الماشيح المنتظر اليهودي
أ. د. عامر عبد زيد الوائلي
مدخل:
إنَّ البحث في هذا الموضوع يعد من الأمور المهمة في فهم الاستقطاب اللاهوتي التي كان أنموذجها الأول هو الخطاب اليهودي، فهو انتهج تأسيس خطاب بطولي تخيلي للتاريخ الديني اليهودي، وهو نمط من التاريخ يحتل فيه الماضي دور المركز المؤثر في الحاضر، وأنموذجها الثاني هو التاريخ الإيديولوجي الذي سوف يظهر في العصر الحديث مع القراءة الصهيونية الأصولية المعاصرة، والتي سوف تؤثر في قيام اللاهوت المعاصر اليهودي، ورأسمالها هو التاريخ البطولي المتخيل الذي مثّله التراث اليهودي الذي نحاول دراسته الآن في هذا المبحث.
فقد أدَّى هذا الأنموذج من التاريخ البطولي، الذي يؤثر فيه الماضي في الحاضر بوساطة المثال هنا هو المسيح المنتظر. والذي تم صياغته من قبل المؤسسة الدينية اليهودية في بابل، وقد كان للأدب الشعبي دوره في صناعة هذا الخطاب التخيلي، الذي أصبح بموجب هذا الخطاب أن ينتظر الإنسان أمراً لا يتمنى حدوثه في المستقبل القريب أو البعيد، في ضوء تفسيرات ماضوية يكون أنموذجها الخطاب البطولي للماشيح المنتظر. أدى إلى إرساء ملامح عن الهوية اليهودية بشكلها التيولوجي(١).
هذا المفهوم بمعناه العادي، واليوم هناك أشياء كثيرة تدخل أفق الانتظار يتمنى الإنسان وقوعها في حياته، وأخرى لا يتمنى وقوعها في حياته، هذا مسار الحياة، أمّا في الخطاب الديني اليهودي، فالأمر مختلف، إنه أمر يتعلق بما هو غيبي يدخل من ضمن أفق الانتظار، فقد ارتبط هذا المفهوم (بالعبرية המשיח) المسيا أو الماشيح(٢) أي من تم مسحه بزيت الزيتون؛ دلالة على تكريسه كاهناً أو ملكاً، ويرد أول ذكر لمثل هذا الطقس في (سفر الخروج ٢٩:٧).
إذا ما عملنا على تحليل مفهوم الماشيح من خلال ما يطرح النص له من معنى وفك ألغاز ما هو غامض وتبسيط وتوحيد ما هو مشتت وتفصيل ما هو مجمل، انطلاقاً من هذه الآلية التي نحاول الوقوف فيها عند مفهوم انتظار الماشيح، فنجد في المدونات اليهودية أن أُفق المنتظر مقيد بحدود واضحة، إذ (كان الإسرائيليون وهم ينتظرون المسيح من بيت داوود لتوحيد العالم وحكمه من عاصمته أورشليم)(٣)، بمعنى أن هذه المعلومة قد جعلت منه منتسباً إلى إرث سياسي بعودته إلى داوود، ومن ناحية ثانية نلمس أنه لاهوت توسعي يجعله يمثل سلطة كونية يقوم على إخضاع كل البشرية إلى السلطة اليهودية في وقت كان اليهود يعيشون حالة من الضعف والخضوع إلى السلطات المحلية المهيمنة في بابل وآشور في الشمال، أو مصر في الجنوب؛ لكن كيف يمكن لهذا الشعب أن يمتلك هذه السلطة الكونية؟
نجد الجواب في هذا النص الموجود في سفر أشعياء وصفاً لإله بني إسرائيل، فيقول الرب (المنقذ) في هذا السفر: (أنا الرب وليس غيري مخلص)(٤)، بمعنى أن الذي يشكل المصدر الأول لهذه السلطة المنتظرة في ذلك الوقت يعود إلى وعد غيبي بنصرة المنقذ الأول (يهوا) بحسب رؤية أشعيا. ونجد أن هناك صفة تجمع بين المنقذ يهوه والماشيح المنتظر، كون الاثنين يتَّصفان بصفات حربية، فيهوه يوصف بكونه قائد الجيوش وهو بنظر اليهود الذي يشرف على الحروب ويعزز النصر، وهناك صفة أخرى يتميز بها هذا المنقذ كونه بطلاً محارباً شديد البأس، فمن صفاته شن الحرب، فالحرب شيء مقدس وفي سبيل (يهوه) يسقط كثيرون من أبطال إسرائيل في مواجهة الوغى، وصفة (يهوه) للقتال تتجلى واضحة في لقبه (يهوه حياء ون) أي يهوه قائد الجيوش)(٥).
إلّا إننا نجد في النص التوراتي إشارة إلى أن نصرة يهوه ليست مباشرة بل تأتي عبر الواسطة، وهذه تمثل مرحلة متأخرة في اللاهوت اليهودي الذي أخذ بالتجريد والتعالي في نظرته إلى يهوه، على العكس من الصورة المبتكرة للتوراة التي يظهر فيها يهوه في علاقته بموسى (عليه السلام) ومن قبل بيعقوب (عليه السلام)(٦).
بالمقابل سوف يظهر مفهوم سام عن يهوه بوصفه كائناً مفارقاً متعالياً وكلي القداسة أن الخاطئ الذي يطلب الصفح، لن يجد أن يهوه يذوب حباً ورأفة من أول إشارة ندم، ذلك أن قدسية يهوه تتطلب مقاربة طقسية من قبل مجموعة من الأفراد الأطهار، يجتمعون في الهيكل في حالة من الطهارة الجسدية والنقاء الطقسي وبإشراف كهنة خبراء، لقد انسحب يهوه بعيداً في قدسيته اللامتناهية من عالم الإنسان، إذ لم يعد بالإمكان الاتصال به إلّا من خلال وسطاء، كهنة وملائكة(٧).
لهذا نلمس هذا التعالي في التجريد في صورة يهوا لدى الأنبياء المتأخرين ومنهم أشعياء، إذ يظهر يهوا وهو ينصر اليهود من خلال إرسال الماشيح المنتظر (أن الله لا ينقذ بني إسرائيل بنفسه وإنما سيرسل إليهم منقذاً هو (الماشيح المنتظر) والملاحظ أن كلمة الماشيح لم تعن المنقذ في الأصول الأولى للديانة اليهودية، ولكنها أصبحت مرادفة لكلمة المنقذ الذي سيظهر من بيت داوود)(٨). إذ نلمس أن (هذه الفكرة السياسية الدينية سميت بالمسيحانية، وهي فكرة غيبية تقوم على أساس الاعتقاد في قدوم مسيح مخلص وظيفته السياسية تحقيق الخلاص القومي لشعبه، ثم أضيفت لهذه الوظيفة السياسية وظيفة دينية تعطي للماشيح المخلص دوراً؛ لتحقيق الخلاص الديني لشعبه وبوساطة المزج بين الوظيفة السياسية والوظيفة الدينية التي تعطي للمسيح دور المخلص نشأت فكرة إقامة مملكة الله السماوية لتقويض ضياع المملكة الأرضية. ومن هنا فقدوم المسيح المخلص يتحقق من خلال إقامة مملكة الله على الأرض عند نهاية العالم ووضعت له في التراث اليهودي شروط وعلامات أهمها انتسابه إلى بيت داوود، والقيام بأعمال بطريقة خارقة للعادة)(٩).
هذه الرؤية تظهر حالة تطور النصوص مع الزمن، وهذا ما سوف نحاول البرهنة عليه لاحقاً.
إن فكرة الانتظار للمسيح جاءت في ظروف معينة كان يعيشها اليهود وهي مرحلة متأخرة عكست موقفاً من الأحداث وأخذت هذه الرؤية التي جاءت في أولها الجانب السياسي ثم تطورت إلى دينية وكانت في أولها محلية تتعلق بالدولتين اليهوديتين؛ إلّا أنّ الأمر أخذ بُعداً كونياً وهذا ما جاء في هذا القول: (وسيكون المسيا إنساناً من هذا العالم، وسيكون يهودياً فطناً خائفاً لله) (أشعيا: ١١/٢).
و(الشر والطغيان لن يكونا قادرين على الوقوف في وجه قيادته) (أشعيا: ١١/ ٤).
و(معرفة الله سوف تملئ العالم) (أشعيا: ١١/٩).
و(سوف يضم ويجذب كل الشعوب من مختلف الثقافات والأُمم) (أشعيا: ١١/١٠).
على الرغم من أن هناك جذوراً بعيدة من الممكن أن نحفر بها في سياق البحث التاريخي؛ فهناك من يرجع مفهوم الماشيح إلى زمن موسى (عليه السلام) من خلال تجذير المعنى بالقول: (جاءت تسمية الماشيح من ضمن تعليمات موسى بشأن مراسيم تكريس هارون وأبنائه للكهنوت، وتأخذ من زيت المسح وتصبّ على رأسه وتمسحه)، ويوصف هذا الطقس مرات عديدة في الكتاب المقدس خاصة؛ لتثبيت تتويج ملك جديد حينما جرى خلاف حول شرعية ملكه.
