أبحاث العدد:
المسار:
الموعود » اعداد المجلة » العدد ١٦ / ربيع الأول / ١٤٤٥ هـ
لتصفح المجلة بـ Flsh
لتحميل المجلة كـ Pdf
العدد 16 / ربيع الأول / 1445 هـ

أشراط القيام

أشراط القيام

الشيخ جاسم أفضل الوائلي

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا وخاتم المرسلين أبي القاسم محمد وآله الغرّ الميامين، والسلام التامّ الدائم على خاتم الوصيّين، والمنتجب لإقامة دولة الحقّ من آل ياسين.
وبعد، فإنّ ما تناولته أقلام العلماء والباحثين حول الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يشكّل نسبة ضئيلة ممّا يرتبط به صلوات الله عليه، وممّا لم يكتبوا فيه حسب اطّلاعي المتواضع أشراط القيام الميمون، فإنّ جملة وافرة من الروايات دلّت على توقّف قيامه (عجَّل الله فرجه) على وقوع بعض الحوادث، فتكون ظاهرة في أنّ تلك الحوادث أشراط للقيام.
وقد عُنيت هذه الرسالة بجمع ما تيسّر من تلك الروايات، مستثنيةً روايات علامات الظهور الحتمية، فإنّ بعضها ظاهر في كونها أشراطاً أيضاً، وإنما استثنيناها لكثرة ما كتب فيها.
وينبغي الالتفات إلى أمرين:
الأمر الأوّل: معرفة الفرق بين العلامات والأشراط، فإنّ العلامات لا بدّ أن تكون معلومة للناس، لأنّ عَلَامِيَّة العلامة تتقوّم بأمور ثلاثة: ذات العلامة، والمُعلَّم بها وهو مدلولها، والمجعول له تلك العلامة وهو الذي يراد إرشاده

↑صفحة 71↑

إلى شيءٍ ما من خلال تلك العلامة، كإرشاد السائقين إلى بعض الأمور من خلال علامات المرور.
وأمّا الشرطيّة فتتقوّم بأمرين ليس غير: الشرط، والمشروط، فإذا تحقّق الشرط تحقّق المشروط حتى لو لم يعلم الناس بتحقّق الشرط، كاشتعال الحطب بالنار مثلاً، فإنّ اشتعاله لا يتحقّق إلّا بشرط، وهو تقريب النار منه لمسافة تكفي للتأثير فيه، فلو كانت النار في مكان بعيد وهبّت ريح شديدة تسبّبت في انتقال شررها إلى ذلك الحطب فهو يكفي لاشتعاله، ولا يتوقّف ذلك على علم الناس بأنّ الريح قد نقلت الشرر إليه.
وكذلك الحال في أشراط القيام، وهي الحوادث التي جعل الله تعالى قيام المهديّ (عجَّل الله فرجه) متوقّفاً على حصولها، فمتى حصلت فقد تحقّقت أشراط الظهور، حتى لو لم يعلم الناس بتحقّقها.
الأمر الثاني: ليس المقصود بأشراط القيام ما يحصل القيام بعدها مباشرة، بل يقصد بها ما يتوقّف القيام على حصولها، بمعنى أنّه لا يحصل قبلها، فخذ مثلاً قراءة كتاب في البصرة وكتاب في الكوفة بالبراءة من علي (عليه السلام)، فقد جُعل ذلك من أشراط القيام، ولازمه عدم القيام إذا لم يقرأ ذلك الكتاب، وأمّا لو قرئ فهل يتحقّق القيام من بعد مباشرة ودون تأخير ليوم أو شهر أو سنة أو سنوات فذاك أمرٌ لا تقتضيه الشرطيّة.
والوجه في ذلك: أنّ المأخوذ في شرطيّة الواقعة تارة يكون شرطاً تاماً وبه تنحصر الشرطيّة، وفي مثل هذا الصنف يتحقّق المشروط بعد تحقّقه مباشرة وبلا فاصل زمنيّ.
وتارة يكون جزءَ الشرط لا تمامه، وفي مثله لا يتحقّق المشروط بمجرّد تحقٌّقه، بل لا بدّ أن ينضمّ إليه بقيّة الأجزاء، وفي مثل هذا الصنف إذا انتفى جزء واحد من الأجزاء فينتفي المشروط، إذ يكفي لانتفائه انتفاء بعض أجزاء الشرط.

↑صفحة 72↑

وتارة يكون الشرط شرطاً طوليّاً، بأن تتوقّف عليه سلسلة من الأحداث، والحدث الأخير هو الشرط الذي يحصل بعده القيام مباشرة، كما لو قلنا إنّ انتقال المرجعيّة إلى فلان من الفقهاء يتوقّف على موت المرجع فلان، وكانت الإصابة بالمرض الفلاني ممّا يؤدّي إلى الموت، ولكن بعد مرور المريض بمراحل عديدة ربما تستغرق عشر سنين مثلاً، ومن بعدها يتوقّع موته في كلّ لحظة، وفي مثله يصحّ إطلاق اسم الشرط على إصابة المرجع بهذا المرض، فإذا أصيب به فيصحّ أن يقال حينئذٍ: قد تحقّق شرط انتقال المرجعية من فلان إلى فلان، ولكن من دون إمكان تحديد زمان الانتقال.
وتقع الرسالة في محطّتين:
الأوّلى: في سرد أشراط القيام مجرّدة عن الروايات.
الثانية: في عرض روايات أشراط القيام، مع بيان ما يحتاج إلى بيان من مفرداتها، أو مضامينها، أو إبراز بعض النكات والفوائد العلميّة، أو غير ذلك، مع غض النظر عن التعرّض لحال الأسانيد من حيث الاعتبار وعدمه، لأنّ الغرض من الرسالة فتح الباب أمام العلماء والباحثين لدراسة هذه الروايات من جميع جوانبها.
هذا، وأسأله جلّ وعلا أن ينفعني به، ووالديّ، وسائر المؤمنين، إنّ ربّي جواد كريم.
المحطة الأولى: في سرد أشراط القيام مجرّدة عن الروايات(1):
والذي عثرنا عليه منها واحدٌ وثلاثون شرطاً، وهي كالتالي:
1 - أن يبرأ الشيعة بعضُهم من بعض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقد تسأل: ما وجه التعبير في عنوان الرسالة بلفظ (الأشراط) دون لفظ (الشروط) أو (الشرائط). وجوابه: أنّ الغرض من ذلك هو التمييز بينها وبين أشراط الساعة.

↑صفحة 73↑

2 - أن يتفل بعضُهم في وجوه بعض.
3 - أن يشهد بعضهم بالكفر على بعض.
4 - أن يلعن بعضُهم بعضاً.
5 - أن يسمّي بعضُم بعضاً كذّابين.
6 - اختلاف الشيعة في بقاء حياة المهديّ (عجَّل الله فرجه).
7 - تمحيص الشيعة وغربلتهم حتى يرجع أكثرهم عن القول بوجود المهدي (عجَّل الله فرجه).
8 - يأس بعض الشيعة من خروج المهديّ (عجَّل الله فرجه).
9 - شقاء بعض الشيعة.
10 - وقوع فتنة بالشّام لا مخرج منها.
11 - وقوع قتال في موضع يقع بين الكوفة والحيرة، ويكون القتلى من الطرفين سواء.
12 - اجتماع خمسة أمور في سنة واحدة: مجاعة، وخوف شديد من القتل، ونقص الأموال، وانخفاض في عدد السّكان، ونقص في المحاصيل.
13 - نار تظهر من أذربيجان لا يقوم لها شيءٌ.
14 - وقوع المسخ.
15 - نارٌ تقع في الكوفة تأخذ بأوتار آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
16 - شهادة اثني عشر رجلاً بأنّهم رأوا المهديّ (عجَّل الله فرجه).
17 - وقوع الطاعون الأحمر والطاعون الأبيض.
18 - خروج الشيصباني.
19 - اكتمال أنصار المهدي (عجَّل الله فرجه) والبالغ عددهم عشرة آلاف.
20 - قراءة كتاب بالبصرة وكتاب بالكوفة بالبراءة من عليٍّ (عليه السلام)!
21 - خروج خارج من ولد الشيخ قبل خروج السفياني.

↑صفحة 74↑

22 - ذهاب ثلثي الناس، وبقاء الشيعة ضمن الثلث الباقي، أو بقاء خصوص الثابتين منهم على القول بوجود المهدي (عجَّل الله فرجه)، أو ذهاب تسعة أعشار الناس وبقاء الشيعة ضمن التُّسع الباقي.
23 - تولّي جميع أصناف الناس الحكم قبل قيام القائم (عجَّل الله فرجه).
24 - خروج اثني عشر هاشميّاً كلٌّ منهم يدعو إلى نفسه.
25 - ذلّ الشيعة، وفقدانهم للمساند.
26 - ظهور ودائع الله (عزَّ وجلَّ).
27 - طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً.
28 - وقوع حروب بين العرب.
29 - اختلاف شديد بين الناس.
30 - تفرُّق الناس في الدين.
31 - تغيّر في الأحوال بنحو يجعل الإنسان يتمنّى الموت.
المحطة الثانية: في عرض روايات أشراط القيام، مع بيان ما يحتاج إلى بيان من مفرداتها، أو مضامينها، أو إبراز بعض النكات والفوائد العلميّة، أو غير ذلك:
الشرط الأول(2): أن يبرأ الشيعة بعضُهم من بعض.
الشرط الثاني: أن يتفل بعضُهم في وجوه بعض.
الشرط الثالث: أن يشهد بعضهم بالكفر على بعض.
الشرط الرابع: أن يلعن بعضُهم بعضاً.
[1] النعماني (المتوفى في حدود سنة 360هـ)، قال: أخبرنا أحمد بن محمد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) ليس مقصودنا من توصيف الشروط بالأول والثاني وهكذا أن نفاضل بينها، بل المقصود مجرّد الترتيب في سردها.

↑صفحة 75↑

بن سعيد(3)، قال: حدّثنا القاسم بن محمد بن الحسن بن حازم، قال: حدّثنا عبيس بن هشام، عن عبد الله بن جبلة، عن مسكين الرحّال، عن علي بن أبي المغيرة، عن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت الحسين بن علي (عليهما السلام) يقول: «لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً»، فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير؟ فقال الحسين (عليه السلام): «الخير كلّه في ذلك الزمان، يقوم قائمنا، ويدفع ذلك كلّه»(4).
ورواه الطوسي في غيبته(5)، ولكن جاء فيها: (ويرفع) بالراء بدل (ويدفع) بالدال، وهو الصحيح، لأن رفع الشيء إزالته بعد وقوعه، وأما دفعه فهو المنع منه قبل وقوعه.
أقول: والظاهر - بقرينة وقوع هذه الأفعال من بعض الشيعة في حقّ بعض آخر في أزمنة متفرّقة - أنّ المراد منها ليس مجرّد صدورها من بعضهم في حقّ بعض، بل المراد أن ذلك سيكون ظاهرةً تعمُّ الوسط الشيعي.
ويؤكّد الشرطين الثاني والرابع: الرواية الآتية بتسلسل [2].
كما يؤكّد خصوص الشرط الثاني: الرواية الآتية بتسلسل [7].
الشرط الخامس: أن يسمّي بعضُم بعضاً كذّابين.
[2] النعماني: أخبرنا علي بن أحمد، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى العلوي، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن جبلة، عن بعض رجاله، عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وهو المعروف بابن عُقدة كما سيأتي التصريح بذلك في بعض الأحاديث الآتية، وهو زيديُّ المذهب، لكنّه ثقة، والنعماني يروي عنه كثيراً، ما يدلّ على أنّه شيخه، وأنّه معاصر للشيخ الكليني (قدّس سرّه)، فإن الكليني شيخ للنعماني أيضاً.
(4) الغيبة: 213، الباب12، الحديث9.
(5) الغيبة: 437، الحديث429.

