت الكرامة بأنها: (أمرٌ خارقٌ للعادة يظهره الله تعالى على يد عبد من عباده الصالحين حياً أو ميتاً إكراماً له، فيدفع به عنه ضراً أو يحقق له نفعاً أو ينصر به حقاً)(22).
وعُّرفت أيضاً: (فعلٌ لله سبحانه يكرم الله به من يشاء من عباده)(23)، ومن الكرامات التي ذُكرت في القرآن الكريم، الطعام الذي كان ينزل على مريم ݝ، قال تعالى: ﴿كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا المِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ (آل عمران: 37).
ومن الكرامات ما حصل لأصحاب الكهف وغيرها(24).
وبهذا يتبين أن الكرامة تشترك مع المعجزة في كونها من الخوارق التي يعجز عن إيتائها البشر، وكذا في كونهما تجريان على أيدي الصالحين، ولكن تفترق الكرامة عن المعجزة بأمرٍ مهمٍ يُعد أحد شروط المعجزة وهو: عدم اقترانها بدعوى منصب إلهي على خلاف المعجزة التي تقترن مع هذه الدعوى.
ثانياً: الفرق بين المعجزة والسحر:
يُخيل للناس أن السحر من الخوارق ولكنه ليس كذلك فهو في أكثره خداع للبصر، وهو مما يمكن أن يُتعلم، فهو خاضع لقوانين علمية قابلة للتعلم فقد عُرّف السحر بأنه: (أمرٌ غريب يشبه الخارق وليس به، إذ يجري فيه التعلم ويستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان واعتقاداً كاستحسان ما يوجب التقرب إليه ومحبته إياه)(25).
وتفترق المعجزة عن السحر بعدة أمور، أهمها(26):
1 - إن المعجزة لا تجري إلّا على يد الصادق ويمكن للسحر أن يجري على يد الكاذب والمخادع.
2 - إن المعجزة وظيفتها إثبات دعوى إلهية من شأنها أن تكون طريقاً لهداية الناس، بخلاف السحر الذي غالباً ما يكون للإضرار بالناس.
3 - إن المعجزة لا يستطيع أحد أن يأتي بمثلها، بينما السحر يمكن أن يُتحدى، لأنه قابل للعلم والتعلم، قال الزرقاني: (المعجزة نفحة من نفحات الحق تخرج عن أفق الأسباب المعتادة والوسائل المشاهدة والغايات المألوفة.
أمّا السحر وما أشبهه فإنها فنون خبيثة ذات قواعد وأوضاع يعرفها كل من ألمّ بها ويصل إلى وسائلها وغاياتها كل من عالجها من بابها. ولهذا كان أول من آمن بموسى هم السحرة أنفسهم لأنهم أعلم بهذا الفرق الواضح والبون الشاسع)(27).
ثالثاً: الفرق بين المعجزة والنبوغ العلمي:
النبوغ والسبق العلمي وإن كان في بعض الأحيان من الخوارق، ولكنه لا يخرج عن دائرة العلم والتعلم فليس هو كالمعجزة والكرامة التي يعجز البشر عن الإتيان بمثلها، كل ما في الأمر أن المبتكر سبق غيره للوصول إلى ما وصل إليه.
وهذا ما أشار إليه السيد محمد باقر الحكيم (رحمه الله) بقوله: (إن سبق النوابغ من العلماء في الحقول العلمية، لا يعتبر معجزة، فإذا افترضنا أن شخصاً من العلماء اليوم سبق أنداده، ونجح في اكتشاف الورم السرطاني مثلاً والمادة التي تقضي عليه، فهو يستطيع بحكم اكتشافه أن يبرأ مريضاً من السرطان، بينما يعجز عن ذلك جميع العلماء الآخرين، ولكن عمله هذا ليس معجزة لأنه إنما يتحدى جهل العلماء الآخرين بالسر والعلة والدواء)(28).