فهذا المعنى يبين معنى اسم مشيح كونه يعود إلى تأسيس الخطاب الديني داخل سلالة هارون وأبنائه، لكنه من ناحية ثانية فقد ارتبط هذا الطقس بتنصيب الحاكم اليهودي - أي الملك - عبر مسحه من قِبَل الكاهن (الماشيح كنية للملك أو الكاهن الذي يمسح بالزيت المقدس والمنقذ المؤمل لبني إسرائيل الذي سيأتي في الأيام الأخيرة بعد ظهور مبشره الياهو النبي ابن داوود هو المنقذ المؤمل الذي سيأتي للخلاص التام لبني إسرائيل وهو المنقذ والكاهن الممسوح بالزيت بحسب اعتقادهم، والفعل (משה) وضع طبق الدهن أو طلي بالزيت المقدس على الأدوات أو على الشخص؛ لتقديسه أو لتنصيبه لوظيفة مهمة (אבך שרשך) (١٠)، إذ في الأسفار الأخيرة من الكتاب المقدس، كثيراً ما يذكر التعبير (الملك المسيح) بالعبرية: (המלך המשיח) إشارة إلى كونه ملكاً شرعياً يجب الخضوع له، حتى لو كان ذاك الملك غريباً مثل الملك الفارسي قورش الثاني الذي أطلق عليه النبي أشعياء لقب المسيح سفر أشعياء (٤٥:١) حيث يظهر من النص أن الطقس جاء مع موسى (عليه السلام) على الرغم من أن الطقس بابلي قديم، هذا من ناحية(١١).
ومن ناحية ثانية أن الأمر ارتبط بالسياسة من خلال التأكيد على كون قورش الثاني هو مشايح على الرغم من أنه ليس يهودياً ولا موحداً؛ إلّا أن النبي أشعياء على وصفه المسيح. وهذا يبين أن المفهوم يمر بتطور عبر التاريخ.
هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا، وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ، لأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ، وَالأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ. (سفر أشعياء ١:٤٥).
أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَالْهِضَابَ أُمَهِّدُ. أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ النُّحَاسِ، وَمَغَالِيقَ الْحَدِيدِ أَقْصِفُ. (سفر أشعياء ٢:٤٥)
وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ الْمَخَابِئِ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ. (سفر أشعياء ٣:٤٥)
تظهر مرحلة ثالثة إذ يتم الجمع بين المفهوم الديني والملك بمعناه السياسي؛ إذ يظهر الملك المتدين وهو يجمع بين كونه كاهناً وملكاً معاً وهي مرحلة متأخرة جاءت في الأدبيات اليهودية وليس بالضرورة إن كان له تحقق فعلي عند مدّعي المسيحية فيما بعد(١٢).
وهكذا هناك مزيد من النصوص التي تحدث عن المنقذ بقولهم: (وفي وصايا القضاة الاثني عشر فإن المنقذ يرجع أصله إلى قبيلة لاوي ويظهر كمحارب...)(١٣). ولعل هذا القول ارتبط بمرحلة متأخرة مثّلها الأنبياء المتأخرون أو عرّافو اليهود إذ الذين أنتجوا سرديات وأشعاراً أخذت طابعاً تخيلياً يقوم على تجييش المشاعر لاهوتياً، وهو ما أصبح رأسمالٍ جمعياً في تعزيز السلطة الدينية وهي تقدم البديل عن الشتات والأسر مما جعل اليهودي يشعر بغربته إلى الوطن الذي يسكنه ويعيش تخيل العودة إلى القدس كما تم تخيلها من قِبَلِ هذا الأدب، إذ كان يتحدث عن قيام (ثورة تشمل الكون كله ويقررون أنها على وشك الحدوث، وأن الإله سيتدخل فيها بطريق مباشر، وأن هناك شخصيات فوق الطبيعة ستظهر وستعمل على مساعدة بني إسرائيل للوصول بهم إلى المجد، وإنها ستأتي للسيطرة على الأرض، بعد أن تكون قد تغيرت من جراء تلك الثورة السعيدة التي يصفونها، ويمثل هذه الفكرة الأدب الذي سمي بالأدب (الابوكاليبسي))(١٤).
فهذا النمط من الأدب هو أدب ذو طابع شعبي كان يحرك مشاعر الناس فهو (أدب الرؤى الذي يعرض هذه الفكرة عن طريق الأحلام الرمزية، وقد أدت هذه الأحلام الشعبية ثمارها إلى حد كبير، إذ إن عدداً كبيراً من المتحمسين اعتقدوا في أنفسهم أنهم هم هذا المسيح المنتظر. وقد وجد من هذا النوع من الناس عددٌ كبيرٌ منذ القرن الأول قبل عيسى (عليه السلام) حتى يومنا هذا)(١٥).
إلى جانب هذه الصورة التي يظهر فيها المسيح كمحارب عقائدي ينشد بناء دولة كونية يسيطر بها اليهود وتكون القدس عاصمة العالم، وهنا يأتي المسيح إلى هذه المدينة مسالماً وليس محارباً، إذ يصوره سفر زكريا، نقرأ عن قول المسيح المنقذ: (اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ.١٠ وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ) (زكريا ٩:٩-١٠).
والذي يهمنا هنا في سياق هذا البحث أننا سوف نحاول أن نعرض إلى الظروف التي مهدت أو كانت وراء هذا المخيال الديني حول مفهوم المسيح المنتظر إذ (تعلق اليهود بفكرة المخلص والبناء الفكري المعقد الذي ارتبط بهذا الأجل والذي أصبح عالَماً حافلاً بحكايات كثيرة ترتبط به وشخصيات لعل أعظمها وأشهرها وأشدها ارتباطاً بما يراه اليهود في المسيح هو شخصية النبي إلياس الذي يسميه اليهود (إلياس النبي))(١٦). وهذا ما سوف نحلله في المبحث الأول ونحن نعرض إلى بنية الخطاب اليهودي وتمركزه حول ذاته وكيف تحول إلى خطاب لاهوتي متشكك. فيما سوف نقف في المبحث الثاني عند عقيدة الخلاص (الماشيح المنتظر اليهودي).
المبحث الأول: البنية الأصولية اليهودية:
إن البحث في الجذور العقائدية التي كانت وراء تأسيس الهوية الدينية اليهودية الأصولية نجدها تكمن في (الخطابات ذات النزعة الكلية، تغذي في القول الأنتربولوجي والسويبولوجي، وتشكلات سردية قادرة على وجه التقريب على أن تشرح واقعاً معيناً. وتلاؤم تشكيل سردي مع هذا الواقع يتوقف بالدقة على درجة سداد الخطاب ذي النزعة الكلية)(١٧)؛ فهذه القراءات التي قامت عليها المؤسسة الدينية اليهودية في بابل، حلَّت محل السلطة السياسية والدينية قبل السبي فإنها - أي الهيأة الجديدة - هي التي اعتادت على تشكيل الهوية الدينية اليهودية حتى تحافظ على سيطرتها على اليهود وتحول دون ذوبانهم في المجتمع البابلي؛ لهذا اصطنعت لهم هوية تعزز اختلافهم عن المحيط وهي في الوقت نفسه عززت هيمنتها عليهم، وجعلت كل اليهود بالعالم في عزلة عن الأوطان التي يعيشون بها ويكون انتماؤهم إلى ساريا، الوطن المتخيل، وهم ينتظرون منقذاً منتظراً سوف يقوم بإرجاعهم إلى هذا الوطن.
فإن مفهوم التخيل (Fantasm fantasy) يمثل الصور أو الحوادث المصورة التي يعيشها الشخص وتكون مصبوغة مشوهة بأغراض دفاعية باطنية وتعبّر لا شعورياً عن إنجاز رغبة مكبوتة. وهو نفسه نجده في المخيال اليهودي الذي تم الترويج له في الأدب الشعبي كما سبق القول، ثم أصبح جزءاً أساساً في السردية التلمودية والتوراتية والتي تعد الأصول التي تنبثق عنها الأصولية العقائدية اليهودية.
وهذا ما سوف يجعلنا نقف عند سلطة النص بكل حمولتها التيولوجية وتوظيف مؤسسة الكنيسة منذ بابل، إذ تمّ تشكيل جهد الكُتّاب في سعيهم إلى المحافظة على الهوية اليهودية في ظل مجتمع بابلي متقدِّم حضاري على الأصول الرعوية لليهود، إذ سعى كُتّاب التوراة والتلمود فيما بعد إلى الموروث الشفوي، فأخذ هؤلاء بجمع الموروث القديم من (بابلي أو مصري أو كنعاني) وتوظيفه لغاياتهم الشخصية؛ من أجل بلورة الهوية اليهودية عبر الخطاب التوراتي التي تعود بالأصل إلى (أصول الحضارات الجزرية وليست إرثاً لليهود، وإنما إرثٌ قديم)(١٨).
فهذه النصوص تحمل أقنعةً واستعارات تعبِّر عن أهداف ومرامٍ عدوانية تنفي الآخر وتحلل إزاحته وقتله وسلب مقتنياته وأرضه. كما تتجسد في القراءات الإحيائية الأصولية في الصهيونية والأصوليّات الدينية الأخرى، فهي تحاول أنْ تدفع الذات اليهودية إلى أن تؤسس الاختلاف عن أعدائها، وتجعلهم خارج مورد الحق، وفي النهاية قتلهم واستباحة دمائهم.
لكن تبقى العوالم التي شكَّلتها النصوص المقدّسة ومنها التوراة والتلمود بمثابة عوالم تخيلية تحوي كثيراً من الأقنعة والاستعارات، فإن (التخيّل يمكن أن يقدم عالم الهجاء المنحط، أو عالم الأنشودة العاطفية البطولي، أو عالم الحكاية المحاكي؛ لكنّ العالم الحقيقي محايد أخلاقياً، أمّا العوالم التخيلية فإنها محملة بالقيّم، وهي تقدم لنا وجهة نظر عن وضعنا نفسه بطريقة تجعلنا - ونحن نحاول تبيين موضعها - نلتزم في وضعنا الخاص)(١٩).