↑صفحة 76↑

أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: «لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً، وحتى يسمّي بعضكم بعضاً كذّابين»(6).
ويؤكّد هذا الشرط: الرواية الآتية بتسلسل [7] أيضاً.
ولعلّك تقول: لا يخلو زمان من تكذيب بعض الشيعة بعضاً، فلا يصحّ جعل ذلك شرطاً.
والجواب: أنّ الرواية لم تقل: يُكذِّب بعضهم بعضاً، بل قالت: «يسمّي بعضهم بعضاً كذّابين»، ولا بدّ من افتراض أمور ثلاثة على أقل تقدير ليصحّ جعل ذلك شرطاً:
أحدها: أن يكون ناسب الكذب أو المنسوب إليه ممّن له مكانة وكلمة مسموعة في الوسط الشيعي، وإلّا فصدور التكذيب من الأشخاص المغمورين وكذا نسبة الكذب إليهم أمر لا يخلو منه زمان، مضافاً إلى أنّه ليس ذا قيمة وأثر.
ثانيها: أن يكون متعلّق التكذيب أمراً ذا أهمّية، كانتشار دعاوى دينيّة خطيرة، بحيث تدعو الشيعة أو بعضهم إلى تكذيب مدّعيها.
ثالثها: أن تكون نسبة الكذب إلى الآخر بنحو الصفة الثابتة له، فناسب الكذب لا يريد تكذيب المدّعي في قضيّة أثرها عابرٌ ومنقضٍ، بحيث يقال له: (كذب فلانٌ)، بل يريد جعل الكذب صفةً لازمة له، بحيث يقال: (فلان من الكذّابين).
وباجتماع هذه الأمور الثلاثة تصبح تسمية هذه الشريحة من الشيعة بالكذّابين قضيّةً ملفتةً للنظر، بحيث يصدق أنّها غير مسبوقة، ولا مانع عقلاً من جعل ذلك شرطاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) الغيبة: 213، الباب12، الحديث10.

↑صفحة 77↑

ويؤيّده: الحديث الذي رواه النعماني بعد هذا الحديث، قال: وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا علي بن الحسن التيملي، قال: حدّثنا محمد وأحمد ابنا الحسن، عن أبيهما، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي كهمس، عن عمران بن ميثم، عن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا؟»، وشبّك أصابعه، وأدخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير؟ قال: «الخير كلّه عند ذلك، يا مالك؛ عند ذلك يقوم قائمنا، فيقدّم سبعين رجلاً يكذبون على الله، وعلى رسوله، فيقتلهم، ثمّ يجمعهم الله على أمرٍ واحدٍ»(7).
وها أنت ترى أنّه صريح في أنّ سبب قتل القائم (عجَّل الله فرجه) لهؤلاء السبعين هو كذبهم على الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولابدّ أن يكون كذبهم لتحقيق أمور خطيرة لها تبعاتها، من قبيل أن يكون كلّ واحد من السبعين صاحب دعوى وله أتباع، وذلك بقرينة اجتماع الشيعة على أمر واحد بعد مقتل هؤلاء السبعين، وهو يُشعر بأنّ الفرقة بين الشيعة كانت بسبب اتِّباعهم لهؤلاء الكذّابين الذين تختلف دعوة كلٍّ منهم عن دعوة الآخر، بنحو يوجب الفرقة بين الشيعة.
الشرط السادس: اختلاف الشيعة في بقاء حياة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
[3] النعماني: حدّثنا محمد بن همام، قال: حدّثنا حميد بن زياد الكوفي، قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن زائدة بن قدامة، عن عبد الكريم، قال: ذُكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) القائم، فقال: «أنّى يكون ذلك ولم يستدر الفلك، حتى يقال: مات، أو هلك، في أيّ واد سلك»؟ فقلت: وما استدارة الفلك؟ فقال: «اختلاف الشيعة بينهم»(8).
ويؤيّده: الرواية المتقدّمة عن مالك بن ضمرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) الغيبة: 213، الباب12، الحديث11.
(8) الغيبة: 159، الباب10، الحديث20.

↑صفحة 78↑

أقول: كأنّ المراد من استدارة الفلك الكناية عن اندثار الشيء وهلاكه، نظير قولهم: «أتى عليه الدهر» كناية عن ذلك، ومنه قولهم: «أكل عليه الدهر وشرب».
ويؤيّده: ما ذكره ابن أبي الحديد في سبب تسمية كتابه (الفلك الدائر) الذي ألّفه لنقد كتاب (المثل السائر) لابن الأثير الجزري، حيث قال: (وقد سمّيت هذا الكتاب: الفلك الدائر على المثل السائر؛ لأنّه شاع من كلامهم وكثر في استعمالهم أن يقولوا لِمَا بَادَ ودَثَرَ: (قد دار عليه الفلك)، كأنّهم يريدون: أنّه قد طَحَنَهُ، ومَحَا صورته، من ذلك قول أبي العتاهية:

إِنْ كُنْتَ تَنْشُدُهُمْ فَإِنَّهُمُ * * * هَمَدُوْا ودَارَ عَلَيْهِمُ الفَلَكُ) انتهى(9).

ولعلّ الوجه في تفسير الإمام (عليه السلام) استدارة الفلك باختلاف الشيعة كونه من مصاديق ذلك، بأن يكون المراد أنّ الفلك سيدور على توحُّد الشيعة وإجماعهم على وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) واستمرار حياته، فتندثر تلك الوحدة، ويزول ذلك الإجماع، ويصيرون فرقتين: فرقة تثبت على الاعتقاد بحياته (عجَّل الله فرجه)، وفرقة تنكر ذلك، وفرقة تُشكّ فيه.
ولذا لابدّ أنّ يكون الخلاف المشار إليه متعلّقاً ببقاء حياته (عجَّل الله فرجه)، فيثبته بعض، وينكره آخر، ويشكُّ فيه ثالث، لا أنّ الخلاف متعلّق بشيءٍ آخر لا ربط بينه وبين هذه المسألة، سواء كان خلافاً في هذه المسألة ابتداءً، أم في مسألة أخرى يجرُّ الخلاف فيها إلى الخلاف في هذه، كما لو ادَّعت جماعة ضالة من شيعة آخر الزمان نحواً من القيادة الدينية لبعض الرموز الضالة والمضلة، بحيث تستغني حسب اعتقادها بقيادته عن قيادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وحيث لا يتهيّأ لها ذلك فتعمد إلى التشكيك في بقائه (عجَّل الله فرجه) على قيد الحياة، وتقول كما حكاه الإمام (عليه السلام) عن لسانهم: «مات، هلك، في أيّ وادٍ سلك».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) الفلك الدائر: 35. وجاء في هامش الكتاب أنّ البيت ليس في ديوان أبي العتاهية.

↑صفحة 79↑

والرواية صريحة في عدم تحقّق القيام قبل وقوع الخلاف المذكور، فيكون ذلك من أشراط القيام.
ويعضد هذا المضمون روايات أخرى نقلها النعماني قبل هذه الرواية، ممّا اشتمل على مقالة: «مات، هلك، في أيّ وادٍ سلك؟»، ولكن من دون دلالة على كونه شرطاً للقيام، فلاحظ الأحاديث: (9 و10 و12 و18 و19).
وروى هذه المقالة أيضاً الشيخ الكليني (ت 329هـ)، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني، جميعاً، عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي، عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(10).
ورواها علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت 329هـ): عن سعد، والحميري، وابن إدريس، قالوا: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، ومحمد بن عبد الجبار، وعبد الله بن عامر بن سعد الأشعري، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن المساور، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)(11).
ورواها عنه ابنه محمد بن علي الصدوق (ت 381هـ)، وعن محمد بن الحسن بن الوليد بالسند المذكور(12).
ورواها المفيد (ت 413هـ)، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني جميعاً، عن زكريا بن يحيى بن النعمان، عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(13).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) الكافي 1: 322، الحديث14.
(11) الإمامة والتبصرة: 125، الحديث125.
(12) كمال الدين: 347، الباب33، الحديث35.
(13) الإرشاد 2: 275.

↑صفحة 80↑

ورواها الطوسي (ت 360هـ) بسنده، عن أحمد بن إدريس، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي نجران، عن عمرو بن مساور، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)(14).
بقي هنا شيءٌ:
هل أنّ الاستفهام الوارد في تلك المقالة مختصٌّ بالعبارة الأخيرة - أعني قوله (عليه السلام): «في أيّ وادٍ سلك؟» -، أو يعمُّ العبارات الثلاث؟
فبناءً على اختصاصها بالأخيرة تكون هذه الجماعة من الشيعة على ثلاثة أصناف:
صنفين ينكران بقاء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على قيد الحياة، وصنف متردّد في ذلك.
أمّا الصنف الأول فيقول: (مات)، فهو يعتقد بموته (عجَّل الله فرجه).
وأمّا الصنف الثاني فيقول: (هلك)، فهو يعتقد بهلاكه (عجَّل الله فرجه).
وبقرينة عطف الهلاك على الموت يستظهر إرادة معنى للهلاك مغايرٍ لمعنى الموت، بأن يحمل الأوّل على الموت حتف أنفه، والثاني على القتل، والله العالم.
وأمّا الصنف الثالث فيشكُّ في بقائه (عجَّل الله فرجه)، فهو يتساءل ويقول: «في أيّ وادٍ سلك»؟ كأنّه يريد القول: في أيِّ طريق مضى وترك شيعته بلا إمام؟
وبناءً على هذا الاحتمال - اختصاص الاستفهام بالعبارة الأخيرة - يكون المراد من اختلاف الشيعة افتراقها إلى أربع فرق:
1 - فرقة تثبت على الاعتقاد ببقائه (عجَّل الله فرجه) حيّاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) الغيبة: 337، الحديث285. والمراد من سنده إلى أحمد بن إدريس ما ذكره في الحديث281، وهو: الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس.

