أحاديث الاثني عشر وإمامة الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه)
أحاديث الاثني عشر وإمامة الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه)
بحث في الدلالة ودفع الشبهات
السيد طلال الحكيم
تمهيد:......................................... 109
الإشكال الأول: عنوان الحديث مجمل......................................... 113
الإشكال الثاني: لِـمَ لم يعيّنوا؟................................................. 114
الإشكال الثالث: المنع من التواتر.............................................. 115
الإشكال الرابع: عدم الاجتماع عليهم......................................... 115
الإشكال الخامس: بعضهم معدوم عند الجمهور................................ 117
دفع دخل فيما يتعلق بالتقية:................................................... 118
الإشكال السادس: اختلاف العدد............................................ 119
الإشكال السابع: التعارض في الروايات....................................... 122
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمهيد:
من الأحاديث المهمة في عقيدتنا حديث (أنَّ الأئمة اثنا عشر إماماً)، وفي هذه المقالة نحاول الإلمام ببعض زوايا دلالات هذا الحديث من جهة إثبات إمامة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
عندما تكون المقدمات صحيحة سليمة تكون النتائج متطابقة متكاملة، وعندما يكون الأساس قوياً متيناً ستضمن أن يكون البناء متماسكاً رصيناً، والعكس بالعكس، وهذا بالدقة ما حصل بين أصلٍ يرجع تأصيله إلى قرآن(1) وكلام نبي(2)، وبين أصل يرجع تأصيله إلى فلتة(3) وإلى إرهاب وتهديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مثل الآيات التي نزلت في علي (عليه السلام) خاصة أو في أهل البيت (عليهم السلام) عامة، فمثال الأول قوله تعالى: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ﴾ (المائدة: 55).
(2) مثل قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث الثقلين: «وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي...» [صحيح مسلم 7/123؛ سنن الترمذي 5/329]. أو قوله في حديث السفينة: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك...» [مسند البزار 9/343].
(3) قال عمر بن الخطاب: (كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرَّها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه) [صحيح البخاري: 8/210؛ مسند أحمد بن حنبل: 1/323؛ الجمع بين الصحيحين للحميدي: 1/104؛ الجمع بين الصحيحين للموصلي: 1/260؛ ابن حجر - فتح الباري شرح صحيح البخاري: ص151؛ ابن كثير - البداية والنهاية: 8/81؛ المصنف: 7/651].
↑صفحة 109↑
من هنا ترى كيف أنَّ أحاديث الاثني عشر جاءت متوافقة متناسقة متناسبة منسجمة مع حديث الثقلين وحديث السفينة وحديث الباب في أنَّ التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) ضمان وحصن من الضلال والانحراف والغرق، وهو نفسه المعنى الموجود في أحاديث الاثني عشر من أن ولايتهم (عليهم السلام) سلامة في الدين وعزة للإسلام وكونهم (عليهم السلام) مع القرآن ومنعة من الضلال(4).
فيما صدرت عن غيرنا أقوال غريبة وتأويلات بعيدة لا تنمّ إلّا عن الحب الأعمى وتقليد الآباء في الاتِّباع، فحاولوا جاهدين واجتهدوا مرهقين في إقصاء آل محمد (عليهم السلام) وإبعادهم وصرف الأمر عنهم بما لا يجعلونهم حتى في ضمن دائرة الاحتمالات أو أن يجعلوهم من ضمن ما يطرح من الخيارات، فجعلوا تلك الأحاديث في غيرهم ممن لا تنطبق عليهم الأوصاف الواردة فيها، فتاهوا وتحيروا وشرّقوا وغرّبوا وأقرَّ بعضهم بالعجز واعترف آخر بعدم وضوح معنى لهذه الأحاديث تركن إليه النفس، فهذا ابن الجوزي في كشف المشكل يقول: هذا الحديث قد أطلت البحث عنه، وتطلبت مظانه، وسألت عنه، فما رأيت أحداً وقع على المقصود به(5).
وقال ابن بطال عن المهلب: لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث بشيء معين(6).
وإليك بعضاً من تلك الآراء التي صدرت عنهم:
* قول بن حبان وغيره: أن المراد بالاثني عشر: الخلفاء الأربعة، ثم معاوية، ثم يزيد ابنه، ثم معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) روى البخاري عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم» [صحيح البخاري: 4/143؛ صحيح مسلم: 1/94؛ مسند أحمد: 2/336].