في التأويل والقراءة اليهودية للنصوص، في التلمود والتوراة تحاول جعلها نماذج للفرد اليهودي في علاقته بأخيه اليهودي أو بالآخر، متخذين من تلك النصوص فوق إرث الإنسانية؛ بحجة كونها نصوصاً مقدّسة تعود إلى الله، فإن الوصايا الإلهية للشعب اليهودي تسمو على الأفكار الإنسانية وبالآتي (يفترض ويفرض الانكفاء على الذات؛ والاقتناع بحيازة الحقيقة الإلهية؛ والخوف من التأثيرات الخارجية؛ والرجوع باستمرار للنصوص المقدّسة؛ والاشمئزاز من أي نصوص قد تؤثر في العقيدة. ويقدّم الإيمان دائماً على القواعد الدينية، فالإيمان بإله كلي له القدرة هو وحده المبرر لكل الأوامر والنواهي الموجهة للإنسانية)(٢٠) وهي التي جعلت منهم يقومون بالإبادة الجماعية التي شملت البشر والحيوان للشعوب التي أخضعوها لسلطتهم - بحسب تاريخهم التوراتي -، ويمكن أن نستعرض أهم ملامح هذه السردية الأصولية ومقولاتها الأبرز:
١- عقيدة الصفاء العرقي والديني:
من الممكن أن نرصد بعض تلك النصوص في توصيفها للعلاقة بين اليهود والآخر، كما جاءت في التلمود مثلاً: (يجب ترك غير اليهودي إذا وقع في البئر)، ويشرح الراباي جوزيف هذا القول: (فيما يخص عبدة الأصنام ورعاة الأغنام ليس هناك إجبار على إخراجهم من الحفرة التي يقعون فيها وإنما لا يجب إلقاؤهم في الحفرة)(٢١)، فإنّ هذا التشريع يخفي رغبة قوية في إزالة الآخر وإقصاءه بوصفه مختلفاً، سواء كان يعبد الأوثان أم راعٍ يختلف عنهم بالمدنية؛ فهو أقل ولا يستحق أن يكون ندّاً، ولعل هذا ما تظهره التشريعات التالية: (إذا أقدمَ غير اليهودي على ضرب يهودي؛ فإن غير اليهودي يستحق القتل، لكن لا يقتل اليهودي إذا قتل غير اليهودي، وإذا قتل شخص يهودي شخصاً غير يهودي فإن اليهودي لا يعاقب بالقتل، وما يسرقه من غير اليهودي يمكنه الاحتفاظ به)(٢٢).
فهذه النظرة إلى الآخر تقوم على الإقصاء؛ لأنّه مختلف وأقل من اليهودي؛ فإنهم بهذا يفسرون المختلف للانسياق معهم وقهره لصالح الأنا المتضخمة للمتجبر في الحيز المتاح لها في التعبير عن نزعتها الإقصائية؛ لإلغاء التنوع بقصد إرضاء جبروتها المدمِّر لكل أشكال التنوع.
مشكلتنا إذن تكمن في التخلص من سطوة أيديولوجيا المتجبِّر وتطرفه الفكري، وهذا ما يظهر بنظرتهم إلى الآخر بأنّ (أبناء غير اليهود حيوانات وأنّ بنات غير اليهودي قذرات منذ مولدهن)(٢٣)، ويظهر بنظرتهم إلى المسيح وأتباعه (المسيح وتلاميذه كانوا يمارسون السحر الأسود وكانوا حلفاء لغير اليهود؛ لكي يبدِّلوا الدين اليهودي)(٢٤)، وبالتالي فإنّ (الذين يقرأون العهد الجديد لا نصيب لهم في الآخرة)(٢٥)، وانطلاقاً من هذا يرى التلمود أنّ على اليهود (تدمير كتاب العهد الجديد)(٢٦)؛ فهم يصفون غير اليهودي بـ(عابد الأوثان) أو أجنبي، ومعناها يشمل المسيحي، فهم يسمون الأُمم الأخرى (أكيم)؛ لأنه قيل: (إذا صلّى يهودي وتقابل في طريقه مع (أكيم) يحمل صليباً وكان اليهودي وصل للنقطة الواجب الانحناء فيها؛ فعليه ولو كان قصده وموجهاً لله الذي يحمل صليب لا شك أنه المسيحي)(٢٧).
طبعاً هذه النصوص المقدّسة عند اليهود تجد ترجمتها في حياة اليهود، إذ يقول إسرائيل شاحاك: (إذ شهدتُ بأُم عيني يهودياً متطرفاً دينياً يرفض أن يستخدم هاتفه يوم السبت لاستدعاء سيارة إسعاف لشخص غير يهودي صادف أن وقع مريضاً في حارته في القدس)(٢٨)؛ فهذه التفسيرات التلمودية مهمّة في تفسير التوراة، وبالتالي فإن الحكيم (التلمودي) له أهمية، (تفوق أهمية النبي؛ لأنه هو الذي يفسر رسالة الوحي وهو الذي يدمجها في حياة البشر، ومن دون التأثير الراسخ للفهم التقليدي للكتاب المقدّس (أي التوراة)، تصبح تعاليمه - أي تعاليم الكتاب المقدّس - عرضة لتفسيرات قد تؤدي إلى تحطيم وحدة الثقافة اليهودية)(٢٩).
٢- العودة إلى الأصول:
فكرة العودة إلى الأصول فكرة عميقة الحضور في الفكر الأسطوري، فهناك دائماً إحياء دوري للأصول الأولى في السنة البابلية وغيرها، يبدو أن الفكرة انتقلت إلى اليهودية، وأصبحت فكرة راسخة في الدين اليهودي، إذ يتم القيام بهذا الأمر عبر الطقوس والتوجيهات في الكنيسة، عبر الضغط على وعي المتلقي من خلال الطقس المحاط بالمقدس ودفعه إلى (إمّا استرجاع إرادي للمدركات أو الأفكار، فهذا يتضمن المجهود الذي يبذله العقل في البحث عن الأفكار أو الألفاظ المنسية؛ أو استرجاع لا إرادي تظهر فيه الذكريات تلقائياً لأنها قد تظهر أحياناً من تلقاء نفسها في عقولنا، فترتفع من مستوى الخلايا المظلمة التي كانت توجد فيها إلى الظهور في ضوء النهار)(٣٠).
هذا الفعل يستند على أن هناك أصلاً نقياً لابد من إحيائه وتمثّله، والصراع عن من يمثله تمثيلاً كاملاً (فالأصولية تعني تبني فكرة العودة إلى العقيدة القديمة الخالية من شوائب اندماج اليهود بغيرهم من الشعوب وأتباع الديانات الأخرى)(٣١). فالاندماج وإن كان يجعل المواطن اليهودي يتخلص من أسر رجال الدين؛ إلّا أنهم يبقون يطاردون بالتكفير وذوبانه في (أكيم) عبدة الأوثان قديماً وحديثاً، وبالتالي فهو السبب في ضياع دولة إسرائيل التاريخية؛ بسبب الذنوب وعبادة آلهة الوثنيين إذ جعلت الرب يسلِّط الأقوام الجبابرة على إسرائيل، وهذا حاضر بعمق في التوراة والتلمود، وهذه المطاردة التي يقوم بها رجال الدين من أجل استعباد اليهودي بحجة التكفير والطرد من الجنة، أو لكونه السبب في سقوط إسرائيل، أو السبب بعدم ظهور المخلص، وهذا ما جاء في التلمود (سمعت صوتاً مقدساً ينوح كالحمامة يقول: تباً للأبناء الذين بسبب خطاياهم دمّرتُ بيتي وأحرقتُ معبدي وشرّدتهم بين أُمم الأرض)(٣٢). فهذا النص الذي يرويه هذا الرابي يعبّر عن تفسير تلمودي للتوراة ويمارس ضغطاً على الضمير اليهودي ويحمِّله أسباب دمار دولة إسرائيل المتخيّلة، ويجعله مسؤولاً عن ما حدث عبر خروجه على العهد وباندماجه مع الأُميين من غير شعب إسرائيل أو قصوره في الطقوس والحقوق الشرعية التي يدفعها للمعبد. وقد واصل الكنيس اليهودي والحاخامات المحافظة على نقاء الشعب من الاندماج مع الأغيار، وجاءت الأصولية الصهيونية وقدّمت تأويلاً عنصرياً أيديولوجياً يستثمر الميراث التلمودي والحاخامات؛ من أجل توظيفه في بناء دولة إسرائيل المعاصرة.
٣ - التأصيل العرقي للدين اليهودي (شعب الله المختار):
وهذا قد عبرت التوراة عنه مثل سفر التثنية بشأن الوعد (لأنّ أعينكم هي التي أبصرت كل صنائع الرب العظيمة التي عملها، فاحفظوا كل الوصايا التي أنا أوصيكم بها اليوم؛ لتتشددوا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي أنتم عابرون إليها لتمتلكوها. ولكي تطيلوا الأيام على الأرض التي أقسم الرب لآبائكم أن يعطيها لهم ولنسلهم أرض تفيض لبنا وعسلاً) (سفر التثنية:٧-١٠).
تبدو هذه الأصولية على الرغم من طابعها الدنيوي وصراعاتها على الأرض كأي صراع بدوي إلّا إنها تحاول أن تمارس دمجاً دنيوياً بآخر غيبي مقدّس، من أجل جعل الصراع مقدساً؛ فالمؤمن هنا يمنح كل ما هو نسبي ودنيوي طابعاً كونياً مقدساً على حساب الإنسان وكرامته من أجل خرافات أو أضغاث أحلام، فـ(إن بني إسرائيل سيكونون طرفاً في علاقة تعاهدية مع يهوذا، فهو الإله الذي تصوِّره التوراة بصورة الملك، وهم الشعب الذي تصوِّره التوراة بأنه شعب خاص بذلك الإله، ويلاحظ أن هذه النصوص تثير في النفوس شعوراً بالتفوق والعلو والتمييز على الأُمم الأخرى)(٣٣).
يبدو أنّ غاية اليهود هي حرمان العالم من الأمن والاستقرار، وأساس تلك الغاية الرؤية التلمودية التي تقول: (يجب على كل يهودي أن يسعى لأن تظل السلطة على الأرض لليهود من دون سواهم، وقبل أن يحكم اليهود باقي الأُمم يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق، ويهلك ثلثا العالم، وسيأتي المسيح الحقيقي، ونحقق النصر القريب، وحينئذٍ تصبح الأُمة اليهودية غاية في الثراء؛ لأنها تكون قد ملكت أموال العالم جميعاً، ويحقق أمل الأُمة اليهودية بمجيء إسرائيل، وتكون هي الأُمّة المتسلِّطة على الأُمم الأخرى عند مجيء المسيح)(٣٤)؛ فهذا النص مثلما يسوِغ تقبل الصعوبات بالأسر أو الشتات؛ فهو أيضاً يواصل الضغط على الفرد لكونه لم يمارس الطقوس وطاعة رجال الدين؛ فهذا يجلب الذنب، ويقود إلى انتقام الإله من ذنب الإنسان، فالكتب المقدّسة اليهودية تطارد الإنسان وتحاول تطويعه من أجل غاياتها المادية؛ لهذا فهي ترسم له أصلاً متخيلاً متعالياً على الأجناس الأخرى: عرقياً ودينياً؛ من أجل المحافظة على وحدة الجماعة اليهودية في مواجهة التأثيرات السلبية للأغيار، فالجيتو(٣٥) على الرغم من كونه سلب اليهود في (الحقوق والعدالة وحق الدفاع عن النفس)، إلّا إن هذا الوضع أرحم في نظر السلطة الدينية من الذوبان في الواقع الاجتماعي للأغيار؛ لأنه في هذه الحالة يخرج من هيمنة رجال الدين والمؤسسة الدينية. واليوم في المجتمع الإسرائيلي هناك صورة متشددة لتعريف اليهودي، فإنّ أتباع المذهبين (المحافظين والأرثوذكسي) لا يجيزون الزواج من هؤلاء المتهودين أو من يمثلهم، بل يعدون النسل عن مثل هذا الزواج أبناء زنا(٣٦).
أكيداً يمكن القول: لا توجد ديانة معصومة عن التعصب، ولكننا وجدنا أن هذه الترسانة من النصوص، تحض على نفي الآخر وتجوِّز قتله وتصوِّره بصور نمطية(٣٧)، فهذه المؤسسة غير المتسامحة بل الأصولية غير المنفتحة وغير متحاورة، ولا تقبل مراجعة نفسها، وتعتقد أنها تمتلك الحقيقة وتريد إخضاع الآخرين لها، أكيداً هي سبب كل المحن التي خلقتها لليهود على اختلاف أجناسهم وأوطانهم ومذاهبهم، واليوم هذه الأصولية تجد ترجمتها في دولة إسرائيل.
المبحث الثاني: عقيدة الخلاص (الماشيح المنتظر اليهودي):
١- تأصيل تاريخي:
لقد جاءت كثير من النصوص التي وعد بها إله إسرائيل على جمعهم من كل شتاتهم إلى القدس، وإلى أرض إسرائيل، إذ سيحكمون بالعدل والسلام ويباركون بمحبة الله، ويتحقق هذا من خلال الشخص الموعود الذي يحكم في آخر الزمان بالعدل، هو من نسل داوود حصراً؛ لكنّ يهودا وحده هو الذي سيحقق النصر والخلاص، علماً بأنه لم يرد في العهد القديم ما يشير إلى أن شخصاً بطلاً منقذاً سيقوم بمعجزة؛ لتحقيق هذا الخلاص(٣٨).
وهذا الخلاص يتحقق من خلال (فكرة الحرب)، فالتاريخ لا يتغير إلّا بالحرب، لهذا تجد فكرة الحرب والصراع الدموي حاضرة في كتب اليهود المقدّسة ثابتة ومستمرة ومتصلة، تكاد تشمل من أوله إلى آخره؛ لهذا فإن العنصرية اليهودية تحققت بفعل نفس اليهود المسبوكة بنيران الحروب(٣٩).
وتبقى مقاومتهم لكل أشكال الاندماج هي التي تقودهم إلى تغيير دينهم تلاقي مقاومة عنيفة منهم، وفي هذا يقول بن ميمون: القول إنه على اليهودي الهجرة إذا ما أُجبر على انتهاك الشرع الإلهي: (عليه أن لا يبقى في دنيا ذلك الملك؛ وأن يجلس في بيته حتى يهاجر). ويقول مرة أخرى، بإلحاح أشد: (عليه أن لا يبقى في منطقة التحول القسري بأي شكل؛ وكل من يبقى في مكان كهذا إنما يجدّف على اسم الله وهو شرير كالآثم عن قصد؛ أمّا بالنسبة لأولئك الذين يضللون أنفسهم بالقول: إنهم سيبقون حتى يأتي المشيح (المسيح المنتظر) ويقودهم في حرب إلى القدس؛ فلا أعرف كيف سيطهِّرهم (المشيح) من وصمة عار تبديل الدين)(٤٠).
٢- الجذور التوراتية للمفهوم:
إن الفكر اليهودي المتأخر يرسم له ملامح مميزة، ويمنحه نسباً يعود إلى الملك داود، وهو يحتل مكانة مهمة في السرد الديني الذي يظهر في التوراة وقد اتَّخذ في التاريخ مساراً حتمياً كما يتجلّى في الخطاب التوراتي(٤١).
تبدو حتمية أن الإنسان ليست له أي سلطة فيها، كما أن اليهودية أخضعت سلوك الفرد إلى أُسس يتعامل بها مع مفردات الزمن. إلّا إننا نلمس في المقاربات اللاهوتية المتأخرة التي نحاول الوقوف عليها في ثنايا هذا المبحث؛ إذ (ارتبطت فكرة نهاية التاريخ لدى اليهود بفكرة الماشيح المخلص)(٤٢)، التي تم ربطها بما جاء في التوراة التي جمعت في بابل إذ (اتَّخذوا منها تجديداً للعهد الذي قطعه الله مع أنبيائه: (إبراهيم ويعقوب وموسى) بأن يجعل من بني إسرائيل شعبه المختار، ويمنحهم القدرة لحكم بقاع الأرض كلها، وإذا كان هذا العهد لم يتحقق بحسب رؤيتهم؛ فإنه نتيجة لمعاصيهم وذنوبهم التي ارتكبوها، ولكن لابد أن يأتي اليوم الذي يجيء فيه المسيح المخلص ويجمع شتات بني إسرائيل في القدس التي ستغدو في حينها مدينة لا مثيل لها بين المدن(٤٣).
والأحداث المتوقعة عند وصول الماشيح بحسب الإيمان اليهودي تشابه أحداث يوم القيامة في المسيحية، وتتشابه النبوءات التي يعتقد بتحققها اليهود؛ أو باحث في أنثروبولوجيا العقائد القديمة سيجد أن صورًا متشابهة لشخصية ذلك المنقذ المخلص؛ (فهو المعين الإنساني الذي نهلت منه جميع المجموعات المظلومة ملامح تراثها العقدي في صراع: الخير والشر، النور والظلمة، الحق والباطل...، وهذا ما تجسده لنا العديد من النصوص عند مجمل الفرق، أو الديانات المسيحية واليهودية، وحتى المذاهب والعقائد القديمة، التي احتاجت إلى بطل، منقذ عندما ضاقت بها السبل، فرسمت صورة غلب عليها الطابع الأسطوري لمنقذها، نسجها خيال أولئك المضطهدين في كل جماعة بشرية)(٤٤).
نستطيع أن نميز في التاريخ اليهودي مرحلتين:
المرحلة الأولى:
تلك التي ارتبطت بمجموعة من النبوءات التي جاء بها الأنبياء المتأخرون والتي كانت تعبر عن دراما السقوط التي تجسد الصراعات السياسية في المنطقة بين مصر وآشور ومن ثم بابل، إذ (وقع العبرانيون بين النفوذ الآشوري البابلي في منطقة ما بين النهرين وبين النفوذ المصري في الجنوب وظل تاريخهم يتأرجح بين التبعية لهذه القوة أو للأخرى بحسب الظروف التاريخية التي مرَّت بها إمبراطوريات الشرق الأدنى القديم، وغالباً ما كانت الأجزاء الشمالية من منطقة العبريين تتبع آشور وبابل، بينما أغلقت المنطقة الجنوبية ولائها للمصريين)(٤٥).
وقد وقعت أورشليم بين الاثنين وهي تخضع إلى تأويل ذي بعد لاهوتي متعال تجد أن الشعب خرج عن عهده مع يهوه، لهذا فإن يهوه سوف يتخلى عن شعبه ويسلمهم إلى الأشرار بمقابل ما قاموا به من أفعال لا أخلاقية وتتعارض مع الإيمان قدمها مجموعة من أنبياء اليهود المتأخرين:
أرميا (نحو ٦٠٠ق.م): في مجال البحث عن الأنبياء الذين كان لهم دور في التحذير من الانحراف الأخلاقي والوثنية والابتعاد عن الإله الغيور يهوه الذي كان يجد أن شعبه إسرائيل قد خرج عن العهد، وأخذ يرسل الرسل من أجل التحذير والحث على الإصلاح، وألّا يكون العقاب بالتخلي عن الشعب بل وتسليط الأشرار من باقي الدولة عليهم. كان هذا التفسير الديني لما كان يدور من صراع بن القوى الكبيرة في المنطقة، وكانت الدولة اليهودية صغيرة تقع بين المتصارعين وهذا يجعل منها ضحية.
فالتفسير الديني يقوم على تفسير ما يحدث أنه نتيجة عن ابتعاد اليهود عن عهدهم مع يهوه، وهذا هو سبب كل ما يحيق بهم من مصائب. ولعل هذا يسهم في حصار المدينة ودمارها والهيكل والسبي.
لقد كان أرمياء أحد الرسل الذين علّلوا ما يحدث وقدموا استبصارهم لما سوف يحدث في المستقبل، من دمار وسبي ثم ظهور المنقذ. (كانت الخدمات النبوية التي قدمها أرميا، في معظمها تنصب على تحذير الشعب من الكوارث التي من الممكن إحباطها أو تفاديها بمعونة يهوه، لكن جهده كان يذهب هباءً. مما جعل مهمته عسيرة في كثير من الأحيان). بقوله: (صرت للضحك كل النهار. كل واحدٍ استهزأ بي. لأنني كلما تكلمت ناديت: لظلم واغتصاب...) (أرميا ٢٠: ٧ -٩).
كانت كلماته مؤثرة وقاسية ومقلقة بإخبارها عما يراه من المستقبل كما كان يحس أن الرب يريده أن يقوله. وقد جاء إلى الهيكل وقال على العكس مما كان يتوقعه زملاءه مما سوف يحدث بفعل خروج دولتهم عن عهدها مع السلطة الكلدانية، جاء وألقى خطاباً اتهامياً مقذعاً ضد ارتداد الشعب إذ أعلن: قال الرب هكذا تقول لهم: (أجعل هذا البيت كشيلوه وهذه المدينة أجعلها لعنة لكل شعوب الأرض) (أرميا ٢٦: ٦).
لقد أثارت هذه النبوءة رجال الدين والشعب (فقال الأحبار والأنبياء للرؤساء ولكل الشعب: هذا الرجل يستحق الموت؛ لأنه تنبأ ضِد هذهِ المدينة، كما سمعتم بأذانكم، فقال أرميا للرؤساء ولكل الشعب: أرسلني اللهُ لأتنبأ ضد هذا البيت وهذه المدينة بكل الكلام الذي سمعتموه. فالآن أصلحوا طرقكم وأعمالكم، وأطيعوا ربكم وإلهكم، فيرجع ولا يرسل المصائب التي حكم بها عليكم، أمّا أنا فإني في أيديكم فافعلوا بي ما ترون أنه صالح وحق) (أرميا ٢٦: ١٢-١٥)، وكان لهذا الكلام أثره في الجميع فجاء جوابهم: (فقال الرؤساء وكل الشعب للكهنة والأنبياء: ليس هذا الرجل حق الموت؛ لأنه إنما كلمنا باسم الرب إلهنا) (أرميا ٢٦: ١٦).
وبعد أن دمرت أورشليم عام (٥٨٦ق.م)، أطلق نبوخذ نصر سراح أرميا وعامله كصديق وسمح له بالبقاء في يهودا مع عدد قليل من المواطنين من الطبقة الدنيا من المجتمع. حاول أرميا أن يصالح أولئك الذين تركزا وإياه، مع ما هو مكتوب لهم، أرميا لم يكن متشائماً في نهاية الأمر، فقد امتلك أسباب ومسوغات الأمل، تنبأ بأن يهوه بعد أن ينتهي من استخدام بابل كوسيلة لإنجاز عقابه العادل ضد الأُمم، فإنه سوف يعاقب بابل نفسها، عندها لن يعود شعبا يهوذا وإسرائيل يخدمان الغرباء، بل سوف يعودان إلى يهوذا (ليخدما الرب إلههم، وملكهم داوود، الذي سوف يبعثه يهوه من أجلهم)، ويقول الله: (أنا معك وسأنقذك. أفني كل الأُمم التي شتتك بينها، أمّا أنت فلا أفنيك. ولكني لا أعفيك من العقاب، بل أؤدبك بالعدل...) (أرميا ٣٠: ١١)(٤٦).
كانت لهذا النبي نبوءة تقوم على إنذار إلى اليهود أن يلتزموا بالعهد وأن يكفوا عن انحرافهم، ولكن بعد الإصرار جاء الخبر أن يهوه قرَّر أن يستعمل بابل في العقاب كأداة فقط، وبعدها يقوم الرب بإنقاذ الشعب ويرجعه إلى أرضه، ومعهم المخلص الذي سوف يعيد البناء ويعمر، ثم أن الرب سوف يقضي على بابل. وهنا (سيدرك اليهود التوراة دونما الحاجة إلى دراستها) (أرميا ٣٣:٣١).
أشعيا: جاء دور المملكة الجنوبية في الوعظ النبوي بعد ظهور رجل قرب نهاية حكم الملك عوزيا نحو (٧٤٢ق.م)، شاب من أُسرة طيبة من شوارع أورشليم ليقوم بدور النبوة. كان اسمه أشعيا وقد امتلك في شبابه تجربة حول حقيقة يهوه هزته من أعماقه، وقد عبر عن ذلك بهذه العبارات التي تفيض هولا.
بقى أشعيا ناشطاً كنبي لشعبه ومستشاراً خاصاً لملوك يهوذا لمدة أربعين سنة. بقي ثابت الولاء بثقته بالقدر الإلهي، كان نبي الإيمان والثقة بيهوه دون أدنى شك أو خوف، وبقي على الدوام يحذر حكام أورشليم بأن أمن المدينة يكمن في التوقف عن إقامة الأحلاف مع الأُمم المحيطة بها، ويعتمد أمنها فقط على الحليف يهوه الذي هو وحده أهل للثقة(٤٧).
أمّا عن نبوءته:
الأولى: عندما دمر الأشوريون المملكة الشمالية عام (٧٢٢ق.م) وعسكروا أمام أورشليم بقيادة الملك الجبار سنحاريب، بعث أشعيا بتطمينات إلى الملك المنخلع الفوائد حزقيا الذي توسل إلى أشعيا أن يخاطب يهوه من أجل حماية أورشليم، طمأنه أشعيا أن المدينة لن تحتل. وقد تحققت نبوءته بأعجوبة، إذ رفع الآشوريون حصارهم.
الثانية: كان يرى مستقبلاً آخر لهذا الشعب الذي تخلى عن يهوه، فكان لزاماً أن يسلط عليهم يهوه الوبال، لهذا كان أشعيا واثقاً أن عديمي الإيمان والأشرار يمكن أن ينجوا ليتمتعوا بمستقبل آمن وسوف يهلكون بالسيف أو يذوقوا الأمرَّين في منفاهم البائس بعيداً عن منازلهم المريحة.
والثالثة: كان ينتقد الطقوس المبالغ بها، إذ عبر عن نفاذ صبر يهوه من الإغراق في تفاصيل طقوس المعبد...
الرابعة: فيما يتعلق بسلطة يهوه فقد قال أمرين:
الأول: أن يهوه ليس فقط القدر الأعمى الذي يقرر الإحداث بل هو أيضاً المحركة والمدبر وراء التاريخ، إنه يقول عن مصر (شعبي) وعن آشور (صنع يدي)، لكنه سوف يعاقب ويدمر الأشرار في كل مكان.
أمّا الأمر الثاني: نبوءته التي يقول بها، لكن بعد المحنة سوف تعود البركة إلى البقية من الناس الذين مروا عبر كل المصاعب، واعتمدوا على يهوه فقط.
الخامسة: أنه يشير إلى المنقذ المسيح المخلص الذي سوف يظهر من ذرية داود ويأتي بعصر جديد. غير أن قصائد الأمل هذه والرؤيا قد طلعت من المصائب التي ابتلي بها عصره. إذ هناك الكثير مما جاء بأقواله، إذ معظم النصوص التي تتعلق بالمسيح وبما سيقوم به مدونة في كتاب النبي أشعيا، وهناك نبوءات أخرى مذكورة في كتب الأنبياء الآخرين أيضاً، من تلك النبوءات: سيعاد تأسيس سنهدرين (مجلس حكماء اليهود) (أشعيا:١/٢٦).
وعندما سيملك المسيا، سيتطلع إليه قادة جميع الأُمم ليكون قائدهم (أشعيا:٢/٤).
وسيقوم كل العالم بعبادة الله الواحد إله إسرائيل (أشعيا:٢/ ١٧).
وسيكون المسيا من نسل الملك داود ومن نسل الملك سليمان (أشعيا:١١/١).