↑صفحة 81↑

2 - فرقة تقول بموته (عجَّل الله فرجه) حتف أنفه.
3 - فرقة تقول بقتله.
4 - فرقة تشكّ في ذلك كلّه، ولذا فهي تتساءل: (مات؟، هلك؟، في أيّ وادٍ سلك؟).
وأمّا بناءً على عموم الاستفهام للعبارات الثلاث فتكون هذه الفرقة بأجمعها متردّدةً وشاكة في بقائه (عجَّل الله فرجه)، ومقتضاه أن تكون الشيعة فرقتين فحسب:
1 - فرقة تثبت على الاعتقاد ببقاء حياته (عجَّل الله فرجه).
2 - فرقة تشكّ، وتتردّد بين الأمور الثلاثة.
ويجدر الالتفات إلى أنّ كلّاً من المعتقد بموته (عجَّل الله فرجه) والمعتقد بهلاكه والمتردّد في بقائه كلّهم يتراجعون عن الاعتقاد ببقاء حياته (عجَّل الله فرجه)، وهو ما صرّحت به الروايات، كالروايات التي تأتي في الشرط السابع، وكالرواية التي رواها الصدوق بسنده، عن عبد الرحمن بن سليط، قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): «مِنّا اثنا عشر مهديّاً، أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحقّ، يحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحقّ على الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبةٌ يرتدُّ فيها قومٌ، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيؤذَونَ، فيقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ أما إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(15)، فإنّه صريح برجوع جماعة من الشيعة عن الاعتقاد بوجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، سواء كان الرجوع باعتقاد موته (عجَّل الله فرجه) حتف أنفه، أو قتله، أو بعروض الشكّ في بقائه (عجَّل الله فرجه)، أجارنا الله من الخذلان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 69، الحديث36. ورواه في كمال الدين 1: 317، الباب31، الحديث3.

↑صفحة 82↑

الشرط السابع: تمحيص الشيعة وغربلتهم حتى يرجع أكثرهم عن القول بوجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
[4] النعماني: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثني أحمد بن يوسف الجعفي أبو الحسن من كتابه، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: «مع القائم من العرب شيءٌ يسير»، فقيل له: إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: «لابدّ للنّاس من أن يُمَحَّصوا، ويُمَيَّزُوا، ويُغَربَلُوا، وسيخرج من الغربال خلقٌ كثيرٌ»(16).
ورواه بسندين آخرين:
أحدهما: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدّثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمد بن حسان الرازي، قال: حدّثنا محمد بن علي الكوفي، عن الحسن بن محبوب الزرّاد، عن أبي المغرا، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، الحديث(17).
أقول: المراد بعلي بن الحسين في أوّل السند هو علي بن الحسين بن بابوية القمّي (قدّس سرّه) والد الشيخ الصدوق (قدّس سرّه)، فهو شيخ النعماني، كالكليني (قدّس سرّه).
ثانيهما: حدّثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن يحيى والحسن بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن الحسن بن علي، عن أبي المغرا، عن ابن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، الحديث(18).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) الغيبة: 212، الباب12، الحديث6.
(17) الغيبة: 212، الباب12، الحديث7.
(18) الغيبة: 212، ذيل الحديث7.

↑صفحة 83↑

ولعلّك تشكل: بأنّ الحديث مشتمل على ما يصعب الالتزام به، من أن العرب لن يكونوا مع الحجة إلّا اليسير منهم.
وجوابه: أنّ من المحتمل أن يكون المراد من العرب خصوص الذين سيدركون الظهور المبارك، وأمّا من مات منهم عبر القرون معتقداً لهذا الأمر ولم يبدّل فلا يحصون عدداً، بحيث لو رجعوا معه (عجَّل الله فرجه) - كما يستفاد من روايات الرجعة - لكانوا بأعداد كبيرةٍ جدّاً.
إن قلت: لكن يبقى هذا مجرّد احتمال لا يندفع به الإشكال.
قلت: هذا لو كان الاحتمال ضعيفاً، لكنه ليس كذلك، فإنّه احتمال معتدٌّ به، فيندفع به الإشكال المذكور، لأنّ المورد من موارد كفاية الاحتمال المعتدّ به.
[5] النعماني: أخبرنا علي بن أحمد، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدّثنا محمد بن موسى، عن أحمد بن أبي أحمد، عن إبراهيم بن هلال، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، مات أبي على هذا الأمر، وقد بلغت من السنين ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيءٍ؟ فقال: «يا أبا إسحاق، أنت تعجل». فقلت: إي والله أعجل، وما لي لا أعجل وقد كبر سنّي، وبلغت أنا من السنّ ما قد ترى؟ فقال: «أما والله - يا أبا إسحاق - ما يكون ذلك حتّى تُمَيَّزُوا وتُمَحَّصُوا، وحتى لا يبقى منكم إلَّا الأقلّ»، ثم صَعَّرَ كَفَّهُ(19).
ويؤيّده: ما رواه النعماني نفسه قبل روايته لهذا الحديث، قال: وأخبرنا علي بن أحمد، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن رجل، عن العباس بن عامر، عن الربيع بن محمد المسلي من بني مسلية، عن مهزم بن أبي بردة الأسدي وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: «والله لَتُكَسَّرُنَّ تَكَسُّرَ الزجاج،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) الغيبة: 216، الباب12، الحديث14. صَعَّرَ بفتح الصاد، وفتح العين مع التشديد: بمعنى أمال كفّه.

↑صفحة 84↑

وإنّ الزجاج لُيُعاد فيعود كما كان، والله لَتُكَسَّرُنَّ تَكَسُّرَ الفَخَّارِ، وإنَّ الفَخَّارَ لَيَتَكَسَّرُ فلا يعود كما كان، ووالله لَتُغَربَلُنَّ، ووالله لَتُمَيَّزُنَّ، ووالله لَتُمَحَّصُنَّ حتى لا يبقى منكم إلّا الأقلُّ»، وصَعَّرَ كَفَّهُ(20).
وإنّما جعلنا هذه الرواية مؤيّداً ولم نجعلها في روايات أشراط القيام لعدم تعرّضها لذلك.
[6] النعماني: وأخبرنا علي بن أحمد، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدّثنا محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «والله لا يكون ما تمدُّون إليه أعينكم حتى تُمَحَّصُوا وتُمَيَّزُوا، وحتى لا يبقى منكم إلّا الأندر فالأندر»(21).
[7] النعماني: وأخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة بن أبي هراسة الباهلي، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدّثنا عبد الله بن حمّاد الأنصاري، عن صباح المزني، عن الحارث بن حصيرة، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: «كونوا كالنحل في الطير، ليس شيءٌ من الطير إلّا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم، فوالّذي نفسي بيده ما ترون ما تحبّون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمّي بعضكم بعضاً كذّابين، وحتى لا يبقى منكم - أو قال: من شيعتي - إلّا كالكحل في العين، والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً، وهو مثل رجلٍ كان له طعامٌ، فنَقَّاهُ، وطَيَّبَهُ، ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله، ثمّ عاد إليه، فإذا هو قد أصابه السُّوس، فأخرجه، ونَقَّاهُ، وطَيَّبَهُ، ثم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) الغيبة: 216، الباب12، الحديث13.
(21) الغيبة: 216، الباب12، الحديث15.

↑صفحة 85↑

أعاده إلى البيت، فتركه ما شاء الله، ثمّ عاد إليه، فإذا هو قد أصابته طائفة من السُّوس، فأخرجه، ونَقَّاهُ، وطَيَّبَهُ، وأعاده، ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رُزمةٌ كرُزمةِ الأندر، لا يضرُّه السُّوس شيئاً، وكذلك أنتم، تُمَيَّزُون حتى لا يبقى منكم إلّا عصابةٌ لا تضرُّها الفتنة شيئاً»(22).
ثم ذكر لهذا الحديث سنداً آخر، فقال: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا علي بن الحسن التيملي، قال: حدّثنا محمد، وأحمد ابنا الحسن، عن أبيهما، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي كهمس، وغيره، ورفع الحديث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)(23).
وقد اشتملت هذه الرواية على الشرطين الثاني والخامس أيضاً، فتكون مؤكّدةً لهما كما نوّهنا هناك.
ويؤكّد هذا الشرط: الرواية الآتية بتسلسل [8].
أقول: ومقتضى هذا العدد من الروايات أن يكون ثبوت هذا الشرط مستفيضاً.
الشرط الثامن: يأس بعض الشيعة من خروج المهديّ (عجَّل الله فرجه).
الشرط التاسع: شقاء بعض الشيعة.
[8] الكليني: محمد بن الحسن، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سنان، عن محمد بن منصور الصيقل، عن أبيه، قال: كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوساً وأبو عبد الله (عليه السلام) يسمع كلامنا، فقال لنا: «في أي شيءٍ أنتم؟ هيهات، هيهات، لا والله لا يكون ما تمدُّون إليه أعينكم حتى تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدُّون إليه أعينكم حتى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) الغيبة: 217، الباب12، الحديث17.
(23) الغيبة: 218، ذيل الحديث17.

↑صفحة 86↑

تُمَحَّصُوا، لا والله لا يكون ما تمدُّون إليه أعينكم حتى تُمَيَّزُوا، لا والله ما يكون ما تمدُّون إليه أعينكم إلّا بعد إياسٍ، ولا والله لا يكون ما تمدُّون إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد»(24).
ورواه النعماني بسند آخر عن منصور الصيقل وحده، عن أبي جعفر (عليه السلام)، لا عن الجماعة المذكورة مع الصيقل، ولا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا أبو عبد الله جعفر بن عبد الله المحمدي من كتابه في سنة ثمان وستين ومائتين، قال: حدّثنا محمد بن منصور الصيقل، عن أبيه، قال: دخلت على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وعنده جماعة، فبينا نحن نتحدّث - وهو على بعض أصحابه مُقبِلٌ - إذ التفت إلينا، وقال: الحديث (25).
ثم نقل الحديث عن الكليني بالسند المذكور، لكنه عن أبي جعفر أيضاً، لا عن أبي عبد الله (عليه السلام)(26).
ورواه الطوسي (قدّس سرّه) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) كالكليني (قدّس سرّه)، ولكن بلفظ: «أيهات، أيهات»(27) بالهمزة، لا بالهاء(28).
وكيف كان، فالظاهر بمناسبة الحكم والموضوع أنّ متعلّق اليأس هو قيام المهديّ (عجَّل الله فرجه)، فلا قيام قبل وصول الشيعة أو معظمهم إلى حدّ اليأس منه.
وأمّا الشقاء فمن القريب أن يراد به الخروج من مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والالتحاق بمذهب غيرهم من المخالفين، أو النواصب، والعياذ بالله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) الكافي 1: 370، الحديث6.
(25) الغيبة: 216، الباب12، الحديث16.
(26) الغيبة: 216، ذيل الحديث16.
(27) الغيبة: 335، الحديث281.
(28) قال الرازي: (ومن العرب من يقول: (أيهاتَ) بمعنى هيهات). [مختار الصحاح: 15، مادة (ا، ي، هـ)]

↑صفحة 87↑

ويؤيده: ما رواه النعماني بسنده، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: «لَتُمَحَّصُنَّ - يا شيعة آل محمد - تمحيص الكُحل في العين، وإنّ صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه، ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعةٍ من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها»(29).
[9] الطوسي: وروي عن جابر الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): متى يكون فرجكم؟ فقال: «هيهات، هيهات، لا يكون فرجنا حتّى تغربلوا، ثُمَّ تغربلوا، ثُمَّ تغربلوا - يقولها ثلاثاً - حتى يذهب الكدر، ويبقى الصفو»(30).
ومعلوم أنّ فرجهم (عليهم السلام) إنّما يكون بقيام القائم (عجَّل الله فرجه).
وجملة: «يقولها ثلاثاً» من الطوسي (قدّس سرّه)، أو أحد الرواة الواقعين في السند.
ويؤكّد هذا الشرط: ما يأتي في الرواية الأخير.
الشرط العاشر: وقوع فتنة بالشّام لا مخرج منها.
الشرط الحادي عشر: وقوع قتال في موضع يقع بين الكوفة والحيرة، ويكون القتلى من الطرفين سواء.
[10] النعماني: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا محمدُ بن المفضّل، وسعدانُ بن إسحاق بن سعيد، وأحمدُ بن الحسين بن عبد الملك، ومحمدُ بن أحمد بن الحسن، جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السرّاج، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنّه قال: «يا جابر، لا يظهر القائم حتى يشمل الناس بالشّام فتنةٌ يطلبون المخرج منها فلا يجدونه، ويكون قتلٌ بين الكوفة والحيرة، قتلاهم على سَوَاءٍ، وينادي منادٍ من السّماء»(31).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) الغيبة: 214، الباب12، الحديث12.
(30) الغيبة: 339، الحديث287.
(31) الغيبة: 288، الباب14 الحديث65.