المبحث الثاني: أحداث عصر الظهور بين الإعجاز الغيبي والتطور العلمي:
المطلب الأول: ركائز تأسيسية:
قبل الخوض في ذكر أحداث الظهور، وتمييز ما هو معجز عن غيره لابد من التأسيس لمطالب نظرية يرتكز عليها المبحث التالي، ومن أهم تلك المطالب هي:
أولاً: فلسفة ذكر علامات الظهور:
إن لعلامات الظهور أكثر من هدف، منها: التهيؤ والاستعداد لليوم الموعود، ومن أهم أهداف العلامات هو إثبات حقيقة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وصدق دعواه، فبعض العلامات فيها بُعدٌ إعجازيٌ، يعرفها أصحاب الاختصاص فيذعنون لها، ويرجع غير العالم بالمعجزة للعالم بها فتكون حجة على الجميع، كما هو شأن المعجزات(29).
ورد عن المفضل عندما سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن كيفية معرفة الإمام (عجَّل الله فرجه) بعد أن ذكر له الإمام أحداث آخر الزمان حتى بكى خوفاً من عدم معرفة الحق، فقال له الإمام (عليه السلام): «والله لأمرنا أبين من هذه الشمس»(30).
الأمر المهم الذي يجب أن يسجل هنا هو أن علامات الظهور ليست بمرتبة واحدة.
ثانياً: التفريق بين العلامات والشرائط:
ذكرت كتب الأحاديث كثيراً من العلامات، والتي قُسّمت إلى علامات حتمية وغير حتمية، وقسمت بتقسيم آخر إلى علامات تسبق الظهور وعلامات ما بعد الظهور، وقُسمت بتقسيم ثالث إلى ظواهر سماوية وظواهر اجتماعية.
فالعلامات الحتمية: الصيحة، السفياني، اليماني، قتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء(31)، والعلامات غير الحتمية غيرها من العلامات الأخرى.
ومن العلامات التي تسبق الظهور: الصيحة، السفياني... إلخ، ومن العلامات التي تكون ما بعد الظهور: النصر بالرعب وغيره.
ومن العلامات التي تُعد ظواهر طبيعية: الخوف والكسوف، والصيحة... إلخ، ومن العلامات التي تُعد ظواهر اجتماعية: الدجال، يأجوج ومأجوج... إلخ.
وقد أكد العلماء على ضرورة مراعاة شرائط الظهور والاهتمام بها لأن العلامات لا يتوقف عليها ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وإنما يتوقف على الشرائط فالمشروط عدم عند عدم شرطه.
ثالثاً: المهدوية بين الجمود والحداثة:
إن المهدوية تعاني من وجود:
الجمود على النصوص الروائية دون إعمال للعقل كما هو الحال عند بعض، وبين رفض جميع الروايات التي تشير للغيبيات كما هو عند بعضٍ آخر، فبعضهم ينغمس في المغيبات اعتماداً على ظاهر النصوص الدينية لدرجة تصوير القضية المهدوية بصورةٍ أقرب ما تكون للخرافة، فهم يُفسرون الأحداث والعلامات بما يخالف معطيات العلم والعقل القطعي، بينما مال دعاة الحداثة إلى تجريد القضية المهدوية من الغيب، وتفسير كل الأحداث والعلامات على أساس الحس والعقل، من دون مراعاة لظواهر النصوص.
وأمّا الخط الوسطي وهو الذي عليه القضية المهدوية، فلا يرفض الروايات لتضمنها أموراً ميتافيزيقية ولا يرفض تحكيم العقل والعلم في الكشف عن أطروحات محتملة تنسجم مع ظاهر النصوص الدينية، فيجب عقلنة القضية المهدوية من دون رفض للغيب كما أن عدم رفض الغيب لا يعني إلغاء دور العقل(32).
رابعاً: علامات الظهور بين الإعجاز والرمزية:
ذكرت الروايات علامات عديدة، يمكن حمل بعضها على الظاهر كخروج السفياني واليماني والحسني، وتحمل بعضها على الرمزية كما جاء في الروايات عن يأجوج ومأجوج، والتخاطب بين أصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأحدهم في الشرق والآخر في الغرب.
