توضيح الإجابات رسالة في توضيح إجابات ابن قِبَة (رحمه الله) في نقض كتاب الإشهاد لأبي زيد العلوي - الحلقة الثالثة
توضيح الإجابات
رسالة في توضيح إجابات ابن قِبَة (رحمه الله) في نقض كتاب الإشهاد لأبي زيد العلوي - الحلقة الثالثة
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أكثر المسائل العقائدية التي تناولها أهل البيت (عليهم السلام) بالبيان والتوضيح، وأجابوا عن الأسئلة المثارة حولها من زمن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وصولاً إلى الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه).
وتبعاً لهذا الاهتمام سار علماء الطائفة في بيان غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه) ودفع الشبهات والإشكالات المثارة حولها.
وأُلِّفتْ - منذ بدايات عملية التصنيف والكتابة - الرسائلُ والكتبُ حولها.
ومما أُلِّف في رد الشبهات عن الغيبة كتب الفقيه والأصولي أبي جعفر عبد الرحمن بن قبة الرازي (رحمه الله)(1)، إذ إن له العديد من المصنفات في هذا الصدد إلّا أنه لم يصل إلينا شيء مستقل منها.
وفي هذه الحلقات حاولنا قدر الإمكان إبراز تراث هذا الرجل العظيم مع شيء من البيان والتوضيح، ونسلط الضوء على توضيح ما أجاب به (رحمه الله) عن بعض الشبهات المثارة حول الغيبة.
المتن:
قال الشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(2):
وقال أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي في نقض كتاب الإشهاد لأبي زيد العلوي(3)، قال صاحب الكتاب بعد أشياء كثيرة ذكرها لا منازعة فيها: وقالت الزيدية(4) والمؤتمة(5): الحجة من ولد فاطمة بقول الرسول المجمع عليه في حجة الوداع، ويوم خرج إلى الصلاة في مرضه الذي توفي فيه: «أيها الناس قد خلفت فيكم كتاب الله وعترتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، ألا وإنكم لن تضلوا ما استمسكتم بهما»(6).
ثم أكد صاحب الكتاب هذا الخبر وقال فيه قولاً لا مخالفة فيه، ثم قال بعد ذلك: إن المؤتمة(7) خالفت الإجماع وادَّعت الإمامة في بطن من العترة ولم توجبها لسائر العترة(8)، ثم لرجل من ذلك البطن في كل عصر.
فأقول(9) - وبالله الثقة: إن في قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على ما يقول الإمامية دلالة واضحة وذلك أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي» دلَّ على أن الحجة من بعده ليس من العجم ولا من سائر قبائل العرب، بل من عترته أهل بيته، ثم قرن قوله بما دل (به) على مراده فقال: «ألا وإنما(10) لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، فأُعلمنا أن الحجة من عترته لا تفارق الكتاب، وإنّا متى تمسكنا بمن لا يفارق الكتاب لن نضل، ومن لا يفارق الكتاب ممن فرض على الأمة أن يتمسكوا به، ويجب في العقول أن يكون عالماً بالكتاب مأموناً عليه، يعلم ناسخه من منسوخه، وخاصه من عامه، وحتمه من ندبه، ومحكمه من متشابهه ليضع كل شيء من ذلك موضعه الذي وضعه الله (عزَّ وجلَّ)، لا يقدم مؤخراً، ولا يؤخر مقدماً.
ويجب أن يكون جامعاً لعلم الدين كله ليمكن التمسك به والأخذ بقوله فيما اختلفت فيه الأُمة وتنازعته من تأويل الكتاب والسنة، ولأنه إن بقي منه شيء لا يعلمه لم يمكن التمسك به، ثم متى كان بهذا المحل أيضاً لم يكن مأموناً على الكتاب، ولم يؤمن أن يغلط فيضع الناسخ منه مكان المنسوخ، والمحكم مكان المتشابه، والندب مكان الحتم، إلى غير ذلك مما يكثر تعداده، وإذا كان (هذا) هكذا صار الحجة والمحجوج سواء، وإذا فسد هذا القول صح ما قالت الإمامية من أن الحجة من العترة لا يكون إلّا جامعاً لعلم الدين معصوماً مؤتمناً على الكتاب، فإن وجدت الزيدية في أئمتها مَن هذه صفته، فنحن أول من ينقاد له، وإن تكن الأخرى فالحق أولى ما اتبع(11).
توضيح ما قاله (رحمه الله):
لزوم كون الحجة من العترة الطاهرة:
يُثَنِّي الشيخ ابن قبة (رحمه الله) على ما نقله صاحب نقض الإشهاد من كون الحجة والإمام هو من العترة وأنه قرين القرآن الكريم، ولا يفترق عنه الواحد منهم تلو الواحد إلى زمان ورود الحوض، ولكن الخلاف يبدأ من المخصص لعموم العترة وأنها شاملة لكل فرد من أفراد العترة؟
فلو وجد في زمان معين ألف شخص أو مائة ألف شخص من العترة فكلهم حجة حسب قول صاحب نقض الإشهاد!
لأن التخصيص بالبعض حسب دعواه لا دليل عليه.
الدليل على تخصيص بعض العترة دون بعضها:
الشيخ (رحمه الله) يرد دعوى صاحب كتاب الإشهاد ويقول له: إن المخصص موجود، وهو نفس عملية قرن العترة بالقرآن الكريم وأنه لا يفارقها ولا تفارقه حتى وقت الورود على الحوض في يوم القيامة، وهذا التعبير كناية عن الاقتران الدائم واستحالة الانفكاك.
ومع كون القرآن فيه ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه، فلابد من وجود شخص عالم بكل هذا ولا يشتبه فيه ويكون مأموناً عليه وإلّا لا معنى لقرنه بالقرآن وهو جاهل به.
تحدي الزيدية بعدم القدرة على تشخيص الإمام من العترة حسب منهجهم:
يقول الشيخ (رحمه الله): إذا وُجد عند الزيدية شخص مثل هذا فليدلونا عليه، ونحن نتبعه.
أمّا إذا قيل بوجود شخص دون أن يشترط فيه هذه الصفات، فهذا الشخص لا يسمى قريناً للقرآن، ولو قلنا: إنهم بأجمعهم أقران للقرآن الكريم بمعنى أن كل فرد فرد منهم هو قرين، ولكن نحن لا نشك بوجود تفاوت بين أفراد العترة فكيف يصح مع هذا التفاوت أن نساوي بين الحجة واللاحجة؟!
رد دعوى أن انتخاب الناس هو الذي يعين شخص الإمام من العترة:
وإن قالوا: إنه واحد من العترة لا بعينه ولكن بانتخاب الناس له يتعين.
قلنا: هذا لا يفرق به ولا يتميز عما تدعيه العامة، والزيدية قد اتفقوا معنا على ضرورة شخص من العترة لا من غيرها.
المخصص اللبّي عند الإمامية:
فلم يبق سوى كونه من العترة وخصوص الأفضل منها، وهذا ما نقول به نحن الإمامية.
وبكلمة واحدة: إن قرن شخص من العترة بالقرآن الكريم يعني وجود شخصٍ معصوم في كل زمان، لهذا الشخص أهلية الإحاطة بما في القرآن الكريم، هذا هو المخصص اللبّي الواضح الذي ندَّعيه في تعيين شخص الإمام من العترة.
المتن:
وقال شيخ من الإمامية(12): إنا لم نقل: إن الحجة من ولد فاطمة (عليهما السلام) قولاً مطلقاً وقلناه بتقييد وشرائط، ولم نحتجّ لذلك بهذا الخبر فقط، بل احتججنا به وبغيره، فأول ذلك أنّا وجدنا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد خصّ من عترته أهل بيته أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) بما خصّ به ودلّ على جلالة خطرهم وعظم شأنهم وعلو حالهم عند الله (عزَّ وجلَّ) بما فعله بهم في الموطن بعد الموطن والموقف بعد الموقف، مما شهرته تغني عن ذكره بيننا وبين الزيدية، ودل الله تبارك وتعالى على ما وصفناه من علو شأنهم بقوله تعالى: ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب: 33]، وبسورة هل أتى وما يشاكل ذلك، فلما قدّم [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] هذه الأمور وقرّر عند أمته أنه ليس في عترته من يتقدمهم في المنزلة والرفعة ولم يكن [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] ممن ينسب إلى المحاباة ولا ممن يولي ويقدم إلّا على الدين، علمنا أنهم (عليهم السلام) نالوا ذلك منه استحقاقاً بما خصهم به، فلما قال بعد ذلك كله: «قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي» علمنا أنه عنى هؤلاء دون غيرهم لأنه لو كان هناك من عترته من له هذه المنزلة لخصه [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] ونبَّه على مكانه، ودلَّ على موضعه لئلا يكون فعله بأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) محاباة، وهذا واضح، والحمد لله، ثم دلنا على أن الإمام بعد أمير المؤمنين الحسن باستخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) إياه وإتباع أخيه له طوعاً.
توضيح ما قاله (رحمه الله):
حديث الثقلين كاشف عن خصائص الإمام:
ثم ليعلم أن موطن الاستدلال على حقانية ما نعتقده في الإمامة ليس هو خصوص حديث الثقلين، بل هو ما جاء كاشفاً عن تلك الخصائص والصفات التي تحدث عنها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في مواطن عديدة وبيَّن فيها من سيخلفه، فلما ذكر حديث الثقلين جاء الحديث بعد ذكر تلك الخصائص كاشفاً ومفسراً لمعنى كلمة الثقلين وفيمن هي مقصودة، وأمّا بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) فدلّنا على انطباق حديث الثقلين على الإمام الحسن (عليه السلام) أنه بنفسه (عليه السلام) كان مورداً لعدة أحاديث من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) تُفضّله وتنصص عليه، ولما تصدى واستلم الإمامة بعد أبيه (عليهم السلام) أذعن بإمامته الحسين (عليه السلام)، فكان هذا الإذعان بعد ذلك البيان كاشفاً عن حقانية ما نقوله في تفسير العترة، وإلّا كان التنصيص على خصوص أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن (عليه السلام) دون غيرهما محاباة لهما حاشا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وحاشاهما (عليهم السلام) عن ذلك، هذا ما يتلخص من كلام الإمامية الذي نقله الشيخ ابن قبة (رحمه الله).
المتن:
وأمّا قوله: إن المؤتمة خالفت الإجماع وادَّعت الإمامة في بطن من العترة، فيقال له: ما هذا الإجماع السابق الذي خالفناه فإنا لا نعرفه، اللهم إلّا أن تجعل مخالفة الإمامية للزيدية خروجاً من الإجماع، فإن كنت إلى هذا تومي فليس يتعذر على الإمامية أن تنسبك إلى مثل ما نسبتها إليه وتدَّعي عليك من الإجماع مثل الذي ادَّعيته عليها، وبعد فأنت تقول: إن الإمامة لا تجوز إلّا لولد الحسن والحسين (عليهما السلام)، فبيِّن لنا لِمَ خصصت ولدهما دون سائر العترة لنبيِّن لك بأحسن من حجتك ما قلناه، وسيأتي البرهان في موضعه إن شاء الله.
ثم قال صاحب الكتاب: وقالت الزيدية: الإمامة جائزة للعترة وفيهم لدلالة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عليهم عامًّا لم يخصص بها بعضاً دون بعض، ولقول الله (عزَّ وجلَّ) لهم دون غيرهم بإجماعهم: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا﴾ [فاطر: 32] - الآية.
فأقول - وبالله التوفيق -: قد غلط صاحب الكتاب فيما حكى، لأن الزيدية إنما تجيز الإمامة لولد الحسن والحسين (عليهما السلام) خاصة، والعترة في اللغة العم وبنو العم، الأقرب فالأقرب، وما عرف أهل اللغة قط ولا حكى عنهم أحد أنهم قالوا: العترة لا تكون إلّا ولد الابنة من ابن العم، هذا شيء تمنّتْه الزيدية وخدعت به أنفسها وتفردت بادِّعائه بلا بيان ولا برهان، لأن الذي تدّعيه ليس في العقل ولا في الكتاب ولا في الخبر ولا في شيء من اللغات، وهذه اللغة وهؤلاء أهلها، فاسألوهم يبيّن لكم أن العترة في اللغة الأقرب فالأقرب من العم وبني العم.