↑صفحة 88↑

أقول: الظاهر أنّ المراد من التسوية بين قتلى الطرفين كونهم جميعاً في النار، ما يعني أنّ قتالاً سيقع بين جماعتين ضالّتين، أو يكون اقتتالهما من أجل الدنيا، أو في قضية لا يكون الحقُّ فيها لأيٍّ منهما.
وأمّا نداء المنادي من السّماء، فهو من علامات الظهور الحتميّة، والتي لم نتعرّض لذكرها في هذه الرسالة لما ذكرناه في المقدّمة.
ويؤيّد الشرط الحادي عشر أو يؤكّده: ما رواه الشيخ الطوسي، قال: وعنه(32)، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): متى يكون هذا الأمر؟ فقال (عليه السلام): «أنى يكون ذلك - يا جابر - ولمَّا تكثر القتلى بين الحيرة والكوفة؟»(33)، فمن القريب جدّاً أنها تشير إلى نفس القتال المذكور في الحديث السابق، لا إلى قتال آخر.
الشرط الثاني عشر: اجتماع خمسة أمور في سنة واحدة: مجاعة، وخوف شديد من القتل، ونقص الأموال، وانخفاض في عدد السّكان، ونقص في المحاصيل.
[11] النعماني: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن الجعفي من كتابه، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لابدّ أن يكون قُدّام القائم سَنَةٌ يجوع فيها الناس، ويُصيبهم خوفٌ شديدٌ من القتل، ونقصٌ من الأموال، والأنفس، والثمرات، فإنّ ذلك في كتاب الله لَبَيِّنٌ»، ثمّ تلا هذه الآية: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) ومرجع الضمير في (عنه) هو الفضل بن شاذان الذي بدأ الشيخ (قدّس سرّه) به سند حديث سابق على هذا الحديث في غيبته.
(33) الغيبة: 445، الحديث441.

↑صفحة 89↑

الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155)(34).
لا يقولنّ قائل: إنّ هذه الأمور كثيرة الحدوث، ولم يخلو منها زمان، فلا تصلح أن تكون شرطاً.
لأنّه يجاب: بأنّ ظاهر الرواية حصولها في منطقة واحدة، في فترةٍ واحدة، وبنحو تكون غير مسبوقة بمثلها؛ لأنّ نفس جعلها من الأشراط يشكّل قرينة على ذلك، وإلّا كانت شرطيتها لغواً.
الشرط الثالث عشر: ظهور نار من أذربيجان لا يقوم لها شيءٌ.
[12] النعماني: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي أبو الحسن، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنّه قال لي أبي: لابدّ لنارٍ من أذربيجان لا يقوم لها شيءٌ، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم، وأَلبِدُوا ما أَلبَدْنَا، فإذا تحرّك متحرّكنا فاسعوا إليه ولو حَبوَاً، والله لَكَأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديدٍ...» الحديث(35).
والأحلاس: جمع حِلْس، بكسر فسكون، وهو: البساط، والتعبير بذلك على سبيل الكناية عن عدم التحرّك أو الانخراط في حركة سياسية، أو عسكرية، أو ما إلى ذلك، وانتظار خروج الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لا غير.
وقوله (عليه السلام): «أَلبِدُوا»: فعلُ أمرٍ من اللُّبُود، بمعنى الالتصاق، وكأنه (عليه السلام) يأمر الشيعة بأن يلتصقوا بالأرض، كناية عن عدم التحرُّك أيضاً،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) الغيبة: 259، الباب14، الحديث6.
(35) الغيبة: 200، الباب11، الحديث1.

↑صفحة 90↑

فيكون توكيداً لمضمون ما تقدّم، كقولك: (أُسكن، ولا تتحرّك)، فإنّ الأمر بالسكون والنهي عن الحركة مؤدّاهما خارجاً واحدٌ. نعم، الالتصاق بالأرض أكثر مبالغة في ترك التحرّك.
وقوله (عليه السلام): «فإذا تحرّك متحرّكنا»، يعني خروج القائم بقرينة قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «لَكَأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام».
والحَبْو بفتح فسكون: الزحف على البطن، كناية عن شدة وتوكيد مطلوبية الالتحاق بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) إذا خرج، وعدم اختلاق الأعذار للتخلُّف عنه، والله العالم.
وأذربيجان هو البلد المعروف، والذي يقع شمال شرق إيران تقريباً بينها وبين روسيا، وكانت ضمن دول الاتحاد السوفياتي السابق قبل حلّه على يد رئيسه غورباتشوف.
ولعلّ النار المشار إليها ستكون نتيجة انفجار كبير أو حرب أو قتال يظهر أثره على كثير من البلدان المجاورة(36).
وربما يشير إلى ذلك ما رواه نفس النعماني في موضع آخر بسنده، عن أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي أبو الحسن، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيهِ ووُهَيبِ بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36) هذا كلّه بناء على نسخة الغيبة المطبوع، وفي البحار نقلاً عنها جاءت العبارة هكذا: «ولابد لنا من آذربيجان» بلفظ (لنا) بدلاً من لفظ (لِنارٍ)، وعلى نسخة الغيبة المطبوع يكون قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «لا يقوم لها شيءٌ» راجع إلى النار، وعلى نقل البحار يكون راجعاً إلى آذربيجان، والمرجّح سقوط حرف الراء في نقل البحار، وأنّ الصحيح ما في الغيبة المطبوع، وذلك لقرينتين: الأولى: أن التوصيف بأنّه لا يقوم لها شيء أنسب وألصق بالنار منه بآذربيجان، وإن كان الثاني صحيحاً في حدّ نفسه بتأويل أهل آذربيجان. الثانية: لو كان التوصيف المذكور راجعاً إلى آذربيجان فهو موجب لركاكة التعبير.

↑صفحة 91↑

قال: «بينا الناس وقوف بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذِعْلِبَةٍ(37) يخبرهم بموت خليفة يكون عند موته فرج آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفرج الناس جميعاً»، وقال: «إذا رأيتم علامة في السماء ناراً عظيمةً من قبل المشرق(38) تطلع لَيَالِيَ فعندها فرج الناس، وهي قُدَّامُ القائم بقليل»(39).
الشرط الرابع عشر: وقوع المسخ.
[13] النعماني: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا علي بن الحسن التيملي، عن علي بن مهزيار، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [وفي الآخرة]﴾(40)، ما هو عذاب خزي الدنيا؟ فقال: «وأيُّ خزيٍ أخزى - يا أبا بصير - من أن يكون الرجل في بيته وحِجَالِهِ، وعلى إخوانه وَسْطَ عياله، إذ شَقَّ أهلُه الجيوب عليه وصرخوا، فيقول الناس: ما هذا؟ فيقال: مُسِخَ فلانٌ الساعةَ»؟ فقلت: قبل قيام القائم أو بعده؟ قال: «لا، بل قبله»(41).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(37) الناقة الذِّعْلِبَةُ بكسر فسكون فكسر: السريعة، على ما في القاموس، ذكرها هي وجملة (تَذَعَّبَتْهُ) بعد الفراغ من ذكره لمادة (ذ، ر، ب). ويحتمل أن المراد بها في الحديث هو المعنى الحقيقي للناقة، إذ لا مانع منه، حتى في عصر التطوّر، لعدم إحاطتنا بالملابسات التي سوف تكتنف الأحداث يومئذٍ، ولذا لا ينبغي للمحقّق أن يعجل ويبادر إلى التأويل في أمثال المقام، فإنّه من مزالّ الأقدام، أعاذنا الله تعالى من ذلك. ويحتمل أن المراد بها مطلق المركب بقطع النظر عن نوعه، وإنما عبّر عنه بالناقة على سبيل الاستعارة، مراعاة لعقول السامعين، وأهل البيت (عليهم السلام) كالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مأمورون بأن يحدّثوا الناس على قدر عقولهم.
(38) وقد يساعد على كونها من أذربيجان كونها على الشرق.
(39) الغيبة: 276، الباب14، الحديث37.
(40) فصّلت: 16. وليس في المصحف المتداول جملة: (وفي الآخرة)، بل الموجود (ولعذاب الآخرة أخزى)، ولعلّه من سهو القلم، وهو ليس بعزيز الوقوع.
(41) الغيبة: 277، الباب14، الحديث41.

↑صفحة 92↑

أقول: الحِجال بكسر أوّله: جمع حَجَلَة بالتحريك، وهي بيت العروس يُزيّن بالثياب، والأَسِرة، والسُّتُور(42)، كنايةً عن كون الرجل في حال أمنٍ، وترفٍ، واستقرارٍ.
وظاهر قوله (عليه السلام): «وعلى إخوانه» أن المذكور هو كبير البيت، والقائم بأمورهم، فهو كالخيمة التي تظلّهم، فيكون كناية عن ذلك، وهو ممّا يكثر التعبير به عندنا اليوم، كقول بعض العيال للأب أو الأُمّ أو الأخ الكبير: (أبقاك الله خيمة علينا).
والمَسْخُ بفتح فسكون على ما يستفاد من القاموس(43): تحويل صورة الشيء إلى صورة أخرى مغايرةٍ للأولى نوعاً، كتحويل صورة إنسان إلى صورة قرد، أو خنزيرٍ مثلاً، قال تعالى: ﴿وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ﴾ (يس: 67)، بناءً على إرادة تحويل صورتهم إلى صورة أخرى، نظير قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ﴾ (المائدة: 60).
ويؤيّد إرادة هذا المعنى: شَقُّ عياله ثيابهم عليه، وصراخهم لذلك.
والوجه في شرطية المسخ أنّه مما أخبر القرآن بوقوعه، وما كان كذلك لا بدّ أن يقع.
الشرط الخامس عشر: نارٌ تقع في الكوفة تأخذ بأوتار آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
[14] النعماني: حدّثنا محمد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(42) لاحظ مختار الصحاح، (مادة: ح، ج، ل).
(43) القاموس المحيط 1: 372، مادة (م، س، خ)، حيث قال: (مَسَخَهُ كمَنَعَهُ: حوَّلَ صورته إلى أخرى أقبح، ومَسَخَهُ الله قرداً، فهو مِسْخٌ ومَسِيخٌ).