(5) كشف المشكل: 1/449؛ فتح الباري: 13/212.
(6) فتح الباري - شرح البخاري: 16/338.
↑صفحة 110↑
الملك ابنه، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن العزيز وكانت وفاته على رأس المائة(7).
* رأي الخطابي (319-388هـ): أنَّ المراد بالاثني عشر: أهل الولاية والملك الذين استقامت لهم السلطة ويكون منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مجرد إخبار بلا قصد المدح.
قال الخطابي: قيل: أشار رسول الله إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه وأنَّ حكم أصحابه مرتبطٌ بحكمه، وأشار بذلك إلى مدة ولاية بني أمية، ويكون المراد بالدين: الولاية والملك، إلى أنْ يذهب اثنا عشر خليفة ثم تنتقل الإمارة، وهذا على شرح الحال في استقامة السلطنة، لا على طريق المدح فأولهم: يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد، ولا يذكر ابن الزبير لكونه من الصحابة، ولا مروان لكونه بويع له مع ابن الزبير، ثم عبد الملك، ثم الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم يزيد بن الوليد، ثم إبراهيم بن محمد، ثم مروان بن محمد، وقيل: أراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الخلافة إلى يوم القيامة، يعملون بالصواب، وإنْ لم تتوالَ أيامهم، فقد يكون الرجل منصفاً، ويأتي بعده من يجور(8).
وضعف ووهن هذه الأقوال يغني الرد عليها على أنَّنا استقصينا آراء ومقولات هؤلاء وقد وصلت إلى (9) أقوال ذكرناها مع ردّها مفصلاً في بحث مستقل(9).
والأئمة عندنا هم من يكون الإسلام بهم عزيزاً منيعاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) تفسير ابن حبان كما في عون المعبود في شرح أبي داود: 11/361.
(8) معالم السنن وهو شرح سنن أبي داود: 6/157؛ ابن حجر - فتح الباري: 13/212.
(9) أحاديث الاثني عشر وخلافة المهدي المنتظر - دراسة تحليلية لأحاديث الاثني عشر سنداً ودلالة ومصداقاً - بقلم السيد طلال الحكيم.
↑صفحة 111↑
ومما يدل على أنَّ الاثني عشر هم أهل البيت (عليهم السلام) أحاديث الميتة الجاهلية «مَنْ مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»(10) أو «من مات ليس عليه إمام فميتته جاهلية»(11) أو «مَنْ مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»(12) أو «مَنْ مات وليستْ عليه طاعة مات ميتة جاهلية»(13).
ببيان: أن أحاديث الميتة الجاهلية تنص وتؤكد على استمرارية تواجد الأئمة الهداة إلى يوم القيامة، إذ لا يعقل ومن غير المنطقي أن نحمل مقصود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مسألة (معرفة الإمام) نحمله على أنَّه الحاكم أو إمام الجماعة أو مطلق رجل الدين أو أي عالم، فإنَّ الجهل بهذا لا يتطلب ولا يترتب عليه أن تكون هناك ميتة جاهلية ولا عقاب، بل الذي يترتب عليه ذلك هو من جعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولايته كولايته وقال: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه»، ومن نزّله منه منزلة هارون من موسى كنائب ووصي وخليفة، ولا شك أنَّ عصيان النائب هو عصيان للنبي.
نحن أمام (اثني عشر رجلاً) عدَّتهم كعدة نقباء بني إسرائيل كما دلَّت عليه الروايات المعتبرة، وعليه إذا أردنا أن نطابق هذا العدد مع ما تقوله الفِرَق الإسلامية على اختلاف نظرياتها ومبادئها وأدلتها ومروياتها لوجدنا أنَّ الفرقة الوحيدة التي لها اثنا عشر إماماً معصوماً، حجة، منصّباً، مذكوراً في إرثها الروائي وتراثها الفكري ومبناها العقائدي، هو المذهب الإمامي، فقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) مسند أحمد، أحمد بن حنبل: 4،/96؛ ومجمع الزوائد، الهيثمي: 5/218؛ ومسند الطيالسي: ص295؛ والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: 7/49؛ وحلية الأولياء: 3/22.
