أثر الحركات المنحرفة في الموروث المهدوي (الواقفة نموذجاً)
أثر الحركات المنحرفة في الموروث المهدوي
(الواقفة نموذجاً)
السيِّد محمّد القبانچي
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته الطبيبين الطاهرين.
سبق وأن بحثنا في حلقة سابقة عن دور الحركة الإسماعيلية في الموروث المهدوي وأبعاد هذا الدور وخطورة هذه الحركة، وفي هذه الحلقة نحاول استعراض أثر الحركة الواقفية في الموروث المهدوي.
تمهيد:
حُفّت الدنيا بالابتلاء والامتحان باعتبارها دار التكليف، قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت: 2)، وهذا أمر بديهي لا نريد الوقوف عليه هنا.
وليس المطلوب تعداد أنواع الابتلاءات والامتحانات في دار الدنيا وتنوّعها، فكل ذلك له مجاله الخاص، بل نريد التركيز على العقيدة المهدوية وأسباب الانحراف فيها، فنقول:
السبب الأول: عدم الإيمان الراسخ بالغيب:
ولعل هذا من أهمّ الأسباب في الانحراف، فالغيب يحتاج إلى الكثير من التسليم والكثير من الإيمان لأنّه أمر يخالف النزعة البشرية وفضولها في
↑صفحة 11↑
استكشاف الأمور وتحسّسها في الواقع المُعاش، والإنسان ألف الأمور المادية وتعامل معها في يومياته فيصعب عليه والحال هذه أن يؤمن بسهولة ويُسر بما وراء المادة، فالخيال يسيطر على القلب، والتمنّع يهيمن على العقل في رفض الأمور الغيبية، ومن هنا أصبح الإيمان بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - حيث أنّه من أبرز الأمور الغيبية - ميزاناً للإيمان والتقوى من عدمها، لذا ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿الم * ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ (البقرة: 1-2)، في كثير من الأحاديث أنّ الإيمان بالغيب هو الإيمان بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) فقد رُوي عن أبي عبد الله في قوله الله (عزَّ وجلَّ): ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3]، قَالَ: «مَنْ أَقَرَّ بِقِيَامِ الْقَائِمِ أَنَّهُ حَقٌّ»(1).
وأيضاً عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، قَالَ: سَأَلْتُ الصَّادِقَ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 1-3]، فَقَالَ: «المُتَّقُونَ شِيعَةُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَالْغَيْبُ فَهُوَ الْحُجَّةُ الْغَائِبُ».
وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَيَقُولُونَ لَوْ لَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس: 20](2).
فمن الصعوبة بمكان الإيمانُ بالغيب - بشكل عام أو في خصوص القضية المهدوية - إذا لم يكن المرء قد خاض الكثير من الجهاد الأكبر مع نفسه وذلّلها بالاحتكام للحق وعبّدها بالتسليم وعرّفها ضِعتها وتصاغر شأنها أمام ربِّ الغيب والشهود، قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (النساء: 65).
وهذا حديث طويل الذيل، نكتفي بهذا المقدار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كمال الدين - الشيخ الصدوق: ج2، ص15، ح260/19.
(2) كمال الدين - الشيخ الصدوق: ج2، ص15، ح261/20.
↑صفحة 12↑
السبب الثاني: عامل الاستعجال:
قد يُصاب بعض المنتظرين بهذا الداء العضال ممّا يكون سبباً في الانحراف عن العقيدة المهدوية الصحيحة، وهو أيضاً من العوامل المتجذّرة في الشخصية الإنسانية كما قال تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ (الأنبياء: 37)، وقال تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً﴾ (الإسراء: 11)، ولذا حذّر أهل البيت (عليهم السلام) في روايات عديدة من الاستعجال في تحقيق دولة العدل الإلهي، فعَنْ أَبِي المُرْهِفِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «هَلَكَتِ المَحَاضِيرُ»، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا المَحَاضِيرُ؟ قَالَ: «المُسْتَعْجِلُونَ، وَنَجَا المُقَرِّبُونَ، وَثَبَتَ الْحِصْنُ عَلَى أَوْتَادِهَا، كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ الْغَبَرَةَ عَلَى مَنْ أَثَارَهَا، وَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَكُمْ بِجَائِحَةٍ إِلَّا أَتَاهُمُ اللهُ بِشَاغِلٍ إِلَّا مَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ»(3).
ونعم ما علّق به الشيخ النعماني (رحمه الله) في غيبته على هذه الرواية بقوله: اُنظروا (رحمكم الله) إلى هذا التأديب من الأئمَّة (عليهم السلام)، وإلى أمرهم ورسمهم في الصبر والكفِّ والانتظار للفرج، وذكرهم هلاك المحاضير والمستعجلين، وكذب المتمنِّين، ووصفهم نجاة المسلِّمين، ومدحهم للصابرين الثابتين، وتشبيههم إيَّاهم على الثبات بثبات الحصن على أوتادها، فتأدَّبوا (رحمكم الله) بتأديبهم، وامتثلوا أمرهم، وسلِّموا لقولهم، ولا تجاوزوا رسمهم، ولا تكونوا ممَّن أرداه الهوى والعجلة، ومال به الحرص عن الهدى والمحجَّة البيضاء.
وقد وقع بهذا الداء العضال كل أصحاب الفرق المهدوية المنحرفة إلى يومنا هذا، فالتطبيق الخاطئ للشخصية المهدوية أو المقرّبة منها كانت نتيجته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص292، ح228/5.
↑صفحة 13↑
انجرار هؤلاء وانجرافهم عن الجادّة المهدوية الصحيحة المتمثلة بشخص الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه).
السبب الثالث: عامل الجهل:
إذا لم تكن للإنسان الدِربة العلمية والمُكنة المعرفية فإنّه يكون عرضة ولقمة سائغة لمختلف الانحرافات العقائدية الخطيرة.
بل يمكن القول إنّ أساس أي انحراف هو الجهل إمّا بأصل القضية أو بما يؤول إليه الدخول فيها من دون معرفة، وهذا ما يكشف عن ضرورة الرجوع إلى المتخصّص في أي مجال معرفي، ومنه المجال الديني عموماً والمهدوي خصوصاً.
وإلّا فإنَّ أمر أهل البيت (عليهم السلام) أوضح من الشمس في رائعة النهار كما جاءت به الرواية عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ والتَّنْوِيه، أَمَا والله لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ ولَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ قُتِلَ هَلَكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ، ولَتَدْمَعَنَّ عَلَيْه عُيُونُ المُؤْمِنِينَ، ولَتُكْفَأنَّ كَمَا تُكْفَأُ السُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ الله مِيثَاقَه وكَتَبَ فِي قَلْبِه الإِيمَانَ وأَيَّدَه بِرُوحٍ مِنْه ولَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»، قَالَ: فَبَكَيْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا عَبْدِ الله تَرَى هَذِه الشَّمْسَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «والله لأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِه الشَّمْسِ»(4).
وهل يعقل في الحق إلّا وضوحاً ﴿فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ﴾ (الأنعام: 49).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الكافي - الشيخ الكليني: ج١، ص٣٣٦، ح3.
↑صفحة 14↑
وقد أوضح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) الحقائق وأصحروا بها في كثير من المواقف والمواطن وإن اتقّوا في غيرها أيضاً لظرف قاهر لكن هذا لا يعطي الحق للبعض في التمسك بظرف التقية وترك كل الموروث الصحيح الوارد عنهم.
السبب الرابع: العامل الاقتصادي:
فكما هو معروف أنَّ المال هو أحد الأركان المهمة لاستقطاب الأتباع ولا تخلو حركة - سواء كانت مستقيمة أو منحرفة - من دخالة العامل الاقتصادي في أصل حدوثها فضلاً عن ديموميّتها واتِّساعها، وكما هو واضح فقد كان لمال خديجة (عليها السلام) الدور البارز والمهم في نشر الدين الإسلامي واستعانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا المال في سبيل إرساء أسس الإسلام الحنيف.
وهذا ما نجده واضحاً وجليًّا أيضاً في توسّع الحركة الواقفية محل البحث، بل في أصل نشوئها عند البعض، كما سوف نستوفي ذلك في الفصل الأول من البحث.
وأحسب أنَّ هذه الأسباب الأربعة كافية لإعطاء صورة واضحة عن أسباب الانحراف في القضية المهدوية، وإن كانت توجد عوامل أخرى غيرها ولكن ما ذكرناه يكفي للمطلوب.
هذا وقد حوى البحث فصلين، أهمّها الثاني الذي انعقد العنوان عليه وهو (الروايات المهدوية المجعولة من قبل زعماء الطائفة الواقفية)، وأمّا الأول فهو (بيان نشأة حركة الوقف وأسبابها وخطرها) وبعض التفرّعات التي تندرج تحت هذا العنوان بشكله العام.
↑صفحة 15↑
الفصل الأول، ونستعرض فيه عدّة أمور مهمة وهي:
تعريف الواقفة - أقسامها - أسباب حصولها - تاريخها - أعمدتها - موقف العلماء منها:
الأمر الأول: التعريف بالفرقة الواقفية:
عُرّفت الفرقة الواقفية في كتب الملل والنحل أنَّها فرقة وقفت على الإمام الكاظم (عليه السلام) ولم تعترف بإمامة الإمام الرضا (عليه السلام)، ولاريب أنَّ هذا التعريف إنَّما اختصَّت به هذه الحركة بسبب ضخامتها واتِّساعها في أوساط الشيعة حتى انصرف مصطلح الوقف إليها، وإن كان واقع الحال ليس كذلك، فإنَّ الوقف - فكراً وعقيدةً - حدث قبل الإمام الكاظم (عليه السلام) كما نجد ذلك في الكيسانية والناووسية وغيرهما، وحدث أيضاً بعد شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام) كما في الذين وقفوا على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): وأمَّا من قال: إنَّ أبا محمّد - العسكري - (عليه السلام) مات ويحيى بعد موته، فقوله باطل بمثل ما قلناه، لأنَّه يُؤدِّي إلى خلوِّ الخلق من إمام من وقت وفاته (عليه السلام) إلى حين يُحييه الله تعالى(5).
والأمر ليس ذا أهمية باعتبار أنَّ هذه الفرقة - بل وكل من وقف على إمام - اندثروا ولم يبقَ لهم عين ولا أثر، كما أنَّ موضوع بحثنا ليس في تفاصيل حركة الوقف بمقدار ما هو تركيز الكلام في خصوص أثر هذه الحركة في الموروث المهدوي كما سيأتي في الفصل الثاني.
الأمر الثاني: أقسام الفرقة الواقفية:
يمكن القول: إنَّها انقسمت إلى عدَّة فرق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص116.
↑صفحة 16↑
الأولى: التي وقفت على الإمام الكاظم (عليه السلام) وادَّعت أنَّه هو المهدي المنتظر وهو حي لم يمُت وسيظهر ويملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.
وذلك استناداً إلى بعض الروايات الموهمة أو الموضوعة من قِبل زعماء الطائفة لصالح حركتهم، كما سيأتي في الفصل الثاني مفصّلاً.
الثانية: التي وقفت على الإمام الكاظم (عليه السلام) وادَّعت أنَّه هو المهدي وقد رُفع إلى السماء كعيسى وسينزل من السماء بعد إذن الله فيملأها قسطاً وعدلاً، استناداً لبعض الروايات التي تشبّه المهدي (عجَّل الله فرجه) بعيسى (عليه السلام).
من قبيل ما ورد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ سُنَنٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)، وَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ عِيسَى فَيُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي عِيسَى...»(6).
وكذلك ما ورد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَيِّدَ العَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) يَقُولُ: «فِي الْقَائِمِ مِنَّا سُنَنٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ... وَأَمَّا مِنْ عِيسَى فَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِيهِ...»(7).
الثالثة: التي وقفت على الإمام الكاظم (عليه السلام) ولكنها قالت بموته وسيُرجعه الله بعد أياس الناس فيملأها قسطاً وعدلاً، وذلك لوجود بعض الأحاديث في هذا الشأن، كما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ اَلْقَائِمُ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَا يَمُوتُ، إِنَّهُ يَقُومُ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، يَقُومُ بِأَمْرِ اَلله سُبْحَانَهُ»(8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) كمال الدين - الشيخ الصدوق: ج2، ص31، ح287/46.
(7) كمال الدين - الشيخ الصدوق: ج2، ص350.
(8) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص462، ح403.
↑صفحة 17↑
الرابعة: اللّاأدرية: حيث قال بعض: لا ندري أهو حي أم ميت؟ لأنّا قد روينا فيه أخباراً كثيرة تدل على أنَّه القائم المهدي فلا يجوز تكذيبها، وقد ورد علينا من خبر وفاة أبيه وجده والماضين من آبائه (عليهم السلام) في معنى صحة الخبر، فهذا أيضاً ممّا لا يجوز ردّه وإنكاره لوضوحه وشهرته وتواتره من حيث لا يكذب مثله، ولا يجوز التواطؤ عليه والموت حق والله (عزَّ وجلَّ) يفعل ما يشاء، فوقفنا عند ذلك على إطلاق موته وعلى الإقرار بحياته ونحن مقيمون على إمامته لا نتجاوزها حتى يصحّ لنا أمره وأمر هذا الذي نصب نفسه مكانه وادّعى الإمامة، يعْنون: (علي بن موسى الرضا)(9).
الخامسة: الفرقة (البشيرية) المولوية: وهم أتباع محمد بن بشير وهو مولى لبني أسد.
وكان صاحب شعبذة ومخاريق معروفاً بذلك، فادّعى أنَّه يقول بالوقف على موسى بن جعفر (عليه السلام)، وأنّ موسى (عليه السلام) كان ظاهراً بين الخلق يرونه جميعاً، يتراءى لأهل النور بالنور، ولأهل الكدورة بالكدورة في مثل خلقهم بالإنسانية والبشرية اللحمانية، ثم حجب الخلق جميعاً عن إدراكه، وهو قائم بينهم موجود كما كان، غير أنّهم محجوبون عنه وعن إدراكه كالذي كانوا يدركونه(10).
وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنَّه صورة أبي الحسن (عليه السلام) في ثياب حرير وقد طلاها بالأدوية وعالجها بحِيَل عملها فيها حتى صارت شبيهاً بصورة إنسان، وكان يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها(11).
وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: «لعن الله محمد بن بشير وأذاقه حرّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) فرق الشيعة - حسن بن موسى النوبختي: ص٨٢.
(10) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٧٧٤، ح906؛ بتصرّف.
(11) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٧٧٦، ح907، بتصرّف.
↑صفحة 18↑
الحديد، إنَّه يكذب عليَّ، برأ الله منه وبرئتُ إلى الله منه، اللهم إنّي أبرأ إليك ممّا يدَّعي فيَّ ابن بشير، اللهم أرحني منه».
وقد وصفه الإمام الكاظم (عليه السلام) بالرجس النجس(12).
وهذا من الشواهد على أنَّ جذور الوقف بدأت في حياة الإمام الكاظم (عليه السلام).
وهناك فِرَقٌ غيرها لا نطيل بها البحث.
الأمر الثالث: أسباب الوقف:
لم يكن العامل الاقتصادي هو السبب الرئيس في الوقف، وإن كان له مدخلية كبيرة عند البعض، خصوصاً ابن السراج الكوفي وغيره، كما جاء في رجال الكشي حيث قال: كان بدء الواقفة أنّه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة زكاة أموالهم وما كان يجب عليهم فيها، فحملوا إلى وكيلين لموسى (عليه السلام) بالكوفة أحدهما حيان السراج، والآخر كان معه، وكان موسى (عليه السلام) في الحبس، فاتخذا بذلك دوراً وعَقَدا العقود واشتريا الغلات.
فلمّا مات موسى (عليه السلام) وانتهى الخبر إليهما أنكرا موته، وأذاعا في الشيعة أنّه لا يموت لأنَّه هو القائم، فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة وانتشر قولهما في الناس، حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع ذلك المال إلى ورثة موسى (عليه السلام)، واستبان للشيعة أنّهما قالا ذلك حرصاً على المال(13).
وهكذا ما جاء عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، حيث قَالَ: مَاتَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَلَيْسَ مِنْ قُوَّامِهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعِنْدَهُ اَلمَالُ اَلْكَثِيرُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٧٧٩، ح909؛ بتصرّف.
(13) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٧٧٩، ح871.
↑صفحة 19↑
وَقْفِهِمْ وَجَحْدِهِمْ مَوْتَهُ، طَمَعاً فِي اَلْأَمْوَالِ، كَانَ عِنْدَ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ اَلْقَنْدِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنْتُ اَلْحَقَّ وَعَرَفْتُ مِنْ أَمْرِ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا عَلِمْتُ تَكَلَّمْتُ وَدَعَوْتُ اَلنَّاسَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَا إِلَيَّ وَقَالَا: مَا يَدْعُوكَ إِلَى هَذَا؟ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ اَلمَالَ فَنَحْنُ نُغْنِيكَ، وَضَمِنَا لِي عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَقَالَا [لِي]: كُفَّ.
فَأَبَيْتُ، وَقُلْتُ لَهُمَا: إِنَّا رُوِّينَا عَنِ اَلصَّادِقِينَ (عليهم السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا: «إِذَا ظَهَرَتِ اَلْبِدَعُ فَعَلَى اَلْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُلِبَ نُورَ اَلْإِيمَانِ»، وَمَا كُنْتُ لِأَدَعَ اَلْجِهَادَ وَأَمْرَ اَلله عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَنَاصَبَانِي وَأَضْمَرَا لِيَ اَلْعَدَاوَةَ(14).
حتى أنّ أكابر علمائنا حصروا - على ما يبدو - سبب الوقف بالطمع في الأموال عند رؤسائهم، حيث قال الشيخ الطوسي: فروى الثقات أنَّ أوَّل من أظهر هذا الاعتقاد عليّ بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا، ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً ممَّا اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، وابن المكاري، وكرَّام الخثعمي، وأمثالهم(15).
وهكذا آخرون.
إلّا أنّه يمكن القول: إنّ السبب الرئيسي لانحراف أكثر الواقفة - حتى مثل البطائني الذي استفاد اقتصادياً ومالياً من منهج الوقف الذي اتَّخذه - هو الشبهات التي علقت في ذهنهم وجعلتهم ينجرفون مع تيار الوقف، فالعامل ليس عاملاً اقتصادياً فقط، وإنّما هناك عوامل فكرية ومنهجية حدتْ بمثل هؤلاء إلى الانحراف، وهنالك رسالة من الإمام الرضا (عليه السلام) يصرّح فيها بأنّ البطائني قد تأوّل الأحاديث وحدثت في ذهنه شبهات كانت سبباً في انحرافه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص95، ح66.
(15) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص94، ح65.
↑صفحة 20↑
فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): «وأمّا ابن أبي حمزة فإنّه رجل تأوّل تأويلاً لم يحسنه، ولم يُؤتَ علمَه، فألقاه إلى الناس فلج فيه وكره إكذاب نفسه في إبطال قوله بأحاديث تأوّلها ولم يحسِن تأويلها ولم يؤتَ علمَها، ورأى أنّه إذا لم يصدق آبائي بذلك، لم يدرِ لعل ما خبر عنه مثل السفياني وغيره أنّه كائن لا يكون منه شيء، وقال لهم: ليس يسقط قول آبائه بشيء، ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء، ولكن قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه، فصار فتنة له وشبه عليه وفر من أمر فوقع فيه»(16).
وأمّا الذي كان الطمع هو محور انحرافه فهو ابن السراج الذي ذكرناه آنفاً، فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: «أمّا ابن السراج فإنّما دعاه إلى مخالفتنا والخروج عن أمرنا أنّه عدا على مالٍ لأبي الحسن (صلوات الله عليه) عظيمٍ فاقتطعه في حياة أبي الحسن، وكابرني عليه وأبى أن يدفعه، والناس كلهم مسلِّمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إليَّ، فلمّا حدث ما حدث من هلاك أبي الحسن (صلوات الله عليه) اغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي، وتعلّل، ولعمري ما به من علة إلّا اقتطاعه المال وذهابه به»(17).
وجاء في غيبة الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في بيان حال ابن السراج أنّ العامل الاقتصادي كان هو السبب في قوله بالوقف، فعن عليّ بن حبشي، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحَسَنِ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: كُنْتُ أَرَى عِنْدَ عَمِّي عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ شَيْخاً مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَكَانَ يُهَازِلُ عَمِّي، فَقَالَ لَهُ يَوْماً: لَيْسَ فِي اَلدُّنْيَا شَرٌّ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ - أَوْ قَالَ: اَلرَّافِضَةِ -، فَقَالَ لَهُ عَمِّي: وَلِمَ لَعَنَكَ اَللهُ؟ قَالَ: أَنَا زَوْجُ بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بِشْرٍ اَلسَّرَّاجِ، قَالَ لِي لَـمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدِي عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَدِيعَةً لِمُوسَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) قرب الاسناد - الحميري القمي: ص٣٥١، ح1260.
(17) قرب الاسناد - الحميري القمي: ص٣٥١، ح1260.
↑صفحة 21↑
بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَدَفَعْتُ اِبْنَهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَشَهِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، فَالله اَلله خَلِّصُونِي مِنَ اَلنَّارِ وَسَلِّمُوهَا إِلَى اَلرِّضَا (عليه السلام)، فَوَاَلله مَا أَخْرَجْنَا حَبَّةً، وَلَقَدْ تَرَكْنَاهُ يَصْلَى بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
وكذلك القندي، فعن يونس بن عبد الرحمن، قال: مَاتَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَلَيْسَ مِنْ قُوَّامِهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعِنْدَهُ اَلمَالُ اَلْكَثِيرُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ وَقْفِهِمْ وَجَحْدِهِمْ مَوْتَهُ، طَمَعاً فِي اَلْأَمْوَالِ، كَانَ عِنْدَ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ اَلْقَنْدِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ(18).
الأمر الرابع: النشأة التاريخية للواقفة:
يمكن القول إنّ نشأة الواقفة من ناحية الجذور الفكرية سبقت نشأتها من ناحية كونها حركة وظاهرة واسعة استقطبت الكثير من كبار أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، إذ إنّ الظاهرة تكوّنت بعد شهادة الإمام (عليه السلام) وهذا ما نجده واضحاً في كلمات علمائنا مثل الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: ثُمَّ دُفِنَ (عليه السلام) وَرَجَعَ اَلنَّاسُ، فَافْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: مَاتَ، وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَمْ يَمُتْ(19).
كما جاء في نص تاريخي في كتاب فرق الشيعة للنوبختي قوله: وقالت الفرقة الثانية: إنّ موسى بن جعفر لم يمُت وإنّه حي ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جوراً وإنَّه القائم المهدي(20).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص95، ح65.
(19) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص51، ح5.
(20) فرق الشيعة - حسن بن موسى النوبختي: ص٨٠؛ كتاب المقالات والفرق - أبي خلف سعد الأشعري القمي: ص٨٩.
↑صفحة 22↑
وغيرها من التعابير التي يمكن الاطّلاع عليها بالرجوع إلى كتب السير والتراجم والتاريخ.
بل إنّ بعض الروايات تساهم في بيان تاريخية ونشوء هذه الظاهرة كما في قول الإمام الكاظم (عليه السلام) حسب نقل أخيه علي بن جعفر (عليه السلام) حيث قال: جاء رجل إلى أخي (عليه السلام) فقال له: جعلت فداك من صاحب هذا الأمر؟ فقال: «أما أنّهم يُفتنون بعد موتي فيقولون هو القائم، وما القائم إلّا بعدي بسنين»(21).
إلّا أنّه يمكن القول إنّ جذور هذه الفرقة وتكوّنها كان سابقاً لوفاة الإمام (عليه السلام)، حيث بدأت تظهر على بعض الألسن، بل وتبنّاها بعض الأشخاص في حياة الإمام (عليه السلام)، خصوصاً بعد سجنه، ولذلك نجد أنّه حين وفاته نودي على جثمانه الشريف بالقول: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ اَلَّذِي تَزْعُمُ اَلرَّافِضَةُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فَانْظُرُوا إِلَيْهِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ(22).
وقد ذكر الشيخ المفيد ذلك بقوله: وقد كان قوم زعموا في أيام موسى أنّه القائم المنتظر، وجعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم(23).
وهكذا ما نجده من أمثال محمد بن بشير حيث ادّعى غيبة الإمام (عليه السلام) أثناء سجنه وقيامه مقام الإمام (عليه السلام)، ممّا استدعى أن يصفه الإمام (عليه السلام) بالرجس النجس كما مرّ سابقاً(24).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٧٦٠، ح870.
(22) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص57، ح6.
(23) الإرشاد - الشيخ المفيد: ج٢، ص٢٤٣.
(24) تقدَّم في صفحة 19.
↑صفحة 23↑
الأمر الخامس: أعمدة الوقف وشخصياته:
ممّا يدلّل على خطورة الحركة الواقفية هو قول الشريف المرتضى (رحمه الله): فإنَّ معظم الفقه وجمهوره، بل جميعه لا يخلو مستنده ممّن يذهب مذهب الواقفة، إمّا أن يكون أصلاً في الخبر أو فرعاً، راوياً عن غيره ومروياً عنه(25).
هذا النص التاريخي كاشف عن مدى خطورة هذه الحركة، بل يمكن القول: إنّها أخطر الحركات المهدوية المنحرفة التي واجهها أهل البيت (عليهم السلام) والطائفة عموماً، وذلك لأنَّ البعض من أساطين أصحاب الإمام (عليه السلام) وشيعته، بل بعضهم كان من أصحاب الإجماع الذين أجمع الفقهاء على تصحيح ما صحّ عنهم، من أمثال (جميل بن دراج، أحمد بن محمد بن أبي نصر)(26)، كانوا قد انجرفوا مع هذه الظاهرة، وإن كان البعض منهم رجع إلى الحق بعد مدة طالت أو قصرت، وقد أدرج الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في رجاله ما يقرب من ستين شخصاً من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) تحت عنوان الوقف، وهذا رقم مهول وكبير جداً، خصوصاً إذا علمنا أنَّ أصحاب الإمام (عليه السلام) ورواته كان عددهم (271) راوياً تقريباً.
فقد نقل الشيخ النعماني (قدّس سرّه) (ت360هـ) في كتابه الغيبة (150 رواية) عن (21 واقفياً)، فعن البطائني ذكر (37 رواية)، وعن عبد الله بن جبلة (26)، وعن الخثعمي (18)، وغير ذلك.
كما نقل الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) (ت381هـ) في كتابه كمال الدين (61 رواية)، عن (13 واقفياً)، فقد روى عن البطائني (17 رواية)، وعن عثمان الرواسي (8)، وآخرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25) رسائل الشريف المرتضى - الشريف المرتضى: ج٣، ص٣١٠.
(26) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص103.
↑صفحة 24↑
وهكذا الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) (ت460هـ) في كتابه الغيبة (36 رواية)، روى عن البطائني (13 رواية)، وعن زياد القندي (روايتين)، وعن عثمان الرواسي (5 روايات)، فضلاً عن غيره.
ولْنستعرض ترجمة بعض الشخصيات البارزة في الحركة الواقفية حتى يتبيَّن حجم المؤامرة الكبيرة وخطورة هذه الحركة المنحرفة:
الأول: علي بن أبي حمزة(27):
قال النجاشي: علي بن أبي حمزة - واسم أبي حمزة سالم - البطائني أبو الحسن مولى الأنصار، كوفي، وكان قائد أبي بصير يحيى بن القاسم، وله أخ يسمى جعفر بن أبي حمزة، روى عن أبي الحسن موسى وروى عن أبي عبد الله (عليهما السلام)، ثم وقف، وهو أحد عمد الواقفة، وصنف كتباً عدّة، منها: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب التفسير، وأكثره عن أبي بصير.
وقال الشيخ: علي بن أبي حمزة البطائني: واقفي المذهب، له أصل.