وسيكون المسيا إنسان من هذا العالم، وسيكون يهودياً فطناً خائفاً لله (أشعيا:١١/٢).
والشر والطغيان لن يكونا قادرين على الوقف في وجه قيادته (أشعيا:١١/ ٤).
ومعرفة الله سوف تملئ العالم (أشعيا:١١/٩).
وسوف يضم ويجذب كل الشعوب من مختلف الثقافات والأُمم (أشعيا:١١/١٠).
وسوف يعود بفضله جميع اليهود إلى أرض وطنهم (أشعيا:١١/١٢).
وسوف يبتلع الموت للأبد (أشعيا:٢٥/٨).
لن يكون هناك بعد جوع أو مرض والموت سوف ينتهي (أشعيا:٢٥/٨).
سوف يقوم جميع الموتى (أشعيا:٢٦/١٩).
سوف يعيش اليهود متعة وفرحاً أبدياً (أشعيا:٥١/١١).
سوف يكون رسول سلام (أشعيا:٥٢/٧).
بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الأُمم (أشعيا: ٥٦/٣-٧).
تمت الإشارة في سفر أشعيا إلى المنقذ: (ابتهج - فرح - وهنا الفعل (יששים) على صيغة المستقبل ستفرحون - ستبتهجون)(٤٨).
ويقول النبي أشعياء: إن دولة داود الجديدة ستقوم على العدالة والحق وستمثل كل العالم، لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أبدياً، رئيس السلام لنحو رياسته، وللسلام لا نهاية على كرسي داوود وعلى مملكته ليثبتها ويعطيها بالحق والبرق الابن إلى الأبد غيره رب الجند تصنع هذا. (أشعياء ٩: ٦-٧).
حزقيال(٤٩):
المعلومات المؤكدة عن حياة حزقيال قليلة جداً. ومن المحتمل أن بعضاً من السفر المنسوب إليه كتب في وقت لاحق. من الواضح أنه كان القائد لما كان يعرف حلقة تثنية الاشتراع بين المنفيين(٥٠)، أولئك الذين اعتمدوا على ناموس سفر التثنية وفسروا التاريخ العبراني على ضوئه، حتى أنهم أعادوا كتابة سفر القضاة فضلاً عن أسفار صموئيل والملوك بما يتفق مع وجهة نظر ناموس التثنية.
تنبَّأ حزقيال في رؤاه وقصصه الأخلاقية، بأسلوب منمق وحار، بالدمار الكامل لأورشليم، نبوءة تحققت في عام (٥٨٦م). وقد طرح دمار الهيكل على حزقيال مشكلة جديدة: عندما ينتهي السبي الذي كان يراه قريباً ويعود الشعب إلى وطنه، ماذا سيكون الدستور الذي سوف يعيشون في ظله، وكيف سوف تؤدي العبادة، في الهيكل المستعاد؟
احتوت فلسفة العبادة عند حزقيال على التأكيد الجديد على المسؤولية الفردية، فضلاً عن مفهوم سامٍ عن يهوه بوصفه كائناً مفارقاً، متعالياً وكلي القداسة، أن الخاطئ الذي يطلب الصفح، لن يجد أن يهوه يذوب حباً ورأفة من أول إشارة ندم. ذلك أن قدسية يهوه تتطلب مقاربة طقسية من قبل مجموعة من الأفراد الأطهار، يجتمعون في الهيكل في حالة من الطهارة الجسدية والنقاء الطقسي وبإشراف كهنة خبراء، لقد انسحب يهوه بعيداً في قدسيته اللامتناهية من عالم الإنسان إذ لم يعد بالإمكان الاتصال به إلّا من خلال وسطاء، كهنة وملائكة(٥١).
وقد تمثلت تلك الأفكار في نصوص تؤكد على العودة وبناء الهيكل: مدن إسرائيل المهدمة سوف تعاد. (حزقيال:١٦/٥٥).
وسوف تدمر أسلحة الحرب (حزقيال: ٣٩ /٩).
وسوف يعاد بناء المعبد (هيكل أورشليم) ويعاد تطبيق الشرائع التي أوقف العمل بها. (حزقيال:٤٠).
وجاءت الإشارة إلى المنقذ (وهذا لن يكون حتى يجيء الذي اخترته للحكم عليكم). (حزقيال ٢١:٢٧)(٥٢).
وعن مدن الملجأ يقول الكتاب في سفر التثنية (١٩: ٨-٩): (وإن وسع الرب إلهك تخومك، فزد لنفسك أيضاً ثلاث مدن على هذه الثلاث).
أمّا المرحلة الثانية:
ومن التأويلات التي تناولت مفهوم الانتظار أو الخلاص نذكر منها ما جاء به فيلون وموسى بن ميمون:
إذ في الفكر الفلسفي الديني اليهودي عند فيلون (velon) ١٣ ق.م - حوالي ٥٤م(٥٣)، أنه جعل الغاية من الفلسفة هي أن تكون مؤدية إلى الخلاص، والخلاص هنا يجب أن يفهم بالمعنى الديني، أعني تخليص المتناهي من حالة التناهي حتّى الوصول إلى حالة اللاتناهي، وهو ما يعبر عنه في المسيحية فيما بعد بفكرة الخلاص من الخطيئة(٥٤)، ولتحقيق ذلك على الإنسان أن يتخلص من الحال التي هو عليها بأن يفنى بنفسه في الله بحسب رأي فيلون فلا يمكنه أن يجد الخلاص إلّا بالفناء(٥٥) في حضن الألوهية(٥٦).
إذ استبعد من اليهودية كل طموح سياسي ونقل تصور اليهود من خيرات دنيوية ومستقبل سعيد لشعب إسرائيل إلى وعود بخيرات روحية للنفس الصالحة، وبسيادة الشريعة في العالم، وحتى مسألة التئام شمل اليهود في بلد واحد بعد توبتهم؛ فإنه يؤولها إلى اجتماع الفضائل في النفس وتناسقها بعد ما تحدثه الرذيلة من تشتت(٥٧).
أمّا (موسى بن ميمون) (١١٣٥م) وهو من كبار الحاخامات اليهود في العصور الوسطى، فقد قدم مقاربة لهذا الأمر الحيوي في الإيمان اليهودي - أي الانتظار للمخلص -، ومن ثم يمكن القول: إن الفهم اليهودي السائد عن المسيا مؤسس على كتابات (موسى بن ميمون)، إذ ناقش ابن ميمون أفكاره وآراءه عن المسيا في كتابه (ميشنيه توراة)، وفي الجزء الرابع عشر من سلسلة كتابه الشريعة اليهودية في القسم المسمى (شرائع الملوك وحروبهم) (הלכות מלכים ומלחמותיהם) الفصل الحادي عشر، كتب ابن ميمون: الملك الممسوح مقدر له إقامة واستعادة مملكة داود وإعادة أمجادها الغابرة، في سيادتها المستقلة وفي سلطتها القائمة بذاتها، وسوف يبني الهيكل أو المعبد في أورشليم (القدس)، وسوف يعيد جمع شمل اليهود المشتتين في العالم معاً، وسوف يعاد تطبيق كل الشرائع في أيامه كما كانت من قبل، سوف تقدم الذبائح والأضاحي وتحفظ أيام السبت وأعياد اليوبيل طبقاً لجميع سلوكياته وأخلاقياته المدونة في التوراة، وكل من لا يؤمن به أو لا ينتظر مجيئه، لن يكون فقط يتحدى ويقاوم ما قاله الأنبياء، بل سيكون رافضاً للتوراة ولموسى معلماً، فالتوراة تشهد له في سفر التثنية (٣٠/٣-٥).
يرد الرب إلهك سبيك ويرحمك ويعود فيجمعك من جميع الشعوب الذين بددك إليهم الرب إلهك، إن يكن قد بددك إلى أقصاء السماوات، فمن هناك يجمعك الرب إلهك، ومن هناك يأخذك ويأتي بك الرب إلهك إلى الأرض التي لدى آباؤك فتمتلكها ويحسن إليك ويكثرك أكثر من آبائك).
إذ يؤكد موسى بن ميمون من هذا الاستدلال على القول: هذه الكلمات معلنة بوضوح في التوراة، وتشمل كل الإعلانات التي نطق بها الأنبياء، ففي التوراة نجد أن النبي بلعام يتنبأ بالملكين الممسوحين، الأول هو داوود الذي أنقذ إسرائيل من أيدي مضطهديه، والممسوح الآخر سوف يقوم من نسل داوود أيضاً لينقذ إسرائيل في النهاية، هذا ما قاله بلعام في آرائه، ولكن ليس الآن (هذا هو داود، أبصره ولكن ليس قريباً، وهذا هو المسيا الملك، يبرز كوكب من يعقوب، هذا هو داوود، ويقوم قضيب من إسرائيل، هذا هو المسيا الملك، فيحطم طرفي موآب ويهلك بني الوغى، هذا هو داوود في دولته) (سفر العدد ٢٤: ١٧-٢٤)، إذ يرد في العهد القديم هكذا يقول بلعام: (أشاهدُ مع أنه ليس قريب، يطلع نجم من بني يعقوب، ويقوم ملك من بني إسرائيل، يسحق جبين موآب، ويحطم رؤوس كل بني شيث، ويهزم أدوم، نعم يهزم عدوه سعير وتشتد قوة بني إسرائيل يأتي سيد من بني يعقوب، ويهلك كل من ينجو من مدينة العدو... وقال من هؤلاء القادمون من الشمال. والسفن الآتية من كتيم؟ إنها آشور وتخضع عابر. كلهم يهلكون) (سفر العدد ٢٤-١٧-٢٤).