هذه العلامات وإن كان بعضها يحمل على الرمزية، ولكن يبقى من الضروري أن نشير إلى أن الحمل على الرمزية يبقى أطروحة محتملة تعوض عن التنازل عن أصل الحديث المنسوب للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم))(33).
وتبقى هذه الرمزية أطروحة ظنية، يمكن أن تفسر بأكثر من تفسير، وتحتمل أكثر من مصداق، ولعلنا لم نصل لمعناها الحقيقي، وبمرور الزمن قد ينكشف معنى يتناسب مع ظاهر الروايات، فربما كانت رواية تُحسب معجزة في وقت معين، إلّا أنها مع مرور الوقت تصبح من الأمور المتسالم عليها، كما هو الحال في مسألة التخاطب بين أصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حتى لو كان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، فقد يفسر هذا التخاطب بأنه من خلال وسائل الاتصال الحديثة.
المطلب الثاني: نماذج من أحداث ما قبل الظهور:
ورد في بعض الروايات ذكر الأحداث التي تسبق عصر الظهور والتي تُعدّ من الخوارق، فبعضها معجزٌ، وبعضها ظواهر طبيعية أثبتها العلم الحديث والتي كانت في وقت سابق غير معروفة علمياً وربما تُعدّ معجزة لعدم إمكانية البشر من الإتيان بمثلها ومن تلك الخوارق والتي هي نفسها علامات الظهور وبعضها من علامات يوم القيامة هي:
أولاً: الخسوف والكسوف في غير وقتهما:
ورد في بعض الروايات أن من العلامات التي تحدث قبل الظهور هي كسوف الشمس في وسط شهر رمضان والخسوف في آخره، فقد روى الكليني بسنده عن بدر بن الخليل الأزدي قال: (كنت جالساً عند أبي جعفر(عليه السلام) فقال: آيتان تكونان قبل قيام القائم (عجَّل الله فرجه) لم تكونا منذ هبط آدم إلى الأرض: تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره فقال، رجل: يا ابن رسول الله تنكسف الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف؟! فقال أبو جعفر (عليه السلام): إني أعلم ما تقول ولكنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم (عليه السلام))(34).
والخسوف والكسوف حالة كونية طبيعية، فالخسوف يحصل إذا توسطت الأرض بين الشمس والقمر، ويحدث الكسوف إذا توسط القمر بين الشمس والأرض وما تحصل في علم فيزياء الفلك أن حدوث الكسوف والخسوف في شهر واحد لا إشكال فيه إلا أن الإشكالية في حدوثهما في غير أوانهما، فطبيعة الأمر تقتضي أن يحدث الخسوف في وسط الشهر لا في نهايته وأن يحدث الكسوف في أوله أو في آخره لا في وسط الشهر(35).
أمّا ما ذكرته الرواية فهو العكس تماماً، وهذا الأمر لا يحصل إلّا بتدخل غيبي إعجازي.
ومن الواضح أن هذا الأمر حتى لو كان ممكناً من الناحية العقلية، فإنه يُعد حالة نادرة وأنه فوق قوانين البشر، أو على أقل تقدير أنه قانون لم يتوصل إليه البشر بعد، مما يثبت صفة الإعجاز لهذه العلامة، وهذا ما أشارت إليه الروايات صراحة عندما عدّتها آية لم تحدث سابقاً.
فالخسوف والكسوف الذي ذُكر في روايات الظهور يُعدّ إعجازاً غيبياً ممكناً من الناحية العقلية.
ثانياً: الصيحة والنداء والفزعة:
وردت العديد من الروايات التي تنص على حدوث صيحة في السماء، حتى عُدّت تلك العلامة من العلامات الحتمية، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (... وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني (من اليمن) وصحية من السماء في شهر رمضان، ومناد ينادي من السماء باسمه واسم أبيه)(36).
وروي الصدوق بسنده عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف)(37).
وما رواه السفير الرابع عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أنه قال (... ألا فمن ادعى المشاهدة) قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)(38).
كما أن بعض الروايات لم تقتصر على ذكر الصيحة فقط بل ذكرت وصفها، فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم، قال: وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها)(39).
وظاهر هذه الروايات يُشير إلى أن معنى الصيحة هو صوت عظيم وليس كبقية الأصوات، وقرنها بنداء جبرائيل، وقالوا إن الصيحة هي نداء جبرائيل فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن مسلم (ينادي مناد من السماء باسم القائم (عجَّل الله فرجه)، فيسمع ما بين المشرق إلى المغرب، فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين)(40).
وما يلاحظ من الروايات المتقدمة أنها ذكرت ثلاثة ألفاظ وهي: الصيحة والنداء والفزعة، وجميع تلك الألفاظ تُشير إلى معنى مشترك وحادثة واحدة، إلا أن روايات الصيحة والفزعة مجملة، وروايات النداء مفصلة، فتكون روايات النداء أوضح تلك الأخبار فيمكن أن تكون مفسرة لإجمال روايات الصيحة والفزعة، ولا شك أن هذا الصوت من الدلائل الواضحة على قرب ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، الأمر الذي يدفع إلى استعداد المؤمنين لنصرته.
ثالثاً: ظهور الدجال:
ورد في العديد من الروايات العامية ذكر الدجال ووصفه، حتى عُدّت تلك الأحاديث من الأحاديث المتواترة على رأي بعض علمائهم(41)، فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) (لأنا اعلم بما مع الدجال منه معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماء ابيض والآخر رأى العين نار تأجج فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارا وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد وان الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب)(42).
وأمّا من طرفنا فإن ذكره يكاد يكون معدوماً سوى بعض الروايات ومنها ما أخرجه الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام علي (عليه السلام) في وصف الدجال أنه قال (... يخرج من بلدة يقال لها أصفهان، من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة، والعين الأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر، يقرؤه كل كاتب وأمي، يخوض البحار وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شديد تحته حمار أقمر، خطوة حماره ميل، تطوي له الأرض منهلا منهلاً، لا يمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين يقول: إلي أوليائي (أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى، أنا ربكم الأعلى...))(43).
وفي تفسير المقصود بالدجال على وفق الروايات التي ذكرت أوصافه هناك رأيان هما:
1 - إن الدجال هو شخص اسمه صائد أو صاف ابن صيّاد وأشارت بعض الأخبار إلى أنه ولد في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ويبقى حياً حتى ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) وأنه يهودي الديانة، يدعي الربوبية ويحدث بعض الخوارق عن طريق السحر، وأنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، وأنه سيُقتل على يد عيسى بن مريم وقد ذكرت له أوصاف وخوارق كثيرة(44).
وهذا القول من الغرائب إلّا أننا نقلناه في مقام البحث العلمي وذكر الأقوال المختلفة فقط.
2 - إن الدجال هو رمز للحضارة الغربية المادية المعادية الإسلام، وما ذكر من أوصاف تتمثل بأساليب الغزو الثقافي الفكري(45).
ولا يمكن حمل ما ذكر من الخوارق التي يقوم بها على أنها معجزة أو كرامة، لأن الله سبحانه لا يجريهما إلا على يد خاصة أوليائه ويمكن حمل كثير من الخوارق على الرمزية أو إيكالها للعلم الحديث لإيجاد تفسير لها، فمثلاً من تلك الخوارق أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، وهذا الأمر وفق التطور العلمي ممكن ففي بعض الدول هناك تجارب لإحداث أمطار صناعية من خلال تقنيات معينة(46).
نعم يمكن أن تُعد في زمن سابق أمراً خارقاً ولكن الآن أثبت العلم الحديث إمكانية ذلك بل إن بعض القوى العالمية لها إمكانية التحكم في المناخ وتوجيهه بما تريد بحسب التقارير الإخبارية(47).
المطلب الثالث: نماذج من أحداث عصر الظهور:
ورد في بعض الروايات أن للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ولأصحابه مجموعة من المعجزات والكرامات التي تُعد من الخوارق ومنها:
أولاً: أصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وإمكانية رؤية بعضهم وهم في بلدان مختلفة:
ورد في بعض الروايات أن أصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يرى بعضهم بعضاً وكل في بلده، ويرون الإمام (عجَّل الله فرجه) ويسمعونه وهو في مكانه، ففي الرواية عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إن قائمنا إذا قام مدّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه، وهو في مكانه»(48).
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) أنه قال: «وأن المؤمن في زمانه بالمشرق يرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق»(49).
وهذه الروايات من السهل جداً حملها على الظاهر في ظل التطور التقني في عصرنا الحاضر (فليس صعباً الآن وبإنجازات العلم الباهرة: أن يتكلم قائد فيسمعه أفراد رعيته في كل أنحاء العالم، كما أنه أصبح من المعتاد أن يسمع أهل المشرق صوت أهل المغرب، وبالعكس ولعل هناك اختراعات واكتشافات أخرى سيتفتق عنها عقل الإنسان في مستقبل التاريخ ولتكون عوناً ودعماً لحكومة الإمام الواحدة القائدة لجميع العالم)(50).
فليس في هذه الروايات إعجازٌ ولا رمزية، نعم كانت في وقت سابق قبل ظهور تقنيات الاتصال الحديثة إعجازاً، أما اليوم فالأمر طبيعي.
ثانياً: أصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يمشون على الماء:
روى النعماني في الغيبة بسنده عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلا يقول: عهدك في كفك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها، قال: ويبعث جندا إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون)(51).
والمقصود بالقسطنطينية عاصمة الروم سابقاً، ولعل المراد منها دول أوربا بشكل عام.
ولا يمكن تفسير سيرهم على الماء أنه سيكون بواسطة السفن، لأن السفن كانت مستعملة آنذاك، ولكن في الرواية اشاره لكرامة لأصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وإلا فلماذا سيحصل الاستغراب عند الأوربيين من مشي أصحاب الإمام (عجَّل الله فرجه) على الماء، ويكون هذا الفعل سبباً في إيمانهم وإتباعهم للإمام (عجَّل الله فرجه)؟! ومادام الأوربيون يمتلكون تقنيات علمية هائلة، فلا بد أن استغرابهم واندهاشهم يدل على أن ما حصل ليس خاضعاً لقوانين العلم بل هو قانون أعلى ممّا توصلوا له، فهو إما أمر إعجازي كونه كرامة لأصحاب المهدي (عجَّل الله فرجه) لغرض هداية الأوربيين، أو أنها تدخل في إطار التطور العلمي والتقني الذي لم يصله العالم بعد وربما هو علم خاص بأصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) فعلى كلا التصورين يكون المشي على الماء من الخوارق التي تعجز البشرية في وقتها على أقل تقدير من أن يأتوا بمثلها.
ثالثاً: أن أصحاب المهدي (عجَّل الله فرجه) ينتقلون عن طريق السحاب:
روى الصدوق بسنده عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام) قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ (البقرة: 148) إنهم ليفتقدون عن فرشهم ليلا فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه)(52).
وقد ذُكرت هذه الرواية، وغيرها من الروايات في تفسير سرعة اجتماع أصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في مكة، وقد فسرت بنحويين(53):
الأول: أن هذا الأمر إعجازي فهو من قبيل طي الأرض، ففي الرواية عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: (لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن والمقام. جبرئيل (عليه السلام) على يمينه ينادي البيعة لله فيصير إليه شيعته من أطراف الأرض، تطوى لهم طياً حتى يبايعوه فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(54).
ويفهم من الرواية أن اجتماعهم بهذه السرعة يكون عن طريق إعجازي بحت.
الثاني: أن يكون اجتماعهم بصورة طبيعية وليس فيه أي إعجاز، فهم يجتمعون في مكة بعد الصيحة والخسوف والكسوف ويكون اجتماعهم للحج، وهذا وإن كان أمراً ممكناً إلّا أن الذي يبدو من الرواية إضفاء صفحة الإعجاز عليه.
الهوامش:
(1) معجم العين، الفراهيدي: 1/215.
(2) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس: 4/232.
(3) المصدر نفسه: 4/ 233.
(4) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني: 547.
(5) ينظر: لسان العرب، ابن منظور: 5/371.
(6) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، العلامة الحلي: 255.
(7) الإتقان في علوم القرآن: 4/3.
(8) مناهل العرفان، الزرقاني: 1/73.
(9) آلاء الرحمن، البلاغي:1/23.
(10) تهافت التهافت، ابن رشد: 777
(11) تهافت الفلاسفة، الغزالي: 105.
(12) تفسير الميزان: 1/73.
(13) الإعجاز بين النظرية والتطبيق، كمال الحيدري: 20.
(14) البيان، أبو القاسم الخوئي: 33.
(15) ينظر مبادئ عامة في التدبر القرآني، ضياء الدين زين الدين: 2 / 35
(16) تفسير القرطبي: 1/70.
(17) ينظر البيان، أبو القاسم الخوئي: 35.
(18) ينظر: مستدرك سفينة البحار، الشاهرودي: 9/173.
(19) تفسير القرطبي: 1/71.
(20) البيان، أبو القاسم الخوئي: 32.
(21) الكافي، الكليني: 1/25.
(22) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، أحمد بن عبد الرزاق الدويش: 1/388.
(23) إعجاز القرآن، فضل عباس:22.
(24) ينظر المصدر نفسه.
(25) روح المعاني، الآلوسي: 2/345
(26) ينظر: إعجاز القرآن الكريم، فضل عباس: 23.
(27) مناهل العرفان، الزرقاني: 1/77.
(28) علوم القرآن محمد باقر الحكيم: 128-129.
(29) ينظر: العقيد المهدوية إشكاليات ومعالجات، أحمد الأشكوري: 166-167.
(30) كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق: 347.
(31) ينظر: كمال الدين، الصدوق: 650.
(32) ينظر: العقيدة المهدوية إشكاليات ومعالجات: 149-151.
(33) خطوات على طريق الإمام المهدي، عماد الهلالي: 68.
(34) الكافي، الكليني: 8/212.
(35) ينظر: فيزياء الفضاء، فياض النجم، حميد مجول النعيمي: 113.
(36) كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق: 328.
(37) المصدر نفسه: 650.
(38) الغيبة، الطوسي: 395.
(39) الغيبة، النعماني: 262.
(40) الغيبة، الطوسي:454.
(41) كتب القاضي محمد بن علي الشوكاني (ت1250هـ) كتاباً بعنوان (التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح) نقلاً عن: علامات الظهور جدلية صراع أم تحديات مستقبل، محمد علي الحلو: 38-39.
(42) صحيح مسلم: 8/195.
(43) كمال الدين: 527.
(44) ينظر: مسند أحمد:3/ 367، وينظر: سنن ابن ماجة:2/1360.
(45) تاريخ ما بعد الظهور: 141.
(46) الاستمطار الصناعي.. آفاق وتحديات، مقال للدكتور وحيد محمد مفضل على الرابط:
http://www.aljazeera.net/news/scienceandtechnology
(47) ينظر شهادة أحد علماء الفيزياء الأمريكان على الرابط:
http://eslamelbahrawy.blogspot.com
(48) بحار الأنوار، المجلسي:52/336.
(49) مستدرك بحار الأنوار، الشاهرودي: 3/188.
(50) الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أمل الشعوب، حسن الصفار: 81-82.
(51) الغيبة، النعماني: 334.
(52) كمال الدين، الصدوق: 672.
(53) تاريخ ما بعد الظهور: 270-271.
(54) الوافي، الفيض الكاشاني: 2/467.