↑صفحة 93↑

مالك، قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ (المعارج: 1)، قال: «تأويلها فيما يأتي في عذابٍ يقع في الثَّوِية - يعني ناراً(44) - حتى ينتهي إلى الكُنَاسَةِ، كُنَاسَةَ بني أسد، حتى تَمُرَّ بثقيفٍ، لا تَدَعُ وِتْرَاً لآل محمد إلّا أحرقته، وذلك قبل خروج القائم»(45).
والثَّوِية بفتحٍ فكسرٍ وياء مشدّدة مفتوحة: موضع بالكوفة.
والكُنَاسَة بضمِّ أوّله: من الكنس، أي: ما يُكنس، فهي والقُمامة بمعنى واحد، لكنّ الظاهر بحسب السياق هنا وفي أحاديث أخرى أن المراد من الكُناسة المكان الذي تُلقى فيه القمامة مجازاً، من باب تسمية المحلّ باسم الحالِّ.
وثَقِيْف بفتحٍ فكسرٍ فسكونٍ: القبيلة المعروفة، والتي نسب إليها كثيرون، كالمختار بن عبيد الثّقفي، لكنّ المراد بثقيفٍ هنا هو الموضع الذي تسكنه القبيلة من الكوفة.
وروى مثله عن أبي جعفر (عليه السلام)، مع زيادة في المضمون، قال: حدّثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «كيف تقرأون هذه السورة»؟ قلت: وأية سورة؟ قال: «سورة: ﴿سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾»، فقال: «ليس هو: ﴿سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾، إنّما هو: (سَالَ سَيْلٌ)، وهي نارٌ تقع في الثَّوِية، ثم تمضي إلى كُناسة بني أسد، ثم تمضي إلى ثقيفٍ، فلا تَدَعُ وِتْرَاً لآل محمد إلّا أحرقته»(46).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(44) التفسير من النعماني استناداً منه في ذلك إلى الرواية الآتية.
(45) الغيبة: 281، الباب14، الحديث48.
(46) الغيبة: 281، الباب14، الحديث49. ربما يشكل: بأن تفسير الآية بما ذكر مخالف لما رووه في سبب النزول من أنّ المقصود بالسائل في هذه الآية هو النعمان بن الحارث الفهري الذي اعترض على تنصيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السلام) خليفة له على المسلمين يوم الغدير. وجوابه: أنّه لا منافاة بين ما جاء في الحديث وسبب النزول، إذ لا يبعد أن يكون ما ذكره (عليه السلام) هنا هو من قبيل التأويل، في مقابل التنزيل، وما يعبّر عنه بالبطن أيضاً، فقد روى في البصائر عن فضيل بن يسار، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية: «ما من القرآن آيةٌ إلّا ولها ظهر وبطن». فقال: «ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما قد مضى، ومنه ما لم يكن، يجري كما يجري الشمس والقمر، كما جاء تأويل شيءٍ منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، قال الله: ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 7]، نحن نعلمه». [بصائر الدرجات: 216، الحديث7]

↑صفحة 94↑

هذا، ولم أتبيَّن المراد من لفظ «أحرقته»، ولعلّه مصحّف من: أخذته، أي: أخذت بثارات آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والله العالم.
والوجه في شرطيّة هذه الواقعة أمران:
أحدهما: شهادة القرآن بأن هذا الأمر واقع.
ثانيهما: أنّ ذلك هو تأويل الآية، وتأويل الآيات لا بدّ من مجيئه ووقوعه، كما يستفاد من الروايات، وكما أشارت إليه رواية البصائر المتقدّمة.
إن قلت: إنّ ما أخبر القرآن بوقوعه قابل للبَدَاء، فمن الممكن أن لا يقع، فلا يكون وقوع النار في الكوفة شرطاً.
قلت: لا تنافي بين شرطية واقعة وشمولها لقانون البَدَاء، بل دلّت على ذلك بعض النصوص، فقد روى النعماني بسنده، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: كنّا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: «نعم»، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، فقال: «إنّ القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد»(47).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) الغيبة: 315، الباب18، الحديث10.

↑صفحة 95↑

الشرط السادس عشر: شهادة اثني عشر رجلاً بأنّهم رأوا المهدي (عجَّل الله فرجه):
[15] النعماني: حدّثنا عبد الواحد بن عبد الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن رباح الزهري، قال: حدّثنا أحمد بن علي الحميري، عن الحسن بن أيوب، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً كلّهم يُجمع على قول إنّهم قد رأوه، فيكذّبونهم»(48).
والظاهر بقرينة كثرة من ادّعى رؤية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على مرّ الأزمنة أن المراد من الرجال الاثني عشر هنا أنّهم ذوو شأنٍ كبير، كما لو كانوا من العلماء، وأنّهم يجمعون على رؤيته (عجَّل الله فرجه)، بمعنى أنّهم يدّعون ذلك في زمان واحد، أو أزمنة متقاربة، ومع هذا يكذّبهم الناس.
وينبغي الالتفات إلى أنّ الحديث ليس بصدد الكلام عن حال المكذّبين، فلا دلالة فيه على ذمّهم، بل لا يبعد أن تكذيب مدّعي الرؤية هي الوظيفة الشرعية اللازمة على كلّ سامع، حتى لو احتمل صدق المخبر، للتعبُّد بما جاء في التوقيع الأخير، والذي خرج على يد السفير الرابع علي بن محمد السّمري (رضي الله عنه)، من قوله (عجَّل الله فرجه): «فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفترٍ»(49)، كما هو أحد الاحتمالات في تفسيره(50).
الشرط السابع عشر: وقوع الطاعون الأحمر والطاعون الأبيض:
[16] النعماني: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدّثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمد بن حسان الرازي، قال: حدّثنا محمد بن علي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) الغيبة: 285، الباب14، الحديث58.
(49) كمال الغيبة 2: 516، الباب45، الحديث44.
(50) وقد تعرّضنا لذلك مفصّلاً في مقالة بعنوان: (تحصين الأنام من دعوى الاتصال بالإمام)، والذي نشرته مجلّة الموعود في العدد4، في ذي الحجّة 1438هـ ـ أيلول 2017هـ.

↑صفحة 96↑

الكوفي، قال: حدّثنا عبد الله بن جبلة، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، متى خروج القائم؟ فقال: «يا أبا محمد، إنا أهل بيتٍ لا نُوَقِّتُ، وقد قال محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كذب الوقّاتون. يا أبا محمد، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات: أولاهنّ النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء»، ثم قال: «يا أبا محمد، إنّه لابدّ أن يكون قدّام ذلك الطاعونان: الطاعون الأبيض، والطاعون الأحمر»، قلت: جعلت فداك، وأيُّ شيءٍ هما؟ فقال: «أمّا الطاعون الأبيض فالموت الجارف، وأمّا الطاعون الأحمر فالسيف، ولا يخرج القائم حتى يُنادَى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة»، قلت: بم يُنادَى؟ قال: «باسمه واسم أبيه، أَلَا إنّ فلان بن فلان قائم آل محمد، فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيءٌ من خلق الله فيه الروح إلّا يسمع الصيحة، فتوقظ النائم ويَخرج إلى صحن داره، وتُخرج العذراء من خدرها، ويَخرج القائم ممّا يسمع، وهي صيحة جبرئيل»(51).
وقوله (عليه السلام): «إنّه لا بدّ أن يكون قدّام ذلك الطاعونان: الطاعون الأبيض، والطاعون الأحمر» ظاهرٌ في أنّ علامات الظهور المذكورة معلّقة على وقوع الطاعونين المذكورين، فيكون وقوعهما من أشراط القيام.
الشرط الثامن عشر: خروج الشيصباني:
[17] النعماني: حدّثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي بنهاوند سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال: حدّثنا أبو محمد عبد الله بن حماد الأنصاري سنة تسع وعشرين ومائتين، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) الغيبة: 301، الحديث6.

↑صفحة 97↑

السفياني، فقال: «وأنَّى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني، يخرج من أرض كوفان، ينبع كما ينبع الماء، فيقتل وفدكم، فتوقَّعوا بعد ذلك السفياني، وخروج القائم»(52).
أقول: والرواية ظاهرة في كون خروج الشيصباني شرطاً في خروج السفياني الذي هو من علامات القيام، فيكون خروج الشيصباني من أشراط القيام(53).
ويحتمل في قوله (عليه السلام): «ينبع كما ينبع الماء» أحد معنيين:
الأوّل: أنّ ظهور هذه الشخصيّة على الساحة يكون بشكل مفاجئ، كما هو حال عين الماء في بعض الحالات، حيث تتفجّر من الأرض دفعةً واحدةً.
الثاني: أنّ ظهوره وصعود نجمه في الساحة يكون بشكل تدريجيٍّ، كما هو حال عين الماء في بعض الحالات الأخرى، حيث تنبع من الأرض بشكل تدريجيٍّ.
والظاهر أنّ المراد من قوله: «فيقتل وفدكم» أنّ من موبقات هذه الشخصيّة خروجه على الأعراف المعمول بها عالميّاً، والمعبّر عنها اليوم بالأعراف الدوليّة أو الدبلوماسية، والمؤكّد على وجوبها شرعاً، والتي منها استثناء رسل الأعداء ووفودهم من القتل حتى في حالة الحرب، وكأنّ الحديث يشير إلى وقوع عداوة أو اقتتال بين المؤمنين وشيعة الشيصباني، فيسعى المؤمنون إلى الصلح وتهدئة الأوضاع، وذلك من خلال إرسال الرسل والوفود إلى الشيصباني للتفاوض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(52) الغيبة: 313، الحديث8.
(53) كثر الحديث بين المؤمنين حول الشيصباني هذا، ولم أعثر فيه إلّا على هذه الرواية اليتيمة من جهة، والضعيفة السند من جهة أخرى؛ لجهالة الباهلي، وضعف النهاوندي، وتعارض توثيق علي بن إبراهيم لعمرو بن شمر بروايته عنه في تفسيره، مع تضعيف النجاشي له، إلّا أن ضعف السند لا يعني عدم صدور الحديث، فلا تغفل.

↑صفحة 98↑

معه من أجل الصلح، لكنّه يقدم على قتلهم بغياً وعدواناً، مخالفاً بذلك الأعراف المعمول بها بين جميع بلدان العالم.
ومن القريب جدّاً أن يكون المراد من الوفد وجهاء القوم لا مطلق الرسل، فيكون قتله إيّاهم أكثر بشاعة عرفاً وأشدّ حرمةً شرعاً.
الشرط التاسع عشر: اكتمال أنصار المهدي (عجَّل الله فرجه) والبالغ عددهم عشرة آلاف.
الشرط العشرون: قراءة كتاب بالبصرة وكتاب بالكوفة بالبراءة من عليٍّ (عليه السلام):
[18] النعماني: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا أبو عبد الله يحيى بن زكريا بن شيبان، عن يونس بن كليب، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يخرج القائم حتى يكون تكملةُ الحلقة»، قلت: وكم تكملة الحلقة؟ قال: «عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ثم يهزُّ الراية ويسير بها، فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلّا لعنها، وهي راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزل بها جبرئيل يوم بدر»، ثم قال: «يا أبا محمد، ما هي - والله - قطنٌ، ولا كتّانٌ، ولا قَزٌّ، ولا حريرٌ»، قلت: فمن أيّ شيءٍ هي؟ قال: «من ورق الجنة، نشرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر، ثم لفّها ودفعها إلى عليّ (عليه السلام)، فلم تزل عند علي (عليه السلام)، حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ففتح الله عليه، ثم لفّها، وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم، فإذا هو قام نشرها، فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلّا لعنها، ويسير الرعب قدّامها شهراً، وورائها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً»، ثم قال: «يا أبا محمد، إنّه يخرج موتوراً غضبانَ أَسِفاً لغضب الله على هذا الخلق، يكون عليه قميص