وقال ابن الغضائري: علي بن أبي حمزة، لعنه الله أصل الوقف، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم (عليهما السلام).
ويتّضح الدور البارز لهذه الشخصية في هذه الحركة من خلال عدد مروياته عن أهل البيت (عليهم السلام) فقد روى عنهم (545 رواية)، منها (325 مورداً) عن أبي بصير خصوصاً.
وروى عن أبي عبد الله، وعن أحدهما، وعن أبي الحسن، وعن أبي الحسن موسى بن جعفر، وعن العبد الصالح، وعن أبي إبراهيم، وعن رجل صالح، وعن أبي الحسن الرضا (عليهم السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي: ج١٢، ص٢٣٤، بتصرّف.
↑صفحة 25↑
الثاني: زياد بن مروان، (زياد القندي)(28):
قال النجاشي: زياد بن مروان أبو الفضل، وقيل أبو عبد الله الأنباري القندي: مولى بني هاشم، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) ووقف في الرضا (عليه السلام).
وقال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): زياد بن مروان القندي، له كتاب، أخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن محمد بن علي بن الحسين، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عنه.
وعدّه في رجاله في أصحاب الصادق (عليه السلام) تارة، قائلاً: زياد بن مروان القندي الأنباري أبو الفضل، وأخرى: زياد القندي.
وفي أصحاب الكاظم (عليه السلام)، قائلاً: زياد بن مروان القندي يُكنّى أبا الفضل، له كتاب واقفي.
وقال الكشي: زياد بن مروان القندي.
حدثني حمدويه، قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: زياد هو أحد أركان الوقف.
وقال أبو الحسن حمدويه: هو زياد بن مروان القندي بغدادي.
حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني أبو علي الفارسي، عن محمد بن عيسى ومحمد بن مهران، عن محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي سعيد الزيات، قال: كنت مع زياد القندي حاجّاً ولم نكن نفترق ليلاً ولا نهاراً في طريق مكة وبمكة وفي الطواف، ثم قصدته ذات ليلة فلم أره حتى طلع الفجر، فقلت له: غمّني إبطاؤك فأي شيء كانت الحال؟ قال لي: ما زلت بالأبطح مع أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي: ج٨، ص٣٢٦؛ بتصرّف.
↑صفحة 26↑
الحسن - يعني أبا إبراهيم - وعلي ابنه عن يمينه، فقال: «يا أبا الفضل أو زياد هذا ابني عليّ قوله وفعله قولي وفعلي فإن كانت لك حاجة فأنزلها به واقبل قوله فإنّه لا يقول على الله إلّا الحق». قال ابن أبي سعيد: فمكثا ما شاء الله حتى حدث من أمر البرامكة ما حدث، فكتب زياد إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يسأله عن ظهور هذا الأمر أو الاستتار، فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام): «أظهر فلا بأس عليك منهم»، فأظهر زياد، فلمّا حدث الحدث قلنا له: يا أبا الفضل أي شيء يعدل بهذا الأمر؟ فقال لي: ليس هذا أوان الكلام فيه. قال: فلمّا ألححت بالكلام بالكوفة وبغداد وكل ذلك يقول لي مثل ذلك إلى أن قال لي في آخر كلامه: ويحك! فتبطل هذه الأحاديث التي رويناها.
من خلال هذه الرواية يتَّضح أنَّ القندي كان معترفاً ومقراً بإمامة الرضا (عليه السلام) في حياة أبيه، ولكن بعد استشهاد الإمام الكاظم (عليه السلام) أنكر إمامته استناداً إلى الأحاديث التي رواها في مهدويته (عليه السلام).
وتتَّضح أهمية هذه الشخصية في هذه الحركة من خلال عدد مروياته عن أهل البيت (عليهم السلام) فقد روى عنهم (49 رواية).
الثالث: عثمان بن عيسى(29):
قال النجاشي: عثمان بن عيسى أبو عمرو العامري الكلابي، ثم من ولد عبيد بن رؤاس، فتارة يقال الكلابي وتارة العامري وتارة الرؤاسي، والصحيح: أنّه مولى بني رؤاس وكان شيخ الواقفة ووجهها، وأحد الوكلاء المستبدّين بمال موسى بن جعفر (عليه السلام)، روى عن أبي الحسن (عليه السلام)، ذكره الكشي في رجاله وذكر نصر بن الصباح، قال: كان له (يعني الرضا (عليه السلام)) في يده مال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي: ج١٢، ص١٢٩؛ بتصرّف.
↑صفحة 27↑
فمنعه فسخط عليه، وقال: ثم تاب وبعث إليه بالمال، وكان يروى عن أبي حمزة، وكان رأى في المنام أنّه يموت بالحائر على صاحبه السلام، فترك منزله بالكوفة وأقام بالحائر حتى مات، ودفن هناك، صنف كتباً، منها: كتاب المياه.
وقال الشيخ: عثمان بن عيسى العامري: واقفي المذهب له كتاب المياه.
وعدّه في رجاله تارة في أصحاب الكاظم (عليه السلام)، قائلاً: عثمان بن عيسى الرؤاسي: واقفي، له كتاب، وأخرى في أصحاب الرضا (عليه السلام)، قائلاً: عثمان بن عيسى الكلابي، رؤاسي، كوفي، واقفي.
وقال الكشي: عثمان بن عيسى الرؤاسي الكوفي: ذكر نصر بن الصباح أنّ عثمان بن عيسى كان واقفياً، وكان وكيل أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وفي يده مال فسخط عليه الرضا (عليه السلام)، قال: ثم تاب عثمان وبعث إليه بالمال، وكان شيخاً وعمّر ستين سنة، وكان يروي عن أبي حمزة الثمالي، ولا يتّهمون عثمان بن عيسى.
وروى الكشي عن أحمد بن محمد، قال: أحد القوم عثمان بن عيسى، وكان يكون بمصر، وكان عنده مال كثير وست جوار، فبعث إليه أبو الحسن (عليه السلام) فيهن وفي المال وكتب إليه: «إنّ أبي قد مات وقد اقتسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار بموته، واحتج عليه». قال: فكتب إليه: إن لم يكن أبوك مات فليس من ذلك شيء وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري!
وتتَّضح أهمية هذه الشخصية ودورها في هذه الحركة من خلال عدد مروياته عن أهل البيت (عليهم السلام) فقد روى عنهم (743 رواية).
فقد روى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) وأبي الحسن الرضا، وأبي جعفر الثاني (عليهم السلام)، منها عن سماعة خصوصاً (460 رواية تقريباً).
↑صفحة 28↑
الرابع: أحمد بن أبي بشر السراج(30):
قال النجاشي: أحمد بن أبي بشر السراج: كوفي، مولى، يكنى أبا جعفر، ثقة في الحديث، واقف، روى عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، وله كتاب نوادر.
أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدثنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا حميد بن زياد بن هوارا (هوازا)، قال: حدثنا ابن سماعة، قال حدثنا أحمد بن أبي بشر، به.
وقال الشيخ: أحمد بن أبي بشر السراج الكوفي، مولى، يكنى أبا جعفر، ثقة في الحديث، واقفي المذهب، روى عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، وله كتاب النوادر.
أخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن جعفر، عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن أحمد بن أبي بشر.
ولا نريد الإطالة في ذكر الشخصيات المهمة في الوقف خصوصاً من الذين رجعوا عن الوقف وقطعوا على الإمام الرضا (عليه السلام) قصرت المدة أو طالت من أمثال (جميل بن درّاج) والذي عُدت مرويّاته بـ(570 رواية)(31)، و(أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي) والذي عُدّت رواياته بـ(788 رواية)(32)، و(سماعة بن مهران) والذي عُدّت رواياته بـ(222 رواية)(33)، وكل هؤلاء من أصحاب الإجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي: ج٢، ص٢٥؛ بتصرّف.
(31) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي: ج٥، ص١٢٤.
(32) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي: ج٣، ص١٧.
(33) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي: ج٩، ص٣١٢.
↑صفحة 29↑
الأمر السادس: موقف علماء الطائفة من الحركة الواقفية:
اهتمّ علماؤنا ببيان أباطيل الحركة الواقفية، وذلك من خلال كثرة الردود والكتب المصنّفة ضدّهم، ومن ذلك:
1 - إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، كان شيخ المتكلمين من أصحابنا وغيرهم، له جلالة في الدنيا والدين يجري مجرى الوزراء في جلالة الكتاب، له كتب منها(34): كتاب الرد على الواقفة، كتاب الرد على الغلاة، وغيرها الكثير، قيل إنّ وفاته (311هـ).
2 - الحسن بن موسى الخشاب من وجوه أصحابنا مشهور كثير العلم والحديث له مصنفات منها(35): كتاب الرد على الواقفة، لم يعرف تاريخ وفاته، وهو من رجال الطبقة السادسة ومن أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) ولم يرو عنه، وممن روى عنه إبراهيم بن هاشم.
3 - الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي شيخنا المتكلم المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها، له كتب كثيرة منها(36): كتاب فرق الشيعة، وكتاب الرد على فرق الشيعة ما خلا الإمامية، الرد على الواقفة، قيل إنَّ وفاته كانت في نهاية القرن الثالث وبداية الرابع وقيل كانت في حدود (310هـ) كما ربما يظهر من عبارة الشيخ النجاشي (رحمه الله).
4 - الحسين بن علي بن سفيان بن خالد بن سفيان أبو عبد الله البزوفري، له كتب منها(37): كتاب الرد على الواقفة، كان من مشايخ الشيخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص32.
(35) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص42.
(36) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص63.
(37) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص68.
↑صفحة 30↑
المفيد المتوفى (413هـ)، ومن رجال الطبقة العاشرة، وقد ذكر في عدة موارد أنّه كان حياً في سنة (352هـ).
5 - أحمد بن الحسن القزاز البصري له كتاب الصفة في مذهب الواقفة(38)، قيل مات سنة (261هـ).
6 - جعفر بن محمد بن إسحاق بن رباط أبو القاسم البجلي، له كتاب الرد على الواقفة، كتاب الرد على الفطحي(39)، وهو من رجال الطبقة الثامنة أو السابعة (ما بين 260-300هـ).
7 - عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري شيخ من أصحابنا، يكنى أبا طالب، ثقة في الحديث، عالم به، كان قديماً من الواقفة، ثم عاد إلى الإمامة وجفاه أصحابنا، وكان حسن العبادة والخشوع، له كتب منها(40): كتاب (الانتصار للشيعِ من أهل البدع)، كتاب فرق الشيعة، مات سنة (356هـ).
8 - فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني نزيل العسكر، له كتاب - أيام استقامته - الرد على الواقفة، وكتاب الرد على الإسماعيلية(41)، وهو من الغلاة، وممّن لعنه الإمام الهادي (عليه السلام)، وقتل في حياة الإمام الهادي (عليه السلام).
9 - محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال وله كتب، منها كتاب الرد على ابن رباح الممطور، كتاب الرد على الواقفة، كتاب الغيبة وكشف الحيرة، كتاب الرد على أهل الأهواء(42)، من رجال الطبقة العاشرة ما بين (350-390).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص78.
(39) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص121.
(40) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص233.
(41) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص310.
(42) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص393.
↑صفحة 31↑
10 - هارون بن عبد العزيز أبو علي الأراجني، له كتاب الرد على الواقفة(43).
ولم يكن هذا الاهتمام من قِبل علمائنا عن فراغ أو للترف العلمي وإنّما يكشف عن خطورة هذه الحركة وما لها من ثقل علمي في أوساط الطائفة وكثرة مؤلفات أعيانهم وللمثال على ذلك - أي مؤلفات الواقفة - نذكر:
1 - الحسن بن علي بن أبي حمزة له كتب منها(44): كتاب الفتن وهو كتاب الملاحم، وكتاب القائم الصغير، وكتاب الغيبة، وكتاب الرجعة.
2 - عبد الله بن جبلة بن حيان بن أبجر الكناني، وبيت جبلة بيت مشهور بالكوفة، وكان عبد الله واقفاً، وكان فقيهاً ثقة مشهوراً، له كتب، منها: وكتاب الصفة في الغيبة على مذاهب الواقفة(45).
3 - علي بن الحسن بن محمد الطائي الجرمي المعروف بالطاطري وكان من وجوه الواقفة وشيوخهم، وقد ألف في نصرة مذهبه، وله كتب كثيرة، منها: كتاب الغيبة(46).
4 - علي بن أحمد العلوي الموسوي له كتاب في كتابه في نصرة الواقفة(47)، والذي ذكره الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في كتابه الغيبة وردّ على مروياته - الأربعين - سنداً ودلالة.
ويتجلى موقف الأصحاب الشديد من الواقفة فيما وصفهم به علي بن إسماعيل بعد مناظرة بينه وبين أحد شخصيات الواقفة، حيث نبزهم بالكلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(43) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص439.
(44) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص36.
(45) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص216.
(46) فهرست أسماء مصنّفي الشيعة - النجاشي: ص255.
(47) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص٧١.
↑صفحة 32↑
الممطورة، كما جاء في كتاب فرق الشيعة للنبوختي: وكان سبب ذلك أنّ (علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعضَهم فقال له: علي بن إسماعيل وقد اشتد الكلام بينهم: ما أنتم إلّا كلاب ممطورة، أراد: أنّكم أنتن من جيف لأنّ الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف، فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم لأنّه إذا قيل للرجل أنّه ممطور فقد عُرف أنّه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة(48).
موقف الشيخ الطوسي من الواقفة(49):
حين نطالع ونفحص كتب الشيخ (قدّس سرّه) نلاحظ اختلافاً في الموقف بين ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) فرق الشيعة - حسن بن موسى النوبختي: ص٨١.
(49) تعداد من ذكرهم الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) من الواقفة في كتابيه الرجال والفهرست، مع توثيقه لبعضهم في الأخير:
1 - أمية بن عمرو، واقفي.، ذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (122).
2 - أحمد بن زياد الخزاز، واقفي.
3 - أحمد بن السري، واقفي.