(11) المعجم الكبير: 10/298؛ والمعجم الأوسط: 2/317 و4/232؛ ومسند أبي يعلي: 6/251؛ وكتاب السنة، ابن أبي عاصم: 2/489؛ ومجمع الزوائد، الهيثمي: 5/224-225.
(12) صحيح مسلم: 3/1478؛ والسنن الكبرى، البيهقي: 8/156؛ ومجمع الزوائد: 5/218؛ ومشكاة المصابيح: 2/1088؛ وسلسلة الأحاديث الصحيحة: 2/715.
(13) مجمع الزوائد: 5/224؛ وكتاب السنة: 2/489.
↑صفحة 112↑
تسموا بالاثني عشرية على أساس ذلك، بينما نجد الفرق والمذاهب الأخرى ليس فيها هذا التطابق، بل هو عندهم إمّا ناقصٌ وإمّا زائدٌ.
قد عرفت أنَّ (الاثني عشر) هم ليسوا إلّا أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن ثمة بعض الشبه والإشكالات التي أثيرت على هذا القول الذي ذهب إليه أتباع أهل البيت (عليهم السلام) سوف نسلِّط الضوء على بعضها في هذا المبحث ونجيب عليها، فنقول:
الإشكال الأول:
هذا الحديث مجمل جدّاً ولا يمكن تطبيقه لا على أهل البيت (عليهم السلام) ولا على غيرهم، ذلك لأنَّ أغلب صيغ الحديث تقول باستمرارية عزة الإسلام ومنعة الدين بوجود هؤلاء الاثني عشر، والحال أنه لم يحصل ذلك لظهور الضعف في أكثر الأزمان، فإمّا أن يرد علم هذا الحديث إلى أهله، وإمّا أن نقول ببطلانه وعدم صحته؟
الجواب:
كون العزة باقية والمنعة موجودة والأمر مستمراً ليس بمعنى غلبة الإسلام على بقية الأديان وتبعيتها له، وإنَّما هو بمعنى بقاء الدين الواقعي الذي نزل به الوحي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذي حمل مسؤوليته وحفظ أمانته هؤلاء الاثنا عشر، نظرياً وعملياً، نظرياً كأحكام شرعية وتكاليف وقرآن وسنَّة وعلمهم بها، وعملياً وهو تطبيقهم لها وسيرتهم فيها وكذا وجودهم الذي شكَّل ويشكِّل مصدر الأمان للأُمَّة تحسُّباً من كل من يريد الكيد بهذا الدين والنيل منه.
وهذه العزة ستتجلى بشكل أوضح وأظهر عندما ينتشر الإسلام إلى كل العالم ويظهر الدين على الدين كله كما قال تعالى، حيث ستجري الإرادة الإلهية على يديه، وليكون سبباً في ذلك، لأنَّه (عجَّل الله فرجه) وهو غائب أيضاً ينتفع به المسلمون
↑صفحة 113↑
ويعز به الإسلام حيث يكون وجوده الشريف رعاية وعناية وصوناً وحفظاً لأحكام جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي نزل بها جبرئيل (عليه السلام)، فكيف لا يكون صوناً للدين وبقاء للأمر! من هنا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد سئل: هل ينتفع الشيعة بالقائم (عليه السلام) في غيبته؟: «إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب»(14).
الإشكال الثاني:
إذا كان المقصود من الاثني عشر هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأنَّهم منصّبون معيّنون من الله ورسوله، فلماذا لم يكن تعيينهم بشكل واضح وصريح بدلاً عن هذا الإجمال والغموض، فإنَّ التعيين من غير بيان طريق المعرفة هو في حكم عدم التعيين، بل أوضح بطلاناً منه، لأنَّ هذا مثل أن يعين الملك واحداً للإمارة، ولا يبيِّنه لهم بوجه من الوجوه للناس، ثم يعاتبهم على عصيانهم الأمير، وهذا باطل ولا يكون للملك فيه الحجة، فما بالك بمن له الحجة البالغة!
الجواب:
هذا الإشكال يتم لو كان الموجود هو فقط هذا الحديث، أي حديث (الاثني عشر) وبهذه الصيغة المحرّفة والمزيَّفة التي فيها «كلهم من قريش»، أمّا مع ما نذهب إليه من أنَّ الصيغة الصحيحة: «كلهم من أهل بيتي» أو «كلهم من عترتي» كما في سياق حديث الثقلين فينتفي الإشكال، لأنَّ البيان واضح والتعيين موجود، على أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد بلَّغ وعيَّن في أحاديث أُخر كحديث الثقلين وحديث الغدير وحديث المنزلة وحديث السفينة وحديث الكساء وغيرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) البحار: 52/93/8.
↑صفحة 114↑
الإشكال الثالث:
لا يوجد تواتر في أنَّ الأئمة الاثني عشر هم أهل البيت الذين عند الشيعة، لا في كلهم ولا في كل واحد منهم، وإن كان هناك على أحدهم فهو غير موجود في كتب السنة!
الجواب:
دعوى نفي التواتر بقول مطلق غير صحيح، لأنَّ التواتر في الكتب الشيعية موجود، إجمالاً في مجموعهم كوصف (أهل بيتي - وعترتي) وتفصيلاً كذكر أسمائهم واحداً بعد واحد، وأمّا في الكتب السنية فهو وإن لم يكن موجوداً لكن العلم بإمامتهم لا يتوقف على النص المتواتر في مجموعهم أو في كل واحد منهم، بل يكفي فيه اليقين والاطمئنان الحاصل بكثرة الروايات واستفاضتها وبالقرائن الأخرى المعينة إلى القول بإمامته، فاليقين بوجوب استمرار الإمام المعصوم بتعيين الله (عزَّ وجلَّ) وتعيين رسوله مع اليقين بانتفاء الوصف عن غيرهم سيكون هو المعيِّن لهم، ولا يحتاج حينئذٍ في العلم بإمامتهم إلى العلم بتحقق النص المتواتر في كل واحد منهم.
الإشكال الرابع:
إنَّ بعض الأحاديث الصحيحة دلَّت على أنَّ أولئك الخلفاء كلّهم يجتمع عليه الناس، مع أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يجتمع عليهم الناس، حتّى أمير المؤمنين (عليه السلام) اختلف الناس في زمانه، فكيف يكونون هم الأئمة المعنيين في تلك الأحاديث؟
الجواب:
ليس المراد من معنى اجتماع الناس ما فهمه بعض أهل السُنَّة من الاتفاق على البيعة، لأنَّ هذا المعنى لا ينطبق على أي واحد ممن تولّى أمر الناس، بما في ذلك أبو بكر وعمر، فإنَّ أبا بكر تمَّت له البيعة في سقيفة بني
↑صفحة 115↑
ساعدة وأكثر المهاجرين كانوا غائبين عنها(15)، وأمّا عمر فكانت خلافته بنص أبي بكر، لا باجتماع الناس، حتّى قال بعضهم لأبي بكر: ما أنت قائل لربّك إذا سألك عن تولية عمر علينا وقد ترى غلظته(16)؟
وإنَّما المراد من اجتماع الناس في الحديث هو اجتماعهم على صلاح هؤلاء الخلفاء وحسن سيرتهم وطيب سريرتهم، والاجتماع بهذا المعنى متحقق في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم، فهُم وحدهم الذين اتَّفق أهل الشيعة وأهل السُنَّة على اتِّصافهم بذلك، فيكون هذا المعنى هو المراد من الحديث، لوجود مصاديق له دون المعنى الأول.
قال الذهبي: (فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنّة (رضي الله عنه) نحبّه... وابناه الحسن والحسين فسبطا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسيّدا شباب أهل الجنّة، لو استُخلفا لكانا أهلاً لذلك)(17).
وقال في ترجمة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): (وكان له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى، لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه، وكمال عقله)(18).
وقال في ترجمة الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): (وكان أحد مَن جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة)(19).
وقال في ترجمة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة، لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه (رضي الله عنه))(20).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) راجع ابن سعد، الطبقات الكبرى: 2/272؛ الطبري، تاريخ الطبري: 2/455؛ الواقدي، المغازي: 2/678؛ المسعودي، التنبيه والإشراف: ص247؛ ابن قتيبة، الإمامة والسياسة: 1/30.
(16) تاريخ الطبري ٤: ٥١؛ الرياض النضرة ١: ٢٣٧؛ منهاج السنة ٢/١٧٠؛ الصواعق الحرقة: ص٥٣؛ كنز العمال ٥/٤٤٩؛ الطبقات 3/199. 274 عن عائشة.
(17) سير أعلام النبلاء 13/120.
(18) المصدر السابق 4/398، 13/120.
(19) المصدر السابق 4: 402، 13/120.
(20) سير أعلام النبلاء 13/120؛ تاريخ الإسلام 9/160.
↑صفحة 116↑
وقال في الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام): (كبير القدر، جيّد العلم، أولى بالخلافة من هارون)(21).
وقال في ترجمة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): (وقد كان علي الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة)(22).
وقال الدهلوي: (وقد عُلم أيضاً من التواريخ وغيرها أنَّ أهل البيت ولا سيما الأئمة الأطهار من خيار خلق الله تعالى بعد النبيين، وأفضل سائر عباده المخلصين والمقتفين لآثار جدّهم سيد المرسلين)(23).
الإشكال الخامس:
إنَّ الثاني عشر منهم معدوم عند جمهور العقلاء، فامتنع أن يكون إماماً.
الجواب:
إن كان يقصد المستشكل من عبارة (المعدوم) كونه غائباً فهذا لا يضر، لأنَّ عزة الإسلام ومنعة الدين ومضي الأمر تتأتى وتتسنى بوجود خزانة الحكم الشرعي الواقعي الحقيقي، الذي نزل به جبرئيل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الإمام، ولو كان غائباً مستتراً، فكونه مستتراً لا يلغي وجوده وإمامته، على أن عدم ممارسة أهل البيت لدورهم القيادي في زعامة الأُمَّة الإسلامية وخلافتهم عليها لا يقدح بإمامتهم وحصول عزة الإسلام، فمادام ولي الله الأعظم وحجته على خلقه موجوداً، فهذا يعني وجود السبب المتصل بين الأرض والسماء، ووجود الحجة في الأرض، وأنَّ الإذن لم يحصل بعد.
يقول ابن حجر: (... وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأُمَّة مع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) المصدر السابق نفسه.
(22) المصدر السابق 9/392.
(23) مختصر التحفة الاثني عشرية: ص5.
↑صفحة 117↑
كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال إنَّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة)(24).
ويقول ابن تيمية: كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ (الحجر: 9)، ولا تزال فيه طائفة قائمة ظاهرة على الحق فلم ينله ما نال غيره من الأديان من تحريف كتبها وتغيير شرائعها مطلقاً؛ لما يُنطِقُ اللهُ به القائمين بحجة الله وبيناته الذين يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنوره أهل العمى فإنَّ الأرض لن تخلو من قائم لله بحجة؛ لكيلا تبطل حجج الله وبيناته)(25).
وأمّا إذا قصد المستشكل من قوله المعدوم أي عدم الوجود، فهو كلام مبنائي لا يصلح به الإشكال، لأنَّهم يصيبون ويخطئون ولا يوجد عندهم حكم الله الواقعي، وليسوا هم الذين قال عنهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيّناته»(26)، على أنَّ في حديث الاثني عشر دلالة واضحة على حياته وولادته ووجوده منعاً عن غياب الحجة على الناس بعد الإمام العسكري (عليه السلام)، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أنَّه لمّا قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بعض صيغ الحديث: «لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة»، عُرف منه الدوام والاستمرار، ودلَّ هذا على وجوده وحياته وطول عمره الممتد إلى آخر الزمان وقيام الساعة، فحديث الاثني عشر دلَّ على خلافة وحياة المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه).
دفع دخل فيما يتعلق بالتقية:
قد يقول القائل: إنَّ معرفة أسماء الأئمة الذين اختارهم الله وفرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) فتح الباري 10/251؛ عُمدة القاري 16/40.
(25) فتاوي ابن تيمية 6/68.
(26) نهج البلاغة شرح محمّد عبده 4: 37 (147)؛ كتاب تاريخ دمشق 50/254.
↑صفحة 118↑
طاعتهم على العالمين والتي لا نجاة لمسلم إلَّا بها - حسب مدَّعى الاثني عشرية - أمرٌ ينبغي أن يُعلن ويُنشر، لا أن يُخفى ويُستر عند فرد أو يكون من وراء التقية، خصوصاً أنَّها أصل من أصول الدين عند الاثني عشرية؟
قلت:
1 - الحال والأجواء والظروف التي حصلت في ملابسات ومحنة الإمامة وتعيين الأئمة هي نفسها التي حصلت للأنبياء ومحنتهم وتعيينهم عند أُممهم وناسهم ومجتمعاتهم، رغم أنَّ النبوة هي أيضاً أصل من الأصول، بل تتوقف عليها الإمامة، فالحال هناك هو الحال هنا.
2 - إنَّ الإخفاء الموجود لم يحصل كيفاً ولا صار اختياراً، إنما هي السلطات المتعاقبة الظالمة والأحزاب الغاشمة وخصوصاً من أسّس أساس الظلم على أهل البيت (عليهم السلام) يوم السقيفة(27) ومن قبله كما حصل في رزية يوم الخميس كما في تعبير عبد الله بن عباس(28) حيث كانت البداية وأول المواقف الصريحة والمعلنة التي صار فيها إقصاء لأهل البيت (عليهم السلام).
الإشكال السادس:
هناك بعض الروايات ذكرها الشيخ الكليني تشير إلى أنَّ الأئمة ثلاثة عشر وليس اثني عشر، وهو يعارض تلك الروايات الناصّة على (الاثني عشر) ومن تلك الروايات:
أولاً: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) الإمامة والسياسة: 1/12-15؛ تاريخ الأُمم: 2/455-456.
(28) صحيح البخاري: 1/34.
↑صفحة 119↑
فعددت اثني عشر، آخرهم القائم (عليه السلام) ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم عليّ...)(29).
اثنا عشر إماماً (من ولدها) أي من ولد فاطمة (عليها السلام) ومع الإمام عليّ (عليه السلام) يكون المجموع ثلاثة عشر إماماً.
الجواب:
1 - إنَّ قول جابر في الرواية: (من ولدها) غير موجود في بعض الروايات، وبنفس السند؛ ففي رواية الصدوق في (الخصال) لم يذكر ذلك القول(30)، وفي روايته في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) لم يذكر القول أيضاً(31)، وفيهما قوله: (وأربعة منهم عليّ (عليه السلام))، فيحتمل وقوع الزيادة سهواً إذا ما علمنا أنَّ رواية اللوح مروية بغير طريق أبي الجارود ولم يكن فيها هذا التشويش في العدد.
2 - إذا تنزَّلنا عن السند أو السهو، فيمكن أن يكون قصدها بالاثني عشر هم الأوصياء جميعاً بما في ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) وبقولها: (من ولدها) بما لا يشمل المجموع، فيكون المقصود أن هؤلاء الأئمة عدا زوجها أمير المؤمنين كلهم من ذريتها، والدليل على هذا المعنى أنَّ المتن في الرواية لم يذكر غير هؤلاء الاثني عشر.
3 - سلمنا جدلاً بسندها وظاهر دلالتها، ولكن مع ذلك لا تقاوم التواتر والتسالم على كون الأئمة اثني عشر ولا تعارضه.
ثانياً: روى الكليني بسنده عن أبي سعيد العصفري عن عمرو بن ثابت عن أبي الجارود عن أبي جعفر، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إني واثنا عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض يعني أوتادها وجبالها...»(32).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) الكافي 1/532.
(30) الخصال: ص477.
(31) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/52.
(32) الكافي: 1/534.
↑صفحة 120↑
الجواب:
1 - هناك سهو في النقل، لأنَّ الموجود في أصل العصفري الذي يروي الكليني عنه هو: (وأحد عشر من ولدي) و(الأحد عشر من ولدي)(33).
2 - لو سلَّمنا بالنقل وعدم وقوع السهو، فيمكن أن يكون قصد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالاثني عشر من الولد مع دخول فاطمة (عليها السلام)، فهي أيضاً وتد من تلك الأوتاد، وهي أيضاً معصومة، خصوصاً أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يقل: اثنا عشر إماماً، بل قال: «من ولدي».
3 - لو أبقينا الرواية على ما هي عليه من الظاهر بلا تأويل أو تقدير، فهي أيضاً لا تقف أمام تواتر وتسالم عدد الأئمة من كونهم اثني عشر وفي ضمنهم أميرهم وسيدهم وأولهم (علي بن أبي طالب (عليه السلام)).
ثالثاً: وفي الكافي أيضاً بسنده عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «الاثنا عشر إماماً من آل محمد (عليهم السلام) كلهم محدث، من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن ولد علي (عليه السلام) فرسول الله وعلي هما الوالدان»(34).
الجواب:
1 - هذه الرواية وردت في كتاب (الإرشاد) نقلاً عن الكليني بشكل آخر، وهو بالشكل التالي: (الاثنا عشر الأئمّة من آل محمد كلّهم محدّث، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده) فيحتمل سهو الناسخ.
2 - مما يؤكد وجود الخطأ في النسخ أنَّ الشيخ الكليني أوردها في باب (ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم (عليهم السلام)، وهذا يعني: أنَّ الرواية في صدد بيان عدد الاثني عشر وتثبيته وتأكيده فلو كان ثلاثة عشر لكان خلاف الغرض والعنوان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33) الأُصول الستّة عشر: ص16، أصل أبي سعيد عباد العصفري.
(34) الكافي: 1/531.
↑صفحة 121↑
3 - لو غضضنا النظر عن السهو والاشتباه والتقدير والتأويل فهي أيضاً لا تعارض تواتر وتسالم روايات الاثني عشر كمّاً وكيفاً.
الإشكال السابع:
روايات الاثني عشر معارضة بما رواه الشيخ الطوسي وغيره عن الأئمة (عليهم السلام) من وجود مهديين بعد الإمام الثاني عشر، وهذا يبطل حصر الأئمة بالاثني عشر، ومن تلك الروايات:
أولاً: ما رواه الطوسي بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي (عليه السلام): «يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة»، فأملا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: «يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماماً، سماك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم... فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد (عليهم السلام). فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين»(35).
الجواب:
1 - هذه الرواية فيها مجاهيل، فأحمد بن محمد بن الخليل مهمل في كتب الرجال، لم يذكروه بمدح ولا ذمّ، وفيها جعفر بن أحمد المصري وهو مهمل أيضاً، وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(35) الغيبة: ص١٥٥.
↑صفحة 122↑
2 - هذه الرواية بعد الغض عن ضعف سندها، دلالتها ومفادها لا ينهض ليقاوم عشرات الروايات التي حددت الأئمة (بالاثني عشر) وأنهم هم لا غيرهم (المعصومون) و(المهديون) و(المنتجبون) و(الصادقون) و(ابن تلو أب) و(ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي) و(أهل البيت) ولهذا أعرض عنها وحكم بشذوذها كل من تعرض لها من العلماء(36).
3 - الرواية ذكرت أنَّ للمهدي (عجَّل الله فرجه) ولداً، ولهذا الولد ثلاثة أسماء، وهذا معارض أيضاً بالروايات التي لم تذكر هذا الشيء وأنَّ الأسماء الثلاثة أصلاً هي للمهدي وليس لولده المزعوم، فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذكر المهدي فقال: «إنَّه يبايع بين الركن والمقام اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها»، فتجد أنَّ الضمير (له) راجع إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وليس إلى ابنه.
4 - كل دعوة للنيابة أو للسفارة أو للوكالة في زمن الغيبة عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لا تدل عليها هذه الرواية لأنَّ الرواية تصرِّح بأنَّ هؤلاء إنَّما هم بعد القائم، وعليه الذي سيحسم النزاع ويحل الشفرة ويضع النقاط على الحروف هو الإمام الثاني عشر المنتظر (عجَّل الله فرجه)، فلمّا يظهر، لك أن تسأله عن معنى ودلالة هذه الرواية، وهل سيأتي بعده أحد أم لا؟! أمّا الآن فلا ثمرة من الحديث ولا داعي له؛ لأنَّ هذا الغموض والإجمال والشبهة الحاصلة كله فرضه بعد قيام القائم، فإذا حضر صاحب الأمر سينبئك بالأمر، وكما قالوا: إذا حضر الماء بطل التيمم.
وهذا الجواب وغيره جارٍ في أمثال هذه الرواية وما قاربها.
والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36) راجع المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ص٣٦٢؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة: ٣/٢٦٦؛ إعلام الورى بأعلام الهدى: ٢/٢٩٥.
↑صفحة 123↑