↑صفحة 99↑

 رسول الله الذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرعه درع رسول الله السابغة، وسيفه سيف رسول الله ذو الفقار، يجرّد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً، فأوّل ما يبدأ ببني شيبة، فيقطع أيديهم ويعلّقها في الكعبة، وينادي مناديه: هؤلاء سُرّاق الله، ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلّا السيف، ولا يعطيها إلّا السيف، ولا يخرج القائم حتى يُقرأ كتابان: كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة، بالبراءة من علي (عليه السلام)»(54).
والمراد بالمشار إليهم في قوله (عليه السلام): «فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلّا لعنها» كلّ من لا يحبّ قيام المهدي (عجَّل الله فرجه) من الملحدين وأشباههم من أعداء الدين، والنواصب ونظرائهم من عصاة المسلمين الفاسقين.
وربما يشمل بعض الشيعة أيضاً؛ لما يلقون من الشدّة والبلاء على أيدي بعض المنتسبين إلى بني هاشم، كما صرّحت بذلك بعض النصوص(55).
ولعلّ المراد بقوله (عليه السلام): «ويسير الرعب قدّامها شهراً، وورائها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً» أنّ القدرات العسكرية التي سيظهر بها الإمام (عجَّل الله فرجه) من حيث النوع ستثير الرعب في نفوس أعدائه في جميع أنحاء العالم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(54) الغيبة: 319، الحديث2.
(55) منها: ما رواه النعماني بسنده عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: «إذا ظهرت راية الحقّ لعنها أهل المشرق وأهل المغرب، أتدري لم ذلك»؟ قلت: لا. قال: «للّذي يَلقَى الناس من أهل بيته قبل خروجه» [الغيبة: 308، الحديث4].
ومنها: ما رواه بسنده عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: «إذا رُفعت راية الحقّ لعنها أهل المشرق والمغرب»، قلت له: مِمَّ ذلك؟ قال: «مما يَلقَونَ من بني هاشم» [الغيبة: 309، الحديث5].

↑صفحة 100↑

وقوله (عليه السلام): «إنّه يخرج موتوراً غضبانَ أَسِفاً» أي: يخرج خروج الموتور، وهو على ما في الصحاح: «الذي قُتِلَ له قتيلٌ فلم يُدرك بدمِهِ»(56)، وعادة يكون طلب الموتور بالدم مقترناً بالغضب.
ونُصب (موتوراً) على الحال، وكذلك (غضبانَ) المنصوب بالفتحة لمنعه من الصرف، فيكون حالاً بعد حال.
وغضبان على زنة فَعْلان: مبالغة من الغاضب.
و(أَسِفاً) بفتح فكسر على زنة (كَتِف): من صيغ المبالغة أيضاً، وهو والغضبان بمعنى واحد، فيكون عطفه على الغضبان نحواً من التوكيد اللفظي، فهو أقرب إلى عطف البيان، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً﴾(57).
وغضبه (عجَّل الله فرجه) إنّما هو لله (عزَّ وجلَّ)، لا لنفسه، ولا لأحد من آبائه (عليهم السلام)، كما نصّ (عليه السلام) على ذلك بعد هذه العبارة بقوله: «لغضب الله على هذا الخلق».
نعم، غضبه لآبائه (عليهم السلام) بما هم أمناء الله على خلقه وأوصياء رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا ينافي كونه غضباً لله تعالى، بل هو هو.
والدرع السابغة: الطويلة على ما جاء في المصباح، قال: «وسَبَغَتْ الدّرْعُ وكلُّ شيءٍ: إذا طال من فوق إلى أسفل»(58).
والظاهر أنّ قوله (عليه السلام): «يجرّد السيف على عاتقه ثمانية أشهر» كناية عن خوضه حرباً تستمرّ ثمانية أشهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) الصحاح 2: 718، مادة (و، ت، ر).
(57) الأعراف: 150.
(58) المصباح المنير: 139، مادة (س، ب، غ).

↑صفحة 101↑

والهَرْج بفتح فسكون يأتي لمعانٍ على ما يستفاد من الصحاح والمصباح(59).
وشَيْبَة في قوله (عليه السلام): «فأوّل ما يبدأ ببني شَيْبَةَ، فيقطع أيديهم ويعلّقها في الكعبة، وينادي مناديه: هؤلاء سُرّاق الله» هو شيبة بن عثمان بن طلحة الذي صارت إليه سدانةُ الكعبة ومفاتيحها، واستمرّت بأيدي أبنائه حتى يومنا هذا.
وصريح بعض النصوص أنّ هؤلاء يسرقون ممّا يُهدى للكعبة من النفائس والأموال، من قبيل: ما أرسله المفيد عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى أساسه، وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلّقها بالكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سُرّاق الكعبة»(60).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(59) أحدها: السرعة، فيكون المراد بقوله (عليه السلام): «يقتل هَرْجَاً» أنّه يقتل أعداءه قتلاً سريعاً، فيكون (هَرْجاً) نعتاً للمفعول المطلق المحذوف، وأنيب منابه.
ثانيها: القتل، وعلى هذا يكون المقصود: (يقتل قتلاً)، فيكون (هَرْجاً) مفعولاً مطلقاً من غير لفظ الفعل، نظير قوله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّـرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ (الأنبياء: 35)، أي: بلاءً، فأكّد الفعل (نبلو) بمصدرٍ من غير لفظه، وكأنّه قال: ونبلوكم بالشرّ والخير بلاءً. لاحظ مادة (هـ، ر، ج) في [الصحاح 1: 308] وفي [المصباح المنير: 328].
(60) الإرشاد 2: 383. ومن قبيل: ما أسنده النعماني عن سدير الصيرفي، عن رجل من أهل الجزيرة كان قد جعل على نفسه نذراً في جارية، وجاء بها إلى مكة، قال: فلقيت الحَجَبَةَ، فأخبرتهم بخبرها، وجعلت لا أذكر لأحدٍ منهم أمرها إلّا قال لي: جئني بها، وقد وَفَّى اللهُ نذرك، فدخلني من ذلك وحشةٌ شديدة، فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكة، فقال لي: تأخذ عني؟، فقلت: نعم، فقال: انظر الرجل الذي يجلس بحذاء الحجر الأسود وحوله الناس، وهو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، فَأْتِهِ، فأخبره بهذا الأمر، فانظر ما يقول لك فاعمل به. قال: فأتيته، فقلت: رحمك الله، إنّي رجلٌ من أهل الجزيرة، ومعي جارية جعلتها عليَّ نذراً لبيت الله في يمينٍ كانت عليّ، وقد أتيت بها، وذكرت ذلك للحَجَبَةِ، وأقبلت لا أَلْقَى منهم أحداً إلّا قال: جئني بها وقد وَفَّى الله نذرك، فدخلني من ذلك وحشةٌ شديدةٌ. فقال (عليه السلام): «يا عبد الله، إنّ البيت لا يأكل ولا يشرب، فبِعْ جاريتَك، واستقص وانظر أهل بلادك ممّن حجّ هذا البيت، فمن عجز منهم عن نفقته فأعطه حتى يقوى على العود إلى بلادهم». ففعلت ذلك، ثم أقبلت لا أَلْقَى أحداً من الحَجَبَةِ إلّا قال: ما فعلت بالجارية؟. فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر (عليه السلام)، فيقولون: هو كذّاب جاهل لا يدري ما يقول. فذكرت مقالتهم لأبي جعفر (عليه السلام)، فقال: «قد بَلّغتني، تُبلّغ عني؟»، فقلت: نعم، فقال: «قل لهم: قال لكم أبو جعفر: كيف بكم لو قد قُطّعت أيديكم وأرجلكم، وعُلّقت في الكعبة، ثم يقال لكم: نادوا: نحن سُرّاق الكعبة». فلما ذهبت لأقوم قال: «إنني لست أنا أفعل ذلك، وإنّما يفعله رجل مني» [الغيبة: 241، الحديث25].
أقول: الحَجَبَةَ بالتحريك: كالحجّاب، جمع حاجب، يعني: حُجّاب البيت الحرام وسَدَنَتُهُ.
والظاهر أنّه المراد من الوحشة الشديدة هو الشكّ في صحة ما قالوا، والريب فيما يضمرونه لهذه الجارية.
وقوله (عليه السلام): «تأخذ عنّي؟» يعني به: أتقبل منّي ما أشير به عليك وتعمل به؟.

↑صفحة 102↑

وظاهر قوله (عليه السلام): «ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلّا السيف، ولا يعطيها إلّا السيف» أنّه سيقتل الكثير من قريش، كما دلّت عليه بعض النصوص(61).
وظاهر قوله (عليه السلام): «ولا يخرج القائم حتى يُقرأ كتابان: كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة، بالبراءة من علي (عليه السلام)»، أنّ شيعة العراق سيتعرّضون لمحنة وشدة، من خلال غلبة النواصب على الحكم في بلدهم، حتى تصدر تعليمات الجائر بوجوب إعلان الشيعة براءتهم من علي بن أبي طالب بأبي هو وأمّي، وذلك هو البلاء العظيم.
[19] الصدوق: وبهذا الإسناد(62)، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير، قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله (عليه السلام): كم يخرج مع القائم؟ فإنّهم يقولون: إنَّه يخرج معه مثلُ عِدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(61) فقد روى المفيد مرسلاً عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «إذا قام القائم من آل محمد (عليه السلام) أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة أخرى، حتى يفعل ذلك ست مرات»، قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: «نعم، منهم ومن مواليهم» [الإرشاد 2: 383].
(62) المقصود بالإسناد ما ذكره في سند حديث سابق على هذا الحديث، وهم: (الحسين بن أحمد بن إدريس (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن عيسى) [كمال الدين 2: 653، الباب57، الحديث19].

↑صفحة 103↑

أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، قال: «وما يخرج إلّا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقلّ من عشرة آلاف»(63).
أقول: هكذا جاء الحديث بزيادة الواو في قوله (عليه السلام): «وما يخرج»، وفيه احتمالان:
أحدهما: أنّ الواو زيدت سهواً.
ثانيهما: أنّ هناك جملة سقطت سهواً، أو أسقطت عمداً؛ لظنّ مسقطها عدم الحاجة إليها، لكنّه نسي إسقاط الواو، كما لو أنّ الإمام (عليه السلام) قال: ليس الأمر كما يقولون، وما يخرج إلّا في أولي قوة، إلى آخر كلامه (عليه السلام).
ويفيد الحديث أنّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) سوف يعتمد السبل العادية والأسباب المتعارفة في عملية الإصلاح وبسط العدل، بعيداً عن المعاجز والكرامات، فإنّ صريح الحديث توقّف خروجه (عجَّل الله فرجه) على وجود عدد كبير من المقاتلين، بحيث يشكّلون قوة تستطيع الأخذ على عاتقها عملية التغيير والإصلاح وفق الطرق العادية.
ويؤكّد ذلك: ما رواه النعماني، عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا علي بن الحسين التيملي من كتابه في صفر سنة أربع وسبعين ومائتين، قال: حدّثنا العبّاس بن عامر بن رباح الثقفي، عن موسى بن بكر، عن بشير النبال. قال(64): وأخبرنا علي بن أحمد البندنيجي، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن بشير بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(63) كمال الدين 2: 654، الباب57، الحديث20.
(64) ظاهر العبارة أنّ القائل هو ابن عُقدة، لكن قوله بعد ذلك: (ولفظ الحديث على رواية ابن عقدة) أنّ ابن عقدة لم يقع في الطريق الآخر للحديث، وأنّ الراوي عن علي بن أحمد البندنيجي شخص آخر غير ابن عقدة، وبقرينة كون البندنيجي شيخ النعماني، ويروي عنه في الغيبة كثيراً يتعيّن كون القائل هو النعماني، وحيث لا معنى لقول النعماني عن نفسه: (قال) فيحتمل أن لفظ (قال) زيادة سهوية، أو أن النعماني أراد أن يقول على عادة المصنّفين: (وقال مصنّف هذا الكتاب)، لكنه نسي ذلك.