4 - إسحاق بن جرير، واقفي.
ذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (53)، وذكر أنّ له أصلاً.
5 - إبراهيم بن شعيب، واقفي.
6 - أحمد بن الفضل الخزاعي، واقفي.
7 - أحمد بن الحارث، واقفي.
ذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (112)، وذكر أنّ له كتاباً.
8 - بكر بن محمد بن جناح، واقفي.
9 - جعفر بن حيان، واقفي.
10 - جندب بن أيوب، واقفي.
11 - جعفر بن سماعة، واقفي.
12 - الحسين بن المختار القلانسي، واقفي، له كتاب.
13 - الحسين بن مخارق، واقفي.
وذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (228) وذكر كتابه التفسير، وجامع العلم.←
↑صفحة 33↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→14 - الحسين بن موسى، واقفي.
15 - الحسين بن كيسان، واقفي.
16 - الحسين بن قياما، واقفي.
17 - درست بن أبي منصور الواسطي، واقفي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (288) درست [الواسطي]، أنّ له كتاباً.
18 - داود بن الحصين، واقفي، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (276) أنّ له كتاباً.
19 - زرعة بن محمد الحضرمي، واقفي، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (313) أنّ له كتاباً.
20 - زياد بن مروان القندي، مولي بني هاشم، يكنى أبا الفضل، له كتاب، واقفي، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (302) أنّ له كتاباً.
21 - زيد بن موسى، واقفي.
22 - سلمة بن حيان، واقفي.
23 - سعد بن خلف، واقفي.
24 - سماعة بن مهران، مولى حضرموت، ويقال: مولي خولان، كوفي، له كتاب، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، واقفي.
25 - سعد بن أبي عمران، واقفي، أنصاري.
26 - علي بن أبي حمزة البطائني الأنصاري، قائد أبي بصير، واقفي، له كتاب، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (419) أنّ له أصلاً.
27 - عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، لقبه كرّام، كوفي، واقفي خبيث، له كتاب، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (481) أنّ له كتاباً.
28 - عثمان بن عيسى الرواسي، واقفي، له كتاب، وذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (546) أن له كتاباً.
29 - علي بن الخطاب، واقفي.
30 - علي بن سعيد المكاري، واقفي.
31 - علي بن الحسن الطاطري، واقفي، قال الشيخ في الفهرست تحت الرقم (391) علي بن الحسن الطاطري، الكوفي، كان واقفيّا، شديد العناد في مذهبه، صعب العصبيّة على من خالفه من الإماميّة! وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه، وله كتب في الفقه، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم، فلأجل ذلك ذكرناها.
32 - عبد الله بن عثمان الحناط، واقفي.
33 - عبد الله القصير، واقفي.
34 - عبد الله النخاس، واقفي.←
↑صفحة 34↑
ذكره في كتاب الغيبة وبين ما ذكره في غيره ككتاب الرجال والفهرست من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ݚ 35 - عبد الله بن القاسم الحضرمي، واقفي، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (465) أنّ له كتاباً.
36 - غالب بن عثمان، واقفي، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (563) أنّ له كتاباً.
37 - الفضل بن يونس الكاتب، أصله كوفي، تحوّل إلى بغداد، مولي، واقفي، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (565) أنّ له كتاباً.
38 - القاسم بن محمد الجوهري، له كتاب، واقفي، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (576) أنّ له كتاباً.
39 - موسى بن بكر الواسطي، أصله كوفي، واقفي، له كتاب، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (717) أنّ له كتاباً، رواه عنه أصحاب الإجماع كصفوان وابن أبي عمير، وهكذا في عدد ممّن ترجمنا لهم مما سبق، فينبغي الالتفات لذلك لتعدد المباني في التوثيق وقد عدّ هذا منها.
40 - منصور بن يونس، بزرج، له كتاب، واقفي، وذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (731) أنّ له كتاباً، وكذا روى كتابه ابن أبي عمير.
41 - محمد بن عبد الله الجلاب البصري، واقفي.
42 - محمد بن بكر بن جناح، واقفي.
43 - محمد بن عمرو، واقفي.
44 - يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام)، واقفي.
45 - يزيد بن خليفة، واقفي.
46 - يحيى بن القاسم الحذاء، واقفي.
47 - يوسف بن يعقوب، واقفي.
48 - أبو جنادة الأعمى، واقفي.
49 - أبو جعدة، واقفي.
50 - أبو جبل، واقفي.
الثقات من الواقفة عند الشيخ الطوسي:
51 - إبراهيم بن عبد الحميد، واقفي، ذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (12) وصرّح بتوثيقه، وذكر أنّ له أصلاً.
52 - أحمد بن الحسن الميثمي، واقفي، ذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (66)، وقال عنه (رحمه الله) أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن عبد الله التمّار أبو عبد الله، مولى بني أسد، كوفي صحيح الحديث، له كتاب النوادر، ولم يذكر وقفه، وقد لقّبه الشيخ النجاشي (رحمه الله)←
↑صفحة 35↑
كتب التراجم له كالفهرست، ممّا يدعونا للتأمل ودراسة منهجية الشيخ تجاه هذه الحركة.
فنلاحظ مثلاً في كتاب الغيبة أنَّ موقفه سلبي جداً من الواقفة حيث يقول في موضع عنهم: فأمَّا ما ترويه الواقفة فكلُّها أخبار آحاد لا يعضدها حجَّة، ولا يمكن ادِّعاء العلم بصحِّتها، ومع هذا فالرواة لها مطعون عليهم، لا يُوثَق بقولهم ورواياتهم، وبعد هذا كلِّه فهي متأوَّلة(50).
وفي آخر: وإذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤلاء، كيف يُوثَق برواياتهم أو يُعوّل عليها(51)؟!
وفي ثالث أيضاً قال: والطعون على هذه الطائفة أكثر من أنْ تُحصى لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، فكيف يُوثَق بروايات هؤلاء القوم وهذه أحوالهم وأقوال السلف الصالح فيهم(52)؟
وهو ما يعطي انطباعاً بأنَّ الشيخ (قدّس سرّه) يرفض رواياتهم ولا يثق بهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→صريحاً بالميثمي وذكر كونه واقفياً، قال الكشي: (أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار مولى بني أسد، قال أبو عمر والكشي: كان واقفاً... حدثنا حميد بن زياد قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة قال: حدثنا أحمد بن الحسن الميثمي بكتابه عن الرجال وعن أبان بن عثمان). [فهرست أسماء مصنفي الشيعة - النجاشي: ص٧٤].
53 - حنان بن سدير الصيرفي، واقفي، ذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (254) وصرّح بتوثيقه، وذكر أنّ له كتاباً.
54 - الحسن بن محمد بن سماعة، واقفي، مات سنة ثلاث وستين ومائتين، يكنّى أبا علي، له كتب ذكرناها في الفهرست، وذكره الشيخ (رحمه الله) في الفهرست تحت الرقم (193)، وقال عنه: (واقفيّ المذهب، إلّا أنّه جيّد التصانيف، نقي الفقه، حسن الانتقاء...). وذكر له عدة كتب منها: كتاب الغيبة.
(50) الغيبة - الشيخ الطوسي، ص٧3.
(51) الغيبة - الشيخ الطوسي، ص98.
(52) الغيبة - الشيخ الطوسي، ص102.
↑صفحة 36↑
ولكن حينما نراجع كتاب الرجال والفهرست له (قدّس سرّه) نجد أنَّه قد وثَّق بعض هؤلاء مع اعترافه بوقفهم كما أشرنا إلى ذلك في الهامش السابق.
ويمكن الجواب عن هذه الرؤية بأحد أمور:
1 - إمكانية تغيير رأيه الشريف فيما بعد، فإنَّه حسب الظاهر قد كتب (الغيبة) قبل الرجال والفهرست فكان رأيه فيهم سلبياً في الغيبة ثم عدل عن هذا الرأي في كتبه الأخرى.
2 - يحتمل أنَّ قصد الشيخ من عدم الوثوق في كتابه الغيبة خصوص الرؤوس من الواقفة والذين وقفوا بسبب طمعهم بالأموال مع علمهم بالحق، فأمثال هؤلاء كـ(ابن السراج)، بالتأكيد لا يمكن الوثوق برواياتهم، وليس هذا مثل من طرأت عليه الشبهة فوقف لأجلها، فيمكن لأمثال هؤلاء أن يكونوا ثقاتاً مع وقفهم كما هو واضح، وهذا ما ذكره صريحاً في كتابه العدة في الجواب الأول في الموقف من الواقفة والفطحية وغيرهم حيث قال: أنّ ما يرويه هؤلاء يجوز العمل به إذا كانوا ثقات في النقل - وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف - إذا علم من اعتقادهم وتمسكهم بالدين، وتحرّجهم من الكذب، ووضع الأحاديث، وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الأئمة (عليهم السلام) نحو عبد الله بن بكير، وسماعة بن مهران، ونحو بني فضال من المتأخرين عنهم، وبني سماعة ومن شاكلهم، فإذا علمنا أنّ هؤلاء الذين أشرنا إليهم وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف وغير ذلك، كانوا ثقات في النقل، فما يكون طريقة هؤلاء جاز العمل به(53).
3 - كما يمكن القول بالتفصيل - وإن كان بعيداً - بين المرويات الفقهية فيُؤخذ بها وبين المرويات العقدية فلا يُؤخذ بها، وذلك باعتبار أنَّ منشأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(53) العدة في أصول الفقه - الشيخ الطوسي: ج١، ص١٣٤.
↑صفحة 37↑
الكذب غير متوفر عندهم في الفقه بخلاف العقائد - خصوصاً أو حصراً بما يخصّ مهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام) - وهذا كما نقوله في الروايات المحمولة على التقية حيث نلاحظ إن كان لها منشأ للتقية فتُحملُ عليها وإن لم يكن هناك منشأ فلا تُحمل على التقية.
4 - ما ذكره (قدّس سرّه) في كتابه العدّة في الرأي الثاني له بقوله: وأمّا الفرق الذين أشاروا إليهم من الواقفة، والفطحية وغير ذلك، فعن ذلك جوابان... والجواب الثاني: أنّ جميع ما يرويه هؤلاء إذا اختصوا بروايته لا يُعمل به، وإنّما يُعمل به إذا انضاف إلى روايتهم رواية من هو على الطريقة المستقيمة والاعتقاد الصحيح، فحينئذٍ يجوز العمل به، فأمّا إذا انفرد فلا يجوز ذلك فيه على حال(54).
الفصل الثاني: الموروث المهدوي للحركة الواقفية في مصادر علمائنا:
يُعدّ هذا الفصل محور البحث، وعليه جاء عنوانه، ومن خلاله نتعرف على مدى تغلغل الحركة الواقفية في فكر العقيدة المهدوية، واكتشاف تنوّع محاولاتهم لجرّ النار إلى قرصهم، وحَرف العقيدة المهدوية من أصلها الأصيل إلى القول بمهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام) واستخدامهم لشتى الأساليب في ذلك، فمن الجعل والوضع إلى بالتحريف بالزيادة أو النقصان في الأحاديث الصحيحة وانتهاءً بالتأويلات الباطلة إلى غير ذلك.
الأحاديث التي استدل بها الواقفة لتأييد الحركة، ومناقشتها:
ويمكن تقسيم الروايات المهدوية الواردة في مصادرنا من قِبل الحركة الواقفية إلى أربع طوائف:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(54) العدة في أصول الفقه - الشيخ الطوسي: ج١، ص١٣4.
↑صفحة 38↑
الطائفة الأولى: ما نطمئن بكذبها ووضعها وجعلها من قبل الحركة الواقفية، وهي بالعشرات، ونستعرض قسماً منها:
الأول: ما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ (الحجر: 87)، حيث وضعت الحركة بعض الروايات المؤيّدة لمذهبهم، من قبيل ما جاء: عن يونس بن عبد الرحمن عمّن ذكره رفعه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ قال: «إنّ ظاهرها الحمد وباطنها ولد الولد، والسابع منها القائم (عليه السلام)»(55).
عن القاسم بن عروة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ قال: «سبعة أئمة والقائم (عليه السلام)»(56).
عن سماعة قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾: قال: «لم يعطِ الأنبياء إلّا محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهم السبعة الأئمة الذين يدور عليهم الفلك، والقرآن العظيم محمد عليه وآله السلام»(57).
وهذه الطائفة من الروايات تصرّح بأنَّ الأئمة سبعة وإن كان بعضها مضطرباً، ولكن على العموم هي روايات لا تنسجم مع العقيدة الاثني عشرية الحقّة، وإن كان يمكن القول إنَّ الواضع لهذه الروايات لا يكون من الواقفة اصطلاحاً بل لعله جاء من الحركة الإسماعيلية وقد سبق أن تعرّضنا لبيان أثرهم في الموروث المهدوي في حلقة سابقة عن الحركة الإسماعيلية(58).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(55) تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج٢، ص٢٥٠، ح37.
(56) تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج٢، ص٢٥٠، ح39.
(57) تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج٢، ص٢٥١، ح41.
(58) الموعود - مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): العدد 15، ص 11.
↑صفحة 39↑
وقد صرَّح العلامة المجلسي (رضي الله عنه) في مرآة العقول بوضع هذه الأحاديث من قِبل الواقفة حيث قال: هذا الخبر وأمثاله من مفتريات الواقفية وقد أورد الشيخ (رحمه الله) أخبارهم في كتاب الغيبة، وأجاب عنها، على أنَّه لو صحَّ لأمكن وروده في شأن الباقر (عليه السلام) إلى آخر الأئمة، وسابعهم القائم، مع أنَّ تشويش الخبر ظاهر، وتصحيح الثمانية يحتاج إلى تكلف شديد(59).
ولكن عند التتبّع في الروايات الأخرى لأهل البيت (عليهم السلام) لا نجد فيها التخصيص بالقائم، سواء كان على مستوى التأويل:
مثل رواية حسان العامري قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ قال: «ليس هكذا تنزيلها، إنما هي ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي﴾ نحن هم ﴿وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ ولد الولد»(60)، حيث أشارت الرواية إلى بقية الأئمة الاثني عشر بقولها: «ولد الولد».
أو على مستوى التفسير:
كما جاء عن يونس بن عبد الرحمن عمّن رفعه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ قال: «هي سورة الحمد وهي سبع آيات، منها ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ وإنّما سُميت المثاني لأنّها تثنى في الركعتين»(61).
وكما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ سمعت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(59) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول - العلامة المجلسي: ج٤، ص١٠٢.
(60) تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج٢، ص٢٥٠، ح38.
(61) تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج١، ص١٩.
↑صفحة 40↑
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قال لي: يا محمد ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾، فأفرد الامتنان عليَّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش...»(62).
وعن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال: «نعم» قلت: بسم الله الرحمن الرحيم من السبع؟ قال: «نعم هي أفضلهن»(63).
الثاني: التقوّل والوضع على أبي بصير في مهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام): وهو ما أشار الكشي، قال: وجدت في بعض روايات الواقفة: علي بن إسماعيل بن يزيد، قال: شهدنا محمد بن عمران البارقي في منزل علي بن أبي حمزة وعنده أبو بصير، قال محمد بن عمران: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: منا ثمانية محدثون، سابعهم قائمهم، فقام أبو بصير بن أبي القاسم فقبل رأسه، وقال: سمعت من أبي جعفر (عليه السلام)، منذ أربعين سنة، فقال له أبو بصير: سمعت من أبي جعفر (عليه السلام)، وإني كنت خماسياً سامعاً بهذا، قال: أسكت يا صبي ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم - يعني القائم (عليه السلام) -، ولم يقل ابني هذا(64).
وقد صرّح السيد الخوئي (قدّس سرّه) بوضع هذه الرواية من قِبل الواقفة حيث قال: يظهر من قول الكشي أنّ الواقفة تمسكوا بهذه الرواية للاستدلال على مذهبهم، ويستلزم ذلك أنّ أبا بصير روى ما ينافي مذهب الحق، ولكن ذلك لم يثبت، فإنّ سند الرواية غير مذكور، فالظاهر أنَّ الرواية من موضوعات الواقفة، على أنَّ متنها مضطرب جداً، ولا يستفاد منها معنى صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(62) الأمالي - الشيخ الصدوق: ص٢٤٠، ح255 /3.
(63) تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٢٨٩، ح1157/13.
(64) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٧٧٢.
↑صفحة 41↑
وهكذا ما جاء عن الحسن بن قياما الصيرفي، قال: حججت في سنة ثلاث وتسعين ومائة، وسألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك ما فعل أبوك؟ قال: «مضى كما مضى آباؤه»، قلت: فكيف أصنع بحديث حدثني به يعقوب بن شعيب، عن أبي بصير: إنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) قال: «إن جاءكم من يخبركم أنّ ابني هذا مات وكفن ولبن وقبر ونفضوا أيديهم من تراب قبره فلا تصدقوا به»؟ فقال: «كذب أبو بصير ليس هكذا حدثه، إنّما قال: إن جاءكم عن صاحب هذا الأمر»(65).
وقد اتَّفق علماء الرجال على وقف الحسن بن قياما وجاء في رواية أنَّه أعدى خلق الله للإمام الرضا (عليه السلام)(66).
وقد أغنانا السيد الخوئي (قدّس سرّه) عن بيان ضعفها ومعارضتها بغيرها بقوله: هذه الرواية ضعيفة السند، ولا أقل من جهة الحسن بن قياما الصيرفي، على أنّها معارضة بعدة روايات، منها: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ (رضي الله عنهما)، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّلْتِ الْقُمِّيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَصِيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(65) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٧٧٣، ح 902.
(66) قال العلامة الحلي: الحسين بن قياما، من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، واقفي. [خلاصة الأقوال - العلامة الحلي: ص٣٣٨]. وقال صاحب المعالم: إنّ الطريق معتبر عدا ابن قياما فإنّه واقفي. [في التحرير الطاووسي - حسن بن زين الدين العاملي: ص٦٠٨]. وقال الشيخ الطوسي: الحسين بن قياما، واقفي. [الأبواب (رجال الطوسي): ص٣٣٦] وقال الكشي: أبو صالح خلف بن حماد، قال: حدثني أبو سعيد سهل بن زياد الادمي، عن علي بن بن أسباط، عن الحسين بن الحسن، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) إنّي تركت ابن قياما من أعدى خلق الله لك قال: «ذلك شر له»، قلت: ما أعجب ما أسمع منك جعلت فداك، قال: «أعجب من ذلك إبليس، كان في جوار الله (عزَّ وجلَّ) في القرب منه، فأمره فأبى وتعزّز فكان من الكافرين، فأملى الله له، والله ما عذب الله بشيء أشد من الإملاء، والله يا حسين ما عذبهم الله بشيء أشد من الإملاء». [اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج٢، ص٨٢٨].
↑صفحة 42↑
مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي مَنْزِلٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ عِمْرَانَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا(67)»، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ: تَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)؟ فَحَلَفَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: لَكِنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)(68).
على أنَّ جلالة أبي بصير لا يختلف فيها اثنان، فقد وُصف بالوجيه والثقة وعدّه البعض من أصحاب الإجماع، فلا يمكن أن تصدر منه رواية تخالف مذهب الإمامية الاثني عشرية، لذا فالاطمئنان حاصل بوضع هذه الرواية وجعلها من قِبل الواقفة.
الثالث: ما جاء في نفي وفاة الإمام الكاظم (عليه السلام) بتعابير مختلفة، وهو ما نقله الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في الغيبة عن كتاب نصرة الواقفة للعلوي الموسوي، قال: فقد رُوي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا عَلِيُّ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ مَرَّضَنِي وَغَمَّضَنِي وَغَسَّلَنِي وَوَضَعَنِي فِي لَحْدِي وَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِي، فَلَا تُصَدِّقْهُ»(69).
ومن الواضح واقفية السند بـ(علي بن أبي حمزة البطائني)(70)، و(أبو محمد علي بن أحمد العلوي الموسوي)(71) مؤلف كتاب نصرة الواقفة.
وهكذا ما روي عن جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ دَاوُدَ اَلصَّرْمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «مَنْ جَاءَكَ فَقَالَ لَكَ: إِنَّهُ مَرَّضَ اِبْنِي هَذَا وَأَغْمَضَهُ وَغَسَّلَهُ وَوَضَعَهُ فِي لَحْدِهِ وَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ، فَلَا تُصَدِّقْهُ»(72).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(67) في بعض النُّسَخ: (محدَّثاً).
(68) كمال الدين - الشيخ الصدوق، ج2، ص7، ح247/6.
(69) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص86، ح49.
(70) تقدم في صفحة 25.
(71) تقدم في صفحة 32.
(72) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص86، ح48.
↑صفحة 43↑
ومن الواضح واقفية السند بـ(علي بن أبي حمزة البطائني)(73).
بينما نجد في بعض الروايات الأخرى أنَّها لم تذكر (ابني هذا)، وإنما ذكرت (صاحب الأمر) وهذا ينسجم مع معتقدنا في صاحب الأمر، والذي هو الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه).
قَالَ [الموسوي في كتابه نصرة الواقفة]: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ جَبَلَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ جَنَاحٍ، عَنْ حَازِمِ اِبْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): إِنَّ أَبَوَيَّ هَلَكَا، وَقَدْ أَنْعَمَ اَللهُ عَلَيَّ وَرَزَقَ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهُمَا وَأَحُجُّ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، ثُمَّ قَالَ بِيَمِينِهِ: «يَا أَبَا حَازِمٍ، مَنْ جَاءَكَ يُخْبِرُكَ عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ أَنَّهُ غَسَّلَهُ وَكَفَّنَهُ وَنَفَضَ اَلتُّرَابَ مِنْ قَبْرِهِ فَلَا تُصَدِّقْهُ»(74).
رَوَى اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ جَنَاحٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ حَازِمِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يَا حَازِمُ، إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، يَظْهَرُ فِي اَلثَّانِيَةِ، إِنْ جَاءَكَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ نَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ، فَلَا تُصَدِّقْهُ»(75).
وهي وإن كان في سندها بعض الواقفة إلّا أنَّها - كما قلنا سابقاً - لا يضر ذلك في صحة مضمونها، باعتبار أنَّ أمثال هؤلاء قد ذكروا هذه الروايات السليمة مضموناً قبل وقفهم، وبعد وقفهم حرّفوا كلمة (صاحب الأمر) بـ(ابني هذا).
الرابع: ما جاء في تأويل السنابل السبعة، فعن المفضل بن محمد الجعفي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ﴾ [البقرة: 261] قال: «الحبة فاطمة صلى الله عليها والسبع السنابل من ولدها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(73) تقدم في صفحة 25.
(74) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص84، ح46.
(75) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص463، ح407.
↑صفحة 44↑
سابعهم قائمهم»، قلت الحسن؟ قال: «إنّ الحسن إمام من الله مفترض طاعته ولكن ليس من السنابل السبعة أولهم الحسين وآخرهم القائم»، فقلت: قوله: ﴿فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾؟ [البقرة: 261] قال: «يولد الرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه وليس ذاك إلّا هؤلاء السبعة»(76).
وقد ذكر الحر العاملي (رحمه الله) عدَّة إشكالات على هذا الحديث:
منها: أنَّ هذا المعنى بعيد من ظاهر الآية جداً وكيف يجوز من الحكيم إرادة خلاف الظاهر بغير قرينة ويلزم منه تأخير البيان عن وقت الخطاب بل عن وقت الحاجة.
ومنها: أنَّ الموجود من أولاد فاطمة (عليها السلام) من الأئمة عشرة بل أحد عشر مع الحسن فما وجه الإخبار عنهم بالسبعة.
ومنها: أنَّ إخراج الحسن (عليه السلام) منهم لا يظهر له وجه مع كثرة أولاده وكونه أفضل من الحسين (عليه السلام) كما روى في عدة أحاديث وكما دل عليه تقدّمه عليه وكونه إماماً له(77).
وهو (قدّس سرّه) وإن حاول تأويل هذا الحديث والإجابة على هذه الإشكالات إلّا أنَّ الأمر لا يحتاج إلى مثل هذا التأويل البعيد جداً والذي يحتاج إلى تكلف واضح، وما نطمئن إليه أنَّه من وضع الواقفة.
خامساً: روايات (ابن ستة): منها:
ما رواه المجلسي (رحمه الله) في بحاره: عَنْ وُهَيْبِ بْن حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَوْ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) - الشَّكُّ مِن ابْن عِصَام -: «يَا أبَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(76) تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي: ج١، ص١٤٧.
(77) الفوائد الطوسية - الحر العاملي، ص٢٩٨.
↑صفحة 45↑
مُحَمَّدٍ، بِالْقَائِم عَلَامَتَان: شَامَةٌ فِي رَأسِهِ، وَدَاءُ الْحَزَازِ بِرَأسِهِ، وَشَامَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَر تَحْتَ كَتِفَيْهِ وَرَقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةِ الْآس، ابْنُ سِتَّةٍ، وَابْنُ خِيَرَةِ الْإمَاءِ»(78).
والظاهر واقفية السند بـ(وهيب بن حفص)(79).
كما صرَّح بواقفية السند الشيخ المجلسي (قدّس سرّه) في بيانه على هذه الروايات، حيث قال: لعلَّ المعنى ابن ستَّة أعوام عند الإمامة، أو ابن ستَّة بحسب الأسماء فإنَّ أسماء آبائه (عليهم السلام) محمّد وعليّ وحسين وجعفر وموسى وحسن ولم يحصل ذلك في أحد من الأئمَّة (عليهم السلام) قبله، مع أنّ بعض رواة تلك الأخبار من الواقفيّة ولا تُقبَل رواياتهم فيما يوافق مذهبهم(80).
ومنها ما روي عَن ابْن جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْن المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاح، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَقَالَ: «مَا وَرَاءَكَ؟»، فَقُلْتُ: سُرُورٌ مِنْ عَمِّكَ زَيْدٍ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ سِتَّةٍ، وَأَنَّهُ قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأنَّهُ ابْنُ خِيَرَةِ الْإمَاءِ، فَقَالَ: «كَذَبَ لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، إِنْ خَرَجَ قُتِلَ»(81).
ومن الواضح واقفية السند بـ(ابن جبلة)(82).
بقليل من التأمل يتَّضح أنَّها من وضع الواقفة لتطبيقها على الإمام الكاظم (عليه السلام) باعتبار أنَّ آباءه الأئمة ستة وهو سابعهم وهو القائم، ولكن الصحيح من الروايات أنَّها قالت إنَّ المهدي (ابن سبية)، وهي الأَمَة التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(78) الإمام المهدي في بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج1، ص75، ح82/23.
(79) قال النجاشي: وهيب بن حفص أبو علي الجريري، مولى بني أسد، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ووقف، وكان ثقة. [فهرست اسماء مصنفي الشيعة - النجاشي: ص٤٣١]
(80) الإمام المهدي في بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج1، ص75.
(81) الإمام المهدي في بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج1، ص76، ح85/26.
(82) تقدم في صفحة 32.
↑صفحة 46↑
تُؤسر في الحروب عادة، وهذا المفهوم كان شائعاً في الذهنية الشيعية، ولذا استند إليه زيد (رضي الله عنه) في قيامه(83)، ولا أدري لماذا هذا التمحّل في جعل الرواية (ابن ستة) ومن ثم الإتيان بتأويلات بعيدة جدّاً في محاولة غير واقعية لتصحيح معناها، حيث قال المجلسي (قدّس سرّه): لعلّ المعنى ابن ستّة أعوام عند الإمامة، أو ابن ستّة بحسب الأسماء فإنَّ أسماء آبائه (عليهم السلام) محمّد وعليّ وحسين وجعفر وموسى وحسن ولم يحصل ذلك في أحد من الأئمّة (عليهم السلام) قبله، مع أنَّ بعض رواة تلك الأخبار من الواقفيّة ولا تُقبَل رواياتهم فيما يوافق مذهبهم.
وأنت ترى كيف أنّها محاولة بعيدة لتأويل الرواية، بينما تستقيم الرواية إذا قُرئت (ابن سبية) ولا تحتاج للتأويلات، علماً أنَّ العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) قد نبّه إلى كونها من مرويات الواقفة في بيان له على الرواية الأولى، وكان من الحريّ به (رحمه الله) عدم الاكتفاء بالبيان السندي وكونه واقفياً، بل التنبيه أيضاً على التلاعب الحاصل في متن الرواية إذ لم تحتج الرواية إلى مزيد تحريف فبدل (ابن سبية) قال (ابن ستة) حتى تنطبق بل وتنحصر في الإمام الكاظم، لأنّ الإمام الكاظم (عليه السلام) كان ابن أمَة (وهي حميدة المصفّاة)، لكنّه غير مختص به، بل يشمل غيره من الأئمة، ومنهم الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) بخلاف (ابن ستة) في الإمام الكاظم (عليه السلام) ولذلك حرّفوها.
ومن الروايات التي تؤيّد أنَّ الأصل فيها هو (ابن سبية) وليس (ابن ستة) ما جاء في كتاب الغيبة للنعماني:
الرواية الأولى: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(83) جاء في تاريخ اليعقوبي ج٢، ص٣٢٥: ... فكلَّمه زيد بكلام كثير، فقال له هشام: لقد بلغني أنك تؤهل نفسك للخلافة، وأنت ابن أمة، قال: ويلك مكانُ أمي يضعني؟ والله لقد كان إسحاق ابن حرة وإسماعيل ابن أمة، فاختص الله (عزَّ وجلَّ) ولد إسماعيل، فجعل منهم العرب، فما زال ذلك ينمي حتى كان منهم رسول الله...
↑صفحة 47↑
بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقَالَ لِي: «مَا وَرَاءَكَ؟»، فَقُلْتُ: سُرُورٌ مِنْ عَمِّكَ زَيْدٍ، خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ سَبِيَّةٍ، وَهُوَ قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُ ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ، فَقَالَ: «كَذَبَ لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، إِنْ خَرَجَ قُتِلَ»(84).
الرواية الثانية: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدِينَةَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي: «هَلْ صَاحَبَكَ أَحَدٌ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «أَكُنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ، صَحِبَنِي رَجُلٌ مِنَ المُغِيرِيَّةِ، قَالَ: «فَمَا كَانَ يَقُولُ؟»، قُلْتُ: كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ الْحَسَنِ هُوَ الْقَائِمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اسْمَهُ اسْمُ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَاسْمَ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقُلْتُ لَهُ فِي الْجَوَابِ: إِنْ كُنْتَ تَأْخُذُ بِالْأَسْمَاءِ فَهُوَ ذَا فِي وُلْدِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ لِي: إِنَّ هَذَا ابْنُ أَمَةٍ - يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ عَلِيٍّ -، وَهَذَا ابْنُ مَهِيرَةٍ - يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ -، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «فَمَا رَدَدْتَ عَلَيْهِ؟»، فَقُلْتُ: مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «أَوَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ ابْنُ سَبِيَّةٍ - يَعْنِي الْقَائِمَ (عليه السلام) -؟»(85).
الرواية الثالثة: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُثْمَانَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(84) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص342، ح270/10.
(85) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص343، ح272/12.
↑صفحة 48↑
عَنْ أَسْلَمَ المَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: يُقْتَلُ خَلِيفَةٌ مَا لَهُ فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ، وَلَا فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ، وَيُخْلَعُ خَلِيفَةٌ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ شَيْءٌ، وَيُسْتَخْلَفُ ابْنُ السَّبِيَّةِ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: يَا ابْنَ أُخْتِي، لَيْتَنِي أَنَا وَأَنْتَ مِنْ كُورِهِ، قَالَ: قُلْتُ: وَلِـمَ تَتَمَنَّى - يَا خَالِ - ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَنِي أَنَّ المُلْكَ يَرْجِعُ فِي أَهْلِ النُّبُوَّةِ(86).
سادساً: روايات من كتاب (نصرة الواقفة) للعلوي الموسوي:
ذكر الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في كتابه الغيبة ما يقرب من (40 رواية) واقفية استدل بها القوم على مذهبهم، منها:
1 - قَالَ اَلمُوسَوِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْمِيثَمِيُّ(87)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلمَدَائِنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَللهَ اِسْتَنْقَذَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَإِنَّ اَللهَ مُسْتَنْقِذٌ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا بِسَمِيِّهِ»(88).
2 - قَالَ: وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ سَمَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «اِبْنِي هَذَا - يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - هُوَ اَلْقَائِمُ، وَهُوَ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَهُوَ اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(89).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(86) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص395، ح345/39.
(87) قال النجاشي: أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار مولى بني أسد. قال أبو عمر والكشي: كان واقفاً، وذكر هذا عن حمدويه عن الحسن بن موسى الخشاب قال: أحمد بن الحسن واقف، وقد روى عن الرضا (عليه السلام)، وهو على كل حال ثقة، صحيح الحديث، معتمد عليه. [فهرست أسماء مصنفي الشيعة - النجاشي: ص٧٤].
(88) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص74، ح27.
(89) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص78، ح33.
↑صفحة 49↑
3 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَنْصُورٍ اَلزُّبَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخاً بِأَذْرِعَاتٍ - قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ -، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ اَلْكُوفَةِ: «كَأَنِّي بِابْنِ حَمِيدَةَ قَدْ مَلَأَهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَهُوَ مِنْكَ، أَوْ مِنْ غَيْرِكَ؟ فَقَالَ: «لَا، بَلْ هُوَ رَجُلٌ مِنِّي»(90).
4 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلمَسْعُودِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلنُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «صَاحِبُ اَلْأَمْرِ يُسْجَنُ حِيناً، وَيَمُوتُ حِيناً، وَيَهْرُبُ حِيناً»(91).
وكل هذه الروايات واضحة الوضع وظاهرة الجعل، ولا داعي لمحاولة الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) لتأويلها لكي تتلاءم مع مذهب الاثني عشرية.
الطائفة الثانية: ما نطمئن بحصول الزيادة فيها أو النقصان من قبل الحركة الواقفية، وإن كان أصلها متّفقاً مع الموروث الإمامي، ومنها:
الأول: ما رواه اِبْنُ عُقْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ وَعَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ جَمِيعاً، قَالَا: قَالَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى اَلرَّوَّاسِيُّ: حَدَّثَنِي زِيَادٌ اَلْقَنْدِيُّ وَاِبْنُ مُسْكَانَ، قَالَا: كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) إِذْ قَالَ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ اَلسَّاعَةَ خَيْرُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ»، فَدَخَلَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) وَهُوَ صَبِيٌّ، فَقُلْنَا: خَيْرُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ! ثُمَّ دَنَا فَضَمَّهُ إِلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، تَدْرِي مَا قَالَ ذَانِ؟»، قَالَ: «نَعَمْ يَا سَيِّدِي، هَذَانِ يَشُكَّانِ فِيَّ»، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ اَلْحَسَنَ بْنَ مَحْبُوبٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(90) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص82، ح40.
(91) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص89، ح54.
↑صفحة 50↑
فَقَالَ: بَتَرَ اَلْحَدِيثَ، لَا وَلَكِنْ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ رِئَابٍ أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لَهُمَا: «إِنْ جَحَدْتُمَاهُ حَقَّهُ أَوْ خُنْتُمَاهُ فَعَلَيْكُمَا لَعْنَةُ اَلله وَاَلمَلَائِكَةِ وَاَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. يَا زِيَادُ، لَا تَنْجُبُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ أَبَداً»، قَالَ عَلِيُّ بْنُ رِئَابٍ: فَلَقِيتُ زِيَادَ اَلْقَنْدِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لَكَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: أَحْسَبُكَ قَدْ خُولِطْتَ، فَمَرَّ وَتَرَكَنِي، فَلَمْ أُكَلِّمْهُ وَلَا مَرَرْتُ بِهِ، قَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ: فَلَمْ نَزَلْ نَتَوَقَّعُ لِزِيَادٍ دَعْوَةَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) حَتَّى ظَهَرَ مِنْهُ أَيَّامَ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا ظَهَرَ، وَمَاتَ زِنْدِيقاً(92).
وهذه الرواية صريحة في بترهم للحديث بما يوافق مذهبهم، وفي سندها أكثر من واقفي، حسبك (زياد القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي).
الثاني: طائفة من الروايات تشبّه المهدي (عجَّل الله فرجه) بيوسف (عليه السلام) من خلال السجن، منها:
1 - ما رواه عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ سُنَةٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)»... قُلْتُ: فَمَا سُنَّةُ يُوسُفَ؟ قَالَ: «السِّجْنُ وَالْغَيْبَةُ»...(93).
ومن الواضح واقفية السند بـ(عبد الله بن جبلة)(94)، و(الحسن بن علي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(92) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص99، ح71.
(93) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص243، ح166/5.
(94) تقدم في صفحة 32.
↑صفحة 51↑
بن أبي حمزة)(95)، وقد يقال: إنَّ الحسن لم يروِ عن أبي بصير مباشرة، وإنّما روايته بواسطة أبيه علي بن أبي حمزة.
ولا يغيّر ذلك شيئاً من الجعل والوضع، ومن كون السند واقفياً بامتياز، وذلك بالحسن وابن جبلة.
2 - ما جاء في كتاب كمال الدين لشيخنا الصدوق (رحمه الله) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، [عَنْ أَبِيهِ]، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)... وَأَمَّا مِنْ يُوسُفَ فَالسِّجْنُ وَالْغَيْبَةُ...»(96).
ومن الواضح أيضاً واقفية السند بـ(الحسن بن علي بن أبي حمزة، وأبيه).
ولكن مع مراجعة لطائفة أخرى من الروايات التي تذكر الشبه بين يوسف (عليه السلام) ومهدي هذه الأمة (عجَّل الله فرجه) لا نجد فيها لفظة (السجن أو الحبس)، وإن كان في سند بعضها واقفة، فلا يضر ذلك، بل هو على ما نذهب إليه أدلّ باعتبار أنَّ هؤلاء الواقفة ذكروا هذه الروايات كما في الحديث (3) الآتي - التي ليس فيها كلمة السجن - قبل وقفهم، ممّا يدلّل صريحاً على وضع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(95) قال النجاشي: الحسن بن علي بن أبي حمزة... قال أبو عمرو الكشي فيما أخبرنا به... جعفر بن محمد عنه قال: قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني فطعن عليه، وكان أبوه قائد أبي بصير يحيى بن القاسم هو الحسن بن علي بن أبي حمزة مولى الأنصار كوفي، ورأيت شيوخنا رحمهم الله يذكرون أنّه كان من وجوه الواقفة. [فهرست أسماء مصنفي الشيعة - النجاشي، ص٣٦].
(96) كمال الدين - الشيخ الصدوق: ج1، ص509، ح235/11.
↑صفحة 52↑
هذه الزيادة من قِبل الحركة الواقفية للاستفادة منها على ما يذهبون إليه من مهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام)، ومن هذه الروايات:
1 - ما جاء في كتاب الغيبة للنعماني، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «خَبَرٌ تَدْرِيهِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرٍ تَرْوِيهِ، إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، وَلِكُلِّ صَوَابٍ نُوراً»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا وَالله لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ مِنْ شِيعَتِنَا فَقِيهاً حَتَّى يُلْحَنَ لَهُ فَيَعْرِفَ اللَّحْنَ، إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَناً مُظْلِمَةً عَمْيَاءَ مُنْكَسِفَةً لَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا النُّوَمَةُ، قِيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَمَا النُّوَمَةُ؟ قَالَ: الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسَ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لله (عزَّ وجلَّ)، وَلَكِنَّ اللهَ سَيُعْمِي خَلْقَهُ عَنْهَا بِظُلْمِهِمْ وَجَوْرِهِمْ وَإِسْرَافِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ خَلَتِ الْأَرْضُ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ حُجَّةٍ لله لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ يَعْرِفُ النَّاسَ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، كَمَا كَانَ يُوسُفُ يَعْرِفُ النَّاسَ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ»، ثُمَّ تَلَا: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ [يس: 30](97).
2 - ما جاء في كتابه أيضاً، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله الصَّادِقَ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ لَشَبَهاً مِنْ يُوسُفَ»، فَقُلْتُ: فَكَأَنَّكَ تُخْبِرُنَا بِغَيْبَةٍ أَوْ حَيْرَةٍ؟! فَقَالَ: «مَا يُنْكِرُ هَذَا الْخَلْقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(97) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص205، ح135/2.
↑صفحة 53↑
المَلْعُونُ أَشْبَاهُ الْخَنَازِيرِ مِنْ ذَلِكَ؟ إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا عُقَلَاءَ أَلِبَّاءَ أَسْبَاطاً أَوْلَادَ أَنْبِيَاءَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلَّمُوهُ وَخَاطَبُوهُ وَتَاجَرُوهُ وَرَاوَدُوهُ وَكَانُوا إِخْوَتَهُ وَهُوَ أَخُوهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ حَتَّى عَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: ﴿أَنَا يُوسُفُ﴾، فَعَرَفُوهُ حِينَئِذٍ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ المُتَحَيِّرَةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ (جلَّ وعزَّ) يُرِيدُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَسْتُرَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ؟ لَقَدْ كَانَ يُوسُفُ إِلَيْهِ مُلْكُ مِصْرَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمَكَانِهِ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَالله لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ وَوُلْدُهُ عِنْدَ الْبِشَارَةِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ بَدْوِهِمْ إِلَى مِصْرَ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ يَفْعَلُ بِحُجَّتِهِ مَا فَعَلَ بِيُوسُفَ، وَأَنْ يَكُونَ صَاحِبُكُمُ المَظْلُومُ المَجْحُودُ حَقَّهُ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمْ، وَيَمْشِي فِي أَسْوَاقِهِمْ، وَيَطَأُ فُرُشَهُمْ وَلَا يَعْرِفُونَهُ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ لَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ نَفْسَهُ كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ حِينَ قَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ [يوسف: 90]؟»(98).