يبدو أن الرؤية ارتبطت بداوود ملك أورشليم والرؤية تشير إلى ظهور الآشوريين وانتصارهم على اليهود؛ إلّا إنّهم سرعان ما يزولون. ويبدو أن النص تم تحويره حتى ينطبق على المنقذ الموعود ويشير أيضاً إلى نص ثاني.
هذه النصوص بكل طابعها القائم على التوقع المستقبلي هي تنطلق من حكم داوود وتصفه بالممسوح أو الملك، وتحاول أن تجعل منه حاكماً مهيمناً على الأقوام في الممالك الصغيرة المحيطة بملكه، وتحاول أن تصوره بأنه المنقذ، ويأتي فيها موسى بن ميمون حتى يستنتج أن المسيح أمر واقع، كما تروي تلك النصوص على الرغم من أنها هنا تخضع إلى التأويل؛ لكن الزمن الذي عاشه موسى بن ميمون أيضاً هو زمن نكبة عظيم أحاطت باليهود تمثلت بسقوط الأندلس وإجبار اليهود على الرحيل منها إلى الشرق. يأتي هنا توظيف موسى من أجل إحياء الأمل بالعودة إلى الديار وبناء مجد اليهود.
الخاتمة:
- هذا الموضوع يعد من الأمور المهمة في فهم الاستقطاب اللاهوتي الذي انتهج تأسيس خطاب بطولي تخيلي للتاريخ الديني اليهودي وهو نمط من التاريخ يحتل فيه الماضي دور المركز المؤثر في الحاضر.
- الخطاب الديني اليهودي، يتعلق بما هو غيبي يدخل من ضمن أُفق الانتظار (המשיח) المسيا أو الماشيح. وقد تخيله اليهود من أجل الهيمنة على العالم وحكمه من عاصمته أورشليم.
- من سمات المسيا كونه بطلاً محارباً شديد البأس، فمن صفاته شن الحرب؛ لأنها في سبيل (يهوه) يسقط كثيرون من أبطال إسرائيل في مواجهة الوغى وصفة (يهوه) للقتال تتجلى واضحة في لقبه (يهوه حياء ون) أي يهوه قائد الجيوش.
- المسيا أو المسيحانية، وهي فكرة غيبية تقوم على أساسي الاعتقاد في قدوم مسيح مخلص وظيفته السياسية تحقيق الخلاص القومي لشعبه، ثم أضيفت لهذه الوظيفة السياسية وظيفة دينية تعطي للمسيح المخلص دوراً لتحقيق الخلاص الديني لشعبه وفي نشأت مملكة الله السماوية لتقويض ضياع المملكة الأرضية.
- أخذت فكرة المسيا سرديات وإشعار ذات طابع طوباوي تخيلي يقوم على تجييش المشاعر لاهوتياً من أجل تعزيز السلطة الدينية وهي تقدم البديل عن الشتات والأسر، مما جعل اليهودي يشعر بغربته إلى الوطن الذي يسكنه ويعيش تخيلياً العودة إلى القدس.
- فهذه القراءات التي قامت لها المؤسسة الدينية اليهودية في بابل اعتادت على تشكيل الهوية الدينية اليهودية حتى تحافظ على سيطرتها على اليهود وتحول من دون ذوبانهم في المجتمع البابلي؛ لهذا اصطنعت لهم هوية تعزز اختلافهم عن المحيط.
- أحد أشكال هذه السردية في إقامة خطابها التخيلي هو الأدب الشعبي المتمثل في الأناشيد البطولية الشعبية، أو عالم الحكاية المحاكي المخالف عن العالم الحقيقي في كون العالم الحقيقي محايداً أخلاقياً، على العكس من العوالم التخيلية فإنها محملة بالقيّم والأحكام المسبقة. القائمة على: عقيدة الصفاء العرقي والديني، والعودة إلى الأصول والتأصيل العرقي للدين اليهودي (شعب الله المختار).
- أمّا الشكل الآخر لهذه السردية تمثل بالنصوص التوراتية المتأخرة والتلمودة التي تحاول نفي الآخر وإسقاط أحكام وصور نمطية. وتؤكد العودة المنتظرة كما جاء: (وسوف يعود بفضله جميع اليهود إلى أرض وطنهم) (أشعيا:١١/١٢).
(وسوف يبتلع الموت للأبد) (أشعيا:٢٥/٨).
(لن يكون هناك بعد جوع أو مرض والموت سوف ينتهي) (أشعيا:٢٥/٨).
وغيرها من النصوص.
- أمّا الشكل الثالث من هذه السردية فظهر في أقوال الفلاسفة اليهود مثل فيلون (velon) (سنة ١٣ ق.م) - حوالي ٥٤م، و(موسى بن ميمون ١١٣٥م) الذين حاولوا إضفاء البُعد العقلي على تلك النصوص الدينية سواء كانت شعبية أو دينية. إذ جعل فيلون الغاية من الفلسفة هي أن تكون مؤدية إلى الخلاص، والخلاص هنا يجب أن يفهم بالمعنى الديني، أعني تخليص المتناهي من حالة التناهي والوصول إلى حالة اللاتناهي.
أمّا موسى بن ميمون، فقد قدم مقاربة لهذا الأمر الحيوي في الإيمان اليهودي أي الانتظار للمخلص، ومن ثم يمكن القول إن الفهم اليهودي السائد عن المسيا مؤسس على كتابات موسى بن ميمون، إذ ناقش ابن ميمون أفكاره وآراءَه عن المسيا في كتابه (ميشنيه توراة)، هذه النصوص بكل طابعها القائم على التوقع المستقبلي هي تنطلق من حكم داوود وتصفه بالممسوح أو الملك وتحاول أن تجعل منه حاكماً مهيمناً على الأقوام في الممالك الصغيرة المحيطة بملكه وتحاول أن تصوره بأنه المنقذ.
الهوامش:
(١) التيولوجي، مفهوم يطلق على الدراسات اللاهوتية في العصر الوسيط، يقابلها مفهوم إيديولوجي يطلق على الدراسات الحديثة والمعاصرة.
(٢) Vocabulaire de Théologie Biblique. Publié sous la direction de Xavier Léon-Dufour Douzième édition. Les Eddition du CERF «Messie، déclaqué de l›hébreu et de l›araméen، et Christtranscrit du grec، signifient tous deux (Oint). P٦٠٨
(٣) فؤاد منسي علي، المجتمع حتى تشريده، ص٩٢.
(٤) فالح مهدي، البحث عن منقذ (دراسة مقارنة بين ثماني ديانات)، دار ابن رشد، ط١، بيروت، ١٩٨١، ص٩٢، وانظر the letter prophets.T.Hen shaw ٣١٠ ff;
(٥) فالح مهدي، البحث عن منقذ (دراسة مقارنة بين ثماني ديانات)، ص٩٣، وانظر: فؤاد حسين، اليهودية واليهودية المسيحية، ص١٤.
(٦) هذا يظهر في الصراع الذي حدث بين يهوا ويعقوب من أجل أن يمنحه الوعد بالأرض وموسى من خلال التجلي له على الجبل. سفر التكوين: ٢٤ (فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ). صعد موسى إلى الجبل وحل مجد الرب على جبل سيناء وغطاه بالسحاب مدة سبعة أيام.
وفي اليوم السابع دُعي موسى من وسط السحاب. وكان منظر مجد الرب كنار آكلة أمام عيون جميع بني إسرائيل. ودخل موسى في وسط السحاب وصعد إلى الجبل. وكان موسى في الجبل أربعين نهاراً وأربعين ليلة. (الخروج ٢٤: ١٢-١٨). وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار، وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جداً. فكان البوق يزداد اشتداداً وموسى يتكلم والله يجيبه. (الخروج ١٩: ٨-١٩).
(٧) تحرير: فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان، الكتاب الخامس، دار علاء الدين، ط١، دمشق، ٢٠١٠، ص ١٤٤-١٤٥.
(٨) فالح مهدي، البحث عن منقذ (دراسة مقارنة بين ثماني ديانات)، ص٩٥.
وانظر the letter prophets.T.Hen shaw ٣١٠ ff;
(٩) مصطفى عبد المعبود، علامات آخر الزمان في اليهودية، مكتبة النافذة، ط١، القاهرة، ٢٠١٠، ص٥٨.
(١٠) سعاد عبد الكريم محمد، المنتظر في التوراة والإنجيل، مجلة العقيدة، شهر ربيع الأول ١٤٤٠هـ/٢٠١٨م، العدد ١٦، تصدر عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، ص ٢٥٦-٢٥٧.
(١١) يقول (الخوري بولس الفغالي): (لم يكن هذا الطقس (المسح بالزيت) خاصاً بشعب إسرائيل، فهناك رسالة من تل العمارنة تعلمنا أن ملوك أرام وفينيقية وكنعان، كانوا يُمسَحون ملوكًا على يد رسولٍ من عند فرعون، وقد وُجِد في أحد مقابر ملوك جبيل إناء يوضع فيه البلسم (هذا السائل العطري) من أجل تنصيب الملوك على عروشهم. ونعرف أيضاً أن الموظفين الكبار في مصر، كانوا يُمسَحون بالزيت قبل أن يتسلَّموا مهامهم، وهكذا يتبين لنا أن طقس المسح بالزيت جاء إلى العبرانيين من مصر.
انظر: حلمي القمص يعقوب، كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس).
(١٢) تحرير: فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان، الكتاب الخامس، دار علاء الدين، ط١، دمشق، ٢٠١٠، ص ١٤٤-١٤٥.
(١٣) فالح مهدي، البحث عن منقذ (دراسة مقارنة بين ثماني ديانات)، ص١١٨.
(١٤) عبد الوهاب المسيري موسوعة اليهودية والصهيونية، دار الشروق، ط١، القاهرة، ١٩٨٢م، ص٦٠.
(١٥) محمد عبد المجيد، اليهودية، مكتبة سعيد رافت، ط١، القاهرة، ١٩٧٨م ص٢٩-٣٠.
(١٦) محمد خليفة حسن، تاريخ الديانة اليهودية، القاهرة، ١٩٩١م، ص ١٥٢-١٥٣.
(١٧) جويل كاندو، الذاكرة والهوية، ترجمة، وجيه أسعد، الهيأة العامة السورية للكتاب، ط١، دمشق، ٢٠٠٩ م، ص٣٥.
(١٨) ناجح المعموري، أقنعة التوراة، دار الأهلية للنشر والتوزيع، ط١، غمان، ٢٠٠٢م، ص٩.
(١٩) عبد الله إبراهيم، السردية العربية الحديثة، المركز الثقافي العربي، ط١، الدار البيضاء - المغرب، ص٥٦-٥٧.
(٢٠) إيمانويل هيمان، الأصولية اليهودية، ترجمة، سعد الطويل، الهيأة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ٢٠١٢م، ص٢٤.
(٢١) عاطف عثمان حلبية، غرائب التلمود، ج١، القاهرة، ص ٢٥.
(٢٢) غرائب التلمود المصدر السابق، ص٢٧-٢٨.
(٢٣) المرجع السابق، ص٢٨.
(٢٤) المرجع السابق، ص٣٠.وانظر: بيتيرشيفر، يسوع في التلمود المسيحية المبكرة في التفكير اليهودي الحاخامي، ترجمة، نبيل فياض، المركز الأكاديمي للأبحاث، ط١، بيروت، ٢٠١٦م.
(٢٥) المرجع السابق، ص٣٢.
(٢٦) المرجع السابق نفس الصفحة. وانظر في هذا الصدد أيضاً: روهلبخ، الكنز المرصود في قواعد التلمود، ص٥١-٥٥. وانظر أيضاً منير العكش، تلمود العم سام، رياض الريس، ط١، القاهرة، ٢٠٠٤.م وفي هذا الكتاب لقاء الأصولية اليهودية والأصولية المسيحية وهو ما سوف نقف عندها في هذا البحث.
(٢٧) روهلبخ، الكنز المرصود في قواعد التلمود المرجع السابق.
(٢٨) إسرائيل شاحاك، تاريخ اليهود وديانتهم عبر ثلاثة آلاف عام، ترجمة، ناصرة السعدون، دار كنعان، طبعه خاصة، ٢٠١٢م، ص ٢٩.
(٢٩) ألان أنترمان، اليهود عقائدهم الدينية وعباداتهم، ترجمة، عبد الرحمن الشيخ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط١، القاهرة، ٢٠٠٤م، ص١٠٧.
(٣٠) محمد الجو يلي، الزعيم السياسي، دار سراس للنشر، تونس ١٩٩٢م، ص٢٥، ٢٦.
(٣١) عبد الأمير زاهد وفكري جواد، الأسس الدينية للأصولية في الأديان الإبراهيمية، ص١٩.
(٣٢) غرائب التلمود، المصدر السابق، ص١٢٧.
(٣٣) فكري جواد، الأسس الدينية للأصولية في الأديان الإبراهيمية، ص٢٧.
(٣٤) صفوان الشوادفي، اليهود نشأة وتاريخاً، دار التقوى للتوزيع والنشر، (د.ت)، ص٦٧.
(٣٥) يشير إلى منطقة يعيش فيها، طوعاً أو كرهاً، مجموعة من السكان يعتبرهم أغلبية الناس خلفية لعرقية معينة أو لثقافة معينة أو لدين. أصل الكلمة يعود للإشارة إلى حي اليهود في المدينة، مثل الغيتو في مركز مدينة روما. يشار إلى الغيتو في الدول العربية بـ(حارة اليهود). الغيتو أيضاً درج على وصف الأحياء الفقيرة الموجودة في المناطق المدنية الحديثة.
(٣٦) انظر: عرفات عبد الحميد فتاح، اليهودية عرض تاريخي، دار عمان، ط١، عمان، ١٩٩٧ م، ص١٢٨.
(٣٧) الصورة النمطية: هناك فرق بين الصورة النسخ المنبعثة من الإدراك والصور الاستيهامية التي تلعب دور التعويض عن النقص، والصورة النمطية هي من جنس الثانية وهي تلعب دور حارية للذاكرة من تحولات الزمن. انظر: محمد نور الدين أفاية، الغرب المتخيل، المركز الثقافي العربي، ط١، بيروت، ٢٠٠٠، ص٢٠-١٢.
(٣٨) رشيد باني الظالمي، الميثولوجيا في النص التاريخي والديني، مصدر سابق، ص١٢٨.
(٣٩) انظر: حسن ظاظا وآخرون، شريعة الحرب عند اليهود دار الاتحاد العربي للطباعة، ط١، الاسكندرية، ١٩٧٦م، ص ١٦.
(٤٠) من مقدمة المترجم، ابن ميمون، رسالة اليمن، ترجمة وتقديم نبيل فياض، ص٦.
(٤١) ينظر: الملاح، هاشم، المفصل في فلسفة التاريخ، ص٨٠- ٨١.
(٤٢) ينظر: الملاح، هاشم يحيى، المفصل في فلسفة التاريخ، ص٨٩.
(٤٣) ينظر: المصدر والصفحة نفسهما.
(٤٤) محمد صديقي، فكرة المخلص (الإنسانية) بحث في فكر المهدوي، دار جداول، ط١، بيروت.
(٤٥) محمد حايفة حسن أحمد، رؤية عربية في تاريخ الشرق الأدنى القديم وحضارته، ص٢٢-٢٢٤.
(٤٦) تحرير فراس السواح موسوعة تاريخ الأديان، ص ١٣٩.
(٤٧) تحرير فراس السواح موسوعة تاريخ الأديان، ص ١٢٦-١٢٧.
(٤٨) سعاد عبد الكريم محمد، المنتظر في التوراة والإنجيل، ص ٢٦٤.
(٤٩) حزقيال: وهو نبي مقدس في اليهودية والمسيحية والإسلام [محل شك]. وهو كاتب سفر حزقيال في الكتاب المقدس، وسفره كان عبارة عن تنبؤات بخصوص سقوط القدس بيد البابليين وسقوط الأُمم المجاورة وأيضاً بخصوص عودة اليهود إلى القدس وإعادة بنائهم للهيكل وتكلم أيضاً عن المسيح وقد عاش ما بين سنتي ٦٢٢ ق م و٥٧٠ ق م. وقد كان حزقيال من اليهود المسبيين الأوائل لبابل، حيث تم سبيه في سنة ٥٩٧ ق م إلى نهر الخابور. ويقال إنه نفسه ذو الكفل النبي المذكور في القرآن. انظر: الموسوعة الحرة.
(٥٠) (بالعبرية: דברים) أحد الأسفار المقدسة في التناخ الكتاب المقدس لدى الديانة اليهودية والعهد القديم في المسيحية؛ ولا خلاف بين مختلف طوائف الديانة اليهودية والمسيحية حول قدسيته.
يعتبر سفر التثنية من الأسفار الخمسة الأولى المنسوبة إلى موسى ويشكل جزءاً من التوراة، تشير الموسوعة اليهودية إلى أن النص عثر عليه عزرا عند عودة اليهود من سبي بابل ضمن خرائب هيكل سليمان، فأطلقوا عليه اسم التوراة. ثم شملت التسمية جميع الأسفار الخمسة الأولى المنسوبة إلى موسى، ولكنه دعي باسم التثنية أو الاشتراع ثم دعي باسم تثنية الاشتراع بدءًا من الترجمة السبعينية للكتاب المقدس، والتي تمت على أيدي رجال دين يهود في الإسكندرية خلال القرن الثاني قبل الميلاد.
(٥١) تحرير: فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان، الكتاب الخامس، دار علاء الدين، ط١، دمشق، ٢٠١٠، ص ١٤٤-١٤٥.
(٥٢) سعاد عبد الكريم محمد، المنتظر في التوراة والإنجيل، ص ٢٦٠.
(٥٣) ينظر: جوليا، ديديه، قاموس الفلسفة، ص ٤٠٣.
(٥٤) بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، ج ٢، مطبعة سليمان زادة، إيران، ط أولى، ١٤٢٧هـ، ص٢٢٦.
(٥٥) المعنى الصوفي للفناء هو (سقوط الأوصاف المذمومة كما أن البقاء وجود الأوصاف المحمودة والفناء فناءان: أحدهما بكثرة الرياضة، والثاني بعدم الإحساس بعالم الملك والملكوت والاستغراق في عظمة الباري ومشاهدة الحق) الجرجاني، علي بن محمد، كتاب التعريفات، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط أولى، ٢٠٠٣، ص١٣٨.
(٥٦) ينظر: بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، ج الثاني، ص٢٢٧.
(٥٧) كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط، مديرية دار الكتب بغداد، بلا سنة طبع، ص٢٤٩.