↑صفحة 104↑

أبي أراكة النبّال، ولفظ الحديث على رواية ابن عقدة قال: لما قدمت المدينة انتهيت إلى منزل أبي جعفر الباقر (عليه السلام)... إلى أن قال: «ويح هذه المُرجِئَة(65)، إلى من يلجؤون غداً إذا قام قائمنا؟». قلت: إنهم يقولون: لو قد كان ذلك كنّا نحن وأنتم في العدل سواء(66)، فقال: «من تاب تاب اللهُ عليه(67)، ومن أسرَّ نفاقاً فلا يبعد الله غيره(68)، ومن أظهر شيئاً أهرق الله دمه». ثم قال: «يذبحهم - والذي نفسي بيده - كما يذبح القصّاب شاته»، وأومأ بيده إلى حلقه(69)، قلت: إنّهم يقولون: إنّه إذا كان ذلك استقامت له الأمور، فلا يهريق مِحْجَمَةَ دَمٍ(70)، فقال: «كلا والذي نفسي بيده، حتى نمسح وأنتم العَرَقَ، والعَلَقَ»، وأومأ بيده إلى جبهته(71).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(65) المُرجِئَةُ من الفرق الضالة، حيث يعتقدون أنّ المسلم مهما فعل لا يحكم بكفره، ويُرجَأُ أمره إلى اليوم القيامة، قال الفضل بن شاذان في كلام له في بيان عقيدتهم: (يقولون: الإيمان قولٌ بلا عمل. وأصل ما هم عليه: أنّهم يدينون بأنّ أحدهم لو ذبح أباه وأُمّه وابنه وبنته وأخاه وأُخته، وأحرقهم بالنار، أو زنى، أو سرق، أو قتل النفس التي حرّم الله، أو أحرق المصاحف، أو هدم الكعبة، أو نبش القبور، أو أتى أيّ كبيرة نهى الله عنها، إنّ ذلك لا يفسد عليه إيمانه، ولا يخرجه منه، وأنّه إذا أقرّ بلسانه بالشهادتين إنّه مستكمل الإيمان، إيمانه كإيمان جبرئيل وميكائيل (صلّى الله عليهما) فعل ما فعل، وارتكب ما ارتكب ممّا نهى الله عنه، ويحتجّون بأنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «أمرنا أن نقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلّا الله» [الإيضاح في الردّ على سائر الفِرَق: 45].
(66) يعنون: عدل المهدي (عجَّل الله فرجه).
(67) يعني (عليه السلام): من تاب من المرجئة ورجع من ضلاله، واتّبع من أمر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باتّباعهم، وهم العترة الطاهرة، كما هو مقتضى النصوص المتوترة، كحديث الثقلين.
(68) هذا دعاء على من أسرَّ نفاقاً، وظاهره أنّه دعاء بالهلاك، فكنّى عنه بالإبعاد. والله العالم.
(69) الحَلْق بفتح فسكون: هو الحلقوم. وقول الراوي: (وأومأ بيده إلى حلقه) حكاية لبيان الإمام (عليه السلام) معنى الذبح بيده، وهو نحو من التوكيد، أعني توكيد اللفظ بفعل.
(70) مِحْجَمَة بكسر فسكون ففتحتين فهاء على زنة مِكْنَسَة: القارورة التي يُحجَمُ بها، وعدم إهراق محجمة دم كناية عن عدم القتال مطلقاً.
(71) الغيبة: 293، الحديث1. والمقصود من الإيماء بيده (عليه السلام) إلى جبهته (عليه السلام) توكيده لمسح العرق عنها كما سيأتي التصريح بذلك في الحديث الذي بعده.
ثم قال النعماني: وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا محمد بن سالم بن عبد الرحمن الأزدي من كتابه في شوال سنة إحدى وسبعين ومائتين، قال: حدّثنا عثمان بن سعيد الطويل، عن أحمد بن سليمان، عن موسى بن بكر الواسطي، عن بشير النبّال، قال: قدمت المدينة، وذكر مثل الحديث المتقدّم، إلّا أنّه قال: لما قدمت المدينة قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنهم يقولون: إنّ المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يُهريق مِحْجَمَةَ دَمٍ، فقال: «كلا والذي نفسي بيده، لو استقامت لأحدٍ عفواً لاستقامت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين أُدميت رُبَاعِيَّتُهُ، وشُجَّ في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتّى نمسح نحن وأنتم العَرَقَ، والعَلَقَ»، ثمّ مسح جبهته. [الغيبة: 294، الحديث2].
أقول: قوله: عَفْوَاً بفتح فسكون ففتح على ما في القاموس المحيط ومفردات الراغب - مادة (ع، ف، و) -: يحتمل معنى السهولة، ويحتمل معنى أخذ الشيء من الآخر دون أن يطلبه منه، فهو يدفعه إليه طوعاً، وكلا المعنيين مناسب للمقام. و(عفواً) منصوب على التمييز.
والرَباعية بفتح أوّله بوزن الثمانية على ما في المصباح - مادة (ر، ب، ع) -: السِّنُّ التي بين الثنيّة والناب.
والشّجّة على ما ذكر الفيومي: الجِراحة، وإنّما تسمّى بذلك إذا كانت في الوجه أو الرأس) [المصباح المنير: 159، مادة (ش، ج، ج)].
وقال النعماني أيضاً: أخبرنا علي بن أحمد البندنيجي، عن عبيد الله بن موسى العباسي، عن الحسن بن معاوية، عن الحسن بن محبوب، عن عيسى بن سليمان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد ذكر القائم (عجَّل الله فرجه)، فقلت: إنّي لأرجو أن يكون أمره في سهولة، فقال: «لا يكون ذلك حتى تمسحوا العَلَقَ، والعَرَقَ» [الغيبة: 294، الحديث3].

↑صفحة 105↑

أقول: إنّ ما رواه النعماني يدلّ أنّ التغيير لن يكون إلّا بالطرق المعتادة بعيداً عن المعاجز، بقرينة نفيه (عليه السلام) أن يكون الأمر سهلاً، وإثباته لكونه موجباً لمسح العرق كنايةً عن بالغ الجهد الذي سيبذل، ومسح العلق - وهو الدم - كناية عن وقوع اقتتال تسفك فيه الدماء.
الشرط الحادي والعشرون: خروج خارج من ولد الشيخ قبل خروج السفياني:
[20] المجلسي (ت 1111هـ)، نقلاً عن كتاب (سرور أهل الايمان)، عن السيد علي بن عبد الحميد، بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر طويل أنه قال: «لا يكون ذلك حتى يخرج خارج من آل أبي سفيان، يملك تسعة أشهر كحمل

↑صفحة 106↑

المرأة، ولا يكون حتى يخرج من ولد الشيخ، فيسير حتّى يقتل ببطن النجف، فوالله كأنّي أنظر إلى رماحهم وسيوفهم وأمتعتهم إلى حائط من حيطان النجف يوم الاثنين، ويستشهد يوم الأربعاء»(72).
وقوله (عليه السلام): «لا يكون ذلك» يعني: قيام المهدي (عجَّل الله فرجه).
وقوله (عليه السلام): «حتى يخرج من ولد الشيخ» ربما سقطت منه كلمة (خارج) بعد كلمة «يخرج»، هكذا: (حتى يخرج خارج).
ولم يتبيّن من الحديث ولا غيره من الأحاديث - حسب ما وقفنا عليه منها - من هو المراد بالشيخ، ومن هو ولده الذي سيخرج قبل السفياني؟.
لكنّ هذا لا يضرُّ، لكفاية معروفيّته في وقته، بحيث يشتهر في ذلك الوقت شخص بلقب الشيخ كاشتهار شيخ الطائفة الطوسي به بحيث ينصرف إليه عند الاطلاق، وكاشتهار المرتضى علم الهدى بلقب السيد، واشتهار بعض مراجع الدين بهذا اللقب بحيث ينصرف إليه. والأمر سهل.
والظاهر من تعبير الإمام (عليه السلام) عن قتله بالاستشهاد أنه من المؤمنين، وأنّه يخرج في قضية حقة، بحيث يكون القتل من أجلها شهادة في سبيل الله.
وظاهره أن خروج المشار إليه شرط في خروج السفياني الذي هو من علامات الظهور الحتميّة، فيكون خروج ذلك الخارج من أشراط القيام.
الشرط الثاني والعشرون: ذهاب ثلثي الناس وبقاء الشيعة ضمن الثلث الباقي، أو ذهاب تسعة أعشار الناس وبقاء الشيعة ضمن التُّسع الباقي:
[21] الطوسي: وروى محمد بن جعفر الأسدي، عن أبي سعيد الادمي(73)، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(72) بحار الأنوار 52: 271، الحديث163.

(73) وهو سهل بن زياد.

↑صفحة 107↑

مسلم وأبي بصير، قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب ثُلُثا الناس»، فقلنا: إذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى؟ فقال: «أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي»(74).
ورواه الصدوق بإسناده(75)، عن أبي أيوب، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام)، باختلاف يسير(76)، إلّا أنّ الوارد فيه: (ثلث الناس) وليس (ثلثا الناس)، وهو من سهو القلم، أو سقوط الألف في المطبوعة، بقرينة قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي»، ولم يقل: في الثلثين الباقيين.
[22] النعماني: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، بهذا الإسناد(77)، عن هشام بن سالم، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): النداء حقّ؟ قال: «إي والله، حتى يسمعه كلُّ قوم بلسانهم»، وقال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس»(78).
وربما يشكل: بأنّ مفاد هذه الرواية معارض لمفاد الرواية السابقة، فتسعة أعشار أكثر من ثلثين.
ويمكن أن يجاب: بأنّه على فرض صدور كلتا الروايتين من الإمام (عليه السلام) فإنّ التقدير في كلتيهما أو إحداهما كان على سبيل التقريب دون التدقيق، لأنّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(74) الغيبة: 339، الحديث286.
(75) ومقصوده من الإسناد ما ذكره في سند الحديث28 الذي قبل هذا الحديث، وهو: (محمّد بن موسى بن المتوكّل (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا عليُّ بن الحسين السعد آباديُّ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي أيّوب).
(76) كمال الدين 2: 655، الباب57، الحديث29.
(77) ومراده بإسناد أحمد بن محمد بن سعيد ما ذكره (قدّس سرّه) في غيبته قبل هذا الحديث، وهو: (حدّثنا علي بن الحسن، قال: حدّثنا محمد بن عبد الله، عن محمد بن أبي عمير).
(78) الغيبة: 282، الباب14، الحديث54.