3 - ما رواه شيخنا الصدوق (قدّس سرّه) في كماله عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ سُنَنٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)... وَأَمَّا سُنَّتُهُ مِنْ يُوسُفَ فَالسِّتْرُ يَجْعَلُ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ حِجَاباً يَرَوْنَهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ...»(99).
4 - ما جاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي عن أبي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «فِي اَلْقَائِمِ شَبَهٌ مِنْ يُوسُفَ»، قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «اَلْحَيْرَةُ وَاَلْغَيْبَةُ»(100).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(98) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص241، ح165/4.
(99) كمال الدين - الشيخ الصدوق: ج2، ص31، ح287/46.
(100) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص201، ح125.
↑صفحة 54↑
5 - ما جاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي عن أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ أَرْبَعُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ... وَأَمَّا سُنّته مِنْ يُوسُفَ (عليه السلام) فَالْغَيْبَةُ...»(101).
ونكتفي بهذا القدر، ففيه دلالة على المطلوب وإن كان هنالك روايات كثيرة غير ما ذكرنا كلها ليس فيها كلمة السجن لا نطيل البحث بذكرها.
الثالث: ما تمنّاه نبي الله موسى (عليه السلام) في أن يكون هو المهدي:
ما رواه الشيخ الطوسي في غيبته نقلاً عن كتاب نصرة الواقفة للعلوي الموسوي: قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي جَالِساً وَعِنْدَهُ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ اَلصَّيْرَفِيُّ وَأَبُو اَلمَرَاهِفِ وَسَالِمٌ اَلْأَشَلُّ، فَقَالَ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ لِأَبِي: يَا أَبَا اَلْفَضْلِ، أَعَلِمْتَ أَنَّهُ وُلِدَ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) غُلَامٌ فَسَمَّاهُ فُلَاناً؟ - يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ -، فَقَالَ سَالِمٌ: إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ؟ فَقَالَ عَبْدُ اَلله: نَعَمْ، فَقَالَ سَالِمٌ: وَاَلله لَأَنْ يَكُونَ حَقًّا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِي بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَإِنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَعُودُ بِهَا عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: بَلَغَنِي فِي اَلْحَدِيثِ أَنَّ اَللهَ عَرَضَ سِيرَةَ قَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ، فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ سَمِيِّي، فَقِيلَ لَهُ: أُعطِيتَ ذَلِكَ(102).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(101) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص464، ح408.
(102) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص75، ح28.
↑صفحة 55↑
ومن الواضح واقفية السند بـ(العلوي الموسوي)(103)، و(حنان بن سدير)(104) في إشارة واضحة إلى مهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام).
وإذا لاحظنا الروايات الأخرى نجد عدم زيادة «اللهم اجعله سميّي فقيل له أعطيت ذلك»، كما جاء في غيبة النعماني: عَنْ سَالِمٍ الْأَشَلِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «نَظَرَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ إِلَى مَا يُعْطَى قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ التَّمْكِينِ وَالْفَضْلِ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ اجْعَلْنِي قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَاكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَحْمَدَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الثَّانِي فَوَجَدَ فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الثَّالِثِ فَرَأَى مِثْلَهُ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ مِثْلُهُ»(105).
الرابع: ما جاء في الإمام الكاظم وأنَّه هو الذي يملأها قسطاً وعدلاً، وهي عدّة روايات، نذكر منها روايتين فقط:
1 - ما رواه الطوسي عن كتاب (نصرة الواقفة) للعلوي: قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ زِيَادٍ اَلطَّحَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ بِالْكُوفَةِ عَلَى اَلْمِنْبَرِ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ اَللهُ رَجُلاً مِنِّي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «نَعَمْ»، قَالَ: فَأَنْتَ هُوَ؟ فَقَالَ: «لَا، ذَاكَ سَمِيُّ فَالِقِ اَلْبَحْرِ»(106).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(103) تقدم في صفحة 32.
(104) عدّه الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الكاظم (عليه السلام) قائلاً: حنان بن سدير الصيرفي واقفي. [الأبواب - الشيخ الطوسي: ص٣٣٤].
(105) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص356، ح294/34.
(106) الغيبة - الشيخ الطوسي: 76، ح30.
↑صفحة 56↑
ومن الواضح واقفية السند بـ(الموسوي العلوي)(107)، وقال السيد الخوئي (قدّس سرّه): علي بن أحمد لا يعتد برواياته، على أنَّ بحر بن زياد لم يوثَّق(108).
2 - قَالَ: وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ سَمَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «اِبْنِي هَذَا - يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - هُوَ اَلْقَائِمُ، وَهُوَ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَهُوَ اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(109).
ومن الواضح واقفية السند بـ(العلوي وجعفر بن سماعة)(110)، مضافاً إلى التلاعب في متن الرواية، حيث أزادوا جملة (ابني هذا يعني أبا الحسن)، بينما لا توجد في بقية الروايات هذه الزيادة، حيث تشير الروايات التي تصف الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بأنّه يملأها قسطاً وعدلاً بجملة (صاحب هذا الأمر) أو (القائم)، كما روى الصدوق (رحمه الله) في كماله عن الإمام الصادق (عليه السلام): «... إِنَّ الْغَيْبَةَ سَتَقَعُ بِالسَّادِسِ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، بَقِيَّةُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، وَصَاحِبُ الزَّمَانِ، وَاللهِ لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَظْهَرَ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(111).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(107) تقدم في صفحة 32.
(108) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي: ج١١، ص٤٠٥.
(109) الغيبة - الشيخ الطوسي: 78، ح33.
(110) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 33) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 178/ الرقم 2132/70) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وفي (ص 334/ الرقم 4969/9)، من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، قائلاً: (واقفي).
واستظهر السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجم رجال الحديث (ج 5/ ص 37/ الرقم 2173) أنَّه جعفر ابن محمّد بن سماعة الذي وثَّقه النجاشي.
(111) كمال الدين - الشيخ الصدوق: ج2، ص17، ح264/23.
↑صفحة 57↑
وكذلك ما رواه الكليني في الكافي الشريف عَنْ أَبِي حمزة، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فَقُلْتُ لَه: أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ؟ فَقَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: فَوَلَدُكَ؟ فَقَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِكَ هُوَ؟ قَالَ: «لَا»، فَقُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِكَ؟ فَقَالَ: «لَا»، قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: «الَّذِي يَمْلأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الأَئِمَّةِ كَمَا أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بُعِثَ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ»(112).
وهكذا لو طالعنا بقية الروايات في صفة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأنّه يملأها قسطاً وعدلاً نجدها تنطبق على الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) صراحة، وليس فيها زيادة «ذاك سمي فالق البحر» منها ما رواه شيخنا الصدوق (رحمه الله) في كماله عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي، فَيَمْلَأَهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، كَذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ»(113).
وكذلك ما رواه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ خُلَفَائِي وَأَوْصِيَائِي، وَحُجَجَ اللهِ عَلَى الْخَلْقِ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ، أَوَّلُهُمْ أَخِي وَآخِرُهُمْ وَلَدِي»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ أَخُوكَ؟ قَالَ: «عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ»، قِيلَ: فَمَنْ وَلَدُكَ؟ قَالَ: «المَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فِيهِ وَلَدِيَ المَهْدِيُّ، فَيَنْزِلَ رُوحُ اللهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ فَيُصَلِّيَ خَلْفَهُ، وَتُشْرِقَ الْأَرْضُ بِنُورِهِ، وَيَبْلُغَ سُلْطَانُهُ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ»(114).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(112) الكافي - الشيخ الكليني: ج١، ص٣٤١، ح21.
(113) كمال الدين - الشيخ الصدوق: ج1، ص488، ح214/4.
(114) كمال الدين - الشيخ الصدوق: ج1، ص424، ح166/27.
↑صفحة 58↑
الخامس: ما استدل به الواقفة على مهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام) بروايات غيبته الصغرى والرجوع إلى أهله.
1 - ومن ذلك ما ذكره الشيخ الكليني (رحمه الله) في الكافي الشريف عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس، عن الحسن بن علي الكوفي، عن علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لصاحب هذا الأمر غيبتان: إحداهما يرجع منها إلى أهله والأخرى يقال: هلك، في أيِّ وادٍ سلك»، قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: «إذا ادّعاها مدَّعٍ فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله»(115).
ومن الواضح واقفية السند بـ(علي بن حسان)(116).
2 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ وَيَحْيَى بْنِ المُثَنَّى، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَتَيْنِ، يَرْجِعُ فِي إِحْدَاهُمَا، وَفِي الْأُخْرَى لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ، يَشْهَدُ المَوَاسِمَ، يَرَى النَّاسَ وَلَا يَرَوْنَهُ»(117).
ومن الواضح واقفية السند بـ(عبد الكريم بن عمرو)(118).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(115) الكافي - الشيخ الكليني: ج١، ص٣٤٠، ح20.
(116) قال الكشي: قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن حسان؟ قال: عن أيهما سألت؟ أمّا الواسطي: فهو ثقة، وأمّا الذي عندنا: يروي عن عمه عبد الرحمن بن كثير، فهو كذاب، وهو واقفي أيضاً لم يدرك أبا الحسن موسى (عليه السلام). [اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٧٤٨].
(117) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص260، ح187/15.
(118) عدّه الشيخ في أصحاب الكاظم (عليه السلام)، قائلاً: عبد الكريم بن عمرو الخثعمي - لقبه كرام - كوفي، واقفي، خبيث، له كتاب، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام). [الأبواب - الشيخ الطوسي: ص٣٣٩]. وقال الكشي: ثم كرام بن عمرو عبد الكريم: حمدويه، قال: سمعت أشياخي يقولون: إنّ كراماً هو عبد الكريم بن عمرو واقفي. [اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٨٣٠].
هذا ولكن قال النجاشي: كان ثقة ثقة عيناً، يُلقَّب كراماً. [فهرست أسماء مصنفي الشيعة - النجاشي: ص٢٤٥].
↑صفحة 59↑
وهذه الزيادة غير موجودة في الكثير من الروايات التي تتحدّث عن الغيبتين للإمام (عجَّل الله فرجه)، منها:
1 - الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأَنْبَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ المُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ(119) عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ يَشْهَدُ فِي إِحْدَاهُمَا المَوَاسِمَ يَرَى النَّاسَ ولَا يَرَوْنَه»(120).
2 - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ والأُخْرَى طَوِيلَةٌ الْغَيْبَةُ الأُولَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِه فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ شِيعَتِه والأُخْرَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِه فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيه»(121).
3 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ(122)، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ»، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَا يَقُومُ الْقَائِمُ وَلِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ»(123).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(119) عبد الله بن بكير، فطحي المذهب، إلّا أنّه ثقة. [الفهرست - الشيخ الطوسي: ص١٧٣].
(120) الكافي - الشيخ الكليني: ج١، ص٣٣٩، ح12.
(121) الكافي - الشيخ الكليني: ج١، ص٣٤٠، ح19.
(122) السند معضل أو مضطرب، فإنَّ عليَّ بن الحسن التيملي متأخِّر عن عليِّ بن مهزيار، وأمَّا ابن أبي نجران فمتقدِّم عنه، وكأنَّ فيه تصحيفاً، ولعلَّ الصواب: (وعليُّ بن مهزيار).
(123) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص254، ح175/3.
↑صفحة 60↑
ممّا يدلّل على أنَّ هذه الزيادة تمت من قبل الحركة الواقفية للاستدلال بها على قائمية ومهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام) حيث إنَّه سجن مرتين، في السجن الأول أُفرج عنه ورجع إلى أهله، والثاني الذي استشهد فيه والذي قالوا إنَّه غاب.
السادس: ما جاء في كتاب رجال الكشي، قال: حدثني علي بن محمد بن قتيبة، قال: حدثني الفضل، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الواسطي، ومحمد بن يونس، قالا: حدثنا الحسن بن قياما الصيرفي قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك ما فعل أبوك؟ قال: «مضى كما مضى آباؤه (عليهم السلام)».
قلت: فكيف أصنع بحديث حدثني به زرعة بن محمد الحضرمي، عن سماعة ابن مهران، أنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ ابني هذا فيه شبه من خمسة أنبياء: يحسد كما حسد يوسف (عليه السلام)، ويغيب كما غاب يونس، وذكر ثلاثة أخر، قال: «كذب زرعة ليس هكذا حديث سماعة، إنّما قال: صاحب هذا الأمر يعني القائم (عليه السلام) فيه شبه من خمسة أنبياء، ولم يقل ابني»(124).
ومن الواضح واقفية السند بـ(الحسن بن قياما)(125) و(زرعة)(126)، فإن ثبت كذب أصل الرواية بواقفية الصيرفي فهو دليل على وضعها بأجمعها من خلال الحركة الواقفية، وإن ثبت صحة سؤال الصيرفي للإمام الرضا (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(124) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي: ج٢، ص٧٧٤، ح904.
(125) تقدم في صفحة 42.
(126) قال النجاشي: زرعة بن محمد أبو محمد الحضرمي ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان صحب سماعة وأكثر عنه ووقف. [فهرست أسماء مصنفي الشيعة - النجاشي: ص١٧٦]
↑صفحة 61↑
تتَّضح زيادة عبارة (إنَّ ابني هذا) وذلك لقول الإمام (عليه السلام): «كذب زرعة»، فإنَّ الرواية جاءت تحت عنوان (صاحب هذا الأمر) وليس تحت عنوان (ابني هذا) أي الإمام الكاظم (عليه السلام).
الطائفة الثالثة: ما نحتمل وضعه وجعله من قبل الحركة الواقفية، ومنها:
الأول: مجموعة من الروايات تتحدث عن عقيدة الناس بوفاة المهدي ثم رجعته:
1 - نذكر روايتين في هذا المقام نحتمل أنَّهما من وضع الواقفة، وهما ما جاء في كتاب الغيبة للشيخ النعماني (رحمه الله)، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ يَقُولُ النَّاسُ: أَنَّى ذَلِكَ وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ؟!»(127).
ومن الواضح واقفية السند بـ(الحسن بن محمد بن سماعة)(128) و(أحمد بن الحسن الميثمي)(129).
2 - وما جاء فيه أيضاً، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(127) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص226، ح146/3.
(128) قال النجاشي: الحسن بن محمد بن سماعة أبو محمد الكندي الصيرفي من شيوخ الواقفة كثير الحديث فقيه ثقة وكان يعاند في الوقف ويتعصب. [فهرست أسماء مصنفي الشيعة - النجاشي: ص٤٠].
(129) تقدم أنه قد لقّبه صريحاً بالميثمي الشيخ النجاشي (رحمه الله) وذكر كونه واقفياً، قال الكشي: (أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار مولى بني أسد، قال أبو عمر والكشي: كان واقفاً... حدثنا حميد بن زياد قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة قال: حدثنا أحمد بن الحسن الميثمي بكتابه عن الرجال وعن أبان بن عثمان). [فهرست أسماء مصنفي الشيعة - النجاشي: ص٧٤].
↑صفحة 62↑
الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَلَّابِ، قَالَ: ذُكِرَ الْقَائِمُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَدْ قَامَ لَقَالَ النَّاسُ: أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ مُذْ كَذَا وَكَذَا؟!»(130).
ومن الواضح واقفية السند بـ(عبد الكريم بن عمرو)(131).
واحتمال كون هذه الروايات من وضع الواقفة من جهة أنّ العقيدة الشيعية الاثني عشرية في الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) أنَّه حيٌّ منذ ولادته عام (255هـ) إلى أن يظهره الله تعالى فيملأها قسطاً وعدلاً.
وأمّا عقيدة أهل السنة في مهدي الأُمَّة فإنَّها تتلخّص بعدم ولادته وأنَّه سيولد في المستقبل بإذن الله تعالى، فلا يوجد - إذن - من يعتقد في الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) أنَّه مات وبليت عظامه، إلّا ما كان يخصّ عقيدة الواقفة في مهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام)، فإنَّ الشيعة بأجمعهم عدا الواقفة آنذاك، بل والمسلمين جميعاً يعتقدون بموته، فمن هنا يتعجّبون بحسب هذه الروايات من ظهوره بعد أن بُليت عظامه.
الثاني: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي قَدْ دَخَلْتُ المَدِينَةَ وَفِي حَقْوَيَّ هِمْيَانٌ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَقَدْ أَعْطَيْتُ اللهَ عَهْداً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(130) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص226، ح147/4.
(131) تقدم في صفحة 59.
↑صفحة 63↑
أَنَّنِي أُنْفِقُهَا بِبَابِكَ دِينَاراً دِينَاراً، أَوْ تُجِيبَنِي فِيمَا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، فَقَالَ: «يَا حُمْرَانُ، سَلْ تُجَبْ، وَلَا تُنْفِقَنَّ دَنَانِيرَكَ»، فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ وَالْقَائِمُ بِهِ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَمَنْ هُوَ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَالَ: «ذَاكَ المُشْرَبُ حُمْرَةً، الْغَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، المُشْرِفُ الْحَاجِبَيْنِ، الْعَرِيضُ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، بِرَأْسِهِ حَزَازٌ، وَبِوَجْهِهِ أَثَرٌ، رَحِمَ اللهُ مُوسَى»(132).
ونحتمل في هذه الرواية أنّ الزيادة فيها (رحم الله موسى) من وضع الواقفة، وكفانا العلامة المجلسي (رحمه الله) ببيانه حيث قال: بيان: وقوله (عليه السلام): (رحم الله موسى)، لعلَّه إشارة إلى أنَّه سيظنُّ بعض الناس أنَّه القائم وليس كذلك، أو أنَّه قال: (فلاناً) كما سيأتي(133) فعبَّر عنه الواقفيَّة بموسى(134).
الثالث: ما استدلت به الواقفة على مهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام) باختلاف الناس فيه وأنَّ له ولداً، منها ما جاء عن عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلمُسْتَنِيرِ، عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَطُولُ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ، وَيَقُولَ بَعْضُهُمْ: قُتِلَ، وَيَقُولَ بَعْضُهُمْ: ذَهَبَ، حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ، لَا يَطَّلِعُ عَلَى مَوْضِعِهِ أَحَدٌ مِنْ وُلْدِهِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا اَلمَوْلَى اَلَّذِي يَلِي أَمْرَهُ»(135).
ومن الواضح واقفية السند بـ(عبد الله بن جبلة)(136).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(132) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص326، ح263/3.
(133) ذكر النعماني هذه الرواية قال... حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ الْقَصِيرُ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): قَوْلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ»، أَهِيَ فَاطِمَةُ (عليها السلام)؟ فَقَالَ: «إِنَّ فَاطِمَةَ (عليها السلام) خِيَرَةُ الْحَرَائِرِ، ذَاكَ المُبْدَحُ بَطْنُهُ، المُشْرَبُ حُمْرَةً، رَحِمَ اللهُ فُلَاناً». [الغيبة - النعماني: ص342، ح269/9].
(134) بحار الأنوار - الشيخ المجلسي: ج1، ص74.
(135) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص200، ح120.
(136) تقدم في صفحة 32.
↑صفحة 64↑
وتقريب استدلالهم بأنَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) هو الذي اختلف الناس فيه، فبعض قال: قُتل، وبعض قال: ذهب، كما أنّ الإمام الكاظم (عليه السلام) هو الذي له ولد وليس لمهدي الاثني عشرية (عجَّل الله فرجه) ولد.
ولكن بملاحظة فاحصة لبقية الروايات نجدها لا تذكر أنَّ له ولداً، بل فبدلاً عن كلمة (ولد) توجد كلمة (ولي)، كما في الغيبة للشيخ الطوسي نقلاً عن كتاب (نصرة الواقفة) للعلوي الموسوي: قَالَ: وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ اَلمُسْتَنِيرِ، عَنِ اَلمُفَضَّلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ [مِنَ اَلْأُخْرَى]، حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، وَبَعْضٌ يَقُولُ: قُتِلَ، فَلَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ عَلَى مَوْضِعِهِ وَأَمْرِهِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا اَلمَوْلَى اَلَّذِي يَلِي أَمْرَهُ»(137).
وكذلك ما جاء في غيبة النعماني قال: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُسْتَنِيرِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصَّادِقِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَطُولُ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قُتِلَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: ذَهَبَ، فَلَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ، لَا يَطَّلِعُ عَلَى مَوْضِعِهِ أَحَدٌ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا المَوْلَى الَّذِي يَلِي أَمْرَهُ»(138).
حيث لم تذكر هاتان الروايتان عبارة (أَحَدٌ مِنْ وُلْدِهِ)، بل ذكرت خصوص الولي، إلّا أن يُقال بإمكان حمل هذه الروايات على قبيل زمن ظهوره فيكون له ولد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(137) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص92، ح60.
(138) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ص255، ح177/5.
↑صفحة 65↑
الطائفة الرابعة: التأويل، فبعض الروايات لم يضعها الواقفة ولم يزيدوا فيها، بل أوّلوها، وذكر الشيخ الطوسي نماذج في ذلك، منها:
الأول: ما جاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (قدّس سرّه) نقلاً من كتاب (نصرة الواقفة) للعلوي الموسوي: قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ اَلْبَزَّازِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يَلِي اَلْوَصِيَّةَ وَهُوَ اِبْنُ عِشْرِينَ سَنَةً».
فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَوَاَلله مَا وَلِيَهَا أَحَدٌ قَطُّ كَانَ أَحْدَثَ مِنْهُ، وَإِنَّهُ لَفِي اَلسِّنِّ اَلَّذِي قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام)(139).
فالرواية وإن كانت واقفية السند بـ(العلوي الموسوي)(140) و(حنان بن سدير)(141) إلّا أنَّها ممكن أن تكون صحيحة المضمون، إذ لا يوجد في مضمونها أي إشكال عقدي فهي منطبقة على الإمام الكاظم (عليه السلام)، ومن الواضح أنَّ المقصود من مصطلح (صاحب هذا الأمر) هو الإمام بشكل مطلق، وهنا قد انطبق على الإمام الكاظم (عليه السلام)، إذ إنَّ إمامته كانت في سن العشرين، إلّا أنَّ الواقفة تأوّلوا مصطلح (صاحب هذا الأمر) بأنَّه الإمام المهدي وطبّقوه على الإمام الكاظم (عليه السلام).
وقد ذكر الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) ذلك بقوله: فليس في هذا الخبر تصريح مَن الذي يقوم بهذا الأمر، وإنَّما قال: يكون ابن عشرين سنة، وحمله الراوي على ما أراد، وقول الراوي ليس بحجَّة...(142).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(139) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص81، ح38.
(140) تقدم في صفحة 32.
(141) تقدم في صفحة 56.
(142) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص81.
↑صفحة 66↑
الثاني: ما جاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (قدّس سرّه) نقلاً من كتاب (نصرة الواقفة) للعلوي الموسوي: قَالَ: وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلْحَجَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي فُلَانٍ يَأْخُذُونَنِي وَيَحْبِسُونَنِي»، وَقَالَ: «وَذَاكَ وَإِنْ طَالَ فَإِلَى سَلَامَةٍ»(143).
ونكتفي بما قاله الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في ردِّه على هذه الرواية الواقفية: فالوجه في الخبر الأوَّل أنَّهم ما يصلون إلى دينه وفساد أمره، دون أنْ لا يصلوا إلى جسمه بالحبس، لأنَّ الأمر جرى على خلافه، وكذلك قوله: «وَذَاكَ وَإِنْ طَالَ فَإِلَى سَلَامَةٍ» معناه إلى سلامة من دينه.
الثالث: ما جاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (قدّس سرّه) نقلاً من كتاب (نصرة الواقفة) للعلوي الموسوي: قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ اَلْأَبْرَصِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «عَلَى رَأْسِ اَلسَّابِعِ مِنَّا اَلْفَرَجُ»(144).
ومن الواضح واقفية السند بـ(العلوي الموسوي)(145) و(حنان بن سدير)(146)، أمّا المتن فهو سليم المضمون إذ إنَّ المقصود من قول الإمام الصادق (عليه السلام) (السابع مِنّا) نفسه الشريفة إلى الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)، فالمجموع سبعة مع دخول الإمام الصادق (عليه السلام) فيهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(143) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص91، ح59.
(144) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص84، ح45.
(145) تقدم في صفحة 32.
(146) تقدم في صفحة 56.
↑صفحة 67↑
إلّا أنَّ الواقفة أوّلوه بأصل الإمامة أي السابع من الأئمة بداية من أمير المؤمنين (عليه السلام) وانتهاءً بالإمام الكاظم (عليه السلام)، مضافاً إلى أنَّ المقصود من الفرج قد لا يكون الفرج العام الذي يحصل في زمن الظهور المقدّس وعلى يدي الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) فيملأها قسطاً وعدلاً، بل لعل المقصود فرج وانفراج خاص يحدث في زمن الإمام الكاظم (عليه السلام) أو بعده وهو ما حدث فعلاً في عصر الإمام الرضا (عليه السلام) حيث أصبح ولياً للعهد، وشعر الشيعة بالفرج الكبير وحرية الرأي في ذلك العصر.
الرابع: ما جاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (قدّس سرّه) نقلاً عن كتاب (نصرة الواقفة) للعلوي الموسوي: قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَعْيَنُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اَلله اِبْنُ بُكَيْرٍ إِلَى عَبْدِ اَلله اَلْكَاهِلِيِّ سَنَةَ أُخِذَ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ (عليه السلام) زَمَنَ اَلمَهْدِيِّ، فَقَالَ: أَقْرِئْهُ اَلسَّلَامَ وَسَلْهُ أَتَاهُ خَبَرٌ...، إِلَى أَنْ قَالَ: أَقْرِئْهُ اَلسَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْعَيْزَارِ فِي مَسْجِدِكُمْ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يُقْدَمُ بِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ اَلْعِرَاقَ مَرَّتَيْنِ، فَأَمَّا اَلْأُولَى فَيُعَجَّلُ سَرَاحُهُ وَيُحْسَنُ جَائِزَتُهُ، وَأَمَّا اَلثَّانِيَةُ فَيُحْبَسُ فَيَطُولُ حَبْسُهُ ثُمَّ يُخْرَجُ مِنْ أَيْدِيهِمْ عَنْوَةً»(147).
ومن الواضح واقفية السند بـ(الموسوي العلوي)(148).
والأوضح من ذلك متنها فإنَّه لا يوجد في رواياتنا حول الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) أنَّه يأتي مرتين إلى العراق ويُعجّل سراحه في الأولى ويطول حبسه في الثانية، وإنّما ذلك من وضع الواقفة للاستدلال بها على موقفهم من مهدوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(147) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص87، ح50.
(148) تقدم في صفحة 32.
↑صفحة 68↑
الإمام الكاظم (عليه السلام)، إلّا أنَّنا نستقرب جداً أن يكون المراد من (صاحب هذا الأمر) هو الإمام من بعد الصادق (عليه السلام)، وليس المقصود الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه)، ولذلك أشار شيخنا الطوسي (قدّس سرّه) إلى هذا الأمر بقوله: فهذا الخبر مع أنَّه خبر واحد يحتمل أنْ يكون الوجه فيه أنَّه يخرج من أيديهم عنوة بأنْ ينقله الله إلى دار كرامته، ولا يبقى في أيديهم يُعذِّبونه ويُؤذونه(149).
ونكتفي بهذا القدر من البحث في أثر الحركة الواقفية في الموروث المهدوي، وإن كان للتوسعة مجال كبير لما بيّناه سابقاً من اتِّساع هذه الحركة وشدَّة خطورتها سواء على مستوى الموروث المهدوي أو على مستوى الشخصيات الكبيرة التي انتمت إلى هذه الحركة.
والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(149) الغيبة - الشيخ الطوسي: ص87.
↑صفحة 69↑