فإن قال صاحب الكتاب: فلِمَ زعمت أن الإمامة لا تكون(13) لفلان وولده، وهم من العترة عندك؟
قلنا له: نحن لم نقل هذا قياساً، وإنما قلناه اتِّباعاً لما فعله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بهؤلاء الثلاثة(14) دون غيرهم من العترة ولو فعل(15) بفلان ما فعله بهم لم يكن عندنا إلّا السمع والطاعة.
توضيح ما قاله (رحمه الله):
رد دعوى مخالفة الإمامية للإجماع، بل لا إجماع على دعوى الزيدية:
يدَّعي صاحب كتاب الإشهاد أن الإمامية خالفت الإجماع.
والشيخ ابن قبة (رحمه الله) يقول له: عن أي إجماع تتحدث؟
إذ لا يوجد عندنا إجماع في كون العترة في جميع الذرية من بني هاشم، نعم إذا كان صاحب الإشهاد يقصد بالإجماع إجماع الزيدية، فبها، ولكن هذه المخالفة مردودة عليك يا صاحب الإشهاد لأن الإمامية يمكنها أن تدَّعي مخالفة الزيدية للإجماع أيضاً.
فقدان الزيدي المخصص وتخبطه في بيان مذهبه:
بل يرد على الزيدية ما نقضوا به على الإمامية من تخصيص العترة بواحد منها في كل زمان على الترتيب المعروف عندهم من الإمام علي (عليه السلام) إلى الحجة بن الحسن (عليهم السلام)، فالزيدية أيضاً تخص من العترة الحسن والحسين (عليهم السلام) دون غيرهما منها، فما هو الدليل على هذا التخصيص، فإن جاء بدليل على هذا التخصيص فهو لنا، بل لنا أحسن منه حجة وبرهاناً عليه، وهذا ما سيأتي لاحقاً.
استدلال الزيدي بالتخصيص بلا مخصص:
ثم قال صاحب الإشهاد: إن الإمامة تصح وتجوز في جميع العترة لأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) دل على ذلك في حديث الثقلين المتقدم ولم يخصصه ببعضهم فالتعميم فيهم ثابت، بل دلت الآيات القرآنية عليه من قبيل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ﴾ [فاطر: 32].
فهذه الآية تدل على جواز الإمامة في جميع العترة بلا تخصيص ببعضهم.
اللغة واستعمال العرف فضلاً عن العقل، بل القرآن والسنة كلها تفند دعوى الزيدية:
ولكن هذه الدعوى باطلة جزماً، فإن دعوى الزيدية أن العترة في خصوص الحسن والحسين (عليهم السلام) وهما أبناء البنت من ابن العم، هذا الادعاء لا قرينة عليه واللغة تدل على أن العترة هي الأقرب فالأقرب، وكذلك هو في القرآن الكريم والروايات، فما جاءت به الزيدية في هذا التخصيص بعد ادِّعائها الشمول لعموم العترة لا دليل عليه لا من لغة ولا من قرآن وسنة بل ولا من عقل.
رد دعوى أن الإمامية لا دليل عندهم على التنصيص:
إن قال صاحب الإشهاد: ولكنكم أيها الإمامية أيضاً تحصرون العترة بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحسن والحسين (عليهما السلام) والبقية في أولاد الحسين واحداً بعد واحد (عليهم السلام)، وهذا أيضاً ينافي عموم وإطلاق لفظة العترة وشمولها للجميع.
قلنا: إن ما قمنا به من تخصيص للعترة جاء به الدليل الذي دل على التنصيص، إذ دلت الروايات على التنصيص، ولولا وجودها لما نصصنا، وليس تنصيصنا بالقياس، ولو نص الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على غير هؤلاء من العترة لأخذنا بتنصيصه.
القاعدة في أمور الدين هي السمع والطاعة:
إننا - نحن الإمامية - في أمور الدين نقتدي بفعل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ونُحَكّم سيرته وفعله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وما علينا فيما يقول إلّا السمع والطاعة، فهو (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) الذي جعل لعلي (عليه السلام) وأولاده نصيباً ولم يجعل لغيرهم من العترة ذلك.
المتن:
وأمّا قوله: إن الله تبارك وتعالى قال: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا﴾ [فاطر: 32] - الآية.
فيقال له: قد خالفك خصومك من المعتزلة وغيرهم في تأويل هذه الآية وخالفتك الإمامية وأنت تعلم مَنْ السابق بالخيرات عند الإمامية، وأقل ما كان يجب عليك - وقد ألفت كتابك هذا لتبين الحق وتدعو إليه - أن تؤيد الدعوى بحجة، فإن لم تكن فإقناع، فإن لم يكن فترك الاحتجاج بما لم يمكنك أن تبين أنه حجة لك دون خصومك، فإن تلاوة القرآن وادِّعاء تأويله بلا برهان أمر لا يعجز عنه أحد، وقد ادَّعى خصومنا وخصومك أن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110] - الآية، هم جميع علماء الأمة، وأن سبيل علماء العترة وسبيل علماء المرجئة سبيل واحد، وأن الإجماع لا يتم والحجة لا تثبت بعلم العترة، فهل بينك وبينها فصل؟ وهل تقنع منها بما ادَّعت أو تسألها البرهان؟ فإن قال: بل أسألها البرهان، قيل له: فهات برهانك أولاً على أن المعنى بهذه الآية التي تلوتها هم العترة، وأن العترة هم الذرية وأن الذرية هم ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) دون غيرهم من ولد جعفر وغيره ممن أمهاتهم فاطميات.
توضيح ما قاله (رحمه الله):
لا دليل لدى الزيدي ولا كلامه بمقنع:
إن قول الزيدي في الاستدلال بآية وراثة الكتاب على الشمول لجميع أفراد العترة لم يقع محل وفاق، فقد خالفه فيه المعتزلة والإمامية أيضاً، فالتخصيص ظاهر في أدلة أخرى فإن الإمامية حددت السابق بالخيرات وأوّلتْه وفسرته بالأئمة (عليهم السلام)، فلا يتم استدلال الزيدي لدخول الاحتمال المخالف له على الأقل.
وأنت أيها الزيدي رغم أنك ألفت هذا الكتاب زاعماً أنك تدعو به للحق، كان عليك أن تأتي بالدليل والحجة، وإذا لم تكن لديك الحجة والدليل على دعواك فعلى الأقل ليكن كلامك مقنعاً، أمّا إذا لم تكن لديك الأدلة ولا القدرة على الإقناع، فكان الأولى بك أن تترك المناظرة والمحاجة، فمن لا يملك البرهان ولا القدرة على الإقناع عليه أن لا يناظر، لأن مجرد ادِّعاء امتلاك الدليل، وأن لديك القدرة على تأويل القرآن الكريم، مجرد هذا القول وادِّعاء هذه الدعوى لا يعجز عنها أحد، وإن كان مبطلاً.
تمسك الزيدي بالعام مع وجود المخصص:
ثم اعلم أن دعواك تشبه دعوى بعض فرق المسلمين في تفسير قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110] الآية.
حيث ادَّعوا أن جميع علماء الأُمة - سواء من العترة الطاهرة أم من الفرق الأخرى كالمرجئة والتي هي واضحة الفساد والبطلان والانحراف - على حد سواء!
فهل يصح قبول قولهم؟
الزيدية والمرجئة من واد واحد:
وهنا نقول لك: ما الفرق بينك وبين هؤلاء، فهؤلاء تمسكوا بالعام مع وجود المخصص، وأنت كذلك.
فهل بمجرد أن تدعي المرجئة ذلك تقبل قولها؟
أم أنك سوف تسأل عن الدليل على هذا التأويل؟
فإذا قلت: سوف أسأل عن الدليل على دعواهم، فنحن كذلك نقول لك: هات الدليل على دعواك.
المتن:
ثم قال: ويقال للمؤتمة: ما دليلكم على إيجاب الإمامة لواحد دون الجميع وحظرها على الجميع، فإن اعتلوا بالوراثة والوصية، قيل لهم: هذه المغيرية(16) تدَّعي الإمامة لولد الحسن ثم في بطن من ولد الحسن بن الحسن في كل عصر وزمان بالوراثة والوصية من أبيه وخالفوكم بعد فيما تدعون كما خالفتم غيركم فيما يدعي.
فأقول - وبالله الثقة -: الدليل على أن الإمامة لا تكون إلّا لواحد أن الإمام لا يكون إلّا الأفضل، والأفضل يكون على وجهين: إمّا أن يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كل واحد من الجميع، فكيف كانت القصة فليس يكون الأفضل إلّا واحداً لأنه من المحال أن يكون أفضل من جميع الأُمة أو من كل واحد من الأمة وفي الأمة من هو أفضل منه، فلما لم يجز هذا وصح بدليل تعترف الزيدية بصحته أن الإمام لا يكون إلّا الأفضل صح أنها لا تكون إلّا لواحد في كل عصر، والفصل فيما بيننا وبين المغيرية سهل واضح قريب والمنة لله، وهو أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) دل على الحسن والحسين (عليهما السلام) دلالة بيِّنة، وبان بهما من سائر العترة بما خصهما به مما ذكرناه ووصفناه، فلما مضى الحسن كان الحسين أحق وأولى بدلالة الحسن لدلالة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عليه واختصاصه إياه وإشارته إليه، فلو كان الحسن أوصى بالإمامة إلى ابنه لكان مخالفاً للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وحاشا له من ذلك، وبعد فلسنا نشك ولا نرتاب في أن الحسين (عليه السلام) أفضل من الحسن بن الحسن بن علي والأفضل هو الإمام على الحقيقة عندنا وعند الزيدية، فقد تبيَّن لنا بما وصفنا كذب المغيرية وانتقض الأصل الذي بنوا عليه مقالتهم، ونحن لم نخص علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) بما خصصناه به محاباة، ولا قلدنا في ذلك أحداً، ولكن الأخبار قرعت سمعنا فيه بما لم تقرع في الحسن بن الحسن.
ودلَّنا على أنه أعلم منه ما نقل من علم الحلال والحرام عنه، وعن الخلف من بعده، وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، ولم نسمع للحسن بن الحسن بشيء يمكننا أن نقابل بينه وبين من سمعناه من علم علي بن الحسين (عليهما السلام)، والعالم بالدين أحق بالإمامة ممن لا علم له، فإن كنتم يا معشر الزيدية عرفتم للحسن بن الحسن علماً بالحلال والحرام فأظهروه وإن لم تعرفوا له ذلك فتفكروا في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: 35]، فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل وتقدم وطهارة وزكاة وعدالة، والإمامة لا يتم أمرها إلّا بالعلم بالدين والمعرفة بأحكام رب العالمين وبتأويل كتابه، وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحد، قالت الزيدية بإمامته إلّا وهو يقول في التأويل - أعني تأويل القرآن - على الاستخراج وفي الأحكام على الاجتهاد والقياس، وليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط، لأن ذلك كان ممكناً لو كان القرآن إنما أنزل بلغة واحدة وكان علماء أهل تلك اللغة يعرفون المراد، فأمّا القرآن قد نزل بلغات كثيرة، وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلّا بتوقيف مثل الصلاة والزكاة والحج وما في هذا الباب منه، وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلّا بتوقيف مما نعلم وتعلمون أن المراد منه إنما عرف بالتوقيف دون غيره، فليس يجوز حمله على اللغة لأنك تحتاج أولاً أن تعلم أن الكلام الذي تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلاً، لا في جمله ولا في تفصيله.
توضيح ما قاله (رحمه الله):
اتِّهام الإمامية بمشابهة المغيرية:
يدَّعي صاحب كتاب الإشهاد أنه: إن كان دليل الإمامية على جعل الإمامة في ولد الحسين (عليه السلام) واحداً بعد واحد هو الوراثة والوصية، فهذا غير مختص بهم، فإن فرقة المغيرة بن سعيد المنحرفة قد ادَّعت الوراثة والوصية في ولد الحسن بن الحسن في كل عصر، وهذه دعوى تشبه دعواكم وتخالفها من جهة أنهم يطبقونها على ولد الحسن (عليه السلام) لا ولد الحسين (عليه السلام).
الإمامة في واحد وهو الأفضل:
فأجاب الشيخ ابن قبة (قدّس سرّه): بأننا متمسكون بأن الإمامة لا تكون إلّا لواحد في كل زمان، ولا يكون هذا الواحد إلّا الأفضل من الجميع، ومن كل فرد، وهذا الذي نقول به - من كون الإمامة لأفضل الجميع - يقتضي عدم تعدد الإمام ولابد من كونه واحداً في كل زمان لأن أفضل الجميع لا يكون إلّا شخصاً واحداً.
فالإقرار بأنه أفضل الجميع يقتضي وحدته في كل زمان، وهذا متفق عليه مع الزيدية.
الفارق بيننا وبين المغيرية:
أمّا الفارق بيننا وبين المغيرية، فهو واضح وسهل، من جهة الاتفاق على دلالة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على الحسن والحسين (عليهم السلام)، فلما مضى الحسن (عليه السلام)، كان الحسين (عليه السلام) أحق بالإمامة من بعده، إذ لو أوصى الإمام الحسن (عليه السلام) بالإمامة إلى ولده لكان مخالفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وحاشاه عن ذلك.
وبعد الحسن (عليه السلام) لا نشك أن الحسين (عليه السلام) أفضل من الحسن بن الحسن، والأفضل هو الإمام، وهذا متفق عليه بيننا وبين الزيدية، وبهذا يتبيَّن كذب دعوى المغيرية.
إمامة الإمام زين العابدين (عليه السلام) وولده (عليهم السلام) ليست بالتقليد:
ونحن لم نخص الإمام علي بن الحسين (عليهم السلام) بما خصصناه محاباة، ولم نقلد في ذلك أحداً، وإنما الأخبار هي التي دلتنا عليه، ولم تدلنا على الحسن بن الحسن.
وأيضاً دلنا على أنه أفضل أهل زمانه علمُه بالحلال والحرام، وأنه أعلم أهل زمانه به.
وهكذا الأمر في ولده الباقر (عليه السلام) وحفيده الصادق (عليه السلام).
تحدي الشيخ ابن قبة (رحمه الله) للزيدية في إثبات الإمامة للحسن المثنى:
ولم نسمع مثل ذلك في الحسن بن الحسن، والعالم بالدين أحق بالإمامة في الدين من غير العالم به، فإذا كانت الزيدية تعرف أن للحسن بن الحسن علماً يمتاز به فليظهروه لنا، وإن لم تعرفوا له شيئاً من ذلك فتذكروا قول الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ (يونس: 35).
فلو كان للحسن بن الحسن تقدّمٌ فنحن لا ندفعه عنه، ولكنه لم يتثبت عندنا أن له من الفضل من شيء.
ونحن لا نقول بالإمامة لأحد إلّا بأن يكون من أهل العلم والفضل والمعرفة بالدين والقرآن الكريم، ومعرفته بالقرآن الكريم ليست بالتأويل والرأي؛ لأن القرآن الكريم حاله حال الصلاة والزكاة والحج، قضية توقيفية، فهو نزل بلغات ولهجات ومعانٍ كثيرة لا يعرفه ولا يعرفها إلّا الإمام (عليه السلام).
المتن:
فإن قال منهم قائل: لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف الله رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وما كان سبيله أن يستخرج، فقد وكَّل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلاً على بعض، فاستغنينا بذلك عما تدعون من التوقيف والموقف.
قيل له: لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لأنا نجد للآية الواحدة تأويلين متضادين كل واحد منهما يجوز في اللغة ويحسن أن يتعبد الله به، وليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلام يحتمل مرادين متضادين.
فإن قال: ما ينكر أن يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدبروه علموا المراد بعينه دون غيره.
فيقال للمعترض بذلك: أنكرنا هذا الذي وصفته لأمر نخبرك به: ليس تخلو تلك الدلالة التي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملة للتأويل أو غير محتملة، فإن كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية، وإن كانت لا تحتمل التأويل، فهي إذاً توقيف ونص على المراد بعينه ويجب أن لا يشكل على أحد علم اللغة معرفة المراد، وهذا ما لا تنكره العقول، وهو من فعل الحكيم جائز حسن، ولكنا إذا تدبرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائماً بين أهل العلم بالدين واللغة، ولو كان هناك آيات تفسر آيات تفسيراً لا يحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين، ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي، ولكان من تأول الآية خارجاً من اللغة ومن لسان أهلها، لأن الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على ما لا يحتمله خرجت عن اللغة التي وقع الخطاب بها، فدلونا يا معشر الزيدية على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدل نصاً وتوقيفاً على تأويلها، وهذا أمر متعذر وفي تعذره دليل على أنه لابد للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به، وهذا عندي واضح.
توضيح ما قاله (رحمه الله):
بيان مذهب الزيدية في التأويل:
فإن اعترض معترض على الجواب السابق من توقيفية تشخيص معرفة القرآن بالإمام (عليه السلام) وأن تعين المراد ليس بالتأويل وليس بيد الناس، وقال: لِمَ لا نفصّل في القرآن الكريم بأن نقول: إن بعض القرآن الكريم توقيفي ويحتاج إلى الإمام لمعرفته، وبعضه الآخر يمكن استخراجه من قبل العلماء، وهذا البعض الذي يستخرجه العلماء يستدل عليه بالقرآن الكريم نفسه، فبعض القرآن يفسر بعضه الآخر، فإذا قبلنا هذا التفصيل سوف نستغني عن دعواكم في توقيفية القرآن وحاجته إلى الإمام (عليه السلام).
رد دعوى الزيدية في التأويل وإثبات التوقف:
والجواب عن هذا الاعتراض بأن نقول: إن هذه الدعوى خلاف الحكمة، فإن الحكيم لا يصدر منه كلام يحتمل مرادين يضاد أحدهما الآخر، وإذا تنازلنا عن التوقيفية سنقع في هذا المحذور لأنه مما ندركه بالوجدان أن للآية الواحدة هذا التعدد في المعاني والمرادات، فتحتاج معرفة الصحيح منهما إلى الإمام (عليه السلام)، وهذه الحاجة تأتي بعد الإذعان بالتوقيفية.
فإن قيل: لِـمَ لا نقول: إن في نفس القرآن دلالة على أحد المرادين المتضادين، ومعرفة هذا المعنى الصحيح موقوف على التدبر في القرآن، فمتى تأمل العلماء وتدبروا فيه استخرجوا المعنى المراد، فالمعنى المراد مودع في القرآن، واستخراجه موقوف على التدبر من قبل العلماء، وبذلك لا نحتاج إلى التوقيفية التي قلتم بها.
فإنه يقال: إن من الواضحات ما قلناه وادَّعيناه من توقيفية القرآن الكريم ومن حاجة القول بالتوقيفية إلى مترجم وإمام للقرآن الكريم، ووجه هذا الوضوح:
وضوح حاجة القرآن إلى مترجم:
نحن نطالبكم أيها الزيدية: بأن تأتوا لنا بآية تدعم دعواكم، وأنها تفسر آية أخرى وأن فيها المعنى الصحيح من المعنيين المتضادين، لأنكم إذا جئتم بآية وقلتم هذه هي، فسوف نسألكم:
هل المعنى الظاهر من الآية والذي صار قرينة على اختيار أحد المعنيين المتضادين، هل هذا المعنى نص في المراد وغير قابل للتأويل أم يحتمل التأويل؟
فإن قلتم: يحتمل التأويل كما هو واقع الحال.
قلنا: رجع الأمر إلى ما نقول من ضرورة التوقيفية والرجوع إلى الإمام (عليه السلام) في معرفة المعنى التوقيفي.
وإن قلتم: هو نص في المعنى ولا يقبل التأويل.
قلنا: هذا أيضاً إقرار منكم بالتوقيفية التي فررتم منها.
على أنه إذا تدبرنا في آيات القرآن الكريم لا نجد آية واحدة لا تحتمل معنى آخر.
ولو كان الأمر كما تزعمون وأن في الآيات ما يفسر بعضه بعضاً بنحو لا يحتمل التأويل بعد تفسيره بالمعنى المقصود، وكان هذا معروفاً وواضحاً بين العلماء، لأصبح كل من يخالف هذا التأويل من المعاندين، مع أن العلماء لم يصفوه بذلك!
ولأمكن كشف هؤلاء المعاندين بسهولة وبدون عناء وبأبسط وأهون التفات!
ولكنه ليس بموجود، فرجع الأمر إلى لزوم القول بالتوقيفية.
المتن:
ثم قال صاحب الكتاب: وهذه الخطابية(17) تدعي الإمامة لجعفر بن محمد من أبيه (عليهما السلام) بالوراثة والوصية، ويقفون على رجعته، ويخالفون كل من قال بالإمامة ويزعمون أنكم وافقتموهم في إمامة جعفر (عليه السلام) وخالفوكم فيمن سواه.
فأقول - وبالله الثقة -: ليس تصح الإمامة بموافقة موافق ولا مخالفة مخالف وإنما تصح بأدلة الحق وبراهينه وأحسب أن صاحب الكتاب غلط والخطابية قوم غلاة، وليس بين الغلو والإمامة(18) نسبة.
فإن قال: فإني أردت الفرقة التي وقفت عليه(19).
قيل له: فيقال لتلك الفرقة: نعلم أن الإمام بعد جعفر موسى بمثل ما علمتم أنتم به أن الإمام بعد محمد بن علي جعفر، ونعلم أن جعفراً مات كما نعلم أن أباه مات والفصل بيننا وبينكم هو الفصل بينكم وبين السبائية والواقفة على أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فقولوا كيف شئتم.
ويقال لصاحب الكتاب: وأنت فما الفصل بينك وبين من اختار الإمامة لولد العباس وجعفر وعقيل، أعني لأهل العلم والفضل منهم، واحتج باللغة في أنهم من عترة الرسول، وقال: إن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عم جميع العترة ولم يخص إلّا ثلاثة(20) هم أمير المؤمنين والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) عرِّفْناه وبيّنْ لنا.
توضيح ما قاله (رحمه الله):
موافقة بعض فرق الضلال للإمامية في بعض الدعوى لا يلزم حقانية هذه الفرق ولا بطلان الإمامية:
يدَّعي صاحب كتاب الإشهاد أن دعوى الشيعة لا تصح لأن بعض فِرَق الشيعة قد وافقت الدعوى وفي كونها بالوراثة والوصية مع ذلك خالفوا الشيعة الإمامية في التطبيق، وهذا يكشف في نظره عن بطلان المذهب الذي اعتمد عليه الإمامية.
الإمامة لا تبطل بقول المخالف ولا تتوقف على الموافق:
الشيخ ابن قبة (رحمه الله) يرد هذه الدعوى ويبيِّن: أن الإمامة لا تتوقف على قول الموافق ولا تبطل بقول المخالف، الإمامة تثبت بالأدلة الحقة والبراهين التي يستدل بها عليها، وتشبيه الإمامية بالخطابية من قبل صاحب كتاب الإشهاد غلط واضح، إذ إن الخطابية من الفِرَق المغالية كما هو معروف وواضح، والإمامية فرقة لها أصولها ورجالها وأئمتها (عليهم السلام) وكتبها ومؤلفاتها وغير ذلك، ومقارنتها بالفرق المغالية غلط لا ينبغي أن يقع فيه صاحب كتاب الإشهاد.
تفسير المقارنة بنحو آخر:
فإن قال صاحب الإشهاد: إن المقصود من المقارنة هي المقارنة بالفرقة التي وقفت لا التي غالت، أي المقصود بالتشبيه هو أن هناك من قال بكون الإمامة بالوراثة والوصية ولكنها لم تتفق مع الإمامية في التطبيق فوقفت على الإمام الصادق (عليه السلام) ولم تجعل الإمامة في ولده موسى (عليه السلام).
رد المقارنة بما لا مخلص للزيدية منه:
فإنه يقال له: إن فرقة الواقفة تعلم بأن الإمامة بعد الصادق (عليه السلام) هي لولده موسى الكاظم (عليه السلام)، هي تعلم ذلك بنفس مستوى العلم الذي تعلم به أنت أن الإمامة بعد الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) هي للإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، وتعلم أيضاً أن الإمام الصادق (عليه السلام) قد مات، كما نعلم وتعلم أن أباه (عليه السلام) قد مات، وكل ما تقولونه للتفريق بين فرقتكم وفرقة السبئية التي قالت بحياة أمير المؤمنين (عليه السلام) وعدم موته، وأنتم قلتم بموته وإسراء الإمامة في ولديه (عليهم السلام) من بعده وفي علي بن الحسين (عليه السلام) بعدهما، كلما تقولونه لرد السبائية نقوله لرد الخطابية، فقولوا كيف شئتم وسنقول بما قلتم.
وأيضاً بنفس الطريقة التي تفصّلون بها وتفرّقون على أساسها بينكم وبين أهل الفضل والعلم من بني العباس، نحن نسألكم وجوابنا بما تجيبون به بني العباس، فنحن سنجيبكم به، وبما تفرقون نحن سنفرق به.
وما تقدمونه من دليل يميزكم عن بني العباس مع أنه يصح منهم الاستدلال على أن الإمامة فيهم بنفس استدلالكم من كونهم من العترة، ولم يخصص إلّا الثلاثة، هو دليلنا.
المتن:
ثم قال صاحب الكتاب: وهذه الشمطية تدَّعي إمامة عبد الله بن جعفر بن محمد من أبيه(21) بالوراثة والوصية، وهذه الفطحية تدَّعي إمامة إسماعيل بن جعفر(22) عن أبيه بالوراثة والوصية، وقبل ذلك (إنـ)ـما قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر ويسمون اليوم إسماعيلية لأنه لم يبق للقائلين بإمامة عبد الله بن جعفر خلف ولا بقية، وفرقة من الفطحية يقال لهم: القرامطة(23) قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بالوراثة والوصية.
وهذه الواقفة على موسى بن جعفر تدَّعي الإمامة لموسى وترتقب لرجعته.
وأقول: الفرق بيننا وبين هؤلاء سهل واضح قريب: أمّا الفطحية فالحجة عليها أوضح من أن تخفى لأن إسماعيل مات قبل أبي عبد الله (عليه السلام)، والميت لا يكون خليفة الحي، وإنما يكون الحي خليفة الميت، ولكن القوم عملوا على تقليد الرؤساء وأعرضوا عن الحجة وما في بابها.
وهذا أمر لا يحتاج فيه على إكثار لأنه ظاهر الفساد، بيّن الانتقاد.
وأمّا القرامطة فقد نقضت الإسلام حرفاً حرفاً، لأنها أبطلت أعمال الشريعة وجاءت بكل سوفسطائية، وإن الإمام إنما يحتاج إليه للدين وإقامة حكم الشريعة، فإذا جاءت القرامطة تدَّعي أن جعفر بن محمد أو وصيه استخلف رجلاً دعا إلى نقض الإسلام والشريعة والخروج عما عليه طبائع الأُمة لم نحتج في معرفة كذبهم إلى أكثر من دعواهم المتناقض الفاسد الركيك.
وأمّا الفصل بيننا وبين سائر الفرق فهو أن لنا نقله أخبار وحملة آثار قد طبقوا البلدان كثرة، ونقلوا عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) من علم الحلال والحرام ما يعلم بالعادة الجارية والتجربة الصحيحة أن ذلك كله لا يجوز أن يكون كذباً مولداً، وحكوا مع نقل ذلك عن أسلافهم أن أبا عبد الله (عليه السلام) أوصى بالإمامة إلى موسى (عليه السلام)، ثم نقل إلينا من فضل موسى (عليه السلام) وعلمه ما هو معروف عند نقله الأخبار، ولم نسمع لهؤلاء بأكثر من الدعوى، وليس سبيل التواتر وأهله سبيل الشذوذ وأهله، فتأملوا الأخبار الصادقة تعرفوا بها فصل ما بين موسى (عليه السلام) ومحمد وعبد الله بني جعفر، وتعالوا نمتحن هذا الأمر بخمس مسائل من الحلال والحرام مما قد أجاب فيه موسى (عليه السلام) فإن وجدنا لهذين فيه جواباً عند أحد من القائلين بإمامتهما فالقول كما يقولون، وقد روت الإمامية أن عبد الله بن جعفر سئل كم في مائتي درهم؟ قال: خمسة دراهم، قيل له: وكم في مائة درهم؟ فقال: درهمان ونصف(24).
توضيح ما قاله (رحمه الله):
رد فرق الواقفة وغيرها:
وكذلك هو الكلام بعينه في فرقة الشمطية والفطحية والقرامطة التي وقفت ولم تجرِ الإمامة في ولد الإمام السابق، مع إنها تقول بالوراثة والوصية.
فالجواب واضح بعين ما تقدم، وفي الفطحية فالأمر أوضح لموت إسماعيل في حياة أبيه الصادق (عليه السلام)، والميت لا يكون خليفة الحي إنما الحي خليفة الميت، ولكن القوم لعنادهم ومتابعتهم العمياء لرؤسائهم وإعراضهم عن الحجة قالوا بذلك، وأمر هؤلاء ظاهر وواضح الفساد فلا يحتاج إلى أكثر مما قلناه.
وأمّا القرامطة فمضافاً لما تقدَّم فقد دلَّت تصرفاتها وفعالها على أنها نقضت الإسلام حرفاً حرفاً، فكيف يستشهد بها علينا ونقارن بها!
فأصل الإمامة لحفظ الدين، وعندما تدَّعي القرامطة أن وصي الإمام الصادق (عليه السلام) بحسب نظرهم هو من نقض الدين حرفاً حرفاً، فما قاموا به هو دليل على كذب دعواهم، وفساد معتقدهم المتناقض.
وأمّا الفارق بيننا وبين بقية الفرق فهو: أن لنا - نحن الشيعة الإمامية - رواة حديث ونقلة أخبار قد ساروا في جميع أصقاع الأرض ونقلوا عن الأئمة (عليهم السلام) أحاديثهم من الحلال والحرام، وهؤلاء على كثرتهم واختلاف بلدانهم تقتضي العادة استبعاد اجتماعهم على الكذب، وهم في ذات الوقت قد قالوا بإمامة الإمام موسى بن جعفر الكاظم بعد أبيه (عليهما السلام)، وأنه (عليه السلام) أوصى بالإمامة إليه، ثم نقلوا لنا من فضائل الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وعلمه ما هو معروف مشهور، هذه هي دعواهم التي تواترت عنهم.
فلا يقاس ما عندنا من تواتر بما عند غيرنا من شذوذ.
فراجعوا الأخبار وتأملوا فيها تجدوا الفرق بين من ندَّعي له الإمامة وبين من تُدَّعى له الإمامة من هذه الفرق.
بل تعالوا نمتحن ونختبر ما ذهبوا إليه بمسائل خمسة من الحلال والحرام مما أجاب بها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، فإن وجد عند هذه الفِرَق أجوبة، فإنه يصح ما يقولون.
وقد روت الإمامية أن عبد الله بن جعفر سئل عن الزكاة في مائتي درهم، فقال: خمسة دراهم، فقيل له وكم في مائة درهم؟ فقال: درهمان ونصف!
مع أن من الواضحات أن نصاب الزكاة في الدراهم هو (200) درهم وما كان قبلها ليس فيه شيء(25).
المتن:
ولو أن معترضاً اعترض على الإسلام وأهله فادَّعى أن ههنا من قد عارض القرآن(26) وسألنا أن نفصل بين تلك المعارضة والقرآن، لقلنا له: أمّا القرآن فظاهر، فأظهر تلك المعارضة حتى نفصل بينها وبين القرآن.
وهكذا نقول لهذه الفرق، أمّا أخبارنا فهي مروية محفوظة عند أهل الأمصار من علماء الإمامية فأظهروا تلك الأخبار التي تدَّعونها حتى نفصل بينها وبين أخبارنا، فأمّا أن تدعوا خبراً لم يسمعه سامع ولا عرفه أحد ثم تسألونا الفصل بين (هذا) الخبر، فهذا ما لا يعجز عن دعوى مثله أحد، ولو أبطل مثل هذه الدعوى أخبار أهل الحق من الإمامية لأبطل مثل هذه الدعوى من البراهمة(27) أخبار المسلمين، وهذا واضح ولله المنة.
وقد ادَّعت الثنوية(28) أن ماني(29) أقام المعجزات وأن لهم خبراً يدل على صدقهم، فقال لهم الموحدون: هذه دعوى لا يعجز عنها أحد فأظهروا الخبر لندلكم على أنه لا يقطع عذراً ولا يوجب حجة، وهذا شبيه بجوابنا لصاحب الكتاب.
ويقال لصاحب الكتاب: قد ادَّعت البكرية والأباضية(30) أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) نص على أبي بكر وأنكرت أنت ذلك كما أنكرنا نحن أن أبا عبد الله (عليه السلام) أوصى إلى هذين(31)، فبيِّن لنا حجتك ودلِّنا على الفصل بينك وبين البكرية والأباضية، لندلك بمثله على الفصل بيننا وبين من سميت.
ويقال لصاحب الكتاب: أنت رجل تدَّعي أن جعفر بن محمد كان على مذهب الزيدية وأنه لم يدَّع الإمامة من الجهة التي تذكرها الإمامية وقد ادَّعى القائلون بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد خلاف ما تدَّعيه أنت وأصحابك، ويذكرون أن أسلافهم رووا ذلك عنه، فعرفنا الفصل بينكم وبينهم لنأتيك بأحسن منه، وأنصف من نفسك فإنه أولى بك.
وفرق آخر: وهو أن أصحاب محمد بن جعفر وعبد الله بن جعفر معترفون بأن الحسين نص على علي وأن علياً نص على محمد، وأن محمداً نص على جعفر، ودليلنا أن جعفراً نص على موسى (عليهم السلام) هو بعينه دون غيره دليل هؤلاء على أن الحسين نص على علي، وبعد فإن الإمام إذا كان ظاهراً واختلف إليه(32) شيعته ظهر علمه وتبين معرفته بالدين، ووجدنا رواة الأخبار وحملة الآثار قد نقلوا عن موسى من علم الحلال والحرام ما هو مدون مشهور، وظهر من فضله في نفسه ما هو بيّن عند الخاصة والعامة وهذه هي أمارات الإمامة، فلما وجدناها لموسى دون غيره علمنا أنه الإمام بعد أبيه دون أخيه.
وشيء آخر: وهو أن عبد الله بن جعفر مات ولم يعقب ذكراً ولا نص على أحد فرجع القائلون بإمامته عنها إلى القول بإمامة موسى (عليه السلام) والفصل بعد ذلك بين أخبارنا وأخبارهم هو أن الأخبار لا توجب العلم حتى يكون في طرقه وواسطته قوم يقطعون العذر إذا أخبروا، ولسنا نشاح(33) هؤلاء في أسلافهم، بل نقتصر على أن يوجدونا في دهرنا من حملة الأخبار ورواة الآثار ممن يذهب مذهبهم عدداً يتواتر بهم الخبر كما نوجدهم نحن ذلك، فإن قدروا على هذا فليظهروه، وإن عجزوا فقد وضح الفرق بيننا وبينهم في الطرف الذي يلينا ويليهم(34) وما بعد ذلك موهوب لهم وهذا واضح والحمد لله.
وأمّا الواقفة على موسى (عليه السلام) فسبيلهم سبيل الواقفة على أبي عبد الله (عليه السلام)، ونحن فلم نشاهد موت أحد من السلف وإنما صح موتهم عندنا بالخبر، فإن وقف واقف على بعضهم سألناه الفصل بينه وبين من وقف على سائرهم وهذا ما لا حيلة لهم فيه.
ثم قال صاحب الكتاب: ومنهم فرقة قطعت على موسى وائتموا بعده بابنه علي بن موسى (عليهما السلام) دون سائر ولد موسى (عليه السلام) وزعموا أنه استحقها بالوراثة والوصية، ثم في ولده حتى انتهوا إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) فادعوا له ولداً وسموه الخلف الصالح فمات قبل أبيه(35)، ثم إنهم رجعوا إلى أخيه الحسن وبطل في محمد ما كانوا توهموا - وقالوا: بدا لله من محمد إلى الحسن كما بدا له من إسماعيل بن جعفر إلى موسى وقد مات إسماعيل في حياة جعفر إلى أن مات الحسن بن علي في سنة ثلاث وستين ومائتين فرجع بعض أصحابه إلى إمامة جعفر بن علي، كما رجع أصحاب محمد بن علي بعد وفاة محمد إلى الحسن، وزعم بعضهم أن جعفر بن علي استحق الإمامة من أبيه علي بن محمد بالوراثة والوصية دون أخيه الحسن، ثم نقلوها في ولد جعفر بالوراثة والوصية، وكل هذه الفرق يتشاحون على الإمامة ويكفر بعضهم بعضاً، ويكذب بعضهم بعضاً، ويبرأ بعضهم من إمامة بعض، وتدَّعي كل فرقة الإمامة لصاحبها بالوراثة والوصية وأشياء من علوم الغيب، الخرافات أحسن منها ولا دليل لكل فرقة فيما تدَّعي وتخالف الباقين غير الوراثة والوصية، دليلهم شهادتهم لأنفسهم دون غيرهم قولاً بلا حقيقة ودعوى بلا دليل، فإن كان ههنا دليل فيما يدَّعي كل طائفة غير الوراثة والوصية، وجب إقامته وإن لم يكن غير الدعوى للإمامة بالوراثة والوصية، فقد بطلت الإمامة لكثرة من يدَّعيها بالوراثة والوصية، ولا سبيل إلى قبول دعوى طائفة دون الأخرى إن كانت الدعوى واحدة، ولا سيما وهم في إكذاب بعضهم بعضاً مجتمعون، وفيما يدّعى كل فرقة منهم منفردون.
توضيح ما قاله (رحمه الله):
النقض بدعوى معارضة القرآن وإبطالها:
وهذا نظير ما لو ادّعى مدَّعٍ من غير أهل الإسلام بوجود دليل يعارض القرآن وينفيه ويبطل ما جاء فيه، فإننا نقول لهذا المعترض: القرآن موجود بين أيدينا، وحقائقه ظاهرة للعيان، فأين هذا الذي تدَّعي معارضته للقرآن، أظهره، وبين وجه معارضته.
روايات الإمامية دالة على الوراثة والوصية:
فكذلك الأمر في دعوى معارضة ما يراه الشيعة الإمامية من هذه الفِرَق المنحرفة الضالة، فإن أخبار حقانية الإمامية بارزة ظاهرة للعين في نظريتهم في الإمامة وأنها بالوراثة والوصية وفي أعقاب الإمام الحسين (عليه السلام) واحداً بعد واحد، فمن يدَّعِ غير ذلك فليأت بروايات تدل على دعواه كما جاءت الإمامية بذلك.
وبخلاف ذلك فدعواكم غير مسموعة ولا مستدل عليها بالروايات.
روايات الإمامية لا تبطل إذ ببطلانها بطلان الإسلام:
ولو تطرق الإبطال إلى روايات الإمامية فيما يعتقدون وهي بهذه الكثرة والانتشار في مختلف الأقطار والأمصار، لتطرق البطلان للدين من قبل البراهمة، ولقال هؤلاء: إننا نبطل الإسلام بمثل ما أبطلتم به أخبار الإمامية.
كل فرقة ضلال لابد لها من دعوة:
ولا يخفى أن كل فرقة من فرق الضلال لابد أن تدَّعي دعوى وإلّا فلا توجد فرقة لا دعوى لها!
فقد ادَّعت الثنوية أن ماني أقام المعجزات، فأجابهم الموحدون بأن هذه دعوى لا يعجز عنها أحد، دلونا على خبره ودليله لنرى أنه يقطع الحجة أو لا؟
وهكذا الكلام مع هذه الفرق.
دعوى البكرية وإلزام الزيدي بها:
وكذلك يقال لصاحب كتاب الإشهاد: إن البكرية والأباضية قد ادَّعت أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد نص على أبي بكر وأنت قد أنكرت ذلك، كما ننكر نحن أن أبا عبد الله (عليه السلام) قد أوصى إلى إسماعيل وعبد الله، فما تقوله في رفضك للبكرية نحن نقوله في رفضنا لهذين.
وكذلك تدَّعي أن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يدَّعِ الإمامة على ما تقوله الإمامية، وأن الذي ادَّعاها له هم أصحاب محمد بن إسماعيل، فهل من فرق بين الدعويين تبيِّنه لنا؟
وهل هناك ما يميز دعواكم عن دعواهم، لنأتيك بأحسن منه في تمييز دعوانا من دعواهم.
دليلنا دليل من وقف قبل أن يقف:
وهناك فرق آخر وهو أن الإسماعيلية والفطحية يعترفون بالنص على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهكذا بالنص إلى الإمام جعفر بن محمد (عليهم السلام)، فبنفس الدليل الذي استدلوا به على إمامة هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) نستدل على إمامة الإمام الكاظم (عليه السلام).
ظهور دلالات الإمامة على من ندَّعي وبطلانها في غيرهم:
على أنه قد ظهرت عليه أمارات الإمامة، مِن تردد الشيعة عليه وظهور علمه ووضوح معرفته بالدين، وقد نقل عنه أهل الآثار والأخبار ذلك، وكان معروفاً عند الخاص والعام، فنحن قد وجدنا أمارات الإمامة فيه دون غيره من أولاد الإمام الصادق (عليه السلام).
وشيء آخر: أن عبد الله مات في حياة الإمام الصادق (عليه السلام) ولم يعقب ذكراً ولا نص على أحد، وقد رجع القائلون بإمامته إلى القول بإمامة الإمام الكاظم (عليه السلام).
على أن أخبار هؤلاء لا توجب العلم ولا تقطع العذر كما هي أخبارنا، ونحن لا نزاع لنا مع هؤلاء في ما فعله أسلافهم ولماذا وقفوا، وإنما كلامنا مع هؤلاء الأتباع في أن يعطونا الدليل من الآثار والأخبار من الذين يعتقدون بمعتقدهم، كما نقوم به نحن من الاستدلال بالآثار والأخبار على ما نعتقده، فإذا عجزوا عن ذلك فهذا معناه أنهم على باطل.
وأمّا الواقفة على الإمام موسى بن جعفر (عليهم السلام) فحالهم حال الواقفة على أبي عبد الله (عليه السلام)، ونحن لم نشاهد موت أحد من السلف وإنما صح موتهم عندنا بالخبر، فإن وقف واقف منهم وقال بعدم موت الإمام (عليه السلام)، نسأل هنا أن يبين لنا الفرق بينه وبين من سبقه، وأن يأتوا بالفرق، فهذا مما لا سبيل لهم إليه ومما لا يقدرون عليه، فبان بطلان دعواهم.
ثم قال صاحب كتاب الإشهاد: وأيضاً من الفِرَق فرقة استمرت بالاعتقاد بالأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد إلى إمامة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وقالوا بأن له ولداً وأنه الخلف الصالح (عليه السلام).
وفرقة أخرى قالوا بإمامة محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام) ولكنهم رجعوا عن القول بإمامته بعد موته ورجعوا إلى القول بإمامة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وقال هؤلاء: بدا لله تعالى في محمد كما بدا له في إسماعيل، إلى أن مات الإمام الحسن (عليه السلام) سنة (263هـ)(36)، فرجع بعض أصحابه إلى القول بإمامة جعفر بن الإمام الهادي (عليه السلام)، وهؤلاء زعموا أن الإمامة في جعفر هي من الإمام الهادي (عليه السلام) وليس من الإمام العسكري (عليه السلام)، ثم هؤلاء نقلوها في ولد جعفر بالوراثة والوصية، وكل هذه الفِرَق يتشاحون ويتنازعون في الإمامة إلى الحد الذي يكفر بعضهم بعضاً ويكذب بعضهم على بعض ويبرأ بعضهم من بعض، وتدَّعي كل فرقة منهم الإمامة في صاحبها بالوراثة والوصية، وأشياء من علوم الغيب، ولكن الخرافات أحسن من هذا الذي يدعونه، ولا يملك هؤلاء دليلاً على دعواهم سوى الوراثة والوصية وشهادتهم لأنفسهم بأنهم على حق دون حق أو تحقيق، فإن كان عند هؤلاء دليل يميز بعضهم غير الوراثة والوصية فليقدموه، وإلّا فإن لم يكن بيدهم غير هذا، فدعواهم باطلة، وتبعاً لبطلان دعاواهم بأجمعهم تبطل دعوى الإمامة، إذ لا سبيل لتصديق طائفة دون طائفة، فالدعوى واحدة وهم يكذب بعضهم بعضاً، فنكذبهم جميعاً، لأنهم بمجموعهم يكذبون أنفسهم بأنفسهم.
المتن:
فأقول - والله الموفق للصواب -: لو كانت الإمامة تبطل لكثرة من يدَّعيها لكان سبيل النبوة سبيلها، لأنّا نعلم أن خلقاً قد ادَّعاها، وقد حكى صاحب الكتاب عن الإمامية حكايات مضطربة، وأوهم أن تلك مقالة الكل وأنه ليس فيهم إلّا من يقول بالبداء.
ومن قال: إن الله يبدو له من إحداث رأي وعلم مستفاد فهو كافر بالله.
وما كان غير هذا فهو قول المغيرية، ومن ينْحَلُ للأئمة علم الغيب.
فهذا كفر بالله، وخروج عن الإسلام عندنا.
وأقل ما كان يجب عليه أن يذكر مقالة أهل الحق، وأن لا يقتصر على أن القوم اختلفوا حتى يدل على أن القول بالإمامة فاسد.
وبعد فإن الإمام عندنا يُعرَف من وجوه سنذكرها ثم نعتبر ما يقول هؤلاء، فإن لم نجد بيننا وبينهم فصلاً حكمنا بفساد المذهب، ثم عدنا نسأل صاحب الكتاب عن أن أي قول هو الحق من بين الأقاويل: أمّا قوله: (إن منهم فرقة قطعت على موسى وائتموا بعده بابنه علي بن موسى)، فهو قول رجل لا يعرف أخبار الإمامية(37) لأن كل الإمامية - إلّا شرذمة وقفت وشذوذ قالوا بإمامة إسماعيل وعبد الله بن جعفر - قالوا بإمامة علي بن موسى ورووا فيه ما هو مدون في الكتب، وما يذكر من حملة الأخبار ونقلة الآثار خمسة مالوا إلى هذه المذاهب في أول حدوث الحادث، وإنما كثر من كثر منهم بعد، فكيف استحسن صاحب الكتاب أن يقول: ومنهم فرقة قطعت على موسى؟
وأعجب من هذا قوله: حتى انتهوا إلى الحسن فادعوا له ابناً.
وقد كانوا في حياة علي بن محمد وسموا للإمامة ابنه محمداً إلّا طائفة من أصحاب فارس بن حاتم، وليس يحسن بالعاقل أن يشنع على خصمة بالباطل الذي لا أصل له.
والذي يدل على فساد قول القائلين بإمامة محمد هو بعينه ما وصفناه في باب إسماعيل بن جعفر لأن القصة واحدة وكل واحد منهما مات قبل أبيه، ومن المحال أن يستخلف الحيُّ الميتَ ويوصي إليه بالإمامة، وهذا أبين فساداً من أن يحتاج في كسره إلى كثرة القول.
والفصل بيننا وبين القائلين بإمامة جعفر أن حكاية القائلين بإمامته عنه اختلفت وتضادت لأن منهم ومنا من حكى عنه أنه قال: (إني إمام بعد أخي محمد)، ومنهم من حكى عنه أنه قال: (إني إمام بعد أخي الحسن)، ومنهم من قال: إنه قال: (إني إمام بعد أبي علي بن محمد).
وهذه أخبار كما ترى يكذّب بعضها بعضاً، وخبرنا في أبي الحسن بن علي خبر متواتر لا يتناقض وهذا فصل بيِّن، ثم ظهر لنا من جعفر ما دلنا على أنه جاهل، بأحكام الله (عزَّ وجلَّ) وهو أنه جاء يطالب أم أبي محمد بالميراث وفي حكم آبائه (أن الأخ لا يرث مع الأُم)، فإذا كان جعفر لا يحسن هذا المقدار من الفقه حتى تبين فيه نقصه وجهله، كيف يكون إماماً؟
وإنما تعبَّدَنا الله بالظاهر من هذه الأمور ولو شئنا أن نقول لقلنا، وفيما ذكرناه كفاية ودلالة على أن جعفراً ليس بإمام.
وأمّا قوله: (إنهم ادعوا للحسن ولداً)، فالقوم لم يدعوا ذلك إلّا بعد أن نقل إليهم أسلافهم حاله وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث، وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر.
وأمّا قوله: (إن كل هذه الفرق يتشاحّون(38) ويكفّر بعضهم بعضاً)، فقد صدق في حكايته وحال المسلمين في تكفير بعضهم بعضاً هذه الحال، فليقل كيف أحب، وليطعن كيف شاء، فإن البراهمة تتعلق به فتطعن بمثله في الإسلام من سأل خصمه عن مسألة يريد بها نقض مذهبه إذا ردت عليه كان فيها من نقض مذهبه مثل الذي قدر أن يلزمه خصمه، فإنما هو رجل يسأل نفسه وينقض قوله، وهذه قصة صاحب الكتاب، والنبوة أصل والإمامة فرع فإذا أقرَّ صاحب الكتاب بالأصل لم يحسن به أن يطعن في الفرع بما رجع على الأصل والله المستعان.
توضيح ما قاله (رحمه الله):
لو بطلت الإمامة بكثرة مدَّعيها لبطلت النبوة:
دعوى صاحب كتاب الإشهاد باطلة: إذ لو كانت الإمامة تبطل بكثرة من يدَّعيها للزم إبطال النبوة أيضاً لكثرة من ادَّعاها.
ثم إن ما قاله هذا الرجل عن الإمامية كلام مضطرب موهوم فهو يريد بإكثار الحديث عن الفِرَق المنقرضة أن يوحي أن المذاهب كلها على حدٍ سواء وأنها باطلة، وبالتالي فإن قول الإمامية في الإمامة وأنها بالوراثة والوصية باطل.
اقتصار الزيدي على مقالات الفِرَق المنقرضة دون بيان مقالة الإمامية دليل ضعفه:
ثم قال: إن الشيعة تقول بالبداء وبعلم الأئمة للغيب، وأن الذي يقول به كافر وخارج عن الإسلام.
ولو كان منصفاً حقاً لذكر مقالة الإمامية الحقة ولم يقتصر على ذكر مقالات الفِرَق المنقرضة والباطلة، ليستدل بالاختلاف على بطلانها جميعها بما فيها الإمامية الاثنا عشرية الحقة.
والإمام (عليه السلام) يعرف عندنا من وجوه سيأتي ذكرها.
ولو سلمنا جدلاً أنه لا طريق عندنا لتعيين الإمام (عليه السلام)، فلابد أن نسأله عن قول الحق بين أقوال الفِرَق المختلفة وما هو المميز لهذه الفرقة الحقة وما هو دليلها؟
فيرجع الأمر برمته إلى إثبات الحق بالدليل لا بالادِّعاء، فرجع الأمر كما نقول.
الفِرَق التي ذكرها ليست بذات عدد ومنقرضة في قبال جمهور الإمامية:
ومن الغريب قول صاحب كتاب الإشهاد: إن فرقة الشيعة التي قطعت على الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أنهم قالوا بإمامة الإمام الرضا (عليه السلام) من بعده، وكأنه يوحي أن الكثير من الإمامة ما قالوا بإمامة الإمام الكاظم (عليه السلام) ومن بعده بولده الرضا (عليه السلام)، وهذه مقالة باطلة وتصدر من رجل لا يعرف بأخبار وأحوال الإمامية، فإن من وقف هو الشاذ النادر وأن مبدأ الوقف هم خمسة أشخاص وتبعهم بعد ذلك شرذمة قليلة.
بطلان إمامة محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام):
والأغرب والأعجب مما تقدم أن يدَّعي صاحب كتاب الإشهاد أن الإمامية قالوا بإمامة محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام) المعروف بسبع الدجيل (رحمه الله) وبعض آخر منهم زعموا وادَّعوا أن الإمامة للحسن بن علي (عليه السلام) أي للإمام العسكري (عليه السلام) ثم قالوا بالولد منه وهو الحجة (عجَّل الله فرجه).
وهذا كلام رجل يريد أن يشنع على خصمه ويتكلم بالباطل، فإن جمهور الشيعة هم هؤلاء، والمخالف هم أنفار قليلة منقرضة، فعليه قبل أن يتكلم أن يرجع إلى أخبار الشيعة ويعرف الحق.
وفساد قول من قال بإمامة محمد سبع الدجيل هو بعينه ما تقدم في فساد الفِرَق الضالة المنقرضة كالإسماعيلية، فإن إسماعيل ومحمداً كل واحد منهما مات قبل موت أبيه (عليهم السلام).
وأمّا دليل بطلان قول من قال بإمامة جعفر، فهو تضاد أقوال من قال بإمامته، فمنهم من قال: إنه إمام بعد أخيه الحسن العسكري (عليه السلام)، ومنهم من قال: إنه إمام بعد أخيه محمداً (رحمه الله)، ومنهم من قال: إنه إمام بعد أبيه (عليه السلام)، وهذه الادِّعاءات يكذب بعضها بعضاً.
وأمّا قولنا في إمامة أبي محمد الحسن (عليه السلام) فهو خبر متواتر لا يتناقض فتصح إمامته.
ثم إن تصرفات جعفر الظاهرة دلت على جهله بالأحكام الشرعية وأنه لا يعرف شيئاً منها، فقد جاء إلى أُم الإمام العسكري (عليه السلام) يطلب منها الميراث، مع أنه من الواضح في فقه الإمامية أن الأخ لا يرث مع الأُم، فإذا كان لا يحسن من الأحكام هذا الحكم الواضح فكيف يكون إماماً؟
وهناك الكثير من الأشياء التي تنقض مقالته ودعوى إمامته وفي ما ذكر كفاية.
وأمّا قول صاحب كتاب الإشهاد: إن الإمامية ادَّعت أن للحسن (عليه السلام) ولداً!
فإننا نقول له: إن القوم لم يدَّعوا ذلك إلّا بعد أن نقل إليهم أسلافهم الروايات الدالة على حاله وغيبته وبيَّنوا حتى اختلاف الناس فيه عند أوان إمامته، وكتبهم بين ظهرانيكم فلينظر فيها المجادل والمخالف ليتبين له الحال.
أحوال الفِرَق والمسلمين:
وأمّا قول صاحب الإشهاد عن فِرَق الشيعة بأنهم يتخاصمون ويكذّب بعضهم بعضاً، فقد صدق في حكايته، وحال المسلمين في تكفير بعضهم بعضاً هذا الحال فليقل ما يحب بعد وضوح الأمر، فإن البراهمة تطعن على المسلمين بمثل ما يطعن هو على الشيعة، وهذه حال من ينقض نفسه بما يقوله في خصمه!
الأصل في الإمامة:
وعلى صاحب هذا الكتاب أن يقر بالأصل وأن الإمامة بالوراثة والوصية، وليس له بعد الإقرار أن يطعن في الفرع، وهو قد أقر بالأصل حسب الفرض لأنه يرى إمامة أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) بهذا الأصل.
المتن:
ثم قال: ولو جازت الإمامة بالوراثة والوصية لمن يدَّعى له بلا دليل متَّفق عليه لكانت المغيرية أحق بها لإجماع الكل معها على إمامة الحسن بن علي الذي هو أصلها المستحق للإمامة من أبيه بالوراثة والوصية وامتناعها بعد إجماع الكل معها على إمامة الحسن من إجازتها لغيره.
هذا مع اختلاف المؤتمة في دينهم، منهم من يقول بالجسم، ومنهم من يقول بالتناسخ، ومنهم من تجرد التوحيد ومنهم من يقول بالعدل ويثبت الوعيد، ومنهم من يقول بالقدر ويبطل الوعيد، ومنهم من يقول بالرؤية، ومنهم من ينفيها مع القول بالبداء، وأشياء يطول الكتاب بشرحها، يكفر بها بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من دين بعض ولكل فرقة من هذه الفِرَق بزعمها رجال ثقات عند أنفسهم، أدّوا إليهم عن أئمتهم ما هم متمسكون به.
ثم قال صاحب الكتاب: وإذا جاز كذا جاز كذا، شيء لا يجوز عندنا ولم نأت بأكثر من الحكاية، فلا معنى لتطويل الكتاب بذكر ما ليس فيه حجة ولا فائدة.
فأقول - وبالله الثقة -: لو كان الحق لا يثبت إلّا بدليل متَّفق عليه ما صح حق أبداً، ولكان أول مذهب يبطل مذهب الزيدية لأن دليلها ليس بمتفق عليه، وأمّا ما حكاه عن المغيرية فهو شيء أخذته عن اليهود لأنها تحتج أبداً بإجماعنا وإياهم على نبوة موسى (عليه السلام) ومخالفتهم إيانا في نبوة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
وأمّا تعييره إيانا بالاختلاف في المذاهب وبأنه كل فرقة منا تروي ما تدين به عن إمامها، فهو مأخوذ من البراهمة لأنها تطعن به - بعينه دون غيره - على الإسلام ولولا الإشفاق من أن يتعلق بعض هؤلاء المجان(39) بما أحكيه عنهم لقلت كما يقولون.
والإمامة - أسعدكم الله - إنما تصح عندنا بالنص وظهور الفضل والعلم بالدين مع الإعراض عن القياس والاجتهاد في الفرائض السمعية وفي فروعها، ومن هذا الوجه عرفنا إمامة الإمام، وسنقول في اختلاف الشيعة قولاً مقنعاً.
قال صاحب الكتاب: ثم لم يخلُ اختلافهم من أن يكون مولداً من أنفسهم أو من عند الناقلين إليهم أو من عند أئمتهم، فإن كان اختلافهم من قبل أئمتهم فالإمام من جمع الكلمة، لا من كان سبباً للاختلاف بين الأُمة لاسيما وهم أولياؤه دون أعدائه، ومن لا تقية بينهم وبينه، وما الفرق بين المؤتمة والأُمة إذ كانوا(40) مع أئمتهم وحجج الله عليهم في أكثر ما عابوا على الأُمة التي لا إمام لها من المخالفة في الدين وإكفار بعضهم بعضاً، وإن يكن اختلافهم من قبل الناقلين إليهم دينهم فما يؤمنهم من أن يكون هذا سبيلهم معهم فيما ألقوا إليه من الإمامة، لاسيما إذا كان المدعى له الإمامة معدوم العين غير مرئي الشخص، وهو حجة عليهم فيما يدَّعون لإمامهم من علم الغيب إذا كان خيرته والتراجمة بينه وبين شيعته كذا بين، يكذبون عليه، ولا علم له بهم، وإن يكن اختلاف المؤتمة في دينها من قبل أنفسها دون أئمتها فما حاجة المؤتمة إلى الأئمة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم ولا ينهاهم وهو الترجمان لهم من الله والحجة عليهم؟ هذا أيضاً من أدل الدليل على عدمه وما يدَّعى من علم الغيب له، لأنه لو كان موجوداً لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [النحل: 64] الآية. فكما بيَّن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لأُمته وجب على الإمام مثله لشيعته.
فأقول - وبالله الثقة -: إن اختلاف الإمامية إنما هو من قبل كذابين(41) دلَّسوا أنفسهم فيهم في الوقت بعد الوقت، والزمان بعد الزمان، حتى عظم البلاء، وكان أسلافهم قوماً يرجعون إلى ورع واجتهاد وسلامة ناحية، ولم يكونوا أصحاب نظر وتميز(42) فكانوا إذا رأوا رجلاً مستوراً يروي خبراً أحسنوا به الظن وقبلوه، فلما كثر هذا وظهر شكوا إلى أئمتهم فأمرهم الأئمة (عليهم السلام) بأن يأخذوا بما يجمع عليه(43) فلم يفعلوا وجروا على عادتهم، فكانت الخيانة من قبلهم(44) لا من قبل أئمتهم، والإمام أيضاً لم يقف على كل هذه التخاليط(45) التي رويت لأنه لا يعلم الغيب(46)، وإنما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسنة، ويعلم من أخبار شيعته ما يُنهى إليه.
وأمّا قوله: فما يؤمنهم أن يكون هذا سبيلهم فيما ألقوا إليهم من أمر الإمامة، فإن الفصل بين ذلك أن الإمامة تنقل إليهم بالتواتر، والتواتر لا ينكشف عن كذب وهذه الأخبار فكل واحد منها إنما خبر واحد لا يوجب خبره العلم وخبر الواحد قد يصدق ويكذب وليس هذا سبيل التواتر، هذا جوابنا وكل ما أتى به سوى هذا فهو ساقط.
ثم يقال له: أخبرنا عن اختلاف الأُمة هل تخلوا من الأقسام التي قسمتها؟
فإذا قال: لا، قيل له: أفليس الرسول إنما بُعث لجمع الكلمة؟ فلابد من نعم، فيقال له: أوليس قد قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ (النحل: 64)؟
فلابد من نعم، فيقال له: فهل بيّن؟
فلابد من نعم، فيقال له: فما سبب الاختلاف؟ عرّفناه وأقنع منا بمثله.
وأمّا قوله: فما حاجة المؤتمة إلى الأئمة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم لا ينهاهم - إلى آخر الفصل فيقال له: أولى الأشياء بأهل الدين الإنصاف، أي قول قلناه، وأومأنا به إلى أنّا بأنفسنا مستغنين حتى يقرعنا به صاحب الكتاب ويحتج علينا أو أي حجة توجهت له علينا توجب ما أوجبه؟ ومن لم يبال بأي شيء قابَلَ خصومه كثرت مسائله وجواباته.
وأمّا قوله: وهذا من أدل دليل على عدمه لأنه لو كان موجوداً لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [النحل: 64] فيقال لصاحب الكتاب: أخبرنا عن العترة الهادية يسعهم أن لا يبينوا للأُمة الحق كله؟
فإن قال: نعم، حجَّ نفسه وعاد كلامه وبالاً عليه لأن الأُمة قد اختلفت وتباينت وكفّر بعضها بعضاً، فإن قال: لا، قيل: هذا من أدل دليل على عدم العترة وفساد ما تدَّعيه الزيدية لأن العترة لو كانوا كما تصف الزيدية لبينوا للأُمة ولم يسعهم السكوت والإمساك، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [النحل: 64] فإن ادَّعى أن العترة قد بينوا الحق للأُمة غير أن الأُمة لم تقبل ومالت إلى الهوى، قيل له: هذا بعينه قول الإمامية في الإمام وشيعته. ونسأل الله التوفيق.
توضيح ما قاله (رحمه الله):
إبطال أحقية المغيرية بالإمامة، ومشابهة طريقتهم لليهود:
ثم قال صاحب الإشهاد: على أنه لو جوزت الإمامية القول بالإمامة بمجرد الوراثة والوصية دون دليل يدل على الإمام لكانت المغيرية أحق بالإمامة من غيرها، لإجماع الكل معها على إمامة الإمام الحسن (عليه السلام) الذي هو أصلها المستحق لها من أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بالوراثة والوصية، وامتناع المغيرة لوحدها عن إعطاء الإمامة لغيره فهي من هذه الجهة أقرب، أفهل يُلتَزم بالوراثة والوصية وإن انتهت إلى المغيرية؟
ثم أردف صاحب كتاب الإشهاد قائلاً: مع وجود الكثير من الاختلافات في عقائد الإمامية على ما ذكره في المتن فلا نكرر.
والشيخ ابن قبة (رحمه الله) يقول له: لو كانت الحقيقة تصاب بهذه الطريقة لكانت اليهود أحق من الإسلام لأننا نُجمع جميعاً على نبوة موسى (عليه السلام) وهم يخالفوننا في نبوة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
ليس الدليل على الإمامة الاتفاق، وإلّا لبطل مذهب الزيدية:
ولو كان الدليل المطلوب في الدعاوى مشروطاً باتفاق الجميع لكان أول مذهب يبطل هو مذهب الزيدية إذ إن دليلها ليس بمتفق عليه.
ولو كان الحق لا يثبت إلّا بدليل متفق عليه لما ثبت حق أبداً، إذ لا اتفاق على دليل من قبل كل البشر.
وأمّا ما يقوله عنا من الاختلاف، فيردّه ما تقدم من أنه استنساخ لكلام البراهمة ومأخوذ منهم فإنهم يطعنون بعينه على الإسلام، فهل تراه عاجزاً إلى هذا الحد من إثبات حقانية ما يقول به حتى يستعين بمذهب البراهمة؟
وسنردّ ما يقوله في الاختلاف ردّاً مقنعاً فانتظر.
وتقدم منا أننا نقول في الإمامة بالوراثة والنص وظهور العلم والفضل في الدين ممن يدَّعيها، على ما تقدم شرحه.
التقسيم الثلاثي للاختلاف على لسان الزيدي:
ثم قال صاحب كتاب الإشهاد عن اختلاف الشيعة بينهم: إن هذا الاختلاف الذي هم فيه لا يخلو: إمّا هو منهم أو من نقلة الأخبار أو من أئمتهم.
فإن كان من أئمتهم: فإن الشيعة قد عابوا على المسلمين الذين لا يقولون بالإمام إن أمرهم سينتهي إلى الاختلاف، فما بالهم مع أئمتهم قد وقعوا في أشد من الاختلاف الذي في الأُمة، مع أنه لا تقية في الدين بينهم وبين أئمتهم.
وإن كان الاختلاف من قبل الرواة والناقلين للأخبار فإذا كان هؤلاء النقلة ليسوا بثقة وقد كذبوا وكانوا سبباً في وقوع الاختلاف، فلا يمكن الوثوق بهم في بقية النقولات ومنها نقلهم لعقيدة الإمامة، فالنقلة والرواة الذين كانوا سبباً في الاختلاف هم بأنفسهم من نقلوا أمر الإمامة، خصوصاً إذا كان من تُدَّعى له الإمامة لا يرى بالعين وغائباً، فما يؤمَن أن يكون نقلة الأخبار قد كذبوا في أمره ووضعوا الأخبار في وجوده.
وإن كان الاختلاف من قبل نفس الشيعة فلا تبقى بعد ذلك من حاجة للأئمة، فمع كون الأئمة بين ظهرانيهم لم يمنعوا من وقوع الاختلاف الحاصل بسبب الشيعة فما بالك وإمامهم غائب عنهم؟
فلو كان إمامهم موجوداً مع ما يُدّعى له من علم الغيب لبيّن لشيعته والمؤتمّين به وجه الحق ومَنَع وقوع الاختلاف فيهم.
التقسيم ليس ثلاثياً بل رباعي، والإشكال منتفٍ من الأساس:
فأجابه الشيخ ابن قبة (رحمه الله): ليست الشقوق في اختلاف أمر الإمامية ثلاثة، بل هي أربعة، ورفع الإشكال بالالتفات إلى الشق الرابع، وهو أن اختلاف أمر الإمامية من قبل كذّابين دسّوا أنفسهم في الإمامية ونسبوا أنفسهم إليهم، وهؤلاء كانوا مع الإمامية في كل وقت وقت، وفي كل زمان زمان.
وأسلاف الإمامية ورجالاتهم من أهل الورع والتقوى، ولم يكن لبعضهم القدرة على تمييز هؤلاء المدلسين، فكان هؤلاء الأسلاف والأصحاب إذا شاهدوا رجلاً مستوراً يروي خبراً أحسنوا الظن به وقبلوه منه، فلما كثر هذا الأمر وظهر، بيَّنوه لأئمتهم، فأمرهم الأئمة (عليهم السلام) بالأخذ بعدة ضوابط منها: الأخذ بما هو المجمع عليه، إلّا أن بعضهم مع الأسف لم يلتزم بذلك وجرى على عادته في التساهل، فكان الأمر في وقوع الاختلاف بسبب هذا التساهل وعدم سماع كلام الأئمة (عليهم السلام).
وأمّا قوله: إنه لا أمان للشيعة مع اتِّهام الرواة بأن الاختلاف من قبلهم في الأخذ بروايات الإمام.
فهو مردود، فإن روايات الإمامية في الإمامة روايات متواترة لا يقع فيها الكذب، فحتى لو سلمنا أن الاختلاف حاصل من رواة الشيعة فمع ذلك لا يلزم رفض روايات الشيعة في الإمامة لأن روايات رواة الشيعة في الإمامة متواترة ومع التواتر لا كذب.
على أنه كيف تفسر أيها الزيدي: الاختلاف الحاصل مع وجود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الأُمة وبعد بيانه للكتاب وما أنزل، فما تجيب به عن الاختلاف الحاصل مع وجود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) نقنع به كجواب عن الإشكال الذي تسوقه علينا.
أمّا نفيه الحاجة للأئمة (عليهم السلام) مع وقوع الخلاف فنقول: هذا مجانب للإنصاف، فمتى قلنا ذلك لكي يستدل به علينا، وشخص مثل هذا يتقول بكل ما يحلو له ستكثر زلاته وعثراته.
رد دعوى أن عدم تصدي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) دالٌّ على عدم وجوده:
وأمّا ما نقض به على وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من كون عدم تصديه دليلاً على عدم وجوده، فنحن نسألك: هل يسع الأئمة (عليهم السلام) أن لا يبينوا للناس والأُمة كل الحق؟
فإن قال: نعم، فقد أسقط حجة نفسه بنفسه، فالأُمة قد اختلفت وكفّرت بعضها بعضاً ومع ذلك لم يبين الأئمة (عليهم السلام) كل الحق.
وإن قال: لا، فيكون هذا دليلاً على بطلان مذهب الزيدية، إذ أين هذا البيان لكل الحق الذي تدَّعيه الزيدية من أئمتها والذين نشترك معها في بعضهم كأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام)؟
فإن قال: إن الأئمة بيَّنوا كل الحق إلّا أن الأُمة قد خالفت ولم تقبل ومالت إلى الهوى.
قيل له: هذا بعينه هو قول الإمامية فرجعت إلى قولنا بعد أن كنت تنقض علينا.
تأتي التتمة في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
الهوامش:
(1) تقدمت ترجمته في الحلقة الأولى التي نشرت في مجلة الموعود العدد (12) وتقدمت الحلقة الثانية في العدد (14).
(2) كمال الدين وتمام النعمة الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري: ص١٢٤.
(3) في سر السلسلة العلوية، لأبي نصر البخاري: ص٧٥، (أبو زيد) عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد، عالم كبير من علماء الزيدية فقيه متكلم توفي بالري سنة ست وعشرين وثلاثمائة لا عقب له.
جمع الكتاب الباحث اليمني: السيد جمال الشامي.
المصادر: معلومات من الباحث اليمني السيد جمال الشامي، وعن موقع كاتبان الإيراني:
http://ansari.kateban.com/print/1737
(4) الزيدية مذهب يتبنى القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ووجوب الخروج على الظلمة، واستحقاق الإمامة بالفضل والطلب لا بالوراثة مع القول بتفضيل الإمام علي (عليه السلام) وأولويته بالإمامة وقصرها من بعده في البطنين الحسن والحسين (عليهم السلام)....
بحوث في الملل والنحل - الشيخ السبحاني: ج٧، ص٤٥٧.
(5) في الهامش من النسخة المعتمدة: يعنى الإمامية - الاثني عشرية -.
(6) ورد هذا الخبر في عدة مصادر بألفاظ متقاربة مع ما رواه الشيخ ابن قبة عن كتاب الأشهاد، منها: الكافي - الشيخ الكليني: ج٢، ص٤١٥.
(7) أي الإمامية على ما تقدم.
(8) ومعناه أن لفظ العترة شامل وتخصيصه ببطن من البطون وبفرد من هذا البطن في كل جيل وطبقة لا دليل عليه.
(9) أي الشيخ ابن قبة (رحمه الله).
(10) الصحيح: (ألا وأنهما)، بقرينة وروده بلفظ (أنهما لن يفترقا) في عدة مصادر، منها: الكافي: ج2، ص415؛ الغيبة: ص50؛ معاني الأخبار: ص184.
(11) هكذا في المصدر والصحيح (أنْ يُتَّبع).
(12) لا نعلم من هو هذا الشيخ الإمامي الذي استشهد بكلامه الشيخ ابن قبة (رحمه الله).
(13) في بعض النسخ: لا تجوز.
(14) أي الإمام علي والحسن والحسين (عليهم السلام).
(15) أي لو فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بالعباس مثلاً ما فعله بعلي (عليه السلام) وولده فليس لنا إلّا الطاعة.
(16) من الفرق المنحرفة وهم أصحاب المغيرة بن سعيد. كان يقول بإمامة الأئمة إلى أبي جعفر الباقر (عليهم السلام) (57-114هـ) فلما توفي أبو جعفر محمد بن علي، دعا المغيرة إلى إمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأظهر ما أظهر فبرأت منه أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهم السلام).
(17) فرقة منقرضة من الفرق المغالية والمنحرفة، وقد ظهرت هذه الفرقة في الكوفة زمن الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد تأسست هذه الفرقة على يد محمد بن مقلاص المكنى بأبي الخطّاب، الذي كان من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، وهم الذين قالوا إن الله (عزَّ وجلَّ) حلّ في أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، حتّى بلغ بهم الأمر أن عبدوا الإمام الصادق (عليه السلام) ولبوا له عند مشاهدته، ممّا دفع الإمام الصادق (عليه السلام) إلى إعلان البراءة منهم وقد لَعَنَهم في السرّ والعَلَنْ.
(18) في بعض النسخ: والإمامية.
(19) أي: على الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام).
(20) في النسخة المعتمدة (كذا. وفى هامش بعض النسخ: الظاهر (ولم يخص بالثلاثة). أقول: ويمكن أن يكون (إلّا) في قوله: (إلّا ثلاثة) زائداً من سهو النساخ).
(21) في النسخة المعتمدة (كذا. وفي فرق الشيعة للنوبختي (السمطية هم الذين جعلوا الإمامة في محمد بن جعفر وولده من بعده وهذه الفرقة تسمى (السمطية) نسبة إلى رئيس لهم يقال له يحيى ابن أبي السميط انتهى. وفي المحكي عن المقريزي يحيى بن شميط الأحمسي ويذكر أنه كان قائداً من قواد مختار بن أبي عبيدة الثقفي) والظاهر التعدد لتقدم المختار عن محمد بتسعين سنة.
(22) في النسخة المعتمدة (كذا. وفى كتاب النوبختي الفطحية فرقة يقولون بإمامة عبد الله بن جعفر وسموا بذلك لأن عبد الله كان أفطح الرأس، وقال بعضهم: كان أفطح الرجلين، وقال بعض الرواة: نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له: عبد الله بن فطيح).
(23) في النسخة المعتمدة (هم فرقة من المباركية وإنما سموا بهذا برئيس لهم من أهل السواد من الأنباط كان يلقب (قرمطويه) كانوا في الأصل على مقالة المباركية ثم خالفوهم فقالوا: لا يكون بعد محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إلّا سبعة أئمة علي بن أبي طالب إلى جعفر بن محمد ثم محمد بن إسماعيل وهو الإمام القائم المهدي وهو رسول. وزعموا أن النبي انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي أمر فيه بنصب علي بن أبي طالب (عليه السلام) للناس في غدير خم، فصارت الرسالة في ذلك اليوم في علي بن أبي طالب، واعتلوا في ذلك بقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «من كنت مولاه فهذا على مولاه» وأن هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوة والتسليم منه في ذلك لعلي (عليه السلام) بأمر الله (عزَّ وجلَّ) وأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد ذلك كان مأموماً لعلي محجوجاً به. (قال النوبختي): وفي تلبيس إبليس لابن الجوزي تحقيق لسبب تسمية القرامطة بهذا الاسم).
(24) في هامش النسخة المعتمدة: يعني لم يعلم عبد الله أن نصاب الدرهم في الزكاة مائتان، ولا زكاة فيما دون ذلك فأجاب في المسألة بالقياس وأخطأ.
(25) ولم يذكر (رحمه الله) المسائل الخمسة سوى مسألة الزكاة المتقدمة.
(26) في هامش النسخة المعتمدة: يعني ادَّعى أنه جاء رجل وأتى بمثل هذا القرآن.
(27) اسم لديانة منتشرة في الهند وهذا الاسم عندهم يُطلق على أفراد الطبقة العليا، وهي طبقة الكهنوت أو رجال الدين، عند الهندوس. فالمُجْتمع الهِنْدِي ينقسم إلى طبقات أربعة: البَراهِمة، والنُّبَلاء، والبُرجُوازِيَّين، والحِرْفيين. وكلُّ طائِفَة مُغْلَقة على نَفْسها لا يُسْمَح بأن تَخْتَلِط بِدَمِها طائِفَة أُخْرى. والبَراهِمَة أَرْقى هذه الطَوائِف، وهم رِجال الدِّين، ولهم منَاسِكهم وطُرق مَعِيَشتهم، وفي وسعهم وَحْدهم تَفْسير (الفيدا) (Veda: الكُتُب المُقدَّسة) وتَطْبِيقها، وهم الذين يتولَّون الصلواتِ والأَناشيدَ وإذكاءَ النّار المُقدَّسة.
(28) فرقة تدَّعي تعدد الآلهة، وسيأتي ترجمتها بما يناسب.
(29) والثنوية أَربع فرق: الفرْقَة الأولى: المانوية أَتبَاع ماني وَقد كَانَ رجلاً نقاشاً خَفِيف اليَد ظهر فِي زمن سَابُور بن أزدشير بن بابك وَادّعى النُّبُوَّة، وَقَالَ: إِن للْعَالم أصلين نوراً وظلمة وَكِلَاهُمَا قديم، فَقبل سَابُور قَوْله: فَلَمَّا انْتَهَت نوبَة الملك إلى بهْرَام أَخذ ماني وسلخه وحشا بجلده تبناً وعلقه وَقتل أَصْحَابه إِلَّا من هرب والتحق بالصين ودعوا إلى دين ماني فَقبل أهل الصين مِنْهُم وَأهل الصين إلى زَمَاننَا هَذَا على دين ماني.
(30) في هامش النسخة المعتمدة: الأباضية: فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن أباض التميمي.
(31) محمد وعبد الله.
(32) في هامش النسخة المعتمدة: يعنى بالاختلاف الإياب والذهاب.
(33) في هامش النسخة المعتمدة: أي لا نتنازع.
(34) في هامش النسخة المعتمدة: في بعض النسخ بيننا وبينهم.
(35) في هامش النسخة المعتمدة: في بعض النسخ بعد قوله: وسموه الخلف الصالح هكذا (ومنهم فرقة قالت بإمامة محمد بن علي فمات قبل أبيه ثم إنهم رجعوا إلى أخيه الحسن) إلخ.
(36) المشهور أن سنة وفاته كانت (260هـ).
(37) في هامش النسخة المعتمدة: في بعض النسخ (أخبار الناس).
(38) أي يتنازعون.
(39) في هامش النسخة المعتمدة: مجن الشيء غلظ وصلب. مزح وقل حياء، كأنه صلب وجهه فهو ما جن والجمع مجان، وفي بعض النسخ (الفجار) وفى بعضها (المخالفين). والإشفاق: الخوف.
(40) في هامش النسخة المعتمدة: في بعض النسخ (بين المؤتمة والأئمة إذا كانوا).
(41) ليس الاختلاف في الأخبار من الكذابين فقط وإنما هو من عدة وجوه بالإضافة إلى ما ذكره الشيخ ابن قبة (رحمه الله) فإن الاختلاف حاصل من التقية كما هو ظاهر، وحاصل أيضاً من نفس الأئمة (عليهم السلام) وقد رويت في ذلك روايات عديدة نكتفي بواحدة منها وتفصيل الكلام موكول إلى محله، فقد روى الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في علل الشرائع: ج٢، ص٨٥، بسنده عن محمد بن بشير وحريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت له: إنه ليس شيء أشد عليَّ من اختلاف أصحابنا، قال: «ذلك من قبلي»).
(42) ليس الأمر كذلك وإنما فيهم من هم أصحاب نظر وتمييز بل هم الطابع العام من الرواة كزرارة ومحمد بن مسلم ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم.
(43) القواعد التي وضعها الأئمة (عليهم السلام) لشيعتهم كثيرة، منها: الإرجاع إلى القرآن الكريم، والسنة القطعية، ومخالفة العامة، والتمييز بالصفة للراوي، وغيرها الكثير وقد بُحِثَتْ في باب التعارض مفصلاً من علم أصول الفقه.
(44) من قبل بعضهم لا من قبلهم بأجمعهم، فإن فيهم من كان يسأل وبإلحاح ويتشدد في تمييز الأحاديث، كيونس بن عبد الرحمن وغيره.
(45) قصده أن الإمام (عليه السلام) لم يقف على كل خبر خبر، وإلّا فكلامه السابق صريح في أن الشيعة قد أخبروا أئمتهم بوجود الاختلاف في الأخبار.
(46) في هامش النسخة المعتمدة: أي لا يعلمه بذاته ومن عند نفسه، بل يعلم الغيب من جانب الله تعالى متى أراد إذا أراد الله أن يعلمه. ونقول هنا: إن مسألة علم الإمام (عليه السلام) بالغيب في عقيدتنا مما لا خلاف فيها، نعم هو تعليم من الله تعالى، وقد دلت عليه روايات عديدة رويت في عدة أبواب وفي أهم مصادر الحديث كالكافي وغيره، فقوله: لا يعلم الغيب وأنه عبد صالح إمّا يقصد منه لا يعلمه من عند نفسه، وإمّا أنه في مقام المحاججة يريد أن يتكلم مع الخصم بلغته وبما يفهمه من صفات الإمام، وإن كان الأول أقرب.