↑صفحة 108↑

كلام المعصوم معصومٌ من التعارض والتهافت بعد الجزم بعدم صدور أيّ من الروايتين على سبيل التقية، أو لمسوّغ آخر من مسوّغات اختلاف كلام المعصوم.
أو يجاب: بإنكار التعارض بينهما، لإمكان الجمع بحمل الروايتين على أنّ تناقص الناس سيكون على مراحل، وأنّ المرحلة التي تسبق الأخيرة لا يبقى من الناس إلّا الثلث، وفي الأخيرة لا يبقى إلّا التُسع.
أو يجاب: بأنّ اختلافهما بحسب اختلاف النسبة، كما لو تكون نسبة الشيعة إلى كافة شعوب العالم في ذلك العصر أقلّ من العشر، وسيذهب تسعة أعشار العالم، ويبقى الشيعة ضمن العشر الباقي.
أو تكون نسبة الشيعة إلى مسلمي العالم أقلّ من الثلث، وسيذهب ثلثا المسلمين، ويشكّلون الغالبية من المخالفين، ويبقى الشيعة ضمن الثلث الباقي.
أو تكون نسبة الشيعة إلى مسلمي العالم أقلّ من التُّسع، ونسبتهم إلى مسلمي العرب أو العراق فحسب أقل من الثلث.
أو يجاب بأجوبة أخرى لا يأباه النصّان، ولا الواقع، فيرتفع الإشكال من أساسه.
الشرط الثالث والعشرون: تولّي جميع أصناف الناس الرئاسة قبل قيام القائم (عجَّل الله فرجه):
[23] النعماني: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا علي بن الحسن، قال: حدّثنا محمد بن عبد الله، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنفٌ

↑صفحة 109↑

من الناس إلّا وقد وُلُّوْا على الناس، حتى لا يقول قائلٌ: إنّا لو وُلِّينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحقّ والعدل»(79).
والمراد من العدل في قول القائل المفترض: «لو وُلّينا لعدلنا» هو العدل المماثل لعدل الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه)، وظاهره أنّ العدل الذي سيتحقّق على يد القائم (عجَّل الله فرجه) لن يتحقّق على يد أحد قبله (عجَّل الله فرجه) مطلقاً.
الشرط الرابع والعشرون: خروج اثني عشر هاشميّاً كلٌّ منهم يدعو إلى نفسه:
[24] الطوسي: الفضل بن شاذان(80)، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يخرج القائم حتى يخرج اثنا عشر من بني هاشم، كلّهم يدعو إلى نفسه»(81).
أقول: الظاهر بقرينة كون الدعوة إلى النفس أنّهم أهل باطل، ولعلّ هؤلاء هم الذين سيلقى الناس منهم ما يجعلهم يلعنون راية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) إذا ظهر، كما جاء ذلك في الرواية المتقدّمة بتسلسل [18]، والروايات الثلاث التي ذكرناها هناك كشواهد عليها.
الشرط الخامس والعشرون: ذلّ الشيعة، وفقدانهم للمساند:
[25] الكليني: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(79) الغيبة: 282، الحديث53.
(80) وسند الشيخ إلى الفضل بن شاذان ما ذكره في الحديث423 من غيبته، وهو: الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان النيشابوري.
(81) الغيبة: 437، الحديث428. أقول كذا جاءت كلمة (المواة) بالهاء في هذه الرواية والتي بعدها، والصحيح: الموات بالتاء الطويلة.

↑صفحة 110↑

ترون الذي تنتظرون حتى تكونوا كالمِعزَى المَوَاةِ التي لا يبالي الخابس أين يضع يده فيها، ليس لكم شرف ترقونه، ولا سناد تسندون إليه أمركم»(82).
قال الكليني: وعنه(83)، عن علي بن الحكم، عن ابن سنان، عن أبي الجارود، مثله، قال(84): قلت لعلي بن الحكم: ما المَوَاةُ مِنَ المَعْزِ؟ قال: «التي قد استوت، لا يفضل بعضها على بعض»(85).
قال الكاشاني (قدّس سرّه):
(المِعزَى والمَعْزُ: خلاف الضَّأْنِ من الشاة.
والمَوَاتُ: يقال للذي لا روح فيه، وربما يستعار للمهزول.
والخَابِسُ - بالخاء المعجمة والباء الموحدة -: الآخذ ظلماً، ويروى: الجَازِرُ، ولعله أصوب.
والشرف - بالفتح -: المكان العالي.
والسِّنَاد - كالعِمَاد(86) -: ما يستند إليه.
وكأنّ المعنى: لا ترون - معاشر الشيعة - ما تنتظرونه من ظهور القائم (عليه السلام) حتى ينتهي حالكم إلى أن تصيروا كالمِعزَى المتساوية أعضاؤها في الضعف والهُزَال، لا يبالي آخذها أين يضع يده منها، لعدم نفورها عنه، ولا امتناعها عليه، لضعفها وفقد الحامي لها، وذلك لذهاب أكابركم، بحيث لا يبقى لكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(82) الكافي 8: 263، الحديث379.
(83) مرجع الضمير في (عنه) هو أحمد بن محمد.
(84) القائل أحمد بن محمد الراوي عن علي بن الحكم.
(85) الكافي 8: 263، الحديث380.
(86) الظاهر أن التشبيه من جهة الوزن والمعنى معاً.

↑صفحة 111↑

حِصنٌ وملجأ، [و]لا مكانٍ عالٍ ترقونه تمتنعون به من عدوكم، ولا عظيمٍ من رؤسائكم تسندون إليه أمركم فيحميكم من عدوكم.
وفي ألفاظ الحديث تصحيفات، وتحريفات، والأقرب بأساليب الكلام ما ذكرناه. انتهى كلامه رُفع مقامه(87).
الشرط السادس والعشرون: ظهور ودائع الله (عزَّ وجلَّ):
[26] الصدوق: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخيِّ، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) - أو قال له رجل -: أصلحك الله ألم يكن عليٌّ (عليه السلام) قوّياً في دين الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: «بلى»، قال: فكيف ظهر عليه القوم؟ وكيف لم يدفعهم؟ وما يمنعه من ذلك؟ قال: «آية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) منعته»، قال: قلت: وأية آية هي؟ قال: «قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ [الفتح: 25]، إنّه كان لله (عزَّ وجلَّ) ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن عليٌّ ليقتل الآباء حتّى يخرج الودائع، فلمّا خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت، لن يظهر أبداً حتّى تظهر ودائع الله (عزَّ وجلَّ)، فإذا ظهرت ظهر على من يظهر فقتله»(88).
الشرط السابع والعشرون: طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً:
[27] الصدوق: حدّثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفِّي فيها الشيخ علي بن محمد السمري (قدس الله روحه)، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: «بسم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(87) الوافي 2: 473، الحديث981.
(88) كمال الدين 2: 642.

↑صفحة 112↑

الله الرّحمن الرحيم. يا عليَّ بن محمّد السمريَّ، أعظم الله أجر إخوانك فيك؛ فانّك ميّت ما بينك وبين ستة أيّام، فأَجْمِعْ أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية (التامة - خ)، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، إلّا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيِّ والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليِّ العظيم»(89).
والقدر المتيقّن من شرطيّة طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً أن يتحقّق أمران:
أحدهما: اجتماع الظواهر الثلاثة في زمان واحد، فيكون المجموع هو الشرط، لا أنّ كلّ ظاهرة لوحدها شرط.
ثانيهما: أن تبلغ كلّ ظاهرة منها أعلى الحدود.
وبهذا يندفع ما ربما يشكل به في المقام، من أنّ المذكورات لم يخلو منها زمان، فلا تصلح للشرطيّة.
إذ يجاب: بأن شرطيّتها ليست مطلقة، بل في حال اجتماعها معاً، مع بلوغ كل واحدة منها حدّها الأعلى. والله أعلم.
الشرط الثامن والعشرون: وقوع حروب بين العرب.
الشرط التاسع والعشرون: اختلاف شديد بين الناس.
الشرط الثلاثون: تفرُّق الناس في الدين.
الشرط الحادي والثلاثون والأخير: تغيّرٌ في الأحوال بنحو يجعل الإنسان يتمنّى الموت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(89) كمال الغيبة 2: 516، الباب45، الحديث44.

↑صفحة 113↑

[28] النعماني: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن الجعفي من كتابه، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، في حديث طويل جاء فيه: «لا يقوم القائم إلّا على خوفٍ شديدٍ من الناس، وزلازلٍ وفتنةٍ، وبلاءٍ يصيب الناس، وطاعونٍ قبل ذلك، وسيفٍ قاطع بين العرب، واختلافٍ شديدٍ في الناس، وتشتُّتٍ في دينهم، وتغيُّرٍ من حالهم، حتَّى يتمنَّى المُتَمَنِّي الموت صباحاً ومساءً، من عُظْمِ ما يرى من كَلَبِ الناس، وأكل بعضهم بعضاً، فخروجه إذا خرج يكون اليأسُ والقنوطُ من أن يروا فرحاً(90)، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كلَّ الويل لمن ناواه وخالفه، وخالف أمره، وكان من أعدائه»(91).
وقد اشتملت هذه الرواية على أشراط تقدّمت، فتكون مؤكّدةً لها كما نوّهنا هناك.
هذه واحد وثلاثون شرطاً لقيام القائم (عجَّل الله فرجه)، وربما يعثر الباحث على أكثر من ذلك في مصادر لم نصل إليها.
ومن الأشراط التي لم أسجّلها هنا: ما رواه النعماني، قال: حدّثنا علي بن الحسين، قال: حدّثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمد بن حسّان الرازي، عن محمد بن علي الكوفي، قال: حدّثنا محمد بن سنان، عن عبيد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(90) كذا «فرحا» بالحاء المهملة، والظاهر بقرينة المقابلة مع اليأس والقنوط وقوع تصحيف في الكلمة، أو خطأ في الطبع، وأنّ الصحيح: (فرجاً) بالجيم المعجمة.
(91) الغيبة: 262، الحديث13. أقول: لعل العبارة الأخيرة للنعماني، وليست للإمام (عليه السلام)، أعني قوله: (فخروجه إذا خرج يكون اليأسُ والقنوطُ من أن يروا فرحاً، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كلَّ الويل لمن ناواه وخالفه، وخالف أمره، وكان من أعدائه)، والله العالم.

↑صفحة 114↑

زرارة، قال: ذُكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) السفياني، فقال: «أنَّى يخرج ذلك(92) ولمَّا يخرج كاسر عينيه بصنعاء؟»(93).
وإنّما لم أسجّلها لقوّة احتمال أن يكون المراد بكاسر عيني السفياني هو اليماني نفسه، بقرينة خروجه من صنعاء فتكون هذه الرواية من روايات علامات الظهور التي استثنيت من البحث لما ذكرناه في المقدّمة.
والحمد لله أوّلاً وآخراً، وصلواته على رسوله وآله خير الورى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(92) الظاهر وقوع زيادة لفظ (يخرج) أو لفظ (ذلك)، لكنه لا يضرّ بمعنى الحديث.
(93) الغيبة: 286، الباب14، الحديث60.

↑صفحة 115↑

العدد ١٦ / ربيع الأول / ١٤٤٥ هـ : ٢٠٢٣/١١/١٥ : ٧٧٥ : ٠
: الشيخ جاسم الوائلي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.

محتويات العدد: